المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المسألة الأولى حكم الجهر والإسرار بالقراءة للإمام - الجامع في أحكام صفة الصلاة - الدبيان - جـ ٣

[دبيان الدبيان]

فهرس الكتاب

- ‌المبحث الثاني في قراءة المأموم ما زاد على الفاتحة

- ‌الفرع الأول في قراءته ما زاد على الجهرية

- ‌الفرع الثاني في قراءة المأموم ما زاد على الفاتحة في السرية

- ‌المبحث الثالث في قراءة ما زاد على الفاتحة في الركعة الثالثة والرابعة

- ‌المبحث الرابع في أقل ما تحصل به السنة من القراءة بعد الفاتحة

- ‌المبحث الخامس في قراءة السورة قبل الفاتحة

- ‌المبحث السادس

- ‌فرع في مقدار التفاوت بين الركعة الأولى والثانية في القراءة

- ‌المبحث السابع في إطالة الركعة الثانية على الأولى

- ‌المبحث الثامن في القراءة من أواسط السور وأواخرها

- ‌المبحث التاسع في قراءة أكثر من سورة في الركعة الواحدة

- ‌المبحث العاشر في تكرار السورة الواحدة في ركعتين

- ‌الفصل الثالث في مقدار القراءة في الصلوات الخمس

- ‌المبحث الأول في تقسيم سور القرآن إلى طوال ومئين ومثان ومفصل

- ‌المبحث الثاني في تحديد بداية المفصل

- ‌المبحث الثالث في تحديد طوال المفصل وأوسطه وقصاره

- ‌المبحث الرابع في مقدار القراءة المستحبة في صلاة الصبح

- ‌فرع في استحباب قراءة السجدة والإنسان في فجر الجمعة

- ‌المبحث الخامس في مقدار القراءة في صلاة الظهر

- ‌المبحث السادس في مقدار القراءة في صلاة العصر

- ‌المبحث السابع في مقدار القراءة في صلاة المغرب

- ‌المبحث الثامن قدر القراءة من بالمغرب من السور الطوال

- ‌المبحث التاسع قدر القراءة في صلاة العشاء

- ‌الفصل الرابع في الأحكام العامة المتعلقة بالقراءة

- ‌المبحث الأول الجهر والإسرار في الصلاة

- ‌الفرع الأول الجهر والإسرار بالصلاة المؤداة

- ‌الفرع الثاني في الإسرار في الصلاة الفائتة

- ‌الفرع الثالث حكم الجهر والإسرار في موضعه

- ‌المسألة الأولى حكم الجهر والإسرار بالقراءة للإمام

- ‌المسألة الثانية حكم الجهر والإسرار بالقراءة للمنفرد

- ‌المسألة الثالثة حكم الجهر بالقراءة للمأموم

- ‌المسألة الرابعة حكم جهر المرأة بالقراءة

- ‌الفرع الرابع في أقل الجهر وأعلاه

- ‌المسألة الأولى في أقل الجهر

- ‌المسألة الثانية في أعلى الجهر

- ‌الفرع الخامس في جهر بعض المصلين على بعض

- ‌الفرع السادس الجهر ببعض الآيات في الصلاة السرية

- ‌المبحث الثاني في السؤال عند آية الوعد والتعوذ عند آية الوعيد

- ‌المبحث الثالث في حكم قراءة القرآن بغير العربية في الصلاة

- ‌المبحث الرابع في القراءة الشاذة

- ‌الفرع الأول في تعريف القراءة الشاذة

- ‌الفرع الثاني الصلاة بالقراءة المخالفة لرسم المصحف

- ‌الفرع الثالث في الاحتجاج بالقراءة الشاذة في الأحكام

- ‌الفرع الرابع في الجمع بين القراءات المختلفة في الصلاة

- ‌المبحث الخامس في القراءة من المصحف

- ‌الفرع الأول القراءة من المصحف خارج الصلاة

- ‌الفرع الثاني في القراءة من المصحف بالصلاة

- ‌الباب السابع في أحكام الركوع

- ‌الفصل الأول في حكم تكبيرات الانتقال ومنه التكبير للركوع

- ‌الفصل الثانيفي حكم الركوع

- ‌المبحث الأول يرفع يديه للركوع والرفع منه دون القيام من الركعتين

- ‌المبحث الثاني في وقت ابتداء التكبير

- ‌المبحث الثالث في مد تكبيرات الانتقال لتستوعب جميع المحل

- ‌الفصل الرابع في صفة الركوع

- ‌المبحث الأول في الصفة المجزئة

- ‌المبحث الثاني في صفة الركوع الكامل

- ‌الفرع الأول في وضع اليدين على الركبتين

- ‌الفرع الثاني إذا نوى بالانحناء غير الركوع

- ‌المبحث الثالث في مد الظهر ومجافاة المرفقين عن الجنبين

- ‌المبحث الرابع وجوب الطمأنينة في الصلاة

- ‌الفصل الخامس في أذكار الركوع والسجود

- ‌المبحث الأول حكم التسبيح في الركوع والسجود

- ‌المبحث الثاني صيغة التسبيح في الركوع والسجود

- ‌المبحث الثالث في زيادة (وبحمده) مع التسبيح

- ‌المبحث الرابع أقل ما تحصل به سنة التسبيح

- ‌المبحث الخامس أعلى الكمال في تسبيح الركوع والسجود

الفصل: ‌المسألة الأولى حكم الجهر والإسرار بالقراءة للإمام

‌الفرع الثالث حكم الجهر والإسرار في موضعه

‌المسألة الأولى حكم الجهر والإسرار بالقراءة للإمام

المدخل إلى المسألة:

* الجهر والإسرار من هيئات الصلاة لا من واجباتها.

