الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثامن في القراءة من أواسط السور وأواخرها
المدخل إلى المسألة:
* القرآن في الصلاة على قسمين: معين لا يجزئ عنه غيره: وهي الفاتحة مع القدرة عليها. ومطلق: وهو فيما زاد على الفاتحة، وما جاء مطلقًا في النصوص فهو جارٍ على إطلاقه لا يقيده إلا نص مثله، أو إجماع، ولا مُقَيِّدَ هنا.
* ما صح في النفل صح في الفرض إلا بدليل.
* الأدلة الدالة على أفضلية قراءة سورة كاملة بعد الفاتحة لا تقتضي كراهة الاقتصار على بعض السورة، ولا يلزم من ترك المستحب الوقوع في المكروه.
[م-582] استحب جمهور الفقهاء قراءة سورة كاملة بعد الفاتحة في الركعة الأولى والثانية
(1)
، حتى قال بعض المالكية والشافعية: قراءة سورة قصيرة أولى من بعض سورة طويلة
(2)
.
وقال الحنفية: قراءة آخر سورة واحدة، أفضل من السورة إن كان الآخر أكثر آية
(3)
.
جاء في تبيين الحقائق نقلًا من فتاوى أبي الليث: «سئل عن القراءة في الركعتين من آخر السورة أفضل، أم قراءة سورة بتمامها. قال: إن كان آخر السورة التي أراد قراءتها أكثر من السورة التي أراد قراءتها فالقراءة من آخر السورة أفضل، وإن كانت السورة أكثر آية، فقراءتها أفضل»
(4)
.
(1)
. الشرح الصغير للدردير (1/ 324)، الشامل في فقه الإمام مالك (1/ 103)، القوانين الفقهية (ص: 44).
(2)
. حاشية الصاوي على الشرح الصغير (1/ 324)، أسهل المدارك (1/ 217)، روضة الطالبين (1/ 247)، تحفة المحتاج (2/ 52).
(3)
. فتح القدير لابن الهمام (1/ 343)، البحر الرائق (2/ 35)، المحيط البرهاني (1/ 304).
(4)
. تبيين الحقائق (1/ 113)، وانظر: النهر الفائق (1/ 237).
وإنما كانت العبرة للأكثر عند الحنفية؛ لأن الثواب أكثر، فله في كل حرف يقرؤه عشر حسنات.
ويجاب: بأن إصابة السنة أولى من الكثرة، فإن الله أخبر في كتابه، فقال:{لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً} [الملك:2]. ولم يقل: أكثركم عملًا.
* وقد استدل الجمهور على إصابة السنة:
(ح-1483) بما رواه البخاري من طريق شيبان، عن يحيى (يعني ابن أبي كثير)، عن عبد الله بن أبي قتادة، عن أبيه، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في الركعتين الأوليين من صلاة الظهر بفاتحة الكتاب، وسورتين يطول في الأولى، ويقصر في الثانية ويسمع الآية أحيانًا، وكان يقرأ في العصر بفاتحة الكتاب وسورتين، وكان يطول في الأولى، وكان يطول في الركعة الأولى من صلاة الصبح، ويقصر في الثانية.
ورواه مسلم من طريق الحجاج يعني الصواف، عن يحيى ابن أبي كثير به
(1)
.
(2)
.
[م-583] واختلفوا في كراهة القراءة من أواسط السور أو من أواخرها:
فقيل: لا يكره مطلقًا، اختاره بعض الحنفية، وهو مذهب الشافعية والحنابلة، وإحدى الروايتين عن مالك، ونسبه النووي للجمهور
(3)
.
(1)
. صحيح البخاري (759)، وصحيح مسلم (154 - 451).
(2)
. شرح النووي على مسلم (4/ 174).
(3)
. فتح القدير لابن الهمام (1/ 343)، المحيط البرهاني (1/ 304)، حاشية ابن عابدين (1/ 546)، درر الحكام شرح غرر الأحكام (1/ 111)، النهر الفائق (1/ 237)، حاشية الشلبي على تبيين الحقائق (1/ 131).
وقال خليل في التوضيح شرح جامع الأمهات (1/ 329): «ذكر المازري والباجي في الاقتصار على بعض السورة قولين لمالك. قال في المختصر: لا يفعل ذلك، وإن فعل أجزأه.
