الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فرع في استحباب قراءة السجدة والإنسان في فجر الجمعة
المدخل إلى المسألة:
* تفضيل سور معينة في قراءة الصلاة على غيرها سبيله التوقيف.
* تعيين سورة بعينها في قراءة الصلاة، منه ما هو فرض كالفاتحة، ومنه ما هو سنة كتعيين السجدة والإنسان في صلاة الصبح من يوم الجمعة.
* تفضيل السجدة والإنسان في فجر يوم الجمعة لم ينص الشارع على علته.
* العلماء في التماس العلة على قولين: قيل لاشتمالها على سجدة، وقيل: لاشتمالهما على ذكر المبدأ، والمعاد، وخلق آدم ودخول الجنة والنار، وهذا أقرب، ولا يمتنع أن يكون التفضيل غير معلل.
* لا أعلم في الفرائض الخمس تفضيلًا لسورة معينة بذاتها فيما يقرأ زائدًا على الفاتحة إلا ما كان في صلاة الجمعة وفي صبيحتها، ويمكن اعتباره من خصائص الجمعة.
[م-590] ذهب الحنفية والشافعية والحنابلة إلى استحباب قراءة سورتي السجدة والإنسان في فجر يوم الجمعة، وجوزه من المالكية ابن وهب، وصوَّبه اللخمي وابن يونس وابن بشير، وقال: على ذلك كان يواظب الأخيار من أشياخي وأشياخهم، وحكاه النووي إجماعًا
(1)
.
(1)
. الدر المختار شرح تنوير الأبصار (ص: 74)، حاشية ابن عابدين (1/ 544)، تبيين الحقائق (1/ 130)، شرح الزرقاني على مختصر خليل (1/ 485)، الثمر الداني (ص: 222)، لوامع الدرر في هتك أستار المختصر (2/ 346)، شرح المنهج المنتخب إلى قواعد المذهب (2/ 727)، المهذب للشيرازي (1/ 141)، المجموع (3/ 381)، روضة الطالبين (1/ 248)، منهاج الطالبين (ص: 26)، فتح العزيز (3/ 358)، تحفة المحتاج (2/ 55)، مغني المحتاج (1/ 364)، نهاية المحتاج (1/ 495)، الإنصاف (2/ 399، 400)، المغني (2/ 271)، الفروع (3/ 189)، الكافي لابن قدامة (1/ 338).
جاء في الدر المختار: «ولا يتعين شيء من القرآن لصلاة على طريق الفرضية
…
ويكره التعيين كالسجدة و {هَلْ أَتَى} [الإنسان: 1] لفجر كل جمعة، بل يندب قراءتهما أحيانًا»
(1)
.
قال النووي: واتفقوا على أنه يسن في صبح يوم الجمع (الم تَنزِيلُ) في الركعة الأولى، و (هَلْ أَتَى) في الثانية .... »
(2)
.
وكره مالك في المشهور تعمد قراءة ما فيه سجدة لمن يصلي الفريضة ولو في فجر الجمعة للإمام؛ ولو لم يكن ذلك على وجه المداومة كما لو اتفق له ذلك مرَّة، لأنها تشوش على المأموم، ثم ألحق به المنفرد حسمًا للباب، فإن قرأها بفرض عمدًا أو سهوًا سجد، ولا يكره تعمدها في النافلة، ولا يكره للمأموم الاقتداء بمن يتعمدها
(3)
.
وقيل عن مالك: لا يكره في مسجد يقل أهله؛ لأنه لا يخلط عليهم
(4)
.
واختلفوا في المداومة على قراءتهما في كل فجر.
فقيل: تكره المداومة على ذلك، وهو مذهب الحنفية، وهو المنصوص عن أحمد، قال المرداوي:«على الصحيح من المذهب، وبه قال إسحاق والثوري، واختاره من الشافعية أبو إسحاق وابن أبي هريرة»
(5)
.
(1)
. الدر المختار شرح تنوير الأبصار (ص: 74).
(2)
. المجموع (3/ 385).
