الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الرابع في الأحكام العامة المتعلقة بالقراءة
المبحث الأول الجهر والإسرار في الصلاة
الفرع الأول الجهر والإسرار بالصلاة المؤداة
المدخل إلى المسألة:
* الجهر والإسرار من هيئات الصلاة لا من واجباتها.
* الجهر والإسرار متلقى من الشارع ومنقول نقلًا متواترًا قولًا وعملًا.
* البسملة آية من كتاب الله ولم تعط حكم القرآن في الجهر، والتأمين ليس من القرآن ويجهر به تبعًا للقراءة، والحجة الاتباع.
* قال أبو هريرة: ما أسمعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أسمعناكم، وما أخفى منا أخفينا منكم، رواه مسلم.
* من جهر فيما يُسَرُّ فيه أو أَسَرَّ فيما يُجْهَرُ فيه فلا سجود عليه على الصحيح.
* أجمعت الأمة على الجهر بالقراءة في ركعتي الصبح والجمعة والأوليين من المغرب والعشاء، وعلى الإسرار في الظهر والعصر، وثالثة المغرب والأخريين من العشاء.
[م-596] الصلاة بالنسبة للجهر والإسرار على ثلاثة أقسام:
منها ما يجهر بالقراءة في جميعها، كالصبح والجمعة.
ومنها ما يسر بالقراءة فيها جميعًا، كالظهر والعصر.
ومنها ما يجهر في بعضها ويسر في بعضها، كالمغرب والعشاء، فيجهر في الأوليين منها، ويسر بالباقي، وكل هذا قد صح بالنقل المتواتر، ولم يختلف عليه الفقهاء، وكان الصحابة يعرفون قراءة النبي صلى الله عليه وسلم فيما يسر به باضطراب لحيته، وبإسماعه إياهم الآية أحيانًا
(1)
.
جاء في شرح مختصر الطحاوي للجصاص: «قال أبو جعفر: (ويسر القراءة في الظهر والعصر، ويجهر في الأوليين من المغرب والعشاء، وفي الصبح كلها).
قال أبو بكر أحمد: قد ورد النقل بذلك متواترًا عن النبي صلى الله عليه وسلم قولًا، وعملًا»
(2)
.
(3)
.
واختلفوا في العيد، والاستسقاء، والكسوف وفي نوافل الليل غير التراويح جماعة، والجنازة إذا صلي عليها ليلًا، وفي قضاء الصلاة النهارية كالظهر ليلًا، وفي قضاء الليلية نهارًا، وفي ركعتي الطواف
(4)
.
وسوف يأتي عرض الخلاف فيها إن شاء الله تعالى في مظانها من هذا البحث
(5)
.
(1)
. تحفة الفقهاء (1/ 129)، كنز الدقائق (ص: 165)، البحر الرائق (1/ 355)، المبسوط (1/ 16)، النهر الفائق (1/ 228)، شرح مختصر الطحاوي للجصاص (1/ 662)، المعونة على مذهب علماء المدينة (ص: 218)، شرح التلقين (1/ 541)، شرح النووي على صحيح مسلم (4/ 105)، المجموع (3/ 391)، روضة الطالبين (1/ 248)، شرح منتهى الإرادات (1/ 192)، مطالب أولي النهى (1/ 441).
(2)
. شرح مختصر الطحاوي للجصاص (1/ 662).
(3)
. صحيح مسلم (163 - 455).
(4)
. انظر: شرح النووي على صحيح مسلم (4/ 105).
(5)
. انظر: تحفة الفقهاء (1/ 129)، نخب الأفكار في تنقيح مباني الأخيار (4/ 32)، شرح النووي على صحيح مسلم (4/ 105)، المجموع (3/ 391)، روضة الطالبين (1/ 248)، الأشباه والنظائر للسيوطي (ص: 401)، بلوغ الغاية من تهذيب بداية الهداية (ص: 63)،
* الدليل على الجهر بالقراءة في صلاتي الصبح والجمعة:
(ح-1561) ما رواه مسلم من طريق مسلم البطين، عن سعيد بن جبير،
عن ابن عباس، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في صلاة الفجر، يوم الجمعة:{الم (1) تَنزِيلُ} السجدة، و {هَلْ أَتَى عَلَى الإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ} ، [الإنسان: 1]، وأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في صلاة الجمعة سورة الجمعة، والمنافقين
(1)
.