وروى الواقدي عن مالك: لا بأس أن يقرأ بأم القرآن، وآية مثل آية الدَّيْنِ». اهـ =
قال في الإنصاف: «ولا يكره قراءة أواخر السور وأوساطها، هذا المذهب، نقله الجماعة، وعليه الأصحاب»
(1)
.
وقيل: يكره تنزيهًا، وهو قول في مذهب الحنفية، وإحدى الروايتين عن مالك، ورواية عن أحمد
(2)
.
وقيل: يقرأ من أواسط سورة واحدة، أو من أواخر سورة واحدة في الركعتين، فإن كان ذلك من سورتين كُرِهَ، قال في المحيط البرهاني: على ما هو ظاهر الرواية،
= وانظر: المنتقى للباجي (1/ 148)، شرح التلقين (1/ 539، 540).
وقال النووي في شرحه على مسلم (4/ 177): «والقراءة ببعض السورة وهذا جائز بلا خلاف ولا كراهة فيه، إن كان القطع لعذر، وإن لم يكن له عذر فلا كراهة فيه أيضًا، ولكنه خلاف الأولى، هذا مذهبنا ومذهب الجمهور، وبه قال مالك رحمه الله تعالى في رواية عنه والمشهور عنه كراهته» .
والقول بأنه هو المشهور في مذهب مالك إن قصد بالمشهور في الاصطلاح ففيه نظر؛ لأن المحققين في المذهب حكوا الروايتين بلا تشهير لإحداهما، كما سيأتي التنبيه على ذلك.
وانظر: المجموع (3/ 385)، فتح العزيز (3/ 354)، المغني لابن قدامة (1/ 355)، الإنصاف (2/ 99)، المحرر (1/ 54)، الفروع (2/ 181)، المبدع (1/ 432)، الإقناع (1/ 128)، شرح منتهى الإرادات (1/ 192).
(1)
. الإنصاف (2/ 99).
(2)
. درر الحكام شرح غرر الأحكام (1/ 111)، المحيط البرهاني (1/ 304).
وقال في الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي (1/ 242): «وكره الاقتصار على بعض السورة على إحدى الروايتين كقراءة سورتين في ركعة في الفرض» .
وجاء في لوامع الدرر في هتك أستار المختصر (2/ 96): «وترك إكمال السورة مكروه، قال الشيخ عبد الباقي: على المشهور. وقال الشيخ محمد بن الحسن: انظر من أين له هذا التشهير، فقد ذكر في التوضيح قولين لمالك: بالكراهة، والجواز من غير ترجيح، وليس في الخطابِ تشهير، وإنما فيه الكراهة» .
وانظر: شرح الزرقاني على مختصر خليل (1/ 359)، حاشية العدوي على الخرشي (1/ 247)، كوثر المعاني (9/ 189)، مواهب الجليل (1/ 524)، المنتقى للباجي (1/ 148)، المدخل لابن الحاج (2/ 275)، الفواكه الدواني (1/ 178)، الذخيرة (2/ 209)، منح الجليل (1/ 252)، التبصرة للخمي (1/ 276)، الإنصاف (2/ 99)، الفروع (2/ 181)، المبدع (1/ 432).
ونسبه في فتح القدير والنهر الفائق لأكثر الحنفية
(1)
.
قال في النهر: «وينبغي أن يقرأ في الركعتين آخر سورة واحدة، لا آخر سورتين فإنه مكروه عند الأكثر»
(2)
.
وقيل: تكره القراءة من أواسط السور دون أواخرها، وهو رواية عن أحمد
(3)
.
قال أبو يعلى في كتاب الروايتين والوجهين: واختلفت هل تكره القراءة من وسط السور؟
فنقل صالح أما آخر السورة فأرجو، وأما وسطها فلا، وظاهر هذا الكراهة
…
»
(4)
.
وقيل: تكره المداومة، وهو رواية عن أحمد
(5)
.
(1)
. وأما قول ابن الهمام في فتح القدير (1/ 343): «إذا قرأ سورة واحدة في ركعتين اختلف فيه، والأصح أنه لا يكره، لكن لا ينبغي أن يفعل، ولو فعل لا بأس به، وكذا لو قرأ وسط السورة أو آخر سورة في الأولى، وفي الثانية وسط سورة أو آخر سورة أخرى: أي لا ينبغي أن يفعل، ولو فعل لا بأس به» .
