الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثالث في حكم قراءة القرآن بغير العربية في الصلاة
المدخل إلى المسألة:
* الألفاظ أقسام: منها ما يعتبر معناه دون لفظه كألفاظ العقود، ومنها ما يعتبر لفظه مع القدرة عليه دون العجز عنه، كالتكبير، والتسبيح، والدعاء في الصلاة، ومنها ما يعتبر لفظه ومعناه، وهو القرآن؛ فلا تجوز الترجمة عنه بلغة أخرى.
* العلماء مجمعون على أن القرآن هو اللفظ والمعنى، ولا يُعَدُّ المعنى وحده قرآنًا، وبهذا فارق القرآن الحديث القدسي.
* المطلوب في الصلاة قراءة القرآن، لا قراءة معناه.
* ما كتب بلغة العجم من تفسير للقرآن لا يوصف بكونه منزلًا، ولا بكونه قرآنًا، ولا بكونه عربيًّا، ولا بكونه كلام الله الذي تكلم به سبحانه.
* قال إمام الحرمين: ترجمة القرآن ليست قرآنًا بإجماع المسلمين كما أن تفسير شعر امرئ القيس ليس شعره.
* إذا عجز الإنسان عن قراءة القرآن انتقل إلى بدله، وهو الذكر من تسبيح، وتهليل، وتحميد، ولم يجعل الله بدل القرآن تفسيره، ولا ترجمته إلى لغة أخرى.
[م-608] اختلف العلماء في هذه المسألة:
فقيل: تجوز مطلقًا مع الكراهة، سواء أكان يحسن العربية أم كان لا يحسنها، وهو قول الإمام أبي حنيفة، ويروى رجوعه عنه
(1)
.
(1)
. الأصل للشيباني (1/ 252)، المبسوط للسرخسي (1/ 37)، تحفة الفقهاء (1/ 130)، بدائع الصنائع (1/ 112)، الهداية شرح البداية (1/ 48)، تبيين الحقائق (1/ 110)، العناية شرح الهداية (1/ 284)، البحر الرائق (1/ 324).
وقيل: لا تجوز القراءة بها مطلقًا، وبهذا قال الجمهور من المالكية، والشافعية، والحنابلة، واختاره ابن حزم من الظاهرية
(1)
.
وقيل: إن كان يقدر على قراءة القرآن بالعربية فلا يجوز، وإن كان لا يحسن العربية جاز، وهو قول للحنابلة، وبه قال أبو يوسف ومحمد بن الحسن من الحنفية، وهو المعتمد في المذهب، ويروى رجوع أبي حنيفة في أصل المسألة إلى قولهما، ذكر ذلك في الهداية شرح البداية وفي البحر الرائق، وفي غيرهما، وإذا رجع العالم عن قوله لا يعد ذلك المرجوع عنه قولًا له
(2)
.
* دليل من قال: لا تجوز مطلقًا:
الدليل الأول:
قال تعالى: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا} [يوسف: 2].
وقال تعالى: {كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا} [فصلت: 3].
وجه الاستدلال:
قال تعالى: {قُرْآنًا عَرَبِيًّا} فالأعجمي ليس بقرآن، وما كتب بلغة العجم فليس متصفًا بكونه منزلًا، ولا بكونه قرآنًا، ولا بكونه عربيًّا، ولا يوصف بكونه كلام الله الذي تكلم به سبحانه، لقوله تعالى:{وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَّقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ} [فصلت: 44] فهو في أحسن حاله أن يكون ترجمة تفسيرية، وتفسير القرآن ليس قرآنًا.
وقد نقل النووي عن إمام الحرمين قوله: «ترجمة القرآن ليست قرآنًا بإجماع
(1)
. انظر في المالكية: المدونة (1/ 161)، الإشراف على مسائل الخلاف (1/ 237)، عيون المسائل للقاضي عبد الوهاب (ص: 124)، التبصرة للخمي (1/ 256)، الشرح الكبير للدردير (1/ 237)، حاشية الصاوي (1/ 309).
وانظر في مذهب الشافعية: المجموع (3/ 379)، الخلافيات للبيهقي (3/ 232)، بحر المذهب للروياني (2/ 15)، الحاوي الكبير (2/ 113)، حلية العلماء للقفال (2/ 92)، نهاية المطلب (2/ 202)، التعليقة للقاضي حسين (2/ 725).
(2)
. الأصل للشيباني (1/ 15، 252)، تحفة الفقهاء (1/ 130)، المبسوط (1/ 37)، بدائع الصنائع (1/ 112)، تبيين الحقائق (1/ 110)، الهداية شرح البداية (1/ 48، 49)، العناية شرح الهداية (1/ 286)، البحر الرائق (1/ 324).
المسلمين، ومحاولة الدليل لهذا تكلف، فليس أحد يخالف في أن من تكلم بمعنى القرآن بالهندية ليست قرآنًا، وليس ما لفظ به قرآنًا، ومن خالف في هذا كان مراغمًا جاحدًا، وتفسير شعر امرئ القيس ليس شعره، فكيف يكون تفسير القرآن قرآنًا»
(1)
.
الدليل الثاني:
قال تعالى: {فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} [المزمل: 20].
فأمر الله بقراءة القرآن في الصلاة، والقرآن على اتفاق السلف: هو كلام الله تلقاه جبريل عن الله سبحانه، وبَلَّغَه جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وبَلَّغَه النبي صلى الله عليه وسلم إلى أمته، وتجويز قراءة ترجمة القرآن في الصلاة بدلًا عن القرآن من باب إثبات بدل الواجب، والأبدال في الواجبات الشرعية لا تصح إلا بتوقيف، ولا يوجد نص من الشارع يُجَوِّزُ قراءة ترجمة القرآن بدلًا من القرآن، والأصل في العبادات المنع.
الدليل الثالث:
(ح-1594) ما رواه البخاري ومسلم من طريق مالك، عن ابن شهاب، عن عروة بن الزبير، عن عبد الرحمن بن عبد القاري، أنه قال:
سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه، يقول: سمعت هشام بن حكيم بن حزام، يقرأ سورة الفرقان على غير ما أقرؤها، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكدت أن أَعْجَلَ عليه، ثم أَمْهَلْتُهُ حتى انصرف، ثم لَبَّبْتُهُ بردائه، فجئت به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: إني سمعت هذا يقرأ على غير ما أقرأتنيها، فقال لي: أرسله، ثم قال له: اقرأ، فقرأ، قال: هكذا أنزلت، ثم قال لي: اقرأ، فقرأت، فقال: هكذا أنزلت، إن القرآن أنزل على سبعة أحرف، فاقرؤوا منه ما تيسر
(2)
.
وجه الاستدلال:
أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينكر على عمر اعتراضه على قراءة هشام بن حكيم، فلو جازت الترجمة لأنكر عليه اعتراضه في شيء جائز.
الدليل الرابع:
الألفاظ أقسام: منها ما يعتبر معناه دون لفظه، كألفاظ العقود والطلاق والنكاح،
(1)
. المجموع (3/ 380).
(2)
. صحيح البخاري (2419)، وصحيح مسلم (270 - 818).
فتصح بلغة أهلها، ولو كان قادرًا على العربية على الصحيح.
