الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فإذا جاءهم الله بالرسول صلى الله عليه وسلم رحمةً وهدىً لينقذ المعذّبين في الأرض من ظلم الطغاة البغاة العتاة، ويقيم الحياة الإنسانيّة على دعائم الإخاء والمساواة، والرحمة والمواساة، فإن عون الله وتوفيقه للرسول صلى الله عليه وسلم هو الواقع!
11 - وتكسب المعدوم:
ومن الكلمات النورانيّة لأمّ المؤمنين خديجة للرسول صلى الله عليه وسلم كما أسلفنا:
(وتكسب المعدوم)!
وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم قبل البعثة الصورة المتحرّكة للقرآن الناطق في صمته وسكونه، والمعلّم حينما تهتزّ أسلات الألسن بآياته، مضيئة بنور القلوب والعقول والأرواح، فهمًا للرسالة!
ومن ثم كان سخاء الجود إلى ذروة الإيثار من سمات الرسول صلى الله عليه وسلم قبل أن يكون رسولًا، فما بال الدنيا بك أنت الذي أدّبتهم فتأدّبوا بأدبك؟ وقد تأدّبت بأدب الله الذي تولاك -منذ كنت- بفواضل أدبه فأحسن تأديبك!
ومَن في الوجود الكوني على خلقك الفطري الذي فطرك الله عليه من مكارم الوجود؟ فأنت أجود الناس، ولأنت أجود بالخير من الريح المرسلة!
أو لست أنت الذي تظاهرت عليك بيّنات الألسن بأنك تعطي عطاء من لا يخشى الفقر؟ أو لست أنت الذي عرف لك قومك قبل أن يبعثك الله للناس رسولًا أنك كنت في تحنّثك وتعبُّدِك تطعم من جاءك من المساكين؟
وهنا نذكر ما رواه مسلم وغيره عن أبي مسعود الأنصاريّ، قال: جاء رجل
إِلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إِنّي قد أُبدع بي فاحْملني، فقال:"ما عندي"! فقال رجل: يا رسول الله! أنا أدلّه على من يحمله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"من دلّ على خير فله مثل أجر فاعله"(1)!
ويروي مسلم وغيره عن أنس رضي الله عنه: ما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم على الإِسلام شيئًا إِلا أعطاه، قال: فجاءه رجل فأعطاه غنم بين جبلين! فرجع إِلى قومه، فقال: يا قوم، أسلموا، فإِن محمدًا يعطي عطاء لا يخشى الفاقة!
وفي رواية: أسلموا، فوالله إِن محمدًا ليعطي عطاء ما يخاف الفقر (2)!
وقد كان جوده صلى الله عليه وسلم لله، وفي ابتغاء مرضاته، فإنه كان يبذل المال تارة لفقير أو محتاج، وتارة ينفقه في سبيل الله، وتارة يتألف به على الإِسلام من يقوى الإِسلام بإسلامه!
والكرم مَجمعةٌ للقلوب، ومجلبة لمحبّة الناس، والكريم لا يُضام، ولا يُخزى، ولا يخذل، يملك بكرمه زمام محبّة الأفئدة، ويستأسر من أكرمهم بإحسانه وفواضله، فيؤثرونه بمودّتهم على كل محبوب .. ولهذا كان في
(1) مسلم: 33 - الإمارة (1893)، والبخاري: الأدب المفرد (242)، والطيالسي (611)، وعبد الرزاق (20054)، وأحمد: 4: 120، 5: 272، 273، 274، وأبو داود (5129)، والترمذي (2671)، والطحاوي: مشكل الآثار (1546)، والبيهقيُّ: 9: 28، وأبو نعيم: الحلية: 6: 266، وابن عبد البر: جامع بيان العلم وفضله: 1: 16، والبغويُّ (3608)، والطبراني: الكبير: 17: (622، 623، 624، 625، 627، 328، 629، 630، 631، 632)، والخطيب: 7: 383، وابن حبّان (289، 1668).
(2)
مسلم: 43 - الفضائل (2312)، وأحمد: 3: 108، 175، 259، 284، وأبو يعلى (3302، 3750)، وأبو الشيخ: أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم: 51، والبغويُّ (3691)، وابن خزيمة (2371، 2372)، والبيهقيُّ: 7: 19، وابن حبّان (6373، 6374)، وانظر: ابن كثير: الشمائل: 74.