المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الثامن قدر القراءة من بالمغرب من السور الطوال - الجامع في أحكام صفة الصلاة - الدبيان - جـ ٣

[دبيان الدبيان]

فهرس الكتاب

- ‌المبحث الثاني في قراءة المأموم ما زاد على الفاتحة

- ‌الفرع الأول في قراءته ما زاد على الجهرية

- ‌الفرع الثاني في قراءة المأموم ما زاد على الفاتحة في السرية

- ‌المبحث الثالث في قراءة ما زاد على الفاتحة في الركعة الثالثة والرابعة

- ‌المبحث الرابع في أقل ما تحصل به السنة من القراءة بعد الفاتحة

- ‌المبحث الخامس في قراءة السورة قبل الفاتحة

- ‌المبحث السادس

- ‌فرع في مقدار التفاوت بين الركعة الأولى والثانية في القراءة

- ‌المبحث السابع في إطالة الركعة الثانية على الأولى

- ‌المبحث الثامن في القراءة من أواسط السور وأواخرها

- ‌المبحث التاسع في قراءة أكثر من سورة في الركعة الواحدة

- ‌المبحث العاشر في تكرار السورة الواحدة في ركعتين

- ‌الفصل الثالث في مقدار القراءة في الصلوات الخمس

- ‌المبحث الأول في تقسيم سور القرآن إلى طوال ومئين ومثان ومفصل

- ‌المبحث الثاني في تحديد بداية المفصل

- ‌المبحث الثالث في تحديد طوال المفصل وأوسطه وقصاره

- ‌المبحث الرابع في مقدار القراءة المستحبة في صلاة الصبح

- ‌فرع في استحباب قراءة السجدة والإنسان في فجر الجمعة

- ‌المبحث الخامس في مقدار القراءة في صلاة الظهر

- ‌المبحث السادس في مقدار القراءة في صلاة العصر

- ‌المبحث السابع في مقدار القراءة في صلاة المغرب

- ‌المبحث الثامن قدر القراءة من بالمغرب من السور الطوال

- ‌المبحث التاسع قدر القراءة في صلاة العشاء

- ‌الفصل الرابع في الأحكام العامة المتعلقة بالقراءة

- ‌المبحث الأول الجهر والإسرار في الصلاة

- ‌الفرع الأول الجهر والإسرار بالصلاة المؤداة

- ‌الفرع الثاني في الإسرار في الصلاة الفائتة

- ‌الفرع الثالث حكم الجهر والإسرار في موضعه

- ‌المسألة الأولى حكم الجهر والإسرار بالقراءة للإمام

- ‌المسألة الثانية حكم الجهر والإسرار بالقراءة للمنفرد

- ‌المسألة الثالثة حكم الجهر بالقراءة للمأموم

- ‌المسألة الرابعة حكم جهر المرأة بالقراءة

- ‌الفرع الرابع في أقل الجهر وأعلاه

- ‌المسألة الأولى في أقل الجهر

- ‌المسألة الثانية في أعلى الجهر

- ‌الفرع الخامس في جهر بعض المصلين على بعض

- ‌الفرع السادس الجهر ببعض الآيات في الصلاة السرية

- ‌المبحث الثاني في السؤال عند آية الوعد والتعوذ عند آية الوعيد

- ‌المبحث الثالث في حكم قراءة القرآن بغير العربية في الصلاة

- ‌المبحث الرابع في القراءة الشاذة

- ‌الفرع الأول في تعريف القراءة الشاذة

- ‌الفرع الثاني الصلاة بالقراءة المخالفة لرسم المصحف

- ‌الفرع الثالث في الاحتجاج بالقراءة الشاذة في الأحكام

- ‌الفرع الرابع في الجمع بين القراءات المختلفة في الصلاة

- ‌المبحث الخامس في القراءة من المصحف

- ‌الفرع الأول القراءة من المصحف خارج الصلاة

- ‌الفرع الثاني في القراءة من المصحف بالصلاة

- ‌الباب السابع في أحكام الركوع

- ‌الفصل الأول في حكم تكبيرات الانتقال ومنه التكبير للركوع

- ‌الفصل الثانيفي حكم الركوع

- ‌المبحث الأول يرفع يديه للركوع والرفع منه دون القيام من الركعتين

- ‌المبحث الثاني في وقت ابتداء التكبير

- ‌المبحث الثالث في مد تكبيرات الانتقال لتستوعب جميع المحل

- ‌الفصل الرابع في صفة الركوع

- ‌المبحث الأول في الصفة المجزئة

- ‌المبحث الثاني في صفة الركوع الكامل

- ‌الفرع الأول في وضع اليدين على الركبتين

- ‌الفرع الثاني إذا نوى بالانحناء غير الركوع

