المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الخامس في مقدار القراءة في صلاة الظهر - الجامع في أحكام صفة الصلاة - الدبيان - جـ ٣

[دبيان الدبيان]

فهرس الكتاب

- ‌المبحث الثاني في قراءة المأموم ما زاد على الفاتحة

- ‌الفرع الأول في قراءته ما زاد على الجهرية

- ‌الفرع الثاني في قراءة المأموم ما زاد على الفاتحة في السرية

- ‌المبحث الثالث في قراءة ما زاد على الفاتحة في الركعة الثالثة والرابعة

- ‌المبحث الرابع في أقل ما تحصل به السنة من القراءة بعد الفاتحة

- ‌المبحث الخامس في قراءة السورة قبل الفاتحة

- ‌المبحث السادس

- ‌فرع في مقدار التفاوت بين الركعة الأولى والثانية في القراءة

- ‌المبحث السابع في إطالة الركعة الثانية على الأولى

- ‌المبحث الثامن في القراءة من أواسط السور وأواخرها

- ‌المبحث التاسع في قراءة أكثر من سورة في الركعة الواحدة

- ‌المبحث العاشر في تكرار السورة الواحدة في ركعتين

- ‌الفصل الثالث في مقدار القراءة في الصلوات الخمس

- ‌المبحث الأول في تقسيم سور القرآن إلى طوال ومئين ومثان ومفصل

- ‌المبحث الثاني في تحديد بداية المفصل

- ‌المبحث الثالث في تحديد طوال المفصل وأوسطه وقصاره

- ‌المبحث الرابع في مقدار القراءة المستحبة في صلاة الصبح

- ‌فرع في استحباب قراءة السجدة والإنسان في فجر الجمعة

- ‌المبحث الخامس في مقدار القراءة في صلاة الظهر

- ‌المبحث السادس في مقدار القراءة في صلاة العصر

- ‌المبحث السابع في مقدار القراءة في صلاة المغرب

- ‌المبحث الثامن قدر القراءة من بالمغرب من السور الطوال

- ‌المبحث التاسع قدر القراءة في صلاة العشاء

- ‌الفصل الرابع في الأحكام العامة المتعلقة بالقراءة

- ‌المبحث الأول الجهر والإسرار في الصلاة

- ‌الفرع الأول الجهر والإسرار بالصلاة المؤداة

- ‌الفرع الثاني في الإسرار في الصلاة الفائتة

- ‌الفرع الثالث حكم الجهر والإسرار في موضعه

- ‌المسألة الأولى حكم الجهر والإسرار بالقراءة للإمام

- ‌المسألة الثانية حكم الجهر والإسرار بالقراءة للمنفرد

- ‌المسألة الثالثة حكم الجهر بالقراءة للمأموم

- ‌المسألة الرابعة حكم جهر المرأة بالقراءة

- ‌الفرع الرابع في أقل الجهر وأعلاه

- ‌المسألة الأولى في أقل الجهر

- ‌المسألة الثانية في أعلى الجهر

- ‌الفرع الخامس في جهر بعض المصلين على بعض

- ‌الفرع السادس الجهر ببعض الآيات في الصلاة السرية

- ‌المبحث الثاني في السؤال عند آية الوعد والتعوذ عند آية الوعيد

- ‌المبحث الثالث في حكم قراءة القرآن بغير العربية في الصلاة

- ‌المبحث الرابع في القراءة الشاذة

- ‌الفرع الأول في تعريف القراءة الشاذة

- ‌الفرع الثاني الصلاة بالقراءة المخالفة لرسم المصحف

- ‌الفرع الثالث في الاحتجاج بالقراءة الشاذة في الأحكام

- ‌الفرع الرابع في الجمع بين القراءات المختلفة في الصلاة

- ‌المبحث الخامس في القراءة من المصحف

- ‌الفرع الأول القراءة من المصحف خارج الصلاة

- ‌الفرع الثاني في القراءة من المصحف بالصلاة