فقوله: لا يكره، يريد بذلك نفي الكراهة التحريمية؛ لأن الكراهة إذا أطلقت عند الحنفية حملت على التحريمية.
فقوله: (الأصح أنه لا يكره، لكن الأولى أن لا يفعل من غير ضرورة) فقوله: (لا يكره)، أراد نفي الكراهة التحريمية، وقوله:(لا يفعل من غير ضرورة)، أراد إثبات الكراهة التنزيهية.
وانظر: النهر الفائق (1/ 237)، درر الحكام شرح غرر الأحكام (1/ 111)، المحيط البرهاني في الفقه النعماني (1/ 304).
(2)
. النهر الفائق (1/ 237).
(3)
. الإنصاف (2/ 99).
(4)
. المسائل الفقهية من كتاب الروايتين والوجهين (1/ 120)، وانظر: بدائع الفوائد ط عالم الفوائد (3/ 992)، الجامع لعلوم الإمام أحمد، الفقه (6/ 137).
(5)
. الإنصاف (2/ 99)، الفروع (2/ 181)، المبدع (1/ 432).
* حجة من قال: لا يكره:
الدليل الأول:
الأصل عدم الكراهة؛ لأن الكراهة حكم شرعي، لا يقوم إلا على دليل شرعي، ولا يوجد في النصوص ما يدل على كراهة قراءة أواسط السور أو أواخرها، والله أعلم.
الدليل الثاني:
قال تعالى: {فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} [المزمل: 20].
(ح-1484) وقال صلى الله عليه وسلم للمسيء صلاته كما في حديث أبي هريرة: إذا قمت إلى الصلاة فكبر، ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن .. متفق عليه
(1)
.
(ح-1485) وقال صلى الله عليه وسلم كما في حديث عبادة بن الصامت: لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب، اتفق عليه البخاري ومسلم
(2)
.
وجه الاستدلال من هذه النصوص:
أن القرآن في الصلاة على قسمين:
معين لا يجزئ عنه غيره: وهي الفاتحة مع القدرة عليها.
ومطلق: وهو فيما زاد على الفاتحة، وما جاء مطلقًا في النصوص فهو جارٍ على إطلاقه لا يقيده إلا نص مثله، أو إجماع، ولا مقيد هنا، فإذا قرأ من أوائل السور أو من أواسطها، أو من أواخرها فقد حصل الامتثال، والله أعلم.
الدليل الثالث:
(ح-1486) ما رواه أحمد من طريق همام، حدثنا قتادة، عن أبي نضرة،
عن أبي سعيد، أمرنا نبينا صلى الله عليه وسلم أن نقرأ بفاتحة الكتاب وما تيسر
(3)
.
[رفعه قتادة، ورواه غيره موقوفًا، وقتادة أحفظ، وأعله البخاري بعنعنة قتادة]
(4)
.
(ح-1487) وله شاهد من حديث أبي هريرة رواه أحمد وغيره، من طريق عن
(1)
. البخاري (793)، ومسلم (45 - 397).
(2)
. صحيح البخاري (756)، وصحيح مسلم (34 - 394).
(3)
. المسند (3/ 3، 45، 97).
(4)
. سبق تخريجه، انظر:(ح 1386).
جعفر بن ميمون، قال: حدثنا أبو عثمان النهدي، عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره أن يخرج فينادي أن: لا صلاة إلا بقراءة فاتحة الكتاب، فما زاد
(1)
.
[انفرد به جعفر بن ميمون على اختلاف عليه في لفظه ومخالفته للأحاديث الصحيحة كحديث عبادة وحديث أبي هريرة وغيرهما]
(2)
.
وجه الاستدلال:
أن النص لم يعين من القراءة إلا الفاتحة، وأطلق القراءة فيما عداها.
الدليل الرابع:
(ح-1488) ما رواه مسلم من طريق مروان بن معاوية، عن عثمان بن حكيم الأنصاري، قال: أخبرني سعيد بن يسار،
أن ابن عباس، أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان يقرأ في ركعتي الفجر في الأولى منهما:{قُولُوا آمَنَّا بِاللّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْنَا} [البقرة: 136] الآية التي في البقرة، وفي الآخرة منهما:{آمَنَّا بِاللّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُون} [آل عمران: 52]
(3)
.
