المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الرابع في مقدار القراءة المستحبة في صلاة الصبح - الجامع في أحكام صفة الصلاة - الدبيان - جـ ٣

[دبيان الدبيان]

فهرس الكتاب

- ‌المبحث الثاني في قراءة المأموم ما زاد على الفاتحة

- ‌الفرع الأول في قراءته ما زاد على الجهرية

- ‌الفرع الثاني في قراءة المأموم ما زاد على الفاتحة في السرية

- ‌المبحث الثالث في قراءة ما زاد على الفاتحة في الركعة الثالثة والرابعة

- ‌المبحث الرابع في أقل ما تحصل به السنة من القراءة بعد الفاتحة

- ‌المبحث الخامس في قراءة السورة قبل الفاتحة

- ‌المبحث السادس

- ‌فرع في مقدار التفاوت بين الركعة الأولى والثانية في القراءة

- ‌المبحث السابع في إطالة الركعة الثانية على الأولى

- ‌المبحث الثامن في القراءة من أواسط السور وأواخرها

- ‌المبحث التاسع في قراءة أكثر من سورة في الركعة الواحدة

- ‌المبحث العاشر في تكرار السورة الواحدة في ركعتين

- ‌الفصل الثالث في مقدار القراءة في الصلوات الخمس

- ‌المبحث الأول في تقسيم سور القرآن إلى طوال ومئين ومثان ومفصل

- ‌المبحث الثاني في تحديد بداية المفصل

- ‌المبحث الثالث في تحديد طوال المفصل وأوسطه وقصاره

- ‌المبحث الرابع في مقدار القراءة المستحبة في صلاة الصبح

- ‌فرع في استحباب قراءة السجدة والإنسان في فجر الجمعة

- ‌المبحث الخامس في مقدار القراءة في صلاة الظهر

- ‌المبحث السادس في مقدار القراءة في صلاة العصر

- ‌المبحث السابع في مقدار القراءة في صلاة المغرب

- ‌المبحث الثامن قدر القراءة من بالمغرب من السور الطوال

- ‌المبحث التاسع قدر القراءة في صلاة العشاء

- ‌الفصل الرابع في الأحكام العامة المتعلقة بالقراءة

- ‌المبحث الأول الجهر والإسرار في الصلاة

- ‌الفرع الأول الجهر والإسرار بالصلاة المؤداة

- ‌الفرع الثاني في الإسرار في الصلاة الفائتة

- ‌الفرع الثالث حكم الجهر والإسرار في موضعه

- ‌المسألة الأولى حكم الجهر والإسرار بالقراءة للإمام

- ‌المسألة الثانية حكم الجهر والإسرار بالقراءة للمنفرد

- ‌المسألة الثالثة حكم الجهر بالقراءة للمأموم

- ‌المسألة الرابعة حكم جهر المرأة بالقراءة

- ‌الفرع الرابع في أقل الجهر وأعلاه

- ‌المسألة الأولى في أقل الجهر

- ‌المسألة الثانية في أعلى الجهر

- ‌الفرع الخامس في جهر بعض المصلين على بعض

- ‌الفرع السادس الجهر ببعض الآيات في الصلاة السرية

- ‌المبحث الثاني في السؤال عند آية الوعد والتعوذ عند آية الوعيد

- ‌المبحث الثالث في حكم قراءة القرآن بغير العربية في الصلاة

- ‌المبحث الرابع في القراءة الشاذة

- ‌الفرع الأول في تعريف القراءة الشاذة

- ‌الفرع الثاني الصلاة بالقراءة المخالفة لرسم المصحف

- ‌الفرع الثالث في الاحتجاج بالقراءة الشاذة في الأحكام

- ‌الفرع الرابع في الجمع بين القراءات المختلفة في الصلاة

- ‌المبحث الخامس في القراءة من المصحف

- ‌الفرع الأول القراءة من المصحف خارج الصلاة

- ‌الفرع الثاني في القراءة من المصحف بالصلاة

- ‌الباب السابع في أحكام الركوع

- ‌الفصل الأول في حكم تكبيرات الانتقال ومنه التكبير للركوع

- ‌الفصل الثانيفي حكم الركوع

- ‌المبحث الأول يرفع يديه للركوع والرفع منه دون القيام من الركعتين

- ‌المبحث الثاني في وقت ابتداء التكبير

- ‌المبحث الثالث في مد تكبيرات الانتقال لتستوعب جميع المحل

- ‌الفصل الرابع في صفة الركوع

- ‌المبحث الأول في الصفة المجزئة

- ‌المبحث الثاني في صفة الركوع الكامل

- ‌الفرع الأول في وضع اليدين على الركبتين

- ‌الفرع الثاني إذا نوى بالانحناء غير الركوع

- ‌المبحث الثالث في مد الظهر ومجافاة المرفقين عن الجنبين

- ‌المبحث الرابع وجوب الطمأنينة في الصلاة

- ‌الفصل الخامس في أذكار الركوع والسجود

- ‌المبحث الأول حكم التسبيح في الركوع والسجود

- ‌المبحث الثاني صيغة التسبيح في الركوع والسجود

- ‌المبحث الثالث في زيادة (وبحمده) مع التسبيح

- ‌المبحث الرابع أقل ما تحصل به سنة التسبيح

- ‌المبحث الخامس أعلى الكمال في تسبيح الركوع والسجود

الفصل: ‌المبحث الرابع في مقدار القراءة المستحبة في صلاة الصبح

‌المبحث الرابع في مقدار القراءة المستحبة في صلاة الصبح

المدخل إلى المسألة:

* لا تقدير في السنة القولية في قراءة ما زاد على الفاتحة إلا ما كان من قول النبي صلى الله عليه وسلم: (ثم اقرأ بما تيسر معك من القرآن)، وقوله عليه السلام للإمام:(من أم الناس فليخفف)، وقوله صلى الله عليه وسلم لمعاذ: اقرأ بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ} {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا} ونحوها.

* ليس في النصوص تحديد، لا يزاد عليه، ولا ينقص عنه وهذا يعم جميع الصلوات.

* تقدير القراءة في السنة الفعلية متفاوت، فالصبح وهي أوكد الصلوات في إطالة القراءة، قد صَلَّى النبي صلى الله عليه وسلم فيها بالتكوير، والمغرب وهي من أوكد الصلوات في التخفيف قد قَرَأَ النبي صلى الله عليه وسلم فيها بالأعراف، والطور والمرسلات، وقل مثل ذلك في سائر الصلوات.

* قال الزرقاني في شرح الموطأ: «وتخفيفه صلى الله عليه وسلم مرة، وربما طول يدل على أن لا توقيت في القراءة بعد الفاتحة، وهذا إجماع» .

* قال ابن عبد البر: «لا توقيت في القراءة عند العلماء بعد فاتحة الكتاب، وهذا إجماع من علماء المسلمين، ويشهد لذلك قوله عليه السلام (من أم الناس فليخفف) ولم يَحُدَّ شيئًا» .

* لا يحفظ نص يأمر فيه النبي صلى الله عليه وسلم الأئمة بإطالة القراءة في صلاة الصبح، وإنما يؤثر ذلك من فعله عليه الصلاة والسلام، وهو أعلم بجماعته، وربما خفف فيها الصلاة أحيانًا.

* نص الشافعية والمالكية والإمام أحمد على أن استحباب إطالة القراءة في صلاة الصبح خاص بالفذ، أو لجماعة محصورة، ويرغبون في الإطالة، ولا أظن الحنفية يخالفونهم في هذا.

