الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الرابع أقل ما تحصل به سنة التسبيح
المدخل إلى المسألة:
* المقادير والأعداد تحتاج إلى توقيف.
* لا أعلم دليلًا من الكتاب ولا من السنة، ولا من الإجماع يقدر عددًا معينًا في تسبيح الركوع والسجود لا يجزئ أقل منه.
* الامتثال يتحقق بفعل ذلك مرة واحدة، فما زاد كان أكمل.
* أمر النبي صلى الله عليه وسلم بتعظيم الرب في الركوع، وأطلق، فيصدق على الكثير والقليل.
[م-629] اختلف العلماء في أقل عدد يحصل به سنة التسبيح في الركوع والسجود:
فقيل: أقل ما يحصل به الذكر في الركوع تسبيحة واحدة، وهو مذهب الشافعية، والحنابلة، وكره الحنفية الاقتصار على تسبيحة واحدة، وهو قول محمد بن الحسن
(1)
.
جاء في الفتاوى الهندية: «لو ترك التسبيح أصلًا، أو أتى به مرة واحدة يجوز ويكره»
(2)
.
وقال أبو داود في مسائله: «سمعت أحمد سئل عمن سبح تسبيحة في سجوده، قال: تجزئه»
(3)
.
(1)
. بدائع الصنائع (1/ 208)، فتح القدير لابن الهمام (1/ 298)، البحر الرائق (1/ 333)، تحفة الفقهاء (1/ 133)، حاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح (ص: 270)، المفاتيح في شرح المصابيح (2/ 147)، شرح النووي على صحيح مسلم (4/ 197)، المجموع (3/ 412)، روضة الطالبين (1/ 251)، مغني المحتاج (1/ 366)، مختصر الخرقي (ص: 22، 23)، المغني (1/ 361)، الكافي لابن قدامة (1/ 251)، كشاف القناع (1/ 347)، شرح منتهى الإرادات (1/ 195، 254)، الإنصاف (2/ 60، 70)، الفروع (2/ 196)، شرح الزركشي على الخرقي (1/ 556)، المبدع (1/ 396)، مطالب أولي النهى (1/ 445).
(2)
. الفتاوى الهندية (1/ 73).
(3)
. مسائل أبي داود (ص: 55).
وقال بعض الحنابلة: يكره للإمام أن ينقص عن ثلاث أدنى الكمال في الركوع والسجود، ولا يكره للمنفرد؛ ليتمكن المأموم من سنة المتابعة
(1)
.
وقيل: أقل عدد يجزئ في التسبيح ثلاث، اختاره بعض الحنفية
(2)
.
وقال مالك: ليس عندنا في الركوع والسجود قول محدود
(3)
.
إن قصد به نفي العدد، رجع إلى قول الجمهور وأنه يجزئ تسبيحة واحدة، وإن أراد به نفي وجوب التسبيح، فقد ناقشت هذا القول في مشروعية التسبيح في مسألة سابقة.
* دليل من قال: أقل التسبيح مرة واحدة:
الدليل الأول:
اشتراط عدد معين في التسبيح لا يجزئ أقل منه يحتاج إلى توقيف، ولا أعلم دليلًا من الكتاب ولا من السنة، ولا من الإجماع يقدر عددًا معينًا في تسبيح الركوع والسجود لا يجزئ أقل منه، وإذا كان ذلك كذلك فالامتثال يتحقق بفعل ذلك مرة واحدة، فإن زاد كان أكمل، والله أعلم.
الدليل الثاني:
(ح-1701) ما رواه مسلم من طريق سفيان بن عيينة، أخبرني سليمان بن سحيم، عن إبراهيم بن عبد الله بن معبد، عن أبيه،
عن ابن عباس، قال: كشف رسول الله صلى الله عليه وسلم الستارة والناس صفوف خلف أبي بكر، فقال: أيها الناس
…
ألا وإني نهيت أن أقرأ القرآن راكعًا أو ساجدًا، فأما الركوع فعظموا فيه الرب عز وجل، وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء،
(1)
. فتح الباري لابن رجب (7/ 179).
(2)
. بدائع الصنائع (1/ 208).
وقال ابن عابدين في حاشيته (1/ 494): «والحاصل أن في تثليث التسبيح في الركوع والسجود ثلاثة أقوال عندنا، أرجحها من حيث الدليل الوجوب تخريجًا على القواعد المذهبية، فينبغي اعتماده» .
(3)
. قال في بداية المجتهد (1/ 137): «قال مالك: ليس في ذلك قول محدود» .
وانظر: الإشراف على مذاهب العلماء لابن المنذر (2/ 35)، الأوسط (3/ 185).
فقمن أن يستجاب لكم
(1)
.
وجه الاستدلال:
أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالركوع بتعظيم الرب، وأطلق ذلك، فيصدق على الكثير والقليل، فإذا سبح الله مرة واحدة فقد امتثل.