- ‌المبحث الثالث في مد الظهر ومجافاة المرفقين عن الجنبين

- ‌المبحث الرابع وجوب الطمأنينة في الصلاة

- ‌الفصل الخامس في أذكار الركوع والسجود

- ‌المبحث الأول حكم التسبيح في الركوع والسجود

- ‌المبحث الثاني صيغة التسبيح في الركوع والسجود

- ‌المبحث الثالث في زيادة (وبحمده) مع التسبيح

- ‌المبحث الرابع أقل ما تحصل به سنة التسبيح

- ‌المبحث الخامس أعلى الكمال في تسبيح الركوع والسجود

الفصل: ‌المبحث الثامن قدر القراءة من بالمغرب من السور الطوال

‌المبحث الثامن قدر القراءة من بالمغرب من السور الطوال

المدخل إلى المسألة:

* ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم في صلاته أكثر من مرة لا يسوغ القول بكراهته.

* اختار الحنابلة جواز القراءة من طوال المفصل في المغرب؛ لفعل النبي صلى الله عليه وسلم، واستحباب تخفيف القراءة فيها؛ لكونه الأكثر من فعله صلى الله عليه وسلم.

* لو أراد مطلق الجواز لتحقق ذلك بفعله مرة واحدة، أما أن يتكرر فعله من النبي صلى الله عليه وسلم بأحاديث مختلفة، وسور متنوعة، حتى قرأ بالمرسلات في مرضه، مع قيام داعي التخفيف، فلا يكفي القول بجوازه.

* القراءة من طوال المفصل في المغرب من آخر ما حفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم قبل موته.

* أنكر زيد بن ثابت على مروان قراءته في المغرب بقصار السور، وهذا يدل على أن القراءة بالطوال مستحب أحيانًا.

* القراءة في المغرب من طوال المفصل دليل على ما قاله ابن عبد البر: وأنه لا توقيت في القراءة عند العلماء بعد فاتحة الكتاب، وهذا إجماع من علماء المسلمين.

قال الزرقاني في شرح الموطأ: «وتخفيفه صلى الله عليه وسلم مرة، وربما طول يدل على أن لا توقيت في القراءة بعد الفاتحة، وهذا إجماع» .

[م-594] السنة في المغرب عند الأئمة الأربعة القراءة من قصار المفصل كما أبان عن ذلك المبحث السابق، فإن خالف الإمام وقرأ فيه من طوال المفصل:

فقيل: يكره، وهو مذهب الحنفية، واختاره بعض أصحاب مالك، وحكاه الشافعي عن مالك، وهو قول في مذهب الحنابلة

(1)

.

(1)

. قال أبو العباس القرطبي في المفهم لما أشكل من تلخيص مسلم (2/ 72): وما ورد في كتاب =

ص: 209

قال الشافعي كما في سنن الترمذي: وذكر عن مالك أنه كره أن يقرأ في صلاة المغرب بالسور الطوال، نحو الطور والمرسلات

(1)

.

وقال الحنابلة: لا يكره

(2)

.

ونفي الكراهة يدل على الجواز.

واختار القول بالجواز بعض أصحاب مالك حيث قالوا: إن ما ورد من قراءة السور الطوال في المغرب جاء لبيان الجواز، وهو أحد التأويلات في المذهب

(3)

.

ونص الشافعية على جواز القراءة من طوال المفصل بالمغرب، ونقل عن الشافعي أنه يستحبه، وكذا نقله البغوي في شرح السنة عن الشافعي.

قال ابن حجر: والمعروف عند الشافعية أنه لا كراهية في ذلك ولا استحباب

(4)

.

= مسلم وغيره من الإطالة فيما استقر فيه التقصير أو من التقصير فيما استقرت فيه الإطالة، كقراءته في الفجر بالمعوذتين، كما رواه النسائي، وكقراءة الأعراف والمرسلات في المغرب فمتروك. أما التطويل: فبإنكاره على معاذ وبأمره الأئمة بالتخفيف، ولعل ذلك منه صلى الله عليه وسلم حيث لم يكن خلفه من يشق عليه القيام وعلم ذلك، أو كان منه ذلك متقدمًا حتى خفف وأمر الأئمة بالتخفيف، كما قال جابر بن سمرة: وكان صلاته بعدُ تخفيفًا، ويحتمل أن يكون فعل ذلك في أوقات ليُبَيِّن جواز ذلك، أو يكون ذلك بحسب اختلاف الأوقات من السعة والضيق. وقد استقر عمل أهل المدينة على إطالة القراءة في الصبح قدرًا لا يضر من خلفه بقراءتها بطوال المفصَّل، ويليها في ذلك الظهر والجمعة، وتخفيف القراءة في المغرب، وتوسيطها في العصر والعشاء».

