المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث العاشر في تكرار السورة الواحدة في ركعتين - الجامع في أحكام صفة الصلاة - الدبيان - جـ ٣

[دبيان الدبيان]

فهرس الكتاب

- ‌المبحث الثاني في قراءة المأموم ما زاد على الفاتحة

- ‌الفرع الأول في قراءته ما زاد على الجهرية

- ‌الفرع الثاني في قراءة المأموم ما زاد على الفاتحة في السرية

- ‌المبحث الثالث في قراءة ما زاد على الفاتحة في الركعة الثالثة والرابعة

- ‌المبحث الرابع في أقل ما تحصل به السنة من القراءة بعد الفاتحة

- ‌المبحث الخامس في قراءة السورة قبل الفاتحة

- ‌المبحث السادس

- ‌فرع في مقدار التفاوت بين الركعة الأولى والثانية في القراءة

- ‌المبحث السابع في إطالة الركعة الثانية على الأولى

- ‌المبحث الثامن في القراءة من أواسط السور وأواخرها

- ‌المبحث التاسع في قراءة أكثر من سورة في الركعة الواحدة

- ‌المبحث العاشر في تكرار السورة الواحدة في ركعتين

- ‌الفصل الثالث في مقدار القراءة في الصلوات الخمس

- ‌المبحث الأول في تقسيم سور القرآن إلى طوال ومئين ومثان ومفصل

- ‌المبحث الثاني في تحديد بداية المفصل

- ‌المبحث الثالث في تحديد طوال المفصل وأوسطه وقصاره

- ‌المبحث الرابع في مقدار القراءة المستحبة في صلاة الصبح

- ‌فرع في استحباب قراءة السجدة والإنسان في فجر الجمعة

- ‌المبحث الخامس في مقدار القراءة في صلاة الظهر

- ‌المبحث السادس في مقدار القراءة في صلاة العصر

- ‌المبحث السابع في مقدار القراءة في صلاة المغرب

- ‌المبحث الثامن قدر القراءة من بالمغرب من السور الطوال

- ‌المبحث التاسع قدر القراءة في صلاة العشاء

- ‌الفصل الرابع في الأحكام العامة المتعلقة بالقراءة

- ‌المبحث الأول الجهر والإسرار في الصلاة

- ‌الفرع الأول الجهر والإسرار بالصلاة المؤداة

- ‌الفرع الثاني في الإسرار في الصلاة الفائتة

- ‌الفرع الثالث حكم الجهر والإسرار في موضعه

- ‌المسألة الأولى حكم الجهر والإسرار بالقراءة للإمام

- ‌المسألة الثانية حكم الجهر والإسرار بالقراءة للمنفرد

- ‌المسألة الثالثة حكم الجهر بالقراءة للمأموم

- ‌المسألة الرابعة حكم جهر المرأة بالقراءة

- ‌الفرع الرابع في أقل الجهر وأعلاه

- ‌المسألة الأولى في أقل الجهر

- ‌المسألة الثانية في أعلى الجهر

- ‌الفرع الخامس في جهر بعض المصلين على بعض

- ‌الفرع السادس الجهر ببعض الآيات في الصلاة السرية

- ‌المبحث الثاني في السؤال عند آية الوعد والتعوذ عند آية الوعيد

- ‌المبحث الثالث في حكم قراءة القرآن بغير العربية في الصلاة

- ‌المبحث الرابع في القراءة الشاذة

- ‌الفرع الأول في تعريف القراءة الشاذة

- ‌الفرع الثاني الصلاة بالقراءة المخالفة لرسم المصحف

- ‌الفرع الثالث في الاحتجاج بالقراءة الشاذة في الأحكام

- ‌الفرع الرابع في الجمع بين القراءات المختلفة في الصلاة

- ‌المبحث الخامس في القراءة من المصحف

- ‌الفرع الأول القراءة من المصحف خارج الصلاة

- ‌الفرع الثاني في القراءة من المصحف بالصلاة

- ‌الباب السابع في أحكام الركوع

- ‌الفصل الأول في حكم تكبيرات الانتقال ومنه التكبير للركوع

- ‌الفصل الثانيفي حكم الركوع

- ‌المبحث الأول يرفع يديه للركوع والرفع منه دون القيام من الركعتين

- ‌المبحث الثاني في وقت ابتداء التكبير

- ‌المبحث الثالث في مد تكبيرات الانتقال لتستوعب جميع المحل

