الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثالث في مد الظهر ومجافاة المرفقين عن الجنبين
المدخل إلى المسألة:
* المتفق عليه في الركوع: الانحناء، والاطمئنان فيه، فهذان فرضان بالاتفاق.
* ما زاد على (الركوع، والاطمئنان فيه، ووضع اليدين على الركبتين)، لا أعلم أحدًا قال بوجوبه من المتقدمين.
* وضع الراحتين على الركبتين، وتفريج الأصابع، ومجافاة المرفقين عن الجنبين، ومد الظهر من سنن الركوع عند عامة العلماء.
* القول بأن هذه الصفات شرط لحصول الاطمئنان قول في غاية البعد.
* الاطمئنان في الصلاة ليس له حقيقة شرعية، تفارق حقيقته اللغوية.
* الاعتماد في حقيقة الاطمئنان في الركوع على حقيقته اللغوية.
* الاطمئنان في الركوع: هو السكون منحنيًا حتى يستوي كل عضو في مقره، وهو حاصل ولو لم يمد ظهره، ويضع يديه على ركبتيه، قال في الحديث المتفق عليه:(ثم اركع حتى تطمئن راكعًا).
* أجمع المسلمون على استحباب التجافي في الركوع والسجود.
[م-623] اتفق العلماء على مشروعية مد الظهر وبسطه في الركوع، بحيث لا يرفع رأسه ولا يخفضه، كما اتفقوا على استحباب أن يجافي الرجل المصلي مرفقيه عن جنبيه في حال الركوع والسجود إلا أن يؤذي من بجانبه، واختلفوا في وجوب ذلك:
فقيل: هذه الهيئة من سنن الصلاة، وهو مذهب الأئمة الأربعة
(1)
.
(1)
. فتح القدير (1/ 297)، الهداية شرح البداية (1/ 50)، مختصر القدوري (ص: 27)، الاختيار لتعليل المختار (1/ 51)، العناية شرح الهداية (1/ 297)، حاشية ابن عابدين (1/ 494)، حاشية العدوي على الخرشي (1/ 271)، شرح الخرشي (1/ 272)، التاج والإكليل (2/ 214)، الفواكه الدواني (1/ 179)، الشرح الصغير (1/ 313)، وحاشية الدسوقي (1/ 239)، شرح الزرقاني على خليل (1/ 354)، لوامع الدرر (2/ 82)، منهاج الطالبين (ص: 26)، تحفة المحتاج (2/ 60)، مغني المحتاج (1/ 365)، نهاية المحتاج (1/ 498)، المهذب للشيرازي (1/ 143)، المجموع (3/ 406)، الحاوي الكبير (2/ 118)، الهداية على مذهب أحمد (ص: 83)، الفروع (2/ 195)، المبدع (1/ 394)، الإقناع (1/ 119)، شرح منتهى الإرادات (1/ 194).
قال ابن شاس في الجواهر: «وأكمله -يعني الركوع- أن ينحني بحيث يستوي ظهره وعنقه، وينصب ركبتيه، ويضع كفيه عليهما، ويجافي الرجل مرفقيه عن جنبيه، ولا يجاوز في الانحناء الاستواء»
(1)
.
(2)
.
وقيل: هذه الصفات واجبة، ولا يحصل الاطمئنان في الركوع إلا بها. اختاره الألباني صريحًا، ويمكن أن يفهم هذا القول من كلام ابن حزم
(3)
.
* دليل من قال: هذه الهيئات من السنن:
الدليل الأول:
(ح-1655) ما رواه البخاري من طريق محمد بن عمرو بن حلحلة، عن محمد ابن عمرو بن عطاء، وحدثنا الليث، عن يزيد بن أبي حبيب، ويزيد بن محمد، عن محمد بن عمرو بن حلحلة،
عن محمد بن عمرو بن عطاء، أنه كان جالسًا مع نفر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فذكرنا صلاة النبي صلى الله عليه وسلم، فقال أبو حميد الساعدي: أنا كنت أحفظكم لصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم رأيته إذا كبر جعل يديه حذاء منكبيه، وإذا ركع أمكن يديه من ركبتيه، ثم هصر ظهره
…
وذكر بقية الحديث
(4)
.