وانظر: شرح البخاري لابن بطال (2/ 381)، تفسير القرطبي (10/ 306)، فتح الباري لابن رجب (7/ 33).

وقول أبي العباس القرطبي: (وكانت صلاته بعد تخفيفًا) المراد: صلاته بعد الصبح: من الظهر، والعصر، والمغرب، والعشاء، أي أن القراءة فيهن أخف من الصبح، لا أن جميع صلاته كانت بعد تلك الصلاة تخفيفًا، فيفهم منه نسخ القراءة في الصبح من طوال المفصل. والله أعلم.

(1)

. سنن الترمذي (2/ 112).

(2)

. الفروع (2/ 179)، المجموع (3/ 383).

(3)

. مواهب الجليل (1/ 537)، أسهل المدارك (1/ 218)، لوامع الدرر في هتك أستار المختصر (2/ 124).

(4)

. فتح الباري (2/ 248).

ص: 210

ويمكن أن يكون الاستحباب مذهبًا لزيد بن ثابت رضي الله عنه حيث أنكر على مروان المواظبة على القراءة بقصار المفصل، وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قرأ بمرضه بالمرسلات فهو يدل على أنه في الصحة يقرأ بأطول من ذلك.

فصار الخلاف بين الأئمة الأربعة على ثلاثة أقوال:

الكراهة، والجواز، والاستحباب أحيانًا.

* دليل من قال: يكره القراءة في المغرب من طوال المفصل:

الدليل الأول:

(ح-1551) ما رواه البخاري من طريق مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج،

عن أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا صلى أحدُكم للناس فليُخفِّفْ؛ فإنَّ فيهم الضعيفَ والسقيمَ والكبيرَ، وإذا صلى لنفسه فليُطوِّلْ ما شاء.

ورواه مسلم من طريق المغيرة بن عبد الرحمن الحزامي، عن أبي الزناد به

(1)

.

وجه الاستدلال:

فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بتخفيف الصلاة، والجمهور على أنه للاستحباب، وقد قيل: إنه على الوجوب، وسبق نقل الخلاف فيه.

الدليل الثاني:

كل الأدلة التي سقناها في المسألة السابقة على أن السنة في قراءة المغرب أن تكون من قصار المفصل يستدل بها هؤلاء على كراهة إطالة القراءة في صلاة المغرب، من ذلك: حديث رافع المتفق عليه أنهم كانوا ينتضلون بعد صلاة المغرب، وكانوا يبصرون مواقع نبلهم مما يدل على مداومة تخفيف القراءة فيها، وإذا كانت هذه هي السنة، فإن مخالفة السنة يوقع في المكروه.

* ويناقش من أكثر من وجه:

الوجه الأول:

أن هذه الأدلة لا تمنع كون النبي صلى الله عليه وسلم يطيل القراءة في صلاة المغرب أحيانًا،

(1)

. صحيح البخاري (703)، وصحيح مسلم (185 - 467).

ص: 211

كحديث زيد بن ثابت في قراءة النبي صلى الله عليه وسلم سورة الأعراف، وحديث ابن عباس في قراءته سورة المرسلات، وحديث جبير بن مطعم في قراءته سورة الطور، فهذه الأحاديث صحيحة ومن أعلى شروط الصحة حيث وردت في المتفق عليه إلا حديث جبير بن مطعم ففي البخاري، وسوف يأتي تخريجها في أدلة القول الثاني.

الوجه الثاني:

أنه لا يوجد حديث صحيح ينص على استحباب القراءة في صلاة المغرب من قصار المفصل، وإن كان هذا هو قول الأئمة الأربعة عليهم رضوان الله.

ذكر الحافظ ابن حجر: بأنه لم يَرَ حديثًا مرفوعًا فيه التنصيص على القراءة بشيء من قصار المفصل، إلا حديثًا في ابن ماجه، عن ابن عمر نص فيه على الكافرون والإخلاص، وظاهر إسناده الصحة إلا أنه معلول. قال الدارقطني: أخطأ فيه بعض رواته. ومثله لابن حبان عن جابر بن سمرة، وفيه سعيد بن سماك، وهو متروك، والمحفوظ أنه قرأ بهما في الركعتين بعد المغرب

(1)

.

