الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة الثانية حكم الجهر والإسرار بالقراءة للمنفرد
المدخل إلى المسألة:
* إذا كان الإسرار مستحبًّا في حق الإمام الذي يصلي بغيره، فهو مستحب في حق المنفرد الذي يصلي لنفسه من باب أولى.
* يتبع المصلي المنفرد ما هو أخشع لقلبه، وأنشط على الصلاة.
* استحباب الجهر للإمام من أجل الإسماع، والمنفرد لا يُسْمِعُ أحدًا.
* إذا اختار المنفرد الجهر فلا يكون جهره بمنزلة جهر الإمام الذي يُسْمِعُ مَنْ خَلْفَهُ، وإنما هو وسط بين الجهر والإخفات.
[م-600] اختلف الفقهاء في حكم الإسرار للمنفرد في الصلاة السرية:
فقال الحنفية: المخافتة في السرية واجبة في حق المنفرد على الأصح
(1)
.
قال في بدائع الصنائع: «إن كان منفردًا، فإن كانت صلاة يخافت فيها بالقراءة خافت لا محالة، وهو رواية الأصل
…
»
(2)
.
وجهه: إذا كان الإسرار واجبًا في حق الإمام الذي يصلي بغيره، فهو واجب في حق المنفرد الذي يصلي لنفسه من باب أولى.
وقد ناقشت مذهب الحنفية في وجوب الإسرار على الإمام في المسألة
(1)
. قال ابن نجيم في البحر الرائق (1/ 319): «الإخفاء في صلاة المخافتة واجب على المصلي إمامًا كان أو منفردًا
…
وهو واجب على الإمام اتفاقًا وعلى منفرد على الأصح، وأما الجهر في الصلاة الجهرية فواجب على الإمام فقط، وهو أفضل في حق المنفرد».
وانظر: بدائع الصنائع (1/ 161)، العناية شرح الهداية (1/ 327)، الجوهرة النيرة (1/ 56)، المبسوط (1/ 17، 222)، تحفة الفقهاء (1/ 130).
(2)
. بدائع الصنائع (1/ 161).
السابقة، فانظره هناك.
وقال الجمهور: الإسرار سنة في السرية
(1)
.
* واستدلوا على الاستحباب:
ذكرنا الأدلة على أن الإسرار سنة في موضعه في حق الإمام في المسألة السابقة، وإذا كان الإسرار مستحبًّا في حق الإمام الذي يصلي بغيره، فهو مستحب في حق المنفرد الذي يصلي لنفسه من باب أولى.
ولأن الجهر والإسرار هيئة للذكر، فوجب أن يستوي حكمه في حق الإمام والمنفرد؛ فصلاة الإمام في حكم صلاة المنفرد؛ لأن نية الإمامة ليست بشرط، فلو صلى ولم يَنْوِ الإمامة، وصلى جماعة بصلاته صح اقتداؤهم به، وإن لم ينو الإمامة بهم، بخلاف الائتمام فإنه لا يصح إلا بنية.
وأما الجهر في الجهرية:
فقال الحنفية والحنابلة: يخير المنفرد، إن شاء خافت وإن شاء جهر، والجهر أفضل عند الحنفية
(2)
.
(1)
. التلقين (1/ 43)، الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي (1/ 242، 243)، المنتقى شرح الموطأ (1/ 161)، القوانين الفقهية (ص: 38)، التاج والإكليل (2/ 222)، التوضيح لخليل (1/ 328)، شرح ابن ناجي على الرسالة (1/ 136)، عقد الجواهر (1/ 96)، المقدمات الممهدات (1/ 163)، الحاوي الكبير (2/ 149، 150)، المهذب للشيرازي (1/ 142)، المجموع شرح المهذب (3/ 389، 391)، تحفة المحتاج (2/ 56)، مغني المحتاج (1/ 362)، نهاية المحتاج (1/ 493) نهاية المطلب (3/ 56).
وقال ابن قدامة في المغني (1/ 407): «الجهر في موضع الجهر، والإسرار في موضع الإسرار، لا خلاف في استحبابه، فإن جهر في موضع الإسرار، أو أسر في موضع الجهر، ترك السنة، وصحت صلاته» .
وانظر: كشاف القناع (1/ 332، 344)، شرح الزركشي على الخرقي (1/ 603)، المبدع (1/ 392)، الإنصاف (2/ 57)، الإقناع (1/ 118)، شرح منتهى الإرادات (1/ 192).
