المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الأول يرفع يديه للركوع والرفع منه دون القيام من الركعتين - الجامع في أحكام صفة الصلاة - الدبيان - جـ ٣

[دبيان الدبيان]

فهرس الكتاب

- ‌المبحث الثاني في قراءة المأموم ما زاد على الفاتحة

- ‌الفرع الأول في قراءته ما زاد على الجهرية

- ‌الفرع الثاني في قراءة المأموم ما زاد على الفاتحة في السرية

- ‌المبحث الثالث في قراءة ما زاد على الفاتحة في الركعة الثالثة والرابعة

- ‌المبحث الرابع في أقل ما تحصل به السنة من القراءة بعد الفاتحة

- ‌المبحث الخامس في قراءة السورة قبل الفاتحة

- ‌المبحث السادس

- ‌فرع في مقدار التفاوت بين الركعة الأولى والثانية في القراءة

- ‌المبحث السابع في إطالة الركعة الثانية على الأولى

- ‌المبحث الثامن في القراءة من أواسط السور وأواخرها

- ‌المبحث التاسع في قراءة أكثر من سورة في الركعة الواحدة

- ‌المبحث العاشر في تكرار السورة الواحدة في ركعتين

- ‌الفصل الثالث في مقدار القراءة في الصلوات الخمس

- ‌المبحث الأول في تقسيم سور القرآن إلى طوال ومئين ومثان ومفصل

- ‌المبحث الثاني في تحديد بداية المفصل

- ‌المبحث الثالث في تحديد طوال المفصل وأوسطه وقصاره

- ‌المبحث الرابع في مقدار القراءة المستحبة في صلاة الصبح

- ‌فرع في استحباب قراءة السجدة والإنسان في فجر الجمعة

- ‌المبحث الخامس في مقدار القراءة في صلاة الظهر

- ‌المبحث السادس في مقدار القراءة في صلاة العصر

- ‌المبحث السابع في مقدار القراءة في صلاة المغرب

- ‌المبحث الثامن قدر القراءة من بالمغرب من السور الطوال

- ‌المبحث التاسع قدر القراءة في صلاة العشاء

- ‌الفصل الرابع في الأحكام العامة المتعلقة بالقراءة

- ‌المبحث الأول الجهر والإسرار في الصلاة

- ‌الفرع الأول الجهر والإسرار بالصلاة المؤداة

- ‌الفرع الثاني في الإسرار في الصلاة الفائتة

- ‌الفرع الثالث حكم الجهر والإسرار في موضعه

- ‌المسألة الأولى حكم الجهر والإسرار بالقراءة للإمام

- ‌المسألة الثانية حكم الجهر والإسرار بالقراءة للمنفرد

- ‌المسألة الثالثة حكم الجهر بالقراءة للمأموم

- ‌المسألة الرابعة حكم جهر المرأة بالقراءة

- ‌الفرع الرابع في أقل الجهر وأعلاه

- ‌المسألة الأولى في أقل الجهر

- ‌المسألة الثانية في أعلى الجهر

- ‌الفرع الخامس في جهر بعض المصلين على بعض

- ‌الفرع السادس الجهر ببعض الآيات في الصلاة السرية

- ‌المبحث الثاني في السؤال عند آية الوعد والتعوذ عند آية الوعيد

- ‌المبحث الثالث في حكم قراءة القرآن بغير العربية في الصلاة

- ‌المبحث الرابع في القراءة الشاذة

- ‌الفرع الأول في تعريف القراءة الشاذة

- ‌الفرع الثاني الصلاة بالقراءة المخالفة لرسم المصحف

- ‌الفرع الثالث في الاحتجاج بالقراءة الشاذة في الأحكام

- ‌الفرع الرابع في الجمع بين القراءات المختلفة في الصلاة

- ‌المبحث الخامس في القراءة من المصحف

- ‌الفرع الأول القراءة من المصحف خارج الصلاة

- ‌الفرع الثاني في القراءة من المصحف بالصلاة

- ‌الباب السابع في أحكام الركوع

- ‌الفصل الأول في حكم تكبيرات الانتقال ومنه التكبير للركوع

- ‌الفصل الثانيفي حكم الركوع

- ‌المبحث الأول يرفع يديه للركوع والرفع منه دون القيام من الركعتين

- ‌المبحث الثاني في وقت ابتداء التكبير

- ‌المبحث الثالث في مد تكبيرات الانتقال لتستوعب جميع المحل

- ‌الفصل الرابع في صفة الركوع

- ‌المبحث الأول في الصفة المجزئة

- ‌المبحث الثاني في صفة الركوع الكامل

- ‌الفرع الأول في وضع اليدين على الركبتين

- ‌الفرع الثاني إذا نوى بالانحناء غير الركوع

- ‌المبحث الثالث في مد الظهر ومجافاة المرفقين عن الجنبين

- ‌المبحث الرابع وجوب الطمأنينة في الصلاة

- ‌الفصل الخامس في أذكار الركوع والسجود

- ‌المبحث الأول حكم التسبيح في الركوع والسجود

- ‌المبحث الثاني صيغة التسبيح في الركوع والسجود

- ‌المبحث الثالث في زيادة (وبحمده) مع التسبيح

- ‌المبحث الرابع أقل ما تحصل به سنة التسبيح

- ‌المبحث الخامس أعلى الكمال في تسبيح الركوع والسجود

الفصل: ‌المبحث الأول يرفع يديه للركوع والرفع منه دون القيام من الركعتين

الفصل الثالث في رفع اليدين مع تكبيرات الانتقال

‌المبحث الأول يرفع يديه للركوع والرفع منه دون القيام من الركعتين

المدخل إلى المسألة:

* رفع اليدين في الصلاة توقيفي لا مجال للاجتهاد فيه.

* لا يختلف الفقهاء في رفع اليدين مع تكبيرة الإحرام، ويختلفون فيما عدا ذلك.

* قال الإمام البخاري يروى عن سبعة عشر نفسًا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنهم كانوا يرفعون أيديهم عند الركوع، ثم ذكرهم.

* لا يصح حديث في رفع اليدين في كل خفض ورفع، والمحفوظ كان يكبر في كل خفض ورفع.

* يرفع يديه للإحرام وللركوع وللرفع منه، هذه المواضع الثلاثة سالمة من المعارضة، والأصح أنه لا يرفع يديه إذا قام من الركعتين، والرفع في غير هذه المواضع الأربعة وهم.

* سئل أحمد عن الرفع إذا قام من الثنتين، قال: أما أنا فلا أرفع يدي، فقيل له: بين السجدتين أرفع يدي، قال: لا.

[م-617] اختلف العلماء في رفع اليدين مع تكبيرة الركوع،

فقيل: لا يرفع يديه في شيء من التكبيرات إلا في تكبيرة الافتتاح، وهو مذهب الحنفية، ورواية ابن القاسم عن الإمام مالك، وهي أشهر الروايات عنه، وبه قال الثوري، والحسن بن حَيٍّ

(1)

.

(1)

. الأصل (1/ 13)، المبسوط (1/ 14)، بدائع الصنائع (1/ 207)، البحر الرائق (1/ 341)، تحفة الفقهاء (1/ 132)، الهداية شرح البداية (1/ 52)، العناية شرح الهداية (1/ 309)، الجوهرة النيرة (1/ 54)، مختصر اختلاف العلماء للطحاوي (1/ 199)، شرح مختصر الطحاوي للجصاص (1/ 600)، المدونة (1/ 165)، التوضيح لخليل (1/ 357)، الجامع لمسائل المدونة (2/ 496)، البيان والتحصيل (1/ 413)، النوادر والزيادات (1/ 171)، بداية المجتهد (1/ 142)، القوانين الفقهية (ص: 43)، الشرح الكبير للدردير (1/ 231)، الشرح الصغير (1/ 324)، الثمر الداني (ص: 651)،.

جاء في التاج والإكليل نقلًا من الإكمال (2/ 239): «اختلف عن مالك في الرفع، فروي عنه: لا رفع إلا في الافتتاح، وهي أشهر الروايات» .

ص: 424

جاء في المدونة: «وقال مالك: لا أعرف رفع اليدين في شيء من تكبير الصلاة، لا في خفض، ولا في رفع إلا في افتتاح الصلاة يرفع يديه شيئًا خفيفًا

قال ابن القاسم: وكان رفع اليدين عند مالك ضعيفًا إلا في تكبيرة الإحرام»

(1)

.

وقيل: يرفع يديه عند الرفع من الركوع، وهو رواية ابن عبد الحكم عن مالك

(2)

.

وقيل: يرفع يديه للركوع وللرفع منه، وهو رواية ابن وهب عن مالك، والمنصوص عن أحمد

(3)

.

جاء في البيان والتحصيل: «قال ابن وهب: صليت مع مالك في بيته، فرأيته يرفع يديه في أول ركعة، وكان إذا ركع وإذا رفع رأسه من الركوع رفع يديه حذو منكبيه»

(4)

.

وقال في التلقين: وعنه -أي عن مالك- في رفعهما عند الركوع والرفع منه روايتان»

(5)

.

قال أبو داود: «سمعت أحمد سئل عن الرفع إذا قام من الثنتين، قال: أما أنا فلا أرفع يدي، فقيل له: بين السجدتين؟ قال: لا»

(6)

.

(1)

. المدونة (1/ 165)، وجاء في التنبيهات المستنبطة على الكتب المدونة (1/ 156) أن قوله:(إلا في تكبيرة الإحرام) ليس من كلام ابن القاسم، وإنما هو من كلام سحنون، فيكون في مذهب مالك قول بأنه لا يرفع يديه مطلقًا، لا في تكبيرة الإحرام، ولا في غيرها.

(2)

. الذخيرة للقرافي (2/ 219)، شرح التلقين (2/ 549)، التوضيح لخليل (1/ 334).

(3)

. شرح التلقين (2/ 549)، الذخيرة (2/ 219)، مناهج التحصيل (1/ 243)، الإشراف للقاضي أبي محمد (1/ 228)، التوضيح لخليل (1/ 334).

(4)

. البيان والتحصيل (1/ 413، 414).

(5)

. التلقين (1/ 44).

(6)

. مسائل أبي داود (236)، وانظر الجامع لعلوم الإمام أحمد (6/ 97).

ص: 425

وقيل: يرفع يديه عند الركوع والرفع منه، وإذا قام من اثنتين، وهو مذهب الشافعية، والحنابلة، وأهل الحديث، وبه قال ابن وهب من المالكية

(1)

.

قال البخاري في رفع اليدين للصلاة: «يروى عن سبع عشرة نفسًا

(2)

، من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنهم كانوا يرفعون أيديهم عند الركوع منهم أبو قتادة الأنصاري، وأبو أسيد الساعدي البدري، ومحمد بن مسلمة البدري، وسهل بن سعد الساعدي، وعبد الله بن عمر بن الخطاب، وعبد الله بن عباس بن عبد المطلب الهاشمي، وأنس بن مالك خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو هريرة الدوسي، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وعبد الله بن الزبير بن العوام القرشي، ووائل بن حجر الحضرمي، ومالك ابن الحويرث، وأبو موسى الأشعري، وأبو حميد الساعدي الأنصاري، وعمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، وأم الدرداء رضي الله تعالى عنهم»

(3)

.

وزاد البيهقي جماعة لم يذكرهم البخاري، منهم أبو بكر الصديق، وطلحة بن عبيد الله، وابن مسعود، وجابر بن عبد الله، وأبو سعيد الخدري، وأبو الدرداء، وعبد الله بن جابر البياضي، وعقبة بن عامر

(4)

.

وقال غيره: رواه قريب من ثلاثين نفسًا من الصحابة، وقال غيره: رواه نيف وثلاثون من الصحابة

(5)

.

(1)

. جامع الأمهات (ص: 97)، الذخيرة للقرافي (2/ 219)، الشامل في فقه الإمام مالك (1/ 104)، التوضيح لخليل (1/ 334)، الأم (1/ 126)، المهذب للشيرازي (1/ 136)، تحفة المحتاج (2/ 60)، مغني المحتاج (1/ 365)، نهاية المحتاج (1/ 498)، فتح العزيز (3/ 390)، روضة الطالبين (1/ 250)، المجموع (3/ 396)، العباب المحيط (1/ 347)، مختصر الخرقي (ص: 22).

وانظر في مذهب الحنابلة: مسائل أحمد وإسحاق رواية الكوسج (2/ 515)، ومسائل أبي داود (ص: 50)، مسائل أحمد رواية عبد الله (ص: 70)، الفروع (2/ 195)، المحرر (1/ 61)، المبدع (1/ 393)، الإنصاف (2/ 59)، المقنع (ص: 50)، الممتع للتنوخي (1/ 356)، شرح منتهى الإرادات (1/ 193)، مطالب أولي النهى (1/ 442)، الإقناع (1/ 119).

(2)

. لعل الأصح (سبع عشرة نفسًا).

(3)

. رفع اليدين في الصلاة (ص: 7)، وانظر الخلافيات للبيهقي (2/ 356).

(4)

. انظر الخلافيات (2/ 356، 357)، والسنن الكبرى للبيهقي (2/ 108).

(5)

. فتح الباري لابن رجب (6/ 334).

ص: 426

وقال البيهقي: «قد سمعت الحاكم أبا عبد الله محمد بن عبد الله الحافظ يقول: لا نعلم سنة اتفق على روايتها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الخلفاء الأربعة، ثم العشرة الذين شهد لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة، فمن بعدهم من أكابر الصحابة على تفرقهم في البلاد الشاسعة غير هذه السنة. قال الإمام أحمد -يعني البيهقي-: وهو كما قال أستاذنا أبو عبد الله رضي الله عنه»

(1)

.

قال ابن رجب: «وفي هذه العبارات تسامح شديد»

(2)

.

وقال ابن كثير: «إنما يصح ويروى عن بعض هؤلاء

قال الشافعي: روى هذا غير ابن عمر اثنا عشر رجلًا من الصحابة، وبهذا نقول، ونحو من هذا الكلام قال أحمد بن حنبل والبخاري رحمهم الله تعالى»

(3)

.

وقال الأوزاعي: «الذي بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما اجتمع عليه علماء أهل الحجاز، والشام، والبصرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه حذو منكبيه حين يكبر لافتتاح الصلاة، ويرفع يديه حذو منكبيه حين يكبر للركوع

»

(4)

.

(1)

. الخلافيات (2/ 351).

وقد تعقب الحاكم والبيهقي، قال ابن دقيق العيد في الإمام كما في نصب الراية (1/ 417):«وجزْمُ الحاكم برواية العشرة ليس عندي بجيد؛ فإن الجزم إنما يكون حيث يثبت الحديث ويصح، ولعله لا يصح عن جملة العشرة» .

وقال ابن كثير في الأحكام الكبير (3/ 293): «اعلم أني فتشت مسند العشرة من مسند أحمد بن حنبل، ومعجم الطبراني، ومسند الحافظَيْنِ أبي بكر البزار، وأبي يعلى الموصلي، فلم أجد لغير من ذكرته روايةً في رفع اليدين؛ لا في الافتتاح، ولا الركوع، ولا الرفع منه، وليس ذلك في شيء من الكتب الستة أيضًا.

ولست أدري من أي موضع قال الحاكم أبو عبد الله النيسابوري ما قال: من أن هذه السنة رواها العشرة المشهود لهم بالجنة، ولم يروِ هو ذلك ولا شيئًا منه في مستدركه، ولا ابن حبان، ولا ابن خزيمة، ولا رأيت ذلك في كتاب مسند؛ إلا ما حكاه البيهقي عن الحاكم رحمهما الله تعالى، والله الموفق للصواب.

وأما حديث أبي حميد الساعدي في وصف صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بحضرة عشرة من الصحابة، فوافقوه على ما ذكر، لكن العشرة ليسوا هم المشهود لهم بالجنة؛ لأنه قد سُمِّي كثير منهم في الرواية .... ».

(2)

. فتح الباري لابن رجب (6/ 334).

(3)

. الأحكام الكبير لابن كثير (3/ 284).

(4)

. الأوسط (3/ 147).

ص: 427

وقيل: يرفع يديه في الركوع، والرفع منه، وللسجود، والرفع منه، أي في كل خفض ورفع، وقد ذهب إلى هذا بعض أهل الحديث، كالقاسم بن محمد، وسالم ابن عبد الله بن عمر، وعطاء، وطاوس، ومجاهد، وهو قول مرجوح عن الإمام مالك، والشافعي، ورواية عن أحمد، وبه قال ابن حزم

(1)

.

وحمل القاضي أبو يعلى هذه الرواية على الجواز دون الاستحباب

(2)

.