ومنها ما يعتبر لفظه مع القدرة عليه دون العجز، كالتكبير، والتسبيح، والدعاء في الصلاة، فهذه الألفاظ توقيفية، ولا إعجاز في لفظها، فتجب مع القدرة، وتجوز بغير العربية مع العجز.
ومنها ما يعتبر لفظه ومعناه، وهو القرآن؛ لإعجازه بلفظه ومعناه، فلا تجوز الترجمة عنه بلغة أخرى، فالعلماء مجمعون على أن القرآن هو اللفظ والمعنى، وليس المعنى وحده يُعَدُّ قرآنًا، وبهذا فارق القرآن الحديث القدسي الذي كان معناه منسوبًا إلى الله، ولفظه منسوبًا للرسول صلى الله عليه وسلم، والإعجاز من حيث اللفظ يزول بزوال النظم العربي؛ لأن المعتمد في إعجاز القرآن هو اللفظ من حيث جزالة أسلوبه وفصاحته المجاوزة لحدود جزالة العرب، والجزالة والأسلوب يتعلقان بالألفاظ، وأما المعنى فهو تابع للفظ، ولهذا تحدى الله العرب أن يأتوا بعشر سور مثله مفتريات، فلما كانت العشر مفتريات كانت من حيث المعنى لن تماثل الصدق، فدل على أنه تحداهم أن يأتوا بمثله من حيث اللفظ، وأن الإعجاز كان بألفاظه، والمعنى تبع.
ولا خلاف أن القرآن معجز، وليست ترجمته معجزة، فلا تكون الترجمة قرآنًا؛ لانعدام الإعجاز، ولهذا لا تشترط الطهارة لمس المترجم خلافًا للأصح عند الحنفية، ولا تحرم قراءته من الجنب، ولا يحنث بها من حلف لا يقرأ القرآن
(1)
.
الدليل الخامس:
إذا عجز الإنسان عن قراءة القرآن انتقل إلى بدله، وهو الذكر من تسبيح، وتهليل، وتحميد، ولم يجعل الله بدل القرآن تفسيره، ولا ترجمته في لغة أخرى.
(ح-1595) فقد روى أحمد، قال: حدثنا وكيع، حدثنا سفيان، عن يزيد أبي خالد الدالاني، عن إبراهيم السكسكي،
عن ابن أبي أوفى قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إني
(1)
. قال الحنفية: الجواز أقرب إلى القياس، والمنع أقرب إلى التعظيم، والصحيح المنع، انظر حاشية ابن عابدين (1/ 293)، البحر الرائق (1/ 211، 212)، الموسوعة الكويتية (11/ 170).
لا أستطيع آخذ شيئًا من القرآن، فعلمني ما يجزئني، قال: قل: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله. قال: يا رسول الله، هذا لله عز وجل، فما لي؟ قال: قل اللهم اغفر لي، وارحمني، وعافني، واهدني وارزقني، ثم أدبر وهو ممسك كفيه. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أما هذا، فقد ملأ يديه من الخير
(1)
.
[أرجو أن يكون حسنًا]
(2)
.
(1)
. مسند أحمد (3/ 353).
(2)
. تفرد به إبراهيم السَّكْسَكِيُّ، وهو من رجال البخاري، أخرج له البخاري في صحيحه حديثين: أحدهما: إذا مرض العبد أو سافر كتب له ما كان يعمل صحيحًا مقيمًا. صحيح البخاري (2996).
والحديث الثاني: أن رجلًا أقام سلعة في السوق فحلف فيها: لقد أعطي بها ما لم يعط؛ ليوقع رجلًا من المسلمين، فنزلت:{إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا} الآية [آل: عمران: 77].
ولهذا قال الحاكم: «هذا حديث صحيح على شرط البخاري، ولم يخرجاه» .
وقال ابن الملقن في البدر المنير (3/ 575): إبراهيم هذا من فرسان البخاري، احتج به في صحيحه وإن كان الحاكم ذكره في مدخله في باب من أخرج له البخاري وذكر بشيء من الجرح، ثم غفل فذكره في:(باب من اتفقا عليه). اهـ قال في إكمال تهذيب الكمال (1/ 238): وهو وهم منه، نص على ذلك غير واحد، والله أعلم.
وقال عليُّ بن المديني: سألت يحيى بن سعيد، عن إبراهيم السكسكي، فقال: كان شعبة يضعفه، قال: كان لا يحسن يتكلم. الجرح والتعديل (1/ 132) و (2/ 111)، والضعفاء للعقيلي (1/ 57).
وهذا ليس بجرح، بل إن حفظه للحديث، وعدم الاختلاف عليه في ألفاظه مع كونه لا يحسن أن يتكلم برهان على ضبطه وحفظه له.
وفي سؤالات الحاكم للدارقطني (269): قلت لعلي بن عمر: لم ترك مسلم حديثه؟ قال: تكلم فيه يحيى بن سعيد. قلت: بحجة؟ قال: هو ضعيف. قلت: لعل مسلمًا لم يحتج إليه ضرورة.
وقال أحمد بن حنبل: ضعيف.
وقال النسائي: ليس بذلك القوي، ويكتب حديثه. الكامل (1/ 345).
وقال ابن خلفون: قال أبو الحسن الدارقطني: تابعي صالح. قال ابن خلفون: وهو عندي في الطبقة الثالثة من المحدثين. انظر إكمال تهذيب الكمال (1/ 238)، وحاشية تهذيب الكمال (2/ 132).
وقال ابن عدي في الكامل (1/ 345): لم أجد له حديثًا منكر المتن، وهو إلى الصدق أقرب منه إلى غيره، ويكتب حديثه كما قال النسائي. =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= وقال الذهبي في الميزان (1/ 45): كوفي صدوق، لينه شعبة والنسائي، ولم يترك، قال النسائي: ليس بذاك القوي، وخرَّج له البخاري، وقال أحمد: ضعيف، وقال ابن عدي: لم أجد له حديثاً منكر المتن.
وقال في من تُكُلِّم فيه وهو موثَّق (6): «لينه شعبة، وضعفه أحمد، حديثه حسن» .
وقال ابن القطان الفاسي كما في بيان الوهم والإيهام (3/ 306): وإن كان قوم قد ضعفوا إبراهيم السكسكي، فلم يأتوا بحجة، وهو ثقة، وقد أخرج له البخاري.
وانتقد ابن الملقن في البدر المنير (3/ 576) تضعيف النووي له، وقال:«وأما قول النووي في شرح المهذب: هذا الحديث رواه أبو داود والنسائي من رواية إبراهيم السكسكي، وهو ضعيف، وإدخاله إياه في فصل الضعيف من خلاصته؛ فليس بجيد منه .... » .
وخرج ابن حبان حديثه في صحيحه.
وقال أبو زرعة العراقي في البيان والتوضيح لمن أُخرج له في الصحيح وقد مُس بضرب من التجريح (32): «أما قول أحمد فغير مفسَّر، وأما ما حكاه يحيى بن سعيد [أي عن شعبة] فقد فُسِّر بما ليس بقادح» .
وقال ابن عبد الهادي في التنقيح (2/ 234): صالح الحديث ....
فالخلاصة: ضعفه يحيى القطان والإمام أحمد، والنسائي، وجرحه شعبة بما ليس بقادح، واختلف قول الدارقطني فيه، وأخرج له البخاري وابن حبان في صحيحيهما، ووثقه ابن القطان الفاسي وحسن حديثه الذهبي، فالذي يظهر لي، والله أعلم أن الرجل صدوق يخطئ، ولعل حفظ السكسكي لهذا الحديث، بهذا التفصيل، وعدم الاختلاف عليه في ألفاظه دليل على أن الحديث لا يدخل فيما أخطأ فيه من الأحاديث، والله أعلم.