(ح-1562) وروى مسلم من طريق ابن جريج، قال: سمعت محمد بن عباد ابن جعفر، يقول: أخبرني أبو سلمة بن سفيان، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وعبد الله بن المسيب العابدي،
عن عبد الله بن السائب قال: صلى لنا النبي صلى الله عليه وسلم: الصبح بمكة فاستفتح سورة المؤمنين حتى جاء ذكر موسى، وهارون أو ذكر عيسى -محمد بن عباد يشك- أو اختلفوا عليه أخذت النبي صلى الله عليه وسلم سعلة فركع وعبد الله بن السائب، حاضر ذلك
(2)
.
(ح-1563) ومنها ما رواه البخاري ومسلم من طريق مالك، عن محمد بن عبد الرحمن بن نوفل، عن عروة، عن زينب بنت أبي سلمة،
عن أم سلمة، قالت: شكوت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أني أشتكي، فقال: طوفي من وراء الناس وأنت راكبة، فطفت ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي إلى جنب البيت، يقرأ: بالطور وكتاب مسطور
(3)
.
ورواه البخاري، قال: حدثني محمد بن حرب، حدثنا أبو مروان يحيى بن أبي زكرياء الغساني، عن هشام، عن عروة،
عن أم سلمة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال، وهو بمكة، وأراد الخروج، ولم تكن أم سلمة طافت بالبيت وأرادت الخروج، فقال لها رسول
(1)
. صحيح مسلم (64 - 879).
(2)
. صحيح مسلم (163 - 455)، وقد ذكره البخاري معلقًا، قال أبو عبد الله في باب الجمع بين السورتين في الركعة (1/ 154): ويذكر عن عبد الله بن السائب: قرأ النبي صلى الله عليه وسلم المؤمنون في الصبح حتى إذا جاء ذكر موسى وهارون -أو ذكر عيسى- أخذته سعلة فركع.
(3)
. صحيح البخاري (464)، ومسلم (258 - 1276).
الله صلى الله عليه وسلم: إذا أقيمت صلاة الصبح، فطوفي على بعيرك، والناس يصلون. ففعلت ذلك، فلم تُصَلِّ حتى خرجت
(1)
.
[قوله: (صلاة الصبح) رواه الغساني، عن هشام، والغساني متكلم فيه، وتابعه أبو قبيصة الفزاري، وهو ضعيف، والراوي عنه مجروح]
(2)
.
(1)
. صحيح البخاري (1626).
(2)
. رواه البخار ي ومسلم من طريق مالك، عن أبي الأسود (محمد بن عبد الرحمن بن نوفل) عن عروة، عن زينب بنت أم سلمة، عن أم سلمة، وأطلق الصلاة، ولم يبين نوع الطواف.
ورواه هشام بن عروة، عن أبيه، واختلف عليه في إسناده ولفظه:
فقيل: عن هشام، عن عروة، عن أبيه، عن أم سلمة.
رواه يحيى بن أبي زكريا الغساني، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن أم سلمة، وذكر صلاة الصبح، وأن الطواف كان للوداع.
رواه البخاري في صحيحه كما في إسناد الباب (1626).
ورواه الطبراني في المعجم الكبير (23/ 269) ح 571، من طريق يحيى الحماني، حدثنا أبو قبيصة الفزاري، حدثنا هشام بن عروة به، بلفظ: إذا صلى الناس الصبح فطوفي على بعيرك من وراء الصفوف، ثم اخرجي. بلفظ يحيى بن أبي زكريا الغساني.
وهذه المتابعة على الطواف وعلى جنس الصلاة ضعيفة، فالحماني وإن كان حافظًا فهو مجروح، اتهموه بسرقة الحديث.
وقبيصة الفزاري قال العقيلي: كثير الوهم لا يتابع على كثير من حديثه. الضعفاء الكبير (2/ 290).
وقال أبو حاتم الرازي: شيخ. الجرح والتعديل (5/ 142).
وذكر ابن عدي له حديثين من مناكيره في الكامل (5/ 320)، ثم قال: وهذان الحديثان لم يتابع عبد الله بن قبيصة على متنهما، ولعبد الله بن قبيصة أحاديث سوى ما ذكرت، وفي بعض حديثه نكرة، ولم أجد للمتقدمين فيه كلامًا، فذكرته لأبين أن رواياته فيها نظر. الكامل (5/ 320).