ونقل المروذي عن أحمد أنه قال: «لا يرفع يديه بين السجدتين، فإن فعل فهو جائز»

(3)

.

فأهم هذه الأقوال ترجع إلى ثلاثة أقوال:

لا يرفع يديه إلا في تكبيرة الإحرام.

يقابله: يرفع يديه في كل خفض ورفع.

وقيل: يرفع يديه للركوع والرفع منه، وزاد بعضهم: وعند القيام من اثنتين، ولا يرفع يديه للسجود، ولا للرفع منه. والله أعلم.

(1)

. روى ابن أبي شيبة في المصنف (2797) أخبرنا ابن علية، عن أيوب، قال: رأيت نافعًا وطاوسًا يرفعان أيديهما بين السجدتين. وسنده صحيح.

رواه ابن أبي شيبة في المصنف (2798) أخبرنا يزيد بن هارون، عن أشعث، عن الحسن وابن سيرين أنهما كانا يرفعان أيديهما بين السجدتين. وسنده ضعيف، فيه أشعث بن سوار ضعفه أحمد وغيره.

وروى عبد الرزاق في المصنف (2527) عن ابن جريج، عن عطاء، وسنده صحيح.

وقال ابن حجر في الفتح (2/ 223): «وقع في أواخر البويطي يرفع يديه في كل خفض ورفع، فيحمل الخفض على الركوع، والرفع على الاعتدال، وإلا فحمله على ظاهره يقتضي استحبابه في السجود أيضًا وهو خلاف ما عليه الجمهور، وقد نفاه ابن عمر، وأغرب الشيخ أبو حامد في تعليقه، فنقل الإجماع على أنه لا يشرع الرفع في غير المواطن الثلاثة، وتعقب بصحة ذلك عن ابن عمر وابن عباس وطاوس ونافع وعطاء، كما أخرجه عبد الرزاق وغيره عنهم بأسانيد قوية، وقد قال به من الشافعية ابن خزيمة وابن المنذر، وأبو علي الطبري، والبيهقي، والبغوي، وحكاه ابن خويز منداد عن مالك، وهو شاذ» .

وانظر: شرح النووي على صحيح مسلم (4/ 95)، المحلى (3/ 10)، بداية المجتهد (1/ 142)، فتح الباري لابن رجب (6/ 351).

(2)

. فتح الباري لابن رجب (6/ 352).

(3)

. فتح الباري لابن رجب (6/ 352).

ص: 428

* دليل من قال: لا يرفع يديه إلا في تكبيرة الإحرام:

(ح-1622) ما رواه أحمد، قال: حدثنا وكيع، حدثنا سفيان، عن عاصم بن كليب، عن عبد الرحمن بن الأسود، عن علقمة، قال:

قال ابن مسعود: ألا أصلي لكم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: فصلى، فلم يرفع يديه إلا مرة

(1)

.

[أخطأ فيه الإمام سفيان، وقال بعض العلماء: أخطأ فيه وكيع، وقد رواه ابن إدريس عن عاصم ولم يذكر فيه نفيَ الرفع عن الركوع، وهو المحفوظ]

(2)

.

(1)

. المسند (1/ 388).

(2)

. أعل الحديث بعلتين:

الأولى: أعلَّه بعضهم بأن عبد الرحمن بن الأسود لم يسمع من علقمة، قال ابن السمعاني في الاصطلام (1/ 245):«قيل: إن عبد الرحمن بن الأسود لا يصح سماعه عن علقمة» .

وقال المنذري كما في مختصر سنن أبي داود له (1/ 223): حكي عن عبد الله بن المبارك أنه قال: لا يثبت هذا الحديث، وقال غيره: لم يسمع عبد الرحمن من علقمة. اهـ

هكذا حكي هذا القول، ولا يعرف قائله.

وتعجب ابن التركماني في الجوهر النقي (2/ 77): من تعليل الحديث بقول رجل مجهول.

وقال ابن القيم في تهذيب السنن (2/ 318): «وأما إنكار سماع عبد الرحمن من علقمة فليس بشيء، فقد سمع منه، وهو ثقة، وأدخل على عائشة، وهو صبي» . اهـ يريد ابن القيم أن يقول: إن من أدرك عائشة لا يبعد أن يسمع من علقمة.

وقال الشيخ في الإلمام كما في نصب الراية (1/ 395): وقد تتبعت هذا القائل فلم أجده، ولا ذكره ابن أبي حاتم في مراسيله، وإنما ذكره في كتاب الجرح والتعديل، فقال: وعبد الرحمن ابن الأسود دخل على عائشة، وهو صغير، ولم يسمع منها، وروى عن أبيه وعلقمة. ولم يقل: إنه مرسل. وذكره ابن حبان في الثقات، وقال: إنه مات في سنة تسعة وتسعين، فكان سنه سن إبراهيم النخعي، فإذا كان سنه سن النخعي فما المانع من سماعه من علقمة مع الاتفاق على سماع النخعي منه؟ ومع هذا كله فقد صرح الحافظ أبو بكر الخطيب في كتاب (المتفق والمفترق) في ترجمة عبد الرحمن هذا أنه سمع أباه وعلقمة».

العلة الثانية: أعله الإمام أحمد، والبخاري وأبو حاتم والدارقطني وأبو داود، وابن المبارك، وابن حبان والبيهقي، وغيرهم أعلوه برواية عبد الله بن إدريس، عن عاصم به، حيث لم يذكر رفع اليدين ولم ينفه، وعدم ذكره ليس نفيًا له، كما أنه لم يذكر التكبير للركوع، ولم يذكر القراءة، ولا الاستفتاح، وعدم ذكرهم ليس نفيًا لهم؛ لأن الحديث سيق من أجل ذكر التطبيق، =

ص: 429

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= بخلاف رواية سفيان فإن فيها التصريح بنفي الرفع عن سائر التكبيرات عدا تكبيرة الإحرام.

فإن قيل: لماذا العلماء أعلوا رواية سفيان برواية ابن إدريس، ولم يعلوا رواية ابن إدريس برواية سفيان؟ والثوري ليس أقلَّ حفظًا من ابن إدريس.

فالجواب: أن تقديم رواية ابن إدريس على رواية سفيان راجع لأمرين:

الأول: أن يحيى بن آدم قال: أملأ عَلَيَّ ابن إدريس الحديث من كتابه، وليس فيه (ثم لم يعد)، قال البخاري: فهذا أصح؛ لأن الكتاب أحفظ عند أهل العلم؛ لأن الرجل ربما حدث بشيء، ثم يرجع إلى الكتاب، فيكون كما في الكتاب».

الأمر الثاني: أن أبا داود وابن حبان والحاكم قد ذكروا أن سبب الخطأ أنه قد اختصر من حديث طويل، وأن هذا الاختصار قد دخله ما دخله، على خلاف بينهم في من يتحمل هذا الخطأ في الاختصار، فقيل: وكيع، وقيل: سفيان، وقيل: عاصم بن كليب، وسوف يأتي النقل عنهم، فإذا رجعنا إلى رواية علقمة الطويلة، والتي يرى أن الحديث اختصر منها من غير طريق عبد الرحمن بن الأسود لم نجد فيها ما تضمنته رواية سفيان من الحصر بإثبات الرفع في التكبيرة الأولى، ونفيه عما عداها، لهذا قَدَّم العلماء رواية ابن إدريس الموافقة للرواية الطويلة التي اختصر منها هذا الحديث على رواية سفيان الثوري، هذا الكلام على علة الحديث بإيجاز، وإليك تفصيل ما أجمل.

فالحديث مداره على عاصم بن كليب، وقد رواه عنه اثنان، عبد الله بن إدريس، وسفيان الثوري.

فأما رواية سفيان الثوري، فرواه عنه جماعة:

الأول: وكيع، عن سفيان.

فرواه عنه تارة بصيغة الحصر، بلفظ:(لم يرفع يديه إلا مرة)، وفي رواية (إلا مرة واحدة)، وهما بمعنى واحد، فإن لفظ مرة، لا يعني إلا واحدة.

رواه أحمد في إحدى روايتيه كما في المسند (1/ 388)،

وأبو خيثمة (زهير بن معاوية) كما في مسند أبي يعلى (5302)،

وابن أبي شيبة في إحدى روايتيه كما في المصنف (2441)،

وعثمان بن أبي شيبة كما في سنن أبي داود (748).

وحميد بن الربيع اللخمي كما في مستخرج الطوسي (237)، كلهم رووه عن وكيع بلفظ:( .... فلم يرفع يديه إلا مرة).

زاد ابن أبي شيبة في رواية كما في مسنده (323)،

ومحمد بن إسماعيل الأحمسي، كما في السنن الكبرى للبيهقي (2/ 112)، وفي الخلافيات (1669) روياه عن وكيع، فقالا:( .... لم يرفع يديه إلا مرة واحدة)، فزادا حرف (واحدة).

ورواه النسائي عن محمود بن غيلان باللفظين، فقال في المجتبى (1058):(إلا مرة واحدة) وقال في الكبرى (649)(إلا مرة)، والخطب سهل. =

ص: 430

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= وهؤلاء كلهم اتفقوا على روايته بصيغة الحصر التي تثبت رفع اليدين مرة واحدة، دون ذكر موضع الرفع.

ورواه هناد عن وكيع كما في سنن الترمذي (17)، وقال: (

فلم يرفع يديه إلا في أول مرة) وهذا اللفظ تضمن الحصر كما هي رواية الجماعة عن وكيع، وزاد في بيان موضع الرفع، وأنه في تكبيرة الافتتاح، وهي أصرح من رواية الجماعة، لكنها ليست معارضة.

وأعاد أحمد إسناده عن وكيع (1/ 442) فقال: (

فرفع يديه في أول). اهـ أي في أول مرة، وليس في لفظه:(صيغة الحصر).

ورواه يحيى بن يحيى النيسابوري ونعيم بن حماد، والأول ثقة، والآخر كثير الخطأ، كما في شرح معاني الآثار للطحاوي (2/ 224)، وفي مشكل الآثار (5826)، عن وكيع، بلفظ: (

كان يرفع يديه في أول تكبيرة، ثم لا يعود).

قال عبد الله بن أحمد كما في العلل (710): «حدثني أبي قال حدثنا أبو عبد الرحمن الضرير قال: كان وكيع ربما قال: يعني ثم لا يعود. قال أبي: كان وكيع يقول هذا من قبل نفسه يعني ثم لا يعود» .

وقال الدارقطني في العلل (5/ 173): ليس قول من قال: (ثم لم يعد محفوظًا). اهـ

وقد رواه عبد الله بن المبارك عن سفيان، وذكر فيه:(ثم لم يعد)، وهذه متابعة لوكيع كما في الطريق التالي.

الطريق الثاني: عبد الله بن المبارك، عن سفيان.

أخرجه النسائي في المجتبى (1026) أخبرنا سويد بن نصر، قال: أنبأنا عبد الله بن المبارك، عن سفيان به، وفيه: (

فقام فرفع يديه أول مرة، ثم لم يعد). فهذا النفي بعدم العود بعد أن أثبت الرفع أول مرة يفيد الحصر الوارد في رواية وكيع، فخرج وكيع من العهدة.

وسويد بن نصر من أثبت أصحاب ابن المبارك. ورواه النسائي في الكبرى (1100): وقال: (

ثم لم يرفع). وهما بمعنى.

قال ابن المبارك كما في خلافيات البيهقي (2/ 360): «لم يثبت عندي حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رفع يديه أول مرة، ثم لم يرفع، وقد ثبت عندي حديث من يرفع يديه عند الركوع، وإذا رفع» . اهـ

الطرق الثالث، والرابع، والخامس، والسادس:

رواه معاوية بن هشام القصار، وخالد بن عمرو السعيدي، وأبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي، كما في سنن أبي داود (749) رووه عن سفيان به، قالوا: فرفع يديه في أوَّل مرةٍ. وقال بعضهم: مرة واحدة.

وعلقه الإمام أحمد عن الأشجعي (عبيد الله بن عبيد الرحمن الأشجعي) كما في العلل رواية ابنه عبد الله (711) فرفع يديه في أول شيء.

وليس في رواية هؤلاء عن سفيان صيغة الحصر، وذكر رفع اليدين في أول مرة لا ينفي أن =

ص: 431

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= يكون قد رفع يديه للركوع بخلاف صيغة الحصر، فإنها تنفي رفع اليدين في الركوع.

وقد ذكر أحمد في العلل لابنه (709) أن وكيعًا حدثه مرة فقال: (

فلم يرفع يديه إلا مرة) وحدثنا وكيع مرة أخرى بإسناده سواء، فقال: (

فرفع يديه في أول). فأشار أحمد إلى اختلاف وكيع في لفظه، مرة بصيغة الحصر، ومرة لا.

والقصار والسعيدي والنهدي لا يقارن أمثال هؤلاء بالإمام وكيع وابن المبارك، ولولا رواية الأشجعي المعلقة، والاختلاف على وكيع، فمرة يحدث به بصيغة الحصر، ومرة يحدث به بصيغة لا يستفاد منها الحصر كما أفاده الإمام أحمد ما عرجت على روايتهم.

هذا ما يخص رواية سفيان الثوري، عن عاصم بن كليب.

وأما رواية عبد الله بن إدريس، عن عاصم بن كليب:

فقد خالف في لفظه سفيان الثوري، فرواه ابن إدريس، عن عاصم بن كليب، عن عبد الرحمن بن الأسود، عن علقمة، قال: قال عبد الله: علَّمنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم الصلاةَ، فكبر ورفع يديه، ثم ركع وطبَّق بين يديه وجعلهما بين ركبتيه، فبلغ ذلك سعدًا، فقال: صدق أخي، قد كنا نفعلُ ذلك، ثم أُمِرْنا بهذا، وأخذ بركبتيه.

رواه أحمد (1/ 418، 419)، وابن أبي شيبة في المصنف (2541)، وفي المسند (188)، والبخاري في رفع اليدين (32)، وأبو داود (747)، والنسائي في المجتبى (1031)، وفي الكبرى (623)، والبزار في مسنده (1608)، وابن الجارود في المنتقى (196) وابن خزيمة (595)، وابن حبان كما في إتحاف المهرة (12928)، والدارقطني (1281)،، والحاكم (815)، والبيهقي في السنن الكبرى (2/ 112، 113).

قال الدارقطني في السنن (2/ 137): «هذا إسناد ثابت صحيح» . اهـ

وقال في العلل (5/ 172): «وإسناده صحيح» .

فلم يذكر عبد الله بن إدريس الرفع في الركوع، ولم ينفه، كما لم يذكر وضع اليدين على الصدر، والقراءة، والتكبير للركوع، وكأنه -كما قال عبد الرحمن المعلمي في التنكيل (2/ 773) - كان يهمه من ذكر القصة شأن التطبيق. اهـ فالحديث مسوق لهذا الشأن.

بخلاف رواية سفيان الثوري فإنها صريحة في نفي الرفع عن كل التكبيرات عدا التحريمة.

قال البيهقي في المعرفة (2/ 422) عن رواية ابن إدريس: «لم يتعرض للرفع، ولا لتركه بعد ذلك، وذكر تطبيق يديه بين فخذيه، وقد يكون رفعهما فلم ينقله، كما لم ينقل سائر سنن الصلاة، وقد يكون ذلك في الابتداء قبل أن يشرع رفع اليدين في الركوع، ثم صار التطبيق منسوخًا، وصار الأمر في السنة إلى رفع اليدين عند الركوع ورفع الرأس منه، وخفيا جميعًاعلى عبد الله بن مسعود» .

وجاء في العلل للإمام أحمد رواية عبد الله (713): «قال أبي حديث عاصم بن كليب رواه ابن إدريس فلم يقل: ثم لا يعود. =

ص: 432

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= قال عبد الله (714): حدثني أبي قال: حدثنا يحيى بن آدم، قال أملاه عليَّ عبد الله بن إدريس من كتابه: عن عاصم بن كليب، عن عبد الرحمن بن الأسود، قال: حدثنا علقمة عن عبد الله قال علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة، فكبر ورفع يديه، ثم ركع، وطبق يديه، وجعلهما بين ركبتيه فبلغ سعدًا

وذكر الحديث، قال أبي: هذا لفظ غير لفظ وكيع، وكيع يثبِّج الحديث؛ لأنه كان يحمل نفسه على حفظ الحديث».

وقال البخاري في رفع اليدين (ص: 28) قال أحمد بن حنبل عن يحيى بن آدم، قال: نظرت في كتاب عبد الله بن إدريس، عن عاصم بن كليب، ليس فيه:(ثم لم يعد) قال البخاري: فهذا أصح؛ لأن الكتاب أحفظ عند أهل العلم؛ لأن الرجل ربما حدث بشيء، ثم يرجع إلى الكتاب، فيكون كما في الكتاب»، ثم ساق حديث ابن إدريس بإسناده، ثم قال:«وهذا المحفوظ عند أهل النظر من حديث عبد الله بن مسعود» .