- ‌الباب السابع في أحكام الركوع

- ‌الفصل الأول في حكم تكبيرات الانتقال ومنه التكبير للركوع

- ‌الفصل الثانيفي حكم الركوع

- ‌المبحث الأول يرفع يديه للركوع والرفع منه دون القيام من الركعتين

- ‌المبحث الثاني في وقت ابتداء التكبير

- ‌المبحث الثالث في مد تكبيرات الانتقال لتستوعب جميع المحل

- ‌الفصل الرابع في صفة الركوع

- ‌المبحث الأول في الصفة المجزئة

- ‌المبحث الثاني في صفة الركوع الكامل

- ‌الفرع الأول في وضع اليدين على الركبتين

- ‌الفرع الثاني إذا نوى بالانحناء غير الركوع

- ‌المبحث الثالث في مد الظهر ومجافاة المرفقين عن الجنبين

- ‌المبحث الرابع وجوب الطمأنينة في الصلاة

- ‌الفصل الخامس في أذكار الركوع والسجود

- ‌المبحث الأول حكم التسبيح في الركوع والسجود

- ‌المبحث الثاني صيغة التسبيح في الركوع والسجود

- ‌المبحث الثالث في زيادة (وبحمده) مع التسبيح

- ‌المبحث الرابع أقل ما تحصل به سنة التسبيح

- ‌المبحث الخامس أعلى الكمال في تسبيح الركوع والسجود

الفصل: ‌المبحث الخامس في مقدار القراءة في صلاة الظهر

‌المبحث الخامس في مقدار القراءة في صلاة الظهر

المدخل إلى المسألة:

* قرأ النبي صلى الله عليه وسلم بالظهر بسبح اسم ربك الأعلى، وقدر بعض الصحابة قيامه بالظهر بمقدار ثلاثين آية في كل ركعة، وكان أحيانًا يطيل القيام حتى إن الذاهب ليذهب إلى البقيع فيقضي حاجته، ثم ينقلب إلى أهله فيتوضأ، ويدرك الركعة الأولى، واختلاف المنقول في قدر القراءة في الصلاة يدل على أن الأمر واسع.

* قال ابن عبد البر: «لا توقيت في القراءة عند العلماء بعد فاتحة الكتاب، وهذا إجماع من علماء المسلمين، ويشهد لذلك قوله عليه السلام (من أم الناس فليخفف) ولم يحد شيئًا» .

* قال الزرقاني في شرح الموطأ: «وتخفيفه صلى الله عليه وسلم مرة، وربما طول يدل على أن لا توقيت في القراءة بعد الفاتحة، وهذا إجماع» .

* الأصل في قيام الظهر أنه أقل من الصبح، وأطول من العصر والعشاء.

[م-591] اختلف الفقهاء في المستحب في قدر القراءة في صلاة الظهر:

فقيل: يقرأ في الظهر من طوال المفصل، وهو مذهب الحنفية، وقول أشهب من المالكية

(1)

.

وقال محمد بن الحسن الشيباني من الحنفية: يقرأ مثل الفجر أو دونه

(2)

.

(1)

. الهداية في شرح البداية (1/ 55)، الاختيار لتعليل المختار (1/ 56)، الدر المختار شرح تنوير الأبصار (ص: 74)، تبيين الحقائق (1/ 129)، العناية شرح البداية (1/ 335)، الجوهرة النيرة على مختصر القدوري (1/ 58)، البحر الرائق (1/ 360)، مجمع الأنهر (1/ 105)، منهاج الطالبين (ص: 26)،.

(2)

. الأصل (1/ 162)، المبسوط (1/ 163)، بدائع الصنائع (1/ 205)، الهداية شرح البداية (1/ 55)، مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر (1/ 105).

ص: 184

وقال المالكية والشافعية: الظهر تلي الصبح بالطول، أي دونها فيه، وهو رواية عن أحمد، وبه قال إسحاق

(1)

.

قال في تحفة المحتاج: «يسن كما في الروضة وأصلها وغيرهما نقص الظهر عن الصبح بأن يقرأ فيها قريب طواله»

(2)

.