(1)
. عقد الجواهر الثمينة (1/ 103)، وانظر: الذخيرة للقرافي (2/ 188)، القوانين الفقهية (ص: 45).
(2)
. شرح السنة (3/ 94).
(3)
. تمام المنة (ص: 189)، وانظر المحلى (2/ 289).
(4)
. صحيح البخاري (828).
وقد ترجم البخاري لهذا الحديث بقوله: باب استواء الظهر في الركوع،
قال ابن الجوزي: «هصر ظهره: أي مده وسواه. وقال الخطابي: ثناه وخفضه»
(1)
.
(2)
.
وتفسير هصر الظهر بالاستواء من تفسير الفعل بلازمه؛ لأن هصر الظهر يدل على قدر زائد على مطلق الانحناء، فهو انحناء شديد، يلزم منه استواء الظهر.
(ح-1656) ورواه أحمد من طريق عبد الحميد بن جعفر، قال: حدثني محمد بن عطاء،
عن أبي حميد الساعدي، قال: سمعته وهو في عشرة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أحدهم أبو قتادة بن رِبْعِيٍّ، يقول: .... فذكر الحديث، وفيه:
…
فإذا أراد أن يركع رفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه، ثم قال: الله أكبر، فركع، ثم اعتدل، فلم يَصُبَّ رأسه، ولم يُقْنِعْهُ، ووضع يديه على ركبتيه .... الحديث
(3)
.
[حسن في الجملة]
(4)
.
فقوله: (لم يَصُبَّ رأسه) من الصب، قال الخطابي: أي: لا يميله إلى أسفل.
وقوله: (ولم يُقْنِعه) من أقنع رأسه: إذا رفعه، أي: لا يرفع رأسه حتى يكون أعلى من ظهره، وهو من الأضداد.
(ح-1657) ورواه أبو داود من طريق فليح بن سليمان، عن عباس بن سهل، قال: اجتمع أبو حميد، وأبو أسيد، وسهل بن سعد، ومحمد بن مسلمة، فذكروا صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أبو حميد: أنا أعلمكم بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر بعض هذا، قال: ثم ركع فوضع يديه على ركبتيه كأنه قابض عليهما، وَوَتَّرَ يديه
(1)
. كشف المشكل من حديث الصحيحين (2/ 172).
(2)
. فتح الباري لابن رجب (7/ 164).
(3)
. المسند (5/ 424).
(4)
. سبق تخريجه، انظر (ح 1185، 1748، 1851، 1868).
فتجافى عن جنبيه .... الحديث
(1)
.
[صحيح من حديث عباس بن سهل، وقد سبق تخريجه]
(2)
.
وجه الاستدلال:
قوله: (وَوَتَّرَ يديه) بتشديد التاء، أي جعلها كالوتر، شبه يد الراكع إذا مدَّها قابضًا على ركبته بالقوس إذا أوترت.
(فنحاهما عن جنبيه) من نحى ينحي تنحية: إذا أبعد يديه عن جنبيه حتى كانت يده كالوتر مع القوس
(3)
.
الدليل الثاني:
(ح-1658) ما رواه مسلم من طريق حسين المعلم، عن بديل بن ميسرة، عن أبي الجوزاء،
عن عائشة، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستفتح الصلاة بالتكبير. والقراءة، بالحمد لله رب العالمين، وكان إذا ركع لم يُشْخِصْ رأسه، ولم يُصَوِّبْهُ ولكن بين ذلك
…
وذكر الحديث
(4)
.
الدليل الثالث:
(ح-1659) ما رواه أحمد من طريق زائدة، عن عطاء بن السائب، عن سالم أبي عبد الله، قال:
قال عقبة بن عمرو: ألا أريكم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: فقام فكبر، ثم ركع، فجافى يديه، ووضع يديه على ركبتيه، وفرج بين أصابعه من وراء ركبتيه، حتى استقر كل شيء منه
…
وذكر الحديث
(5)
.
ورواه أحمد من طريق همام، حدثنا عطاء بن السائب وفيه: (
…
وجافى عن
(1)
. سنن أبي داود (734).
(2)
. لم يتفرد به فليح، تابعه عليه محمد بن إسحاق، فالحديث صحيح بمجموع الطريقين، وقد سبق تخريجه، انظر (ح 1631).