ص: 122

* قول النبي صلى الله عليه وسلم: (اقتدِ بأضعفهم) دليل على أن مراعاة أحوال الجماعة أولى من مراعاة سنة القراءة، ويشهد له تخفيف النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة لسماع بكاء الصبي.

* السنن لا إلزام فيها، وإنما يحمل الناس على الفروض والواجبات، وإطالة القراءة في صلاة الصبح ليست واجبة بالإجماع.

* تفضيل المفصل على غيره من سور القرآن في قراءة الصلاة لا يصح فيه دليل.

* قراءة النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الصبح من الطوال، أو من المئين، أو من المثاني لا يدل على استحباب هذه السور بذاتها، فضلًا أن يدل على استحباب القراءة من هذه الأحزاب بذاتها، وقل مثل ذلك في المفصل.

* قراءة النبي صلى الله عليه وسلم لسورة ق في صلاة الصبح يؤخذ منه استحباب القراءة بمثل هذا المقدار من الآيات في صلاة الصبح من أي سورة شاء.

* صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قرأ في الصبح بطوال المفصل، مثل: ق والطور، والإنسان، وصح عنه القراءة من خارج المفصل، كالسجدة، والصافات، والمؤمنون.

* قرأ أبو بكر البقرة وآل عمران في صلاة الصبح، وقرأ عمر البقرة، والإسراء ويوسف والحج والكهف ويونس وهود، وإذا لم تكن قراءة هذه السور من الطوال والمئين والمثاني من هذين الخليفتين الراشدين دليلًا على استحباب قراءة هذه السور بذاتها في صلاة الصبح، لم تكن قراءة بعض طوال المفصل دليلًا على استحباب قراءتها من هذا الحزب، وإذا اختلف الناس فلينظروا إلى فعل أبي بكر وعمر.

[م-589] اختلف العلماء في تقدير مقدار القراءة في صلاة الصبح على النحو التالي:

القول الأول: مذهب الحنفية:

اختلفت الروايات عند الحنفية في عدد الآيات المستحب قراءتها في الحضر لاختلاف الآثار، والمنقول في الجامع الصغير: أنه يقرأ في الفجر في الركعتين سوى الفاتحة أربعين، أو خمسين، أو ستين، واقتصر محمد بن الحسن في الأصل: على الأربعين.

وروى الحسن في المجرد عن أبي حنيفة: ما بين الستين إلى مائة، وبكل هذا جاءت الآثار، وأن تكون هذه الآيات من طوال المفصل، وهل هذه سنة أخرى، أو

ص: 123

استحسان قولان لهم

(1)

.

قال في ملتقى الأبحر: «وسنتها

في الحضر أربعون آية، أو خمسون، واستحسنوا طوال المفصل فيها»

(2)

.

وهذا التفصيل في مقدار عدد الآيات التي يسن قراءتها في الفجر مقيد بقيدين: أن يكون ذلك في الحضر، وألا يثقل ذلك على المقتدين بقراءته

(3)

.

وأما في السفر مطلقًا أي سواء أكان في حال عجلة أم في حال القرار، فالسنة أن يقرأ فيه الفاتحة وأي سورة شاء

(4)

.

واختار بعض الحنفية أن المسافر إن كان في أمنة وقرار فيستحب له أن يقرأ في الفجر نحو البروج وانشقت؛ لأنه يمكنه مراعاة السنة مع التخفيف

(5)

.

وتعقبه ابن نجيم فقال: «وما في الهداية وغيرها من أنه محمول على حالة العجلة في السير، وأما إن كان في أمن وقرار فإنه يقرأ نحو سورة البروج وانشقت ....

(1)

. الأصل للشيباني (1/ 162)، البحر الرائق (1/ 360، 361)، المبسوط (1/ 162)، بدائع الصنائع (1/ 205)، تحفة الفقهاء (1/ 130، 131)، الهداية شرح البداية (1/ 55)، العناية شرح الهداية (1/ 334)، المحيط البرهاني (1/ 300، 301)، حاشية ابن عابدين (1/ 540).

وقد اشتمل مذهب الحنفية على مسألتين: كون القراءة من طوال المفصل، وكونها في مقدار معين من الآيات: وقد اختلفوا أهما سنتان، أم أن السنة هو عدد الآيات، وأما كونها من طوال المفصل فاستحسان، قولان، انظر: حاشية ابن عابدين (1/ 541)، الجوهرة النيرة (1/ 58).

وقال ابن نجيم في البحر الرائق (1/ 360): «وأفاد أن القراءة في الصلاة من غير المفصل خلاف السنة، ولهذا قال في المحيط، وفي الفتاوى: قراءة القرآن على التأليف في الصلاة لا بأس بها؛ لأن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يقرؤون القرآن على التأليف في الصلاة، ومشايخنا استحسنوا قراءة المفصل ليستمع القوم ويتعلموا اهـ» .

فنص على أن كونها من المفصل استحسان من قبل المشايخ، لا من جهة ظاهر الرواية.

(2)

. ملتقى الأبحر (ص: 158، 159).

(3)

. مراقي الفلاح (ص: 98)، الهداية شرح البداية (1/ 56)،.

(4)

. الدر المختار مع حاشية ابن عابدين (1/ 538)،.

(5)

. الهداية (1/ 55)، الجوهرة النيرة على مختصر القدوري (1/ 58)، ملتقى الأبحر (ص: 158)، المحيط البرهاني (1/ 300).

ص: 124

فليس له أصل يعتمد عليه من جهة الرواية، ولا من جهة الدراية

(1)

.

وقال أيضًا: «والسفر وإن كان مؤثرًا في التخفيف لكن التحديد بقدر سورة البروج في الفجر والظهر لا بد له من دليل، ولم ينقلوه، وكونه صلى الله عليه وسلم قرأ في السفر شيئًا لا يدل على سنيته إلا لو واظب عليه، ولم يوجد، فالظاهر الإطلاق»

(2)

.

وجاء في الاختيار لتعليل المختار: «الإمام يقرأ على وجه لا يؤدي إلى تقليل الجماعة»

(3)

.

هذا تفصيل قراءة الصبح في مذهب الحنفية.

القول الثاني: مذهب المالكية والشافعية والحنابلة.

استحب المالكية للفذ في الحضر أن يقرأ في صلاة الصبح بطوال المفصل فما زاد بقدر ما يحتمله التغليس، فإن خشي الإسفار خفف.

ومثل الفذ الجماعة المحصورة إذا طلبت من الإمام التطويل، وعلم أو ظن إطاقتهم له، ولم يكن أحدهم من أهل الأعذار، وإلا فالمطلوب منه التقصير؛ لاحتمال الضعيف والسقيم وذي الحاجة

(4)

.

ومثل طلب الجماعة التطويل أن يفهم الإمام رغبتهم به، ولو لم يصرحوا بذلك، وعليه يُخَرَّجُ تطويلُه عليه الصلاة والسلام والخلفاء بعده

(5)

.

ومذهب الشافعية على نحو مذهب المالكية، فقالوا: يستحب القراءة في

(1)

. البحر الرائق (1/ 359)، وانظر: حاشية ابن عابدين (1/ 538).

(2)

. البحر الرائق (1/ 360).

(3)

. الاختيار لتعليل المختار (1/ 56).

(4)

. الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي (1/ 247)، التلقين (1/ 44)، شرح الخرشي (1/ 281)، مواهب الجليل (1/ 537)، الفواكه الدواني (1/ 179)، حاشية العدوي على كفاية الطالب (1/ 263)، الشرح الصغير مع حاشية الصاوي (1/ 325)، منح الجليل (1/ 258)، الدر الثمين والمورد المعين (ص: 302)، النوادر والزيادات (1/ 174)، البيان والتحصيل (1/ 295)، إكمال المعلم بفوائد مسلم (2/ 370)، الذخيرة للقرافي (2/ 227)، القوانين الفقهية (ص: 44)، التاج والإكليل (2/ 240)، جامع الأمهات (ص: 94)، التوضيح لخليل (1/ 346)، تحبير المختصر لبهرام (1/ 299)، جواهر الدرر (2/ 119).