* مواظبة النبي صلى الله عليه وسلم على كل من الجهر والإسرار في موضعه، لا تجعل من هذه الصفة صفة واجبة.

* يوجد سنن كثيرة واظب عليها النبي صلى الله عليه وسلم وليست واجبة كالوتر وركعتي الفجر.

* ملازمة السنة يجعل منها سنة مؤكدة، ولا ينقلها إلى الواجبات.

* إذا لم يحفظ في الشرع أمر بالجهر أو بالإسرار في موضعه لم يمكن القول بالوجوب بمجرد الفعل.

* غاية ما يفيده حديث (صلوا كما رأيتموني أصلي) على مشروعية جميع ما رآه مالك بن الحويرث مما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعله في صلاته طيلة مقامه عند النبي صلى الله عليه وسلم.

* كان النبي صلى الله عليه وسلم ربما أسمع الصحابة الآية أحيانًا في الصلاة السرية، وظاهر الحديث أن هذا يتكرر منه عليه الصلاة والسلام، وأقل ما يدل عليه فعل النبي صلى الله عليه وسلم الجواز.

* إذا جازت المخالفة في الآية جازت المخالفة في أكثر منها؛ لأن الأصل أن إباحة القليل دليل على إباحة الكثير إلا بدليل.

[م-598] عرفنا من خلال الفصل السابق المواضع التي يجهر فيها والمواضع التي يسر فيها بالقراءة أداء وقضاء، والسؤال: ما حكم الجهر بالقراءة والإسرار بها

ص: 250

في موضعه؟ ولما كان المصلي قد يكون إمامًا، وقد يكون فذًّا، وقد يكون مأمومًا، نتناول في هذا البحث حكم الجهر بالقراءة للإمام:

[م-599] اختلف العلماء في ذلك:

فقيل: هو واجب، وهو مذهب الحنفية، وقول ابن القاسم من المالكية، وقول عند الحنابلة

(1)

.

وقيل: سنة، اختاره بعض الحنفية، وهو مذهب المالكية، والشافعية، والحنابلة

(2)

.

فلو جهر في موضع الإسرار بحيث أسمع غيره، أو أَسَرَّ في موضع الجهر بحيث اقتصر على حركة اللسان، ففي مذهب مالك خلاف راجع إلى الاختلاف في الجهر والإسرار في محله، أهو من السنن المؤكدة، أم هو من مستحبات الصلاة:

فمن عَدَّهما من السنن المؤكدة، قال: إن تركهما سهوًا سجد إلا أن يكون شيئًا يسيرًا، وإن تركهما عمدًا لم يسجد، وهل يعيد الصلاة، فيه قولان في المذهب،

(1)

. قال في العناية (1/ 504): «ولو جهر فيما يخافت، أو خافت فيما يجهر تلزمه سجدتا السهو؛ لأن الجهر في موضعه والمخافتة في موضعها من الواجبات» .

وانظر: بدائع الصنائع (1/ 160)، البحر الرائق (1/ 355)، حاشية ابن عابدين (1/ 532)، مراقي الفلاح (ص: 95)، تحفة الفقهاء (1/ 96)، مجمع الأنهر (1/ 103)، كنز الدقائق (ص: 160)، المنتقى شرح الموطأ (1/ 161)، النوادر والزيادات (1/ 354).

(2)

. تبيين الحقائق (1/ 106)، التلقين (1/ 43)، الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي (1/ 242، 243)، المنتقى شرح الموطأ (1/ 161)، القوانين الفقهية (ص: 38)، التاج والإكليل (2/ 223)، التوضيح لخليل (1/ 328)، شرح ابن ناجي على الرسالة (1/ 136)، عقد الجواهر (1/ 96)، الجامع لمسائل المدونة (2/ 416)، المقدمات الممهدات (1/ 163)، الأم (1/ 236)، الحاوي الكبير (2/ 149، 150)، المهذب للشيرازي (1/ 142)، المجموع شرح المهذب (3/ 389، 391)، تحفة المحتاج (2/ 56)، مغني المحتاج (1/ 362)، نهاية المحتاج (1/ 493) نهاية المطلب (3/ 56).

