الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث السادس في مقدار القراءة في صلاة العصر
المدخل إلى المسألة:
* الأصل في صلاة العصر التخفيف، وأن القراءة فيها أخف من القراءة في الصبح والظهر.
* كان المأثور من قراءة النبي صلى الله عليه وسلم في العصر مختلفة، فأحيانًا كانت قراءته على نحو قراءته في الظهر، وأحيانًا على النصف من قراءة الظهر، وكل ذلك يدل على أن الأمر واسع في تقدير القراءة.
[م-295] اختلف العلماء في مقدار القراءة في صلاة العصر:
فقيل: يقرأ في العصر من أوساط المفصل، وهو مذهب الحنفية، والشافعية، والحنابلة، وقول في مذهب المالكية
(1)
.
قال في الفروع: ونقل حرب في العصر نصف الظهر
(2)
.
وقيل: يقرأ من قصار المفصل، وهو مذهب المالكية
(3)
.
(1)
. الهداية شرح البداية (1/ 55)، العناية شرح الهداية (1/ 335)، البحر الرائق (1/ 360)، حاشية ابن عابدين (1/ 541)، البيان والتحصيل (1/ 295)، تحبير المختصر لبهرام (1/ 299)، حاشية الدسوقي (1/ 247)، التوضيح لمن رام المجموع بنظر صحيح (2/ 52)، المهذب للشيرازي (1/ 141)، نهاية المطلب (2/ 287)، فتح العزيز (3/ 358)، المجموع (3/ 382)، روضة الطالبين (1/ 248)، تحفة المحتاج (2/ 55)، مغني المحتاج (1/ 363)، نهاية المحتاج (1/ 495)، الإنصاف (2/ 55)، المبدع في شرح المقنع (1/ 391)، شرح منتهى الإرادات (1/ 191)، كشاف القناع (1/ 343)، مطالب أولي النهى (1/ 435)، حاشية الخلوتي (1/ 296)، شرح العمدة لابن تيمية، صفة الصلاة (ص: 196).
(2)
. الفروع (2/ 179).
(3)
. مختصر خليل (ص: 32)، الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي (1/ 247)، التاج والإكليل (2/ 240)، شرح الخرشي (1/ 281)، الفواكه الدواني (1/ 197)، منح الجليل (1/ 258)، النوادر والزيادات (1/ 174).
* دليل من قال: يقرأ في العصر من أوسط المفصل:
الدليل الأول:
(ح-1545) ما رواه مسلم من طريق عبد الرحمن بن مهدي، حدثنا شعبة، عن سماك،
عن جابر بن سمرة قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في الظهر اللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى، وفي العصر نحو ذلك. وفي الصبح أطول من ذلك
(1)
.
ورواه مسلم من طريق أبي داود الطيالسي، عن شعبة به، بلفظ: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الظهر بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} [الأعلى: 1] وفي الصبح بأطول من ذلك
(2)
.
ورواه أحمد، وأبو داود والترمذي والنسائي من طريق حماد بن سلمة، عن سماك به، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الظهر والعصر بـ {وَالسَّمَاء وَالطَّارِق} {وَالسَّمَاء ذَاتِ الْبُرُوج} ونحوها من السور.
[اضطرب فيه سماك في تعيين السور]
(3)
.
(1)
. صحيح مسلم (170 - 459).
(2)
. صحيح مسلم (171 - 460).
(3)
. رواه زهير وزائدة، وإسرائيل في رواية، وجعفر بن الحارث بسند ضعيف،، رووه بذكر سورة (ق).
ورواه الثوري وإسرائيل بذكر سورة (الواقعة).
ورواه أبو عوانة ويزيد بن عطاء اليشكري بذكر سورتي (ق ويس).
ورواه شعبة بذكر قراءة الظهر، وقال: والصبح أطول من ذلك، ولم يحدد سورة.
ورواه حماد بن سلمة، فلم يذكر قراءة الصبح.