(5)

. انظر: شرح الزرقاني على مختصر خليل (1/ 372).

ص: 125

الصبح في الحضر بطوال المفصل إذا انفرد المصلي، أو كان إمامًا وكان المأمومون محصورين وآثروا التطويل، فإن لم يكونوا محصورين، أو كانوا ولكن لم يؤثروا التطويل، فلا يستحب ذلك، جزم به النووي في شرح المهذب وشرح مسلم، وجزم به أيضًا في التحقيق.

وأما في السفر فيستحب له القراءة في الأولى (قل يا أيها الكافرون)، وفي الثانية: الإخلاص

(1)

.

قال النووي: «وهذا الذي ذكرناه من استحباب طوال المفصل وأوساطه هو فيما آثر المأمومون التطويل، وكانوا محصورين لا يزيدون، وإلا فليخفف»

(2)

.

وقال الرملي في نهاية المحتاج: «ويستثنى -كما قاله الشيخ أبو محمد في

(1)

. مختصر المزني (ص: 111)، المجموع (3/ 385)، المهمات في شرح الروضة والرافعي (3/ 68)، مغني المحتاج (1/ 363)، أسنى المطالب (1/ 155)، حاشية الشرواني على تحفة المحتاج (2/ 55)، الحاوي الكبير (2/ 236)، نهاية المطلب (2/ 287)، فتح العزيز (3/ 357)، روضة الطالبين (1/ 248)، المقدمة الحضرمية (ص: 67)، نهاية المحتاج (1/ 494).

وجاء في أسنى المطالب (1/ 212): «فإن جهل حالهم، أو اختلفوا لم يطول، قال ابن الصلاح إلا إن قَلَّ مَنْ لم يَرْضَ، كواحد واثنين، ونحوهما؛ لمرض ونحوه، فإن كان ذلك مرة، أو نحوها خفف، وإن كثر حضوره طَوَّل مراعاة لحق الراضين، ولا يفوت حقهم؛ لهذا الفرد الملازم. قال في المجموع: وهو حسن متعين.

قال الزركشي: وفيه نظر، بل الصواب أنه لا يُطَوِّل مطلقًا كما اقتضاه إطلاق الأصحاب لإنكاره صلى الله عليه وسلم على معاذ التطويل لما شكاه الرجل الواحد وسبقه إلى نحو ذلك الأذرعي وخرج بقول المصنف من زيادته:(وهم أحرار غير أجراء): الأرقاء، والأجراء. أي إجارة عين، على عمل ناجز، إذا أذن لهم السادة، والمستأجرون في حضور الجماعة، فلا عبرة برضاهم بالتطويل بغير إذن فيه من أرباب الحقوق، نبه على ذلك الأذرعي».

وقال التنوخي الحنبلي في شرح المقنع (1/ 464): «ومعنى إتمام الصلاة: أن يفعل أدنى الكمال من التسبيح والقراءة وسائر أجزاء الصلاة. وهذا التخفيف مختص بمن لا تُؤْثِر جماعته التطويل، فإن آثرته استحب؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ بالستين إلى المائة، و بـ (قاف)، وبـ (الروم) وبـ (المؤمنون)» . وانظر: شرح منتهى الإرادات (1/ 266، 267)، وكشاف القناع (1/ 391).

(2)

. المجموع (3/ 385)، وانظر: المقدمة الحضرمية (ص: 67)،.

ص: 126

مختصره، والغزالي في عقود المختصر وإحيائه- صلاة الصبح للمسافر، فإن المستحب أن يقرأ في الأولى منها: قل يا أيها الكافرون والثانية: الإخلاص»

(1)

.

وقول الحنابلة في المسألة كقول الشافعية،

وقال أحمد كما في رواية حنبل بن إسحاق: «قال أبو عبد الله -يعني أحمد- إذا كان المسجد على قارعة الطريق، أو طريق يُسْلَكُ فالتخفيف أعجب إلي، فإن كان مسجدًا يعتزل أهله ويرضون بذلك، فلا بأس، وأرجو إن شاء الله»

(2)

.

وجاء في الروض المربع: «ويسن للإمام التخفيف مع الإتمام؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: إذا صلى أحدكم بالناس فليخفف، قال في المبدع: ومعناه أن يقتصر على أدنى الكمال من التسبيح وسائر أجزاء الصلاة إلا أن يؤثر المأموم التطويل، وعددهم ينحصر»

(3)

.

القول الثالث:

اختار ابن بطال وابن عبد البر واليعمري وبعض العلماء أن على الإمام التخفيف بكل حال

(4)

.

ورجحه ابن عبد البر حتى لو علم قوة من خلفه، وقال: فإنه لا يدري ما يحدث بهم من آفات بني آدم، وذكر أن تطويل الإمام غير جائز، وأنه يلزمه التخفيف.

القول الرابع:

استحب إمام الحرمين القراءة في الصبح من طوال المفصل مطلقًا، من غير فرق بين إمام ومنفرد، وبين جماعة محصورة وغيرهم، وبه قال ابن القيم وابن رجب من الحنابلة

(5)

.

(1)

. نهاية المحتاج (1/ 495)، وانظر: مغني المحتاج (1/ 363).

(2)

. فتح الباري لابن رجب (6/ 217).

(3)

. الروض المربع (ص: 128).

(4)

. شرح صحيح البخاري لابن بطال (2/ 333)، الاستذكار (2/ 163)، فتح الباري لابن رجب (6/ 217)، طرح التثريب (2/ 350)، شرح القسطلاني (2/ 58، 59)، شرح الزرقاني على الموطأ (1/ 478)، شرح الرزقاني على خليل (1/ 372)، لوامع الدرر في هتك أستار المختصر (2/ 126)، التوضيح شرح الجامع الصحيح لابن الملقن (6/ 566).

(5)

. المهمات في شرح الروضة والرافعي (3/ 68)، فتح الباري لابن رجب (6/ 222).

ص: 127

القول الخامس:

استحب ابن حزم أن يقرأ مع أم القرآن في صلاة الصبح في كل ركعة من ستين آيه إلى مائة آية من أي سورة شاء

(1)

.

هذا تفصيل مذاهب الفقهاء، وملخصه كالتالي:

قيل: تسن قراءة أربعين آية أو خمسين أو ستين آية في الركعتين، ويستحسن كونها من المفصل.

فجعلوا تقدير الآيات بالعدد من السنة، وكونها من حزب المفصل من قبيل الاستحسان. وهذا مذهب الحنفية.

وقيل: تسن القراءة من طوال المفصل، وهذا مذهب المالكية والشافعية والحنابلة، قال المالكية: فما زاد.

وقيد المالكية والشافعية والحنابلة الاستحباب للمنفرد، أو لجماعة محصورة رغبت في إطالة الصلاة، وكانت تطيق ذلك.

وقيل: تسن القراءة من طوال المفصل مطلقًا، وبه قال إمام الحرمين وابن القيم.

وقيل: تسن القراءة من الستين إلى المائة، من أي سورة شاء، وهو اختيار ابن حزم.

فإذا وقفت على الأقوال، فلننتقل إلى بيان الأدلة عليها.

* دليل من قال: يستحب القراءة من طوال المفصل:

الدليل الأول:

(ح-1514) ما رواه مسلم من طريق شريك وابن عيينة، عن زياد بن علاقة،

عن قطبة بن مالك سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في الفجر {وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَّهَا طَلْعٌ نَّضِيد} .