(3)
. الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي (1/ 310)، منح الجليل (1/ 336)، الشرح الصغير مع حاشية الصاوي (1/ 419، 420)، الذخيرة للقرافي (2/ 415)، حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني (1/ 361)، شرح المنهج المنتخب إلى قواعد المذهب (2/ 727).
(4)
. الجامع لمسائل المدونة (2/ 682).
(5)
. المبسوط (2/ 36)، مجمع الأنهر شرح ملتقى الأبحر (1/ 106)، العناية شرح الهداية (1/ 337)، الهداية شرح بداية المبتدئ (1/ 56)، الاختيار لتعليل المختار (1/ 57)، مغني المحتاج (1/ 364).
الإنصاف (2/ 399، 400)، المغني (2/ 271)، الفروع (3/ 189)، الكافي لابن قدامة (1/ 338)، مسائل حرب الكرماني، من أول كتاب الصلاة، تحقيق الغامدي (ص: 81)، الجامع لعلوم الإمام أحمد (21/ 155).
وقال ابن تميم في مختصره (2/ 450): «ويستحب أن يقرأ في الفجر يوم الجمعة {الم (1) تَنزِيلُ} [السجدة: 1] في الأولى و {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئًا مَّذْكُورًا} [الإنسان: 1] في الثانية، نص عليه، وقال: لا أحب المداومة على ذلك، وفيه وجه: يستحب أن يداوم» .
وقال بعض الحنابلة: ويتجه الحكم في كل سنة يخشَى اعتقاد وجوبها
(1)
.
وقيل: تستحب المداومة عليهما، وهو مذهب الشافعية، ووجه في مذهب الحنابلة، قال ابن رجب:«ورجحه بعض أصحابنا، وهو الأظهر، وكان السلف يداومون»
(2)
.
قال الرملي من الشافعية: «ويسن المداومة عليهما، ولا نظر إلى كون العامة قد تعتقد وجوبهما خلافًا لمن نظر إلى ذلك»
(3)
.
* دليل من قال: تستحب قراءتهما.
الدليل الأول:
(ح-1537) ما رواه البخاري ومسلم من طريق سعد بن إبراهيم، عن عبد الرحمن هو ابن هرمز الأعرج،
عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في الجمعة في صلاة الفجر {الم (1) تَنزِيلُ} السجدة، و {هَلْ أَتَى عَلَى الإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ} ، [الإنسان: 1]
(4)
.
الدليل الثاني:
(ح-1538) ما رواه مسلم من طريق مُسْلِمٍ الْبَطِينِ، عن سعيد بن جبير،
عن ابن عباس، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في صلاة الفجر، يوم الجمعة: {الم (1)
(1)
. انظر: حاشية اللبدي على نيل المآرب (1/ 71).
(2)
. نهاية المحتاج (1/ 495)، المنهاج القويم شرح المقدمة الحضرمية (ص: 100)، حاشية الجمل (1/ 359)، حاشية ابن قاسم العبادي على تحفة المحتاج (2/ 56)، فتح الباري لابن رجب (8/ 133).
(3)
. نهاية المحتاج (1/ 495).
(4)
. صحيح البخاري (891)، وصحيح مسلم (66 - 880).
تَنزِيلُ} السجدة، و {هَلْ أَتَى عَلَى الإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ} ، [الإنسان: 1]، وأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في صلاة الجمعة سورة الجمعة، والمنافقين
(1)
.
* دليل من قال: تستحب المداومة عليهما:
الدليل الأول:
حديث أبي هريرة المتفق عليه، وحديث ابن عباس في مسلم، فقد ورد الحديث بلفظ: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ
…
) فإنَّ (كانَ) تفيد المداومة على ذلك.
(2)
.
* ونوقش:
قال ابن دقيق العيد: «ليس في هذا الحديث ما يقتضي فعل ذلك دائمًا اقتضاءً قويًّا»
(3)
.
قال ابن حجر: «وهو كما قال بالنسبة لحديث الباب فإن الصيغة ليست نصًّا في المداومة»
(4)
.
وكون الحديث ليس نصًّا، فهل نفي دلالة النص منه تمنع عنه دلالة الظاهر المستفاد من الفعل (كان)، فإن هذه الصيغة ظاهرها تدل على الدوام والاستمرار، قال تعالى:{وَكَانَ اللّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا} . أي كان، ولا يزال.