ورواه شعبة، واختلف عليه فيه:
فرواه مسلم (170 - 459) من طريق عبد الرحمن بن مهدي، عن شعبة، عن سماك به، بلفظ:(كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في الظهر بـ {وَالَّيْلِ إِذَا يَغْشَى}، وفي العصر نحو ذلك. وفي الصبح أطول من ذلك). ولم يذكر السورة التي يقرأ فيها بالصبح، وزاد قراءة الظهر بـ {وَالَّيْلِ إِذَا يَغْشَى} .
ومن طريق ابن مهدي أخرجه أحمد (5/ 101، 108)، والنسائي في المجتبى (980)، وفي الكبرى (1054)، والمستغفري في فضائل القرآن (996). وأخرجه أبو داود (806)، والطبراني في الكبير (2/ 218) ح 1894، من طريق معاذ بن معاذ، عن شعبة به.
ورواه الطيالسي، عن شعبة، واضطرب فيه في تعيين السورة، على أربعة ألفاظ، راجع تخريج هذه الطرق بألفاظها فيما سبق من هذا المجلد (ح:).
الدليل الثاني:
(ث-204) ما رواه أحمد، قال: حدثنا محمد بن إسماعيل بن أبي فديك، حدثنا الضحاك بن عثمان، عن بكير بن عبد الله، عن سليمان بن يسار،
عن أبي هريرة أنه قال: ما صليت وراء أحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أشبه صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم من فلان -قال سليمان- كان يطيل الركعتين الأوليين من الظهر، ويخفف الأخريين، ويخفف العصر، ويقرأ في المغرب بقصار المفصل، ويقرأ في العشاء بوسط المفصل، ويقرأ في الصبح بطوال المفصل
(1)
.
[حسن]
(2)
.
الدليل الثالث:
(ح-1546) ما رواه مسلم، قال: حدثنا يحيى بن يحيى، وأبو بكر بن أبي شيبة، جميعًا عن هشيم، عن منصور، عن الوليد بن مسلم، عن أبي الصديق،
عن أبي سعيد الخدري قال: كنا نحزر قيام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الظهر والعصر فحزرنا قيامه في الركعتين الأوليين من الظهر قدر قراءة {الم (1) تَنزِيلُ} السجدة وحزرنا قيامه في الأخريين قدر النصف من ذلك، وحزرنا قيامه في الركعتين الأوليين من العصر على قدر قيامه في الأخريين من الظهر وفي الأخريين من العصر على النصف من ذلك» ولم يذكر أبو بكر في روايته:{الم (1) تَنزِيلُ} وقال: قدر ثلاثين آية
(3)
.
وجه الاستدلال:
ولا فرق بين روايتي التقدير بـ {الم (1) تَنزِيلُ} السجدة أو التقدير بثلاثين
(1)
. المسند (2/ 300).
(2)
. سبق تخريجه، انظر (ث-375)، وانظر:(ح 1550).
(3)
. صحيح مسلم (156 - 452).
آية، فإن السجدة ثلاثون آية، والحديث يدل على أنهم قدروا قيامه صلى الله عليه وسلم في الركعتين الأوليين من العصر على قدر قيامه في الأخريين من الظهر: أي بمقدار خمس عشرة آية، والظاهر أن الصحابي أراد بالتقدير فيما سوى الفاتحة؛ لكونها معلومة، فلم تدخل بالتقدير، فإذا قدرت القراءة في صلاة العصر بخمس عشرة آية في كل ركعة من الأوليين فذلك يعني أن القراءة من أوساط المفصل، والله أعلم.
* دليل من قال: القراءة في العصر من قصار المفصل:
الدليل الأول:
يمكن أن يستدل لقول المالكية بحديث أبي سعيد الخدري المتقدم.
وجه الاستدلال:
أن الحديث نص على أن القراءة في الركعتين الأخريين من الظهر بمقدار خمس عشرة آية في كل ركعة، وأنهم قدروا قيامه صلى الله عليه وسلم في الركعتين الأوليين من العصر على قدر قيامه في الأخريين من الظهر: أي بمقدار خمس عشرة آية.