وقال ابن قدامة في المغني (1/ 407): «الجهر في موضع الجهر، والإسرار في موضع الإسرار، لا خلاف في استحبابه، فإن جهر في موضع الإسرار، أو أسر في موضع الجهر، ترك السنة، وصحت صلاته» .

وانظر: كشاف القناع (1/ 332، 344)، شرح الزركشي على الخرقي (1/ 603)، المبدع (1/ 392)، الإنصاف (2/ 57)، الإقناع (1/ 118)، شرح منتهى الإرادات (1/ 192).

ص: 251

أشهرهما يعيد، وبه قال ابن القاسم.

ومن عَدَّهما من مستحبات الصلاة لم يَرَ السجود في السهو ولا الإعادة في العمد، وهذا القول خلاف ما في المدونة، هذا ملخص مذهب الإمام مالك

(1)

.

وقال الشافعية والظاهرية: يكره الجهر في موضع الإسرار، وعكسه، فإن فعل أجزأته صلاته، ولا سجود عليه، وهو ظاهر مذهب الحنابلة

(2)

.

قال الماوردي: «الجهر والإسرار هيئة، ومخالفة الهيئات لا تبطل الصلاة، ولا توجب السهو قياسًا على هيئات الأفعال»

(3)

.

قال ابن حزم: «ويستحب الجهر في ركعتي صلاة الصبح، والأولتين من المغرب، والأولتين من العتمة، وفي الركعتين من الجمعة، والإسرار في الظهر كلها، وفي العصر كلها، وفي الثالثة من المغرب، وفي الآخرتين من العتمة، فإن

(1)

. جاء في المدونة (1/ 224): ما قول مالك في هذا الذي صلى وحده، فأسر فيما يجهر فيه، أو جهر فيما يسر فيه، هل عليه سجدتا السهو؟ قال: نعم».

وقال في مواهب الجليل (2/ 15): «السجود إنما يسن إذا ترك سنة مؤكدة سهوًا» .

وقال في الصفحة نفسها: «وأما السنن المؤكدة إذا تركها عمدًا، فلا سجود أيضًا، واختلف هل تبطل الصلاة بتركها أم لا» .

وانظر: البيان والتحصيل (1/ 419، 526)، إكمال المعلم (2/ 279)، الذخيرة للقرافي (2/ 225)، التاج والإكليل (2/ 291)، مواهب الجليل (2/ 15، 25)، المقدمات الممهدات (1/ 164)، المنتقى للباجي (1/ 161).

وقال ابن جزي في القوانين (ص: 54): فإن تعمد ترك الجهر والإسرار، ففيه ثلاثة أقوال: البطلان، والسجود، والإجزاء دون سجود

».

(2)

. قال الشافعي في الأم (1/ 236): «وإن خافت بالقراءة في الجمعة، أو غيرها مما يجهر فيه بالقراءة، أو جهر بالقراءة فيما يخافت فيه بالقراءة من الصلاة كرهت ذلك له، ولا إعادة، ولا سجود للسهو عليه» .

نص الحنابلة على أن من ترك الجهر في موضع الإسرار فقد ترك السنة، وصلاته صحيحة، وهل يكره فعله؟ ليس هناك نص صريح في المسألة، لكن يمكن تخريجها على قول المرداوي في الإنصاف (2/ 57):«يكره جهره -يعني المنفرد- نهارًا في صلاة النفل في أصح الوجهين» . وهل يقاس الإمام على المنفرد؟ فيه تأمل.

وقال ابن قدامة في المغني (2/ 7): «يكره أن يترك شيئًا من سنن الصلاة» .

(3)

. الحاوي الكبير (2/ 150).

ص: 252

فعل خلاف ذلك، كرهنا، وأجزأه»

(1)

.

وقيل: الإسرار في السرية شرط لصحة الصلاة، قال ابن أبي ليلى:«من جهر فيما يسر به أعاد بهم الصلاة إن كان إمامًا»

(2)

.

فصار الجهر والإسرار في موضعه يرجع إلى ثلاثة أقوال:

أحدهما: يجب. والثاني: يسن، والثالث: شرط.

فإن خالف فعلى القول بالوجوب: تحرم المخالفة.

وعلى القول بالسنية: فقيل: يكره. وقيل: يعيد إن كان متعمدًا، ويسجد للسهو إن كان ساهيًا.

وأضعف الأقوال القول بالشرطية، وحكيته دفعًا للاستدراك ليس إلا.

ونؤجل أدلة سجود السهو إلى موضعه من البحث، فالفقهاء أفردوه في مبحث مستقل.

* دليل من قال: يجب الجهر والإسرار في محله:

الدليل الأول:

أمر الله تعالى في كتابه بإقامة الصلاة، قال تعالى:{وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ} .

وهذا أمر مجمل مفتقر إلى بيان، فجاءت السنة المبينة من فعله صلى الله عليه وسلم في بيان إقامتها، ومن ذلك أنه كان يجهر في بعض الصلوات، ويسر في بعضها، فتكون هذه الأفعال لها حكم الأمر المجمل، فإذا كان الأمر بإقامة الصلاة للوجوب، فكذلك بيانه يأخذ حكمه.