وما جاز في النفل جاز في الفرض إلا بدليل؛ لكونهما عبادة من جنس واحد.
ورواه مسلم من طريق أبي خالد الأحمر، عن عثمان بن حكيم، عن سعيد بن يسار،
عن ابن عباس، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في ركعتي الفجر: {قُولُوا آمَنَّا بِاللّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْنَا} [البقرة: 136]، والتي في آل عمران:{تَعَالَوْا إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ} [آل عمران: 64].
[وهم فيه أبو خالد الأحمر في الآية الثانية]
(4)
.
(1)
. المسند (2/ 428).
(2)
. سبق تخريجه، انظر:(ح 1370).
(3)
. صحيح مسلم (99 - 727).
(4)
. الحديث مداره على عثمان بن حكيم، عن سعيد بن يسار، عن ابن عباس به.
فرواه مرواه بن معاوية الفزراي كما في صحيح مسلم (99 - 727)، والمجتبى من سنن النسائي (944)، وفي الكبرى له (1018، 11093)، وشرح معاني الآثار للطحاوي (1/ 298)، والسنن الكبرى للبيهقي (3/ 61)، ومستخرج أبي نعيم (1646).
وعيسى بن يونس، كما في صحيح مسلم (727). =
الدليل الخامس:
(ح-1489) روى مسلم من طريق ابن جريج، قال: سمعت محمد بن عباد ابن جعفر، يقول: أخبرني أبو سلمة بن سفيان، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وعبد الله بن المسيب العابدي،
عن عبد الله بن السائب قال: صلى لنا النبي صلى الله عليه وسلم: الصبح بمكة فاستفتح سورة المؤمنين حتى جاء ذكر موسى، وهارون أو ذكر عيسى -محمد بن عباد يشك- أو اختلفوا عليه أخذت النبي صلى الله عليه وسلم سعلة فركع وعبد الله بن السائب، حاضر ذلك
(1)
.
وجه الاستدلال:
فإذا جازت القراءة بأوائل السورة، جاز بأواسطها وبالخواتيم، بجامع أن كُلًّا
= وزهير بن معاوية كما في سنن أبي داود (1259)، ومسند عبد بن حميد كما في المنتخب (706)، ومستخرج أبي عوانة (2162).
وعبد الله بن نمير كما في مسند أحمد (1/ 230)، ومستخرج أبي نعيم (1646).
ويعلى بن عبيد الطنافسي كما في مسند أحمد (1/ 231)، خمستهم رووه عن عثمان بن حكيم، وذكروا الآية الثانية: آمنا بالله واشهد بأنا مسلمون.
خالفهم أبو خالد الأحمر كما في صحيح مسلم (100 - 727)، ومصنف ابن أبي شيبة (6338)، وصحيح ابن خزيمة (1115)، ومستدرك الحاكم (1152)، والسنن الكبرى للبيهقي (3/ 61)، فرواه عن عثمان بن حكيم به، وذكر الآية الثانية: قل يا أهل الكتاب تعالوا.
قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه. اهـ وقد أخرجه مسلم كما علمت.
وقد أخطأ فيه أبو خالد الأحمر، ولا تحتمل مخالفته لهؤلاء، وقد قالوا في ترجمته: بأنه صدوق يخطئ، وقال البزار:«اتفق أهل العلم بالنقل أنه لم يكن حافظًا» .
ولعل الوهم دخل على أبي خالد الأحمر بسبب أن آية (قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء الآية آخرها: فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون.
فإن قيل: قد رواها مسلم في صحيحه، ألا يعتبر هذا تصحيحًا منه؟
فالجواب: لا يعتبر تصحيحًا؛ فمن درس صحيح مسلم علم أن مسلمًا يتبع الروايات الصحيحة بالروايات المعللة إشارة إلى تعليلها، لا اعتمادًا على صحتها.
(1)
. صحيح مسلم (163 - 455)، وقد ذكره البخاري معلقًا، قال أبو عبد الله في باب الجمع بين السورتين في الركعة (1/ 154): ويذكر عن عبد الله بن السائب: قرأ النبي صلى الله عليه وسلم المؤمنون في الصبح حتى إذا جاء ذكر موسى وهارون -أو ذكر عيسى- أخذته سعلة فركع.