ودلالة الظاهر حجة، وإن لم يكن بقوة دلالة النص، ما لم يعارض الظاهر معارض يضعف دلالته، ولا معارض له هنا، والله أعلم.
الدليل الثاني:
(ح-1539) ما رواه الطبراني في المعجم الصغير من طريق دحيم بن عبد الرحمن بن إبراهيم، حدثنا الوليد بن مسلم، حدثنا ثور بن يزيد، عن عمرو بن قيس الملائي، عن أبي إسحاق الهمداني، عن أبي الأحوص،
(1)
. صحيح مسلم (64 - 879).
(2)
. فتح الباري (2/ 378).
(3)
. إحكام الأحكام (1/ 339).
(4)
. فتح الباري (2/ 378).
عن عبد الله بن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم، كان يقرأ في صلاة الصبح يوم الجمعة {الم (1) تَنزِيلُ} السجدة، و {هَلْ أَتَى عَلَى الإِنسَانِ} يديم ذلك
(1)
.
[المحفوظ أنه مرسل، وزيادة (يديم ذلك) زيادة منكرة]
(2)
.
(1)
. المعجم الصغير للطبراني (986).
(2)
. الحديث رواه عن ابن مسعود: اثنان أبو وائل، وأبو الأحوص.
أما أبو الأحوص فقد رواه عنه اثنان أيضًا: أبو فروة الهمداني عروة بن الحارث (ثقة)، ولم يذكر فيه زيادة (وكان يديم ذلك)، على اختلاف عليه في وصله وإرساله.
ورواه عنه أيضًا أبو إسحاق السبيعي، عن أبي الأحوص، إلا أنه اختلف عليه في ذكر زيادة (وكان يديم ذلك)، وهي زيادة منكرة، وإليك بيان ما أجمل.
أما رواية أبي إسحاق السبيعي، عن أبي الأحوص: فقد اختلف عليه:
فرواه عمرو بن قيس الملائي (ثقة)، عن أبي إسحاق الهمداني، عن أبي الأحوص، عن ابن مسعود مرفوعًا، وزاد فيه حرف (يديم ذلك)
رواه الطبراني في المعجم الصغير (986) حدثنا محمد بن بشر بن يوسف الأموي الدمشقي، حدثنا دحيم بن عبد الرحمن بن إبراهيم، حدثنا الوليد بن مسلم، حدثنا ثور بن يزيد، عن عمرو بن قيس الملائي، عن أبي إسحاق الهمداني، عن أبي الأحوص، عن عبد الله بن مسعود به.
وقد رواه الطبراني في الأوسط (6659)، وفي مسند الشاميين (515)، بالإسناد نفسه، وليس فيه لفظ:(يديم ذلك).
قال الطبراني: «لم يروه عن عمرو بن قيس إلا ثور، ولا عن ثور إلا الوليد بن مسلم، تفرد به دحيم، ولا كتبناه إلا عن محمد بن بشر» .
قلت: الحمل في زيادة (يديم ذلك) على محمد بن بشر، فإنه أضعف رجل في الإسناد، (صالح إلا فيما رواه عن هشام بن عمار فإنه ثقة فيه) فكان تارة يذكر هذا الحرف، وتارة يسقطه، مما يدل على عدم ضبطه له، وإذا تفرد محمد بن بشر بهذا الحرف دون غيره ممن روى حديث ابن مسعود، ولم يحفظ هذا الحرف في جميع من روى هذه السنة من الصحابة، كحديث أبي هريرة في الصحيحين، وحديث ابن عباس في مسلم لم يدخل الباحث شك في نكارة مثل هذه الزيادة، والله أعلم.
وتابع محمد بن عياش بن عمرو العامري (قال الدارقطني: صالح عزيز الحديث، وقال أبو حاتم: شيخ كوفي، لا أعلم روى عنه غير عبيد الله الحنفي) تابع عمرو بن قيس، فرواه عن أبي إسحاق الهمداني، عن أبي الأحوص، عن عبد الله به مرفوعًا، وليس فيه زيادة (يديم ذلك).