ورواه مسلم من طريق أبي عوانة، عن زياد بن علاقة به

(2)

.

الدليل الثاني:

(ح-1515) ما رواه مسلم من طريق زائدة، حدثنا سماك بن حرب،

عن جابر بن سمرة قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الفجر بـ ق والقرآن

(1)

. المحلى (3/ 17)، مسألة (445).

(2)

. صحيح مسلم (166 - 457).

ص: 128

المجيد وكان صلاته بعد تخفيفًا

(1)

.

[اختلف فيه على سماك، في تعيين السور]

(2)

.

(1)

. صحيح مسلم (168 - 458).

(2)

. اختلف فيه على سماك بن حرب في تعيين السور،

فرواه زهير وزائدة، وإسرائيل في رواية، وجعفر بن الحارث بسند ضعيف،، رووه بذكر سورة (ق).

ورواه الثوري وإسرائيل بذكر سورة (الواقعة).

ورواه أبو عوانة ويزيد بن عطاء اليشكري بذكر سورتي (ق ويس).

ورواه شعبة بذكر قراءة الظهر، وقال: والصبح أطول من ذلك، ولم يحدد سورة.

ورواه حماد بن سلمة، فلم يذكر قراءة الصبح.

قال النسائي: سماك بن حرب ليس ممن يعتمد عليه إذا انفرد بالحديث اختلف فيه على سماك. هذا من حيث الإجمال، وإليك ما يمكن تفصيله:

رواه زائدة بن قدامة، عن سماك به، كما في صحيح مسلم (168 - 458) و (169 - 458)، ومصنف ابن أبي شيبة (3543)، ومسند أحمد (5/ 105)، ومسند أبي يعلى (7459)، والمعجم الكبير للطبراني (2/ 224) ح 1929، ومستخرج أبي عوانة (1790، 1791)، وصحيح ابن خزيمة (526)، وصحيح ابن حبان (1816)، ومسند السراج (143)، والسنن الكبرى للبيهقي (2/ 543)، ومستخرج أبي نعيم على مسلم (1015، 1016)، بلفظ:(أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الفجر بـ ق والقرآن المجيد، وكانت صلاته بعد تخفيفًا).

وتابعه على ذكر سورة (ق) كل من إسرائيل، وزهير، وأبي عوانة، وجعفر بن الحارث، عن سماك.

أما رواية زهير، عن سماك:

فرواها مسلم (169 - 458)، وابن أبي شيبة في المصنف (3543)، وأحمد (5/ 90، 91، 102، 103) من طريق يحيى بن آدم، حدثنا زهير، عن سماك به، بلفظ:(سألت جابر ابن سمرة، عن صلاة النبي صلى الله عليه وسلم فقال: كان يخفف الصلاة ولا يصلي صلاة هؤلاء. قال: وأنبأني: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الفجر بـ ق والقرآن ونحوها).

فقوله: (ونحوها) يحتمل ونحوها من سور المفصل، ويحتمل بمقدارها من القرآن.

ورواه الطبراني في الكبير (2/ 227) ح 1938، وأبو العباس (144) من طريق عمرو بن خالد الحراني،

ورواه أبو العباس السراج في مسنده (141) من طريق شجاع بن الوليد، ومن طريق أبي الوليد، ثلاثتهم، عن زهير به.

وأما رواية أبي عوانة، عن سماك، فرواها الإمام أحمد (4/ 34)، حدثنا يونس، حدثنا أبو عوانة، عن سماك بن حرب، عن رجل من أهل المدينة أنه صلى خلف النبي صلى الله عليه وسلم، فسمعته يقرأ في صلاة الفجر ({ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيد} و {يس وَالْقُرْآنِ الْحَكِيم} . =

ص: 129

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= فلم يسمِّ الراوي، وذكر مع سورة ق:(سورة يس) وذكر سورة يس في الحديث خطأ، لمخالفة رواية أبي عوانة لكل من زهير، وزائدة، وإسرائيل، وجعفر بن الحارث، والحمل فيه على سماك بن حرب، ففي حفظه شيء.

تابع أبا عوانة على ذكر سورة (يس) شعبة وأيوب بن جابر، عن سماك بن حرب، عن جابر بن سمرة؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الصبح بـ {يس} .

رواه الطبراني في الأوسط (3903)، قال: حدثنا علي بن سعيد الرازي، قال: أخبرنا عبد الله ابن عمران الأصبهاني، قال: أخبرنا أبو داود الطيالسي، قال: أخبرنا شعبة وأيوب بن جابر به.

قال الطبراني: «لم يرو هذا الحديث عن سماك إلا شعبة وأيوب بن جابر، ولا رواه عنهما إلا أبو داود، تفرد به: عبد الله بن عمران» .

وهذه رواية منكرة، أيوب بن جابر ضعيف، وعبد الله بن عمران الأصبهاني: صدوق يغرب، وأما شيخ الطبراني علي بن سعيد الرازي فتكلم فيه الدارقطني، وأثنى على حفظه ابن يونس فحديثه لا ينزل عن مرتبة الحسن، وهذه الرواية مخالفة لرواية ابن مهدي ومعاذ بن معاذ عن شعبة، وهو المعروف من حديث شعبة، كما سيأتي تخريجها إن شاء الله.

قال الحافظ في نتائج الأفكار: «هكذا وقع -يعني ذكر سورة يس- في هذه الرواية، وقد أخرجه مسلم من وجه آخر عن شعبة بهذا السند، بلفظ: (كان يقرأ في الظهر بسبح وفي الصبح أطول من ذلك)، فلعل بعض الرواة حمل حديث أيوب بن جابر على حديث شعبة، وأيوب بن جابر ضعيف» .

وأما رواية جعفر بن الحارث، عن سماك:

فرواها الطبراني في الكبير (2/ 239) ح 2000، من طريق محمد بن حسان البرجناني، حدثنا محمد بن يزيد، حدثنا جعفر بن الحارث به، بلفظ:(كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في صلاة الفجر بـ (ق))

ومحمد بن حسان البرجناني، ليس له رواية إلا في المعجم الكبير للطبراني بحسب البحث، ولم يرو عنه إلا أسلم بن سهل الواسطي (بحشل)، وليس له إلا ثلاثة أحاديث كلها عن شيخه محمد بن يزيد الواسطي، عن جعفر بن الحارث، وكل هذه الروايات الثلاث متابع عليها، ليس فيها ما تنكره، فلفظه هذا صالح في المتابعات.

وأما رواية يزيد بن عطاء، فرواها الطبراني في الكبير (2/ 251) ح 2025، من طريق سعيد ابن سليمان ويحيى الحماني، كلاهما عن يزيد بن عطاء، عن سماك بن حرب، عن جابر، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الصلوات كنحو من صلاتكم، كان يصلي الظهر حين تزول الشمس وكان يقرأ في صلاة الفجر بـ ق والقرآن المجيد، ويس ونحو ذلك.

فالحماني حافظ إلا أنه مجروح، قد اتهم بسرقة الحديث، لكن قد تابعه ثقة، وهو سعيد بن سليمان (سعدويه).

ويزيد بن عطاء هو أبو خالد اليشكري ضعيف، وقد زاد (سورة يس) وهي زيادة منكرة.

وأما رواية إسرائيل، عن سماك، فقد اختلف فيه على إسرائيل في لفظه: =

ص: 130

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= فأخرجها الطبراني في الكبير (2/ 224) ح 1929، من طريق عبد الرزاق، عن إسرائيل به، مقرونًا برواية زائدة، بلفظ: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في صلاة الفجر بـ ق والقرآن المجيد، وكانت صلاته بعد تخفيفًا. وهذا لفظ زائدة، فأخشى أن يكون الطبراني حمل لفظ إسرائيل على لفظ زائدة.