وقد روى الحديث عن إبراهيم جماعة منهم:
الأول: أبو خالد الدالاني يزيد بن عبد الرحمن، عن إبراهيم السَّكْسَكِيِّ.
رواه عبد الرزاق كما في المصنف (2747)، ومن طريقه الطبراني في الدعاء (1711)، والدارقطني في السنن (1196)، والمقدسي في الأحاديث المختارة (169).
وأحمد (4/ 353)، وأبو داود في السنن (832)، والدارقطني في السنن (1197)، والكناني في جزء البطاقة (6)، والرامهرمزي في المحدث الفاصل (ص: 494، 495)، وأبو القاسم الكناني في حديثه (6)، عن وكيع،
وعبد بن حميد كما في المنتخب من مسنده (524)، والطبراني في الدعاء (711)، وابن المقرئ في معجمه (ص: 83)، عن أبي نعيم (الفضل بن دكين).
والبزار (3347)، والبيهقي في السنن (2/ 532)، من طريق يعلى بن عبيد، وزاد ذكر البسملة، وهي زيادة شاذة.
والبيهقي في القراءة خلف الإمام (185) من طريق الحسين بن حفص، كلهم (عبد الرزاق، =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= ووكيع، وأبو نعيم، ويعلى بن عبيد، والحسين بن حفص) رووه عن سفيان الثوري، عن أبي خالد الدالاني، عن إبراهيم السَّكْسَكِيِّ به. ولم يتفرد به أبو خالد الدالاني بل تابعه غيره، كما سيأتي بيانه في بقية تخريج طرقه.
وخالف هؤلاء خالد بن نزار كما في الحلية لأبي نعيم (7/ 113)، والتدوين في أخبار قزوين (3/ 382)، روياه من طريق نصر بن مرزوق، حدثنا خالد بن نزار، حدثنا الثوري، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن ابن أبي أوفى به.
قال أبو نعيم: «هذا حديث غريب، تفرد به عن الثوري: خالد بن نزار» .
ولا يحتمل تفرد خالد بن نزار عن الثوري بهذا الإسناد، كيف وقد خالف الجماعة في سفيان، فالمعروف ما رواه الجماعة عن سفيان، وخالد بن نزار فيه ذكره ابن حبان في الثقات، وقال: يغرب ويخطئ.
الطريق الثاني: مِسْعَرٌ، عن إبراهيم السَّكْسَكِيِّ به.
أخرجه أحمد (4/ 356)، والطبراني في الدعاء (1712)، وأبو نعيم في الحلية (7/ 227)، والبيهقي في السنن الكبرى (2/ 532)، وفي الخلافيات ط الروضة (2354)، وابن قانع في معجم الصحابة (2/ 84، 58)، والمقدسي في الأحاديث المختارة (13/ 102) ح 168، عن أبي نعيم (الفضل بن دكين).
وابن أبي شيبة في المصنف (29419) حدثنا أبو أسامة.
ورواه أيضًا (35036) حدثنا أبو معاوية،
والقاضي أبو يوسف في الآثار (51)،
والنسائي في الكبرى (998)، وفي المجتبى (924) من طريق الفضل بن موسى.
والبزار (3345)، وابن منده في التوحيد (268)، والمقدسي في الأحاديث المختارة (13/ 101) ح 166، من طريق أبي أحمد (يعني الزبيري)،
ورواه ابن حبان في صحيحه (1809)، والمقدسي في الأحاديث المختارة (13/ 101) ح 167، من طريق عمر بن عليٍّ،
والدارقطني في السنن (1195)، والبيهقي في الشعب (609)، من طريق عبيد الله بن موسى،
والحاكم في المستدرك (880) من طريق جعفر بن عون،
وابن بشران في أماليه (936) من طريق خلاد بن يحيى، كلهم (أبو نعيم، وأبو أسامة، وأبو معاوية (محمد بن خازم)، وأبو يوسف القاضي، والفضل بن موسى، وأبو أحمد الزبيري، وابن عيينة، وعمر بن علي، وعبيد الله بن موسى، وجعفر بن عون، وخلاد بن يحيى) رووه عن مِسْعَرٍ، عن إبراهيم السَّكْسَكِيِّ به.
ورواه سفيان بن عيينة، فكان مرة يرويه عن مسعر وحده، ومرة يرويه عن أبي خالد الدالاني ومسعر.
فرواه ابن الجارود في المنتقى (189)، والدارقطني (1195) عن ابن المقرئ (محمد بن عبد الله بن يزيد). =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= ورواه الدارقطني في السنن (1195) من طريق أبي عبيد الله المخزومي سعيد بن عبد الرحمن.
ورواه الحاكم في المستدرك (880) من طريق الحميدي، ثلاثتهم (ابن المقرئ وأبو عبيد الله المخزومي، والحميدي) رووه عن سفيان بن عيينة، عن مسعر وحده، عن السكسكي به.
ورواه الحميدي في مسنده (734)، ومن طريقه ابن المنذر في الأوسط (4/ 159)،
وابن حبان (1808) من طريق إبراهيم بن بشار، كلاهما عن سفيان بن عيينة، قال: حدثنا يزيد أبو خالد الدالاني، ومسعر بن كدام، عن إبراهيم السَّكْسَكِيِّ، عن عبد الله بن أبي أوفى، أن رجلًا، قال للنبي صلى الله عليه وسلم: علمني يا رسول الله شيئًا أقوله يجزئني من القرآن، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر. قال سفيان: لا أعلم، إلا أنه قال: قال: ولا حول ولا قوة إلا بالله.
فجمع سفيان شيخيه: أبا خالد، ومسعرًا.
…
وخالف الحميديَّ، وابنَ المقرئ، وأبا عبيد الله المخزومي، وإبراهيمَ بنَ بشار الرمادي، كل من:
الأول: حامد بن يحيى، كما في أفراد الدارقطني (الأطراف: 4047)، فرواه عن ابن عيينة، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن ابن أبي أوفى به.
وحامد بن يحيى البلخي وإن كان ثقة، ومن أصحاب ابن عيينة، إلا أنه خالف الجماعة، ولم يتابع على ذكر إسماعيل بن خالد بدلًا من السكسكي، فهي رواية شاذة، والله أعلم.
الثاني: عبدُ الله بنُ بزيع، كما في الأوسط للطبراني (3025) فرواه عن سفيان بن عيينة، عن منصور بن المعتمر، عن إبراهيم، عن عبد الله بن أبي أوفى الأسلمي به.
قال الطبراني: «لم يروه عن سفيان بن عيينة عن منصور إلا عبد الله بن بزيع، وإبراهيم هذا هو: إبراهيم السَّكْسَكِيٌّ، ولا يروى من حديث منصور إلا من هذا الوجه» .
والمعروف رواية الجماعة، وعبد الله بن بزيع ضعيف، لينه الدارقطني، وقال فيه أيضًا: ليس بالقوي.
الطريق الثالث: عبد الرحمن بن عبد الله المسعودي، عن إبراهيم السَّكْسَكِيِّ.