والمحفوظ يقابله الشاذ، فحكم بشذوذ رواية سفيان الثوري.

فكانت رواية ابن إدريس أرجح عند الإمام أحمد والبخاري وأبي حاتم الرازي من رواية وكيع، عن سفيان على خلاف بينهم:

فمنهم من جعل الوهم من وكيع، كالإمام أحمد وابن حبان، وسيأتي النقل عن ابن حبان قريبًا إن شاء الله تعالى.

ومنهم من جعل الوهم من الثوري، لأن عبد الله بن المبارك قد تابع وكيعًا، عن سفيان، فخرج وكيع من العهدة كما أشرت سابقًا.

قال أبو حاتم كما في العلل لابنه (258): «هذا خطأ، يقال: وهِمَ فيه الثوري، وروى هذا الحديثَ عن عاصم جماعةٌ، فقالوا كلهم: إن النبي صلى الله عليه وسلم افتتح فرفع يديه، ثم ركع فطبق، وجعلها بين ركبتيه، ولم يقل أحد ما رواه الثوري» .

وسواء كان الوهم من وكيع أو من سفيان، فالنتيجة واحدة، وأن رواية ابن إدريس، عن عاصم هي المحفوظة، خلافًا لما رواه وكيع، عن سفيان، عن عاصم.

وقد دخل الوهم على سفيان من اختصاره الحديث، فإن المختصر قد يطبع فقهه للحديث حين إرادة اختصاره فيؤتى من ذلك؛ لأن الفقه غير معصوم.

قال أبو داود في السنن (748) عن رواية سفيان: «هذا مختصر من حديث طويل، وليس هو بصحيح على هذا اللفظ» . اهـ

ووافق ابن حبان أبا داود على أنه مختصر من حديث طويل، وأن الاختصار لم يكن موفقًا.

فقد نقل ابن القيم في تهذيب السنن (انظر: عون المعبود 2/ 318): عن ابن حبان قوله: «قال أبو حاتم البستي في كتاب الصلاة له: هذا الحديث له علة توهنه، لأن وكيعًا اختصره من حديث طويل، ولفظة (ثم لم يعد) إنما كان وكيع يقولها في آخر الخبر من قِبَلِهِ، وقَبْلَها (يعني)، فربما أسقطت (يعني)» . =

ص: 433

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= وهذا الكلام من ابن حبان يُحَمِّلُ وكيعًا التبعة في اختصاره، وسبق التعليق على هذا.

ومنهم من حمل الاختصار عاصم بن كليب، قال البيهقي في الخلافيات (2/ 360): أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ، قال: إن حديث الثوري عن عاصم بن كليب مختصر من أصله، وعاصم بن كليب لم يخرج حديثه في الصحيح؛ وذلك أنه كان يختصر الأخبار يؤديها على المعنى، وهذه اللفظة:(لم يعد) غير محفوظة في الخبر». انتهى.

فقول الحاكم: أن حديث الثوري مختصر من أصله، يوافق كلام أبي داود وابن حبان، أن الحديث مختصر من أصل طويل

وقوله: (لم يخرج له في الصحيح) يريد صحيح البخاري، فقد روى له مسلم.

وكونه لم يخرج له الإمام البخاري لا يلزم منه التضعيف، فقد وثقه ابن معين، وقال أحمد في رواية الميموني: ثقة، وقال أبو بكر الأثر عن أحمد: لا بأس بحديثه، ومر معنا أن الدارقطني قال عن رواية ابن إدريس، عن عاصم: إسناده صحيح.

كما لا يوافق الحاكم على أن المختصر هو عاصم بن كليب، لأن رواية ابن إدريس عن عاصم تبرئ عاصمًا من الخلل في اختصار الحديث.

وقول الإمام الترمذي: حديث ابن مسعود حديث حسن كما في السنن (2/ 41)، فالحسن عند الترمذي هو الحديث الضعيف إذا جاء من أكثر من وجه، ولم يكن في رواته متهم، فهو اصطلاح خاص له.

بقي لنا من تخريج الحديث أن نذكر رواية علقمة الطويلة في التطبيق، والتي اختصر منها هذا الحديث، وجعلت العلماء يقدمون رواية ابن إدريس على رواية سفيان الثوري مع إمامته وإتقانه.

فقد روى مسلم في صحيحه (28 - 534) من طريق إسرائيل، عن منصور، عن إبراهيم، عن علقمة، والأسود، أنهما دخلا على عبد الله، فقال: أَصَلَّى من خلفكم؟ قالا: نعم، فقام بينهما، وجعل أحدهما عن يمينه، والآخر عن شماله، ثم ركعنا فوضعنا أيدينا على ركبنا، فضرب أيدينا، ثم طبق بين يديه، ثم جعلهما بين فخذيه، فلما صلى قال: هكذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ورواه مسلم (26 - 534) من طريق الأعمش، عن إبراهيم، عن الأسود وعلقمة، قالا: أتينا عبد الله بن مسعود في داره، فقال: أَصَلَّى هؤلاء خلفكم؟ فقلنا: لا. قال: فقوموا، فصلوا. فلم يأمرنا بأذان ولا إقامة. قال: وذهبنا لنقوم خلفه، فأخذ بأيدينا، فجعل أحدنا عن يمينه، والآخر عن شماله، قال: فلما ركع، وضعنا أيدينا على ركبنا، قال: فضرب أيدينا، وطبق بين كفيه، ثم أدخلهما بين فخذيه، قال: فلما صلى، قال: إنه ستكون عليكم أمراء يؤخرون الصلاة عن ميقاتها، ويخنقونها إلى شرق الموتى، فإذا رأيتموهم قد فعلوا ذلك؛ فصلوا الصلاة لميقاتها، واجعلوا صلاتكم معهم سبحة، وإذا كنتم ثلاثة فصلوا جميعًا، وإذا كنتم أكثر من ذلك؛ فليؤمكم أحدكم، وإذا ركع أحدكم فليفرش ذراعيه على فخذيه، وليجنأ، وليطبق بين كفيه، فلكأني أنظر إلى اختلاف أصابع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأراهم.

فإن قيل: لعل حديث عبد الرحمن بن الأسود، عن علقمة، عن ابن مسعود، ليس هو حديث إبراهيم، عن علقمة والأسود، عن ابن مسعود.

فالجواب أن الدارقطني قد ذكر في العلل (5/ 172): أن أبا بكر النَّهْشَلي رواه عن عاصم بن كليب، عن عبد الرحمن بن الأسود، عن أبيه وعلقمة، عن عبد الله.

والنَّهْشَلي قد روى له مسلم، ووثقه أحمد، وقال ابن معين كما في تاريخه رواية الدوري (2348): كوفي ثقة. والله أعلم.

ص: 434

الدليل الثاني:

(ح-1623) ما رواه أحمد، قال: حدثنا أسباط، حدثنا يزيد بن أبي زياد، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى،

عن البراء بن عازب قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا افتتح الصلاة رفع يديه حتى تكون إبهاماه حذاء أذنيه

(1)

.

ورواه أبو داود من طريق شريك، عن يزيد بن أبي زياد به، بلفظ: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا افتتح الصلاة رفع يديه إلى قريب من أذنيه، ثم لا يعود

(2)

.

ورواه الحميدي في مسنده، قال: حدثنا سفيان، قال: حدثنا يزيد بن أبي زياد بمكة، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى،

عن البراء بن عازب، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا افتتح الصلاة رفع يديه، قال سفيان: وقدم الكوفة فسمعته يحدث به، فزاد فيه، ثم لا يعود، فظننت أنهم لقنوه، وكان بمكة يومئذٍ أحفظ منه يوم رأيته بالكوفة، وقالوا لي: إنه قد تغير حفظه أو ساء حفظه

(3)

.

[حسن إلا زيادة (ثم لا يعود) فإنه حدث بها يزيد بن أبي زياد بعد تغيره، وقد حدث به قبل تغيره فلم يذكر فيه: (ثم لا يعود)]

(4)

.

(1)

. المسند (4/ 302).

(2)

. سنن أبي داود (750).

(3)

. مسند الحميدي (741).

(4)

. الحديث فيه علتان:

الأولى: تفرد به يزيد بن أبي زياد، قال الحميدي: قلنا لقائل هذا -يعني للمحتجِّ بهذا- إنما رواه يزيد، ويزيد يزيد. اهـ انظر السنن الكبرى للبيهقي (2/ 110). =

ص: 435

الدليل الثالث:

(ح-1624) ما رواه أبو يعلى، قال: حدثنا إسحاق بن أبي إسرائيل، حدثنا محمد بن جابر، عن حماد، عن إبراهيم، عن علقمة،

عن عبد الله قال: صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر فلم يرفعوا أيديهم إلا عند افتتاح الصلاة.

وقد قال محمد: فلم يرفعوا أيديهم بعد التكبيرة الأولى

(1)

.

[رفع الحديث، وذكر أبي بكر وعمر في لفظه منكر، والمعروف وقفه على ابن مسعود بسند منقطع]

(2)

.

= وفي التحقيق لابن الجوزي (1/ 335)«قال علي بن المديني ويحيى بن معين: هو ضعيف الحديث، لا يحتج بحديثه، وقال ابن المبارك: ارم به. وقال النسائي: متروك الحديث» . اهـ

ولعل ذلك كان لتغيره كما قال يعقوب بن سفيان، قال في المعرفة والتاريخ (3/ 81):«يزيد بن أبي زياد، وإن كان قد تكلم الناس فيه؛ لتغيره في آخر عمره، فهو على العدالة والثقة، وإن لم يكن مثل منصور، والحكم والأعمش، فهو مقبول القول ثقة» .

العلة الثانية: الاختلاف على يزيد بن أبي زياد في لفظه.

فالحديث رواه يزيد بن أبي زياد، رواها أصحابه القدماء قبل قدومه الكوفة، وقبل تغير حفظه، كالثوري وشعبة، وهشيم، وأسباط وخالد بن عبد الله، وغيرهم، فلم يذكروا في حديثهم لفظ:(ثم لا يعود)، وقد حدث به بعد تغيره، وزاد لفظ:(ثم لا يعود)، فلا تثبت عنه،

قال أحمد: هذا حديث واهٍ، قد كان يزيد بن أبي زياد يحدث برهة من دهره، لا يذكر فيه (ثم لا يعود) ثم أسنَّ بآخرةٍ، فكان يذكر فيه. انظر الأحكام الكثير لابن كثير (3/ 266).

وقد سبق تخريجه، والكلام على طرقه، انظر (ح: 1244)

(1)

. مسند أبي يعلى (5039).

(2)

. اختلف فيه على حماد بن أبي سليمان:

فرواه محمد بن جابر، عن حماد، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله مرفوعًا، وموقوفًا على أبي بكر وعمر.

رواه أبو يعلى كما في إسناد الباب، والدارقطني في السنن (1133)، والعقيلي في الضعفاء (4/ 41)، وابن حبان في المجروحين (2/ 270)، وابن عدي في الكامل (7/ 339)، والبيهقي في السنن الكبرى (2/ 113)، وفي الخلافيات (1705)، والإسماعيلي في معجم شيوخه (318)، والخطيب في تاريخ بغداد (11/ 224)، وابن عديم في تاريخ حلب (3/ 1378)، من طريق إسحاق بن أبي إسرائيل (إبراهيم بن كامجر) عن محمد بن جابر به. =

ص: 436

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= قال أحمد في العلل ومعرفة الرجال (1/ 372/716): «هذا ابن جابر أيش حديثه؟ هذا حديث منكر» قال عبد الله: أنكره جدًّا». يعني أباه.

وقال الحاكم أبو عبد الله: «هذا إسناد مقلوب، لا نعلم أحدًا حدث به من أصحاب حماد بن أبي سليمان من المشهورين بالأخذ عنه، ولو كان محفوظًا لبادر بروايته أبو حنيفة وسفيان الثوري عن حماد؛ إذ كان يوافق مذهبهما ذلك، فأما محمد بن جابر بن سيار السحيمي فإنه قد تكلم فيه أئمة أهل الحديث، وأما إسحاق بن أبي إسرائيل فغير محتج برواياته» .

وإسحاق بن أبي إسرائيل، قد وثقه أبو داود والدارقطني، ويحيى بن معين، وقد تكلم فيه لقوله بالوقف، قال أحمد: واقفي مشؤوم، إلا أنه صاحب حديث كيس.

وآفة الحديث محمد بن جابر، قال فيه أبو حاتم: ذهبت كتبه في آخر عمره، وساء حفظه، وكان يلقن، وكان ابن مهدي يحدث عنه، ثم تركه بعد، وكان يروي أحاديث مناكير، وهو معروف بالسماع، جيد اللقاء، رأوا في كتبه لحقًا، وحديثه عن حماد فيه اضطراب.

وقال عبد الله بن الإمام أحمد كما في مسائله لأبيه (ص: 74): سألت يحيى عن محمد بن جابر، فتكلم فيه بكلام غليظ، وقال: ما يحدث عنه إلا من هو أشر منه.

وخالف محمد بن جابر كل من:

(1)

حماد بن سلمة، فرواه عن حماد، عن إبراهيم، عن عبد الله بن مسعود، أنه: كان إذا دخل الصلاة رفع يديه، ثم لا يرفع بعد ذلك.

رواه الطبراني في المعجم الكبير (9/ 261) ح 9300، والبيهقي في الخلافيات (1710).

جاء في الخلافيات للبيهقي (2/ 365): «قال أبو عبد الله (يعني: الحاكم): فهذا هو المحفوظ، وإبراهيم النخعي لم ير ابن مسعود، والحديث منقطع، والعجب من محمد بن جابر أنه لم يرض بأن وَصَلَ هذا المنقطع، حتى زاد أيضًا في متنه السند؛ فأسنده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم لم يقنعه ذلك إلى أن وصله بذكر أبي بكر وعمر رضي الله عنهما» .

وقال الدارقطني: تفرد به محمد بن جابر وكان ضعيفًا عن حماد، عن إبراهيم، وغير حماد يرويه عن إبراهيم مرسلًا، عن عبد الله من فعله غير مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وهو الصواب».

يريد أن إبراهيم، رواه عن ابن مسعود موقوفًا عليه، وإبراهيم لم يسمع من ابن مسعود.

وقال ابن عدي: «وهذا لم يوصله عن حماد غير محمد بن جابر، ورواه غيره عن حماد عن إبراهيم عن عبد الله ولم يجعل بينهما علقمة» .

(2)

الثوري، عن حماد. قال: سألت إبراهيم عن ذلك، فقال: يرفع يديه أول مرة، وفي رواية: يرفع يديه في أول تكبيرة، مقطوع من قول إبراهيم.

رواه عبد الرزاق في المصنف (2535).

= قال البخاري في رفع اليدين: حديث الثوري أصح عند أهل العلم .... اهـ

ص: 437

الدليل الرابع:

(ح-1625) ما رواه الطحاوي من طريق نعيم بن حماد قال: حدثنا الفضل ابن موسى، قال: ثنا ابن أبي ليلى، عن نافع، عن ابن عمر، وعن الحكم، عن مقسم،

عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ترفع الأيدي في سبع مواطن: في افتتاح الصلاة، وعند البيت، وعلى الصفا والمروة، وبعرفات وبالمزدلفة، وعند الجمرتين

(1)

.

[ضعيف، وقد اختلف في وقفه ورفعه]

(2)

.

(1)

. شرح معاني الآثار (2/ 176).

(2)

. الحديث له أكثر من علة:

الأولى: تفرد به محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، وهو سيئ الحفظ.

الثانية: الاختلاف عليه في وقفه ورفعه.

فروي عنه عن نافع، عن ابن عمر. وعنه عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس مرفوعًا.

رواه الفضل بن موسى كما في شرح معاني الآثار للطحاوي (2/ 176)، وفي إسناده نعيم بن حماد.

والمحاربي كما في صحيح ابن خزيمة (2703)، وضعفه، والبزار كما في كشف الأستار (519)، والبيهقي في الخلافيات (1729، 1730).

ووكيع، كما في رفع الأيدي للبخاري معلقًا (81)، ووصله البيهقي في الخلافيات (1731، 1732)، ثلاثتهم عن ابن أبي ليلى به، بلفظ: ترفع الأيدي في سبعة مواطن

) ليس فيه صيغة الحضر.

