الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الرابع في أقل ما تحصل به السنة من القراءة بعد الفاتحة
المدخل إلى المسألة:
* الأمر بقراءة ما تيسر من القرآن في الصلاة جاء مطلقًا في الكتاب والسنة.
* النص المطلق جارٍ على إطلاقه لا يقيده إلا نَصٌّ شرعي، أو إجماع، ولا مقيد هنا.
* سنة القراءة لا تحصل إلا بآية فأكثر إلا أن تكون الآية طويلة كآية الدَّيْنِ فتحصل السنة ببعض الآية بشرط الإفادة.
[م-577] اختلف الفقهاء في هذه المسألة:
يتفق الفقهاء على استحباب قراءة سورة كاملة بعد الفاتحة في الأوليين
(1)
، لأنه الغالب من فعل الرسول صلى الله عليه وسلم، حيث كان يقرأ بسبح مع الغاشية والجمعة مع المنافقون والسجدة مع الإنسان، والكافرون مع الإخلاص.
واختلفوا في أَقَلِّ مقدار تحصل به السنة:
فقيل: سورة قصيرة قدرها ثلاث آيات، أو ثلاث آيات قصيرة من أي سورة، أو آية طويلة، وهذا مذهب الحنفية
(2)
.
وقيل: يحصل أصل السنة بقراءة شيء من القرآن، ولو بعض آية إن كان له بال، كآية الدَّيْنِ وآية الكُرْسِيِّ ونحوهما، وهذا مذهب المالكية، والأوجه في مذهب الشافعية
(3)
.
(1)
. الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي (1/ 242)، كشاف القناع (1/ 242)، الفروع (2/ 179).
(2)
. فتح القدير لابن الهمام (1/ 294)، تحفة الفقهاء (1/ 130)، بدائع الصنائع (1/ 166)، مراقي الفلاح (ص: 94)، حاشية ابن عابدين (1/ 547).
(3)
. قال في الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي (1/ 242): والمراد قراءة ما زاد على أم القرآن ولو آية أو بعض آية إذا كان له بال كبعض آية الكرسي والدَّيْنِ في كل ركعة بانفرادها على الأظهر، وكره الاقتصار على بعض السورة على إحدى الروايتين كقراءة سورتين في ركعة في الفرض». =
وقال الحنابلة: تجزئ آية إلا أن أحمد استحب كونها طويلة كآية الدَّيْنِ والكرسِيِّ
(1)
.
وقال البهوتي: والظاهر عدم إجزاء آية لا تستقل بمعنى أو حكم نحو {ثُمَّ نَظَر} ، [المدثر: 21] أو {مُدْهَامَّتَان} [الرحمن: 64].
* دليل من قال: يحصل أصل السنة بقراءة شيء من القرآن، ولو بعض آية:
الدليل الأول:
قال الله تعالى: {فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} [المزمل: 20].
الدليل الثاني:
وقال صلى الله عليه وسلم للمسيء صلاته: إذا قمت إلى الصلاة فكبر، ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن ..
(2)
.
وجه الاستدلال من الآية والحديث:
أن الأمر بقراءة القرآن في الصلاة جاء مطلقًا في الكتاب والسنة، والمطلق على إطلاقه، فيحصل فيه الامتثال بما يطلق عليه قرآن، حيث لم يقدر قدرًا معينًا، فكل من قرأ شيئًا من القرآن، ولو بعض آية فقد امتثل الأمر، لأن النصوص المطلقة
= وانظر: شرح الزرقاني (1/ 359)، حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني (1/ 263)، الشرح الصغير (1/ 317)، الثمر الداني (ص: 105)، الشامل في فقه الإمام مالك (1/ 103)، أسهل المدارك (1/ 207).
وقال في المجموع (3/ 385): ويحصل أصل السنة بقراءة شيء من القرآن، ولكن سورة كاملة أفضل». وانظر: روضة الطالبين (1/ 247)، فتح العزيز (3/ 354).
وكلمة شيء يصدق على ما دون الآية، وقد صرح به ابن حجر الهيتمي في تحفة المحتاج والرملي في نهاية المحتاج.
قال في تحفة المحتاج (2/ 52): ويحصل أصل السنة بآية، بل ببعضها إن أفاد على الأوجه، والأفضل ثلاث، وسورة كاملة أفضل من بعض طويلة.