- ‌الفصل الرابع في صفة الركوع

- ‌المبحث الأول في الصفة المجزئة

- ‌المبحث الثاني في صفة الركوع الكامل

- ‌الفرع الأول في وضع اليدين على الركبتين

- ‌الفرع الثاني إذا نوى بالانحناء غير الركوع

- ‌المبحث الثالث في مد الظهر ومجافاة المرفقين عن الجنبين

- ‌المبحث الرابع وجوب الطمأنينة في الصلاة

- ‌الفصل الخامس في أذكار الركوع والسجود

- ‌المبحث الأول حكم التسبيح في الركوع والسجود

- ‌المبحث الثاني صيغة التسبيح في الركوع والسجود

- ‌المبحث الثالث في زيادة (وبحمده) مع التسبيح

- ‌المبحث الرابع أقل ما تحصل به سنة التسبيح

- ‌المبحث الخامس أعلى الكمال في تسبيح الركوع والسجود

الفصل: ‌المبحث العاشر في تكرار السورة الواحدة في ركعتين

‌المبحث العاشر في تكرار السورة الواحدة في ركعتين

المدخل إلى المسألة:

* لم يصح أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ في صلاته سورة واحدة في الركعتين.

* قراءة الصلاة قراءة واحدة، ولهذا يتعوذ في أول القراءة، ولا يتعوذ في سائر الركعات على الصحيح، وإذا كانت قراءة واحدة فلا حاجة إلى تكرار السورة مرتين إلا لمن لا يعرف غيرها.

* لا أعلم أحدًا قال باستحباب تكرار السورة الواحدة في الركعتين.

* عموم الأمر بقراءة ما تيسر من القرآن لا يمنع من جواز تكرار السورة.

* أَقَرَّ النبي صلى الله عليه وسلم الرجل الذي كان يختم قراءته بقل هو الله أحد، وهو من الإقرار الجائز، وليس المستحب، فالنبي صلى الله عليه وسلم أكمل الأمة محبة ومعرفة بصفة الرحمن، ولم يفعل ذلك ولو مرة واحدة، ولم يأمر الأمة بفعله.

* إنكار الصحابة ع لى الرجل تكراره سورة الإخلاص في كل ركعة يدل على أنه ليس هو الأفضل؛ لمخالفته لما عهدوه من عمل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في صلاتهم؛ وقد أقرهم النبي صلى الله عليه وسلم على هذا الإنكار.

[م-585] اختلف العلماء في تكرار سورة في ركعتين عدا الفاتحة:

فقيل: يكره في الفرض إن كان يحفظ غيرها دون النفل، فإن كان لا يحفظ غيرها وجب تكرارها؛ لوجوب ضم سورة للفاتحة، وهو مذهب الحنفية

(1)

.

قال في نور الإيضاح: «ولا بأس بتكرار السورة في الركعتين من النفل»

(2)

.

(1)

. مراقي الفلاح (ص: 129)، حاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح (ص: 352)، نور الإيضاح ونجاة الأرواح (ص: 72، 75)، الدين الخالص (2/ 188).

(2)

. نور الإيضاح (ص: 75).

ص: 95

وقيل: يكره مطلقًا، وإن سقطت به سنة القراءة، هو مذهب المالكية

(1)

.

وقيل: يجوز، ولكنه خلاف الأولى، وهو قول في مذهب المالكية

(2)

.

وقيل: يجوز بلا كراهة، وبه قال الشافعية والحنابلة

(3)

.

قال الرملي في نهاية المحتاج: «لو كرر سورة في الركعتين حصل أصل سنة القراءة»

(4)

.

* دليل من قال: يجوز مطلقًا بلا كراهة:

الدليل الأول:

(ح-1504) ما رواه أبو داود، قال: حدثنا أحمد بن صالح: حدثنا ابن وهب: أخبرني عمرو، عن ابن أبي هلال، عن معاذ بن عبد الله الجهني؛

أن رجلًا من جهينة أخبره؛ أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في الصبح: {إِذَا زُلْزِلَتِ الأَرْضُ زِلْزَالَهَا} في الركعتين كلتيهما، فلا أدري أَنَسِيَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، أم قرأ ذلك عمدًا؟

(5)

.

[انفرد به معاذ بن عبد الله، واختلف عليه في وصله وإرساله]

(6)

.