رواه أبو داود الطيالسي (851)، ومن طريقه البيهقي في الدعوات الكبير (123).
ورواه أحمد (4/ 382) حدثنا يزيد (يعني ابن هارون).
ورواه البزار (3346) من طريق أبي أحمد الزبيري،
ورواه الطبراني في الدعاء (1713)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (31/ 31)، من طريق عمرو بن مرزوق،
والبيهقي في السنن الكبرى (2/ 532)، وفي القراءة خلف الإمام (184)، من طريق أبي النضر (هاشم بن القاسم)،
ورواه ابن عدي في الكامل (1/ 345)، والشجري في ترتيب الأمالي الخميسية (1120)، من طريق عاصم بن علي، ستتهم (الطيالسي، ويزيد بن هارون، وأبو أحمد الزبيري، وعمرو بن مرزوق، وأبو النضر، وعاصم بن علي) رووه عن عبد الرحمن بن عبد الله المسعودي، =
الدليل السادس:
(ح-1596) ما رواه أبو داود الطيالسي، قال: حدثنا إسماعيل بن جعفر المدني، قال: حدثني يحيى بن علي بن خلاد، عن أبيه، عن جده،
= عن إبراهيم السَّكْسَكِيِّ به، بلفظ: (أن رجلًا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إني لا أحسن القرآن، فهل شيء يجزئ من القرآن فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله. ثم أدبر الرجل ثم رجع فقال: يا رسول الله، هذا لله فماذا لي؟ قال: قل: اللهم اغفر لي وارحمني وعافني واهدني وارزقني، فعقدهن الرجل في يده عشرًا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما هذا فقد ملأ يديه خيرًا. هذا لفظ أبي داود الطيالسي، ولفظ الباقين بنحوه.
والطيالسي ويزيد بن هارون وأبو النضر وعاصم بن علي ممن سمع من المسعودي بعد اختلاطه، وضابطه: أن من سمع منه ببغداد فبعد الاختلاط، ومن سمع منه بالكوفة فصحيح، وسماع عمرو بن مرزوق قبل اختلاطه، وسماع أبي أحمد الزبيري قديم، وقد ضبط المسعودي هذا الحديث سندًا ومتنًا، ولم يخالف رواية مسعر، وأبي خالد الدالاني، وموافقته لهما دليل على ضبطه، فزال ما يخشى من اختلاطه، والله أعلم.
الطريق الرابع: حجاج بن أرطاة، عن السكسكي.
…
رواه ابن أبي شيبة في المصنف (29797) حدثنا أبو معاوية، عن حجاج، عن إبراهيم السكسكي به، وحجاج بن أرطاة ضعيف، وأبو معاوية يخطئ فيما رواه عن غير الأعمش.
وقد توبع فيه السكسكي، إلا أنه من طريق لا يصح.
فقد رواه ابن حبان في صحيحه (1810)، وابن المقرئ في معجمه (172)، والضياء في المختارة (191)، وأبو الحسين بن المظفر في حديثه (70 - مخطوط) من طريق الفضل بن الموفق، قال: حدثنا مالك بن مغول، عن طلحة بن مصرف، عن ابن أبي أوفى، قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إني لا أستطيع أن أتعلم القرآن، فعلمني ما يجزئني من القرآن
…
فذكره.
وعلقه ابن عبد الهادي في التنقيح (782)، قال: وقال الطبراني: حدثنا أبو عوانة يعقوب بن إسحاق النَّيسابوريُّ حدثنا أبو أميَّة محمد بن إبراهيم، حدثنا الفضل بن موفَّق به.
قد انفرد بهذا الاسناد الفضل بن الموفق، عن مالك بن مغول، وقد قال أبو حاتم الرازي كما في الجرح والتعديل (7/ 68):«ضعيف الحديث، كان شيخًا صالحًا، قرابةً لابن عيينة، وكان يروي أحاديث موضوعة» .
فمثل هذا لا يمكن أن يعتبر به، وقد تفرد عن مالك بن مغول بمثل هذا، فلو كان من حديثه، فأين أصحابه عنه، والله أعلم.
عن رفاعة البدري، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسًا في المسجد، قال رفاعة: ونحن عنده، إذ جاءه رجل كالبدوي، فدخل المسجد فصلى فأخف صلاته
…
وذكر قصة المسيء صلاته، وفيه: .... فقال: يا رسول الله، أرني وعلمني فإني بشر أصيب وأخطئ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا قمت إلى الصلاة فتوضأ كما أمرك الله، ثم كَبِّر، فإن كان معك قرآن فاقرأه وإن لم يكن معك قرآن فاحمد الله وهلله وكبره
(1)
.
[تفرد بقوله: (وإن لم يكن معك قرآن فاحمد الله
…
إلخ) يحيى بن علي بن خلاد، عن أبيه، وقد رواه جماعة عن علي بن خلاد ولم يذكروا هذا الحرف]
(2)
.
(1)
. مسند أبي داود الطيالسي (1469).
(2)
. حديث المسيء في صلاته جاء من مسند أبي هريرة في الصحيحين، وجاء من مسند رفاعة بن رافع.
فأما حديث أبي هريرة، فأخرجه البخاري (793) ومسلم (45 - 397) من طريق يحيى بن سعيد (القطان)، عن عبيد الله (العمري)، قال: حدثنا سعيد المقبري، عن أبيه،
عن أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل المسجد، فدخل رجل، فصلى، ثم جاء، فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم فرد النبي صلى الله عليه وسلم عليه السلام، فقال: ارجع فَصَلِّ فإنك لم تُصَلِّ، فصلى، ثم جاء، فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ارجع فَصَلِّ، فإنك لم تُصَلِّ، ثلاثًا، فقال: والذي بعثك بالحق، فما أحسن غيره، فعلمني، قال: إذا قمت إلى الصلاة فكبر، ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن، ثم اركع حتى تطمئن راكعًا، ثم ارفع حتى تعتدل قائمًا، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدًا، ثم ارفع حتى تطمئن جالسًا، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدًا، ثم افعل ذلك في صلاتك كلها.
ورواه البخاري (6251) ومسلم (46 - 397) من طريق عبد الله بن نمير،
ورواه مسلم من طريق أبي أسامة كلاهما حدثنا عبيد الله به، بلفظ: إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء، ثم استقبل القبلة فكبر
…
وذكر الحديث، هذا لفظ الصحيحين من مسند أبي هريرة في قصة الرجل المسيء صلاته.
وأما حديث رفاعة بن رافع فيرويه: عليُّ بن يحيى بن خلاد، عن أبيه، عن رفاعة بن رافع.
ويرويه عن علي بن يحيى بن خلاد جماعة منهم، إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، ومحمد بن عمرو، ومحمد بن إسحاق، وداود بن قيس الفراء، ومحمد بن عجلان، وعبد الله بن عون، وشريك بن أبي نمر، ويحيى بن علي بن يحيى بن خلاد، يزيد بعضهم في ألفاظه وينقص، وقد يخالف بعضهم في إسناده،
وحديث أبي هريرة في الصحيحين مقطوع بصحته، وحديث رفاعة بن رافع خارج الصحيحين، وهي قصة واحدة لوجود التطابق بين أحداث القصة، =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= وقد اختلف على عليِّ بن يحيى بن خلاد، فالرواة عنه يزيد بعضهم على بعض وينفرد بعضهم بألفاظ لم يتفق الرواة عليها عنه، ولم ترد في حديث أبي هريرة، والحكم في ذلك برد حديث رفاعة إلى حديث أبي هريرة، فما وافق منه حديث أبي هريرة قبلناه، وما انفرد فيه حديث رفاعة، مما اختلف عليه في ذكره حكمنا بشذوذه؛ لوجود الاختلاف الكثير في إسناده وألفاظه.