(3)
. نسب هذا التفسير إلى النهاية الأحوذي في التحفة (2/ 103)، ولم أجد ذلك في نهاية غريب الحديث، والله أعلم.
(4)
. صحيح مسلم (240 - 498).
(5)
. المسند (4/ 120).
إِبْطَيْهِ حتى استقر كل شيء منه
…
الحديث
(1)
.
[إسناده قوي زائدة وهمام سمعا من عطاء قديمًا]
(2)
.
الدليل الرابع:
(ح-1660) ما رواه ابن ماجه، قال: حدثنا إبراهيم بن محمد بن يوسف الفريابي قال: حدثنا عبد الله بن عثمان بن عطاء قال: حدثنا طلحة بن زيد، عن راشد، قال:
سمعت وابصة بن معبد، يقول: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان إذا ركع سَوَّى ظهره، حتى لو صُبَّ عليه الماء لَاسْتَقَرَّ
(3)
.
[ضعيف جدًّا بل موضوع]
(4)
.
(1)
. مسند أحمد (4/ 119).
(2)
. سبق تخريجه، انظر (1647).
(3)
. سنن ابن ماجه (872).
(4)
. والحديث رواه الطبراني في الكبير (22/ 147) ح 4000 من طريق إبراهيم بن محمد، حدثنا عبد الله بن عثمان بن عطاء به.
وفي إسناده طلحة بن زيد الرقي، قال فيه الحافظ في التقريب: متروك، قال أحمد وعلي -يعني ابن المديني- وأبو داود: كان يضع يعني الحديث.
وعبد الله بن عثمان بن عطاء، سئل عنه أبو حاتم، فقال: صالح.
وقال ابن أبي حاتم: سمعت موسى بن سهل الرملي يقول: هو أصلح من أبي طاهر موسى بن محمد المقدسي قليلًا، وكان أبو طاهر يكذب. الجرح والتعديل (5/ 113)
وقال ابن حبان كما في الثقات (8/ 347): يعتبر حديثه إذا روى عنه غير الضعفاء.
وفي إسناده أيضًا: راشد بن أبي راشد، قال الذهبي في الميزان (2/ 37): ما حدث عنه سوى طلحة بن زيد الرقي الواهي. اهـ
وله شواهد لا يصح منها شيء، من ذلك:
الشاهد الأول: عقبة بن عمرو.
أخرجه الطبراني في الكبير (17/ 242) ح 674، وفي المعجم الأوسط (5205) من طريق عبد الملك بن الحسين، عن عبد الملك بن عمير، عن أبي عبد الله البراد، عن عقبة بن عمرو رضي الله عنه، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا ركع عدل ظهره، حتى لو صب على ظهره ماء رَكَدَ.
قال الطبراني في الأوسط: لم يرو هذا الحديث عن عبد الملك بن عمير إلا عبد الملك بن حسين. اهـ
وهذا حديث منكر، عبد الملك بن حسين أبو مالك النخعي متروك، وقد رواه عطاء بن =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= السائب، عن أبي عبد الله البراد به، فلم يذكر فيه قوله:(حتى لو صب على ظهره ماء ركد)، وهو المعروف، وسبق تخريجه.
الشاهد الثاني: حديث ابن عباس.
ما رواه أبو يعلى (2447)، والطبراني (12/ 167) ح 127، وعنه أبو نعيم في الحلية (3/ 101)، من طريق سلام بن سليم، عن زيد العمي، عن أبي نضرة،
عن ابن عباس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سجد استوى فلو صب على ظهره ماء لأمسكه.
وفيه رواية الطبراني، وأبي نعيم، قال:(لاستقر).
وهذا الحديث ضعيف جدًّا، في إسناده سلام بن سليم الطويل متروك، وفيه زيد العمي ضعيف.
ورواه الطبراني في الكبير (12/ 159) ح 12755، من طريق عُلَيْلَةَ بن بدر، حدثنا سيار بن سلامة، عن أبي العالية، عن ابن عباس قال: كان يعلمنا الركوع كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم: يعلمهم، ثم يستوي لنا راكعًا حتى لو قطرت بين كتفيه قطرة من ماء ما تقدمت، ولا تأخرت.
و عُلَيْلَةُ: متروك، وقد تفرد به عن سيار بن سلامة.