وقد يجمع بين القولين بأن يقال: طوال المفصل متفاوت في الطول، فيختار للظهر الطوال وللصبح الأطول، وبهذا يكون الظهر قريبًا من مقدار صلاة الصبح، وكلاهما من طوال المفصل.

ومحل الاستحباب عندهما: إذا كان منفردًا، أو كان إمامًا، وكانت الجماعة محصورة وآثروا التطويل، كما نبهت على ذلك في القراءة في صلاة الصبح

(3)

.

وقال ابن حزم: يقرأ في الظهر في كل ركعة مع أم القرآن نحو ثلاثين آية

(4)

.

وقيل: القراءة بالظهر بأواسط المفصل، وهو مذهب الحنابلة، وقول في مذهب الحنفية

(5)

.

(1)

. المدونة (1/ 164)، النوادر والزيادات (1/ 174)، التاج والإكليل (2/ 240)، مختصر خليل (ص: 32)، شرح الخرشي (1/ 281)، الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي (1/ 247)، الشرح الصغير (1/ 325)، منح الجليل (1/ 258)، تحفة المحتاج (2/ 55)، روضة الطالبين (1/ 248)، مغني المحتاج (1/ 363)، نهاية المحتاج (1/ 495)، كفاية النبيه (3/ 145)، التعليقة للقاضي حسين (2/ 916).

قال أبو زرعة العراقي في تحرير الفتاوى (1/ 250): «قولهما: (ويسن للصبح والظهر طوال المفصل) قد يفهم منه تساويهما، والذي في الرافعي والروضة أن الظهر أقل من الصبح» .

وقال حرب الكرماني في مسائله (123): «سألت أحمد بن حنبل: قلت: أتحب أن تكون القراءة في الظهر والعصر متقاربتين؟ قال: لا، ولكن يقرأ في الظهر بنحو من تنزيل السجدة، أو ثلاثين آية، أو نحو ذلك، وفي العصر على نصف من ذلك، وقال: أذهب إلى حديث أبي سعيد الخدري» .

(2)

. تحفة المحتاج (2/ 55)، وانظر: روضة الطالبين (1/ 248).

(3)

. انظر: تحرير الفتاوى (1/ 250)، المهمات في شرح الروضة والرافعي (3/ 68)، بداية المحتاج (1/ 240).

(4)

. المحلى، مسألة (445).

(5)

. حاشية ابن عابدين (1/ 540)، الإنصاف (2/ 55)، شرح منتهى الإرادات (1/ 191)، كشاف القناع (1/ 342)، الممتع شرح المقنع للتنوخي (1/ 354).

ص: 185

* دليل من قال: يقرأ في الظهر من طوال المفصل أو دونه بقليل:

الدليل الأول:

(ح-1540) ما رواه مسلم من طريق سعيد بن عبد العزيز، عن عطية بن قيس، عن قزعة،

عن أبي سعيد الخدري، قال: لقد كانت صلاة الظهر تقام فيذهب الذاهب إلى البقيع فيقضي حاجته. ثم يتوضأ. ثم يأتي ورسول الله صلى الله عليه وسلم في الركعة الأولى مما يطولها.

ورواه مسلم من طريق ربيعة بن يزيد، قال: حدثني قزعة به

(1)

.

الدليل الثاني:

(ح-1541) ما رواه مسلم، قال: حدثنا يحيى بن يحيى، وأبو بكر بن أبي شيبة، جميعًا عن هشيم، عن منصور، عن الوليد بن مسلم، عن أبي الصديق،

عن أبي سعيد الخدري قال: كنا نحزر قيام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الظهر والعصر فحزرنا قيامه في الركعتين الأوليين من الظهر قدر قراءة {الم (1) تَنزِيلُ} السجدة وحزرنا قيامه في الأخريين قدر النصف من ذلك، وحزرنا قيامه في الركعتين الأوليين من العصر على قدر قيامه في الأخريين من الظهر وفي الأخريين من العصر على النصف من ذلك» ولم يذكر أبو بكر في روايته:{الم (1) تَنزِيلُ} وقال: قدر ثلاثين آية

(2)

.