رواه الطبراني في الكبير (10/ 100) ح 10085، من طريق عبيد الله بن عبد المجيد (أبي علي الحنفي)، حدثنا محمد بن عياش بن عمرو العامري به.
قال الدارقطني في الأفراد كما في أطرافه (3935): «تفرد به أبو علي الحنفي عن محمد بن عياش عن أبي إسحاق» . =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= وخالف عمرو بن قيس الملائي ومحمد بن عياش خالفهما شريك بن عبد الله النخعي، (صدوق سيئ الحفظ) كما في مسند أحمد (1/ 272).
…
وميسرة بن حبيب النهدي (ثقة) ذكر ذلك الدارقطني في العلل (5/ 331)، فروياه عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص مرسلًا. ولفظ أحمد: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في صلاة الفجر يوم الجمعة {الم (1) تَنزِيلُ} السجدة، و {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ} ، [الإنسان: 1].
وذكر الدارقطني في العلل (5/ 331) أن عمرو بن قيس الملائي ممن رواه مرسلًا أيضًا، فكان الراجح في رواية أبي إسحاق السبيعي الإرسال، والمعروف من روايته ليس فيه زيادة (وكان يديم ذلك).
وأما رواية أبي فروة الهمداني، عن أبي الأحوص. فقد اختلف عليه في وصله وإرساله، ولم يرد في روايته زيادة (وكان يديم ذلك).
رواه عمرو بن أبي قيس كما في سنن ابن ماجه (824)، والمعجم الأوسط (6659)، والصغير (986)، ومسند الشاميين (515)، وفضائل القرآن للمستغفري (966).
ومسعر بن كدام (ثقة)، كما في المعجم الكبير للطبراني (10/ 108) ح 10116، وفي الأوسط (6693)، وفي الصغير (887)، وفضائل القرآن للمستغفري (967)، وتاريخ دمشق لابن عساكر (29/ 93)، وفي إسناده: عبد الله بن سليمان بن يوسف العبدي (قال أبو أحمد ابن عدي: ليس بذاك المعروف).
وعمران بن عيينة أخو سفيان بن عيينة (قال ابن معين: صالح الحديث. وقال أبو زرعة: ضعيف)، كما في العلل الكبير للترمذي (149)، ومسند البزار (2066)، وفضائل القرآن للمستغفري (965).
وحمزة بن حبيب الزيات، (ثقة) كما في تاريخ بغداد (2/ 180)، وفي إسناده بكر بن بكار، وهو ضعيف. أربعتهم (عمرو بن أبي قيس، ومسعر، وعمران، وحمزة) رووه عن أبي فروة (الهمداني على الأصح وهو عروة بن الحارث وليس الجهني مسلم بن سالم النهدي) عن أبي الأحوص، عن عبد الله بن مسعود مرفوعًا.
قال الطبراني (887): «لم يروه عن مسعر إلا أبو إسحاق الفزاري، تفرد به: عبد الله بن سليمان» .
وخالفهم كل من:
سفيان بن عيينة، كما في مصنف عبد الرزاق (2731)،
وحجاج بن أرطاة كما في مصنف ابن أبي شيبة (5442)،
وسفيان الثوري وزهير بن معاوية، وزائدة، كما ذكر ذلك الدارقطني في العلل (5/ 330)، خمستهم رووه عن أبي فروة، عن أبي الأحوص مرسلًا.
ورواه شعبة واختلف عليه:
فرواه حجاج بن نصير (ضعيف) كما في حلية الأولياء (7/ 183)، عن شعبة، عن أبي فروة، =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= عن أبي الأحوص، عن عبد الله بن مسعود.
قال أبو نعيم: غريب من حديث شعبة، عن أبي فروة، واسمه عروة بن الحارث، وتفرد به عنه حجاج بن نصير. اهـ
وقال الدارقطني في العلل (5/ 330): وخالفه أصحاب شعبة: غندر، ومعاذ، وابن مهدي، وغيرهم، فرووه عن شعبة، عن أبي فروة، عن أبي الأحوص مرسلًا.
وقال العقيلي في الضعفاء كما في اللسان (1/ 283): رواه حجاج بن المنهال، عن شعبة، عن أبي فروة، عن أبي الأحوص، عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلًا، وهو أولى.