ورواه أبو معاوية الضرير كما في سنن سعيد بن منصور -نقلًا من الأحكام الكبير لابن كثير (3/ 272) - حدثنا ابن أبي ليلى به، بلفظ: (لا ترفع الأيدي إلا في سبع مواطن: في بدء الصلاة

) وذكره، بصيغة الحصر مخالفًا من تقدم.

ورواه ابن أبي شيبة في المصنف (14119) حدثنا أبو معاوية به، فاختصره، رواه بلفظ:(لا ترفع الأيدي عند الجمار).

وقيل: عن ابن أبي ليلى، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس وحده مرفوعًا بلفظ:(ترفع الأيدي في سبع مواطن ..... ) ليس فيه صيغة الحصر.

رواه الطبراني في الكبير (11/ 385) ح 12072 من طريق عمران بن أبي ليلى (مقبول) حدثنا ابن أبي ليلى به. بلفظ: (لا ترفع الأيدي إلا في سبعة مواطن .... ) بصيغة الحصر. وهذا اللفظ يفيد أنه لا يشرع الرفع في غير السبعة المذكورة.

وقيل: عن ابن أبي ليلى، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس موقوفًا. =

ص: 438

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= رواه ابن أبي شيبة في المصنف (15752) أخبرنا ابن فضيل، عن ابن أبي ليلى، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس قال: لا ترفع الأيدي إلا في سبع مواضع

بصيغة الحصر.

العلة الثالثة: مخالفة ابن أبي ليلى لمن هو أثبت منه.

فابن أبي ليلى لا يقبل ما يتفرد به، ولو لم يختلف عليه، بل ولو لم يخالف غيره، فكيف يقبل إذا اختلف عليه في وقفه ورفعه، وخالف من هو أوثق وأثبت منه، ففي روايته عن ابن عمر قد خالف ما رواه البخاري (738)، ومسلم (22 - 390) من طريق الزهري، عن سالم، عن أبيه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه حذو منكبيه إذا افتتح الصلاة، وإذا كبر للركوع، وإذا رفع رأسه من الركوع رفعهما كذلك .... وكان لا يفعل ذلك في السجود. وهذا لفظ البخاري.

فهذا يشهد على نكارة ما رواه ابن أبي ليلى عن نافع، عن ابن عمر.

ويخالف ما ثبت عن ابن عباس عند البخاري في رفع اليدين من طريق إبراهيم بن طهمان، عن أبي الزبير، عن طاوس، عن ابن عباس، رضي الله عنهما، كان إذا قام إلى الصلاة رفع يديه حتى يحاذي أذنيه، وإذا رفع رأسه من الركوع، واستوى قائمًا فعل مثل ذلك. وسنده صحيح.

كما سيأتي عنه إن شاء الله تعالى.

العلة الرابعة: الانقطاع، فالحكم لم يسمعه من مقسم.

فقد نقل البخاري في رفع اليدين عن شعبة، أنه قال: الحكم لم يسمع من مقسم إلا أربعة أحاديث ليس فيها هذا الحديث

وحديث الحكم عن مقسم مرسل، وانظر الخلافيات للبيهقي (2/ 374).

قال البيهقي في الخلافيات (2/ 374): قال الحاكم أبو عبد الله رحمه الله: هذا حديث واهٍ من أوجه كثيرة فذكر نحوًا مما ذكرت، وزاد: أن في جميع هذ الروايات: (ترفع الأيدي في سبع مواطن)، وليس في رواية منها:(لا ترفع الأيدي إلا في سبع مواطن)، ويستحيل أن يكون: لا ترفع الأيدي إلا في سبع مواطن، وقد تواترت الأخبار المأثورة بأن الأيدي ترفع في مواطن كثيرة غير المواطن السبعة، فمنها الاستسقاء، ودعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم لدوس، ورفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه في الدعاء في الصلوات وأمره به، ورفع اليدين في القنوت في صلاة الصبح والوتر».

وقال النووي في الخلاصة (1/ 355): «وقد ثبت الرفع في مواضع كثيرة غير هذه، وجمعت معظمها في آخر صفة الصلاة من شرح المهذب» .

وله طريق آخر عن مقسم، عن ابن عباس، إلا أنه ضعيف أيضًا.

رواه ابن جريج، فقال: حدثت عن مقسم مولى عبد الله بن الحارث، عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ترفع الأيدي في الصلاة، وإذا رأى البيت، وعلى الصفا والمروة، وعشية عرفة، وبجمع، وعند الجمرتين، وعلى الميت.

رواه الشافعي في الأم (ص: 125)، ومن طريقه البيهقي في السنن الكبرى (5/ 117) أخبرنا =

ص: 439

الدليل الخامس:

* دليل من قال: يرفع يديه للإحرام وللركوع والرفع منه:

الدليل الأول:

(ح-1626) ما رواه البخاري حدثنا عبد الله بن مسلمة، عن مالك، عن ابن شهاب، عن سالم بن عبد الله،

عن أبيه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه حذو منكبيه إذا افتتح الصلاة، وإذا كبر للركوع، وإذا رفع رأسه من الركوع، رفعهما كذلك أيضًا، وقال: سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد، وكان لا يفعل ذلك في السجود

(1)

.

وعموم قوله: (لا يفعل ذلك في السجود) يشمل حين يسجد، وحين الرفع منه.

= سعيد بن سالم (صدوق يهم)،

والأزرقي في أخبار مكة (1/ 279) من طريق مسلم بن خالد (صدوق كثير الأوهام).

وابن أبي عمر العدني في مسنده كما في المطالب العالية (1201) من طريق هشام بن سليمان (مقبول)، ثلاثتهم عن ابن جريج به.

وإسناده ضعيف؛ لإبهام الواسطة بين ابن جريج، وبين مقسم، ولا يبعد أن يكون الواسطة هو ابن أبي ليلى، فابن جريج يروي عن ابن أبي ليلى، فأبهمه لضعفه، فلا يضيف هذا الطريق شيئًا لرواية ابن أبي ليلى.

وله طريق ثالث عن ابن عباس، انفرد به عطاء بن السائب.

واختلف فيه على عطاء:

فرواه ورقاء بن عمر بن كليب كما في مستخرج الطوسي (786)، والمعجم الأوسط للطبراني (1687)، وفي الكبير (11/ 452) ح 12282، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس به مرفوعًا.

خالفه ابن فضيل كما في مصنف ابن أبي شيبة (2450)، فرواه عن عطاء، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس موقوفًا، قال: لا ترفع الأيدي إلا في سبعة مواطن: إذا قام إلى الصلاة، وإذا رأى البيت

وذكر نحوه.

وعطاء بن السائب كان قد اختلط، وابن فضيل سمع منه بعد الاختلاط، وورقاء لم يذكر فيمن سمع منه قديمًا. والله أعلم.

فالخلاصة أن الحديث عن ابن عمر وابن عباس في عدم رفع الأيدي لا يصح عنهم، والله أعلم.

(1)

. صحيح البخاري (735).

ص: 440

ورواه البخاري من طريق شعيب،

ومسلم من طريق ابن جريج، كلاهما عن ابن شهاب به، بنحوه، وفيه: .... ولا حين يرفع رأسه من السجود

(1)

.

ورواه مسلم من طريق ابن عيينة، عن الزهري به، بنحوه، وفيه:

ولا يرفعهما بين السجدتين

(2)

.

الدليل الثاني:

(ح-1627) ما رواه البخاري، ومسلم من طريق خالد بن عبد الله، عن خالد (يعني الحذاء)، عن أبي قلابة،

أنه رأى مالك بن الحويرث إذا صلى كبر ورفع يديه، وإذا أراد أن يركع رفع يديه، وإذا رفع رأسه من الركوع رفع يديه، وحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صنع هكذا

(3)

.

الدليل الثالث:

(ح-1628) ما رواه مسلم من طريق همام، حدثنا محمد بن جحادة، حدثني عبد الجبار بن وائل، عن علقمة بن وائل، ومولى لهم أنهما حدثاه،

عن أبيه وائل بن حجر: أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم رفع يديه حين دخل في الصلاة كبر -وصف همام حيال أذنيه- ثم التحف بثوبه، ثم وضع يده اليمنى على اليسرى، فلما أراد أن يركع أخرج يديه من الثوب، ثم رفعهما، ثم كبر فركع، فلما قال: سمع الله لمن حمده رفع يديه فلما، سجد سجد بين كفيه

(4)

.

* دليل من قال: يرفع يديه للقيام من الركعتين أيضًا:

الدليل الأول:

(ح-1629) روى البخاري من طريق عبد الأعلى، قال: حدثنا عبيد الله، عن نافع،

أن ابن عمر، كان إذا دخل في الصلاة كبَّر، ورفع يديه، وإذا ركع رفع يديه،

(1)

. صحيح البخاري (738).

(2)

. مسلم (21 - 390).

(3)

. صحيح البخاري (737)، وصحيح مسلم (391).

(4)

. صحيح مسلم (54 - 401).

ص: 441

وإذا قال: سمع الله لمن حمده، رفع يديه، وإذا قام من الركعتين رفع يديه، ورفع ذلك ابن عمر إلى النبي صلى الله عليه وسلم

(1)

.

[ذكر الرفع إذا قام من الركعتين اختلف في ذكره، وفي وقفه ورفعه]

(2)

.

(1)

. صحيح البخاري (739).

(2)

. اختلف فيه على عبيد الله بن عمر:

في ثلاث مسائل: أحدها: الاختلاف في رفعه، ووقفه.

الثانية: الاختلاف في رفع الأيدي إذا قام من الركعتين.

والثالثة: الاختلاف في رفع الأيدي إذا رفع رأسه من السجود.

فرواه عبد الأعلى عن عبيد الله بن عمر، وقد انفرد بذكر الرفع إذا قام من الركعتين مرفوعًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يذكر رفع الأيدي في السجود.

ورواه بقية بن الوليد عن عبيد الله مرفوعًا بذكر أوله، وهو الرفع إذا افتتح الصلاة، ولم يزد على ذلك.

ورواه عبد الوهاب الثقفي، وعبد الله بن إدريس، عن عبيد الله به، بذكر الرفع إذا قام من الركعتين موقوفًا على ابن عمر، ولم يذكر رفع الأيدي في السجود.

ورواه أيوب، وموسى بن عقبة، على اختلاف عليهما في رفعه ووقفه، مع اتفاقهما على عدم ذكر الرفع إذا قام من الركعتين، ولا إذا رفع من السجود.

ورواه أبو أسامة كما في مصنف ابن أبي شيبة (2796)، عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر أنه كان يرفع يديه إذا رفع رأسه من السجدة الأولى.

وقد انفرد في ذلك أبو أسامة مخالفًا عبد الأعلى، وعبد الوهاب، وابن إدريس، وأيوب، وموسى بن عقبة، وبقية، فكل هؤلاء رووه عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، ولم يذكر أحد منهم رفع الأيدي في السجود،

كما أنه مخالف لرواية مالك وابن جريج عن نافع.

فقد رواه مالك، وابن جريج عن نافع موقوفًا، لا يختلف عليهم في وقفه، كما لا يختلف عليهم في عدم ذكر الرفع إذا قام من الركعتين، ولا إذا قام من السجود.

كما رواه الليث، عن نافع به، بذكر الرفع إذا قام من الركعتين موقوفًا على ابن عمر، علقه أبو داود في سننه (741)، وهذه تشهد لرواية عبيد الله بن عمر من رواية الثقفي وابن إدريس عنه.

هذا هو وجوه الاختلاف على عبيد الله بن عمر على سبيل الإجمال، وأنت تلحظ أن الرفع إذا قام من الركعتين مرفوعًا لا يرويه إلا عبد الأعلى عن عبيد الله بن عمر به.

ورواه عبد الوهاب الثقفي وابن إدريس، عن عبيد الله به، موقوفًا على ابن عمر.

وفي الرفع من السجود لا يرويه عن عبيد الله بن عمر موقوفًا عليه إلا أبو أسامة حماد بن أسامة.

فهذا الاختلاف على عبيد الله بن عمر مع ثقته وحفظه،

فإما أن نحكم عليه بالاضطراب، وإما أن نرجح رواية الأكثر، وهو الرفع في ثلاثة مواضع =

ص: 442

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= فقط، في الإحرام والركوع، والرفع منه، وهي تتفق مع رواية الإمام الزهري، عن سالم، عن ابن عمر، فليس فيه الرفع إذا قام من الركعتين، ولا الرفع إذا قام من السجود، والله أعلم.

ونستبعد ما ينفرد به بعضهم، فنستبعد ما انفرد به أبو أسامة من رفع الأيدي إذا رفع من السجدة.

ونستبعد ما انفرد به عبد الأعلى من راية رفع الأيدي إذا قام من الركعتين مرفوعًا.

ومن أراد أن يقول بها فقهًا، لفعل ابن عمر، فقد قلد دينه مليًّا والأمر واسع، لكنها لا تثبت مرفوعة للنبي صلى الله عليه وسلم، وقد نفى ابن عمر الرفع للسجود، والأحاديث التي ذكرت رفع الأيدي لم تذكر رفع الأيدي في القيام من الركعتين.

هذا الإجمال في طرق عبيد الله بن عمر، وإليك التفصيل:

رواه عبد الأعلى، عن عبيد الله بن عمر مرفوعًا، وزاد فيه: ذكر الرفع إذا قام من الركعتين.

رواه البخاري (739)، وأبو داود في السنن (741)، والبزار (5742)، والبيهقي في السنن (2/ 196).

ورواه عبد الوهاب الثقفي كما في رفع اليدين للبخاري (79)، وعلقه أبو داود في سننه (741)، فرواه عن عبيد الله بن عمر موقوفًا بذكر الرفع إذا قام من الركعتين، ولفظه: عن ابن عمر أنه كان يرفع يديه إذا دخل في الصلاة، وإذا ركع، وإذا قال: سمع الله لمن حمده، وإذا قام من الركعتين يرفعهما.

ورواه بقية بن الوليد، عن عبيد الله بن عمر به برفع أوَّله، علقه أبو داود في السنن (741)، والدارقطني في العلل (13/ 13): بلفظ: كان إذا افتتح رفع يديه. ولم يزد على هذا.

ورواه عبد الله بن إدريس، قال: سمعت عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان يرفع يديه في كل تكبيرة على الجنازة، وإذا قام من الركعتين.

رواه البخاري في رفع اليدين (106) حدثنا علي بن عبد الله (يعني المديني).

والبيهقي في السنن الكبرى (4/ 72) من طريق محمد بن عبد الله بن نمير، كلاهما عن ابن إدريس به.

ورواه ابن أبي شيبة في المصنف (2414) حدثنا ابن إدريس به، بلفظ: أنه كان يرفع يديه حذو منكبيه.

ورواه الليث عن نافع به موقوفًا بذكر الرفع إذا قام من الركعتين، علقه أبو داود في السنن (741).

ورواه مالك، وابن جريج عن نافع به موقوفًا، علقه أبو داود في السنن (741)، ولم يذكرا الرفع إذا قام من الركعتين.

ورواه أيوب، وموسى بن عقبة على اختلاف عليهما في رفعه ووقفه، وذكرا فيه الرفع عند الافتتاح، وعند الركوع، وعند الرفع من الركوع، وليس فيه الرفع عند القيام من الركعتين.

رواه أحمد (2/ 100)، والبيهقي في السنن الكبرى (2/ 37، 103) عن عفان.

ورواه البخاري في رفع اليدين (51) حدثنا موسى بن إسماعيل،

والطحاوي في مشكل الآثار (5832) من طريق عبد الغفار بن داود، ثلاثتهم عن حماد بن سلمة، عن أيوب به، بلفظ: كان إذا كبر رفع يديه، وإذا ركع، وإذا رفع رأسه من الركوع. ولم يذكر رفع اليدين إذا قام من الركعتين. =

ص: 443

الدليل الثاني

(ح-1630) ما رواه النسائي من طريق المعتمر، قال: سمعت عبيد الله -وهو ابن عمر- عن ابن شهاب، عن سالم،

عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه كان يرفع يديه إذا دخل في الصلاة، وإذا أراد أن يركع، وإذا رفع رأسه من الركوع، وإذا قام من الركعتين يرفع يديه

= ورواه البيهقي في السنن الكبرى (2/ 103) من طريق إبراهيم بن طهمان، عن أيوب بن أبي تيمية، وموسى بن عقبة، عن نافع به، بلفظ: أنه كان يرفع يديه حين يفتتح الصلاة، وإذا ركع، وإذا استوى قائمًا من ركوعه حذو منكبيه، ويقول: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك.

وهذه متابعة لحماد بن سلمة في روايته عن أيوب مرفوعًا.

لكن رواه أبو ضمرة، عن موسى بن عقبة به موقوفًا، علقه الدارقطني في العلل (13/ 15).