وجه الاستدلال:

ورواية (قدر ثلاثين آية) لا تختلف عن رواية تقدير القراءة بـ {الم (1) تَنزِيلُ} السجدة لأن سورة السجدة قدرها ثلاثون آية، فإذا قورنت السجدة بطوال المفصل من جهة عدد الكلمات كانت السجدة أطول منهن، حيث تبلغ ثلاثة أوجه، وأطول سورة في المفصل تقصر عن ثلاثة أوجه، وإن قورنت بعدد الآيات كانت بعض

(1)

. صحيح مسلم (161 - 454).

(2)

. صحيح مسلم (156 - 452).

ص: 186

سور المفصل أطول منها حيث تبلغ سورة (ق) خمسًا وأربعين آية، والفارق يسير بين السجدة و (ق).

الدليل الثالث:

(ث-693) ما رواه أحمد، قال: حدثنا محمد بن إسماعيل بن أبي فديك، حدثنا الضحاك بن عثمان، عن بكير بن عبد الله، عن سليمان بن يسار،

عن أبي هريرة أنه قال: ما صليت وراء أحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أشبه صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم من فلان -قال سليمان- كان يطيل الركعتين الأوليين من الظهر، ويخفف الأخريين، ويخفف العصر، ويقرأ في المغرب بقصار المفصل، ويقرأ في العشاء بوسط المفصل، ويقرأ في الصبح بطوال المفصل

(1)

.

[حسن]

(2)

.

وجه الاستدلال:

لما نص على أن العشاء من أوساط المفصل، والمغرب من قصاره، والصبح من طواله، وكان يخفف العصر، فأطلق الإطالة في الظهر، فكانت أطول من العشاء والتي نص على مقدار القراءة بأوساط المفصل، وأقصر من الصبح والذي نص على مقدار القراءة بطوال المفصل، فهي بين الصبح والعشاء.

الدليل الرابع: من الآثار:

(ث-397) ما رواه ابن أبي شيبة، قال: حدثنا ابن إدريس، عن هشام، عن جميل بن مرة،

عن مورق العجلي قال: صليت خلف ابن عمر، الظهر فقرأ بسورة مريم

(3)

.

[صحيح]

(4)

.

(ث-398) وروى ابن أبي شيبة، قال: حدثنا وكيع، عن سيف،

(1)

. المسند (2/ 300).

(2)

. سبق تخريجه في هذا المجلد، انظر (ث-375)، وانظر:(ح 1550).

(3)

. المصنف (3576).

(4)

. المصنف (3576).

ص: 187

عن مجاهد، قال: سمعت عبد الله بن عمرو يقرأ في الظهر بـ كهيعص

(1)

.

[صحيح]

(2)

.

(ث-399) وروى ابن أبي شيبة في المصنف، حدثنا وكيع، قال: حدثنا الأعمش، عن إبراهيم،

عن علقمة، قال: صليت إلى جنب عبد الله بالنهار، فلم أَدْرِ أي شيء قرأ حتى انتهى إلى قوله:{رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا} . [طه: 114]، فظننت أنه يقرأ في طه

(3)

.

[صحيح].

(ث-004) منها ما رواه الطحاوي، قال: حدثنا أبو بكرة، قال: ثنا وهب بن جرير، قال: ثنا هشام بن حسان،

عن جميل بن مرة، وحكيم أنهما دخلا على مورق العجلي فصلى بهم

(1)

. المصنف ت عوامة (3597) وفي طبعة دار الرشد (3577) تحرفت عمرو إلى عمر.

(2)

. رواه سيف بن سليمان (ثقة) كما في مصنف ابن أبي شيبة، عن مجاهد، عن عبد الله بن عمرو، وسنده صحيح.

وتابعه أبو بشر جعفر بن إياس (ثقة، وثقه أبو زرعة وأبو حاتم والنسائي وغيرهم) رواه ابن أبي شيبة (3749)، والطحاوي (1/ 219)، وابن المنذر في الأوسط (3/ 103)، والبيهقي في القراءة خلف الإمام (216)، عن هشيم، قال: أخبرنا أبو بشر، عن مجاهد به.