* ويناقش:

بأن (أل) في الصلاة للعهد، لأن الصلوات الخمس قد نزلت مفسرة بمكة من صلاة جبريل بالنبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث ابن عباس، وحديث جابر وسبق تخريجهما، ثم جاءت آيات كثيرة مدنية بعد ذلك تأمر بإقامة الصلاة، فكان الخطاب متوجهًا لصلاة معهودة قد عرفوها، فلم تكن مفتقرة إلى البيان، وعليه فيكون قوله: {وَأَقِيمُوا

(1)

. المحلى (3/ 25).

(2)

. المسالك في شرح موطأ مالك (2/ 354).

ص: 253

الصَّلَاةَ} نصًّا في إفادة وجوب الصلاة لا أكثر، وهو ليس بمجمل.

الدليل الثاني:

أن النبي صلى الله عليه وسلم واظب على كل من الجهر والإسرار في موضعه، ولم يُخِلَّ به مرة واحدة، فصارت المواظبة على الجهر والإسرار في العبادة صفة لازمة، لملازمة النبي صلى الله عليه وسلم على هذه الصفة، وأخذت صفة القراءة حكم القراءة نفسها، فإذا كانت القراءة واجبة فهي واجبة بالصفة التي تُلُقِّيَتْ عن الشارع من جهر وإسرار، فلا تنفك العبادة الواجبة عن صفتها، فمن خالف هذه الصفة فإنه يصدق عليه قوله صلى الله عليه وسلم في حديث عائشة: من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد

(1)

.

وقال صلى الله عليه وسلم: (صلوا كما رأيتموني أصلي)، والأصل في الأمر الوجوب

(2)

.

* ويناقش هذا الدليل من وجوه:

الوجه الأول:

أن الفعل المجرد لا يدل على الوجوب إلا أن يكون بيانًا لمجمل، ويكون ذلك المجمل واجبًا، فيأخذ الفعل حكم ذلك المجمل، والمواظبة على الفعل ليست قرينة تصرف الفعل من الاستحباب إلى الوجوب، لوجود سنن كثيرة واظب عليها النبي صلى الله عليه وسلم ولم يقل أحد بوجوبها، نعم الملازمة قد تجعل هذا الفعل من السنن المؤكدة، وإذا لم يحفظ في الشرع أمر بالجهر أو بالإسرار فلا يمكن القول بالوجوب.

الوجه الثاني:

(ح -1578) أن دعوى المواظبة فيها نزاع، فقد روى البخاري من طريق يحيى بن أبي كثير قال: حدثني عبد الله بن أبي قتادة

عن أبيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ بأم الكتاب وسورة معها في الركعتين الأوليين من صلاة الظهر وصلاة العصر، ويسمعنا الآية أحيانًا

الحديث

(1)

. رواه مسلم (18 - 1718) من طريق سعد بن إبراهيم، عن القاسم بن محمد، عن عائشة.

ورواه البخاري معلقًا بصيغة الجزم في باب: إذا اجتهد العامل أو الحاكم، فأخطأ خلاف الرسول صلى الله عليه وسلم، فحكمه مردود (9/ 107).

(2)

. رواه البخاري (6008) من طريق أيوب، عن أبي قلابة، عن مالك بن الحويرث.

ص: 254

ورواه مسلم

(1)

.

فكان النبي صلى الله عليه وسلم ربما أسمع الصحابة الآية أحيانًا في الصلاة السرية، وظاهر الحديث أن هذا يتكرر منه عليه الصلاة والسلام، وأقل ما يدل عليه فعل النبي صلى الله عليه وسلم الجواز، وإذا جازت المخالفة في الآية جازت المخالفة في أكثر منها.

قال ابن بطال: «وفى قول أبى قتادة: وكان يسمعنا الآية أحيانًا: دليل أنه كان ذلك من فعله على القصد إليه والمداومة عليه»

(2)

.

* ويناقش:

بأن الجهر اليسير لا يخرج الصلاة عن كونها سرية.

* ورد هذا:

بأننا لم نقل إن الجهر اليسير يخرج الصلاة عن السرية، ولكنه يرد دعوى أن النبي صلى الله عليه وسلم واظب على الجهر والإسرار في موضعه.

وإذا جاز ترك الإسرار في القليل جاز ذلك في الكثير خاصة أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحفظ عنه نهي في الباب، ومن ادعى التحريم في الكثير فعليه الدليل.

ولم يقل أحد: إن ترك الجهر والإسرار في موضعه سنة، غايته أنه ترك مستحبًّا من مستحبات الصلاة، وأما التحريم فيحتاج إلى دليلٍ بَيِّنٍ، وحجة واضحة، والله أعلم.