الشاهد الثالث: البراء بن عازب.
ما رواه بحشل في تاريخ واسط (247)، والدارقطني في العلل (402) وفي المؤتلف (3/ 1297)، من طريق مصعب بن عبد الله بن مصعب الواسطي، حدثنا سلم بن سلام، عن سنان بن هارون، عن بيان بن بشر، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن البراء بن عازب، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا ركع عدل ظهره حتى لو صب عليه ماء لاستقر.
وهذا الإسناد له أكثر من علة:
العلة الأولى: سنان بن هارون، ضعفه يحيى بن معين، فقال: ليست أحاديثه بشيء إكمال تهذيب الكمال (6/ 123).
وذكره العقيلي في جملة الضعفاء، ونقل عن عباس، قال: سمعت يحيى يقول: سنان بن هارون وسيف بن هارون ضعيفان، وسنان أعجبهما إليَّ. الضعفاء الكبير (2/ 171).
وقال في رواية: صالح. الجرح والتعديل (4/ 253).
وقال النسائي: ضعيف. تهذيب الكمال (12/ 155).
وقال ابن حبان: منكر الحديث جدًّا، يروي المناكير عن المشاهير.
وقال أبو حاتم: شيخ.
ووثقه الذهلي، وقال العجلي: كوفي لا بأس به، والراجح فيه قول الجمهور.
العلة الثانية: الاختلاف فيه على سنان بن هارون:
فقد رواه سلم بن سلام، عن سنان، عن بيان، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن البراء بن عازب.
ورواه عبد الله بن أحمد في مسند أبيه (1/ 123)، وعنه أبو بكر القطيعي في جزء الألف دينار (53)، قال عبد الله: وجدت في كتاب أبي، قال: أُخبِرت عن سنان بن هارون، حدثنا بيان، =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن عليِّ بن أبي طالب رضي الله عنه، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ركع لو وضع قدح من ماء على ظهره لم يُهرق.
والراوي عن سنان مبهم، وجعله من مسند علي بن أبي طالب، وآفته سنان بن هارون.
ورواه الثوري، عن مسلم أبي فروة الجهني، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، واختلف على الثوري فيه.
فرواه أبو يحيى الحماني عبد الحميد بن عبد الرحمن (صدوق يخطئ) كما في علل ابن أبي حاتم معلقًا (397)، عن الثوري، عن مسلم أبي فروة الجهني، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن البراء بن عازب.
خالفه عبد الرزاق كما في المصنف (2872)،
وعبد الرحمن بن مهدي كما في غريب الحديث لأبي عبيد (2/ 132)، وعلل ابن أبي حاتم معلقًا (397)، فروياه عن الثوري، عن مسلم أبي فروة الجهني، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ركع لو صب على ظهره ماء لاستقر. زاد عبد الرزاق كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ركوعه وسجوده وقيامه بعد الركعة متقاربًا.
وهذا هو المحفوظ من حديث الثوري أنه مرسل. وكل من ابن مهدي وعبد الرزاق، مقدم على أبي يحيى الحماني لو كان منفردًا، فكيف إذا اتفقا على مخالفته.
وقد توبع الثوري من رواية عبد الرزاق وابن مهدي عنه، تابعه شعبة، وعبد الله بن إدريس.
فقد رواه ابن أبي شيبة في المصنف (2592) عن ابن إدريس،
وأبو داود في المراسيل (43) من طريق شعبة، كلاهما عن أبي فروة الجهني، عن عبد الرحمن ابن أبي ليلى مرسلًا. وهو المحفوظ. قال أبو حاتم: ليس ذكره عن البراء بمحفوظ.
وقال ابن رجب في الفتح بعد أن ساق الاختلاف فيه (7/ 166): «وخرجه أبو داود في مراسيله، من طريق شعبة، عن أبي فروة، عن ابن أبي ليلى مرسلًا، وهو أصح» .
الشاهد الرابع: أبو برزة الأسلمي.
أخرجه الطبراني في الأوسط (5676) من طريق صالح بن زياد، عن يحيى بن سعيد العطار، عن حماد بن سلمة، عن سعيد بن جمهان، عن أبي برزة الأسلمي، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ركع لو صب على ظهره ماء لاستقر.