قال يحيى القطان: كان شعبة يضعف حديث أبي بشر عن مجاهد، وقال: لم يسمع منه شيئًا.

ورواه عبد الرزاق في المصنف (2774)، ومن طريقه البيهقي في القراءة خلف الإمام (218) عن الثوري، عن الأعمش، عن مجاهد، قال: سمعت عبد الله بن عمرو قرأ خلف الإمام في الظهر والعصر.

ورواه عبد الرزاق (2775) عن ابن عيينة،

والطحاوي في شرح معاني الآثار (1/ 219)، والبيهقي في القراءة خلف الإمام (215)، من طريق شعبة.

والبخاري في القراءة خلف الإمام (30) من طريق إسرائيل،

والبيهقي في القراءة خلف الإمام (217، 245) من طريق هشيم، أربعتهم (ابن عيينة، وشعبة، وإسرائيل، وهشيم)، عن حصين، قال: سمعت مجاهدًا يقول: صليت مع عبد الله بن عمرو الظهر والعصر، فكان يقرأ خلف الإمام.

(3)

. مصنف ابن أبي شيبة (3659).

ص: 188

الظهر، فقرأ بقاف والذاريات أسمعهم بعض قراءته. فلما انصرف قال: «صليت خلف ابن عمر فقرأ بقاف والذاريات، وأسمعنا نحو ما أسمعناكم

(1)

.

[صحيح].

* دليل من قال: يقرأ من أواسط المفصل:

الدليل الأول:

(ح-1542) ما رواه مسلم من طريق عبد الرحمن بن مهدي، حدثنا شعبة، عن سماك،

عن جابر بن سمرة قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في الظهر بالليل إذا يغشى، وفي العصر نحو ذلك. وفي الصبح أطول من ذلك

(2)

.

ورواه مسلم من طريق أبي داود الطيالسي، عن شعبة به، بلفظ: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الظهر بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} [الأعلى: 1] وفي الصبح بأطول من ذلك

(3)

.

ورواه أحمد، وأبو داود والترمذي والنسائي من طريق حماد بن سلمة، عن سماك به، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الظهر والعصر بـ {وَالسَّمَاء وَالطَّارِق} {وَالسَّمَاء ذَاتِ الْبُرُوج} ونحوها من السور

(4)

.

[اضطرب فيه سماك في تعيين السور، ورواية ابن مهدي عن شعبة أقربها]

(5)

.

الدليل الثاني:

(ح-1543) روى مسلم من طريق محمد بن جعفر، حدثنا شعبة، عن قتادة، قال: سمعت زرارة بن أوفى، يحدث،

(1)

. شرح معاني الآثار (1/ 210).

(2)

. صحيح مسلم (170 - 459).

(3)

. صحيح مسلم (171 - 460).

(4)

. مسند أحمد (5/ 103، 106، 108)، سنن أبي داود (805)، وسنن الترمذي (307)، وسنن النسائي (797).

(5)

. سبق تخريجه، انظر:(ح 1545).

ص: 189

عن عمران بن حصين، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الظهر، فجعل رجل يقرأ خلفه بسبح اسم ربك الأعلى، فلما انصرف قال: أيكم قرأ -أو أيكم القارئ؟ فقال رجل أنا، فقال: قد ظننت أن بعضكم خالجنيها

(1)

.

* ونوقش:

هذا الفعل يدل على جواز القراءة من أواسط المفصل أحيانًا، وليس فيه ما يدل على استحباب تحديد القراءة بهذا المقدار في كل صلاة، والله أعلم.

الدليل الثالث:

(ح-1544) ما رواه ابن خزيمة، قال: أخبرنا محمد بن معمر بن ربعي القيسي، أخبرنا روح بن عبادة، حدثنا حماد بن سلمة، حدثنا قتادة، وثابت، وحميد،

عن أنس بن مالك، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنهم كانوا يسمعون منه النغمة في الظهر بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} ، و {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَة}

(2)

.

[صحح أبو حاتم والدارقطني وقفه على أنس]

(3)

.