الوجه الثالث:

لو سلمنا أن السنة صريحة في استحباب قراءة قصار السور في المغرب، فإن ترك السنة لا يلزم منه الوقوع في المكروه.

نعم يتوجه عند بعض الأصوليين القول بأن ترك السنن المؤكدة يوقع فيما يسمى خلاف الأولى، وهو درجة أخف من الكراهة، ليس بمنزلة ما نهى عنه الشارع بعينه لا على سبيل الإلزام، فإذا سلمنا أن قراءة ما زاد على الفاتحة من السنن المؤكدة، فإنه يتوجه للقراءة نفسها، لا لمقدارها، فإذا قرأ آية فما فوقها فقد حصلت السنة، والزيادة في القراءة على مقدار السنة لا يمكن الحكم عليه بالكراهة، حتى لو لم ترد الزيادة، فكيف إذا حفظ في السنة القراءة من الطوال في المغرب، فكيف نكره ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم أكثر من مرة؟ بل شاء الله قدرًا أن تكون آخر صلاة صلاها في المغرب سورة المرسلات، والله أعلم.

الدليل الثالث:

أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد أنكر على معاذ قراءة سورة طويلة في العشاء، وقال له: أفتان

(1)

. انظر: فتح الباري (2/ 248).

ص: 212

أنت؟ اقرأ بسورة والليل إذا يغشى ونحوها، فإذا كَرِهَ له النبي صلى الله عليه وسلم أن يقرأ في العشاء مع سعة وقتها، فصلاة المغرب مع ضيق وقتها أحرى بذلك

(1)

.

* ويناقش:

يمكن حَمْلُ كراهة التطويل لمعاذ وأمره بالتخفيف مراعاة لحال بعض جماعته ممن شكا للنبي صلى الله عليه وسلم من تطويل معاذ، وإذا رغب بعض الجماعة بالتخفيف لزم الإمام ذلك، وكما كان النبي صلى الله عليه وسلم يخفف لسماع بكاء الصبي رفقًا بأمه.

وحَمْلُ التطويل في حال كانت الجماعة محصورة، ورغبوا في الإطالة، أو ظن الإمام منهم ذلك، ولم يكن بينهم رجل معذور؛ إذ لو كانت الإطالة مكروهة مطلقًا لما وجدت الشيخين أبا بكر وعمر يطيلان القراءة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، حتى صليا بالبقرة وآل عمران ونحوها من السور الطوال في بعض الصلوات، وقد علما إنكار النبي صلى الله عليه وسلم على معاذ تطويله القراءة.

الدليل الرابع:

أن هناك من كره إطالة القراءة في صلاة المغرب بناء على أن وقت المغرب ليس لها إلا وقت واحد إذا غربت الشمس، وهي إحدى الروايتين عن مالك، والتي حكاها العراقيون عن المذهب، والشافعي في الجديد اعتمادًا على حديث إمامة جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم في تعليم المواقيت حيث صلى المغرب في اليومين في وقت واحد حين غابت الشمس.

* ونوقش من وجهين:

الوجه الأول:

الصحيح أن وقت المغرب وقت طويل، يمتد إلى مغيب الشفق، كما دلت عليه الأحاديث الصحيحة كحديث بريدة، وحديث أبي موسى، وحديث عبد الله ابن عمرو

(2)

، وكلها في صحيح مسلم، وهي أحاديث مدنية، وحديث إمامة جبريل بالنبي صلى الله عليه وسلم كان بمكة، وهو متأخر، وممن قال: إن وقت المغرب وقت طويل الحنفية، والحنابلة، ومالك في إحدى الروايتين، وهو مذهب الموطأ، والقول

(1)

. انظر: شرح البخاري لابن بطال (2/ 381).

(2)

. صحيح مسلم (612).

ص: 213

القديم للشافعي، وصححه النووي

(1)

.

وسبق بحث المسألة في مسألة مستقلة عند الكلام على مواقيت الصلاة في المجلد الثالث من كتاب أحكام الصلاة.

الوجه الثاني:

أن الشافعية كانوا ممن قالوا: إن وقت المغرب وقت واحد، وقد اختلفوا فيمن دخل فيها في أول وقتها: هل له أن يطيلها ويمدها إلى مغيب الشفق، أم لا؟ على وجهين، ورجح كثير منهم جواز ذلك في الاستدامة دون الابتداء.

ورخص مالك للمسافر وحده أن يمد الميل ونحوه قبل أن ينزل ويصلي

(2)

، والله أعلم.