منها بعض سورة.
* ونوقش:
بأن ركوعه كان لعذر حيث أخذته سعلة.
* ويجاب:
بأن الظاهر أن الركوع وقع اتفاقًا بعد السعلة، وليس بسببها؛ لأنه إذا لم يتعذر عليه معها ذكر الله في ركوعه وقيامه بعد الركوع وسجوده فلا يتعذر معها القراءة، وهو يعرض شبه يومي للأئمة ولا يمنعهم ذلك من إكمال قراءتهم.
الدليل السادس:
(ح-1490) ما رواه أحمد، قال: حدثنا زيد بن الحباب، أخبرني إسماعيل بن مسلم الناجي، عن أبي نضرة،
عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ردد آية حتى أصبح
(1)
.
[المحفوظ أنه مرسل]
(2)
.
وله شاهد ضعيف من حديث أبي ذر الغفاري.
(ح-1491) رواه أحمد، قال: حدثنا محمد بن فضيل، حدثني فليت العامري، عن جسرة العامرية،
عن أبي ذر، قال: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة فقرأ بآية حتى أصبح، يركع بها
(1)
. أخرجه عبد الله بن أحمد وجادة في زوائد المسند (3/ 62).
(2)
. اختلف فيه على إسماعيل بن مسلم:
فرواه زيد بن الحباب، كما في المسند، عن إسماعيل بن مسلم الناجي، هكذا في مسند أحمد، ولا يعرف (الناجي) ولعل الصواب (العبدي) كما في شعب الإيمان (1881)، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد الخدري، فوصله زيد بن الحباب.
وخالفه ابن المبارك كما في سنن سعيد بن المنصور (2/ 478)(160)، فرواه عن إسماعيل بن مسلم العبدي، عن أبي المتوكل الناجي، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام ذات ليلة، فقام بليلته بآية من القرآن يكررها على نفسه. هكذا مرسلًا.
وابن المبارك مقدم على مثل زيد بن الحباب، فيكون المحفوظ في إسناده أنه مرسل.
فلفظ الناجي في مسند أحمد إن لم يكن خطأ، فهو تصحيف، فلعله عن إسماعيل بن مسلم، عن الناجي، فسقط حرف (عن)، وقد رجعت إلى أطراف المسند (6/ 369)، فلم يذكر فيه لفظ (الناجي).
ويسجد بها: {إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيم} [المائدة: 118]، فلما أصبح، قلت: يا رسول الله، ما زلت تقرأ هذه الآية حتى أصبحت، تركع بها وتسجد بها قال: إني سألت ربي الشفاعة لأمتي فأعطانيها، وهي نائلة إن شاء الله لمن لا يشرك بالله شيئًا
(1)
.
[ضعيف]
(2)
.
(1)
. المسند (5/ 149).
(2)
. رواه محمد بن فضيل كما في مسند أحمد (5/ 149)، ومصنف ابن أبي شيبة (31767)، ومسند البزار (4061)، وشعب الإيمان (1880)، والبعث والنشور للبيهقي (542).
وفي سنن البيهقي تحرف اسم فليت إلى كليب، واسم (جسرة بنت دجاجة) إلى (خرشة بن الحر).
ووكيع كما في المسند (5/ 156)، ومصنف ابن أبي شيبة (8368)، وفضائل القرآن للمستغفري (58)، والمشيخة البغدادية لأبي طاهر السلفي - مخطوط (8).
ويحيى بن سعيد كما في مسند أحمد (5/ 177)، وسنن ابن ماجه (1350)، والمجتبى من سنن النسائي (1010)، والسنن الكبرى له (1084، 11069)، وشرح معاني الآثار (1/ 347)، ومستدرك الحاكم (879)، والسنن الكبرى للبيهقي (3/ 20)، وفي شعب الإيمان له (757، 1879)، وفي المشيخة البغدادية لأبي طاهر السلفي (مخطوط)(25).
ومروان بن معاوية كما في مسند أحمد (5/ 170)،
ومحمد بن عبيد، كما في مسند البزار (4062).