الوجه الثالث:

أن الاستدلال بحديث: (صلوا كما رأيتموني أصلي) على الوجوب فيه نظر كثير، وقد سبق أن بينت ذلك في مناقشة سابقة وذكرت بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يقتصر في صلاته على الفروض دون السنن، فالاستدلال بمثل هذا الأمر العام المشتمل على أحوال وهيئات، وصفات وأقوال، أحكامها مختلفة، لا يمكن أن يستدل على وجوبها بهذا العموم، إلا لو كان النبي صلى الله عليه وسلم قد اقتصر على الواجبات دون السنن طيلة بقاء مالك ابن الحويرث في زيارته للمدينة، وإذ لا يمكن دعوى ذلك فلا ينهض الحديث دليلًا على وجوب أفعال النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة، غاية ما يفيده حديث (صلوا كما رأيتموني

(1)

. سبق تخريجه، انظر (ح 1574).

(2)

. شرح البخاري لابن بطال (2/ 377).

ص: 255

أصلي) على مشروعية جميع ما رآه مالك مما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعله في صلاته طيلة مقامه عند النبي صلى الله عليه وسلم، وأما دليل الركنية أو الوجوب فتؤخذ من أدلة أخرى، فالمقطوع به هو الاستحباب، ولا يصرف عن ذلك إلا بقرينة؛ ولأن الأصل في أفعال النبي صلى الله عليه وسلم المجردة الاستحباب، والله أعلم

الدليل الثاني:

ذكر النووي في الخلاصة، عن أبي هريرة رفعه: من جهر بالقراءة في صلاة النهار فارموه بالبعر. ويقول: إن صلاة النهار عجماء

(1)

.

[قال النووي: باطل لا أصله له. اهـ يعني مرفوعًا، والمعروف أنه من كلام الحسن وأبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود ومجاهد]

(2)

.

(1)

. خلاصة الأحكام (1243).

(2)

. وروى ابن أبي شيبة في المصنف (3669) حدثنا وكيع، عن الأوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير، قال: قالوا يا رسول الله، إن هاهنا من يجهرون بالقراءة بالنهار، فقال: ارموهم بالبعر.

ورواه أبو عبيد القاسم بن سلام في فضائل القرآن (ص: 169)، قال: حدثنا عبد الله بن صالح، حدثنا محمد بن كثير، عن الأوزاعي به.

وهذا مرسل. وقال ابن هانئ كما في سؤالاته (2215): سئل -يعني الإمام أحمد- عن مراسيل يحيى بن أبي كثير، قال: لا تعجبني؛ لأنه روى عن رجال ضعاف صغار. اهـ

وقال يحيى القطان: مرسلات يحيى بن أبي كثير شبه الريح.

وقد رواه يوسف بن يزيد الدمشقي كما في فتح الباري لابن رجب (7/ 85)، عن الأوزاعي، عن يحيى، عن أبي سلمة، عن بريدة، عن النبي صلى الله عليه وسلم. فوصله.

قال صالح بن محمد الحافظ وغيره: خطأ لا أصل له.

قال ابن رجب: ويوسف هذا ضعيف. إشارة إلى نكارة وصله.

وقال أبو عبيد: وحدثنا عبد الله بن صالح، عن معاوية بن صالح، عن عمر بن عبد العزيز، عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل ذلك. وهذا مرسل أيضًا.

وروى عبد الرزاق في المصنف (4199) عن ابن جريج، قال: أخبرني عبد الكريم الجزري، عن الحسن، قال: صلاة النهار عجماء، لا يرفع بها الصوت إلا الجمعة، والصبح، وما يرفع.

صحيح من قول الحسن البصري.

وقد رواه ابن أبي شيبة في المصنف (3664) حدثنا حفص، عن هشام، عن الحسن، قال: صلاة النهار عجماء، وصلاة الليل تسمع أذنيك.

وروى عبد الرزاق (4200) عن ابن جريج، قال: قال مجاهد: صلاة النهار عجماء. =

ص: 256

الدليل الثالث:

أن الجهر فيما يجهر فيه الإمام بالقراءة واجب ليستمع القوم لقراءته، لكونها أقيمت مقام قراءتهم؛ لوجود المقصود، وهو الاستماع، فلما قامت قراءة الإمام مقام قراءة المأموم وجب أن يكون الجهر فرضًا.

* ونوقش:

بأن الحنفية يحرمون القراءة خلف الإمام حتى في السرية، فلم يكن الاستماع في الصلاة الجهرية هو علة تحمل الإمام عن المأموم القراءة حتى يكون الجهر واجبًا، بل قراءة الإمام هي العلة عند الحنفية في تحمل القراءة عن المأموم، وليس الجهر.

* دليل من قال: يستحب الجهر والإسرار في موضعه:

الدليل الأول:

لا يحفظ في النصوص الشرعية أمر شرعي من الشارع يأمر بالجهر في الجهرية والإسرار في السرية، والأصل عدم الوجوب.

= وروى عبد الرزاق أيضًا (4201) عن معمر، عن عبد الكريم الجزري، قال: سمعت أبا عبيدة يقول: صلاة النهار عجماء.