(2)
. تحفة الفقهاء (1/ 130)، بدائع الصنائع (1/ 161)، فتح القدير لابن الهمام (1/ 325)، العناية شرح الهداية (1/ 325)، الجوهرة النيرة على مختصر القدوري (1/ 56)، شرح منتهى الإرادات (1/ 192)، كشاف القناع (1/ 343)، الإقناع (1/ 118)، مطالب أولي النهى (1/ 441)، أخصر المختصرات (ص: 112).
* وجه التخيير:
أن لكل من الجهر والإسرار ما يسوغه، فالجهر اعتبار بالوقت، حيث صلاة الليل جهرية، وغالب صلاة النهار سرية.
والمخافتة باعتبار أن الجهر من أجل الإسماع، وهولا يُسْمِعُ أحدًا. والله أعلم.
واختار المالكية والشافعية أنه يسن له الجهر، وهو رواية عن أحمد
(1)
.
قال القيرواني في الرسالة: «وأما الجهر فأن يسمع نفسه ومن يليه إن كان وحده»
(2)
.
* دليل من قال: يستحب الجهر:
الدليل الأول:
(ح-1581) ما رواه أبو داود من طريق يحيى بن إسحاق، قال: أخبرنا حماد بن سلمة، عن ثابت البناني، عن عبد الله بن رباح،
عن أبي قتادة؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج ليلةً، فإذا هو بأبي بكر رضي الله عنه يصلي يخفض من صوته، قال: ومرَّ بعمر بن الخطاب، وهو يصلي رافعًا صوته، قال: فلما اجتمعا عند النبي صلى الله عليه وسلم، قال: يا أبا بكر، مررتُ بك وأنتَ تصلي تخفض صوتك؟ قال: قد أسمعتُ مَن ناجيتُ يا رسول الله. قال: وقال لعمر: مررتُ بك، وأنت تصلي رافعًا صوتك؟ قال: فقال: يا رسول الله! أوقظُ الوَسنانَ، وأطرد الشيطان، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا أبا بكر ارفع من صوتك شيئًا، وقال لعمر: اخفض من صوتك شيئًا
(3)
.
[المحفوظ أنه مرسل، ووصله شاذ]
(4)
.
(1)
. مختصر خليل (ص: 32)، التلقين (1/ 45)، شرح الزرقاني على مختصر خليل (1/ 361)، الرسالة للقيرواني (ص: 33)، مواهب الجليل (1/ 525)، الفواكه الدواني (1/ 199)، حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني (1/ 290)، الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي (1/ 242، 243)، منح الجليل (1/ 252)، شرح الخرشي (1/ 275)، البيان والتحصيل (2/ 92)، الذخيرة (2/ 207)، التاج والإكليل (2/ 223)،.
(2)
. الرسالة (ص: 33).
(3)
. سنن أبي داود (1329).
(4)
. الحديث اختلف فيه على حماد بن سلمة:
فرواه يحيى بن إسحاق السَّيلحِينيُّ، أخبرنا حماد بن سلمة، عن ثابت البناني، عن عبد الله بن =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= رباح، عن أبي قتادة موصولًا.
رواه أبو داود (1329) حدثنا الحسن بن الصَّبَّاح.
والترمذي (447)، وأبو علي الطوسي في مستخرجه (427)، والطبراني في الأوسط (7219)، عن محمود بن غَيْلان.
وابن خزيمة (1161)، وعنه ابن حبان (733)، أخبرنا أبو يحيى محمد بن عبد الرحيم صاحب السَّابِريِّ.
والحاكم (1/ 310)، وعنه البيهقي (3/ 16) من طريق جعفر بن محمد بن شاكر.
وابن المنذر في الأوسط (5/ 156) من طريق الحسن بن علي (الخلال)، كلهم رووه عن يحيى بن إسحاق السَّيلحِينيُّ به موصولًا.
وخالفه موسى بن إسماعيل، فرواه عن حماد بن سلمة، عن ثابت البناني عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلًا.
أخرجه أبو داود (1329)، ومن طريقه البيهقي في السنن (3/ 16) عن موسى بن إسماعيل به.
قال الترمذي: «هذا حديث غريب، وإنما أسنده يحيى بن إسحاق عن حماد بن سلمة، وأكثر الناس إنما رووا هذا الحديث عن ثابت عن عبد الله بن رباح مرسلًا» .