(1)

. فتح القدير لابن الهمام (1/ 221)، المبسوط (1/ 144)، تحفة الفقهاء (1/ 101)، جاء في مواهب الجليل (1/ 393): «والرواية الأخرى أن وقتها ممتد، وهي مذهبه في الموطأ

وقد وقع في المدونة ما يتضمن ذلك في الذي يخرج من قرية يريد قرية أخرى، وهو غير مسافر، وعلى غير وضوء، فتغيب الشمس، ولا ماء معه، قال: إن طمع بإدراك الماء قبل مغيب الشفق لم يتيمم، وأخر الصلاة، وإن لم يطمع به تيمم .....

ولفظ المدونة: والمغرب إذا غابت الشمس للمقيمين، وأما المسافرون فلا بأس أن يمدوا الميل ونحوه، ثم ينزلوا، ويصلوا، فأخذ بعض الشيوخ من هذا: أن وقتها ممتد، وأخذ أيضًا من مسألة المتيمم الذي ذكرناها، وأخذ أيضًا من تأخيرها للجمع ليلة المطر، ومن قوله في المدونة في الجمع بين المغرب والعشاء للمسافر: ويجمع بين العشاءين بمقدار ما تكون المغرب في آخر وقتها قبل مغيب الشفق، والعشاء في أول وقتها بعد مغيب الشفق، فهذه أربعة مواضع من المدونة أخذ منها أن وقتها ممتد .... ».

ثم قال الحطاب: وقد قال مالك في الجنائز: لا يصلى على الجنائز إذا اصفرت الشمس، فإذا غربت فإن شاء بدأ بالجنازة، أو بالمغرب، وقال في كتاب الحج: إذا طاف بعد العصر لا يركع حتى تغرب الشمس، فإذا غربت فهو مخير إن شاء بدأ بالمغرب أو بركعتي الطواف. وهذه المسائل تدل على أن وقتها ممتد. وانظر: عقد الجواهر لابن شاس (1/ 80)، التلقين (1/ 395)، البيان والتحصيل (17/ 375)، الذخيرة (2/ 15).

وانظر القول القديم للشافعي في: روضة الطالبين (1/ 21)، المجموع (3/ 31)، النجم الوهاج (2/ 12)، فتح العزيز (3/ 23)، نهاية المطلب (2/ 14)، الإنصاف (1/ 434)، كشاف القناع (1/ 253).

(2)

. المدونة (1/ 156)، الذخيرة (2/ 15)، مواهب الجليل (1/ 395).

ص: 214

* دليل من قال: يجوز القراءة بالمغرب من السور الطوال:

الدليل الأول:

(ح-1552) ما رواه البخاري، قال: حدثنا أبو عاصم، عن ابن جريج، عن ابن أبي مليكة، عن عروة بن الزبير، عن مروان بن الحكم، قال:

قال لي زيد بن ثابت: ما لك تقرأ في المغرب بقصارٍ، وقد سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ بِطُولَى الطُّولَيَيْنِ

(1)

.

ولم يخرجه مسلم؛ لأن مروان بن الحكم ليس على شرطه

(2)

.

ورواه النسائي من طريق خالد بن الحارث، عن ابن جريج به، وفيه:

ما لي أراك تقرأ في المغرب بقصار السور؟ قد رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ فيها بِطُولَى الطُّولَيَيْنِ، قلت: يا أبا عبد الله (يعني عروة) ما طُولَى الطوليين؟ قال: الأعراف

(3)

.

ورواه عبد الرزاق، عن ابن جريج به، بلفظ:

ما لك تقرأ في المغرب بقصار المفصل؟ وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في صلاة المغرب بطُولَى الطُّولَيَيْنِ. قال: قلت: وما طولَى الطُّولَيَيْنِ؟ قال: الأعراف.

قال: قلت لابن أبي مليكة: وما الطُّولَيَانِ؟ قال: فكأنه قال: من قبل رأيه: الأنعام، والأعراف

(4)

.

وقد رواه أحمد عن محمد بن جعفر، ومحمد بن بكر.

(1)

. صحيح البخاري (764).

(2)

. أخرج البخاري لمروان بن الحكم من رواية عروة بن الزبير، وسهل بن سعد، وعلي بن الحسين وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث، وهؤلاء أخرج البخاري أحاديثهم عنه في صحيحه لما كان أميرًا عندهم على المدينة قبل أن يبدو منه في الخلاف على ابن الزبير ما بدا. انظر: هدي الساري، مقدمة فتح الباري (ص: 443).

(3)

. رواه النسائي في المجتبى (990)، وفي الكبرى (1064).