وذكره الذهبي في الضعفاء. المغني في الضعفاء (3306)، وفي الميزان (2/ 472).
ورواه عبدة بن سليمان عن هشام به، كما في مصنف ابن أبي شيبة (13138)، والسنن الكبرى للنسائي (3890) وفي المجتبى (2926)، بلفظ: أن أم سلمة قالت: يا رسول الله، ما طفنا طواف الخروج، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا أقيمت الصلاة، فطوفي على بعيرك، من وراء الناس. ولم يذكر أنها صلاة الصبح، وذكر أن الطواف طواف الوداع، ولا يقارن الغساني بعبدة بن سليمان.
ورواه الطبري في تهذيب الآثار مسند ابن عباس (66) من طريق يونس بن بكير، عن هشام بن عروة، عن أبيه، =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= عن أم سلمة، أنها لم تكن طافت بالبيت طواف الخروج، فقالت: ذاك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمرها أن تطوف إذا أقيمت الصلاة من وراء الناس، فلما أقيمت الصلاة طافت من وراء الناس على بعير. فذكر أنه طواف الوداع، ولم يذكر نوع الصلاة.
ورواه الطبراني في الكبير (23/ 408) ح 981، من طريق يعقوب بن حميد، حدثنا محمد بن صالح، وأسامة بن حفص، عن هشام بن عروة به، بلفظ: (لم أطف بالبيت طواف الصدر، فقال: إذا صليتُ فطوفي من رواء الناس على بعيرك.
وليس فيه ذكر الصلاة، وذكر عن الطواف بأنه طواف الصدر، بينما يفهم من رواية الغساني أنه طواف الوادع، وليس بينهما تعارض، فهناك من العلماء من يطلق على طواف الوداع طواف الصدر كالحنفية، لأن الناس يصدرون عنه إلى بلادهم.
ويعقوب بن حميد صدوق، وأسامة بن حفص مثله، وأما محمد بن صالح فلم أهتد له، فأخشى أن يكون خطأ، وأن الصحيح محمد بن فليح، فتحرفت فليح إلى صالح.
فقد رواه الفاكهي في أخبار مكة (473)، والأزرقي في أخبار مكة (2/ 15) من طريق سفيان بن عيينة.
ورواه الفاكهي أيضًا (474) حدثنا يعقوب بن حميد، قال: حدثنا ابن فليح، وأسامة بن حفص، عن هشام بن عروة، عن أبيه به، بلفظ: إذا صليت فطوفي على بعيرك من وراء الناس، وهم يصلون. ولم يذكر نوع الطواف ولا نوع الصلاة، وابن فليح سيئ الحفظ، إلا أنه قد توبع، تابعه أسامة بن حفص، وسفيان.
وقد رواه أيضًا الطبري في تهذيب الآثار من مسند ابن عباس (67) من طريق خالد بن مخلد، قال: حدثنا هشام بن بلال، قال: حدثني هشام بن عروة، عن أبيه، قال: قالت: أم سلمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين أراد أن يصدر: إني لم أطف بالبيت، قال: فإذا صليت فطوفي، فلما أقيمت الصلاة، طافت على بعير.
وهذا شاهد آخر على أن طواف الوداع يسمى طواف الصدر.
وهشام بن بلال هو أبو حذيفة هشام الرازي شيخ أبي حاتم وأبي مسعود بن الفرات. انظر الهداية في تخريج أحاديث البداية للغماري (6/ 220).
وأخرجه الإسماعيلي من طريق حسان بن إبراهيم، وعلي بن هاشم، ومحاضر بن المورع، كما ذكر ذلك الحافظ ابن حجر في الفتح (3/ 487).
فهؤلاء عبدة بن سليمان، ويونس بن بكير، وسفيان بن عيينة، ومحمد بن فليح، وأسامة بن حفص وهشام بن بلال الرازي، وحسان بن إبراهيم، وعلي بن هاشم، ومحاضر بن المورع، وإن تابعوا يحيى بن أبي زكريا الغساني، في إسناده، عن هشام، عن عروة، عن أم سلمة، إلا أنهم لم يذكر واحد منهم أنها صلاة الصبح.
