الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة الرابعة حكم جهر المرأة بالقراءة
المدخل إلى المسألة:
* الأصل أن كل ما ثبت للرجل في الصلاة ثبت ذلك في حق المرأة إلا بدليل.
* إذا ورد خطاب شرعي بلفظ المذكر كان ذلك خطابًا للنساء إما لشمول الخطاب، أو بمقتضى القياس، إلا بدليل يقتضي تخصيص الحكم بالرجال، ولم يَأْتِ دليل يمنع المرأة من الجهر إذا كانت وحدها، أو بحضرة النساء.
* صوت المرأة ليس بعورة على الصحيح.
* قال ابن حزم: لم يختلف مسلمان في أن سماع الناس كلام نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم مباح للرجال، ولا جاء نص في كراهة ذلك من سائر النساء.
* قول ابن مسعود: المرأة عورة، يقصد به عورة المرأة إذا خرجت من بيتها، وليس في عورة المرأة وحدها، ولا عند محارمها، ولا في صلاتها.
* حديث المرأة عورة على التسليم بصحته مرفوعًا خص منه بالإجماع وجه المرأة في الصلاة، ويخص منه صوت المرأة على الصحيح.
* إذا لم تجهر المرأة بالتسبيح وشرع في حقها التصفيق بدلًا منه لم تجهر بالقرآن في حضرة الأجانب، وإن كان صوتها ليس بعورة.
[م-602] اختلف العلماء في جهر المرأة بالقراءة:
فقيل: تسر القراءة في الصلاة مطلقًا، ولو كانت وحدها، ولو جهرت لم تفسد صلاتها، وهو ظاهر مذهب الحنفية، ومذهب المالكية، وقول للحنابلة، ووجه في مذهب الشافعية
(1)
.
(1)
. فتح القدير لابن الهمام (1/ 260)، البحر الرائق (1/ 285)، حاشية ابن عابدين (1/ 406)، إكمال المعلم (2/ 332)، شرح زروق على متن الرسالة (1/ 263)، مواهب الجليل (1/ 435)، شرح الخرشي (1/ 275)، الفواكه الدواني (1/ 199)، الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي (1/ 243)، شرح ابن ناجي التنوخي على الرسالة (1/ 161)، روضة الطالبين (1/ 248)، المهمات في شرح الروضة والرافعي (3/ 70)، المجموع (3/ 390)، الإنصاف (2/ 56)، المبدع (1/ 392)،.
قال ابن الهمام من الحنفية: لو قيل إذا جهرت بالقراءة في الصلاة فسدت كان متجهًا
(1)
.
وقال القاضي حسين: «ولأصحابنا في صوت المرأة وجهان:
أحدهما: هو عورة
…
فعلى هذا لو رفعت صوتها في الصلاة بطلت صلاتها.
الثاني: لا، وهو الأصح»
(2)
.
وجاء في المدونة: «قال مالك في المرأة تصلي وحدها صلاة يجهر فيها بالقراءة، قال: تسمع المرأة نفسها، قال: وليس شأن النساء الجهر إلا الأمر الخفيف في التلبية، وغير ذلك»
(3)
.
وقال خليل في التوضيح: «وجهر المرأة كَسِرِّها، فتسمع نفسها فقط»
(4)
.
وقيل: تجهر مطلقًا، وبه قال ابن حزم
(5)
.
وقال الشافعية: إن كانت تصلي خالية، أو بحضرة نساء، أو رجال محارم جهرت بالقراءة، وإن صلت بحضرة أجنبي أَسَرَّتْ، وهو مذهب الشافعية، والمشهور عند الحنابلة
(6)
.
قال في كشاف القناع: «ولا بأس بجهر امرأة في الجهرية إذا لم يسمعها أجنبي منها، بأن كانت تصلي وحدها، أو مع محرمها، أو مع النساء»
(7)
.
(1)
. فتح القدير لابن الهمام (1/ 260).
(2)
. التعليقة للقاضي حسين (2/ 813)، قال النووي في المجموع (3/ 390): «بالغ القاضي حسين
…
ثم نقل قوله».
(3)
. المدونة (1/ 163).
(4)
. التوضيح شرح مختصر ابن الحاجب (1/ 348).
(5)
. المحلى (2/ 99).
(6)
. المجموع (3/ 390)، الفروع (2/ 186)، شرح منتهى الإرادات (1/ 205)، كشاف القناع (1/ 343)، مطالب أولي النهى (5/ 22)، الفوائد المنتخبات في شرح أخص المختصرات (1/ 200).
(7)
. كشاف القناع (1/ 343).
وقيل: تجهر إذا صلت بالنساء، ولا تجهر إذا صلت وحدها، وهو اختيار ابن تيمية من الحنابلة
(1)
.
* دليل من قال: لا تجهر مطلقًا:
الدليل الأول:
استدل القائلون بالمنع مطلقًا على اعتبار أن المرأة عورة.