فقد رواه عبد الرزاق في المصنف (2720)، وعنه أحمد (5/ 104)، والطبراني في الكبير (2/ 222) ح 1914.

ورواه أحمد أيضًا (5/ 104) حدثنا يحيى بن آدم،

ورواه المستغفري في فضائل القرآن (939)، وابن خزيمة في صحيحه (531)، وابن حبان في صحيحه (1823)، من طريق خلف بن الوليد،

والحاكم في المستدرك (875) من طريق عبيد الله بن موسى، أربعتهم (عبد الرزاق، ويحيى، وخلف، وعبيد الله) رووه عن إسرائيل، عن سماك بن حرب، أنه سمع جابر بن سمرة يقول: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الصلوات كنحو من صلاتكم التي تصلون اليوم، ولكنه كان يخفف، كانت صلاته أخف من صلاتكم، وكان يقرأ في الفجر الواقعة، ونحوها من السور.

فذكر سورة (الواقعة) بدلًا من قاف.

قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه، وإنما خَرَّج مسلم بإسناده: كان يقرأ في صلاة الفجر بالواقعة.

تابع الثوريُّ إسرائيلَ، على ذكر سورة الواقعة، فخرج إسرائيل من عهدته.

فقد رواه المستغفري في فضائل القرآن (940)، وأبو العباس السراج في مسنده (140) من طريق محمد بن يوسف.

والبيهقي في السنن (3/ 169) من طريق عبد الصمد بن حسان، كلاهما عن الثوري، عن سماك بن حرب به. فكان الحمل بذكر (سورة الواقعة) على سماك، فقد اضطرب في تعيين السورة.

ورواه شعبة، وحماد بن سلمة، عن سماك، فلم يذكرا سورة قاف:

فرواه مسلم (170 - 459) من طريق عبد الرحمن بن مهدي، عن شعبة، عن سماك به، بلفظ:(كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في الظهر بالليل إذا يغشى، وفي العصر نحو ذلك. وفي الصبح أطول من ذلك). ولم يذكر السورة التي يقرأ فيها بالصبح، وزاد قراءة الظهر بـ (الليل إذا يغشى).

ومن طريق ابن مهدي أخرجه أحمد (5/ 101، 108)، والنسائي في المجتبى (980)، وفي الكبرى (1054)، والمستغفري في فضائل القرآن (996).

وأخرجه أبو داود (806)، والطبراني في الكبير (2/ 218) ح 1894، من طريق معاذ بن معاذ، عن شعبة به.

ورواه الطيالسي، عن شعبة، واضطرب فيه في تعيين السورة، على أربعة ألفاظ:

اللفظ الأول: جاء بلفظ: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في الظهر والعصر بـ {الليل إذا يغشى}، ونحوها، ويقرأ في الصبح بأطول من ذلك) بمثل رواية ابن مهدي ومعاذ بن معاذ. =

ص: 131

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= رواه عنه بهذا اللفظ يونس بن حبيب كما في مسند الطيالسي (800)، ومن طريقه أبو عوانة في مستخرجه (1752)، وأبو نعيم في مستخرجه (1017)، والبيهقي في السنن الكبرى (2/ 547).

اللفظ الثاني: جاء بلفظ: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الظهر بـ {سبح اسم ربك الأعلى}، وفي الصبح بأطول من ذلك).

رواه أحمد (5/ 86، 88).

وابن أبي شيبة في المصنف (3569)، وعنه مسلم (460)، ومن طريقه الطبراني في الكبير (2/ 220) ح 1905، وأبو نعيم في مستخرجه (1017)، كلاهما (أحمد وابن أبي شيبة) عن أبي داود الطيالسي به.

اللفظ الثالث: جاء بلفظ: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في الظهر والعصر بـ {الليل إذا يغشى} ، {والشمس وضحاها} ، ونحوها، ويقرأ في الصبح بأطول من ذلك.

أخرجه الطبراني في الكبير (2/ 218) ح 1893 من طريق أبي الخطاب زياد بن يحيى،

وابن خزيمة في صحيحه (510) أخبرنا يحيى بن حكيم، ويعقوب بن إبراهيم الدورقي، ثلاثتهم عن أبي داود الطيالسي به.

اللفظ الرابع: جاء بلفظ: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في الظهر والعصر بـ {سبح اسم ربك الأعلى}، {والليل إذا يغشى}، وفي الصبح بأطول من ذلك).

أخرجه أبو العباس السراج في مسنده (125) حدثنا هارون بن عبد الله (الحمال)، وعقبة بن مُكْرَمٍ، قالا: حدثنا أبو داود به.

ورواه حماد بن سلمة، عن سماك بن حرب، فخالف في تعيين السور في صلاة الظهر والعصر، ولم يذكر القراءة في صلاة الصبح.

رواه يزيد بن هارون كما في مسند أحمد (5/ 103)، ومستخرج الطوسي (288)، ومسند أبي العباس السراج (126)، وفضائل القرآن للمستغفري (989).

وأبو داود الطيالسي كما في مسنده (811)، ومصنف ابن أبي شيبة (3570، 3586)، وصحيح ابن حبان (1827)، والطبراني في الأوسط (3904)، والسنن الكبرى للبيهقي (2/ 547).

وموسى بن إسماعيل كما في سنن أبي داود (805)،

وبهز كما في مسند أحمد (5/ 106)،

وعبد الرحمن بن مهدي كما في مسند أحمد (5/ 108)، والمجتبى من سنن النسائي (979)، وفي الكبرى له (1053، 11598).

وعفان كما في مسند أحمد (5/ 108)، ومستخرج الطوسي (288)،

قال عفان في حديثه كما في مستخرج الطوسي: لم يذكر حديث جابر بن سمرة هذا عنه أحد غير حماد وهو حديث غريب. اهـ =

ص: 132

وقوله: (وكانت صلاته بعد تخفيفًا) قال ابن رجب: والظاهر أنه أراد أن صلاته بعد الفجر كانت أخف من صلاة الفجر

(1)

.

* وأجيب:

بأن قراءة النبي صلى الله عليه وسلم لسورة (ق) ليس دليلًا على تفضيل قراءة هذه السورة بذاتها لصلاة الصبح، فليست قراءتها في الصبح كقراءة سورة السجدة والإنسان في فجر الجمعة؛ وإذا لم يدل على تفضيل سورة (ق) في صلاة الصبح لم يدل على استحباب طوال المفصل من باب أولى، كما أن قراءة النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الصبح من الطوال، أو من المئين، أو من المثاني لا يدل على استحباب هذه السور بذاتها، فضلًا أن يدل على استحباب القراءة من هذه الأحزاب بذاتها. بل يؤخذ من الحديث دليل على استحباب القراءة بمثل هذا المقدار من الآيات في صلاة الصبح من أي سورة شاء، ولَإِنْ صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قرأ في الصبح بطوال المفصل،

= ويونس بن محمد المؤدب، كما في شرح معاني الآثار (1/ 207)،

وهدبة بن خالد كما في المعجم الكبير للطبراني (2/ 332) ح 1966.

وأبو الوليد الطيالسي كما في سنن الدارمي (1327).

وحجاج بن منهال كما في القراءة خلف الإمام للبخاري ط دار الصميعي (253)، عشرتهم رووه عن حماد بن سلمة، عن سماك بن حرب، عن جابر مرفوعًا، كان يقرأ في الظهر والعصر بـ {السماء والطارق} ، {والسماء ذات البروج} وما شابهها.