وهم أكثر عددًا وأرجح من الغساني، فالغساني متكلم فيه، وإن أخرج له البخاري هذا =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= الحديث في المتابعات.
قال الحافظ: «قوله: عن عروة، عن أم سلمة، كذا للأكثر، ووقع للأصيلي عن عروة، عن زينب بنت أبي سلمة، عن أم سلمة. -يشير الحافظ إلى الاختلاف بين رواة صحيح البخاري- قال الحافظ في الفتح (3/ 486): وقوله: عن زينب زيادة في هذا الطريق، فقد أخرجه أبو علي بن السكن، عن علي بن عبد الله بن مبشر، عن محمد بن حرب، شيخ البخاري فيه، ليس فيه زينب.
وقال الدارقطني في كتاب التتبع في طريق يحيى بن أبي زكريا هذه: هذا منقطع، فقد رواه حفص بن غياث، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن زينب بنت أبي سلمة، عن أمها أم سلمة، ولم يسمعه عروة عن أم سلمة. انتهى».
هذا يفيد عدم وهم يحيى بن أبي زكريا الغساني في إسناده، لكنه لا يرفع تفرده بزيادة أنها صلاة الصبح، فلم يذكر أحد هذا الحرف من طريق صحيح، وقد خالف الغساني كل من رواه عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن أم سلمة.
وأما ما رواه أبو معاوية، عن هشام، عن أبيه، عن زينب، عن أم سلمة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرها أن توافي معه صلاة الصبح يوم النحر بمكة.
فهذا مع كونه حديثًا آخر، فليس فيه ذكر طوافها راكبة، فلا يصلح شاهدًا لحديث يحيى بن أبي زكريا، عن هشام في ذكر أن الصلاة حين طافت راكبة أنها كانت صلاة الصبح، لاستحالة أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الصبح بمكة يوم النحر، وقد اضطرب فيه أبو معاوية في لفظه، وفي وصله وإرساله.
فرواه أحمد في المسند (6/ 291)، وإسحاق في مسنده (1824)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (2/ 221).
ومسلم في كتاب التمييز (52) حدثنا يحيى بن يحيى وأبو كريب ومحمد بن حاتم.
والطحاوي في شرح مشكل الآثار (3518)، وفي شرح معاني الآثار (2/ 219)، والبيهقي في معرفة السنن (7/ 312، 313) من طريق أسد بن موسى.
والطحاوي في مختصر اختلاف العلماء (2/ 150) حدثنا محمد بن عمرو بن يونس،
والبيهقي في معرفة السنن (7/ 312) من طريق سعيد بن سليمان، كلهم عن أبي معاوبة، عن هشام بن عروة، عن عروة، عن زينب، عن أم سلمة، وفيه ( .... أن توافي معه صلاة الصبح يوم النحر بمكة).
قال مسلم في كتاب التمييز (ص: 186): «هذا الخبر وهم من أبي معاوية لا من غيره وذلك =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الصبح في حجته يوم النحر بالمزدلفة وتلك سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فكيف يأمر أم سلمة أن توافي معه صلاة الصبح يوم النحر بمكة وهو حينئذٍ يصلي بالمزدلفة .... هذا خبر محال، ولكن الصحيح من روى هذا الخبر عن أبي معاوية وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أن توافي صلاة الصبح يوم النحر بمكة، وكان يومها، فأحب أن توافي، وإنما أفسد أبو معاوية معنى الحديث حين قال توافي معه».
وإذا لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم معها في صبيحة يوم النحر لم يصح أن يكون هذا متابعًا للغساني في ذكر قراءة النبي صلى الله عليه وسلم سورة الطور في صلاة الصبح.
والرواية التي أشار إليها مسلم رواها أبو يعلى في مسنده (7000) من طريق أبي خيثمة،
والبيهقي في السنن الكبرى (5/ 217) من طريق يحيى بن يحيى،
وابن عبد البر في الاستذكار (4/ 294) من طريق أبي كريب محمد بن العلاء، كلهم عن أبي معاوية به، بلفظ:(توافي صلاة الصبح يوم النحر بمكة) وليس فيه توافي معه.