(1)

. صحيح مسلم (48 - 398).

(2)

. صحيح ابن خزيمة (512).

(3)

. اختلف في رفعه ووقفه:

فرواه حماد بن سلمة، عن قتادة، عن ثابت، وقتادة وحميد عن أنس.

رواه البزار (7262)، وابن خزيمة (512)، وابن حبان (1824)، والضياء في المختارة (2540، 2541)، عن محمد بن معمر، عن روح بن عبادة، عن حماد بن سلمة به.

وتابع حمادًا سفيان بن حسين، فرواه عن حميد الطويل وحده، عن أنس.

رواه البخاري في القراءة خلف الإمام ت آل حطامي والشايع (246، 248)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (1/ 208)، والطبراني في الأوسط (5224)، من طريق عباد بن العوام، عن سفيان بن حسين، قال: حدثني أبو عبيدة (قال الطحاوي: هو حميد الطويل) عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ في الظهر: سبح اسم ربك الأعلى.

قال الطبراني في الأوسط (5/ 249): «لا يروى هذا الحديث عن أنس إلا بهذا الإسناد، تفرد به عباد بن العوام» .

وخالف حمادًا وسفيان بن حسين، كل من:

الأول: حماد بن مسعدة كما في مصنف ابن أبي شيبة (3575) فرواه عن حميد، قال: صليت خلف أنس الظهر، فقرأ بـ {سبح اسم ربك الأعلى} ، وجعل يُسمِعنا الآية. =

ص: 190

وليس في كونه موقوفًا ما يدفع الاحتجاج به، فآثار الصحابة رضوان الله عليهم صالحة للاحتجاج ما لم يخالف مرفوعًا، أو يخالف غيره من الصحابة، فالظن بهم أنهم يصلون كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي بهم، وما اقتدى أحد برسول الله صلى الله عليه وسلم مثل صحابته، وفي الصلاة هم أشد اقتداء.

الدليل الرابع:

(ث- 104) قال الترمذي في السنن: وروي عن عمر أنه كتب إلى أبي موسى الأشعري أَنِ اقرأ في الظهر بأوساط المفصل

(1)

.

[لم أقف عليه موصولًا بهذا اللفظ]

(2)

.

= الثاني: معمر بن راشد كما في مصنف عبد الرزاق (2687)، عن ثابت، كان أنس يصلي بنا الظهر والعصر، فربما أسمعنا من قراءته:{إذا السماء انفطرت} و {سبح اسم ربك الأعلى} . ومعمر في روايته عن ثابت كلام، لكنه صالح في المتابعات.

الثالث: أبو شهاب الحناط، كما في المعجم الكبير للطبراني (1/ 242) ح 678، عن حميد وعثمان البتي، قالا: صلينا خلف أنس بن مالك الظهر والعصر، فسمعناه يقرأ {سبح اسم ربك الأعلى} . وهذا إسناد حسن، أبو شهاب صدوق.

ورجح أبو حاتم في العلل (334) و (231)، والدارقطني في العلل (12/ 53) الموقوف.

وأما ما رواه النسائي في المجتبى (972)، وفي الكبرى (1046) من طريق عبد الله بن عبيد قال: سمعت أبا بكر بن النضر قال: كنا بِالطَّفِّ عند أنس، فصلى بهم الظهر، فلما فرغ قال: إني صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأ لنا بهاتين السورتين في الركعتين بـ {سبح اسم ربك الأعلى} ، و {هل أتاك حديث الغاشية} .

في إسناده أبو بكر بن النضر بن أنس فيه جهالة، لم يَرْوِ عنه سوى عبد الله بن عبيد ولم يوثقه أحد. والله أعلم.

(1)

. سنن الترمذي (2/ 110).