(1)

. ضوء الشموع شرح المجموع (1/ 350)، المدخل لابن الحاج (4/ 265)، شرح الزرقاني على مختصر خليل (1/ 359).

(2)

. حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني (1/ 263)، المدخل لابن الحاج (4/ 264)، مواهب الجليل (1/ 538)، حاشية العدوي على الخرشي (1/ 274).

(3)

. نهاية المحتاج (1/ 492)، وانظر: حواشي العبادة على تحفة المحتاج (2/ 52)، وحواشي الشرواني على تحفة المحتاج (2/ 51)، حاشية الجمل (1/ 359) الفروع (2/ 181)، الإنصاف (2/ 99)، الإقناع (1/ 128)، شرح منتهى الإرادات (1/ 192)، كشاف القناع (1/ 374).

(4)

. نهاية المحتاج (1/ 492).

(5)

. سنن أبي داود (816).

(6)

. مدار الحديث على معاذ بن عبد الله بن خبيب، روى له أحمد وأصحاب السنن ولم يخرج له الشيخان شيئًا في صحيحيهما، وروى له البخاري في الأدب المفرد، له من الرواية ما يقارب ثلاثةً وعشرين حديثًا.

قال فيه الدارقطني: ليس بذاك.

وذكره البخاري في التاريخ الكبير، وسكت عليه (1561).

وقال أبو داود كما في رواية الآجري عنه: ثقة. =

ص: 96

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= وقال الدارمي عن ابن معين: من الثقات. الجرح والتعديل (8/ 247).

وقال ابن سعد في طبقاته: كان قليل الحديث.

وقال ابن حزم: مجهول.

وقال ابن حجر: صدوق، ربما وهم.

ومع تفرده بهذا الحديث فقد اختلف عليه في وصله وإرساله:

فرواه سعيد بن أبي هلال كما في سنن أبي داود (816)، ومن طريقه البيهقي (2/ 546)، عن معاذ، عن رجل من جهينة موصولًا.

وسعيد بن أبي هلال: احتج به الشيخان، وقال أبو حاتم: لا بأس به.

ووثقه ابن سعد وابن خزيمة والدارقطني والبيهقي والخطيب، وذكره ابن حبان في الثقات.

وقال أحمد: ما أدري أي شيء، يخلط في الأحاديث.

وقال ابن حزم: ليس بالقوي.

وذكره في الضعفاء زكريا بن يحيى الساجي مستندًا إلى قول أحمد أنه يخلط.

وقال البرذعي: «قال لي أبو زرعة: خالد بن يزيد المصري، وسعيد بن أبي هلال: صدوقان، وربما وقع في قلبي من حسن حديثهما، قال أبو حاتم: أخاف أن يكون بعضها مراسيل، عن ابن أبي فروة وابن سمعان» . انظر الضعفاء لأبي زرعة الرازي في أجوبته على أسئلة البرذعي (2/ 361).

قال ابن رجب في شرح علل الترمذي تعليقًا على كلام أبي زرعة: ومعنى ذلك أنه عرض حديثهما على حديث ابن أبي فروة، وابن سمعان فوجده يشبهه، ولا يشبه حديث الثقات الذين يحدثان عنهم، فخاف أن يكونا أخذا حديث ابن أبي فروة وابن سمعان، ودلساه عن شيوخهما.

وقال أبو داود كما في سؤالاته لأحمد (254): «سمعت أحمد يقول: سعيد بن أبي هلال سمعوا منه بمصر القدماء، فخرج -زعموا- إلى المدينة فجاءهم بعدل -أو قال: بوسق- كُتُبٍ كتبت عن الصغار، وعن كُلِّ، وكان الليث بن سعد سمع منه، ثم شك في بعضه، فجعل بينه وبين سعيد خالدًا يعني خالد بن يزيد» .

وقال ابن حزم كما في الفصل في الملل والنحل: ليس بالقوي قد ذكره بالتخليط يحيى وأحمد.

وقال ابن حجر: صدوق، لم أر لابن حزم في تضعيفه سلفًا إلا أن الساجي حكى عن أحمد أنه اختلط. يقصد الحافظ: يخلط، والخلط غير الاختلاط.

وخالفه سعد بن سعيد بن قيس الأنصاري، فرواه عن معاذ بن عبد الله بن خبيب الجهني، عن سعيد بن المسيب، قال: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الفجر، فقرأ في الركعة الأولى بـ {إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ} ، ثم قام في الثانية، فأعادها.