وهذا هو الصحيح من حديث أبي معاوية، وهو غير حديثه في طوافها راكبة يوم الخروج من مكة، والرسول صلى الله عليه وسلم يصلي في البيت، ويقرأ سورة الطور.
قال الحافظ في الفتح (3/ 487): «ويحتمل أن يكون ذلك حديثًا آخر، فإن حديثها هذا في طواف الوداع، كما بيناه قبل قليل، وأما هذه الرواية فذكرها الأثرم، قال: قال لي أبو عبد الله -يعني أحمد بن حنبل- حدثنا أبو معاوية، عن هشام، عن أبيه، عن زينب، عن أم سلمة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرها أن توافيه يوم النحر بمكة.
قال أبو عبد الله: هذا خطأ، فقد قال وكيع: أمرها أن توافيه صلاة الصبح يوم النحر بمكة، قال: وهذا أيضًا عجيب، ما يفعل النبي صلى الله عليه وسلم يوم النحر بمكة؟، وقد سألت يحيى بن سعيد يعني القطان عن هذا، فحدثني به عن هشام بلفظ: أمرها أن توافي ليس فيه هاء، قال أحمد: وبين هذين فرق. فإذا عرف ذلك تبين التغاير بين القصتين: فإن إحداهما: صلاة الصبح يوم النحر، والأخرى صلاة صبح يوم الرحيل من مكة».
فإذا تبين أنهما حديثان فإن الحديث الذي ذكرت فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الطور. لا يكون ذلك إلا في طواف الوداع، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أصبح يوم النحر في مزدلفة لا يختلف الرواة الذين نقلوا لنا حجته عليه الصلاة والسلام، ودفع إلى منى لرمي الجمار عندما أسفر، وأبو معاوية محمد بن خازم ثبت في الأعمش ويهم إذا روى عن هشام وغيره. قال أحمد: أبو معاوية الضرير في غير حديث الأعمش مضطرب، لا يحفظها حفظًا جيدًا، والله أعلم.
وقد رواه غير أبي معاوية، فرواه الطحاوي في مشكل الآثار (3520) من طريق قبيصة.
والطبراني في الكبير (23/ 408) ح 982، من طريق عبد الجبار بن العلاء، كلاهما عن سفيان، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن أم سلمة، أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرها أن تصلي الصبح بمكة.
فأسقط سفيان زينب، ولم يذكر قوله: أن تصلي معه الصبح. =
فكشفت هذه الرواية أن الصلاة كانت صلاة الصبح، وأن النبي صلى الله عليه وسلم جهر فيها بالقراءة، وهو موضع الشاهد.
قال الدارقطني في التتبع: «هذا مرسل»
(1)
.
وقال النسائي: «عروة لم يسمع أم سلمة»
(2)
.
وقال الطحاوي: «عروة لا نعلم له سماعًا من أم سلمة»
(3)
.
(4)
.
وقال الحافظ أيضًا: «وسماع عروة من أم سلمة ممكن، فإنه أدرك من حياتها نيفًا وثلاثين سنة، وهو معها في بلد واحد»
(5)
.
فاعتمد الحافظ على مجرد إمكان السماع، لا على العلم به.
والذي يظهر لي أن الخلاف على عروة في اتصاله وانقطاعه أن تُحْمَل الرواية المنقطعة على الرواية المتصلة والتي كشفت عن وجود واسطة بين عروة وأم سلمة، إلا أن النظر في تفرد يحيى بن أبي زكريا في ذكر أن الصلاة كانت صلاة الصبح، فإن
= ورواه عبد الرحمن بن مهدي كما في العلل ومعرفة الرجال (2/ 368) عن سفيان،
ورواه أحمد كما في العلل (2/ 368) عن يحيى بن سعيد، كلاهما عن هشام، عن أبيه مرسلًا، وقالا: توافي، قال أحمد: قال أبو معاوية: توافيه، وأخطأ فيه.
ورواه وكيع كما في مصنف ابن أبي شيبة (13756)، عن هشام بن عروة، عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أم سلمة أن توافيه صلاة الصبح بمنى.
هكذا مرسلًا، وأخطأ فيه وكيع بقوله:(بمنى).