الدليل الثالث:
(ح-1702) ما رواه أحمد، قال: حدثنا أبو عبد الرحمن، حدثنا موسى يعني -ابن أيوب الغافقي- حدثني عمي إياس بن عامر، قال:
سمعت عقبة بن عامر الجهني، يقول: لما نزلت {فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيم} [الواقعة: 74]، قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: اجعلوها في ركوعكم، فلما نزلت {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} [الأعلى: 1]، قال: اجعلوها في سجودكم
(2)
.
[منكر]
(3)
.
قال ابن قدامة: «النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالتسبيح في حديث عقبة ولم يذكر عددًا، فدل على أنه يجزئ أدناه»
(4)
.
الدليل الرابع:
(ث-440) ما رواه ابن أبي شيبة، قال: أخبرنا أبو بكر بن عياش، عن أبي إسحاق، عن عاصم بن ضمرة، قال:
قال علي: إذا ركع أحدكم فليقل: اللهم لك ركعت، ولك خشعت، وبك آمنت، وعليك توكلت، سبحان ربي العظيم -ثلاثًا- وإذا سجد قال: سبحان ربي الأعلى -ثلاثًا- فإن عجل به أمر فقال: سبحان ربي العظيم وترك ذلك أجزأه
(5)
.
[ضعيف]
(6)
.
(1)
. صحيح مسلم (207 - 479).
(2)
. المسند (4/ 155).
(3)
. سبق تخريجه، انظر (ح 1676).
(4)
. المغني (1/ 361).
(5)
. المصنف (2563).
(6)
. سبق تخريجه، انظر (ث-438).
* دليل من قال: يشترط ثلاث تسبيحات:
(ح-1703) ما رواه أبو داود الطيالسي، قال: حدثنا ابن أبي ذئب، عن إسحاق بن يزيد الهذلي، عن عون بن عبد الله،
عن ابن مسعود، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من قال في ركوعه ثلاث مرات: سبحان ربي العظيم فقد تم ركوعه وذلك أدناه. ومن قال في سجوده ثلاث مرات: سبحان ربي الأعلى فقد تم سجوده وذلك أدناه
(1)
.
[منقطع، ورفعه منكر، والمعروف وقفه على ابن مسعود من فعله]
(2)
.
وجه الاستدلال:
مفهوم قوله: (فقد تم ركوعه وذلك أدناه) أن من نقص عن ذلك لم يتم ركوعه، وأن الثلاث هي أدنى الواجب.
* وأجيب بأجوبة منها:
الجواب الأول:
أن التسبيح كله ليس بواجب، كما تقدم بحثه في مسألة سابقة.
الجواب الثاني:
أن هذا الحديث لا يصح، انفرد برفعه إسحاق بن يزيد الهذلي، وهو مجهول، وقد خالفه من هو أوثق منه، محمد بن أبان ومحمد بن عجلان، روياه عن عون، فلم يذكر فيه وذلك أدناه.
الجواب الثالث:
على فرض صحة الحديث، فإن المقصود بقوله:(وذلك أدناه) أي أدنى الكمال، وليس أدنى الواجب.
جاء في مجمع الأنهر: قوله: «(فقد تم ركوعه وذلك أدناه)، لم يُرِدْ به أدنى الجواز وإنما أُرِيَد به أدنى الكمال؛ لجواز الركوع بتوقف قدر التسبيحة، بل أقل، ولو بلا ذكر»
(3)
.
(1)
. مسند أبي داود الطيالسي (347).
(2)
. سبق تخريجه، انظر (ح 1677).
(3)
. مجمع الأنهر شرح ملتقى الأبحر (1/ 96)، وانظر: المبسوط للسرخسي (1/ 21)، العناية شرح الهداية (1/ 298).
ونقل القاضي حسين عن الإمام الشافعي في التعليقة قوله: «ويقول: سبحان ربي العظيم ثلاثًا، وذلك أدني الكمال، ولم يرد به أنه لا يجزئ أقل من الثلاث، لأنه لو سبح مرة أو مرتين، كان آتيًا بسنة التسبيح، وإنما أراد أن أول الكمال هو الثلاث»
(1)
.
وقال الخرقي: «ويقول في ركوعه سبحان ربي العظيم ثلاثًا وهو أدنى الكمال وإن قال مرة أجزأه»
(2)
.
* الراجح:
أن السنة تحصل بالتسبيح مرة واحدة، فإذا فعل فقد حصل السنة من جهة، وأدرك الطمأنينة المفروضة من جهة.
* * *
(1)
. التعليقة للقاضي حسين (2/ 752)، وانظر: مختصر المزني (ص: 107)، المجموع (3/ 412).
(2)
. مختصر الخرقي (ص: 22)، وانظر: فتح الباري لابن رجب (7/ 179).