وذكر الدارقطني في العلل (13/ 15) أن حماد بن زيد، رواه عن أيوب، عن نافع به، موقوفًا، فصار كل من أيوب وموسى بن عقبة قد اختلف عليهما في الرفع والوقف.

قال أبو داود: الصحيح قول ابن عمر، ليس بمرفوع، قال أبو داود: وروى بقيَّةُ أوَّله عن عبيد الله، وأسنده، ورواه الثقفي، عن عبيد الله، وأوقفه على ابن عمر، قال فيه: وإذا قام من الركعتين يرفعهما، وهذا هو الصحيح.

قال أبو داود: ورواه الليث بن سعد، ومالك، وأيوب، وابن جريج: موقوفًا، وأسنده حماد بن سلمة وحده عن أيوب، ولم يذكر أيوب، ومالك، الرفع إذا قام من السجدتين، وذكره الليث في حديثه .... إلخ.

وقال الدارقطني: والموقوف عن نافع أصح.

وقال البزار كما في مسنده (12/ 149): «هذا الحديث لا نعلم أحدًا رواه عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر مسندًا إلا عبد الأعلى، وقد رواه غيره موقوفًا» .

وقال أبو داود في مسائله (236): «سمع أحمد سئل عن الرفع إذا قام من الثنتين، قال: أما أنا فلا أرفع يدي. فقيل له: بين السجدتين، أرفع يدي؟ قال: لا» .

فواضح أن الإمام أحمد لا يفضل الرفع إذا قام من الركعتين؛ لذلك لا يفعله؛ لأنه لم يثبت عنده مرفوعًا، ولم يمنع منه لكونه ورد موقوفًا على ابن عمر من حديث عبيد الله بن عمر.

فإن قيل: الإمام أحمد يأخذ بالآثار، فلماذا لم يأخذ به؟

قيل: لعله للاختلاف على ابن عمر، فالأكثر على عدم ذكر الرفع من القيام من الثنتين. أما رفع الأيدي إذا رفع من السجود فنهى عنه الإمام أحمد؛ لأن ذكره شاذ، والشاذ من قبيل الوهم، والله أعلم.

ص: 444

كذلك حذو المنكبين

(1)

.

[لم يذكر الرفع من القيام من الركعتين إلا عبيد الله بن عمر وأخوه عبد الله ورواه كبار أصحاب الزهري فلم يذكروا فيه الرفع من القيام من الركعتين، ولعل هذا هو المحفوظ]

(2)

.

(1)

. المجتبى من سنن النسائي (1182).

(2)

. رواه النسائي في المجتبى (1182)، وعنه الطحاوي في مشكل الآثار (5830)،

ورواه ابن خزيمة في صحيحه (693)، وعنه ابن حبان (1877)، كلاهما (النسائي وابن خزيمة) روياه عن محمد بن عبد الأعلى الصنعاني، حدثنا المعتمر بن سليمان،

ورواه البزار في مسنده ولم يذكر لفظه (6003)، والروياني في مسنده (1402)، وابن حبان في صحيحه (1868) من طريق عبد الوهاب بن عبد المجيد،

ورواه أبو عوانة في مستخرجه (1579) من طريق ابن المبارك مقرونًا برواية يونس ومعمر ومحمد بن أبي حفصة، ثلاثتهم (المعتمر، وابن المبارك، وعبد الوهاب) رووه عن عبيد الله بن عمر به.

ولم يذكر ابن المبارك عند أبي عوانة الرفع من الركعتين، ولعل سبب ذلك أنه قرن برواية يونس ومعمر، عن الزهري، والله أعلم.

وتابع عبيد الله بن عمر، أخوه عبد الله بن عمر (المكبر)، وفي حفظه لين، تابعه على ذكر الرفع من الركعتين.

أخرجه عبد الرزاق في المصنف (2519)، عن عبد الله بن عمر، عن ابن شهاب، عن سالم قال: كان ابن عمر إذا قام إلى الصلاة رفع يديه حتى يكونا حذو منكبيه، وإذا ركع رفعهما، فإذا رفع رأسه من الركعة رفعهما، وإذا قام من مثنى رفعهما، ولا يفعل ذلك في السجود. قال: ثم يخبرهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفعله.

قال عبد الله: سمعت نافعًا يحدث، عن ابن عمر مثل هذا، إلا أنه قال: يرفع يديه حتى يكونا حذو أذنيه.

وقد خالف أصحاب الزهري عبيد الله بن عمر وأخاه عبد الله حيث رووه عنه، ولم يذكروا فيه الرفع عند القيام من الركعتين، منهم:

الأول: يونس بن يزيد، رواه البخاري (736)، ومسلم (23 - 390)، وأكتفي بالصحيحين عن غيرهما.

الثاني: مالك، أخرجه في الموطأ (1/ 75)، ومن طريق مالك أخرجه البخاري في الصحيح (735)، وأكتفي بالبخاري عن غيره.

الثالث: سفيان بن عيينة، رواه مسلم (21 - 390)، وأكتفي بالصحيح عن غيره اختصارًا.

الرابع: شعيب بن أبي حمزة، رواه البخاري في الصحيح (738)، وأكتفي بالصحيح عن غيره.

الخامس: ابن جريج، رواه مسلم (22 - 390)، وأكتفي به عن غيره. =

ص: 445

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= السادس: عقيل، رواه مسلم (23 - 390).

وكل هؤلاء روايتهم في الصحيحين أو في أحدهما، ورواه غيرهم من خارج الصحيح.

السابع: معمر، عن الزهري.

رواه عبد الرزاق كما في المصنف (2517)، ومن طريق عبد الرزاق أخرجه أحمد (2/ 147)، وابن المنذر في الأوسط (3/ 72)، والدارقطني في السنن (1115).

ورواه أحمد (2/ 47)، وأبو يعلى (5564)، عن إسماعيل بن إبراهيم.

ورواه النسائي في المجتبى (1088)، وفي الكبرى (679)، وأبو عوانة في مستخرجه (1579) من طريق ابن المبارك.

ورواه الروياني في مسنده (1402) من طريق عبد الأعلى، ثلاثتهم عن معمر، عن الزهري به.

الثامن: الزبيدي (محمد بن الوليد)، رواه أبو داود (722)، والطبراني في مسند الشاميين (1777)، والبيهقي في السنن الكبرى (2/ 118)، والبغوي في شرح السنة (561)، عن محمد بن المصفى الحمصي (صدوق).

ورواه البيهقي في السنن الكبرى (3/ 411) من طريق يزيد بن عبد ربه الحمصي (ثقة أوثق من روى عن بقية).

ورواه الطبراني في مسند الشاميين (1777) حدثنا إبراهيم بن محمد بن عرق، حدثنا يحيى ابن عثمان،

والسراج في حديثه (2294)، والدارقطني في السنن (1111) من طريق أبي عتبة أحمد بن الفرج (ضعيف)، أربعتهم (محمد بن المصفى، ويزيد بن عبد ربه، ويحيى بن عثمان، وأبي عتبة) رووه عن بقية، عن الزبيدي به.

التاسع: ابن أخي الزهري، رواه أحمد (2/ 133، 134)، وابن الجارود في المنتقى (178)، والسراج في مسنده (90)، وفي حديثه (1594)، والدارقطني في السنن (1114، 1117).

العاشر: إبراهيم بن سعد، أخرجه الروياني في مسنده (1402)، مقرونًا بغيره، وذكر أن اللفظ لغيره.

الحادي عشر: أبو أويس عبد الله بن عبد الله بن أويس (صدوق يهم)، عن الزهري، كما في المعجم الأوسط للطبراني (1801)، بلفظ: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا افتتح التكبير في الصلاة رفع يديه حين يكبر حتى يجعلهما حذو منكبيه .... الحديث.

الثاني عشر: أبو حمزة يونس بن خباب (صدوق يخطئ ورمي بالرفض)، أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (2/ 102).

الثالث عشر: إبراهيم بن أبي عبلة، رواه الطبراني في الكبير (12/ 279) ح 13111، وفي مسند الشاميين (69).

كل هؤلاء رووه عن الزهري، فلم يذكروا فيه ما ذكره عبيد الله بن عمر، من الرفع من القيام من الركعتين، وكان عبيد الله بن عمر قد روى عن نافع عن ابن عمر الرفع إذا قام من الركعتين، =

ص: 446

الدليل الثالث:

(ح-1631) ما رواه أحمد، قال: حدثنا يحيى بن سعيد، عن عبد الحميد بن جعفر، قال: حدثني محمد بن عطاء،

= رواه البخاري، وسبق تخريجه، انظر (ح 1629)، فهل حمل عبيد الله بن عمر رواية الزهري على رواية نافع، واختلط عليه الأمر، أم أن تفرده بمثل هذا يحتمل له لضبطه وإتقانه ما لا يحتمل لغيره، وإن كنت أميل للأول، وأن الرفع ليس محفوظًا من رواية الزهري، عن سالم، عن ابن عمر، والثقة مهما يبلغ قد يهم، ومتابعة عبد الله بن عمر العمري لا تجعل كفته راجحة؛ لضعفه، وقد خالف عبيد الله وأخوه الطبقة الأولى من أصحاب الزهري على رأسهم مالك، وابن عيينة، ويونس بن يزيد، وعقيل، ومعمر، وشعيب، والزبيدي، وابن جريج، فمن بقي من أصحاب الزهري من الطبقة الأولى لم يخالفهم عبيد الله؟ فإذا اتفق هؤلاء وغيرهم على رواية الحديث عن الزهري، فلم يذكروا هذا الحرف في روايته، وأكثرهم روايته مخرجة في الصحيحين أو في أحدهما، كان الجمع مقدمًا على الواحد، وإن كان ذلك مثل عبيد الله ابن عمر، وقد تحاشى البخاري ومسلم إخراج رواية عبيد الله عن الزهري، وخرج البخاري رواية عبيد الله ابن عمر عن نافع، فلعل ترك الشيخين لروايته عن الزهري بسبب تفرده، ومخالفته لأصحاب الزهري، والله أعلم.

فإن قيل: إن ابن حجر قد نقل في الفتح (2/ 222)، والعراقي في طرح التثريب (2/ 264) عن البخاري قوله:«ما زاده ابن عمر، وعلي، وابن حميد في عشرة من الصحابة: من الرفع عند القيام من الركعتين صحيح؛ لأنهم لم يحكوا صلاة واحدة، فاختلفوا فيها، وإنما زاد بعضهم على بعض، والزيادة مقبولة من أهل العلم» .

فالجواب قد يكون قصد البخاري ثبوت ذلك عن ابن عمر بما أخرجه في صحيحه من طريق عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر، وهذا لا نزاع فيه، ولا يلزم من ذلك أن يكون الرفع محفوظًا من طريق عبيد الله، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه؛ لأنك لا تستطيع أن تتجاهل إطباق أصحاب الزهري على روايتهم لحديثه دون هذه الزيادة، فلو كانت محفوظة أيغفلها كلهم، ويحفظها عبيد الله بن عمر وحده، والله أعلم.

قال النسائي كما في تحفة الأشراف (6876) ط دار الغرب: لم يذكره عامة الرواة عن الزهري، وعبيد الله ثقة، ولعل الخطأ من غيره. اهـ

ونقل المزي عن حمزة الكناني أنه قال: لا أعلم أحدًا قال في هذا الحديث: (وإذا قام من الركعتين) غير معتمر، عن عبيد الله، وهو خطأ، وبالله التوفيق».

وكلامه صحيح إلا أن حمله التفرد على معتمر غير صحيح، فالحمل فيه ليس من قبل الرواة عن عبيد الله، بل هو من عبيد الله نفسه؛ لأن معتمرًا قد توبع، فخرج من العهدة، والله أعلم.

ص: 447

عن أبي حميد الساعدي، قال: سمعته وهو في عشرة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أحدهم أبو قتادة بن رِبْعِيٍّ، يقول: أنا أعلمكم بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا له: ما كنت أقدمنا صحبة، ولا أكثرنا له تَبَاعَةً، قال: بلى. قالوا: فَاعْرِضْ. قال: كان إذا قام إلى الصلاة اعتدل قائمًا، ورفع يديه حتى حاذى بهما منكبيه، فإذا أراد أن يركع رفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه، ثم قال: الله أكبر، فركع، ثم اعتدل، فلم يصب رأسه، ولم يقنعه، ووضع يديه على ركبتيه، ثم قال: سمع الله لمن حمده، ثم رفع، واعتدل حتى رجع كل عظم في موضعه معتدلًا، ثم هوى ساجدًا، وقال: الله أكبر، ثم جافى، وفتح عضديه عن بطنه، وفتح أصابع رجليه، ثم ثنى رجله اليسرى وقعد عليها، واعتدل حتى رجع كل عظم في موضعه، ثم هوى ساجدًا، وقال: الله أكبر، ثم ثنى رجله، وقعد عليها، حتى يرجع كل عضو إلى موضعه، ثم نهض، فصنع في الركعة الثانية مثل ذلك، حتى إذا قام من السجدتين كبَّر، ورفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه، كما صنع حين افتتح الصلاة، ثم صنع كذلك حتى إذا كانت الركعة التي تنقضي فيها الصلاة أَخَّرَ رجله اليسرى، وقعد على شقه متوركًا، ثم سلم

(1)

.

[الحديث صحيح في الجملة، وقد تفرد بذكر الرفع من القيام من الركعتين عبد الحميد بن جعفر، وهو صدوق له أوهام، والحديث في البخاري وليس فيه هذه الزيادة]

(2)

(1)

. المسند (5/ 424).

(2)

. روى الحديث عن أبي حميد الساعدي كل من محمد بن عطاء، وعباس بن سهل،

أما رواية عباس بن سهل، عن أبي حميد:

رواه البخاري في رفع اليدين مختصرًا (5) أخبرنا عبد الله بن محمد.

وأبو داود بتمامه (967) حدثنا أحمد بن حنبل،

والترمذي مختصرًا (260، 270، 293)، وابن ماجه مختصرًا (863)، وابن خزيمة مختصرًا (640)، وابن حبان بتمامه (1871) كلهم عن محمد بن بشار.

والطحاوي في شرح معاني الآثار مختصرًا (1/ 223) حدثنا ابن مرزوق،

ورواه ابن خزيمة (689) أخبرنا محمد بن رافع مقرونًا بمحمد بن بشار. =

ص: 448

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= والدارمي في سننه (1346) أخبرنا إسحاق بن إبراهيم.

والبزار في مسنده (3712) حدثنا محمد بن المثنى، وأحال على رواية أخرى، كلهم رووه عن أبي عامر العَقَدِيِّ، قال: حدثنا فليح بن سليمان، عن عباس بن سهل، قال: اجتمع أبو حميد، وأبو أسيد، وسهل بن سعد، ومحمد بن مسلمة، فذكروا صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أبو حميد: أنا أعلمكم بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر بعض هذا، قال: ثم ركع فوضع يديه على ركبتيه كأنه قابض عليهما، ووتر يديه فتجافى عن جنبيه، قال: ثم سجد فأمكن أنفه وجبهته ونحى يديه عن جنبيه ووضع كفيه حذو منكبيه، ثم رفع رأسه حتى رجع كل عظم في موضعه حتى فرغ، ثم جلس فافترش رجله اليسرى وأقبل بصدر اليمنى على قبلته ووضع كفه اليمنى على ركبته اليمنى وكفه اليسرى على ركبته اليسرى، وأشار بأصبعه.

هذا لفظ أبي داود، عن الإمام أحمد بن حنبل، عن أبي عامر العقدي به.

وممن رواه بتمامه ابن حبان من طريق محمد بن بشار، عن أبي عامر، ولفظه: (اجتمع أبو حميد الساعدي وأبو أسيد الساعدي وسهل بن سعد ومحمد بن مسلمة فذكروا صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال أبو حميد أنا أعلمكم بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قام فكبَّر، ورفع يديه، ثم رفع يديه حين كبَّر للركوع، ثم ركع، فوضع يديه على ركبته كالقابض عليهما، فوتر يديه، فنحاهما عن جنبيه، ولم يصوب رأسه، ولم يقنعه، ثم قام فرفع يديه، فاستوى حتى رجع كل عضو إلى موضعه، ثم سجد أمكن أنفه وجبهته، ونَحَّى يديه عن جنبيه، ووضع كفيه حذو منكبيه، ثم رفع رأسه حتى رجع كل عضو في موضعه، حتى فرغ، ثم جلس، فافترش رجله اليسرى، وأقبل بصدر اليمنى على قبلته، ووضع كَفَّه اليمنى على ركبته اليمنى وكفه اليسرى على ركبته اليسرى وأشار بأصبعه السبابة.