والذي يعنينا في هذا البحث بيان أن رواية أبي معاوية عن هشام عن أبيه في ذكر صلاة الصبح يوم النحر، لا تشهد لرواية البخاري من طريق يحيى بن أبي زكريا، عن هشام، عن أبيه في ذكر صلاة الصبح يوم الخروج من مكة. والله أعلم.
(1)
. التتبع (107).
(2)
. سنن النسائي (2926).
(3)
. شرح مشكل الآثار (9/ 141).
(4)
. هدي الساري (1/ 358).
(5)
. فتح الباري (3/ 487).
كنت ترى أن مثل هذه الزيادة يغتفر فيها تفرد الراوي الذي فيه لين، ولو خالف كل من روى الحديث عن هشام، عن أبيه، وخالف أيضًا من رواه عن عروة غير هشام، فلك أن تمشيه وهو ظاهر صنيع الإمام البخاري حيث اعتمد على هذه المتابعة في ذكر صلاة الصبح، والبخاري إمام في الحديث والفقه، وإن طلبت التشدد لم يكن لك إلا التوقف في قبولها، والله أعلم.
(ح-1564) وقد روى ابن خزيمة من طريق ابن وهب، عن مالك وابن لهيعة، عن أبي الأسود، عن عروة بن الزبير،
عن زينب بنت أم سلمة، عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، قالت: شكوت أو اشتكيت، فذكرت لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: طوفي مرور الناس وأنت راكبة، قالت: فطفت على جمل، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي إلى صقع البيت، فسمعته يقرأ في العشاء الآخرة وهو يصلي بالناس:{وَالطُّور وَكِتَابٍ مَّسْطُور}
(1)
.
[منكر، تفرد به ابن لهيعة]
(2)
.
(1)
. صحيح ابن خزيمة (523).
(2)
ولم أقف على رواية ابن وهب في مُوَطَّئِهِ، والله أعلم.
وقد رواه يحيى بن يحيى بن كثير الليثي، كما في موطأ مالك (1/ 370).
وعبد الله بن يوسف كما في صحيح البخاري (464).
وإسماعيل بن أبي أويس كما في صحيح البخاري (1619).
وعبد الله بن مسلمة القعنبي، كما في صحيح البخاري (1633)، وسنن أبي داود (1882)، ومستخرج أبي عوانة (3422)، ومستخرج أبي نعيم على صحيح مسلم (2939)، والبيهقي في السنن الكبرى (5/ 127، 165).
ويحيى بن يحيى بن بكر النيسابوري كما في صحيح مسلم (258 - 1276)، والسنن الكبرى للبيهقي (5/ 165). =
(ح-1565) ومنها ما رواه مسلم من طريق شريك وابن عيينة، عن زياد بن علاقة،
عن قطبة بن مالك سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في الفجر {وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَّهَا طَلْعٌ نَّضِيد} .
ورواه مسلم من طريق أبي عوانة، عن زياد بن علاقة به
(1)
.
(ح-1566) وروى مسلم من طريق جرير، عن إبراهيم بن محمد بن المنتشر، عن أبيه، عن حبيب بن سالم، مولى النعمان بن بشير،
عن النعمان بن بشير، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في العيدين، وفي الجمعة بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} ، و {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَة} ، قال: «وإذا اجتمع العيد والجمعة، في يوم واحد، يقرأ بهما أيضًا في الصلاتين
(2)
.
* الدليل على الجهر بصلاتي المغرب والعشاء:
(ح-1567) ما رواه البخاري ومسلم من طريق مالك، عن ابن شهاب، عن محمد بن جبير بن مطعم،
= وعبد الرحمن بن مهدي كما في مسند أحمد (6/ 290، 319)، ومسند أبي يعلى (6976)، وسنن ابن ماجه (2961)، وصحيح ابن خزيمة (2776).
والإمام الشافعي كما في معرفة السنن والآثار (7/ 261).
وأبو خيثمة زهير بن حرب كما في مسند أبي يعلى (6976).
وابن القاسم كما في سنن النسائي الكبرى (3889)، والمجتبى (2925).
وعبيد الله بن سعيد كما في سنن النسائي (2927).
ومعلى بن منصور كما في سنن ابن ماجه (2961).