قال ابن أبي حاتم في العلل (586): سألت أبي عن حديث رواه عمرو بن أبي قيس وأبو مالك النخعي، فقالا: عن أبي فروة الهمداني، عن أبي الأحوص، عن عبد الله
…
قال أبي: وَهِما في الحديث، رواه الخلق، فكلهم قالوا: عن أبي فروة، عن أبي الأحوص، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم
…
مرسل».
وقال الترمذي: سألت محمدًا، -يعني ابن إسماعيل البخاري-: عن هذا الحديث؟ فقال: روى عمرو بن أبي قيس، عن أبي فروة، عن أبي الأحوص، عن عبد الله.
وروى سفيان الثوري، عن أبي فروة، عن أبي الأحوص، عن النبي صلى الله عليه وسلم، مرسلًا، فكأنَّ هذا أشبه.
قلت له: فإن زائدة روى عن أبي فروة، عن أبي الأحوص، عن عبد الله، فلم يعرف حديث زائدة، ولا حديث عمران بن عيينة».
وقال ابن رجب في شرح البخاري (8/ 131): «وإرساله أصح عند البخاري وأبي حاتم والدارقطني» .
هذا فيما يتعلق برواية أبي الأحوص، عن ابن مسعود، والاختلاف عليه في ذكر زيادة (وكان يديم ذلك).
وأما رواية أبي وائل، عن ابن مسعود، فليس فيها موضع الشاهد (وكان يديم ذلك).
فرواه عاصم بن بهدلة، واختلف عليه فيه:
فرواه الحسين بن واقد كما في العلل للترمذي (147)، ومسند البزار (1720)، والسنن الكبرى للبيهقي (3/ 285) عن عاصم بن بهدلة، عن أبي وائل، عن ابن مسعود، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في صلاة الغداة يوم الجمعة: {الم (1) تَنزِيلُ} السجدة، و {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ} [الإنسان: 1].
وهو إسناد غريب جدًّا، أين أصحاب أبي وائل عن هذا الحديث؟.
تابعه عبد الملك بن الوليد كما في مسند البزار (1842)، فرواه عن عاصم بن بهدلة، عن زر بن حبيش وأبي وائل، عن عبد الله به مرفوعًا.
ولا يفرح بهذه المتابعة، فإن عبد الملك بن الوليد بن معدان ضعيف، وقد روى أحاديث لا يتابع عليها، وقد تفرد بجمعه زر بن حبيش مع أبي وائل.
قال البزار: «وهذه الأحاديث لا نعلم رواها عن عاصم، عن أبي وائل وزر فجمعهما إلا عبد الملك بن الوليد» . =
الدليل الثالث:
(ث-493) ما رواه ابن أبي شيبة في المصنف، حدثنا ابن نمير، عن سفيان، عن جابر،
عن الشعبي، قال: ما شهدت ابن عباس، قرأ يوم الجمعة إلا بتنزيل، وهل أتى
(1)
.
[ضعيف جدًّا فيه جابر الجعفي متروك].
الدليل الرابع:
ذكر ابن رجب في شرحه للبخاري معلقًا، فقال: قال الأعرج: كان مروان وأبو هريرة يقرءان في صلاة الصبح بـ {الم (1) تَنزِيلُ} سورة السجدة، و {هَلْ أَتَى عَلَى الإِنسَانِ} [إلانسان:1].
ولم أقف عليه مسندًا.
* تعليل من كره مداومة قراءتهما:
التعليل الأول:
قراءتهما على الدوام يفضي إلى أن يعتقد بعض الناس وجوبهما
(2)
.
وزاد الحنفية بأن المداومة تكره لإيهامها التعيين، والفرض هو مطلق القراءة لقوله:{فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} [المزمل: 20].
قال ابن دقيق العيد: «إذا انتهى الحال إلى أن تقع هذه المفسدة، فينبغي أن يترك
= وخالفهما الحارث بن نبهان كما في سنن ابن ماجه (822)، ومسند أبي يعلى (813)، والبزار (1158)، فرواه عن عاصم، عن مصعب بن سعد، عن أبيه.