(ح-1583) لما رواه الترمذي من طريق عمرو بن عاصم قال: حدثنا همام، عن قتادة، عن مورق، عن أبي الأحوص،
عن عبد الله، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: المرأة عورة، فإذا خرجت استشرفها الشيطان.
قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح غريب
(2)
.
[صحيح موقوفًا، وجاء مرفوعًا، إلا أن الأكثر على وقفه]
(3)
.
إذا كانت المرأة عورة كان صوتها عورة كذلك، وإذا كانت منهية عن فعل يسمع له صوت خلخالها، فهي منهية عن رفع صوتها بالطريق الأولى.
* ويناقش من وجوه:
الوجه الأول:
الأثر موقوف، والحجة في المرفوع.
* ويجاب:
بأن الاحتجاج بالموقوف محل خلاف بين أهل الأصول، والأصح أنه حجة إذا لم يعارض نصًّا، ولم يخالفه قول صحابي آخر، وعلى التسليم بأنه ليس دليلًا فهو صالح باعتباره من أدوات الترجيح في مسائل الخلاف لكون الصحابي أقدر على فهم أحكام الشرع، لأخذه الأحكام من رسول الله صلى الله عليه وسلم مباشرة.
الوجه الثاني:
بأن العموم قد يطلق ويراد به الخصوص، فالأثر يتكلم عن عورة المرأة إذا
(1)
الإنصاف (2/ 57).
(2)
. سنن الترمذي (1173).
(3)
. سبق تخريجه، انظر ح (687) من المجلد الرابع.
خرجت من بيتها، وليس في عورة المرأة وحدها، ولا عند محارمها، ولا في صلاتها.
الوجه الثالث:
على التسليم بصحته للاحتجاج، فإن العموم في قوله:(المرأة عورة) لا يشمل ما خُصَّ منه؛ لأن الخاص مقدم على العام.
وقد خص منه بالإجماع وجه المرأة في الصلاة، وسبق الكلام عليه عند بحث عورة المرأة في الصلاة.
ويخص منه صوت المرأة، قال ابن حزم:«لم يختلف مسلمان في أن سماع الناس كلام نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم مباح للرجال، ولا جاء نص في كراهة ذلك من سائر النساء، وبالله تعالى التوفيق»
(1)
.
الدليل الثاني:
(ح-1584) وروى البخاري من طريق مالك، عن أبي حازم بن دينار،
عن سهل بن سعد الساعدي: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذهب إلى بني عمرو بن عوف ليصلح بينهم، وفيه
…
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما لي رأيتكم أكثرتم التصفيق، من رابه شيء في صلاته، فليسبح فإنه إذا سبح الْتُفِتَ إليه، وإنما التصفيق للنساء
(2)
.
قال القاضي عياض: «عللوا اختصاص النساء بالتصفيق لأن أصواتهن عورة»
(3)
.
* ويناقش:
بأن الحديث يحتمل: (إنما التصفيق للنساء) أي من فعل النساء، قال ذلك على وجه الذم، فنهى الرجال عن التشبه.
ويحتمل الحديث: إنما التصفيق مشروع للنساء أي في الصلاة، وهو الأرجح كما تفيده رواية أبي هريرة الآتي ذكرها إن شاء الله تعالى في أدلة القول الثاني.
وعلى الاحتمال الأول لا حجة فيه مطلقًا في مسألتنا؛ لأن الحديث إنما توجه
(1)
. المحلى (2/ 99).
(2)
. البخاري (684).
(3)
. إكمال المعلم (2/ 332)، وانظر المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (2/ 56)، المسالك في شرح موطأ مالك (4/ 312)، المنتقى للباجي (2/ 211).
في النهي عن تشبه الرجال بالنساء بعادة التصفيق، ولا يؤخذ منه تشريع التصفيق للنساء في الصلاة.
وعلى الاحتمال الثاني يكون ذلك خاصًّا بحضرة الرجال الأجانب، وليس مطلقًا، فعلى الاحتمالين لا يصح مستمسكًا بمنع المرأة مطلقًا عن الجهر بالصلاة، ولو كانت وحدها.
* دليل من قال: تجهر مطلقًا:
الدليل الأول:
صوت المرأة ليس بعورة، ولقد كانت المرأة تأتي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فتسأله المسألة، وهو بين أصحابه، فيسمعها، ويقر أصحابه على سماعها، وما نهيت المرأة عن القول، وإنما نهيت عن الخضوع فيه.
قال تعالى: {فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ} [الأحزاب: 32].
وإذا جهرت المرأة في خطابها بمحضر الرجال في حاجاتها المباحة كالبيع والشراء، والاستفتاء، فالجهر بالقرآن أولى بالجواز.
* ويناقش:
صوت المرأة -وإن لم يكن عورة- فإنه يخشى منه الفتنة.