وبشر بن عمر كما في صحيح ابن خزيمة (2776)،
ومعن بن عيسى كما في صحيح ابن حبان (3830)،
وعبد الرزاق كما في المعجم الكبير للطبراني (23/ 345) ح 804،
وسويد بن سعيد كما في مستخرج أبي نعيم (2939)،
ويحيى بن بكير كما في مستخرج أبي نعيم (2939)، ستة عشر راويًا كلهم رووه عن مالك، لم يقل واحد منهم أنها صلاة العشاء، أو أنها صلاة الصبح، وهذا هو المحفوظ، والله أعلم.
(1)
. صحيح مسلم (166 - 457).
(2)
. صحيح مسلم (62 - 878).
عن أبيه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم: قرأ في المغرب بالطور
(1)
.
(ح-1568) وروى البخاري ومسلم من طريق مالك، عن ابن شهاب، عن عبيد الله ابن عبد الله بن عتبة،
عن ابن عباس رضي الله عنهما، أنه قال: إن أم الفضل سمعته وهو يقرأ: {وَالْمُرْسَلَاتِ عُرْفًا} [المرسلات: 1] فقالت: يا بني، والله لقد ذكرتني بقراءتك هذه السورة، إنها لآخر ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ بها في المغرب
(2)
.
(ح-1569) وروى البخاري ومسلم من طريق معتمر، قال: سمعت أبي، قال: حدثني بكر، عن أبي رافع، قال:
صليت مع أبي هريرة العتمة، فقرأ:{إِذَا السَّمَاء انشَقَّت} فسجد، فقلت: ما هذه؟ قال: سجدت بها خلف أبي القاسم صلى الله عليه وسلم فلا أزال أسجد فيها حتى ألقاه
(3)
.
(ح-1570) وروى البخاري ومسلم من طريق شعبة، عن عدي، قال:
سمعت البراء: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في سفر فقرأ في العشاء في إحدى الركعتين: بالتين والزيتون
(4)
.
* الجهر بالقراءة في صلاة الاستسقاء:
(ح-1571) ما رواه البخاري من طريق ابن أبي ذئب، عن الزهري، عن عباد بن تميم،
عن عمه، قال: خرج النبي صلى الله عليه وسلم يستسقي، فتوجه إلى القبلة يدعو وحول رداءه، ثم صلى ركعتين جهر فيهما بالقراءة، ورواه مسلم بنحوه
(5)
.
* الجهر بالقراءة في صلاة الكسوف:
(ح-1572) روى البخاري ومسلم من طريق الوليد بن مسلم، أخبرنا عبد الرحمن بن نمر، أنه سمع ابن شهاب، يخبر عن عروة،
(1)
. صحيح البخاري (765)، وصحيح مسلم (174 - 463).
(2)
. صحيح البخاري (763)، وصحيح مسلم (173 - 462).
(3)
. صحيح البخاري (1078، 766)، وصحيح مسلم (110 - 578).
(4)
. صحيح البخاري (767)، وصحيح مسلم (175 - 464).
(5)
. صحيح البخاري (1024)، وصحيح مسلم (894).
عن عائشة، أن النبي صلى الله عليه وسلم جهر في صلاة الخسوف بقراءته، فصلى أربع ركعات في ركعتين، وأربع سجدات. واللفظ لمسلم
(1)
.
* الدليل على الإسرار في صلاتي الظهر والعصر:
(ح-1573) ما رواه البخاري من طريق جرير، عن الأعمش، عن عمارة بن عمير، عن أبي معمر، قلت لخباب:
أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في الظهر والعصر؟ قال: نعم، قلنا: من أين علمت؟ قال: باضطراب لحيته
(2)
.
قال ابن خزيمة: «فيه دليل على أنه كان يخافت بالقراءة في الظهر والعصر»
(3)
.
والحديث فيه دليل على أن قراءة السر تكون بتحريك اللسان والشفتين، وبذلك يتحرك شعر اللحية، ومثله في الدعاء والذكر
(4)
.
(ح-1574) وروى البخاري من طريق الأوزاعي، حدثني يحيى بن أبي كثير، حدثني عبد الله بن أبي قتادة،
عن أبيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ بأم الكتاب وسورة معها في الركعتين الأوليين من صلاة الظهر وصلاة العصر، ويسمعنا الآية أحيانًا، وكان يطيل في الركعة الأولى.