(4)

. المصنف (2691)، ومن طريق عبد الرزاق أخرجه أحمد (5/ 189)، وأبو داود (812)، والطبراني في الكبير (5/ 122) ح 4811، وابن خزيمة (516)، والسراج في مسنده (161)، وفي حديثه (139)، والمستغفري في فضائل القرآن (791).

ص: 215

وابن خزيمة عن روح بن عبادة،

وابن المنذر في الأوسط، وأبو العباس السراج في حديثه، وفي مسنده من طريق حجاج بن محمد، أربعتهم عن ابن جريج به

(1)

.

الدليل الثاني:

(ح-1553) ما رواه الشيخان من طريق مالك، عن ابن شهاب، عن محمد بن جبير بن مطعم،

عن أبيه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم: قرأ في المغرب بالطور

(2)

.

الدليل الثالث:

(ح-1554) ما رواه البخاري ومسلم من طريق مالك، عن ابن شهاب، عن عبيد الله ابن عبد الله بن عتبة،

عن ابن عباس رضي الله عنهما، أنه قال: إن أم الفضل سمعته وهو يقرأ: {وَالْمُرْسَلَاتِ عُرْفًا} [المرسلات: 1] فقالت: يا بني، والله لقد ذكرتني بقراءتك هذه السورة، إنها لآخر ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ بها في المغرب

(3)

.

الدليل الرابع:

(ح-1555) ما رواه ابن حبان في صحيحه من طريق الحسين بن حريث، قال: حدثنا أبو معاوية، عن عبيد الله بن عمر، عن نافع،

عن ابن عمر، أن النبي صلى الله عليه وسلم: قرأ بهم في المغرب بـ {الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّه} [محمد: 1]

(4)

.

[المحفوظ أنه موقوف، وفي صلاة العشاء]

(5)

.

(1)

. رواه أحمد (5/ 188، 189)، وصحيح ابن خزيمة (516)، الأوسط لابن المنذر (2/ 337)، وحديث السراج (141)، ومسنده (161).

(2)

. صحيح البخاري (765)، وصحيح مسلم (174 - 463).

(3)

. صحيح البخاري (763)، وصحيح مسلم (173 - 462).

(4)

. صحيح ابن حبان (1835).

(5)

. ومن طريق الحسين بن حريث أخرجه الطبراني في الكبير (12/ 372) ح 13380، وفي الأوسط (1742)، وفي الصغير (117).

وقال الطبراني: «لم يَرْوِ هذا الحديث عن عبيد الله إلا أبو معاوية، تفرد به الحسين» . =

ص: 216

فهذه الأحاديث كلها تدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ أحيانًا بالسور الطوال، وهذه الكثرة لا تدل فقط على مطلق الجواز، بل تدل على الاستحباب أحيانًا بشرطه، وشرطه: أن تكون الجماعة محصورة، ويعلم رغبتهم في الإطالة، ولا يكون فيهم ضعيف أو ذو حاجة، وإلا فالأصل التخفيف.

* وأجيب عن هذه الأدلة بتأويلات منها:

التأويل الأول:

أن ذلك كان قبل النهي عن التخفيف، وكأن هذا القول يذهب إلى القول بأن القراءة بالطوال منسوخ، وقد صرح أبو داود في سننه بالنسخ.

وحجة أبي داود على النسخ أن حديث زيد بن ثابت مروي عن طريق عروة، وقد ورد عن عروة أنه يقرأ في المغرب بقصار المفصل

(1)

.

= قلت: أخطأ فيه أبومعاوية الضرير، وهو ثقة في الأعمش، ويهم في حديث غيره.

قال الدوري: سمعت يحيى بن معين، يقول: روى أبو معاوية عن عبيد الله بن عمر أحاديث مناكير. تاريخه (1920).

وقد رواه جماعة عن عبيد الله، فرووه موقوفًا، وجعلوا القراءة في صلاة العشاء،

فرواه عبد الله بن نمير كما في مصنف ابن أبي شيبة (3614)، عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، أن ابن عمر كان يقرأ في العشاء بـ الذين كفروا، والفتح.

وتابعه أبو زهير الكوفي (عبد الرحمن بن مغراء) كما في فضائل القرآن للمستغفري (912)،

وعبد الوهاب الثقفي، وأنس بن عياض، ومحمد بن عبيد كما ذكر ذلك الدارقطني في العلل (13/ 26)، كلهم رووه عن عبيد الله بن عمر به موقوفًا، وجعلوه في صلاة العشاء.