قال البزار: «وهذا الحديث لا نعلمه يروى عن أبي حميد بأحسن من هذين الإسنادين» .

وقد توبع أبو عامر العقدي،

تابعه أبو داود الطيالسي كما في صحيح ابن خزيمة (589)، وابن جرير الطبري في تهذيب الآثار، مسند ابن عباس (297)، عن فليح بن سليمان، حدثني العباس بن سهل الساعدي به، بنحوه.

كما تابعه أحمد بن يزيد الحراني كما في الأوسط لابن المنذر (3/ 154، 168).

وفليح بن سليمان صدوق، كثير الخطأ، إلا أنه قد توبع أيضًا.

أخرجه ابن خزيمة في صحيحه (681) من طريق إبراهيم بن سعد، عن ابن إسحاق، قال: حدثني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاته إذا سجد العباس بن سهل بن سعد بن مالك بن ساعد، قال: جلست بسوق المدينة في الضحى مع أبي أُسَيْد مالك بن ربيعة، ومع أبي حميد صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهما من رهطه من بني ساعدة، ومع أبي قتادة الحارث بن ربعي، فقال بعضهم لبعض -وأنا أسمع- أنا أعلم بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم منكما، كل يقولها لصاحبه

وذكر الحديث بتمامه. =

ص: 449

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= وإبراهيم بن سعد من أوثق أصحاب محمد بن إسحاق، فهذه متابعة حسنة لفليح بن سليمان، وبهذه المتابعة يكون حديث سهل بن سعد الساعدي عن أبي حميد حديثًا صحيحًا، وليس في هذا الطريق مع تنوع طرقه ذكر لرفع اليدين إذا قام من الركعتين.

ورواه البخاري في رفع اليدين (6) من طريق يونس بن بكير، أخبرنا ابن إسحاق به مختصرًا.

وأما رواية محمد بن عطاء، عن أبي حميد الساعدي، فيرويه عن محمد بن عطاء كل من:

الأول: محمد بن عمرو بن حلحلة، عن محمد بن عمرو بن عطاء.

رواه البخاري في صحيحه (828) من طريق الليث بن سعد، عن سعيد (يعني ابن أبي هلال) ويزيد بن أبي حبيب، ويزيد بن محمد ثلاثتهم عن محمد بن عمرو بن حلحلة، عن محمد بن عمرو بن عطاء به، بلفظ:(أنه كان جالسًا مع نفر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فذكرنا صلاة النبي صلى الله عليه وسلم، فقال أبو حميد الساعدي: أنا كنت أحفظكم لصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، رأيته إذا كبر جعل يديه حذاء منكبيه، وإذا ركع أمكن يديه من ركبتيه، ثم هصر ظهره، فإذا رفع رأسه استوى حتى يعود كل فقار مكانه، فإذا سجد وضع يديه غير مفترش ولا قابضهما، واستقبل بأطراف أصابع رجليه القبلة، فإذا جلس في الركعتين جلس على رجله اليسرى، ونصب اليمنى، وإذا جلس في الركعة الآخرة قدم رجله اليسرى، ونصب الأخرى وقعد على مقعدته)، ولم يذكر الرفع إلا في تكبيرة الافتتاح.

الثاني: عبد الحميد بن جعفر، عن محمد بن عمرو بن عطاء.

وعبد الحميد بن جعفر صدوق ربما وهم، قال أبو حاتم الرازي: محله الصدق، وقال النسائي: ليس به بأس، وقال في كتاب الضعفاء: ليس بقوي، وذكره العقيلي في الضعفاء.

وقال الطحاوي في شرح معاني الآثار (1/ 227): وأما حديث أبي حميد بن جعفر؛ فإنهم يضعفون عبد الحميد، فلا يقيمون به حجة، فكيف يحتجون به في مثل هذا. اهـ

ولم يتفق على ضعف عبد الحميد، بل الأكثر على أنه صدوق، وقد يهم في الشيء.

وقال أحمد: ثقة ليس به بأس، سمعت يحيى بن سعيد يقول: كان سفيان يضعفه من أجل القدر. اهـ

واختلف النقل عن يحيى بن سعيد القطان، فمرة نقل أنه كان يوثقه، ونقل أنه كان يضعفه، وقال أبو بكر بن أبي خيثمة عن يحيى بن معين: كان يحيى بن سعيد يوثقه، وكان سفيان الثوري يضعفه، قلت: ما تقول أنت فيه؟ قال: ليس بحديثه بأس، وهو صالح. الجرح والتعديل (6/ 10).

وقال يحيى بن معين في رواية الدوري، عنه: ثقة، ليس به بأس، كان يحيى بن سعيد يضعفه، قلت ليحيى: قد روى عنه يحيى بن سعيد. قال: قد روى عنه، وكان يضعفه، وكان يروي عن قوم ما كانوا يساوون شيئًا.

وقال ابن عدي في الكامل (7/ 5): «ولعبد الحميد غير ما ذكرت، وأرجو أنه لا بأس به، وهو ممن يكتب حديثه» .

وذكره ابن حبان في الثقات، وقال: ربما أخطأ. =

ص: 450

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= وقد تفرد عبد الحميد بن جعفر في ذكر الرفع إذا قام من الركعتين، وهو أحسن أحواله أن يكون صدوقًا، أتكون زيادته من زيادة الثقة، أم تكون زيادته شاذة، لعلتين: التفرد، والمخالفة.

أما التفرد فلأنه لم يذكر هذا الحرف من حديث أبي حميد من غير طريقه.

وأما المخالفة فقد شاركه بالرواية عن شيخه محمد بن عمرو بن حلحلة، وهو أوثق منه، وروى الحديث بتمامه، ولم يذكر هذا الحرف، وأخرج البخاري رواية محمد بن عمرو بن حلحلة، ولم يخرج رواية عبد الحميد بن جعفر، لأن عبد الحميد ليس على شرطه، وترك تخريجه الإمام مسلم، وهو على شرطه، وقد روى مسلم لعبد الحميد بن جعفر ما يقارب عشرين حديثًا، بعضها في الشواهد والمتابعات، وترك تخريج هذا الحديث.

كما روى الحديث عباس بن سهل، عن أبي حميد الساعدي، فلم يذكر هذا الحرف، فليس عبد الحميد بن جعفر ممن تحتمل له المخالفة والتفرد، ولعل من صحح الحديث من الأئمة أراد بعضهم من ذلك في الجملة أي فيما توبع عليه عبد الحميد بن جعفر دون ما تفرد به مخالفًا لغيره، والله أعلم، فليس النزاع في صحة حديث أبي حميد الساعدي، وقد رواه البخاري في صحيحه، وإنما الاجتهاد في النظر فيما زاده عبد الحميد دون غيره، مخالفًا لرواية صحيح البخاري، ومخالفًا لكل من رواه، فالبحث في الحديث لا يُطوَّع للفقه، وإنما الفقه تابع وثمرة للبحث الحديثي، ولعل امتناع الإمام أحمد في نفسه عن الرفع في هذا الموضع وعدم نهيه لغيره عن الرفع يدلك على أن المقام مقام يعذر فيه المخالف، لوجود هذه الأحاديث، وما اختاره الإمام أحمد لنفسه هو ما تميل له نفسي، وأن أدلة الرفع في هذا الموضع ليست كأدلة الرفع في الركوع والرفع منه تتابعت على سنيتها أحاديث كالشمس، وهي سالمة في أسانيدها عن الاختلاف، وما يعارضها من أحاديث أخرى لا تثبت، ولا تقوى على مخالفتها، والله أعلم.

هذا الكلام على طريق عبد الحميد بن جعفر من حيث الإجمال، وإليك التفصيل:

الحديث رواه عن عبد الحميد بن جعفر يحيى بن سعيد القطان، وأبو عاصم الضحاك بن مخلد، وأبو أسامة، حماد بن أسامة، وهشيم بن بشير، وعبد الملك بن الصباح المسمعي.

أما رواية يحيى بن سعيد القطان، فرواه عن عبد الحميد بن جعفر، واختلف عليه:

فرواه أحمد في المسند (5/ 424)،

ومحمد بن بشار كما في سنن الترمذي (304)، وابن ماجه (862)، وسنن النسائي (1181) وفي الكبرى له (1186)، وابن خزيمة (587، 651، 685).

ومحمد بن المثنى مقرونًا بابن بشار كما في سنن الترمذي (304).

ومسدد مقرونًا بأبي عاصم، كما في سنن أبي داود (730).

ويحيى بن حكيم كما في مسند البزار (3711)، رووه عن يحيى بن سعيد القطان، عن عبد الحميد بن جعفر به، بذكر رفع اليدين من القيام من الركعتين.

وفيه عند أحمد والترمذي والبزار (

حتى إذا قام من السجدتين كبَّر، ورفع يديه حتى =

ص: 451

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= يحاذي بهما منكبيه).

وفي رواية ابن ماجه، قال:( .... فإذا قام من الثنتين كبر، ورفع يديه حتى يحاذي منكبيه)، وهما بمعنى واحد.

وخالفهم عمرو بن علي الفلاس كما في صحيح ابن حبان (1865)، فرواه عن يحيى بن سعيد القطان، وذكر فيه:(وإذا قام من الركعتين كبر، ثم قام)، فذكر التكبير، ولم يذكر الرفع.

الثاني: أبو عاصم الضحاك، عن عبد الحميد بن جعفر.

رواه أحمد بن حنبل كما في سنن أبي داود (730)،

ومحمد بن بشار، كما في سنن الترمذي (305)، وسنن ابن ماجه (1061)، وصحيح ابن خزيمة مختصرًا مقرونًا بغيره (588، 625)، وصحيح ابن حبان (1867).

وأبو بكرة كما في شرح معاني الآثار (1/ 223)،

وأبو الحسن محمد بن سنان القزاز البصري ببغداد (2/ 105)، أربعتهم رووه عن أبي عاصم، عن عبد الحميد بن جعفر، وفيه: (

وإذا قام من الركعتين كبر، ورفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه، كما كبر عند افتتاح الصلاة).

ورواه محمد بن يحيى الأزدي، كما في منتقى ابن الجارود (192)، وصحيح ابن خزيمة مختصرًا (588، 625)، وابن حبان (1876) عن أبي عاصم به.

رواه ابن الجاورد بلفظ: ( .... إذا قام من الركعتين .... ) كلفظ أحمد ومحمد بن بشار، وأبي بكرة والقزاز.

ورواه ابن حبان بلفظ: (

وإذا قام من الثنتين). وهما بمعنى.

ورواه الدارمي في سننه (1396) عن أبي عاصم به، وقال: (

فإذا قام من السجدتين

) وهي رواية بالمعنى.

ورواه الحسن بن علي الحلواني مقرونًا بمحمد بن بشار كما في سنن الترمذي (305).

وأحمد بن سعيد الدارمي مختصرًا، مقرونًا بغيره، كما في صحيح ابن خزيمة (588، 625).

وتتفق رواية أبي عاصم الضحاك بن مخلد، مع رواية يحيى بن سعيد القطان على ذكر رفع اليدين إذا قام من الركعتين.

الثالث: أبو أسامة حماد بن أسامة، عن عبد الحميد بن جعفر.

رواه ابن حبان في صحيحه بتمامه (1870) من طريق عمرو بن عبد الله الأودي، حدثنا أبو أسامة به، وذكر الحديث، وفيه:( .... حتى إذا قام من الركعتين كبَّر، وصنع كما صنع في ابتداء الصلاة .... ). وذكر الحديث.

رواه ابن ماجه (803) حدثنا علي بن محمد الطنافسي،

والبيهقي مختصرًا (2/ 167) من طريق إسحاق بن إبراهيم، وأبي كريب، ثلاثتهم عن أبي أسامة به مختصرًا، وليس فيه موضع البحث. =

ص: 452

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= الطريق الرابع: عبد الملك بن الصباح المِسْمَعِيُّ، عن عبد الحميد بن جعفر.

رواه ابن خزيمة (677) حدثنا محمد بن رافع، حدثنا عبد الملك بن الصباح المسمعي، حدثنا عبد الحميد بن جعفر المدني به، وفيه:( .... ثم يقوم من السجدتين، فيصنع مثل ما صنع حين افتتح الصلاة).

الطريق الخامس: هشيم بن بشير، عن عبد الحميد بن جعفر.

رواه ابن أبي شيبة في المصنف (2438).

والبزار في مسنده (3710) حدثنا الحسن بن عرفة،

والطحاوي في شرح معاني الآثار (1/ 228) من طريق يحيى بن يحيى، ثلاثتهم عن هشيم بن بشير به مختصرًا، ليس فيه موضع البحث.

هذا ما يتعلق بطرق الحديث.

وقد نقل ابن رجب في كتابه شرح البخاري (6/ 337): عن الخلال، عن إسماعيل بن إسحاق الثقفي، قال: سئل أحمد بن حنبل عن حديث أبي حميد الساعدي، عن النبي صلى الله عليه وسلم في رفع الأيدي، فقال: صحيح. اهـ

وهذا التصحيح من الإمام أحمد محمول على تصحيح الحديث، لا على تصحيح رفع اليدين إذا قام من الركعتين؛ فلو كان هذا الحرف صحيحًا عند الإمام أحمد ما قال أبو داود في مسائله (ص: 51): سمعت أحمد سئل عن الرفع إذا قام من الثنتين، قال: أما أنا فلا أرفع يدي، فقيل له: بين السجدتين أرفع يدي؟ قال: لا. اهـ فكيف يختار لنفسه أن يترك سنة يراها صحيحة عنده، صحيح أنها ليست في الخلاف كالرفع من السجود، ولكن كون الخلاف فيها قويًّا، وكون حديث أبي حميد الساعدي صحيحًا لا يعني الذهاب إلى صحة ما تفرد به عبد الحميد بن جعفر، والله أعلم.

وقال الإمام البخاري كما في قرة العينين برفع اليدين (ص: 70): «وما زاد على ذلك أبو حميد رضي الله عنه في عشرة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه إذا قام من السجدتين، كله صحيح؛ لأنهم لم يحكوا صلاة واحدة فيختلفوا في تلك الصلاة بعينها، مع أنه لا اختلاف مع ذلك، وإنما زاد بعضهم على بعض، والزيادة مقبولة من أهل العلم» .

وقال الترمذي: حديث أبي حميد حديث حسن صحيح، وهذا تصحيح من الترمذي، ولا يعني تصحيح هذا الحرف؛ لأنه قاله حين روى الحديث من طريق فليح، عن عباس بن سهل، عن أبي حميد، وليس فيه زيادة (الرفع إذا قام من الركعتين)

وقد رواه الترمذي من طريق يحيى بن سعيد القطان، ومن طريق أبي عاصم، كلاهما عن عبد الحميد به، ولم يصرح بصحته من هذا الطريق. والله أعلم.

فعلى كل حال من رأى أن الرفع قد يستفاد من كثرة الأحاديث الواردة فهو قريب، ومن ترك الرفع إذا قام من الركعتين فقوله: أقرب وأحوط، والله أعلم.

ص: 453

الدليل الرابع:

(ح-1632) ما رواه أحمد، قال: حدثنا سليمان بن داود، حدثنا عبد الرحمن -يعني ابن أبي الزناد- عن موسى بن عقبة، عن عبد الله بن الفضل بن عبد الرحمن بن فلان بن ربيعة ابن الحارث بن عبد المطلب الهاشمي، عن عبد الرحمن الأعرج، عن عبيد الله بن أبي رافع،

عن علي بن أبي طالب، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنه كان إذا قام إلى الصلاة المكتوبة كبر، ورفع يديه حذو منكبيه، ويصنع مثل ذلك إذا قضى قراءته، وأراد أن يركع، ويصنعه إذا رفع رأسه من الركوع، ولا يرفع يديه في شيء من صلاته، وهو قاعد، وإذا قام من السجدتين رفع يديه كذلك، وكبر

(1)

.

[انفرد به عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن موسى بن عقبة، وقد رواه جماعة عن موسى بن عقبة فلم يذكروا ما ذكره ابن أبي الزناد، في مقدمتهم ابن جريج]

(2)

.

(1)

. المسند (1/ 93).