ورواه البخاري من طريق همام، عن يحيى، عن عبد الله بن أبي قتادة،
عن أبيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الظهر في الأوليين بأم الكتاب، وسورتين، وفي الركعتين الأخريين بأم الكتاب ويسمعنا الآية، ويطول في الركعة الأولى ما لا يطول في الركعة الثانية، وهكذا في العصر وهكذا في الصبح، ورواه مسلم
(5)
.
(1)
. صحيح البخاري (1065)، وصحيح مسلم (5 - 901).
(2)
. صحيح البخاري (777).
(3)
. صحيح ابن خزيمة (3/ 40).
(4)
. انظر: فتح الباري لابن رجب (7/ 17).
(5)
. رواه البخاري من طريق الأوزاعي (778)،
ورواه البخاري (776) ومسلم (155 - 451)، من طريق همام.
ورواه البخاري (759) من طريق شيبان.
ورواه البخاري (762، 779) من طريق هشام.
ورواه مسلم (154 - 451) من طريق الحجاج يعني الصواف.
ورواه أيضًا (155 - 451) من طريق أبان بن يزيد، كلهم رووه عن يحيى بن أبي كثير، حدثني عبد الله بن أبي قتادة، عن أبيه.
وجه الاستدلال:
(1)
.
قال ابن رجب في شرح البخاري: «قوله: (كان يسمعنا الآية أحيانًا) ظاهره: أنه كان يقصد ذلك، وقد يكون فعَلَه ليعلِّمهم أنه يقرأ في الظهر والعصر، فإنه حصل لبعضهم شكٌّ في ذلك كما تقدم، وقد يكون فعله ليعلمهم هذه السورة المعينة، كما روي ذلك عن أنس وغيره، أو ليبيِّن جواز الجهر في قراءة النهار، وأن الصلاة لا تبطل به.
وقالت طائفة من العلماء: «لم يكن إسماعهم الآية أحيانًا عن قصد، إنما كان يقع اتفاقًا عن غير قصد؛ فإنه صلى الله عليه وسلم كان يقرأ لنفسه سرًّا، فربما استغرق في تدبر ما يقرؤه، أو لعله كان يقصد تحقيق القراءة، فيقع سماع قراءته للآية أحيانًا لذلك من غير أن يتعمد إسماعهم، أو أن يكون وقع الإسماع منه على وجه السهو؛ وفي هذا نظر.
قال الشافعي: لا نرى بأسًا أن يتعمد الرجل الجهر بالشيء من القرآن؛ ليعلم من خلفه أنه يقرأ»
(2)
.
وهي مسألة خلافية، لعلي أفرد لها مبحثًا مستقلًّا إن شاء الله تعالى.
(ث-416) وقد روى مسلم في صحيحه من طريق ابن جريج، عن عطاء، قال:
قال أبو هريرة: في كل الصلاة يقرأ، فما أسمَعَنَا رسول الله صلى الله عليه وسلم أسمَعَنَاكم،
(1)
. فتح الباري (2/ 245).
(2)
. فتح الباري لابن رجب (7/ 86).
وما أخفى منا أخفينا منكم
…
الحديث
(1)
.
ورواه مسلم أيضًا من طريق حبيب المعلم، عن عطاء به
(2)
.
(3)
.
وقال المازري في شرح التلقين: «الدليل على صحة ما قاله في هذا الفصل نقل الخلف له عن السلف وظهور العمل به في سائر الأعصار. وما نقل هذا النقل فينبغي اتباعه كما عولنا في عدد الركوع والسجود على النقل المستفيض»
(4)
.
وقال ابن القطان في الإقناع في مسائل الإجماع: «اتفق أهل العلم على أن صلاة الفجر ركعتان يجهر فيهما بالقراءة، وأن صلاة الظهر والعصر أربع أربع، لا يجهر بالقراءة في شيء منها، وأن المغرب ثلاث يجهر منها في الركعتين الأوليين، ولا يجهر في الثالثة، وأن العشاء الآخرة أربع، يجهر منها في الركعتين الأوليين، ولا يجهر في الأخيرتين»
(5)
.
* * *
(1)
. صحيح مسلم (43 - 396).
(2)
. صحيح مسلم (44 - 396).
(3)
. شرح النووي على صحيح مسلم.
(4)
. شرح التلقين (1/ 575).
(5)
. الإقناع في مسائل الإجماع (1/ 130).