إذا عرفت هذا من حيث الجملة،
فالحديث قد اختلف فيه على عليِّ بن يحيى بن خلاد:
فرواه إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، ومحمد بن عمرو، ومحمد بن إسحاق، وداود بن قيس الفراء، ومحمد بن عجلان، وعبد الله بن عون، كلهم رووه عن علي بن يحيى بن خلاد، عن أبيه، عن عمه رافع لم يذكر أحد منهم قوله:(وإن لم يكن معك قرآن فاحمد الله وهلله وكبِّره)، وقد سبق تخريج هذه الطرق، انظر ح (1192).
ورواه يحيى بن علي بن يحيى بن خلاد، عن أبيه، عن جده، عن رفاعة، وذكر فيه زيادة: (وإن لم يكن معك قرآن فاحمد الله
…
إلخ).
أخرجه الطيالسي (1382)، وأبو داود (861)، والنسائي في المجتبى (667)، وفي الكبرى (1631)، وابن خزيمة (545)، والطحاوي في مشكل الآثار (2244)، والبيهقي (2/ 380)، من طريق إسماعيل بن جعفر بن أبي كثير، عن يحيى بن علي بن يحيى بن خلاد به.
ويحيى بن علي بن يحيى بن خلاد لم يَرْوِ عنه إلا إسماعيل بن جعفر، ولم يوثقه إلا ابن حبان، إلا أن ذلك لا يضر فيما توبع عليه، وأما ما انفرد به، فلا يقبل؛ لكونه يحمل علتين، كل واحدة منهما توجب رده.
الأولى: تفرده، ومخالفته لكل من روى هذا الحديث ممن هم أوثق منه.
الثاني: أن هذا الحرف لم يرد في حديث المسيء في صلاته من مسند أبي هريرة، وهو متفق عليه، مجمع على صحته.
فإن قيل: قد تابعه شريك بن أبي نمر، عن علي بن يحيى بن خلاد.
فقد رواه الطحاوي في شرح معاني الآثار (1/ 232)، وفي مشكل الآثار (2243) من طريق يحيى بن صالح الوحاظي، قال: حدثنا سليمان بن بلال، قال: حدثني شريك بن أبي نمر، عن عليِّ بن يحيى، عن عمه رفاعة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان جالسًا في المسجد فدخل رجل فصلى، ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر إليه فقال له: إذا قمت في صلاتك فكبر، ثم اقرأ إن كان معك قرآن، فإن لم يكن معك قرآن فاحمد الله، وكبِّر، وهلل .... الحديث.
والوحاظي حسن الحديث، وقد تركه أحمد فلم يكتب عنه ربما للمذهب، إلا أن هذه المتابعة شاذة لا تصح؛ قد أخطأ فيها الوحاظي في إسناده، والمحفوظ أن حديث سليمان بن بلال، يرويه عن ابن عجلان، وليس عن شريك، ورواية ابن عجلان ليس فيها ما يتفرد به عن رواية الجماعة، ولا ما يخالف فيه حديث أبي هريرة في الصحيحين. ومن ذلك لم يرد فيه حرف: =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= (وإن لم يكن معك قرآن فاحمد الله وهلله وكبره).
كما أخطأ الوحاظي حين جعل الإسناد من رواية علي بن يحيى، عن عمه، والمحفوظ: أنه من رواية علي بن يحيى، عن أبيه، عن رفاعة، ومن لم يقم إسناده حتى أخطأ في إسناده مرتين كيف يمكن أن يقيم متنه؟
وقد خالف إسماعيل بن أبي أويس الوحاظي، كما في المعجم الكبير للطبراني (5/ 36) ح 4521، فرواه عن سليمان بن بلال، عن محمد بن عجلان، عن عليِّ بن خلاد الزرقي، عن أبيه، عن عمه، وهذا هو المعروف من رواية سليمان بن بلال، أنه يرويه عن ابن عجلان، وأنه من رواية علي بن يحيى، عن أبيه، عن عمه.
فإن قيل: قد أثبت أبو حاتم كما في العلل لابنه رواية شريك بن عبد الله بن أبي نمر لكن جعلها عن علي بن يحيى بن خلاد، عن أبيه، عن رفاعة. انظر العلل (2/ 68) رقم:221.
فالجواب: ليس النزاع في إثبات رواية شريك بن عبد الله بن أبي نمر، وإنما في إثبات زيادته (فإن لم يكن معك قرآن فاحمد الله وهلله وكبره)، فإن ثبت هذا اللفظ عن شريك بن عبد الله بن أبي نمر من غير رواية الوحاظي، فحينئذٍ ينتفي تفرد يحيى بن علي بن خلاد، عن أبيه، وهذا الذي لم أقف عليه، والله أعلم، على أنه لو ثبت لم يخرج بهذه المتابعة من الشذوذ، فإن شريك بن عبد الله بن أبي نمر (صدوق يخطئ) وراوية اثنين لم يعرفا بالضبط المتقن، في مقابل رواية الجماعة، وعلى رأسهم إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، ومعه محمد بن عمرو، ومحمد بن إسحاق، وداود بن قيس الفراء، ومحمد بن عجلان، وعبد الله بن عون، لا يجعل من روايتهما الحكم بحفظها، فالجماعة مقدمة على الاثنين، ولو خالف شريك ويحيى ابن علي بن خلاد إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة لم أحكم لزيادتهما، فكيف وقد خالفا كل من رواه عن علي بن يحيى، كما أن هذا اللفظ مخالف لحديث أبي هريرة في الصحيحين في قصة المسيء صلاته، وهو أصح من حديث رفاعة، والذي لا تكاد تجد طريقًا يرويه عن علي بن يحيى إلا ويتفرد بزيادات وألفاظ عن سائر الرواة، وقد أفردت زيادة كل راوٍ على وجه الاستقلال في تخريج سابق، فانظر ح (1192)، ليظهر لك حجم اختلاف الرواة في لفظه، ولا يظهر لي أن الحمل على الرواة عن علي بن يحيى، بل الحمل عليه هو؛ أو على شيخه، لأن مثل إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة لا يمكن أن يُحَمَّل مثل هذه الزيادات على شذوذها، ومخالفتها لما في الصحيحين من حديث أبي هريرة، ولو انفرد إسحاق بهذه الزيادات، وكانت باقي الطرق محفوظة من الاختلاف متفقة على معنى واحد لأمكن تحميلها إسحاق بن عبد الله، أما إذا كانت غالب الطرق مشتملة على أفراد وزيادات ليست في الطرق الأخرى كان الحمل على شيخهم، أو على من فوقه حيث لم يضبط لفظه، وليس على الرواة عنه، فلا يلازم أن يكون كل هذه الاختلافات في ألفاظ الحديث الحمل فيها على الرواة عن عليِّ بن يحيى، بل يجب أن تكون العهدة عليه، أو على شيخه، هذا ما أعرفه من طريقة المحدثين. =
= فإن قيل: ألم يُحَسِّنه الترمذي؟ فالجواب: بلى، ولكن تحسين الترمذي تضعيف له؛ لأن الترمذي له اصطلاح خاص فيما يقول عنه: إنه حسن، وليس على اصطلاح المتأخرين، وقد نقلته فيما سبق.