ورواه ابن أبي شيبة في المصنف (3665) حدثنا شريك، عن عبد الكريم، قال: صلى رجل إلى جنب أبي عبيدة، فجهر بالقراءة، فقال له: إن صلاة النهار عجماء، وصلاة الليل تسمع أذنيك.

قال الحافظ ابن رجب في شرح البخاري (7/ 84): «كثير من العلماء جعله حديثًا مرفوعًا منهم: ابن عبد البر (انظر التمهيد 3/ 310) وابن الجوزي، ولا أصل لذلك، وحكي عن أبي حامد الإسفراييني، سأل الدارقطني عنه، فقال: لا أعرف صحيحًا، ولا فاسدًا» .

وقال النووي في المجموع (3/ 46): قال الدارقطني وغيره من الحفاظ: هذا ليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم

وإنما هو قول بعض الفقهاء، ثم ذكر كلام أبي حامد، وسؤاله الدارقطني.

وذكره السخاوي في المقاصد الحسنة في بيان كثير من الأحاديث المشتهرة على الألسنة (628)، والسيوطي في الدرر المنتثرة في الأحاديث المشتهرة (274)، وصاحب كشف الخفاء ومزيل الإلباس عما اشتهر من الأحاديث على ألسنة الناس للعجلوني (1609)، والفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة للشوكاني (53)، وأسنى المطالب في أحاديث مختلفة المراتب (825)، والأسرار المرفوعة في الأخبار الموضوعة (226)، والمصنوع في معرفة الحديث الموضوع (180)، والجد الحثيث في بيان ما ليس بحديث (234)، وغيرهم.

ص: 257

الدليل الثاني:

الجهر والإسرار إنما تلقيناه من السنة الفعلية، ودلالة أفعال الرسول صلى الله عليه وسلم في أمور التعبد الأصل فيها الاستحباب، إلا أن تكون بيانًا لمجمل، فيأخذ الفعل حكم ذلك المجمل، فيبقى القول بالسنية هو المتيقن، والأصل براءة الذمة من اشتغالها بواجب لا دليل على وجوبه.

الدليل الثالث:

(ح-1579) ما رواه البخاري من طريق يحيى بن أبي كثير، حدثني عبد الله بن أبي قتادة،

عن أبيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ بأم الكتاب وسورة معها في الركعتين الأوليين من صلاة الظهر وصلاة العصر، ويسمعنا الآية أحيانًا

الحديث ورواه مسلم

(1)

.

الدليل الرابع:

(ح-1580) ما رواه النسائي، قال: أخبرنا محمد بن إبراهيم بن صدران، قال: حدثنا سلم بن قتيبة قال: حدثنا هاشم بن البريد، عن أبي إسحاق،

عن البراء قال: كنا نصلي خلف النبي صلى الله عليه وسلم الظهر فنسمع منه الآية بعد الآيات من سورة لقمان، والذاريات

(2)

.

[حسن إن سلم من الاختلاف على سلم بن قتيبة، ويشهد له حديث أبي قتادة في الصحيحين]

(3)

.

(1)

. سبق تخريجه، انظر (ح 1574).

(2)

. المجتبى من سنن النسائي (971)، وفي السنن الكبرى له أيضًا (1045).

(3)

. الحديث رواه سلم بن قتيبة، واختلف عليه فيه:

فرواه محمد بن إبراهيم بن صدران كما في السنن الكبرى للنسائي (1045)، وفي المجتبى (971).

وعقبة بن مكرم البصري كما في سنن ابن ماجه (830)، كلاهما ابن صدران وعقبة، قالا: حدثنا سلم بن قتيبة، عن هاشم بن البريد، عن أبي إسحاق به.

وخالفهما محمد بن أبي بكر المُقَدَّمي، عن سلم بن قتيبة، عن أبي عبد الرحمن، عن أبي إسحاق، عن البراء. =

ص: 258

وجه الاستدلال من الحديثين:

لو كان الجهر محرمًا لما خالفه النبي صلى الله عليه وسلم في بعض الآيات.

* ونوقش هذا الاستدلال من أكثر من وجه:

الوجه الأول:

أن المسألة مفروضة في الجهر والإسرار الكلي، لا في وقوع الجهر في الآية، وعلى التسليم فإنه دليل على جواز الجهر في السرية، فأين الدليل على جواز الإسرار في الجهرية، فالدليل أخص من الدعوى، فالجهر في آية واحدة لا ينافي السرية، والله أعلم.

* وأجيب:

بأن الجهر لا يخلو إما أن يكون مباحًا فالكثير منه والقليل سواء، أو يكون محظورًا فالقليل والكثير منه سواء، ولا يجوز أن يفرق في الحرام بين القليل والكثير إلا بنص يعتمد عليه في التفريق، والأصل أن إباحة القليل دليل على إباحة الكثير.

= أخرجه أبو يعلى كما في تحفة الأشراف (2/ 58) وليس في المطبوع.

وأبو عبد الرحمن لم أعرفه، فإن كان ذلك محفوظًا حمل على أن لسلم بن قتيبة في هذا الحديث شيخين، وإلا عُدَّ هذا اضطرابًا في إسناده.