رواه إسماعيل بن جعفر كما في حديثه من رواية علي بن حجر (418)، وفضائل القرآن للمستغفري (1010).

وأبو معاوية كما في المراسيل لأبي داود (40). =

ص: 97

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= وعبد الله بن نمير كما في فضائل القرآن للمستغفري (1009)، ثلاثتهم رووه عن سعد بن سعيد الأنصاري به.

وسعد بن سعيد الأنصاري، روى عنه السفيانان الثوري وابن عيينة، وابن المبارك، وعمرو بن الحارث، وجماعة كثيرون، روى له مسلم بضعة أحاديث، أشهرها حديث:(من صام رمضان ثم أتبعه بست من شوال).

وقد جاء تضعيفه عن الإمام أحمد مطلقًا.

وجاء تضعيفه أيضًا مقارنة بأخويه يحيى بن سعيد، وعبد ربه. انظر العلل للإمام أحمد (1200).

وقال المروذي كما في سؤالاته (111): قال أبو عبد الله: يحيى بن سعيد، وأخواه، يعني عبد ربه بن سعيد، وسعد بن سعيد، فضعف سعدًا.

أيكون الإمام أحمد أراد تضعيفه مطلقًا أم أراد أنه ضعيف إذا قورن بأخويه؟ محتمل.

وقال النسائي: ليس بالقوي.

وقال الترمذي: تكلموا فيه من قِبَلِ حفظه.

وقال يحيى بن معين كما في رواية ابن محرز: ثقة.

وقال أيضًا كما في رواية الكوسج: صالح.

وروي عن يحيى أنه ضعفه.

وقال الدارقطني: ليس به بأس.

وقال ابن سعد: كان ثقة قليل الحديث دون أخيه. الطبقات الكبرى ط العلمية (5/ 425).

وقال العجلي وابن عمار وابن شاهين وابن خلفون: ثقة.

وقال أبو حاتم الرازي كما في الجرح والتعديل (4/ 84): مُؤَدٍّ. قال ابنه أبو محمد: يعني أنه كان لا يحفظ، يؤدي ما سمع. اهـ لعل قصده: لا يفقه، يؤدي ما سمع، لأن من يؤدي ما سمع فقد حفظ، ولهذا قال أبو الحسن القطان: اختلف في ضبط هذه اللفظة، فمنهم من يخففها: أي هالك. ومنهم من يشددها: أي حسن الأداء. تهذيب التهذيب (1/ 692).

وقال ابن عدي: ولسعد بن سعيد أحاديث صالحة تقرب من الاستقامة، ولا أرى بحديثه بأسًا بمقدار ما يرويه. الكامل (4/ 389).

وقال الذهبي في السير: أحد الثقات. اهـ

فواضح من ترجمته أن في حفظه شيئًا، فيتجنب ما ينفرد به، وهو بكل حال أدنى منزلة من سعيد بن أبي هلال، وأقل رواية منه.

إذا عرفت ذلك تبين لك أن هناك اختلافًا في وصله وإرساله، فإن كان الخطأ من معاذ بن عبد الله الجهني، فهذه علة قادحة في الحديث.

وإن كان الخطأ من الرواة عنه، فإن سعيد بن أبي هلال وإن كان أقوى من سعد بن سعيد وأكثر رواية منه، إلا أن كلام الإمام أحمد بأنه يخلط في الحديث يقصد بعض أحاديثه، لا كلها، =

ص: 98

ونوقش هذا الحديث:

بأن الراوي قال: لا أدري أنسيَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، أم قرأ ذلك عمدًا؛ لأنه لم يعهد من النبي صلى الله عليه وسلم في صلاته أنه كان يفعل ذلك.

* وأجيب:

قال الشوكاني: «إذا دار الأمر بين أن يكون مشروعًا أو غيرَ مشروع؛ فَحَملُ فعلِه صلى الله عليه وسلم على المشروعية أولى؛ لأن الأصل في أفعاله التشريع، والنسيان على خلاف الأصل»

(1)

.