والمحفوظ في تسمية السورة ما رواه ابن مهدي ومعاذ بن معاذ عن شعبة، عن سماك بن حرب، بذكر (والليل إذا يغشى)، وما وافقها من رواية يونس بن حبيب، عن أبي داود الطيالسي، عن شعبة به، والله أعلم.

وأما رواية حماد بن سلمة، عن سماك به بلفظ: كان يقرأ في الظهر والعصر بالسماء والطارق والسماء ذات البروج، فهي رواية شاذة، وحماد قد تغير بآخرة كما ذكره أبو حاتم الرازي، وهو ثقة إذا روى عن ثابت وحميد، صدوق إذا روى عن غيرهما، ما لم يتفرد أو يخالف، والله أعلم.

وأما ذكر السورة التي يقرأ فيها بالصبح.

فشعبة ذكر ما يقرأ في صلاة الظهر، ثم قال: والصبح أطول من ذلك، ولم يحدد سورة.

والثوري وإسرائيل ذكرا سورة الواقعة.

وزائدة وزهير ذكرا سورة ق، فهذا الاختلاف من قبل سماك، فإن في حفظه شيئًا، والله أعلم.

(1)

. فتح الباري لابن رجب (7/ 56).

ص: 133

مثل: ق والطور، والإنسان، فقد صح عنه القراءة من خارج المفصل، كالسجدة، والصافات، والمؤمنون، وبعضهن أطول من طوال المفصل، بل وقرأ فيها بأقصر من ذلك كالتكوير، وسوف يأتي تخريجها إن شاء الله تعالى، والله أعلم.

الدليل الثالث:

(ح-1516) ما رواه البخاري ومسلم من طريق مالك، عن محمد بن عبد الرحمن بن نوفل، عن عروة، عن زينب بنت أبي سلمة،

عن أم سلمة، قالت: شكوت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أني أشتكي، فقال: طوفي من وراء الناس وأنت راكبة، فطفت ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي إلى جنب البيت، يقرأ: بالطور وكتاب مسطور

(1)

.

ورواه البخاري، قال: حدثني محمد بن حرب، حدثنا أبو مروان يحيى بن أبي زكرياء الغساني، عن هشام، عن عروة،

عن أم سلمة -زوج النبي رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال، وهو بمكة، وأراد الخروج، ولم تكن أم سلمة طافت بالبيت وأرادت الخروج، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا أقيمت صلاة الصبح، فطوفي على بعيرك، والناس يصلون. ففعلت ذلك، فلم تُصَلِّ حتى خرجت

(2)

.

[قوله: (صلاة الصبح) رواه الغساني، عن هشام، والغساني متكلم فيه، وتابعه أبو قبيصة الفزاري، وهو ضعيف، والراوي عنه مجروح]

(3)

.

الدليل الرابع:

(ح-1517) ما رواه أحمد، قال: حدثنا الحكم بن موسى - قال: عبد الله وسمعته أنا من الحكم - قال: حدثنا عبد الرحمن بن أبي الرجال، قال: ذكره يحيى ابن سعيد، عن عمرة،

عن أم هشام بنت حارثة بن النعمان، قالت: ما أخذت ق والقرآن المجيد

(1)

. صحيح البخاري (464)، ومسلم (258 - 1276).

(2)

. صحيح البخاري (1626).

(3)

. انظر تخريجه، (ح: 1563).

ص: 134

إلا من وراء رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي بها في الصبح

(1)

.

[المحفوظ أنها أخذتها من قراءة الرسول صلى الله عليه وسلم لها على المنبر يوم الجمعة]

(2)

.

(1)

. المسند (6/ 463).

(2)

. اختلف فيه على يحيى بن سعيد، عن عمرة، عن أختها:

فرواه أحمد (6/ 463)، وعبد الله بن أحمد في زوائده على المسند (6/ 463)، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (8066)، من طريق الحكم بن موسى.

ورواه النسائي في المجتبى (949) وفي الكبرى (1023، 11456) من طريق عمران بن يزيد،

وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (3363) من طريق إبراهيم بن محمد،

والمحاملي في أماليه (109) من طريق أبي المجاهر، كلهم رووه عن عبد الرحمن بن أبي الرجال، عن يحيى بن سعيد، عن عمرة، عن أم هشام بنت حارثة بن النعمان به، بلفظ: ما أخذت {ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ} إلا من النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي بها في الصبح.

وقد خالف ابن أبي الرجال من هو أوثق منه:

فرواه سليمان بن بلال كما في صحيح مسلم (50 - 872)، وسنن أبي داود (1102)، ومستخرج أبي نعيم (1958)، والبيهقي في السنن الكبرى (3/ 298).

ويحيى بن أيوب الغافقي كما في صحيح مسلم (50 - 872)، وسنن أبي داود (1103)، كلاهما روياه عن يحيى بن سعيد، عن عمرة، عن أخت لعمرة بنت عبد الرحمن به.

ولفظ سليمان بن بلال في مسلم: (أخذت ق والقرآن المجيد) مِنْ فِي رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة، وهو يقرأ بها على المنبر في كل جمعة.

وأخت عمرة من أمها: هي أم هشام بنت حارثة بن النعمان.

وقد رواه غير عمرة عن أم هشام بذكر قراءتها على المنبر يوم الجمعة مما يؤكد خطأ عبد الرحمن بن أبي الرجال.

فرواه مسلم (51 - 873) من طريق محمد بن جعفر، حدثنا شعبة، عن خبيب، عن عبد الله ابن محمد بن معن، عن بنت لحارثة بن النعمان، قالت: ما حفظت ق، إلا من في رسول الله صلى الله عليه وسلم، يخطب بها كل جمعة»، قالت: وكان تنورنا وتنور رسول الله صلى الله عليه وسلم واحدًا.

وأكتفي بصحيح مسلم عن غيره اختصارًا.

كما رواه يحيى بن عبد الله بن عبد الرحمن بن سعد بن زرارة، عن أم هشام بنت حارثة ابن النعمان، بلفظ: لقد كان تنورنا وتنور رسول الله صلى الله عليه وسلم واحدًا، سنتين أو سنة وبعض سنة، وما أخذت ق والقرآن المجيد إلا عن لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقرؤها كل يوم جمعة على المنبر، إذا خطب الناس.

أخرجه مسلم (52 - 873) من طريق إبراهيم بن سعد، عن محمد بن إسحاق، قال: حدثني عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري، عن يحيى بن عبد الله بن عبد الرحمن بن سعد بن زرارة به.

فتبين بهذا شذوذ رواية عبد الرحمن بن أبي الرجال، والله أعلم.

ص: 135

الدليل الخامس:

(ث-380) ما رواه أحمد، قال: حدثنا محمد بن إسماعيل بن أبي فديك، حدثنا الضحاك بن عثمان، عن بكير بن عبد الله، عن سليمان بن يسار،

عن أبي هريرة أنه قال: ما صليت وراء أحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أشبه صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم من فلان -قال سليمان- كان يطيل الركعتين الأوليين من الظهر، ويخفف الأخريين، ويخفف العصر، ويقرأ في المغرب بقصار المفصل، ويقرأ في العشاء بوسط المفصل، ويقرأ في الصبح بطوال المفصل

(1)

.

[حسن]

(2)

.

زاد أبو بكر الحنفي في رواية أحمد، والبيهقي: قال الضحاك: وحدثني من سمع أنس بن مالك، يقول: ما رأيت أحدًا أشبهَ صلاةً بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا الفتى، يعني: عمر بن عبد العزيز، قال الضحاك: فصليت خلف عمر بن عبد العزيز، وكان يصنع مثل ما قال سليمان بن يسار

(3)

.