وقال النووي في الخلاصة (1208)، وفي المجموع (3/ 334):«رواه النسائي وابن ماجه بإسناد حسن» .

وقال ابن حجر في نتائج الأفكار (1/ 437): «هذا حديث حسن» .

وقد حسن إسناده الشيخ مقبل الوادعي رحمه الله في الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين (1/ 121) و (2/ 111).

وأطلق الحافظ ابن حجر الاختلاط على أبي إسحاق، وأعله به بعض العلماء المعاصرين وقال: لا ندري أسمع هاشم منه في الاختلاط أم قبله؟!

وقال الذهبي في الميزان: .... شاخ ونسي ولم يختلط. ففرق بين حصول النسيان بسبب الكبر، وبين الاختلاط.

وقال الذهبي كما في سير أعلام النبلاء (5/ 394):

كبر، وتغير حفظه تغير السن، ولم يختلط.

وقال العلائي: لم يعتبر أحد من الأئمة ما ذكر من اختلاط أبي إسحاق، واحتجوا به مطلقًا، وذلك يدل على أنه لم يختلط في شيء من حديثه. المختلطين للعلائي (ص: 94).

ص: 259

الوجه الثاني:

قد يكون الصحابي سمع منه الآية لقربه منه، ولا يعني هذا أنه قصد الجهر بها، وقد تَسْمَعُ أحيانًا بعضَ قراءة من بجانبك، أو تسبيحه أو دعاءه، وإن لم يقصد بذلك الجهر، فلا يلزم من سماع قراءة بعض الآي من الإمام أن يكون قصد بذلك الجهر.

ويشكل على هذا التوجيه أن ظاهر قول الصحابي: (ويسمعنا الآية)، أنه يسمع جميع المصلين لا بعضهم، وأنه يقصد إسماعهم، لا أن السماع يحصل بلا قصد.

الوجه الثالث:

ربما جهر النبي صلى الله عليه وسلم ليعلمهم أنه يقرأ، وحتى لا يظن أحد أن المشروع في الصلاة السرية السكوت بلا قراءة، كما ظن ذلك ابن عباس، فكان يسمعهم الآية أحيانًا لغرض التعليم، كما جهر بعض الصحابة بدعاء الاستفتاح لغرض التعليم، وليس الجهر فيه من السنة.

* ويجاب:

هذا الاحتمال صحيح، لكنه دليل على أن الجهر في السرية ليس حرامًا؛ إذ لو كان الإسرار واجبًا والجهر في السرية حرامًا لم يرتكب النبي صلى الله عليه وسلم المحرم لمصلحة التعليم؛ لأنه يمكنه إخبارهم بذلك خارج الصلاة.

الدليل الخامس: من الآثار.

(ث-418) ما رواه ابن أبي شيبة، قال: حدثنا عبد الأعلى، عن داود، عن الشعبي،

أن سعيد بن العاص صلى بالناس الظهر والعصر فجهر بالقراءة، فسبح القوم، فمضى في قراءته، فلما فرغ صعد المنبر فخطب الناس، فقال: في كل صلاة قراءة، فإن صلاة النهار الخرس، وإني كرهت أن أسكت فلا ترون أني فعلت ذلك بدعة

(1)

.

[صحيح].

(ث-419) ما رواه الطبراني في الكبير، قال: حدثنا محمد بن النضر الأزدي، ثنا معاوية بن عمرو، ثنا زائدة، عن أشعث بن أبي الشعثاء،

(1)

. المصنف (3641).

ص: 260

عن عبد الله بن زياد الأسدي، قال: سمعت قراءة عبد الله، في إحدى صلاتي النهار

(1)

.

[صحيح]

(2)

.

(ث-420) وروى ابن أبي شيبة في المصنف، حدثنا وكيع، قال: حدثنا الأعمش، عن إبراهيم،

عن علقمة، قال: صليت إلى جنب عبد الله بالنهار، فلم أدر أي شيء قرأ حتى انتهى إلى قوله:{رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا} . [طه: 114]، فظننت أنه يقرأ في طه

(3)

.

[صحيح]

(4)

.

(ث-421) ومنها ما رواه الطبراني في الكبير، قال: حدثنا يوسف القاضي، ثنا أبو الربيع الزهراني، حدثنا أبو شهاب،

(1)

. المعجم الكبير للطبراني (9/ 277) ح 9389.

(2)

. قال الهيثمي في مجمع الزوائد (2/ 117): رواته ثقات.

ورواه الطبراني في الكبير (9/ 196) ح 8962، من طريق أبي نعيم.

والبيهقي في السنن الكبرى (2/ 241)، وفي القراءة خلف الإمام (207) من طريق علي بن حجر، كلاهما (أبو نعيم وعلي بن حجر) روياه عن شريك، عن أشعث بن سليم، عن عبد الله بن زياد، قال: صليت إلى جنب عبد الله بن مسعود، فسمعته يقرأ في الظهر والعصر.

