الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الخامس في قراءة السورة قبل الفاتحة
المدخل إلى المسألة:
* عمل الرسول صلى الله عليه وسلم في صلاته وعمل المسلمين: هو تقديم أم القرآن في قراءة الصلاة على غيرها من القرآن.
* إذا قرأ قبل الفاتحة حصلت له سنة القراءة، لأن القراءة محلها القيام، وفاته سنة الترتيب بينها وبين الفاتحة.
* لا يلزم من ترك السنة الوقوع في المكروه.
* إذا جاء بالقراءة قبل الفاتحة لا يعتبر هو ومن لم يقرأ سواءً.
[م-578] اختلف العلماء في قراءة السورة قبل الفاتحة، هل تحصل بها السنة:
فقيل: يجب تقديم الفاتحة على السورة، حتى لو قرأ حرفًا من السورة قبل الفاتحة ساهيًا، ثم تذكر، فإنه يقرأ الفاتحة، ثم السورة، ويلزمه سجود السهو، وهذا مذهب الحنفية
(1)
.
قال ابن الهمام: «ولو بدأ بحرف من السورة قبل الفاتحة فذكر، فقرأ الفاتحة يسجد للسهو للتأخير»
(2)
.
وقال الجمهور: لو قدمها لم تحسب، ويستحب له أن يعيد السورة
(3)
.
(1)
. البحر الرائق (1/ 313)، فتح القدير (1/ 503)، حاشية الشلبي على تبيين الحقائق (1/ 112).
(2)
. فتح القدير (1/ 503).
(3)
. الشرح الكبير (1/ 242)، الدر الثمين والمورد المعين (ص: 344)، أسنى المطالب (1/ 188)، نهاية المحتاج (1/ 491)، مغني المحتاج (1/ 361).
وقال في شرح منتهى الإرادات (1/ 191): ولا يعتد بالسورة قبل الفاتحة. اهـ
وانظر: كشاف القناع (1/ 343)، مطالب أولي النهى (1/ 436).
وجاء في تعليقة القاضي حسين: «لو قرأ السورة قبل الفاتحة لم يحسب، وقال الشافعي نصًّا، أَسْتَحِبُّ له أن يعيد السورة بعد الفاتحة»
(1)
.
وقيل: يكره، وقراءته صحيحة، اختاره ابن حزم
(2)
.
* دليل الحنفية على وجوب تقديم الفاتحة:
قال ابن نجيم: يجب تقديم الفاتحة على السورة؛ لثبوت المواظبة منه صلى الله عليه وسلم
(3)
.
يعني: وقد قال صلى الله عليه وسلم: كما في حديث مالك بن الحويرث: (صلوا كما رأيتموني أصلي). رواه البخاري، وسبق تخريجه.
ومذهب الحنفية قائم على مسألتين:
إحداهما: وجوب قراءة ما زاد على الفاتحة.
الثانية: وجوب الترتيب بينها وبين الفاتحة.
ومنزعهم في المسألتين ضعيف،
أما منزعهم في وجوب ما زاد على الفاتحة: فقد أفردت لهذه المسألة مبحثًا مستقلًّا، وبينت أنه قول مرجوح، وأن حديث عبادة بن الصامت المتفق عليه:(لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب)، مفهومه: أن من قرأ فاتحة الكتاب فله صلاة. يعني فيما يتعلق بالقراءة، إلا أن الحنفية لا يرون المفهوم حجة مطلقًا، وهي مسألة خالفوا فيه الجمهور، وأدلة المسألة يراجع فيها أصول الفقه.
وأما منزعهم في وجوب الترتيب: فهو المواظبة على هذا الترتيب من فعله صلى الله عليه وسلم، حيث لم يحفظ أنه خالف في ذلك ولو مرة واحدة ليبين الجواز.
والمواظبة بمجردها لا تكفي حجة للقول بالوجوب، فهناك عبادات كثيرة واظب عليها النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يذهب الحنفية إلى القول بوجوبها، من ذلك الوضوء، وسنة الفجر، وغيرهما، فالفعل المجرد يدل على الاستحباب، والمواظبة قد تجعل منها سنة مؤكدة، لكن لا يمكن القول بالوجوب لمجرد المواظبة، حتى يلحق
(1)
. تعليقة القاضي حسين (2/ 748).
(2)
. المحلى (3/ 17).
(3)
. البحر الرائق (1/ 313).
المصلي الإثم إذا تعمد الإخلال بها، والله أعلم.
* دليل الجمهور على استحباب إعادة السورة بعد الفاتحة:
أن القراءة بعد الفاتحة سنة في الصلاة في مَحَلِّها، ومحلُّها بعد الفاتحة، لا قبلها، فإذا جاء بالسنة في غير محلها لم تحسب، وكأنه لم يفعل شيئًا، كما لو قرأ التشهد في القيام، واستحب له الإعادة، ولم تجب؛ لأن قراءة ما زاد على الفاتحة ليس بواجب أصلًا، ولا يوجب ذلك سجود سهو؛ لأن القيام محل للقراءة في الجملة.
* دليل ابن حزم على كراهة تقديم السورة مع صحة الصلاة:
(1)
.
* الراجح:
أما القول بوجوب الترتيب بين الفاتحة والسورة فهو ظاهر الضعف.
وأما القول باستحباب الترتيب بينهما فهو ظاهر، ويبقى الخلاف في مسألتين:
في استحباب إعادة القراءة. وفي كراهة تقديم السورة على الفاتحة.
فأما الأولى: فإذا جاء بالقراءة قبل الفاتحة أيعتبر هو ومن لم يقرأ سواء، أم يقال: إن القراءة محلها القيام، وهذا سنة، وكونها بعد الفاتحة سنة أخرى، فإخلاله بالمحل لا يعود بالإخلال على القراءة، فاعتباره كأنه لم يقرأ فيه ضعف، وعليه فاستحباب الإعادة قد يحتاج إلى دليل.
وقد يقال: إن السنة الأخرى وهو كونها بعد الفاتحة لم يفت محلها، والقيام كله محلٌّ للقراءة، فإذا قرأ قبل الفاتحة فقراءته صحيحة، فإذا فرغ من الفاتحة استحب له القراءة أيضًا لأن هذا محل للقراءة أيضًا فيستحب له القراءة، لا سيما إذا قرأ غير الآيات التي قرأها حتى لا يقال: أعادها، فالتوجيه هذا قول أقوى من القول
(1)
. المحلى (3/ 24).
باستحباب الإعادة للآيات التي قرئت، والله أعلم.
هذا فيما يتعلق باستحباب إعادة القراءة، وأما القول بكراهة تقديم السورة على الفاتحة، فيقال: لا يلزم من ترك السنة الوقوع في المكروه؛ لأن الكراهة حكم شرعي يحتاج إلى دليل شرعي، فما لم يرد نهي من الشارع عن تقديم السورة على الفاتحة لا يمكن المصير إلى القول بالكراهة، لكن بعض الأصوليين يرون من قسم المكروه ترك السنن المؤكدة، ويعبرون عنه بخلاف الأولى، فهل الترتيب بينهما من السنن المؤكدة لمواظبة النبي صلى الله عليه وسلم على هذا الترتيب، ومراعاة لخلاف الحنفية حيث يقولون بوجوب الترتيب، فيه تأمل.
وعلى كل حال فالقول بأنه خلاف الأولى أخف من القول بالكراهة، لأن هذا يلزم منه أن الشارع نهى عنه لا على سبيل الإلزام. وهو لم يحفظ في النصوص، والله أعلم.
* * *