وعبد الواحد بن زياد، كما في قيام الليل محمد بن نصر (من المختصر، ص: 148)، ولفظه فيه نكارة، ستتهم رووه عن (فُلَيْتٍ) ويقال: أفلت العامري قدامة بن عبد الله، عن جسرة العامرية، عن أبي ذر رضي الله عنه.
وفي إسناده جسرة بنت دجاجة.
قال العجلي: كوفية تابعية ثقة. ثقات العجلي (2/ 450).
وذكرها ابن حبان في الثقات. الثقات (4/ 121)، وهما متساهلان.
وحسن حديثها ابن القطان الفاسي كما في بيان الوهم والإيهام (5/ 332).
وقال البخاري: عند جسرة عجائب. التاريخ الكبير (2/ 76).
وقال الدارقطني: يعتبر بحديثها إلا أن يحدث عنها من يترك. نقله الأستاذ بشار من سؤالات البرقاني للدارقطني. انظر حاشية تهذيب الكمال (35/ 144).
وقال عبد الحق الإشبيلي كما في بيان الوهم والإيهام (5/ 332) جسرة ليست بمشهورة وفي التقريب: مقبولة. يشير إلى أن حديثها فيه لين عند التفرد.
قال البزار: هذا الكلام لا نعلم أحدًا رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا أبا ذر، ولا نعلم له طريقًا غير هذا الطريق، وقدامة بن عبد الله روى عنه عبد الواحد بن زياد، ومحمد بن عبيد، ومحمد بن فضيل وغيرهم، وجسرة بنت دجاجة هذه فلا نعلم حدث عنها غير قدامة. اهـ
* حجة من قال: يكره القراءة من أواسط السورة أو من أواخرها:
هناك أدلة كثيرة تدل على أن غالب فعل النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقرأ سورة كاملة، فإذا ثبت أن هذا كان من سنته فإن مخالفة سنة النبي صلى الله عليه وسلم في صلاته مكروهة، من هذه الأدلة:
(ح-1492) ما رواه البخاري من طريق همام، عن يحيى، عن عبد الله بن أبي قتادة،
عن أبيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الظهر في الأوليين بأم الكتاب، وسورتين، وفي الركعتين الأخريين بأم الكتاب ويسمعنا الآية، ويطول في الركعة الأولى ما لا يطول في الركعة الثانية، وهكذا في العصر وهكذا في الصبح، ورواه مسلم
(1)
.
وجه الاستدلال:
قوله: (يقرأ في الأوليين بأم الكتاب وسورتين).
(ح-1493) ومن ذلك، ما رواه مسلم من طريق مسلم البطين، عن سعيد بن جبير،
عن ابن عباس، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في صلاة الفجر، يوم الجمعة:{الم (1) تَنزِيلُ} السجدة، و {هَلْ أَتَى عَلَى الإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ} ، [الإنسان: 1]، وأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في صلاة الجمعة سورة الجمعة، والمنافقون
(2)
.
(ح-1494) ومن ذلك، ما رواه مسلم من طريق جرير، عن إبراهيم بن محمد بن المنتشر، عن أبيه، عن حبيب بن سالم، مولى النعمان بن بشير،
(1)
. رواه البخاري من طريق الأوزاعي (778)،
ورواه البخاري (776) ومسلم (155 - 451)، من طريق همام.
ورواه البخاري (759) من طريق شيبان.
ورواه البخاري (762، 779) من طريق هشام.
ورواه مسلم (154 - 451) من طريق الحجاج يعني الصواف.
ورواه أيضًا (155 - 451) من طريق أبان بن يزيد، كلهم رووه عن يحيى بن أبي كثير، حدثنا عبد الله بن أبي قتادة، عن أبيه.
(2)
. صحيح مسلم (64 - 879).
عن النعمان بن بشير، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في العيدين، وفي الجمعة بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} ، و {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَة} ، قال: «وإذا اجتمع العيد والجمعة، في يوم واحد، يقرأ بهما أيضًا في الصلاتين
(1)
.