* ويجاب:
إذا خشي منه الفتنة كما لو كان صوت المرأة فيه أنوثة غير معتادة، يخشى منه الافتتان فهذه حال خاصة، لا تأخذ حكمًا عَامًّا في كل النساء، كما حرم بعض الفقهاء النظر إلى الأمرد إذا خشي منه الفتنة، وإن لم يكن هذا حكمًا عَامًّا في النظر إلى كل أمرد.
الدليل الثاني:
والأصل أن كل ما ثبت للرجل في الصلاة ثبت ذلك في حق المرأة إلا بدليل، فإذا ورد خطاب شرعي بلفظ المذكر كان ذلك خطابًا للنساء إما لشمول الخطاب، أو بمقتضى القياس، إلا بدليل يقتضي تخصيص الحكم بالرجال، ولم يَأْتِ دليل يمنع المرأة من الجهر، فتدخل في عموم الأدلة الدالة على مشروعية الجهر بالقراءة في الصلاة الجهرية.
* دليل من قال: لا تجهر في حضرة الأجانب:
* الدليل الأول:
(ح-1585) ما رواه البخاري ومسلم من طريق سفيان، حدثنا الزهري، عن أبي سلمة،
عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: التسبيح للرجال، والتصفيق للنساء
(1)
.
ورواه النسائي، قال: أخبرنا محمد بن المثنى، قال: حدثنا سفيان به، وزاد:(في الصلاة)
(2)
.
ورواه عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري، عن ابن المسيب وحده،
عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: التسبيح للرجال والتصفيق للنساء في الصلاة.
فزاد لفظ: (في الصلاة) وهي زيادة محفوظة
(3)
.
ورواه مسلم من طريق الفضيل بن عياض، وأبي معاوية، وعيسى بن يونس، كلهم عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثله
(4)
.
أي بمثل رواية أبي سلمة، عن أبي هريرة ليس فيه زيادة (في الصلاة).
ورواه مسلم أيضًا من طريق معمر، عن همام، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم
(1)
. صحيح البخاري (1203)، وصحيح مسلم (106 - 422).
ورواه مسلم (106 - 422) من طريق يونس بن يزيد الأيلي، ومحمد بن أبي حفصة، عن ابن شهاب، أخبرني سعيد بن المسيب وأبو سلمة بن عبد الرحمن به.
زاد حرملة في روايته عن ابن وهب عن يونس: قال ابن شهاب: وقد رأيت رجالًامن أهل العلم يسبِّحون ويشيرون.
(2)
. النسائي في المجتبى (1207)، وفي الكبرى (1131).
(3)
. المصنف (4068).
وأخرجه ابن حبان (2263) والبيهقي في السنن الكبرى (2/ 349) من طريق عبد الرزاق، أخبرنا معمر، عن الزهري عن أبي سلمة وحده، عن أبي هريرة، زاد البيهقي (في الصلاة).
ورواه السراج في مسنده (693) من طريق عبد الرزاق به، وقرن به سعيد بن المسيب، وليس فيه زيادة (في الصلاة).
(4)
. صحيح مسلم (107 - 422).
بمثله، وزاد: في الصلاة
(1)
.
ورواه أحمد من طريق هشام، عن محمد،
عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: التسبيح للرجال، والتصفيق للنساء بالصلاة
(2)
.
[سنده في غاية الصحة]
(3)
.
وجه الاستدلال:
أن المرأة لم يشرع لها التسبيح في الصلاة، وشرع لها بدلًا من ذلك التصفيق كله حتى لا تجهر بصوتها بحضرة الرجال الأجانب، وإن لم يكن صوتها عورة، وإذا لم تجهر بالتسبيح لم تجهر في القرآن في حضرة الأجانب.
* دليل من قال: تجهر إذا صلت بالنساء، ولا تجهر إذا صلت وحدها:
يمكن أن يستدل له بأن الجهر شرع من أجل إسماع المقتدي، فإذا صلت وحدها فلا حاجة للجهر.
وكون الجهر لا حاجة له، لا ينفي على الأقل إباحته كالرجل إذا صلى وحده، يباح له الجهر أو يشرع، وإن كان لا يُسْمِعُ أحدًا، والله أعلم.
* الراجح:
أرى أن قول الشافعية والحنابلة وسط بين المانع مطلقًا، وبين المجيز مطلقًا، فإذا كانت المرأة في حضرة الرجال الأجانب لم يشرع لها الجهر، وإن كان صوتها على الأصح ليس بعورة، ولكن من باب سد الذرائع، ولو جهرت لم تبطل صلاتها، والله أعلم.
* * *
(1)
. صحيح مسلم (422).
(2)
. المسند (2/ 507).
(3)
. أخرجه أحمد (2/ 507) حدثنا يزيد (هو ابن هارون).
وأخرجه أبو يعلى (6042) من طريق حرب بن ميمون، كلاهما عن هشام به.
ولم يتفرد به هشام بن حسان، فقد رواه أحمد (2/ 492) من طريق عوف، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة بمثله.