وقول الترمذي: أكثر الناس رووه مرسلًا دليل على أنه لم يتفرد بإرساله موسى بن إسماعيل، وإن كنت من خلال البحث لم أقف على غيره.
وقال الطبراني: «لم يَرْوِ هذا الحديث موصولًا عن حماد بن سلمة إلا يحيى بن إسحاق، ولا يروى عن أبي قتادة إلا بهذا الإسناد» .
وسأل ابن أبي حاتم أباه عن هذا الحديث، فقال كما في العلل (2/ 222) ح (327):«الصحيح عن عبد الله بن رباح؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم، مرسلًا، أخطأ فيه السَّالَحِينيُّ» .
وله شاهد ضعيف من حديث أبي هريرة.
رواه أبو داود (1330) من طريق أسباط بن محمد، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم بهذه القصة لم يذكر، فقال لأبي بكر:«ارفع من صوتك شيئًا» ، ولعمر: اخفض شيئًا»، زاد: وقد سمعتك يا بلال وأنت تقرأ من هذه السورة، ومن هذه السورة، قال: كلام طيب يجمع الله تعالى بعضه إلى بعض، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: كلكم قد أصاب.
ومن طريق أبي داود أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (3/ 17)، وفي الشعب (4/ 5).
ورواه هشام بن عمار (104) حدثنا سعيد (هو ابن يحيى اللخمي)،
والخطيب في تاريخ بغداد (13/ 287)، وفي تلخيص المتشابه في الرسم (2/ 689) من طريق المُشْمَعِلِّ بن مِلْحَان، كلاهما عن محمد بن عمرو به.
ومحمد بن عمرو صدوق روى عنه مالك، إلا أنه متكلم في روايته عن أبي سلمة،
وقد وثقه ابن معين إلا أنه تكلم في روايته عن أبي سلمة، فقال حين سئل عنه: ما زال الناس يتقون حديثه. قيل له: وما علة ذلك؟ قال: كان يحدث مرة عن أبي سلمة بالشيء رأيه، =
الدليل الثاني:
أن الاعتبار بالصلاة في الجهر والإسرار، ولأنه إذا جهر في الصلاة الجهرية لم ينازع غيره، ولا هو مأمور بالإنصات إلى غيره، فكان حكمه حكم الإمام
(1)
.
* الراجح:
القول بالتخيير فيه قوة، ويتبع المصلي ما هو أخشع لقلبه، وأنشط على الصلاة، فمن الناس من يكون حاله في الجهر أكثر تدبرًا وتلذذًا بالقرآن، ومن الناس من يجد خشوعه أكثر في الإسرار، وإذا جهر لا يكون جهره بمنزلة جهر الإمام الذي يسمع من خلفه، وإنما وسط بين الجهر والإخفات.
قال تعالى: {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلا} [الإسراء: 110].
* * *
= ثم يحدث به مرة أخرى، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة. الجرح والتعديل (8/ 30).
والباحثون يضربون انتقاد ابن معين لرواية محمد بن عمرو بنقل توثيقه عنه المطلق، والحق أن كلام ابن معين مقيد في روايته عن أبي سلمة، وتوثيقه في روايته عن غيره، هذا إذا روى عن أبي سلمة، ولم يختلف عليه، وأما إذا اختلف عليه في الوصل والإرسال فهذه علة توجب رد روايته كما هو الشأن في هذا الحديث.
وسئل يحيى بن سعيد القطان عن محمد بن عمرو، فقال للسائل: تريد العفو، أو نشدد؟
قال: بل شدد. قال: ليس ممن تريد.
وقال المروذي: سألته (يعني أحمد) عن محمد بن عمرو، فقال: قد روى عنه يحيى، وربما رفع أحاديث يوقفها غيره، وهذا من قبله، وقد ورد على الأعمش، فلم يكرمه. سؤالاته (58).
وفضل أحمد بن حنبل سهيل بن أبي صالح عليه.
قال الدارقطني في الغرائب والأفراد كما في أطرافه (5523): تفرد به أسباط بن محمد، عنه.
وقال الدارقطني في العلل (8/ 23)«أرسله خالد بن عبد الله، والمعتمر بن سليمان، والدراوردي، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلًا، وهو أصح» .
وانظر جواب أبي زرعة لابن أبي حاتم في العلل (2/ 139) ح 270.
(1)
. انظر المهذب للشيرازي (1/ 142).