والحارث متروك، وقد صوب البخاري والبزار رواية الحسين قال البخاري كما في علل الترمذي (148):«سألت محمدًا فقال: حديث الحسين بن واقد عن عاصم عن أبى وائل عن عبد الله أصح، قال محمد: والحارث بن نبهان منكر الحديث ضعيف» . اهـ
وكون حديث الحسين بن واقد أصح من حديث الحارث بن نبهان لا يعني الصحة المطلقة.
(1)
. المصنف (5444).
(2)
. انظر: فتح الباري لابن رجب (8/ 133)، الإنصاف (2/ 400).
في بعض الأوقات؛ دفعًا لهذه المفسدة .... وعلى كل حال فهو مستحب، فقد يترك المستحب لدفع المفسدة المتوقعة، وهذا المقصود يحصل بالترك في بعض الأوقات، لا سيما إذا كان بحضرة الجهال، ومن يخاف منه وقوع هذا الاعتقاد الفاسد»
(1)
.
وأما قول الحنفية بأن الفرض مطلق القراءة فهو قول مرجوح ناقشت ذلك عند الكلام على وجوب قراءة الفاتحة، فارجع إليه إن شئت.
التعليل الثاني:
أن المداومة على قراءتهما قد يعتقد بعض الجهلة بأن صلاة الفجر يوم الجمعة فيها زيادة سجدة، أو أنها ثلاث ركعات، ونحو ذلك مما قد يتخيله بعض الجهلة
(2)
.
* ورد هذا:
(3)
.
* تعليل كراهة قراءة سورتي السجدة والإنسان:
اختلف المالكية في تعليل الكراهة:
فقيل: لكونها تشتمل على زيادة سجود في الفريضة، فإن لم يسجد دخل في وعيد:{وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لَا يَسْجُدُون} [الإنشقاق: 21]. وإن سجد زاد في سجود الفريضة.
واعترض عليهم:
قال القرطبي: وهو تعليل فاسد بشهادة هذا الحديث. اهـ
وبأن تلك العلة موجودة في صلاة النافلة، ولا يكره تعمد السجود فيها.
لا يراد بالآية سجود التلاوة، بل المقصود أنهم لا يخضعون لله ولا يستكينون له، وسجود التلاوة ليس بواجب على الصحيح، لا داخل الصلاة، ولا خارجها، وهي مسألة أخرى لا أحب الخوض فيها خشية الخروج عن مسألة البحث، وسوف
(1)
. إحكام الأحكام (1/ 339).
(2)
. فتح الباري (8/ 133).
(3)
. المرجع السابق.
تأتي هذه المسألة في مظانها إن شاء الله تعالى.
* جواب المالكية على هذا الاعتراض:
ذكر المالكية جوابًا لا أظنه شافيًا، قالوا: إن السجود لما كان نافلة، والصلاة نافلة صار كأنه ليس زائدًا، بخلاف الفرض.
وإنما كان الجواب في نظري غير شافٍ؛ لأنهم قالوا: إذا تعمد قراءة سجدة في الفريضة فإنه يسجد، فلو كان السجود زيادة في الفريضة لمنعوه من السجود، فإن سجد بطلت صلاته، فإذا كانوا يأمرونه بالسجود إذا تعمد قراءتها لم تكن زيادة في صلاته، والله أعلم.
التعليل الثاني:
قالوا: لأنه ربما يؤدي السجود في الصلاة إلى التخليط على المأمومين في فريضتهم،
وهذا التعليل يقتضي أن الجماعة المحصورة إذا كان لا يؤدي إلى التخليط فلا كراهة في تعمد قراءة سورة فيها سجدة، وقد التزم ذلك بعض المالكية، وروي عن الإمام مالك رحمه الله.
وخوف التخليط قد يُسَلَّم لو كان ذلك يقع في صلاة سرية، أما صلاة الصبح فإنها جهرية، ولو تصور وجود من يجهل سبب السجود فإن ذلك قد يقع في أول مرة يفعل الإمام ذلك، فإذا فعله تعلم الجاهل، وانتشرت السنة، ولا تترك السنة لجهل بعض الناس بها، ويمكن رفع الجهل بأن يقوم الإمام بدوره في توعية الناس بالسنن من خلال ما يلقيه على جماعته من دروس ومواعظ، والله أعلم.