الدليل الثاني:

(ح-1505) روى البخاري ومسلم من طريق عبد الله بن وهب، حدثنا عمرو، عن ابن أبي هلال، أن أبا الرجال: محمد بن عبد الرحمن، حدثه، عن أمه عمرة بنت عبد الرحمن، وكانت في حجر عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم،

= والخلط في الحديث محمول على وصل مرسل أو رفع موقوف ونحو ذلك، فلا يبعد أن يكون هذا الحديث من هذه الأحاديث التي أخذها الإمام أحمد على سعيد بن أبي هلال، ومعلوم أن الإمام أحمد من الأئمة المعتدلين في الجرح والتعديل، ولا يلقي مثل ذلك الكلام جزافًا إلا عن تتبع واستقراء، فهو عندي جرح مفسر مقدم على التعديل، فإذا أضفت إلى كلام الإمام أحمد كلام أبي زرعة بعد أن عرض أحاديثه على حديث ابن أبي فروة، وابن سمعان ووقوفه على وجود شبه بينها لا يشبه حديث الثقات الذين يحدثان عنهم، وأضفت مع ذلك شك الليث بن سعد وهو من بلده، ومن طبقة شيوخه، وكونه روى عنه نازلًا يدل على أنه كان ينتقي من أحاديثه، ولو نزل في السماع درجة، كل ذلك يجعلك لا تستبعد أن يكون سعيد بن أبي هلال وإن كان ثقةً أو صدوقًا في الجملة إلا أن له أوهامًا وتدليسًا، ومنها وهمه في وصل هذا الحديث، وأن المعروف فيه الإرسال، هذا على الجزم بأن الوهم جاء من الرواة عن معاذ، لا منه، والله أعلم.

وقد رواه أبو داود، وسكت عنه في سننه.

وقال النووي: رواه أبو داود بإسناد صحيح، انظر: الخلاصة (1226)، المجموع (3/ 384).

وقال ابن حجر: رواته موثقون. انظر نتائج الأفكار (1/ 435).

وقال الشوكاني في نيل الأوطار (2/ 254): «وليس في إسناده مطعن، بل رجاله رجال الصحيح، وجهالة الصحابي لا تضر عند الجمهور، وهو الحق» .

(1)

. نيل الأوطار (2/ 267).

ص: 99

عن عائشة: أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث رجلًا على سرية، وكان يقرأ لأصحابه في صلاتهم، فيختم بقل هو الله أحد، فلما رجعوا ذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال: سلوه لأي شيء يصنع ذلك؟، فسألوه، فقال: لأنها صفة الرحمن، وأنا أحب أن أقرأ بها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أخبروه أن الله يحبه

(1)

.

فقوله: (يختم بـ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَد} أكان يقصد يختم قراءته فلا دليل فيه على تكرار السورة، أم كان يقصد بأنه يختم قراءة كل ركعة؟ فيكون فيه دليل على جواز تكرار السورة في كل ركعة، ويدل على الاحتمال الثاني:

(ح-1506) ما رواه البخاري معلقًا، قال: قال عبيد الله: عن ثابت،

عن أنس بن مالك رضي الله عنه، كان رجل من الأنصار يؤمهم في مسجد قباء، وكان كلما افتتح سورة يقرأ بها لهم في الصلاة مما يقرأ به افتتح: بقل هو الله أحد، حتى يفرغ منها، ثم يقرأ سورة أخرى معها، وكان يصنع ذلك في كل ركعة، فكلمه أصحابه، فقالوا: إنك تفتتح بهذه السورة، ثم لا ترى أنها تجزئك حتى تقرأ بأخرى، فإما تقرأ بها، وإما أن تدعها، وتقرأ بأخرى، فقال: ما أنا بتاركها، إن أحببتم أن أؤمكم بذلك فعلت، وإن كرهتم تركتكم، وكانوا يرون أنه من أفضلهم، وكرهوا أن يؤمهم غيره، فلما أتاهم النبي صلى الله عليه وسلم أخبروه الخبر، فقال: «يا فلان، ما يمنعك أن تفعل ما يأمرك به أصحابك؟ وما يحملك على لزوم هذه السورة في كل ركعة؟ فقال: إني أحبها، فقال: حبك إياها أدخلك الجنة

(2)

.

[اختلف فيه في وصله وإرساله، وأعله الدارقطني بالإرسال]

(3)

.

وظاهر الحديث أن ذلك كان يقع في صلاة الفرض؛ لمشروعية الجماعة في الصلاة، وما صح في الفرض صح في النفل إلا بدليل.

ودلالة الحديث على الجواز ظاهرة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أكمل الأمة محبة ومعرفة بصفة الرحمن، ولم يفعل ذلك، ولم يأمر الأمة بفعله، وإنكار الصحابة يدل على أنه

(1)

. صحيح البخاري (7375)، وصحيح مسلم (263 - 813).