(1)

. المسند (2/ 300).

(2)

. سبق تخريجه في هذا المجلد، انظر (ث-375)، وانظر (ح 1550).

(3)

. مسند أحمد (2/ 329)، وسنن البيهقي (2/ 542).

وفي هذا الإسناد مبهمقد رواه الضحاك موصولًا عن يحيى بن سعيد، أو عن شريك بن أبي نمر، لا يدري أيهما حدثه، عن أنس بن مالك، قال: ما صليت وراء أحد أشبه صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا الفتى يعني عمر بن عبد العزيز. قال الضحاك: فكنت أصلي وراءه فيطيل الأوليين من الظهر، ويخفف الآخرتين، ويخفف العصر، ويقرأ في المغرب بقصار المفصل، ويقرأ في العشاء بوسط المفصل، ويقرأ في الصبح بطوال المفصل.

أخرجه ابن سعد في الطبقات الكبرى (5/ 332)، وأبو طاهر المخلص في السادس من المخلصيات (1264 - 245) أخبرنا محمد بن إسماعيل بن أبي فديك، عن الضحاك بن عثمان به.

فإن كان الحديث عن يحيى بن سعيد، فهو صحيح، أو كان عن شريك بن أبي نمر فهو حسن، والله أعلم.

ورواه ابن سعد عن شيخه الواقدي عن الضحاك عن شريك من غير شك، والواقدي أخباري متروك.

ص: 136

* وأجيب:

بأن المرفوع منه التشبيه، وشبه الشيء لا يستلزم المساواة من كل وجه، فقد يكون الشبه الذي لحظه أبو هريرة إنما هو في مقدار قيامه في الصلاة، وأما تعيين السور فمقطوع.

قال ابن حجر: «هذا حديث صحيح من حديث أبي هريرة، والمرفوع منه تشبيه أبي هريرة صلاة الأمير المذكور بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما عدا ذلك موقوف إن كان الأمير المذكور صحابيًّا، أو مقطوع إن لم يكن»

(1)

.

وقال عن حديث أنس: «وأما حديث أنس ففي سنده مبهم يمنع من الحكم بصحته، والمرفوع منه أيضًا التشبيه، وما عداه مقطوع»

(2)

.

الدليل السادس:

(ث-183) ما رواه عبد الرزاق، عن الثوري، عن علي بن زيد بن جدعان، عن الحسن وغيره، قال:

كتب عمر إلى أبي موسى أن اقرأ في المغرب بقصار المفصل، وفي العشاء بوسط المفصل، وفي الصبح بطوال المفصل

(3)

.

[ضعيف، وقد اختلف فيه على ابن جدعان]

(4)

.

وقد روى مالك، عن عمه أبي سهيل، عن أبيه،

(1)

. نتائج الأفكار (1/ 459).

(2)

. نتائج الأفكار (1/ 460).

(3)

. مصنف عبد الرزاق (2672).

(4)

. ومن طريق سفيان رواه ابن أبي داود في المصاحف (ص: 353).

وإسناده ضعيف، فيه علي بن زيد بن جدعان، وقد اختلف فيه:

فرواه الثوري كما سبق.

ورواه شريك، كما في مصنف ابن أبي شيبة (3594)، وشرح معاني الآثار للطحاوي (1/ 215)، عن علي بن زيد، عن زرارة بن أوفي، قال: أقرأني أبو موسى كتاب عمر: أن اقرأ بالناس في المغرب بآخر المفصل.

وشريك سَيِّئُ الحفظ، وقد جعله من رواية علي بن زيد، عن زرارة بن أبي أوفى.

ص: 137

أن عمر بن الخطاب كتب إلى أبي موسى أن صَلِّ الظهر إذا زاغت الشمس، والعصر والشمس بيضاء نقية قبل أن يدخلها صفرة، والمغرب إذا غربت الشمس، وأخر العشاء ما لم تنم، وصَلِّ الصبح، والنجوم بادية مشتبكة، واقرأ فيها بسورتين طويلتين من المفصل

(1)

.

[صحيح]

(2)

.

* ويجاب:

بأن عمر ربما أراد بذكر المفصل ضرب المثال على مقدار القراءة، لا أنه أراد تفضيل المفصل نفسه على غيره من السور، بدليل أن عمر رضي الله عنه نقلت عنه القراءة في صلاة الصبح، فلم تكن أكثر قراءته من المفصل، بل ثبت عنه القراءة من الطوال، ومن المئين ومن المثاني، وبلفظ يدل على تكرره منه بلفظ:(كان) الدالة على الاستمرار، وحتى أخذ عنه بعض من يصلي خلفه سورة يوسف من كثرة ما كان يرددها في صلاة الصبح، وسوف أخرج عنه هذه الآثار إن شاء الله تعالى في أدلة القول الآخر، فانظرها تكرمًا.

* دليل من قدر القراءة بعدد الآيات، سواء أكان ذلك من المفصل أم من غيره:

الدليل الأول:

(ح-1518) ما رواه البخاري، قال: حدثنا آدم، قال: حدثنا شعبة، قال: حدثنا سيار بن سلامة، قال:

دخلت أنا وأبي على أبي برزة الأسلمي، فسألناه عن وقت الصلوات، فقال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي الظهر حين تزول الشمس، والعصر، ويرجع الرجل إلى أقصى المدينة، والشمس حية -ونسيت ما قال في المغرب- ولا يبالي بتأخير العشاء إلى ثلث الليل، ولا يحب النوم قبلها، ولا الحديث بعدها، ويصلي الصبح، فينصرف الرجل، فيعرف جليسه، وكان يقرأ في الركعتين -أو إحداهما- ما بين الستين إلى المائة

(3)

.

(1)

. الموطأ (1/ 7).

(2)

. ومن طريق مالك رواه عبد الرزاق في المصنف (2036)، وابن المنذر في الأوسط (2/ 375)، والبيهقي في السنن الكبرى (1/ 544)، وفي المعرفة (2/ 291، 296).

(3)

. صحيح البخاري (771)، وهو في مسلم (461).

ص: 138

الدليل الثاني:

(ح-1519) ما رواه مسلم من طريق مسلم البطين، عن سعيد بن جبير،

عن ابن عباس، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في صلاة الفجر، يوم الجمعة:{{الم (1) تَنزِيلُ} السجدة، و {هَلْ أَتَى عَلَى الإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ} ، [الإنسان: 1]

الحديث

(1)

.

وسورة السجدة ليست من المفصل، وقوله:(كان يقرأ) إن لم يدل على الدوام فهو يدل على أنه هو الغالب من فعله صلى الله عليه وسلم.

الدليل الثالث:

(ح-1520) ما رواه مسلم من طريق ابن جريج، قال: سمعت محمد بن عباد ابن جعفر، يقول: أخبرني أبو سلمة بن سفيان، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وعبد الله بن المسيب العابدي،

عن عبد الله بن السائب قال: صلى لنا النبي صلى الله عليه وسلم: الصبح بمكة فاستفتح سورة المؤمنين حتى جاء ذكر موسى، وهارون أو ذكر عيسى - محمد بن عباد يشك - أو اختلفوا عليه أخذت النبي صلى الله عليه وسلم سعلة فركع وعبد الله بن السائب، حاضر ذلك

(2)

.

الدليل الرابع:

(ح-1521) ما رواه أحمد، قال: حدثنا وكيع، عن ابن أبي ذئب، عن خاله الحارث، عن سالم،

عن ابن عمر قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا بالتخفيف، وإن كان ليؤمنا بالصافات

(3)

.