التعليل الثالث:
بأن أهل المدينة قد تركوا السجود فكان تركهم دليلًا على النسخ، وأن عمل أهل المدينة مقدم على حديث الآحاد
(1)
.
قال الحافظ في الفتح: «أشار أبو الوليد الباجي في رجال البخاري إلى الطعن في سعد بن إبراهيم لروايته لهذا الحديث، وأن مالكًا امتنع من الرواية عنه لأجله، وأن الناس تركوا العمل به لا سيما أهل المدينة»
(2)
.
(1)
. انظر: حاشية الدسوقي (1/ 310).
(2)
. فتح الباري (2/ 378).
* ويجاب:
(ث-593) بأن ابن أبي شيبة قد روى في المصنف، قال: حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن إبراهيم التيمي، عن حصين بن سبرة، قال:
صليت خلف عمر فقرأ في الركعة الأولى بسورة يوسف، ثم قرأ في الثانية بالنجم، فسجد، ثم قام، فقرأ:{إِذَا زُلْزِلَتِ الأَرْضُ زِلْزَالَهَا}
(1)
.
[صحيح]
(2)
.
فهذا عمر رضي الله عنه مدني، وخليفة راشد، وسجد معه الصحابة وكبار التابعين، وهم من أهل المدينة، وكان سجوده في صلاة الصبح، وهي من الفرائض، فكان عمل أهل المدينة زمن عمر رضي الله عنه ومعه الصحابة وكبار التابعين أحب إلينا من عمل أهل المدينة في عصر الإمام مالك عليه رحمة الله، ولا أريد الخروج عن مسألتنا إلى مسألة حكم السجود في المفصل إذا مر بآية سجدة، إلا بالقدر الذي لا يخرجنا عن مسألة بحثنا، والله أعلم.
وقال الحافظ ابن حجر جوابًا على أبي الوليد الباجي، قال: «وليس كما قال، فإن سعدًا لم ينفرد به مطلقًا، فقد أخرجه مسلم من طريق سعيد بن جبير، عن ابن عباس مثله، وكذا ابن ماجه والطبراني من حديث ابن مسعود
(3)
، وابن ماجه من حديث سعد بن أبي وقاص
(4)
، والطبراني في الأوسط من حديث علي
(5)
.
(1)
. المصنف (3564).
(2)
. انظر تخريجه، (ث-372).
(3)
. سبق تخريجه قبل قليل عند ذكر حجة من قال: يداوم على قراءتهما، وهو حديث صحيح دون زيادة (يديم ذلك).
(4)
. ضعيف جدًّا، فيه الحارث بن نبهان، وهو متروك، وسبق تخريجه، انظر تخريج (ح 1539).
(5)
. أخرجه العقيلي في الضعفاء (1/ 54)، وابن المظفر في غرائب شعبة (147)، وأبو نعيم في الحلية (7/ 183) من طريق إبراهيم بن زكريا المعلم الضرير، قال: حدثنا شعبة، عن أبي إسحاق، عن الحارث، عن علي، قال: كان النبي عليه السلام يقرأ في صلاة الغداة يوم الجمعة: {الم (1) تَنزِيلُ} السجدة، و {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ} ، [الإنسان: 1].
قال أبو نعيم: «غريب من حديث شعبة عن أبي إسحاق عن الحارث، تفرد به: إبراهيم بن زكريا» .
وإبراهيم بن زكريا، قال فيه ابن عدي في الكامل (1/ 412): حدث عن الثقات بالبواطيل.
وقال فيه ابن حجر في التلخيص (1/ 322): متهم.