(ح-1495) ومن ذلك، ما رواه مسلم من طريق مروان بن معاوية، عن يزيد هو ابن كيسان، عن أبي حازم،
عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ في ركعتي الفجر:{قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُون} ، و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَد}
(2)
* ونوقش هذا:
بأن هذه الأدلة تدل على أفضلية السورة الكاملة، لكنها لا تقتضي كراهة الاقتصار على بعض السورة، ولا يلزم من ترك المستحب الوقوع في المكروه، وقد سبق أن ناقشت هذا الدليل بالمسألة السابقة بتوسع، فارجع إليه تكرمًا إن شئت.
* دليل من قال: يكره القراءة من الأواسط أو الأواخر إن كان ذلك من سورتين:
لعل هذا القول بنى الكراهة على أساس أن غالب المنقول من سنة الرسول صلى الله عليه وسلم في القراءة إما أن تكون سورة كاملة في كل ركعة، أو سورة واحدة مقسومة على ركعتين؛ ولأن السورة الواحدة في الغالب تكون مرتبطة المعنى، بخلاف السورتين.
* وأجيب:
بأن هذا قول ضعيف؛ لأنه لا تعيين في قراءة ما تيسر إلا في الفاتحة، وفيما وردت به السنة منصوصة كالسجدة والإنسان في فجر الجمعة، وسبح والغاشية في الجمعة والعيد، والكافرون والإخلاص في ركعتي الفجر، ونحوها، وأما ما عداها فالقراءة مطلقة، سواء قرأ من أوائل السورة، أو من وسطها، أو من أواخرها، والله أعلم.
* دليل من قال: تكره المداومة:
هؤلاء كرهوا المداومة على القراءة من أواسط السور أو أواخرها حتى
(1)
. صحيح مسلم (62 - 878).
(2)
. رواه مسلم (98 - 726).
لا يخرج عما مضت عليه السنة، وحتى لا يعتقد أن المداومة على هذه الصفة سنة مقصودة، والله أعلم.
* دليل من قال: يكره القراءة من أواسط السور دون أواخرها:
(ث-369) ما رواه ابن أبي شيبة في المصنف، قال: حدثنا محمد بن فضيل، عن العلاء، عن محمد بن الحكم،
عن أبي وائل قال: صلى بنا ابن مسعود الفجر في السفر، فقرأ بآخر بني إسرائيل {الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا} [الإسراء: 111] إلخ، ثم ركع
(1)
.
[ضعيف]
(2)
.
وجاء في المغني عن أحمد أنه قال: «أما آخر السور فأرجو، وأما أوسطها فلا، ولعله ذهب في آخر السورة، إلى ما روي فيه عن عبد الله وأصحابه، ولم ينقل مثل ذلك في أوسطها. وقد نقل عنه الأثرم، قال: قلت لأبي عبد الله: الرجل يقرأ آخر السورة في الركعة؟ قال: أليس قد روي في هذا رخصة عن عبد الرحمن بن يزيد، وغيره؟»
(3)
.
فقول الإمام أحمد: أليس قد روي في هذا رخصة؟ كأن الأصل المنع.
* الراجح:
أن من قرأ من أواسط السورة أو من أواخرها فقد حصلت له سنة القراءة، وعلى أي وجه قرأ في قيام الصلاة فقد حصلت السنة، إلا أن يقرأ في فجر الجمعة بعض سورة السجدة، وبعض سورة الإنسان، فلا هو فعل السنة على الصفة التي وردت، ولا هو تركها إلى غيرها، فهذا الفعل خلاف الأولى على الصحيح، وما عدا ذلك فكله كتاب الله لا يكره قراءة شيء منه في قيام الصلاة.
(1)
. المصنف (3686).
(2)
. في إسناده محمد بن عبد الحكم الأسدي الكاهلي، روى عنه العلاء بن المسيب وقيس بن الربيع، والأعمش، وذكره البخاري في التاريخ الكبير، (1/ 60)، وابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (7/ 236)، وسكتا عليه، وذكره ابن حبان في ثقاته (7/ 400)، وقال ابن حجر في الميزان (7/ 102): فيه جهالة.
(3)
. المغني (1/ 355).
قال البخاري في تراجمِ صحيحِهِ: باب الجمع بين السورتين في ركعة، والقراءة بالخواتيم، وبسورة قبل سورة، وبأول سورة. اهـ
هذا أقوى الأقوال في المسألة، يليه من قال: لا يداوم على ذلك حتى لا يعتقد بأن ذلك من سنة القراءة المقصودة، والله أعلم.
* * *