فإن قيل: ألم يأخذ بالحديث الإمام أحمد، وكفى به إمامًا في العلل؟
قال الإمام أحمد في مسائل ابنه عبد الله (287): «وزاد إسماعيل بن جعفر في حديث رفاعة بن رافع عن النبي صلى الله عليه وسلم: (فإن كان معك قرآن فاقرأ به، وإلا فاحمد الله وكبره وهلله، ثم اركع)، قال عبد الله: قال أبي: وكذلك أقول أنا: إن لم يحسن يقرأ يفعل كما أمره النبي صلى الله عليه وسلم على حديث رفاعة بن رافع» .
فظاهره أنه يصحح هذا الحديث؛ حيث نسب الأمر إلى النبي صلى الله عليه وسلم على حديث رفاعة بن رافع.
فالجواب: من أخذ بكلام الإمام أحمد فهو حسبه، وقد قَلَّد لدينه حجة وخبيرًا في العلل، وإن كان قد سبق لي أن ذكرت رأيي في منهج الإمام أحمد عند الكلام على زيادة:(وإذا قرأ فأنصتوا)، عندما ذهب الإمام إلى تصحيحها من حديث أبي هريرة، وضعفها كثير من الأئمة، ولا مانع من إعادة الكلام لهذه المناسبة.
فالإمام أحمد إذا ضَعَّف حديثًا، فلا أظن أن أحدًا من المتأخرين يستطيع أن ينهض لتصحيحه، بخلاف التصحيح، فإن الإمام قد يُغَلِّب جانب العمل والنظر الفقهي على الصنعة الحديثية، فالإعلال بالتضعيف أدق من القول بصحة الحديث، أو بالعمل به؛ لأن العمل قد يحكمه ويحيط به عوامل كثيرة، منها أحاديث، وآثار الباب ومقاصد الشريعة، وقواعدها ومصالحها، وما عليه أكثر السلف من حيث العمل، لا من حيث الصنعة، فلا ينشط الإمام لإعلال الحديث إلا لو كان لا يوجد في الباب إلا هذا الحديث، وأما التضعيف فيكون الاحتياط فيه أَشَدَّ؛ لأنه إبطال للدليل، والغالب أنه لا يصير إليه إمام من الأئمة إلا مع انقطاع النظر في إمكان تصحيحه، لهذا كان إعلال الحديث بالتضعيف مقدمًا على القول بالصحة، وهذا في الجملة، وإلا فكل واقعة لها حكمها، وأدوات الترجيح كثيرة ومتشعبة، ولا شك أن القول الفقهي في استحباب التحميد والتهليل والتكبير بدلًا من قراءة القرآن قول راجح من حيث النظر الفقهي؛ لثبوت ذلك من حديث ابن أبي أوفى، وهو قول الجمهور، كما سيأتي بحثه إن شاء الله في مسألة مستقلة، والله أعلم.
(1)
. معالم السنن (1/ 207).
الدليل السابع:
الصلاة مبناها على التعبد والاتباع، والنهي عن الاختراع، وهذا يسد باب القياس، وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قد منع تغيير ألفاظ الأذكار المقيدة، ولو كانت بألفاظ عربية، فما بالك بتغير ألفاظ كلام الله ونقل معناه إلى لغة أخرى ومن كلام البشر، فالفرق بين كلام الله وكلام غيره، كالفرق بين الخالق والمخلوق.
(ح-1597) فقد روى البخاري ومسلم من طريق منصور عن سعد بن عبيدة، قال:
حدثني البراء بن عازب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا أخذت مضجعك، فتوضأ وضوءك للصلاة، ثم اضطجع على شقك الأيمن، ثم قل: اللهم إني أسلمت وجهي إليك، وفوضت أمري إليك، وألجأت ظهري إليك رغبة ورهبة إليك، لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك، آمنت بكتابك الذي أنزلت، وبنبيك الذي أرسلت .... قال: فرددتهن لأستذكرهن فقلت: آمنت برسولك الذي أرسلت، قال: قل: آمنت بنبيك الذي أرسلت
(1)
.
فمنع الرسول صلى الله عليه وسلم من استبدال لفظ النبي بالرسول، مع أن كل رسول فهو نبي.
* دليل من قال: تجوز قراءة القرآن بغير العربية في الصلاة مطلقًا:
الدليل الأول:
قال الله تعالى: {وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ} [الأنعام: 19].
والعجم لا يعقلون الإنذار إلا بترجمة القرآن.
* ونوقش بأكثر من وجه:
الوجه الأول:
ليس في الآية دليل على أن المترْجَمَ يجوز التعبد به بالصلاة، وهذا موضع النزاع، وإنما في الآية نص على جواز الإنذار بالقرآن، وباب الإنذار والبلاغ يختلف عن باب التعبد بالألفاظ، فالإنذار والبلاغ بابه أوسع، وفهمه ركن مقصود؛ لقيام الحجة عليهم، ويحصل لهم البلاغ بترجمة تفسير القرآن في لغتهم، وتفسير القرآن
(1)
. صحيح البخاري (6311)، وصحيح مسلم (2710).
ليس قرآنًا، بخلاف الصلاة، فإن التعبد بالقراءة فيها متعين، ولا يجوز بغير ما أنزل الله، سواء أفهم المصلي ما يقرؤه أم لا، فلو أن عربيًّا عجز عن حفظ الفاتحة لم يتعبد الله في صلاته بقراءة تفسيرها، ولو أبدل كلمة عربية بأخرى مرادفة لها ولو كانت عربية لم يكن ذلك قرآنًا، فكذلك الأعجمي.
وإنما قلنا: ترجمة تفسير القرآن؛ لأن ترجمة القرآن ترجمة حرفية والتي تعني إبدال لفظة بلفظة أخرى تقوم مقامها غير ممكنة بخلاف التفسير، فإن القرآن كما يفسر بالعربية، يفسر باللغات الأخرى، وجميع التفسيرات ليست قرآنًا، ولأن الترجمة الحرفية تؤدي إلى ادعاء إمكان وجود مثلٍ للقرآن، وكل مثلٍ للقرآن فهو مستحيل، ويلزم منه تكذيب قوله تبارك وتعالى:{قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا} [الإسراء: 88].
الوجه الثاني:
(1)
.
الدليل الثاني:
(ح-1598) ما رواه البخاري ومسلم من طريق مالك، عن ابن شهاب، عن عروة بن الزبير، عن عبد الرحمن بن عبد القاري، أنه قال:
سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه، يقول: وفيه: .... قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن القرآن أنزل على سبعة أحرف، فاقرؤوا منه ما تيسر
(2)
.
وجه الاستدلال:
فإذا كان بنو تميم وهوازن وعرب اليمن لم يلزموا بتعلم لغة قريش لغة القرآن،
(1)
. التعليقة الكبرى في الفروع، كتاب الصلاة، رسالة علمية (ص: 341).
(2)
. صحيح البخاري (2419)، وصحيح مسلم (270 - 818).
بل أبيح لهم أن يقرؤوا القرآن بلغتهم، مع أنه من السهل عليهم أن يروضوا ألسنتهم على لسان قريش، فغير العرب أولى وأحرى.