ورواه عبد الرزاق في المصنف (2681) عن عبد الله بن عمر (المكبر: ضعيف).

ورواه أيضًا عبد الرزاق في المصنف (2682)، عن معمر، كلاهما (عبد الله وأيوب) عن نافع، عن ابن عمر، أنه كان يقرأ في الظهر: الذين كفروا و إنا فتحنا لك فتحًا مبينًا.

وقال ابن أبي خيثمة: «سمعت يحيى بن معين يقول: إذا حدثك معمر عن العراقيين فخالفه إلا عن الزهري وابن طاوس، فإن حديثه عنهما مستقيم، فأما أهل الكوفة وأهل البصرة فلا

».

(1)

. قال أبو داود في سننه (813): حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا حماد، أخبرنا هشام بن عروة، أن أباه كان يقرأ في صلاة المغرب بنحو ما تقرؤون: والعاديات ونحوها من السور.

قال أبو داود: هذا يدل على أن ذاك منسوخ. اهـ

وهذا إسناد صحيح مقطوع على عروة: أي موقوف عليه.

ص: 217

* ونوقش من وجوه:

الوجه الأول:

أن أبا داود لو احتج على النسخ بالأمر بالتخفيف لكان له وجه؛ لأن عمل التابعي أو غيره لا ينسخ ما رواه من سنة النبي صلى الله عليه وسلم بمجرد ترك العمل به حتى ولو كان التطويل واجبًا، فكيف إذا كان التطويل ليس واجبًا، ولا مستحبًّا دائمًا؛ لأن الراوي قد يترك العمل بالحديث الصحيح لمعارض أرجح فيما يراه، ويبقى الآخر محكمًا لم ينسخ، أو من جهة الفقه باجتهاد منه أن غيره أفضل منه، ولا يقتضي ذلك النسخ، أو لعذر من قبل جماعة المصلين، أو من قبله هو، أو لغير ذلك من الأعذار، فلا يتعين النسخ في الترك.

الوجه الثاني:

أن المصير إلى النسخ لا يمكن حتى يتعذر الجمع، ولم يتعذر هنا، فإنه لا تعارض بينهما ألبتة، فاختلاف مقدار القراءة مرده إلى اختلاف الأحوال والأوقات والفراغ والشغل.

ويمكن الجمع بينهما بأن القراءة من طوال المفصل في المغرب تجوز من غير كراهة؛ لفعل النبي صلى الله عليه وسلم، والقراءة من قصار المفصل مستحبة؛ لكونها الأكثر من فعله صلى الله عليه وسلم، وهذا هو المشهور من مذهب الحنابلة، واختاره ابن دقيق العيد.

قال ابن دقيق العيد: «والصحيح عندنا أن ما صح في ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم مما لم تكثر مواظبته عليه فهو جائز من غير كراهة، كحديث جبير بن مطعم رضي الله عنه في قراءة الطور في المغرب، وكحديث قراءة الأعراف فيها، وما صحت المواظبة عليه فهو في درجة الرجحان في الاستحباب، إلا أن غيره مما قرأه النبي صلى الله عليه وسلم غير مكروه»

(1)

.

الوجه الثالث:

لا يمكن القول بالنسخ، والقراءة من طوال المفصل من آخر ما حفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم.

(ح-1556) فقد روى البخاري من طريق عقيل، عن ابن شهاب، عن عبيد الله بن عبد الله،

(1)

. إحكام الأحكام (2/ 18).

ص: 218

عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، عن أم الفضل بنت الحارث، قالت: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم: يقرأ في المغرب {وَالْمُرْسَلَاتِ عُرْفًا} ، ثم ما صلى لنا بعدها حتى قبضه الله

(1)

.

قال ابن حجر: «كيف تصح دعوى النسخ، وأم الفضل رضي الله عنها تقول: إن آخر صلاة صلاها بهم قرأ بالمرسلات»

(2)

.

التأويل الثاني:

ذهب الطحاوي إلى أنه يحتمل أن الرسول صلى الله عليه وسلم قرأ بعض الأعراف، لا كلها، بدليل أنهم كانوا ينصرفون من المغرب وإن أحدهم ليبصر مواقع نبله.

قال الطحاوي: «فلما كان هذا وقت انصراف رسول الله صلى الله عليه وسلم مع صلاة المغرب استحال أن يكون ذلك، وقد قرأ فيها الأعراف، ولا نصفها» .

وكذلك أجاب عن حديث جبير بن مطعم في قراءة سورة الطور، بأنه قرأ بعضها

(3)

.