(2)

. صحيح البخاري (1/ 155).

(3)

. سبق تخريجه، انظر (ح: 1409).

ص: 100

ليس هو الأفضل؛ لمخالفته لما عهدوه من عمل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في صلاتهم؛ وقد أقرهم النبي صلى الله عليه وسلم على هذا الإنكار، لهذا قال له النبي صلى الله عليه وسلم:(ما يمنعك أن تفعل ما يأمرك به أصحابك؟)، ولم يجوِّز الفعل حتى علم بالباعث عليه

(1)

.

ولو كان مكروهًا لما أقرَّه النبي صلى الله عليه وسلم على فعله، خاصة أنه كان بإمكانه الإكثار من قراءة السورة خارج الصلاة.

* دليل من قال: يكره تكرار السورة في كل ركعة:

الدليل الأول:

أن قراءة الصلاة قراءة واحدة، ولهذا يتعوذ في أول القراءة، ولا يتعوذ في سائر الركعات، وإذا كانت واحدة، فلا حاجة لتكرار السورة وهو يحفظ غيرها.

الدليل الثاني:

أنه لم يصح أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ في صلاته سورة واحدة في الركعتين، وما تركه النبي صلى الله عليه وسلم فتركه سنة كالفعل، فيكون تكرار السورة خلاف السنة المعهودة، وما خالف السنة فهو مكروه.

* ويناقش:

بأن هذا القول يصح دليلًا على من قال باستحبابه، ولا أعلم أحدًا قال باستحباب تكرار السورة، أما الرد به على من قال بالجواز فليس بالقوي؛ لأن عموم الأمر بقراءة ما تيسر من القرآن لا يمنع من جواز تكرار السورة.

* دليل من قال: يكره في الفرض دون النفل:

الدليل الأول:

(ح-1507) ما رواه أحمد، قال: حدثنا زيد بن الحباب، أخبرني إسماعيل بن مسلم الناجي، عن أبي نضرة،

عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ردد آية حتى أصبح

(2)

.

(1)

. فتح الباري لابن رجب (7/ 73).

(2)

. أخرجه عبد الله بن أحمد وجادة في زوائد المسند (3/ 62).

ص: 101

[المحفوظ أنه مرسل]

(1)

.

الدليل الثاني:

(ح-1508) رواه أحمد، قال: حدثنا محمد بن فضيل، حدثني فليت العامري، عن جسرة العامرية،

عن أبي ذر، قال: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة فقرأ بآية حتى أصبح، يركع بها ويسجد بها:{إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيم} [المائدة: 118]، فلما أصبح، قلت: يا رسول الله، ما زلت تقرأ هذه الآية حتى أصبحت، تركع بها وتسجد بها قال: إني سألت ربي الشفاعة لأمتي فأعطانيها، وهي نائلة إن شاء الله لمن لا يشرك بالله شيئًا

(2)

.

[ضعيف]

(3)

.

وجه الاستدلال:

إذا جاز تكرار الآية، جاز تكرار السورة؛ حيث لا فرق بين الآية، والآيات.

* ونوقش:

بأن الحديث لا يصح، ولو صح لكان الدليل يدل على الاستحباب، وليس على مطلق الجواز، ولا قائل به.

الدليل الثالث:

أن النفل في أحكامه أوسع من الفرض.

* الراجح:

القول بالجواز؛ فإن قيل: كيف تكون العبادة مباحة، وهي مطلوب فعلها إمَّا وجوبًا وإما استحبابًا؟.

فالجواب: أن بعض العبادات قد تحكم عليه بالإباحة من جهة جواز العمل، ولا يكون مندوبًا؛ لكون النبي صلى الله عليه وسلم لم يعمله، ولم يأمر بفعله، كما في إقرار النبي صلى الله عليه وسلم

(1)

. سبق تخريجه، انظر (ح: 1490).

(2)

. المسند (5/ 149).

(3)

. سبق تخريجه، انظر (ح: 1491).

ص: 102

الرجل على تكرار سورة الإخلاص، وإنما سأله النبي صلى الله عليه وسلم على الباعث، فلما علم مشروعية الباعث أقره على الفعل، وأما القول بكراهة تكرار السورة فلا دليل عليه، والله أعلم.

* * *

ص: 103