* ونوقش من وجهين:
الوجه الأول:
أن القرآن أُنْزِل على سبعة أحرف، وهي مسموعة من النبي صلى الله عليه وسلم، ونقلت نقلًا صحيحًا، وكل هذه القراءات عربية منزلة، بخلاف المترجم إلى لغة العجم ترجمة حرفية، فهذه لم تسمع، فلا هي عربية ولا هي منزلة، بل هي محدثة، فالرسول صلى الله عليه وسلم وجميع الصحابة ما قرؤوا في الصلاة إلا بهذا القرآن العربي، فوجب علينا اتباعهم، وإذا كانت الألسن المخالفة للعربية ليست من السبع، فكيف تجوز القراءة بها؟
الوجه الثاني:
أن القراءات الواردة لا تصح القراءة بها عند أئمة القراء إلا بثلاثة أركان: أن يصح سندها، وأن توافق رسم المصحف العثماني، وأن توافق العربية ولو في وجه من الوجوه، فإذا اختل ركن من هذه الأركان الثلاثة لم تصح القراءة بها، واعتبرت من القراءات الشاذة، ولو كانت عربية، وأنتم تقولون يجوز القراءة بكل لسان، فكان الاستدلال أعمَّ من الدليل.
الدليل الثالث:
قال تعالى: {وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا} [فصلت: 44]
وجه الاستدلال:
دلت الآية على جواز تسمية الأعجمي قرآنًا
(1)
.
* ونوقش:
هذا من غريب الاستدلال، فالآية تثبت عربية القرآن، وتنفي عنه العجمة، فالقرآن كله عربي، كما قال تعالى في الآية الثانية:{إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا} [الزخرف: 3]، فكل حرف في القرآن فهو عربي، سواء أكان عربيًّا بالأصالة، أم كان عربيًّا بالتعريبِ، واستعمالِ العرب، ولا يصح الاستدلال بالقدرة الإلهية أن الله لو
(1)
. المبسوط للسرخسي (1/ 37).
شاء لجعله قرآنًا أعجميًّا فليس البحث في القدرة الإلهية، فالله قادر على كل شيء، ولا يعجزه شيء سبحانه، وإنما شاء الله سبحانه وتعالى قدرًا أن ينزله قرآنا عربيًّا، كما شاء الله سبحانه وتعالى أن يجعل خاتم الأنبياء والرسل من العرب، ولو شاء الله لجعله من العجم، فالمترْجَمُ ليس هو القرآن الذي تكلم الله فيه، وأنزله على رسوله صلى الله عليه وسلم، وتحدى به العرب بأن يأتوا بسورة من مثله.
الدليل الرابع:
أن القرآن يبقى قرآنًا ولو ترجم بغير العربية، لقوله تعالى:{وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الأَوَّلِين} [الشعراء:196]، وقال تعالى:{أَوَلَمْ تَأْتِهِم بَيِّنَةُ مَا فِي الصُّحُفِ الأُولَى} [طه:133]، وقال تعالى:{إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الأُولَى (18) صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى} . [الأعلى:18؛19]
فلما كانت معاني القرآن موجودة في هذه الكتب، وهي كتب غير عربية، صح أن يقال: إنه فيها، فكذلك الترجمة حيث تشتمل على معاني القرآن.
* ونوقش:
بأن الموجود في الزبر الأولى ذكره، ووصفه، والإخبار عنه، كما في قوله تعالى:{الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ} [الأعراف: 157].
الدليل الخامس:
نسب إلى كتاب النهاية والدراية أن الفرس كتبوا إلى سلمان الفارسي أن يكتب لهم الفاتحة بالفارسية فكانوا يقرؤون ذلك في الصلاة حتى لانت ألسنتهم للعربية، وقد عرض ذلك على النبي صلى الله عليه وسلم، ولم ينكر عليه.
[لا أصل له، فلم يوقف له على إسناد]
(1)
.
(1)
. نسبه إلى النهاية والدراية الألوسي في تفسيره (روح المعاني)(6/ 365)، والزرقاني في مناهل العرفان (2/ 159)، وهذا الكتاب لم يوقف عليه، ولا يدرى أذكره مسندًا أم معلقًا، ولا أعلم أهو من كتب الفقه أم هو من كتب الرواية، وإن كان ظاهر نقول الحنفية عنه في كتبهم أنهم ينقلون عنه المسائل وليس الروايات، ولم أقف على نقل واحد ينقلون عنه رواية بالأسانيد، ولو كان محفوظًا في الرواية لما انفرد فيه مصدر غير معروف، وقد تعهد الله بحفظ الشريعة، ومِنْ حِفْظها حِفْظُ ما يثبتها من الروايات التي تقوم بها الحجة على الخلق.
وتفيد النقول عن كتاب النهاية والدراية أنه قال: كذا في المبسوط، انظر: مناهل العرفان =
ولو صح ذلك عن سلمان رضي الله عنه فإنه كتب تفسيرها، لا حقيقة الفاتحة، وقد تضاربت ألفاظ الرواية عن سلمان، فكان في بعضها أنه نقل ترجمة البسملة فقط، ذكر ذلك الزقاني في مناهل العرفان
(1)
.
= (2/ 159)، وصاحب النهاية والدراية بحسب كتب الحنفية ينقل عن المبسوط، فإن كان المبسوط هو كتاب الأصل لمحمد بن الحسن الشيباني، فليس فيه هذا الأثر، وإن كان المبسوط هو كتاب السرخسي، فالأثر فيه، ولكن ليس مسندًا، فلا حجة فيه، وهو من مدونات الفقه.
وقد نقل الشيخ الزرقاني في مناهل العرفان في علوم القرآن هذه الرواية من كتاب النفحة القدسية في أحكام القرآن وكتابته بالفارسية للشُّرُ نْبُلالي، وهو فقيه حنفي كان مدرسًا بالأزهر، وتوفي سنة: 1069 هـ
كما ذكرها السرخسي في المبسوط (1/ 37)، والنووي في المجموع (3/ 380) بلا إسناد.
وقد أجاب عنه الزرقاني في مناهل العرفان من وجوه، فقال:
«أولها: أن هذا خبر مجهول الأصل، لا يعرف له سند فلا يجوز العمل به.
ثانيها: أن الخبر لو كان لَنُقِلَ وَتَوَاتَرَ؛ لأنه مما تتوافر الدواعي على نقله وتواتره.
ثالثها: أنه يحمل دليل وهنه فيه، ذلك أنهم سألوه أن يكتب لهم ترجمة الفاتحة فلم يكتبها لهم إنما كتب لهم ترجمة البسملة، ولو كانت الترجمة ممكنة وجائزة لأجابهم إلى ما طلبوا وجوبًا وإلا كان كاتمًا، وكاتم العلم ملعون.
رابعها: أن المتأمل في الخبر يدرك أن البسملة نفسها لم تترجم لهم كاملة؛ لأن هذه الألفاظ التي ساقتها الرواية على أنها ترجمة للبسملة لم يُؤْتَ فيها بلفظ مقابل للفظ الرحمن، وكأن ذلك لعجز اللغة الفارسية عن وجود نظير فيها لهذا الاسم الكريم. وهذا دليل مادي على أن المراد بالترجمة هنا الترجمة اللغوية، لا العرفية على فرض ثبوت الرواية.