* ونوقش من أكثر من وجه:

الوجه الأول:

أن قول الصحابي قرأ بالأعراف الظاهر أنه قرأ بالسورة كلها، ولا يحمل الدليل على خلاف الظاهر إلا بدليل، ولا دليل.

الوجه الثاني:

لو أنه قرأ قدرًا يسيرًا من الأعراف والطور والمرسلات لما أنكر زيد بن ثابت على مروان قراءته في المغرب بقصار السور.

التأويل الثالث:

أنه فعل ذلك لبيان الجواز، وحتى لا يعتقد أن القراءة من الطوال مكروهًا.

* ويناقش:

إن كان المقصود من الجواز الإباحة، فهو قول ضعيف، فالجواز يتحقق بفعله مرة واحدة، أما أن ينقل الصحابة عن الرسول صلى الله عليه وسلم القراءة بالطوال بأحاديث مختلفة،

(1)

. صحيح البخاري (4429).

(2)

. فتح الباري (2/ 249).

(3)

. انظر: شرح مختصر الطحاوي للجصاص (1/ 685).

ص: 219

وسور متنوعة، حتى قرأ بالمرسلات في مرضه وداعي التخفيف قائم، فكيف كان يقرأ في صحته وقوته، ثم نجد من الصحابة من فعل ذلك من بعده، فلا يكفي القول بالجواز، ولو كان فعل النبي صلى الله عليه وسلم لبيان الجواز لما أنكر زيد بن ثابت على مروان اقتصاره على قصار السور، فالإنكار لا يكون إلا لترك ما هو مشروع، والله أعلم.

التأويل الرابع:

أن التطويل حيث علم النبي صلى الله عليه وسلم بأن من خلفه لم يكن يشق عليهم التطويل، ويرغبون فيه

(1)

.

وهذا يرجع إلى القول بأن الإطالة والتخفيف ترجع إلى اختلاف الأحوال وقد سبق، ويشهد لهذا التأويل أن العشاء وهي أطول وقتًا من المغرب، أرشد النبي صلى الله عليه وسلم معاذًا إلى تخفيف القراءة فيها مراعاة لحال الجماعة، فالمغرب أولى.

وهذا الحمل هو أقواها، وقد كشفت عن أدلته في القراءة في صلاة الصبح من طوال المفصل، فارجع إليه غير مأمور، والله أعلم.

الدليل الخامس: من الآثار:

(ث-411) وروى ابن أبي شيبة في المصنف، قال: حدثنا عبدة بن سليمان، عن عبيد الله بن عمر، عن نافع: أن ابن عمر قرأ مرةً في المغرب بـ {يس (1)}

(2)

.

[صحيح موقوفًا، وروي مرفوعًا، ولا يصح]

(3)

.

(1)

. المفهم لما أشكل من تلخيص مسلم (2/ 72، 73).

(2)

. المصنف (3599).

(3)

. هذا الإسناد رجاله كلهم ثقات.

ورواه ليث بن أبي سليم، وهو ضعيف، واختلف عليه فيه:

فرواه ابن علية (ثقة) كما في مصنف ابن أبي شيبة (3600)، عن ليث عن نافع، عن ابن عمر، أنه قرأ في المغرب بـ {يس} و {عم يتساءلون} .

وقد وافق عبيد الله بن عمر على وقفه، إلا أنه زاد عليه قوله:(عم يتساءلون) وهي زيادة منكرة، انفرد بها ليث، وهو ضعيف.

ورواه عبد الله بن قبيصة كما في ضعفاء العقيلي (2/ 290)، والكامل لابن عدي (5/ 319)، فرواه عن ليث، عن نافع، عن ابن عمر، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في المغرب بياسين. وعبد الله بن قبيصة، قال فيه ابن عدي: حدث بأحاديث لم يتابع عليها.

وقال أيضًا: ولعبد الله بن قبيصة أحاديث سوى ما ذكرت وفي بعض حديثه نكرة، ولم أجد للمتقدمين فيه كلامًا فذكرته لأبين أن رواياته فيها نظر.

ص: 220

وكونه موقوفًا، فلا يسقط الاحتجاج به كما بينت في مسألة سابقة، وأن آثار الصحابة رضوان الله عليهم صالحة للاحتجاج ما لم تخالف نصًّا، أو يخالفه صحابي مثله، وابن عمر قد جمع الفقه والحرص على الاقتداء، والله أعلم.

* الراجح:

أرى أن الأصل في المغرب التخفيف، وتستحب الإطالة فيها للفذ أحيانًا، أو لجماعة محصورة، ورغبت في الإطالة، والله أعلم.

* * *

ص: 221