قال الطبراني: لم يرو هذا الحديث عن حماد بن سلمة إلا يحيى بن سعيد العطار الحمصي، تفرد به صالح بن زياد. اهـ
قلت: صالح بن زياد ثقة، لكن آفته: يحيى بن سعيد العطار، قال ابن معين: ليس بشيء.
وقال الدارقطني: ضعيف. تهذيب التهذيب (4/ 359).
وقال ابن خزيمة: لا يحتج بحديثه.
وقال العقيلي: منكر الحديث.
وقال ابن حبان: يروي الموضوعات عن الأثبات، لا يجوز الاحتجاج به. تهذيب التهذيب =
الدليل الخامس:
الإجماع على استحباب المجافاة من الرجل حال الركوع والسجود،
قال الطحاوي في شرح معاني الآثار: «جاءت السنة بالتجافي في الركوع والسجود، وأجمع المسلمون على ذلك»
(1)
.
(2)
.
وقال ابن رجب: «أجمع عليه أئمة الأمصار»
(3)
.
* دليل من قال: يجب استواء الظهر.
(ح-1661) استدلوا بما رواه أحمد، قال: حدثنا يزيد بن هارون، قال: أخبرنا محمد بن عمرو، عن علي بن يحيى بن خلاد الزرقي،
عن رفاعة بن رافع الزرقي، وكان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال: جاء رجل ورسول
= (4/ 359)،وقال أبو داود: جائز الحديث. وفي التقريب: ضعيف.
الشاهد الخامس: حديث أنس.
أخرجه الطبراني في الصغير (36)، قال: حدثنا أحمد بن إسحاق الصدفي المضري، حدثنا عمرو بن الربيع بن طارق، حدثنا يحيى بن أيوب، عن محمد بن ثابت البناني، عن أبيه، عن أنس بن مالك، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا ركع؛ لو جعل على ظهره قدح ماء لاستقر من اعتداله.
قال الطبراني: لم يروه عن محمد بن ثابت إلا يحيى بن أيوب، تفرد به عمرو بن الربيع.
شيخ الطبراني: أحمد بن إسحاق الصدفي فيه جهالة، ترجمه الذهبي في تاريخ الإسلام (21/ 52)، وذكره المزي في تهذيب الكمال (22/ 24)، ولم يذكرا فيه جرحًا، ولا تعديلًا. انظر: إرشاد القاصي والداني إلى تراجم شيوخ الطبراني (ص: 67).
ومحمد بن ثابت البناني ضعيف، منكر الحديث، روى عن أبيه ما لا يتابع عليه. قال ابن حبان: يروي عن أبيه ما ليس من حديثه، كأنه ثابت آخر، لا يجوز الاحتجاج به.
فتبين من هذه الشواهد أن استواء الظهر ثابت، لا يختلف فيه من حديث أبي حميد الساعدي عند البخاري، وأن حرف:(حتى لو صب عليه الماء لاستقر) لا يثبت من حديث صحيح، وتفرد الضعفاء بحرف لا يزيده إلا ضعفًا.
(1)
. شرح معاني الآثار (1/ 230).
(2)
. المجموع (3/ 410).
(3)
. فتح الباري لابن رجب (7/ 155).
الله صلى الله عليه وسلم جالس في المسجد، فصلى قريبًا منه، ثم انصرف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسلم عليه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أعد صلاتك، فإنك لم تُصَلِّ
…
فردده، وفيه فقال الرجل: علمني كيف أصنع، قال: إذا استقبلت القبلة فكبر، ثم اقرأ بأم القرآن، ثم اقرأ بما شئت، فإذا ركعت، فاجعل راحتيك على ركبتيك، وامدد ظهرك ومكن لركوعك ....
(1)
.
[الحديث حسن ولفظ: (اجعل راحتيك على ركبتيك وامدد ظهرك) شاذ]
(2)
.
قال الشيخ الألباني عليه رحمة الله في تمام المنة: «يجب أن يعلم أن الاطمئنان الواجب لا يحصل إلا بتحقيق ما يأتي:
(1)
وضع اليدين على الركبتين.
(2)
تفريج أصابع الكفين.
(3)
مَدُّ الظهر.
(4)
التمكين للركوع، والمكث فيه، حتى يأخذ كل عضو مأخذه»
(3)
.