وقوله: (حزرنا قيامه في الأخريين) فقيام مفرد نكرة مضافة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فالمراد جميع قيامه في الركعة بما في ذلك قراءة الفاتحة، كما تفيده دلالة النكرة إذا أضيفت إلى معرفة، كما قال تعالى:{وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللّهِ} فـ (نعمة) وإن كانت بلفظ المفرد إلا أنها اكتسبت العموم بإضافتها إلى لفظ الجلالة، ولهذا قال: لا تحصوها، فإذا كان جميع قيامه خمس عشرة آية، وكان نصفها متعينًا للفاتحة، فالباقي هو مقدار القراءة، فتكون القراءة بمقدار سبع آيات إلى ثمان، وهذا دليل على أن القراءة في العصر من قصار المفصل، والله أعلم.
الدليل الثاني:
(ث-403) ما رواه أحمد، قال: حدثنا محمد بن إسماعيل بن أبي فديك، حدثنا الضحاك بن عثمان، عن بكير بن عبد الله، عن سليمان بن يسار،
عن أبي هريرة أنه قال: ما صليت وراء أحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أشبه صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم من فلان -قال سليمان- كان يطيل الركعتين الأوليين من الظهر، ويخفف الأخريين، ويخفف العصر، ويقرأ في المغرب بقصار المفصل، ويقرأ
في العشاء بوسط المفصل، ويقرأ في الصبح بطوال المفصل
(1)
.
[حسن]
(2)
.
وجه الاستدلال:
أن الحديث نص على تخفيف العصر، ونص على أن العشاء من أوساط المفصل، فإذا لم تبلغ العصر أوساط المفصل فهي من قصاره، إلا أن قصار المفصل يتفاوت في الطول، فسورة الكوثر ليست بمقدار سورة البينة، والزلزلة، فيختار الأطول من قصار المفصل كالضحى والبينة للعصر، ويختار الأقصر للمغرب مثل الكافرون والإخلاص، وقريش ونحوها، والجميع يصدق عليه أنه من قصار المفصل، كما قيل في قراءة الظهر والصبح، والله أعلم.
الدليل الثالث:
(ث-404) ما رواه ابن أبي شيبة، قال: حدثنا وكيع، عن سفيان، عن الأعمش،
عن إبراهيم قال: كانوا يعدلون الظهر بالعشاء، والعصر بالمغرب
(3)
.
وجه الاستدلال:
الظاهر أن قول الإمام إبراهيم النخعي (كانوا يعدلون) يريد بذلك الصحابة، لأن التابعي لا يحتج بفعل تابعي مثله، إلا أن إبراهيم لم يثبت سماعه من صحابي وإن أدرك جماعة منهم، فهو مرسل، إلا أن المالكية يحتجون بالمرسل، فلا يعترض عليهم بالاحتجاج به، وهو مذهب الحنفية، ورواية عن أحمد، خلافًا للشافعي.
وقد يحمل مرسل إبراهيم النخعي على الاتصال؛ قال يحيى بن معين: مراسيل إبراهيم أحب إلي من مراسيل الشعبي. اهـ
وقال إبراهيم: إذا قلت: قال عبد الله فقد سمعته من غير واحد من الصحابة، وإذا قلت: حدثني فلان: فحدثني فلان، فيكون مرسله أقوى من مسنده، والله أعلم.
* الراجح:
أرى أن تقدير قراءة ما زاد على الفاتحة في الصلاة أمر واسع، ولا بأس أن يقرأ
(1)
. المسند (2/ 300).
(2)
. سبق تخريجه، انظر:(ث-375)، وانظر:(ح 1550).
(3)
. المصنف (3585).
الإمام من أوساط المفصل في العصر، وإذا قرأ أحيانًا من قصاره فلا بأس، والمهم أن يحرص أن تكون قراءته في العصر بين قراءته في الظهر وقراءته في المغرب، والله أعلم.
* * *