(2)

. هذا أحد الألفاظ التي تنسب إلى كتاب عمر إلى أبي موسى الأشعري، فهو يروى بألفاظ مختلفة، منها:

اللفظ الأول: ما ذكره الترمذي معلقًا، ولم أقف عليه موصولًا، وذكر ابن الملقن في التوضيح شرح الجامع الصحيح (7/ 76): أنه عند ابن شاهين بلفظ: كتب عمر إلى أبي موسى الأشعري: أنِ اقرأ في الصبح بطوال المفصل، وفي الظهر بأوساطه، وفي المغرب بقصاره.

ولم أقف على إسناده لأنظر فيه.

اللفظ الثاني: ما ذكره الزيلعي في نصب الراية، حيث أورده بلفظ: روي أن عمر رضي الله =

ص: 191

الدليل الخامس:

أن الصبح صلاة قصيرة، ووقتها واسع، فحسن تطويلها، والمغرب وقتها ضيق، فحسن تقصيرها، وبقية الصلوات سعة الوقت يقتضي التطويل، وكمال عددها يقتضي التقصير فاقتضت التسوية بينهما التوسط

(1)

.

وهذا الكلام يصلح في التماس حكمة التشريع، لا في كونه دليلًا على مقادير القراءة، فالمقادير في كل شيء يحتاج إلى توقيف.

ووقت المغرب على القول بأن لها وقتين بداية ونهاية، وهو الصحيح فهو قريب من الفجر إلا أنه معكوس، فوقت الفجر يبدأ من الفجر الصادق: وهو البياض المعترض في الأفق، ثم يتلو ذلك حمرة تنتشر في الأفق تسبق طلوع الشمس، ثم ينتهي وقت الفجر بطلوع الشمس، واعكس هذه العلامات في وقت المغرب، فالمغرب يبدأ بغياب الشمس عكس الصبح الذي ينتهي بطلوع الشمس، ثم تنتشر حمرة في الأفق ويستمر وقت المغرب إلى حين زوال حمرة الشفق، وهي لا تزول

= عنه كتب إلى أبي موسى الأشعري أن اقرأ في الفجر والظهر: بطوال المفصل، وفي العصر. والعشاء: بأوساط المفصل، وفي المغرب: بقصار المفصل، قال الزيلعي: غريب بهذا اللفظ، والغرابة عند الزيلعي تعني أنه لا أصل له بهذا اللفظ.

اللفظ الثالث: رواه عبد الرزاق في المصنف (2672)، عن الثوري، عن علي بن زيد بن جدعان، عن الحسن وغيره، قال:

كتب عمر إلى أبي موسى أن اقرأ في المغرب بقصار المفصل، وفي العشاء بوسط المفصل، وفي الصبح بطوال المفصل.

وهذا إسناد ضعيف، وسبق تخريجه، انظر (ث-381).

اللفظ الرابع: ما رواه مالك في الموطأ (1/ 7)، عن عمه أبي سهيل، عن أبيه،

أن عمر بن الخطاب كتب إلى أبي موسى أن صَلِّ الظهر إذا زاغت الشمس، والعصر والشمس بيضاء نقية قبل أن يدخلها صفرة، والمغرب إذا غربت الشمس، وأخر العشاء ما لم تنم، وصَلِّ الصبح، والنجوم بادية مشتبكة، واقرأ فيها بسورتين طويلتين من المفصل.

وهذا إسناد صحيح، وهو المعروف من كتاب عمر رضي الله عنه إلى أبي موسى، وسبق تخريجه، انظر (ث-407)، و (ث-381).

(1)

. انظر: الممتع في شرح المقنع (1/ 355).

ص: 192

دفعة واحدة، وإنما تبدأ تخف تدريجيًّا شيئًا فشيئًا حتى تتحول إلى بياض مستطيل في الأفق مشوبًا بصفرة، وهذا يقابله في وقت الصبح (الفجر الصادق) فإذا كان الفجر الصادق علامة على طلوع الصبح، فإنه في المغرب على العكس من ذلك، فغيابه علامة على انتهاء وقت المغرب، فزيادة المغرب بركعة واحدة لا تحدث مثل هذا الفرق في القراءة من الانتقال من طوال المفصل إلى قصاره، ولعل الفارق أن صلاة الصبح تبدأ بعد نوم الناس وراحة أبدانهم، وقمة نشاطهم، بخلاف المغرب، فهو في آخر النهار بعد يوم حافل من العمل وطلب الرزق، والمعول على النصوص في تقدير القراءة بعد أن يعلم الإمام أنه لا يوجد ما يدعو للتخفيف، من شغل، أو سهر ونحوه، والله أعلم.