وقال الرملي في نهاية المحتاج (1/ 491)«والأوجه حصول أصل السنة بما دون آية إن أفاد» .
واقتصر الخطيب في مغني المحتاج على آية (1/ 361).
(1)
. شرح منتهى الإرادات (1/ 191)، المبدع (1/ 391)، كشاف القناع (1/ 342)، الإقناع (1/ 118)، مطالب أولي النهى (1/ 436)، غاية المنتهى (1/ 168).
(2)
. البخاري (793)، ومسلم (45 - 397).
لا يقيدها إلا نصوص شرعية، أو إجماع، ولا مقيد هنا، والله أعلم.
الدليل الثالث:
(ح-1475) ما رواه أبو داود من طريق محمد -يعني ابن عمرو- عن علي بن يحيى ابن خلاد، عن أبيه،
عن رفاعة بن رافع، - بقصة المسيء صلاته- قال: إذا قمت فتوجهت إلى القبلة فكبر، ثم اقرأ بأم القرآن، وبما شاء الله أن تقرأ .... الحديث
(1)
.
[زيادة (ثم اقرأ بأم القرآن) انفرد بها محمد بن عمرو، وليست محفوظة]
(2)
.
* دليل من قال: تحصل السنة بقراءة آية كاملة:
الدليل الأول:
أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الذي لا يحسن القرآن أن يقول: (سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله) علمًا أن قوله: (الحمد لله) هو بعض آية من الفاتحة.
وقوله: (وسبحان الله) جزء من آية في سورة النمل، كما في قوله: وسبحان الله وما أنا من المشركين.
وقوله: (لا إله إلا الله) جزء من آية في سورة الصافات، (إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون) ومثله التكبير، ومع ذلك عدل به الشارع إلى الذكر، ولم يعتبر بعض هذه الآيات قرآنًا، فدل على أن سنة القراءة لا تحصل إلا بآية فأكثر، والله أعلم.
الدليل الثاني:
استدلوا أيضًا بأدلة القول الأول إلا أنهم حملوا الأمر بقراءة ما تيسر على الآية
(1)
. سنن أبي داود (859).
(2)
. انفرد محمد بن عمرو عن سائر الرواة بالآتي:
(1)
ذكر القراءة بأم القرآن، ولم يذكر الفاتحة كل من رواه عن علي بن يحيى، كما لم يذكر ذلك في حديث أبي هريرة في الصحيحين.
(2)
قوله: امدد ظهرك.
وقد روى الشيخان حديث المسيء في صلاته، ولم يذكروا قراءة أم القرآن، وهو المحفوظ، وقد سبق تخريجه، والكلام عليه في، انظر (ح 1187، 1617، 1649).
الواحدة، وعللوا ذلك بأنه إذا قرأ بعض الآية فقد يقف في غير موضع الوقف فينقطع الكلام المترابط، وقد يخل بالمعنى، فيفهم منه غير المعنى المراد، وقد يخفى ذلك.
وهذا التعليل يلزم منه أن تكون تلاوة التعبد لابد فيها من فهم المعنى، وليس ذلك بشرط، فلو قرأ الآية أعجميٌّ، لا يفهم المعنى المراد من الآية أجزأ ذلك عنه، فإذا لم يعلم المصلي فساد المعنى من قراءة بعض الآية فالأصل صحة تلاوته، وسلامة المعنى مطلوب في التلاوة وإن لم يكن شرطًا في صحتها، وإنما من أجل أنه يقبح بالقارئ الوقوف في الآي على لفظ يفسد المعنى، ولو كان ذلك خارج الصلاة، فكيف وهو يناجي به ربه في صلاته.
* دليل من قال: سورة أو ثلاث آيات من غيرها:
قالوا: لأن المعجز هو السورة، {فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ} ، وأقصر السور ثلاث آيات كسورة الكوثر، أو ثلاث آيات من غيرها تقوم مقامها، أو آية طويلة تكون بقدر السورة.
* ويناقش:
بأن التحدي قد وقع بأقل من سورة، في قوله تعالى:{فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِّثْلِهِ} [الطور: 34].