(2)

. هذا الحديث سبق لي دراسته وتخريجه أكثر من مرة في هذا الكتاب إلا أن التخريج لما كان مرتبطًا بالفقه، وكان الحديث يشتمل على أحكام كثيرة، يكون التخريج في كل مسألة فقهية معنيًّا بموضع الاستشهاد، دون بقية ألفاظه، فإذا أعيد الاحتجاج بالحديث للفظ آخر منه اضطررت إلى إعادة تخريجه، ولا يغني تخريجه السابق، عن تخريجه اللاحق، لأن البحث في كل مسألة يكون متوجهًا إلى دراسة موضع الاحتجاج دون غيره من الألفاظ، لهذا على القارئ الكريم أن يتفهم الحاجة إلى إعادة تخريجه، ولو كان البحث حديثيًّا صرفًا في معزل من الفقه لتكلمت على جميع ألفاظه في موضع واحد، وانتهيت من تخريجه مرة واحدة، فالله المستعان.

فالحديث مداره على الأعرج، عن عبيد الله بن أبي رافع، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه.

ويرويه عن الأعرج اثنان: عبد الله بن الفضل، ويعقوب بن أبي سلمة الماجشون.

أما يعقوب بن أبي سلمة فلم يرد في حديثه ذكر لرفع اليدين في الصلاة.

وأما عبد الله بن الفضل، فرواه عنه اثنان: عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة، وموسى بن عقبة، أما الأول فكذلك لم يرد في حديثه ذكر لرفع اليدين في الصلاة.

وأما موسى بن عقبة، فاختلف عليه:

فرواه ابن جريج (ثقة فقيه)، وإبراهيم بن طهمان (ثقة يغرب)، وعبد الله بن جعفر المديني (ضعيف)، وعاصم بن عبد العزيز الأشجعي (ضعيف) كلهم رووه عن موسى بن عقبة، فلم يذكروا في حديثهم رفع اليدين في الصلاة.

وخالفهم عبد الرحمن بن أبي الزناد (صدوق تغير حفظه لما قدم بغداد)، فرواه عن موسى =

ص: 454

وجه الاستدلال:

قوله: (حتى إذا قام من السجدتين كبر، ورفع يديه).

الدليل الخامس:

(ح-1633) ما رواه أبو داود في السنن من طريق يحيى بن أيوب، عن عبد الملك ابن عبد العزيز بن جريج، عن ابن شهاب، عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث ابن هشام،

عن أبي هريرة، أنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كبر للصلاة جعل يديه حذو منكبيه، وإذا ركع فعل مثل ذلك، وإذا رفع للسجود فعل مثل ذلك، وإذا قام من الركعتين فعل مثل ذلك

(1)

.

= ابن عقبة، فزاد فيه (رفع اليدين في أربعة مواضع)، أتكون هذه الزيادة محفوظة مع مخالفتها لكل من روى الحديث، أم تكون شاذة لعلتي التفرد والمخالفة، فلو تفرد عبد الرحمن بن أبي الزناد لم يكن القلب مطمئنًّا بتفرده، كيف إذا انضم إلى ذلك جَمْعٌ من المخالفات، منها:

أنه خالف جميع من رواه عن موسى بن عقبة، عن عبد الله بن الفضل، وفي مقدمتهم ابن جريج، وإبراهيم بن طهمان، ولو خالف ابن جريج وحده لَرُدَّ حديثه.

كما خالف من شارك موسى بن عقبة في روايته عن عبد الله بن الفضل، أعني به عبد العزيز ابن عبد الله بن أبي سلمة.

كما خالف من شارك عبد الله بن الفضل في روايته عن الأعرج، أعني به يعقوب بن أبي سلمة الماجشون، أيكون هذا الحرف محفوظًا في الحديث، ثم يجمع كل هؤلاء على عدم ذكره، ويتفرد به عبد الرحمن بن أبي الزناد، وهو غايته أن يكون حسن الحديث فيما حدث به بالمدينة، ضعيفًا فيما حدث به ببغداد إلا فيما رواه عنه الهاشمي فإنه مقارب، قاله ابن المديني، وهي ليست عبارة تمتين، إنما تعني أن حديثه من قبيل الحسن، وهذا القول مقبول بشرط ألا يخالف غيره، فأما إذا خالف غيره ممن هو أوثق منه، فلا يقبل ولو كان ثقة، فكيف إذا كان مقارب الحديث، فكان مقتضى القواعد الحكم بشذوذ هذا الحرف، ولهذا لا يستطيع الباحث أن يطمئن إلى زيادته حتى فيما ثبت من أحاديث أخرى، كالرفع في تكبيرة الافتتاح، والرفع مع الركوع والرفع منه، فهذا مقطوع باستحبابه من حديث ابن عمر رضي الله عنه، لكنها لا تثبت من حديث علي رضي الله عنه، لتفرد ابن أبي الزناد بها، فالفقه كما قلت: تابع للحديث، وثمرة عنه، وليس العكس.

وقد سبق تخريج هذا الحديث في مسألة: (منتهى الرفع)، انظر:(ح: 1254)، فأغنى ذلك عن إعادته، ولله الحمد.

(1)

. سنن أبي داود (738).

ص: 455

[منكر، والمعروف رواية الصحيحين أنه كان يكبر فقط، ليس فيه رفع اليدين، وقاله أبو حاتم الرازي]

(1)

.

(1)

. اختلف في على ابن جريج:

فرواه عنه يحيى بن أيوب (صدوق سيئ الحفظ) كما في سنن أبي داود (738)، ومشكل الآثار للطحاوي (5836).

وعثمان بن الحكم الجذامي (ليس بالقوي)، كما في صحيح ابن خزيمة (695)، كلاهما عن ابن جريج به، بذكر الرفع إذا قام من الركعتين.

ورواه صالح بن أبي الأخضر، رواه أبو حاتم في العلل (291) من طريق حفص النجار (هو ابن عمر: أبو عمران الرازي الواسطي) (ضعيف)، عن صالح بن أبي الأخضر (ضعيف)، عن الزهري به، وفيه: (

وكان يرفع يديه إذا نهض من الركعتين، فإذا سلم التفت إلينا، وقال: إني أشبهكم صلاة بالنبي صلى الله عليه وسلم.

وهذه متابعة لابن جريج من رواية يحيى بن أيوب وعثمان بن الحكم الجذامي عنه.

قال أبو حاتم: هذا خطأ؛ إنما يروى هذا الحديث: أنه كان يكبر فقط، ليس فيه رفع اليدين.

وخالف هؤلاء الضعفاء كل من:

الأول: عبد الرزاق، كما في مصنفه (2496)، ومن طريقه أحمد (2/ 270)، ومسلم (28 - 392)، وابن خزيمة في صحيحه (578، 611)، وأبو عوانة كما في مستخرجه (1583، 1592)، وأبو نعيم في مستخرجه (864) مقرونًا بأبي عاصم، وابن المنذر في الأوسط (3/ 133)،

الثاني: عبد الله بن المبارك رواه مختصرًا كما في سنن الترمذي (254)، وليس فيه موضع البحث.

الثالث: أبي عاصم الضحاك بن مخلد، كما في مسند البزار (8094)، ومستخرج أبي نعيم (864) مقرونًا بعبد الرزاق، ثلاثتهم (عبد الرزاق، وابن المبارك، وأبو عاصم) رووه عن ابن جريج به،

وفي رواية عبد الرزاق: (

ويكبر حين يقوم من المثنى بعد الجلوس، ثم يقول: إني لأشبهكم صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم). وعبد الرزاق من أصحاب ابن جريج، والمقدمين فيه.

وفي رواية أبي عاصم عند البزار: ( .... ويكبر إذا قام من الثنتين. قال أبو هريرة: وأنا أشبهكم صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم).

وقد رواه عقيل كما في صحيح البخاري (789)، ومسلم (29 - 392)، وأكتفي بالصحيحين عن غيرهما.

وشعيب كما في صحيح البخاري (803).

ومعمر كما في المجتبى من سنن النسائي (1156)، وفي الكبرى (746)، وسنن الدارمي (1283)، ثلاثتهم رووه عن الزهري به بالاقتصار على ذكر التكبير دون رفع اليدين، فظاهر نكارة ما رواه أبو داود، والله أعلم ..

ص: 456

* دليل من قال: يرفع يديه في كل خفض ورفع:

الدليل الأول:

(ح-1634) ما رواه أحمد، قال: حدثنا محمد بن أبي عدي، عن سعيد، عن قتادة، عن نصر بن عاصم،

عن مالك بن الحويرث، أنه رأى نبي الله صلى الله عليه وسلم يرفع يديه في صلاته، إذا رفع رأسه من ركوعه، وإذا سجد، وإذا رفع رأسه من سجوده حتى يحاذي بها فروع أذنيه

(1)

.

[الحديث صحيح إلا أن ذكر الرفع إذا سجد وإذا رفع من السجود ليس محفوظًا]

(2)

(1)

. مسند أحمد (3/ 436).

(2)

. حديث قتادة، عن نصر بن عاصم، عن مالك بن الحويرث، رواه جماعة كثيرة عن قتادة، وبالرغم من أني سبق لي تخريج هذا الحديث، إلا أن التخريج السابق كانت عناية البحث متوجهة إلى مناسبات فقهية مختلفة، مما يستدعي إعادة البحث عند بحثه في مناسبة فقهية أخرى، والبحث الآن في ذكر رفع اليدين في السجود، وهذا هو الفرق بين تخريج الحديث في معزل عن الاحتجاج الفقهي، وبين تخريجه في سياق الاحتجاج به في حكم مسألة فقهية، فلو فتحت النقاش في جميع أحكام الحديث الفقهية ربما تعرضت لمسائل شتى لم يَأْتِ أوان بحثها، فأسأل الله سبحانه وتعالى العون والتوفيق، وللقارئ الكريم الصبر والعذر.

فقد رواه عن قتادة جماعة من أصحابه، منهم همام، وابن أبي عروبة، وهشام الدستوائي، وأبو عوانة، وحماد بن سلمة، وإليك تفصيل مروياتهم:

الأول: همام بن يحيى، عن قتادة،

رواه أحمد (5/ 53)، وأبو عوانة في مستخرجه (1590) عن عفان، حدثنا همام، حدثنا قتادة به، بلفظ: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه حيال فروع أذنيه في الركوع والسجود.

وقال أبو عوانة: (

حيال أذنيه .... ).

وعفان من أثبت أصحاب همام، وهمام من أصحاب قتادة، إلا أن هشامًا الدستوائي وشعبة، وابن أبي عروبة مقدمون عليه في قتادة، ونقل العقيلي في الضعفاء عن الحسن بن علي الحلواني، قال: سمعت عفان قال: كان همام لا يكاد يرجع إلى كتابه، ولا ينظر فيه، وكان يخالف، فلا يرجع إلى كتابه، وكان يكره ذلك، قال: ثم رجع بعد، فنظر في كتبه، فقال: يا عفان كنا نخطئ كثيرًا. فاستغفر الله.

وكان يحيى القطان لا يرضى حفظه ثم سكت عنه، وقال أبو حاتم الرازي: ثقة في حفظه شيء، وقال أبو زرعة: لا بأس به. وقال ابن سعد: ثقة ربما غلط، وقال يزيد بن زريع: همام =

ص: 457

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= حفظه رديء، وكتابه صالح.

وقال ابن محرز: سمعت علي بن المديني: سعيد أحفظهم عن قتادة، وشعبة بما يسمع وما لم يسمع، وهشام أروى القوم، وهمام أسندهم إذا حدث من كتابه، هم هؤلاء الأربعة أصحاب قتادة. اهـ انظر حاشية تهذيب الكمال (30/ 306).

فالذي يظهر لي أن همَّامًا يأتي بعد شعبة وهشام وسعيد، وقد وهم في زيادة ذكر الرفع إذا سجد وإذا رفع منه، وقد خالف شعبة، وأبا عوانة، وهشامًا الدستوائي، وسعيد بن أبي عروبة من رواية أربعة من أصحابه على رأسهم يزيد بن زريع، وابن علية، فإذا خالف همامًا هؤلاء قطعنا بوهمه، ولم نقبل زيادته، والله أعلم ..

الثاني: سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة.

واختلف على سعيد فيه:

فرواه محمد بن أبي عدي (ثقة سمع من ابن أبي عروبة بعد الاختلاط) كما في مسند أحمد (3/ 436)، والمجتبى من سنن النسائي (1085، 1086)، وفي الكبرى (676)، والطحاوي في مشكل الآثار (5837، 5838) والبيهقي في السنن الكبرى (2/ 104).

ومحمد بن جعفر (ثقة سمع من سعيد بعد الاختلاط) كما في مسند أحمد (3/ 437)،

وعبد الأعلى بن عبد الأعلى (ثقة، روى عن سعيد قبل تغيره، ومكثر من الرواية عنه) كما في المجتبى من سنن النسائي (1086)، ثلاثتهم عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، وذكروا فيه:(رفع اليدين إذا سجد، وإذا رفع رأسه من السجود).

وساق مسلم رواية ابن أبي عدي (26 - 391)، واختصره مقتصرًا على قوله:(أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: حتى يحاذي بهما فروع أذنيه)، مما يوحي بأنه لم يَعْتَدَّ بزيادته، وإلا لذكرها.

وخالفهم كل من:

إسماعيل بن علية، كما في مسند أحمد (5/ 53)، والمجتبى من سنن النسائي (1024، 881)، وفي الكبرى (957، 1098)

وعبد الله بن نمير، كما في مصنف ابن أبي شيبة في المصنف مختصرًا (2412) ومن طريقه الطبراني في الكبير (19/ 285) ح 630، والطحاوي في شرح معاني الآثار (1/ 196، 224).

ويزيد بن زريع (ثقة سمع من سعيد قبل تغيره، وهو مقدم في سعيد)، كما في رفع اليدين للبخاري (65)، والمجتبى من سنن النسائي (1056)، وفي الكبرى له (647)، والمعجم الكبير للطبراني (19/ 285) ح 630، والسنن الكبرى للبيهقي (2/ 39)

وخالد بن الحارث، كما في السنن الكبرى للبيهقي (2/ 104)، أربعتهم رووه عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة به، وليس فيه ذكر لرفع اليدين إذا سجد، وإذا رفع من السجود.

فهؤلاء كلهم ثقات، وفيهم ابن زريع وهو من أثبت الناس في ابن أبي عروبة، وقد سمع منه قبل الاختلاط، كما أن خالد بن الحارث وابن علية ثقتان أيضًا وممن سمع من سعيد أيضًا =

ص: 458

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= قبل اختلاطه، فيكون المحفوظ من حديث سعيد ليس فيه رفع اليدين إذا سجد، وإذا رفع من السجود، هذا ما يخص طريق سعيد بن أبي عروبة، والله أعلم.

الثالث: هشام الدستوائي، عن قتادة به.

رواه معاذ بن هشام، عن أبيه، واختلف فيه على معاذ:

فرواه أبو قدامة عبيد الله بن سعيد، كما في حديث السراج (2494، 2568)،

ومحمد بن المثنى كما في المجتبى من سنن النسائي (1143، 1087)، وشرح مشكل الآثار (5839) كلاهما عن معاذ بن هشام به، وفيه:( .... وإذا رفع رأسه من السجود فعل مثل ذلك).

وفي حديث السراج: قال قتادة [لعل الصواب: قال أبو قدامة]: ولم أسمع أحدًا تابعه على السجود).

وخالفهما الحميدي كما في مستخرج أبي عوانة (1587)، فرواه عن معاذ بن هشام، عن أبيه به، بلفظ:(كان إذا دخل في الصلاة كبر، ثم رفع يديه حتى يجعلهما حيال أذنيه، وربما قال: حذا أذنيه، فإذا ركع فعل مثل ذلك، وإذا رفع رأسه من الركوع فعل مثل ذلك).

ورواية الحميدي عن معاذ هي الصواب، كيف وقد رواه جمع من هشام، فلم يذكروا ما ذكره ابنه معاذ، منهم:

الأول: يزيد بن زريع، كما في سنن ابن ماجه (859)، والطبراني في الكبير (19/ 285) ح 629، والبيهقي في السنن الكبرى (2/ 39)، وابن قانع في معجم الصحابة (3/ 46).

الثاني: إسحاق بن إبراهيم، كما في المعجم الكبير للطبراني (19/ 285) ح 629، ومسند السراج (94).

الثالث والرابع: عبد الصمد، وأبو عامر (يعني العقدي)، كما في مسند أحمد (5/ 53)، أربعتهم رووه عن هشام الدستوائي، به، فلم يذكروا في حديثهم (رفع اليدين إذا رفع من السجود).

الرابع: شعبة، عن قتادة،

ولم يختلف على شعبة في عدم ذكره رفع اليدين إذا سجد، أو رفع من السجود، رواه عن شعبة كل من.

يحيى بن سعيد القطان، كما في مسند أحمد (5/ 53)،

وآدم بن إياس، كما في قرة العينين في رفع اليدين للبخاري (98)، ومستخرج أبي عوانة (1589)، والمعجم الكبير للطبراني (19/ 284) ح 625.