هذا لفظ أبي نعيم. وهو إسناد صالح في المتابعات.

وأما لفظ شريك، فقال: صليت إلى جنب عبد الله بن مسعود رضي الله عنه خلف الإمام، فسمعته يقرأ في الظهر والعصر.

أخطأ فيه شريك بقوله: (خلف الإمام) فإن المحفوظ عن ابن مسعود أنه كان ينهى عن القراءة خلف الإمام، وقد ذكرت ذلك في قراءة الفاتحة خلف الإمام.

(3)

. مصنف ابن أبي شيبة (3659).

(4)

. ورواه عبد الرزاق (4045) عن الثوري، عن الأعمش به، ومن طريق عبد الرزاق أخرجه الطبراني في الكبير (9/ 277) ح 9390. وقد سقط من مصنف عبد الرزاق شيخه الثوري.

ورواه البيهقي في الخلافيات (1917) وفي القراءة خلف الإمام له (372) من طريق أبي معاوية ووكيع، قالا: حدثنا الأعمش به.

ورواه ابن أبي شيبة في المصنف (3667) حدثنا جرير، عن منصور، عن إبراهيم به.

قال الهيثمي في مجمع الزوائد (2/ 117) رواه الطبراني في الكبير، ورجاله مُوَثَّقُون.

ص: 261

عن حميد، وعثمان البتي، قالا: صلينا خلف أنس بن مالك الظهر، والعصر، فسمعناه يقرأ:{سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى}

(1)

.

[صحيح].

(ث-422) ومنها: ما رواه عبد الرزاق، عن ابن جريج، قال:

قلت لنافع: أكان ابن عمر يسمعك القراءة في التطوع بالنهار؟ قال: نعم، من السورة الشيء، وهو يسير

(2)

.

[صحيح]

(3)

.

ويرد على هذه الآثار من المناقشة ما ورد على حديث أبي قتادة المرفوع: (ويسمعنا الآية أحيانًا)، فارجع إليه.

فهذا ابن عمر رضي الله عنهما، وهو قد يسمع منه الشيء اليسير في صلاة النهار، ينهى عن الجهر في الصلاة السرية.

(ث-423) فقد روى ابن أبي شيبة في المصنف، قال: حدثنا غندر، عن شعبة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير،

عن ابن عمر، أنه رأى رجلًا يجهر بالقراءة نهارًا، فدعاه، فقال: إن صلاة النهار لا يجهر فيها، فأسر قراءتك

(4)

.

[بشر بن حرب ليس بالقوي]

(5)

.

(1)

. المعجم الكبير (1/ 242) ح 678.

(2)

. المصنف (4198).

(3)

. وروى حرب الكرماني في مسائل الصلاة ت الغامدي (276)، حدثنا سعيد بن منصور، قال: حدثنا حماد بن زيد، عن بشر بن حرب، قال: رأيت ابن عمر يصلي بالنهار، فكان يسمعنا قراءته.

(4)

. المصنف (3661).

(5)

. ورواه البيهقي في الشعب (2451) من طريق مسلم بن إبراهيم، عن شعبة به. قال عبد الله بن أحمد كما في العلل (342): سألت أبي عن بشر بن حرب، فقلت: يعتمد على حديثه. فقال: ليس هو ممن يترك حديثه.

وقال ابن هاني والمروذي: سألنا أبا عبد الله عن بشر بن حرب. فقال: نحن صيام، كأنه ضعفه. سؤالات ابن هاني (664)، وسؤالات المروذي (150).

وقال البخاري: رأيت علي بن المديني يضعفه.

ص: 262

مما يدل على أن الجهر اليسير لا ينافي السرية، والبحث هو في الجهر الكلي في الصلاة السرية، والله أعلم.

* دليل من قال: يكره الجهر والإسرار في غير موضعه.

المكروه عند الفقهاء قسمان:

قسم: ورد النهي عنه بعينه إلا أن النهي لم يكن جازمًا، فهذا من المكروه المتفق عليه.

وقسم ما خالف فيه سنة مؤكدة، فبعض العلماء يلحق هذا بالمكروه، ويعبر عنه بعض الأصوليين بخلاف الأولى، وهو أخف كراهة من القسم الأول الذي ورد النهي عنه بذاته، وترك الجهر والإسرار في موضعه ملحق بهذا القسم، وهو خلاف الأولى.

وقد ينازع بعضهم في إلحاق هذا القسم بالمكروه؛ لأنه لا يلزم من ترك المستحب الوقوع في المكروه، فالمكروه ملحق بالمنهيات، والسنن ملحقة بالمأمورات، والله أعلم.

* الراجح:

قول الحنفية فيه قوة، وقول الجمهور أقوى، والأصل عدم الوجوب، ومن جهر في موضع الإسرار بغرض التعليم ففعله حسن، ومن جهر معتقدًا أن الجهر أفضل ففعله منكر؛ لأن مخالفة السنة لا يمكن أن تكون أفضل.

* * *

ص: 263