خامسها: أنه قد وقع اختلاف في لفظ هذا الخبر بالزيادة والنقص وذلك موجب لاضطرابه ورده
…
».
وقد أعرضت عن ذكر الاختلاف في لفظه؛ لأني لم أقف على إسناده لأعرف وجوه الاختلاف من الرواة، وما هو الراجح منها، وهل هذا الاختلاف من الرواة له وجه من الترجيح، أم أنه يوجب الاضطراب؛ لتساوي الطرق.
(1)
. جاء في مناهل العرفان (2/ 159): «قال الشُّرُ نْبُلالي في كتابه النفحة القدسية ما نصه:
روي أن أهل فارس كتبوا إلى سلمان أن يكتب لهم الفاتحة بالفارسية فكتب لهم: (بسم الله الرحمن الرحيم بنام يزدان يحشايند) فكانوا يقرؤون ذلك في الصلاة حتى لانت ألسنتهم وبعد ما كتب عرضه على النبي صلى الله عليه وسلم كذا في المبسوط قاله في النهاية والدراية».
ويحتمل أن النقل يقصد به إلى آخر الفاتحة، ولكن نقل هذا المقدار وقصد
…
إلخ.
الدليل السادس:
أن القرآن ذكر، فقامت ترجمته مقامه كالشهادتين في الإسلام، وقياسًا على جواز الذبح والتلبية والتسبيح والتكبير بالفارسية، وقياسًا على خطبة الجمعة حيث تصح بغير العربية.
* وَرَدُّ هذا الاستدلال من ثلاثة وجوه:
الوجه الأول:
عدم التسليم بصحة الشهادة والذبحة والتلبية والتكبير وخطبة الجمعة بالفارسية، فالمسألة خلافية، ولا يصح الاحتجاج على المخالف بمسألة خلافية، بل الحجة هو الدليل، فأين الدليل على جواز مثل ذلك بغير العربية.
الوجه الثاني:
على التسليم بجواز الشهادة والذبح والتلبية بغير العربية فهناك فرق بين المسألتين، فالمقصود من هذه الأمور المعاني دون الألفاظ بخلاف القرآن.
فالمراد من الشهادتين معرفة اعتقاده الباطن، والعجمية كالعربية في تحصيل ذلك، ذكره النووي في المجموع
(1)
.
والمقصود من خطبة الجمعة ذكر الله تعالى والموعظة، ولذلك جازت بكل كلام أدى هذا المعنى.
وكذلك يقال في التلبية والذكر عند الذبح، والتسبيح بالأعجمية، بخلاف القرآن فإن المقصود هو لفظه، بأن يتعبد المصلي بالتقرب إلى ربه ومناجاته بتلاوة كلامه، والمعنى تبع له، والمترجم ليس هو كلام الله، فافترقا.
الوجه الثالث:
على القول بالصحة فإن الجواز ليس مطلقًا، بل مشروطًا بعدم القدرة على العربية، وقد سبق بيان خلاف العلماء في التكبير بلغة العجم، وعرضت أدلة الخلاف، ورجحت أنه لا يجوز التكبير بغير العربية للقادر على ذلك، وهو قول الجمهور، فانظر أدلة الخلاف في موضعه.
(1)
. المجموع (3/ 380).
الدليل السابع:
من القياس، حيث أجازوا ترجمة القرآن قياسًا على جواز ترجمة حديث النبي صلى الله عليه وسلم.
* ونوقش:
لا يجوز قياس الأدنى على الأعلى، فالقرآن مقصود لفظه ومعناه، ولا تجوز قراءة معناه في الصلاة، والحديث معتبر معناه دون لفظه؛ لأنه لا إعجاز فيه، ولم نتعبد بلفظه إلا ما كان منه من أذكار العبادة فإن لفظه مقصود مع القدرة.
الدليل الثامن:
قال مالك: أقرأ عبد الله بن مسعود رجلًا: {إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّوم (43) طَعَامُ الأَثِيم} [الدخان: 43]، فجعل الرجل يقول: طعام اليتيم، فقال ابن مسعود: طعام الفاجر
(1)
.
* ويناقش:
بأن ابن مسعود قال ذلك على وجه التفسير، ولم يقل للرجل: قل ذلك في الصلاة، والله أعلم.
الدليل التاسع:
أن المقصود من إقامة الصلاة إقامة ذكر الله سبحانه وتعالى: قال تعالى: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} [طه: 14].
والمقصود من قراءة القرآن هو التدبر لمعانيه، والاعتبار بمواعظه، وامتثال أوامره، والوقوف عند نواهيه، فالمصلي إذا كان أعجميًّا لن يفهم شيئًا من القرآن البتة، أما إذا قرأ القرآن بالفارسية فقد فهم المعنى، وأحاط بالمقصود، وعرف ما فيه من الثناء على الله، ومن الترغيب في الآخرة، والتنفير عن الدنيا، ومعلوم أن العبادات ومنها الصلاة المقصود منها حصول هذه المعاني، وإن كانت قراءةَ ترجمةٍ
* دليل من قال: الترجمة تجوز للعاجز دون القادر:
من قدر على قراءة القرآن بالعربية لم تصح صلاته بغير ذلك؛ لأن الواجب لا يتأدى مع القدرة إلا باللفظ والمعنى؛ ولأن القرآن معجز بلفظه ومعناه.
ومن عجز عن اللفظ، وقدر على المعنى بلغته صح ذلك منه؛ لأن التكليف مع
(1)
. البيان والتحصيل (18/ 419).
القدرة، وعجزه عن اللفظ يسقط عنه اللفظ وحده؛ لأن الواجبات تسقط بالعجز، ولا يسقط عنه ما قدر عليه من القراءة بالمعنى، وذلك يعني جواز قراءة ترجمة القرآن بالعجز.
* ونوقش هذا:
بأن العبادات إذا عجز عنها، فمنها ما يسقط بالعجز، كما يسقط شرط استقبال القبلة في الصلاة إذا عجز عنه، وكما يسقط عن العاجز فرض زكاة الفطر، فإذا عجز عنها وقت الوجوب سقطت، ولم تثبت في ذمته حتى لو تمكن بعد ذلك لم تلزمه.
ومنها ما يسقط إلى بدل، وإذا نص على البدل تعين، فلا يجوز الانتقال إلى غيره، كما في التيمم فإنه بدل عن طهارة الماء عند تعذر استعماله، والإطعام بدل عن فرض الصيام إذا عجز عنه، ومنه قراءة الفاتحة في الصلاة، فإن الشارع قد نَصَّ على البدل: وهو التسبيح والتحميد والتهليل كما مَرَّ معنا، فإيجاب بدل لم يَنُصَّ عليه الشارع يعتبر من تبديل الشريعة كإيجاب ترجمة القرآن بدلًا عن قراءة القرآن، ففي ذلك محذوران: ترك البدل المنصوص عليه، وتشريع بدل لم يَدُلَّ عليه دليل، والله أعلم.
* الراجح:
أنه لا يجوز قراءة ترجمة القرآن في الصلاة مطلقًا، سواء أكان قادرًا على العربية أم كان عاجزًا، إلا أن العاجز له أن يقوم بالتسبيح والتحميد والتهليل بدلًا عن قراءة القرآن، والتسبيح والتحميد تجوز ترجمته للعاجز عن العربية، والله أعلم.
* * *