وأبي الوليد الطيالسي، كما في قرة العينين في رفع اليدين للبخاري (7)، وسنن الدارمي (1286)، ومستخرج أبي عوانة (1588)،

وسليمان بن حرب كما في قرة العينين في رفع اليدين للبخاري (7)، وصحيح ابن حبان (1860)، كما في المعجم الكبير للطبراني (19/ 284) ح 625،

وحفص بن عمر الحوضي كما في سنن أبي داود (745)، والمعجم الكبير للطبراني مقرونًا بغيره (19/ 284) ح 625،

وعاصم بن علي كما في المعجم الكبير للطبراني مقرونًا بغيره (19/ 284) ح 625، =

ص: 459

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= أبي داود الطيالسي كما في مسنده (1349)، ومن طريقه أبونعيم في معرفة الصحابة (6002) وعبد الرحمن بن مهدي كما في سنن الدارقطني (1123)،

والنضر بن شميل، كما في مسند السراج (93)،

وخالد بن الحارث كما في المجتبى من سنن النسائي (880) وفي الكبرى (956)، عشرتهم رووه عن شعبة، عن قتادة، وليس في طريق منها ذكر رفع اليدين إذا سجد، أو رفع من السجود، وهو المحفوظ.

الخامس: أبو عوانة، عن قتادة. وليس فيه ذكر رفع اليدين إذا سجد، وإذا رفع من السجود،

رواه مسلم في صحيحه (25 - 391)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (922)، والطبراني في الكبير (19/ 284) ح 627، والدارقطني في السنن (1123)، عن أبي كامل الجحدري،

ولفظه عند مسلم: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا كبر رفع يديه حتى يحاذي بهما أذنيه، وإذا ركع رفع يديه حتى يحاذي بهما أذنيه، وإذا رفع رأسه من الركوع، فقال: سمع الله لمن حمده، فعل مثل ذلك) وبهذا اللفظ قد رواه أكثر من روى الحديث عن قتادة، ولعل هذا هو المحفوظ من ألفاظه.

السادس: سعيد بن بشير، عن قتادة.

رواه الطبراني في المعجم الكبير (19/ 285) ح 628، وفي مسند الشاميين (2698)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (34/ 48)، من طريق عبد الحميد بن بكار السلمي، حدثنا سعيد بن بشير، عن قتادة به، بلفظ:(رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفع يديه إذا كبر حتى يحاذي بهما أذنيه، وإذا ركع، وإذا رفع رأسه من الركوع).

السابع: حماد بن سلمة، عن قتادة.

رواه البخاري في رفع اليدين كما في قرة العينين (53)، حدثنا موسى بن إسماعيل.

والطبراني في المعجم الكبير (19/ 284) ح 626، من طريق حجاج بن منهال، كلاهما عن حماد ابن سلمة، عن قتادة به، بلفظ:(كان إذا دخل في الصلاة رفع يديه إلى فروع أذنيه، وإذا ركع، وإذا رفع رأسه من الركوع فعل مثله). اهـ وليس فيه ذكر الرفع إذا سجد، وإذا رفع من السجود.

الثامن: عمران القطان، عن قتادة.

أخرجه الطبراني في الكبير (19/ 286) ح 631، حدثنا محمد بن خالد الراسبي، حدثنا مهلب بن العلاء، حدثنا شعيب بن بيان، حدثنا عمر بن القطان به، وليس فيه الرفع إذا سجد، وإذا رفع من السجود.

وشيخ الطبراني، وشيخه فيهما جهالة.

فتبين شذوذ (رفع اليدين عند السجود والرفع منه) لأن أكثر الطرق لم يرد فيه هذا الحرف، وكل من رواها قد اختلف عليه أصحابه، وكان الأكثر عنه عدم ذكرها، كهشام الدستوائي، وابن أبي عروبة، فكان الراجح من روايتهم ما وافق رواية شعبة، وأبي عوانة، وحماد بن سلمة، وسعيد بن بشير المتفقة على عدم ذكرها.

ومما يرجح رواية عدم ذكر الرفع في السجود أن الحديث قد جاء من غير رواية قتادة، ليس فيه هذه الزيادة، فقد روى البخاري (737)، ومسلم (392) من طريق أبي قلابة، عن مالك، أنه إذا صلى كبَّر، ورفع يديه، وإذا أراد أن يركع رفع يديه، وإذا رفع رأسه من الركوع رفع يديه، وحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صنع هكذا. اهـ هذه هي المواضع الصحيحة الواردة في رفع اليدين، والسالمة من المعارضة، والله أعلم.

ص: 460

الدليل الثاني:

(ح-1635) ما رواه ابن أبي شيبة في المصنف، قال: حدثنا الثقفي، عن حميد،

عن أنس، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه في الركوع والسجود

(1)

.

[شاذ، والمحفوظ وقفه على أنس، ليس فيه الرفع في السجود]

(2)

.

(1)

. المصنف (2434).

(2)

. أخطأ فيه عبد الوهاب الثقفي في موضعين، في رفعه، وفي ذكر الرفع من السجود،

وقد اختلف عليه في ذكر الرفع من السجود،

فرواه ابن أبي شيبة في المصنف (2434)، وعنه أبو يعلى الموصلي في مسنده (3752)،

وبندار (محمد بن بشار) كما في سنن الدارقطني (119)، كلاهما روياه عن عبد الوهاب الثقفي بذكر الرفع للسجود.

و رواه الترمذي في العلل الكبير (99)، وابن ماجه (866) حدثنا محمد بن بشار.

وأبو يعلى الموصلي في مسنده (3793) عن أبي بكر بن أبي شيبة،

والبخاري في رفع اليدين كما في قرة العينين في رفع اليدين (8) حدثنا محمد بن عبد الله ابن حوشب، ثلاثتهم رووه عن عبد الوهاب الثقفي به، بلفظ: كان يرفع يديه إذا افتتح الصلاة، وإذا ركع، وإذا رفع رأسه من الركوع. هذا لفظ أبي يعلى، ولم يذكر الرفع حال السجود، فكان الثقفي مرة يذكر الرفع في السجود، ومرة لا يذكره، مما يدل على عدم ضبطه.

وقد توبع الثقفي على رفعه، دون الرفع من السجود، تابعه على ذلك يزيد بن هارون.

أخرجه الضياء المقدسي في الأحاديث المختارة (2027) من طريق أبي بكر عبد الرحمن ابن محمد بن علويه القاضي، حدثنا إسماعيل بن أحمد بن أسد والي خراسان، حدثنا أبي عن يزيد بن هارون عن حميد الطويل عن أنس بن مالك قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفع يديه إذا كبر وإذا ركع وإذا رفع رأسه من الركوع.

وهذا الطريق موضوع، في إسناده أبو بكر عبد الرحمن بن محمد بن علُّويه كان يركب الأسانيد على المتون. انظر ترجمته في اللسان (5/ 126)، فهذه المتابعة لا تغني شيئًا.

وقد رواه جمع عن حميد موقوفًا، ليس فيه الرفع للسجود، وهو المحفوظ،

فرواه معاذ بن معاذ كما في مصنف ابن أبي شيبة (2433)، والأوسط لابن المنذر (3/ 138). وعبد الأعلى بن عبد الأعلى كما في رفع اليدين للصلاة للبخاري، انظر: قرة العينين برفع اليدين (73)،

ويحيى بن سعيد القطان كما في رفع اليدين للبخاري انظر قرة العينين (97)، ثلاثتهم رووه عن حميد، عن أنس أنه كان يرفع يديه إذا دخل في الصلاة، وإذا ركع، وإذا رفع رأسه من الركوع. هكذا موقوفًا على أنس ليس فيه رفع اليدين للسجود.

قال الدارقطني في السنن (2/ 42): «لم يروه عن حميد مرفوعًا غير عبد الوهاب، والصواب من فعل أنس» . اهـ

ص: 461

الدليل الثالث:

(ح-1636) ما رواه أحمد من طريق إسماعيل بن عياش، عن صالح بن كيسان، عن عبد الرحمن الأعرج،

عن أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه حذو منكبيه حين يكبر، ويفتتح الصلاة، وحين يركع، وحين يسجد

(1)

.

[منكر، والمعروف أنه كان يكبر فقط، ليس فيه رفع اليدين]

(2)

.

وروى أبو طاهر المخلص في المخلصيات من طريق ابن أبي عدي، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة،

أنه كان يرفع يديه في كل خفض ورفع ويقول: أنا أشبهكم صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم.

قال ابن صاعد: ليس أحد يقول: يرفع يديه إلا ابن أبي عدي، وغيره يقول: يكبر

(3)

.

[شاذ، ومحمد بن عمرو متكلم في روايته عن أبي سلمة، والمحفوظ أنه كان يكبر في كل خفض ورفع، كما هي رواية الصحيحين عن مالك، عن الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة]

(4)

.

(1)

. المسند (2/ 132).

(2)

. سبق تخريجه انظر: ح (1264).

(3)

. المخلصيات (1225).

(4)

. قال الدارقطني في العلل (9/ 283): «رواه عمرو بن علي، عن ابن أبي عدي، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة؛ أنه كان يرفع يديه في كل خفض ورفع، ويقول: أنا أشبهكم صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يتابع عمرو بن علي على ذلك، وغيره يرويه: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكبر في كل خفض ورفع، وهو الصحيح» .

ونقله عنه ابن رجب في شرح البخاري وأقره (6/ 355، 356).

وقد رواه البخاري (785)، ومسلم (27 - 392) من طريق مالك، عن الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة أنه كان يصلي بهم، فيكبر كلما خفض ورفع، فإذا انصرف، قال: إني لأشبهكم صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم. وهو في الموطأ (1/ 76).

ص: 462

الدليل الرابع:

(ح-1637) ما رواه أحمد، قال: حدثنا وكيع، حدثنا شعبة، عن عمرو بن مرة، عن أبي البختري، عن عبد الرحمن بن اليحصبي،

عن وائل بن حجر الحضرمي قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفع يديه مع التكبير

(1)

.

[في إسناده اليحصبي مجهول]

(2)

.

الدليل الخامس:

(ح-1638) ما رواه ابن ماجه، قال: حدثنا هشام بن عمار، حدثنا رِفْدَةُ بن قضاعة الغساني، حدثنا الأوزاعي، عن عبد الله بن عبيد بن عمير، عن أبيه،

عن جده عمير بن حبيب، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفع يديه مع كل تكبيرة في الصلاة المكتوبة

(3)

.

(ح-1639) ورواه ابن حبان في المجروحين، حدثنا محمد بن العباس الدمشقي، قال: حدثنا هشام بن عمار به، وفيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه في كل خفض ورفع

(4)

.

[ضعيف]

(5)

.

(1)

. المسند (4/ 316).

(2)

. سبق تخريجه، انظر: ح (1259).

(3)

. سنن ابن ماجه (861).

(4)

. المجروحين (1/ 304).

(5)

. رواه ابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (910)، ودحيم في فوائده (131)، عن هشام بن عمار، ومن طريق هشام بن عمار، رواه الطبراني في الكبير (17/ 48) ح 104، والعقيلي في الضعفاء (2/ 65)، ومعرفة الصحابة لأبي نعيم (5263)، وابن قانع في معجم الصحابة (2/ 228)، وابن حبان في المجروحين (1/ 304).

غريب من حديث الأوزاعي، لم يروه عنه إلا رفدة بن قضاعة، قال البرقاني: سمعت الدارقطني يقول: رفدة بن قضاعة، متروك.

وقال البخاري: في حديثه مناكير. التاريخ الكبير (3/ 343).

وقال النسائي: ليس بالقوي.

وقال مهنا: سألت أحمد ويحيى عن هذا الحديث، فقالا جميعًا: ليس بصحيح، قال أحمد: لا يعرف رفدة بن قضاعة، وقال يحيى: هو شيخ ضعيف. انظر: فتح الباري لابن رجب (6/ 356).

ص: 463

الدليل السادس:

(ح-1640) ما رواه الطحاوي في شرح معاني الآثار، قال: حدثنا إسحاق بن إبراهيم، حدثنا نصر بن علي الجهضمي، حدثنا عبد الأعلى بن عبد الأعلى، عن عبيد الله، عن نافع،

عن ابن عمر: أنه كان يرفع يديه في كل خفض، ورفع، وركوع، وسجود وقيام، وقعود بين السجدتين، ويزعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك

(1)

.

[شاذ بهذا اللفظ، والحديث في البخاري مرفوعًا بغير هذا اللفظ]

(2)

.

(1)

. مشكل الآثار (5831).

(2)

. الحديث اختلف فيه على نصر بن علي الجهضمي:

فرواه أبو داود في السنن (741)،

والبزار في مسنده (5742)،

وأبو الحسين عبد الله بن محمد السمناني كما في السنن الكبرى للبيهقي (2/ 103)، ثلاثتهم رووه عن نصر بن علي الجهضمي، عن عبد الأعلى بن عبد الأعلى، عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر: أنه كان إذا دخل في الصلاة كبر، ورفع يديه، وإذا ركع وإذا قال: سمع الله لمن حمده، وإذا قام من الركعتين رفع يديه، ويرفع ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وخالفهم إسحاق بن إبراهيم بن يونس بن موسى البغدادي، وإن كان ثقة إلا أنه قد خالف ثلاثة من الثقات رووه عن نصر بن علي فلم يذكروا ما ذكره، فتبين وهمه، وحفظهم.

كما أنه قد خالف كل من رواه عن عبد الأعلى، منهم:

عياش بن الوليد كما في صحيح البخاري (739).

وحسين بن معاذ بن خليف، وإسماعيل بن بشر بن منصور كما في السنن الكبرى للبيهقي (2/ 196)، ثلاثتهم رووه عن عبد الأعلى به موافقين لرواية نصر بن علي الجهضمي من رواية أبي داود والبزار والسمناني عنه. فاتفاق هؤلاء الثقات، ومخالفة إسحاق بن إبراهيم بن يونس لهم يدل على ضبطهم ووهمه.

وقد سبق لي بحث رواية البخاري والاختلاف فيها بين الرفع والوقف في أدلة القول السابق، والله أعلم.

ص: 464

قال ابن رجب في شرح البخاري: «ويجاب عن هذه الروايات كلها على تقدير أن يكون ذكر الرفع فيها محفوظًا، ولم يكن قد اشتبه ذكر التكبير بالرفع، بأن مالك بن الحويرث ووائل بن حجر لم يكونا من أهل المدينة، وإنما كانا قد قدما إليها مرة أو مرتين، فلعلهما رأيا النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك مرة، وقد عارض ذلك نفي ابن عمر، مع شدة ملازمته للنبي صلى الله عليه وسلم، وشدة حرصه على حفظ أفعاله واقتدائه به فيها، فهذا يدل على أن أكثر أمر النبي صلى الله عليه وسلم كان ترك الرفع فيما عدا المواضع الثلاثة والقيام من الركعتين»

(1)

.

وهذا الجمع يتجه لو كانت الأحاديث التي ظاهرها التعارض صحيحة، فيقال بالجمع بدلًا من تعطيل أحدهما، أما إذا كانت الأحاديث في ترك رفع اليدين في السجود صحيحة بل في غاية الصحة، والأحاديث المقابلة إما شاذة، لا يعتبر بها، وإما منكرة، فإن الجمع بينها وبين الأحاديث الصحيحة سوف يكون على حساب دلالة الأحاديث الصحيحة، فإنك لا تجمع بين حديثين إلا قيدت مطلقًا، أو خصصت عامًّا، أو تأولت بأنك حملته على حال دون حال، على خلاف الظاهر مراعاة للحديث الضعيف مما يعود على جزء من دلالة الأحاديث الصحيحة بالبطلان، مع أن المقابل ليس بذلك القوة التي تجعلك تتحمل مثل هذا الإهدار، فإذا كانت ليست في الصحة بذاك، فلا ينبغي أن تزاحم بها الأحاديث الصحيحة، وإن كنت تعذر من اجتهد من أهل العلم، ورأى أن هذه الأحاديث صالحة للحجة، فهو وما ذهب إليه؛ إذ المسألة من مسائل الخلاف، والله أعلم.

* الراجح:

أرى أن الراجح في رفع الأيدي في الصلاة يكون في مواضع ثلاثة، عند تكبيرة الافتتاح، وإذا أراد الركوع، وإذا رفع من الركوع، هذه الأحاديث السالمة من المعارضة، يليها في الترجيح الرفع إذا قام من الركعتين، وأضعفها الرفع إذا أراد السجود، وإذا رفع من السجود، والله أعلم.

* * *

(1)

. فتح الباري (6/ 354).

ص: 465