ولو سلمنا أن التحدي والإعجاز لا يكون بأقل من سورة، فأين الدليل على أن هذا شرط في تلاوة التعبد في الصلاة، فالتعبد في الصلاة يطلب للثواب، وهو حاصل بتلاوة الآية والآيتين.
(ح-1476) فقد روى مسلم في صحيحه من طريق موسى بن علي، قال: سمعت أبي، يحدث،
عن عقبة بن عامر، قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن في الصفة، فقال: أيكم يحب أن يغدو كل يوم إلى بطحان، أو إلى العقيق، فيأتي منه بناقتين كَوْمَاوَيْنِ في غير إثم، ولا قَطْعِ رحم؟ فقلنا: يا رسول الله نحب ذلك، قال: أفلا يغدو أحدكم إلى المسجد فيعلم، أو يقرأ آيتين من كتاب الله عز وجل، خير له من ناقتين،
وثلاث خير له من ثلاث، وأربع خير له من أربع، ومن أعدادهن من الإبل
(1)
.
الدليل الثاني:
(ح-1477) ما رواه الترمذي، قال: حدثنا سفيان بن وكيع، قال: حدثنا محمد ابن الفضيل، عن أبي سفيان، طريف السعدي عن أبي نضرة،
عن أبي سعيد، قال: قال رسول الله صلى صلى الله عليه وسلم: مفتاح الصلاة الطهور، وتحريمها التكبير، وتحليلها التسليم، ولا صلاة لمن لم يقرأ بالحمد، وسورة في فريضة أو غيرها.
[ضعيف جدًّا]
(2)
.
(1)
. صحيح مسلم (251 - 803).
(2)
. هذا الحديث بهذا اللفظ مداره على أبي سفيان طريف السعدي، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد.
وقد اضطرب في لفظه:
فتارة يرويه بلفظ: (لا صلاة لمن لم يقرأ بالحمد وسورة، في فريضة أو غيرها)، كما في رواية محمد بن فضيل.
وتارة يرويه بلفظ: (لا صلاة لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب وغيرها، فريضة أو غير فريضة) ولم يقدر ذلك بسورة، كما في رواية أبي معاوية عنه عند البيهقي.
وتارة يرويه بلفظ: (لا تجزئ صلاة إلا بفاتحة الكتاب ومعها شيء، وفي رواية ومعها غيرها) كما في رواية أبي حنفية، وعلي بن مسهر، عن طريف السعدي.
وتارة يرويه بلفظ: (الوضوء مفتاح الصلاة) كما في رواية الأوزاعي عنه.
ورواه جماعة فلم يذكروا قراءة الفاتحة في الصلاة، وهم البقية مما سوف يأتي تخريج طرقهم، إن شاء الله تعالى، وإليك ما وقفت عليه منها:
فرواه محمد بن فضيل كما في مصنف ابن أبي شيبة (2380، 3632)، وسنن الترمذي (238)، وتهذيب الآثار للطبري الجزء المفقود (439)، وسنن الدارقطني (1356)، وأمالي ابن بشران (1473).
وعلي بن مسهر كما في سنن ابن ماجه (276، 839، 1324)، ومسند أبي يعلى (1077)، ومستخرج أبي نعيم (222)، وفي القراءة خلف الإمام للبيهقي (37).
وأبو معاوية كما في سنن ابن ماجه (276)، وسنن البيهقي (2/ 121) وليس فيه: (لا صلاة لمن لم يقرأ في كل ركعة بالحمد وسورة
…
).
وأبو حنيفة كما في الآثار لأبي يوسف (1)، والآثار لمحمد بن الحسن (4)، وتهذيب الآثار للطبري الجزء المفقود (441)، وسنن الدارقطني (1377)، وسنن البيهقي (2/ 531)، =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= في القراءة خلف الإمام له (36).
والأوزاعي كما في المعجم الأوسط للطبراني (1632)، بلفظ: الوضوء مفتاح الصلاة.
وإبراهيم بن عثمان كما في سنن الدارقطني (1356)، من طريق الوليد بن مسلم، عنه.
ومندل، كما في الضعفاء للعقيلي (2/ 229)، كلهم، عن أبي سفيان طريف السعدي، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مفتاح الصلاة الطهور، وتحريمها التكبير، وتحليلها التسليم، ولا صلاة لمن لم يقرأ بالحمد وسورة في فريضة أو غيرها.