وأما وضع اليدين على الركبتين مفرقة الأصابع فقد أفردته في مسألة مستقلة؛ لأن هناك من أصحاب مالك من قال بوجوب ذلك، فكان الخلاف فيه بين أهل القياس، وقد وافق ابن حزم أحد قولي المالكية، فقال في المحلى: إن وضع اليدين على الركبتين فرض
(4)
.
وقد ترجح لي في المسألة السابقة أن وضع اليدين على الركبتين ليس بفرض، وهو قول الحنفية والشافعية والحنابلة، والمعتمد في مذهب مالك.
فيبقى المتفق عليه في الركوع: الانحناء، والاطمئنان فيه، فهذان فرضان
(1)
. المسند (4/ 340).
(2)
. لفظ (إذا ركعت، فاجعل راحتيك على ركبتيك، وامدد ظهرك ومكن لركوعك) قد رواه محمد بن عمرو، عن علي بن يحيى بن خلاد، عن أبيه، عن عمه وفيه علتان:
العلة الأولى: الاختلاف على محمد بن عمرو في إسناده. وهذا دليل على عدم ضبطه.
العلة الثانية: الاختلاف على علي بن يحيى بن خلاد في ذكر (إذا ركعت فاجعل راحتك على ركبتيك وامدد ظهرك). وقد سبق الكلام على طريق محمد بن عمرو في المسألة السابقة، ولله الحمد.
(3)
. تمام المنة (ص: 189).
(4)
. المحلى (2/ 286).
بالاتفاق، واختلفوا في وجوب وضع اليدين على الركبتين.
وأما ما زاد على هذه الثلاثة: (الركوع، والاطمئنان فيه، ووضع اليدين على الركبتين)، فلا أعلم أحدًا قال بوجوبه من المتقدمين إلا ما يمكن أن يفهم من كلام ابن حزم، وليس بالصريح، وهو محسوب من المتأخرين.
(1)
.
فكأن ابن حزم يذهب إلى صحة حديث رفاعة بن رافع رضي الله عنه في كل ألفاظه، فكل ما ورد الأمر به فهو يرى وجوبه في الركوع، ويلزمه أن يذهب إلى وجوب مَدِّ الظهر، حيث ورد في بعض ألفاظه، وإن لم يصرح ابن حزم في أكثر من وجوب الركوع، والطمأنينة، ووضع اليدين على الركبتين. ولم يتعرض لِمَدِّ الظهر، والله أعلم.
ولو قيل: إن وضع اليدين على الركبتين وتفريج الأصابع ومد الظهر من واجبات الركوع للأمر بها في حديث رفاعة، لا أنها شرط لتحقيق الاطمئنان، ولا أن الاطمئنان في الركوع لا يحصل إلا بها، لأمكن البحث في صحة القول بالوجوب بناء على صحة هذه الزيادات التي انفرد بها حديث رفاعة في قصة المسيء في صلاته، ولم تذكر في حديث أبي هريرة، وهو في الصحيحين.
وأما القول بأن الاطمئنان لا يحصل إلا بها، وأن الإخلال بها إخلال بالاطمئنان الذي هو ركن من أركان الصلاة، فهذا محل البحث. والقول به فرع عن مسألة
(1)
. المحلى (2/ 289).
أخرى: هل الاطمئنان في الركوع له حقيقة شرعية، أم حقيقة لغوية؟
فإن كان الاعتماد على حقيقة الاطمئنان في اللغة، فهو حاصل، ولو لم يضع يديه على ركبتيه، ولم يمد ظهره، فالركوع هو الانحناء تعظيمًا.
والاطمئنان فيه: هو السكون منحنيًا حتى يستوي كل عضو في مقره، وهذا حاصل ولو لم يمد ظهره، ويضع يديه على ركبتيه، كما قال في حديث أبي هريرة في قصة المسيء صلاته:(ثم اركع حتى تطمئن راكعًا).
وإن زعمنا أن الاطمئنان له حقيقة شرعية، تفارق حقيقته اللغوية، فهذا يحتاج إلى أمرين:
أحدهما: التصريح بأن الركوع له حقيقة شرعية، ولم أقف على قائل به من المتقدمين.