* الراجح:

اختلاف المنقول في قدر القراءة في الصلوات يدل على أن أمر القراءة واسع،

وقد اختلف العلماء في الجمع بينها:

فقيل: الأصل طول القراءة، والتخفيف في الظهر عارض، إما لبيان الجواز، أو مراعاة اختلاف الوقت أو مراعاة أحوال المأمومين.

قال النووي: «واختلاف قدر القراءة في الأحاديث كان بحسب الأحوال، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم من حال المأمومين في وقت أنهم يؤثرون التطويل، فيطوِّل، وفي وقت لا يؤثرونه لعذر ونحوه، فيخفف، وفي وقت يريد إطالتها، فيسمع بكاء الصبي، كما ثبت في الصحيحين، والله أعلم»

(1)

.

قال أبو بكر الأثرم: «الوجه في اختلاف الأحاديث في القراءة في الظهر أنه كله جائز، وأحسنه استعمالًا طول القراءة في الصيف، وطول الأيام، واستعمال التقصير في القراءة في الشتاء، وقصر الأيام، وفي الأسفار، وذلك كله معمول به»

(2)

.

الثاني: عكسه، أن الأصل التخفيف في قراءة الظهر، وأن تطويلها عارض.

قال ابن القيم: وأما الظهر فكان يطيل قراءتها أحيانًا حتى قال أبو سعيد: كانت

(1)

. المجموع (3/ 384).

(2)

. فتح الباري لابن رجب (7/ 13).

ص: 193

صلاة الظهر تقام، فيذهب الذاهب إلى البقيع، فيقضي حاجته، ثم يأتي أهله، فيتوضأ، ويدرك النبي صلى الله عليه وسلم في الركعة الأولى مما يطيلها، رواه مسلم .... »

(1)

.

الثالث: أن كل ذلك جائز على حد سواء.

قال ابن عبد البر: «فكل ذلك من المباح الجائز، أن يقرأ المرء بما شاء مع أم القرآن ما لم يكن إمامًا يُطَوِّل على من خلفه، وبنحو ذلك تواترت الآثار في القراءة عن النبي عليه السلام في الصلاة مرة يخفف وربما طول صنع ذلك في كل صلاة، وهذا كله يدل على أن لا توقيت في القراءة عند العلماء بعد فاتحة الكتاب، وهذا إجماع من علماء المسلمين ويشهد لذلك قوله عليه السلام: (من أَمَّ الناس فليخفف) ولم يحد شيئًا»

(2)

.

وأرى أن مقدار القراءة يختلف من جماعة لأخرى، فالجماعات التي في أسواق البيع والشراء يبادر بالإقامة، ولا يطيل الصلاة؛ لأنها تجمع فئات مختلفة من الناس، بعضهم من أهل السوق وبعضهم قد طرق السوق لحاجته من مكان بعيد، ويرغب في الانقلاب إلى مكانه أو قريته، فمثلهم يراعى في التخفيف، وأما الجماعات في الأحياء غير المطروقة، فإن الإمام يعلم حال جماعته، فيقتدي بأضعفهم، من كبير السن، أو كثير اللحم، أو صاحب مرض، فالإمام أدرى بما تطيق جماعته، فإذا علم من جماعته القوة والفراغ، والرغبة في إطالة الصلاة فإن المختار في مقدار القراءة لصلاة الظهر بأن تكون بين القراءة في الصبح والقراءة في العصر، فهي لا تبلغ قراءة الصبح في الطول، وفي نفس الوقت هي أطول من قراءة العصر والعشاء، وإذا قرأ أحيانًا بأوساط المفصل فلا حرج، والله أعلم.

* * *

(1)

. زاد المعاد (1/ 203).

(2)

. الاستذكار (1/ 426).

ص: 194