وأما دعواه أن الناس تركوا العمل به فباطلة؛ لأن أكثر أهل العلم من الصحابة والتابعين قد قالوا به، كما نقله ابن المنذر وغيره، حتى إنه ثابت عن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف والد سعد، وهو من كبار التابعين من أهل المدينة:(أنه أم الناس بالمدينة بهما في الفجر يوم الجمعة). أخرجه ابن أبي شيبة بإسناد صحيح، وكلام ابن العربي يشعر بأن ترك ذلك أمر طرأ على أهل المدينة؛ لأنه قال: وهو لم يعلم بالمدينة، فالله أعلم بمن قطعه كما قطع غيره. اهـ وأما امتناع مالك من الرواية عن سعد، فليس لأجل هذا الحديث، بل لكونه طعن في نسب مالك، كذا حكاه ابن البرقي، عن يحيى بن معين، وحكى أبو حاتم، عن علي بن المديني قال: كان سعد ابن إبراهيم لا يحدث بالمدينة، فلذلك لم يكتب عنه أهلها، وقال الساجي: أجمع أهل المدينة على صدقه، وقد روى مالك، عن عبد الله بن إدريس، عن شعبة، عنه، فصح أنه حجة باتفاقهم، قال: ومالك إنما لم يرو عنه لمعنى معروف، فأما أن يكون تكلم فيه فلا أحفظ ذلك»
(1)
.
* الراجح:
أن القراءة بهاتين السورتين في فجر يوم الجمعة مستحب في أغلب الأوقات بشرطه، وذلك أن تكون الجماعة محصورة وترغب في ذلك، فإن كان في جماعته من يدعوه للتخفيف من مريض وذي حاجة، أو صادف ذلك أوقات عمل أو مناسبات دعت الناس للسهر، أو كان في الجماعة من لا يرغب في إطالة القراءة فلا ينبغي أن يشق على جماعته، فإن التخفيف سنة أيضًا، وإذا ترك قراءتهما لعذر فقد كتب له الأجر، كما جاء في الحديث: إذا مرض العبد أو سافر كتب له ما كان يعمل صحيحًا مقيمًا، وإذا كان بعض الجماعة يشق عليهم الإطالة كانت مراعاتهم أولى من تطبيق هذه السنة، فإن إلزام الناس بالسنن إلزام بما لم يلزمهم الله به، وحين سأل صحابي رسول صلى الله عليه وسلم عن الصلوات الواجبة، فذكر له الصلوات الخمس،
(1)
. فتح الباري (2/ 378).
فقال: هل عليَّ غيرها؟ قال: لا، إلا أن تَطَّوَّع.
قال الصحابي: والله لا أزيد على هذا ولا أنقص، لم يثرب عليه، وأقرَّه، بل بشره بالفلاح إن صدق، فترك الإطالة لا يضر الصلاة، ومراعاة واجبات الصلاة أولى من مراعاة السنن، وجمع الناس على صلاة الجماعة، وتأليفهم عليها، من أعظم القرب، قد وصف الرسول صلى الله عليه وسلم عمل معاذ بأنه من الفتنة، والتنفير، وليس هذا خاصًّا في صلاة العشاء، ولا في إمام قرأ سورة البقرة، بل يعم ذلك كل إمام فتن الناس عن حضور الجماعة في تحري ما يشق عليهم في أمر لم يوجبه الله عليهم، وحمل الناس على عمل الصدر الأول في السنن إذا لم يرغب الناس في ذلك ليس من الحكمة، وقد ذكرت أدلة ذلك في المسألة السابقة، وقد نص المالكية والشافعية والإمام أحمد بأن إطالة القراءة في صلاة الصبح مقيد برغبة جماعة محصورة، ولا أظن الحنفية يخالفونهم في ذلك، ولا تلتفت لمن لا يقيم وزنًا لمراعاة جماعته باسم الحرص على السنن، فإن مثل هذا الشخص ليس مؤهلًا لرعاية الناس، فليس كل أحد قادرًا على أن يسوس الناس ويحوطهم برعايته وشفقته، ويقدم الأهم على المهم، ولو اتسعت حدقة عينه لنظر إلى باقي النصوص، وفي مقدمتها قول النبي صلى الله عليه وسلم:(اقتد بأضعفهم)، ولَعَلِم أن مراعاتهم من السنة أيضًا، ومن ترك السنة لسنة أخرى فلم يتركها، وأكثر من يتشدد في ذلك هم الشباب الذين لم ينضجوا بعد، ولم يخالطوا الناس فيتعلموا كيف يعالجون تفاوتهم، وكيف يرتب أولوياته، والله أعلم.
* * *