قال أبو عيسى: هذا حديث حسن. اهـ
والحسن عند الترمذي هو الضعيف إذا روي من أكثر من وجه.
وفي إسناده طريف السعدي، متفق على تضعيفه.
قال أحمد: ليس بشيء، ولا يكتب عنه. الجرح والتعديل (4/ 492)، الضعفاء للعقيلي (2/ 229).
وقال أبو داود: ليس بشيء، وقال مرة: واهي الحديث. تهذيب التهذيب (5/ 11).
وقال النسائي: متروك. الضعفاء والمتروكين له (318).
وقال مرة: ليس بثقة. تهذيب التهذيب (5/ 11)، تهذيب الكمال (13/ 377).
ووهم حسان بن إبراهيم الكرماني، حيث ظن أن أبا سفيان: هو أبو سفيان الثوري، فرواه عنه عن أبي نضرة، عن أبي سعيد، فأصبح الإسناد وكأنه صحيح.
رواه أبو يعلى (1125)، والطبراني في الأوسط (2390)، والحاكم (1/ 132)، والبيهقي (2/ 531)، والعقيلي في الضعفاء (2/ 229)، من طريق حسان بن إبراهيم، عن أبي سفيان سعيد بن مسروق الثوري، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد، فذكره.
قال الحاكم: صحيح على شرط مسلم.
وقد نبه على وهم حسانِ بن إبراهيم ابنُ حبان في المجروحين (1/ 380)، فقال: «وقد وهم حساناً بن إبراهيم الكرماني في هذا الخبر، فتوهم حسان لما رأى أبا سفيان أنه والد الثوري، فحدث عن سعيد بن مسروق، ولم يضبطه. وليس لهذا الخبر إلا طريقان:
أبو سفيان، عن نضرة، عن أبي سعيد.
وابن عقيل، عن ابن الحنفية، عن علي. وابن عقيل قد تبرأنا من عهدته فيما بعد». اهـ
وقال الدارقطني في العلل (11/ 323): «
…
سعيد بن مسروق لا يحدث عن أبي نضرة، ولعل حسانًا حدثهم عن أبي سفيان، فتوهم من سمعه منه أنه أبو سفيان الثوري سعيد بن مسروق، وقد حدث به عبيد الله العيشي، عن حسان، عن أبي سفيان، عن أبي نضرة، وهذا هو الصحيح».
وجزم ابن عدي أن الوهم من حسان، لا من الحوضي، لأن الحوضي لم ينفرد به عن حسان، فقد تابعه حبان بن هلال، يقول في الكامل:«اتفق حبان والحوضي فرويا عن حسان، عن سعيد بن مسروق على الخطأ، وابن صاعد لم يقع عنه إلا من رواية الحوضي، عن حسان، فظن الخطأ من الحوضي، وإنما الخطأ من حسان، وقد حدث به مرتين: مرة خطأ، ومرة صوابًا» .
وقد ورواه ابن عدي في الكامل (5/ 186)، وقال: لم يصح.
وقال ابن كثير في التفسير (1/ 109): «وقد روى ابن ماجه من حديث أبي سفيان السعدي، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد مرفوعًا .... وفي صحته نظر
…
».
* وأجيب:
بأن الحديث مع شدة ضعفه، قد خالف فيه طريفٌ السعديُّ من هو أوثق منه.
فرواه قتادة بن دعامة، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد، بلفظ:(أمرنا نبينا أن نقرأ بفاتحة الكتاب وما تيسر).
وفي رواية: (لا صلاة إلا بقراءة فاتحة الكتاب فما زاد) وليس فيه ذكر السورة.
ورواه سعيد بن زيد، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد موقوفًا، بلفظ:(في كل صلاة قراءة قرآن: أم الكتاب فما زاد)، وليس فيه ذكر السورة.
ورواه العوام بن حمزة، حدثنا أبو نضرة، سألت أبا سعيد الخدري عن القراءة خلف الإمام، قال: بفاتحة الكتاب.
وهذا موقوف، إلا أنه لم يذكر زيادة على الفاتحة، وقد سبق تخريج هذه الطرق في المجلد السابق، فأغنى ذلك عن ذكرها هنا، ولله الحمد.
* الراجح:
أن السنة تحصل بقراءة آية كاملة أو بعض آية طويلة، والله أعلم.
* * *