الثاني: أن يثبت ذلك بأحاديث لا نقاش في صحتها، أما الاعتماد على الزيادات التي وردت في حديث رفاعة مع الاختلاف الشديد في ألفاظه، فلا أظن ذلك صحيحًا، وهو يؤدي إلى القول بأن دعاء الاستفتاح وتكبيرات الانتقال ركن، وهو قول ضعيف، وقل مثل ذلك في جميع زيادات حديث رفاعة، ولو صحت هذه الزيادات في حديث رفاعة لم يستفد منها هذه الدلالة، بحيث يجعل كل هذه الزيادات أركانًا في العبادة، وشرطًا في حصول الاطمئنان في الركوع، بل هي قدر زائد على الاطمئنان، فيصح أن يقال على فرض ثبوتها: إن هذه واجبات للركوع، والإخلال بها يدخل في الإخلال بالواجبات، ولا يدخل في الإخلال بالأركان، فمن تركها سهوًا جبرها بسجود السهو على القول بثبوت هذه الزيادات، ويكون القول بمثل ذلك فرعًا عن الحكم بصحة حديث رفاعة، لا أنها من الأركان، ولا أنها شرط لحصول الركن.
ولولا أن قول الألباني عليه رحمة الله ربما يرجع إلى قول ابن حزم نفسه، وإنْ لم أقف عليه صريحًا لم أتعقب هذا القول، فإني لست كَلِفًا بتعقب أقوال العلماء المعاصرين، واختياراتهم الفقهية والحديثية، وعلى طالب العلم أن يقول اجتهاده في المسألة متلمسًا الحق ما استطاع دون تعصب، ودون أن يتعرض للرموز من أهل السنة، فلا صوابك بحسب ظنك
يرفعك إلى منزلتهم، ولا خطؤهم بحسب ظنك ينال من قدرهم، وأعوذ بالله أن يكون هذا مرادًا للنفس، فمن وجد في نفسه شيئًا من ذلك فليعلم أن الشيطان قد تمكن منه، وأوقعه في نوع من البغي والطغيان دون أن يشعر، بل لعلماء السنة حتى مع أولئك الذين نختلف معهم في الشأن العام لهم كلهم فوق ما للمسلم من ولاء، ونصرة، ومحبة، لهم العرفان بتثمين ما بذلوه من أعمارهم في خدمة هذا العلم، وتعظيمهم عند العامة والخاصة، ونشر محاسنهم، والكف عن أخطائهم، وأكثر ما يحرم طالب العلم وتنزع البركة من سعيه، هو اشتغاله بغمز العلماء وطلبة العلم، ونشر خطئهم، والتقليل من مكانتهم في مسائل يسعها اختلاف الاجتهاد، فإن كان مع هذه البلوى يرى في نفسه أنه أحسن حالًا منهم، فأحسن الله عزاءنا فيه، بل هم بين الأجر والأجرين، والخطأ لا يعصم منه أحد، من لدن الصحابة رضوان الله عليهم إلى قيام الساعة، والاختلاف معهم في بعض الشأن العام كالاختلاف معهم في مسائل الاجتهاد في سائر المسائل الفقهية موضع الاجتهاد، فليس هذا الخلف مبررًا لمحو حسناتهم، وإنكار حسن أثرهم في الناس، وتعليمهم الخير، وتثمين ما يقدمونه في سبيل ذلك، ولعلك أنت المخطئ فيما تظن أنك مصيب فيه، فاحمل بعضهم على طريقة الإمام الزهري، وبعضهم على طريقة الإمام الثوري، وبعضهم على طريقة ابن المبارك، وكلهم عدول، وأئمة هدى، والله أعلم.
* الراجح:
أن الفرض في الصلاة الركوع والاطمئنان فيه، وما زاد على ذلك فهو من المستحبات، وأن تسوية الظهر التعويل في استحبابه على حديث أبي حميد الساعدي حيث ترجم له البخاري في صحيحه باب استواء الظهر في الركوع، واحتج له بقوله:(ثم هصر ظهره) وقد فسر البخاري الهصر بالاستواء والاعتدال، وعلى حديث عائشة رضي الله عنها:(وكان إذا ركع لم يُشْخِصْ رأسه، ولم يُصَوِّبْهُ ولكن بين ذلك). والله أعلم.
* * *