الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الرابع في صفة الركوع
المبحث الأول في الصفة المجزئة
المدخل إلى المسألة:
* أمر الشارع بالركوع، وليس له حقيقة شرعية، فيرجع في تقديره إلى اللغة.
* من اعتبر الطمأنينة جزءًا من الركن، لا ركنًا مستقلًّا قال: الركوع له حقيقة شرعية.
* الركوع في اللغة: هو الانحناء، فتتعلق الركنية بالأدنى منه.
* وقيل: حد الركوع أن يكون إلى الركوع أقرب منه إلى القيام؛ لأن ما قرب من الشيء أعطي حكمه، فما قرب من القيام ألحق بالقيام وما قرب من الركوع ألحق به، وهذا أقوى.
* لا يشترط أن يقبض الراكع ركبتيه بيديه.
[م-620] اختلف العلماء في أقل الركوع:
فقال الحنفية: المفروض من الركوع أصل الانحناء والميل، وفي منية المصلي: طأطأة الرأس
(1)
.
جاء في البحر الرائق: «واختلفوا في حد الركوع، ففي البدائع وأكثر الكتب: القدر المفروض من الركوع أصل الانحناء والميل، وفي الحاوي: فرض الركوع انحناء الظهر، وفي منية المصلي: الركوع طأطأة الرأس، ومقتضى الأول لو طأطأ رأسه ولم
(1)
. تحفة الفقهاء (1/ 133)، بدائع الصنائع (1/ 105)، العناية شرح الهداية (1/ 300)، الجوهرة النيرة (1/ 50).
يحن ظهره أصلًا مع قدرته عليه لا يخرج عن عهدة فرض الركوع، وهو حسن»
(1)
.
وحجتهم على ذلك:
أن الشارع أمرنا بالركوع، وليس له حقيقة شرعية، فيرجع في تقديره إلى اللغة، والركوع في اللغة: هو الانحناء، فتتعلق الركنية بالأدنى منه، يقال: ركعت النخلة إذا مالت، فمطلق الانحناء يتحقق به أقل الإجزاء
(2)
.
وذهب الشافعية والحنابلة، وهو قول في مذهب الحنفية إلى أن أَقَلَّ الركوع أن ينحني معتدل الخلقة بحيث تنال راحتاه ركبتيه.
وقال المالكية: بحيث تقرب راحتاه من ركبتيه، وفي رواية ابن شعبان: أخفه بلوغ يديه آخر فخذيه.
وجمع بين القولين ابن شاس، فقال في الجواهر:«أقله أن ينحني بحيث تنال راحتاه ركبتيه، أو تقربان منهما»
(3)
.
وأرادوا بمعتدل الخلقة: أي لا طويل اليدين، ولا قصيرهما
(4)
.
وقيل: أن ينحني بحيث يكون إلى الركوع أقرب منه إلى القيام، قاله بعض الحنفية
(5)
، واختاره المجد من الحنابلة
(6)
.
وقد يقال: إنه متى حاذت يداه ركبتيه، فإنه إلى الركوع أقرب منه إلى القيام، فيلتقي
(1)
. البحر الرائق (1/ 309).
(2)
. انظر تبيين الحقائق (1/ 106).
(3)
. عقد الجواهر الثمينة (1/ 103).
(4)
. الدر المختار مع حاشية ابن عابدين (1/ 447)، حاشية العدوي على كفاية الطالب (1/ 264)، منح الجليل (1/ 351)، التوضيح لخليل (1/ 356)، القوانين الفقهية (ص: 45)، مواهب الجليل (1/ 520)، جامع الأمهات (ص: 96)، فتح العزيز (3/ 365)، المجموع (3/ 408)، تحفة المحتاج (2/ 58)، مغني المحتاج (1/ 364)، نهاية المحتاج (1/ 496)، الإنصاف (2/ 59، 60)، الإقناع (1/ 119)، شرح منتهى الإرادات (1/ 194)، كشاف القناع (1/ 347)، شرح الزركشي (1/ 556).
(5)
. حاشية ابن عابدين (1/ 447)، الاختيار لتعليل المختار (1/ 51)،.
(6)
. الإنصاف (2/ 60)، الإقناع (1/ 119)، كشاف القناع (1/ 347)، شرح الزركشي (1/ 556).
القولان، والله أعلم.
وهل يشترط أن يقبض ركبتيه بيديه،؟ قولان في مذهب المالكية، أصحهما لا يشترط.
فخلص لنا في المسألة خمسة أقوال:
الأول: أدنى انحناء يجزئ في الركوع، وهذا مذهب الحنفية.
الثاني: أن تحاذي كفاه ركبتيه، بحيث لو أراد قبض ركبتيه لقدر على ذلك، ولا يجب قبض الكفين على الركبتين، وهذا مذهب الشافعية والحنابلة.
الثالث: أن تقرب راحتاه من ركبتيه بحيث تكون رؤوس أصابعه على آخر فخذيه بالقرب من ركبتيه، وهذا مذهب المالكية.
الرابع: يجب أن يقبض ركبتيه بيديه، ولا يكفي مجرد الإمكان، وهو قول مرجوح في مذهب المالكية.
الخامس: أن يكون إلى الركوع أقرب منه إلى القيام، اختاره بعض الحنفية وبعض الحنابلة.
وأجد أن هذا الأخير هو أقرب هذه الأقوال؛ لأن ما قرب من الشيء يعطى حكمه في الشرع، فمطلق الانحناء إذا كان إلى القيام أقرب فهو في حد القيام، أو في فاصل بين القيام والركوع، وقد قال الحنفية: إن الرجل لو جاء إلى الإمام، وهو راكع، فحنى ظهره، ثم كبر تكبيرة الإحرام إن كان إلى القيام أقرب صحت تكبيرة الإحرام، وإن كان إلى الركوع أقرب لم تصح، فصححوا تكبيرة الإحرام وهو منحنٍ، وأعطوه حكم القيام إذا كان إلى القيام أقرب، وهكذا قال النووي من الشافعية
(1)
.
قال في الجوهرة النيرة: «وحد القيام: أن يكون بحيث لو مد يديه لا ينال ركبتيه»
(2)
.
فلم يخرج عن حد القيام بمجرد الانحناء، فتأمل قول الحنفية هذا مع قولهم في أقل الركوع المجزئ، والله أعلم.
(1)
. انظر: البحر الرائق (1/ 308)،.
(2)
. الجوهرة النيرة (1/ 50)، حاشية ابن عابدين (1/ 444، 452، 480)، النهر الفائق (1/ 194).
وقال النووي: «والأصح أنه متى انحنى بحيث يكون إلى حد الركوع أقرب لم يكن قائمًا»
(1)
.
فهل قوله: لم يكن قائمًا أنه قد دخل في حد الركوع، أو أنه في فاصل بين الركوع والقيام، الأقرب الأول، والله أعلم.
* * *
(1)
. المجموع شرح المهذب (3/ 297).