ورواه أبو خيثمة، كما في مسند أبي يعلى

وعمرو بن محمد الناقد كما في مسند أبي يعلى،

وأحمد بن منيع، كما في مسند السراج، ثلاثتهم عن يزيد بن هارون،

وعمرو بن محمد الناقد كما في مسند أبي يعلى، عن شبابة بن سوار.

(1)

. صحيح مسلم (64 - 879).

(2)

. صحيح مسلم (163 - 455).

(3)

. المسند (2/ 26).

ص: 139

وحجاج بن محمد كما في السنن المأثورة للشافعي، ثلاثتهم (أبوخيثمة، وابن هارون، وشبابة) عن ابن أبي ذئب به، وقالوا: في صلاة الفجر.

[حسن]

(1)

.

وجه الاستدلال:

أن سورة الصافات ليست من المفصل.

الدليل الخامس:

(ح-1522) ما رواه مسلم من طريق مسعر، قال: حدثني الوليد بن سريع،

(1)

. الحديث مداره على ابن أبي ذئب، أخبرني الحارث بن عبد الرحمن (خال ابن أبي ذئب)، عن سالم، عن ابن عمر.

والحارث، قال فيه أحمد: لا أرى به بأسًا.

وقال النسائي: ليس به بأس.

وقال ابن سعد وأبو أحمد الحاكم: لا نعلم أحدًا روى عنه غَيْر ابن أخته، زاد ابن سعد: وكان قليل الحديث. اهـ

وانفرد ابن المديني بتجهيله، ولعله بسبب انفراد ابن أبي ذئب بالرواية عنه.

وقد رواه عن ابن أبي ذئب جماعة، منهم:

وكيع كما في مسند أحمد (2/ 26)،

وحجاج بن محمد كما في السنن المأثورة للشافعي (118، 119).

وحماد بن خالد، كما في مسند أحمد (2/ 40، 157)،

ويزيد بن هارون، كما في مسند أحمد (2/ 40)، ومسند أبي يعلى (5445، 5553)، ومسند السراج (135)، وصحيح ابن حبان (1817).

وشبابة بن سوار، كما في مسند أبي يعلى (5553)، وصحيح ابن حبان (1817)

وخالد بن الحارث كما في المجتبى من سنن النسائي (826)، وفي الكبرى (902، 11368)، وصحيح ابن خزيمة (1606)،

وأبو عاصم الضحاك كما في مسند البزار (6059).

وعثمان بن عمر كما في صحيح ابن خزيمة (1606)، والسنن الكبرى للبيهقي (3/ 169).

وعلي بن الجعد في مسنده كما في البغويات (2762)، ومن طريقه الطبراني في الكبير (12/ 306) ح 13194.

وابن أبي فديك، كما في الأوسط لابن المنذر (4/ 198)، وفي المعرفة للبيهقي (4/ 203)، عشرتهم رووه عن ابن أبي ذئب به.

ص: 140

عن عمرو بن حريث: أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في الفجر والليل إذا عسعس

(1)

.

والحديث يدل على جواز قراءة سورة (إذا الشمس كورت) في صلاة الصبح، وهي ليست من طوال المفصل، أيصح أن يقال: باستحباب القراءة من أواسط المفصل في صلاة الصبح؛ لقراءة النبي صلى الله عليه وسلم فيها بالصبح، أم يقال: إن المنظور هو القيام بسنة القراءة، من أي سورة شاء، والسنة أن تكون القراءة فيها طويلة، كما قال في حديث أبي قتادة المتفق عليه:(وكان يطول في الركعة الأولى من صلاة الصبح)، وليس المقصود السورة بذاتها، فضلًا أن يعمم ذلك على طوال المفصل.

الدليل السادس:

(ح-1523) ما رواه أحمد من طريق سفيان -يعني الثوري- عن عبد الملك بن عمير، عن شبيب بن أبي روح،

عن رجل، من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الفجر فقرأ فيهما بالروم فالتبس عليه في القراءة، فلما صلى قال: ما بال رجال يحضرون معنا الصلاة بغير طهور أولئك الذين يلبسون علينا صلاتنا، من شهد معنا الصلاة فليحسن الطهور

(2)

.

[لم يروه إلا شبيب أبو روح، انفرد به عنه عبد الملك بن عمير على غرابة في متنه، وقد اضطرب فيه ابن عمير]

(3)

.

(1)

. صحيح مسلم (164 - 456).

(2)

. المسند (5/ 363).

(3)

. اختلف فيه على عبد الملك بن عمير،

فقيل: عنه، عن شبيب بن أبي روح، عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.

رواه الثوري، كما في مصنف عبد الرزاق (2725)، ومسند أحمد (5/ 363)، والمجتبى من سنن النسائي (947)، وفي الكبرى له (1021)، وشعب الإيمان للبيهقي (2512)، ومعرفة الصحابة لأبي نعيم (7227)، وجزء من حديث أبي العباس الأصم (ص: 218)، وفضائل القرآن للمستغفري (846).

وقيل: عن عبد الملك بن عمير، سمعت شبيبًا أبا روح، عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.

رواه أحمد (3/ 471)، ومن طريقه الضياء في المختارة (1498)، حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة، عن عبد الملك بن عمير به، بلفظ: أنه صلى الصبح فقرأ فيها: بالروم فأوهم =

ص: 141

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= فيها، فقال:«وما يمنعني» ، قال شعبة: فذكر الرُّفْغَ ومعنى قوله،: إنكم لستم بمتنظفين.

والاختلاف بين هذه الرواية ورواية الثوري باسم شبيب، أهو بن أبي روح، أم هو شبيب أبو روح، والخطب سهل، لهذا أعتبرُ رواية شعبة، من رواية محمد بن جعفر عنه موافقة لرواية الإمام سفيان الثوري، والله أعلم.

وقيل: عن عبد الملك بن عمير، عن شبيب بن أبي روح، عن الأغر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.

رواه بكر بن خلف عن مؤمل بن إسماعيل واختلف على بكر فيه:

فرواه ابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (2579)، عن بكر بن خلف، قال: أخبرنا مؤمل، عن عبد الملك بن عمير، عن شبيب بن أبي روح عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كرواية الجماعة.

ورواه الطبراني في الكبير (1/ 301) ح 881 حدثنا علي بن سعيد الرازي، حدثنا بكر بن خلف، حدثنا مؤمل بن إسماعيل، حدثنا شعبة، عن عبد الملك بن عمير، عن شبيب أبي روح، عن الأغر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.

وعلي بن سعيد الرازي، قال الدارقطني: ليس في حديثه كذاك

قد حدث بأحاديث لم يتابع عليها، وقد تكلم فيه أصحابنا بمصر، وأشار بيده، وقال: هو كذا وكذا، كأنه ليس هو بثقة.

وقال ابن يونس: كان يفهم، ويحفظ، وقال أيضًا: تكلموا فيه.

قال ابن حجر في اللسان: لعل كلامهم فيه من جهة دخوله في أعمال السلطان.

وقال حمد بن نصر: سألت عنه أبا عبد الله بن أبي خيثمة، فقال: عشت إلى زمان أُسأل عن مثله. اهـ

فحديثه لا ينزل عن مرتبة الحسن لذاته.

وقد توبع علي بن سعيد الرازي، تابعه زياد بن يحيى الحساني كما في مسند البزار (كشف الأستار- 477)، ومعجم الصحابة للبغوي (96)، قال: حدثنا مؤمل به، وفي البزار: قال: عن الأغر المزني، وفي معجم الصحابة: عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من بني غفار، يقال له: الأغر.

وعلته مؤمل بن إسماعيل سيء الحفظ، وقد تفرد مؤمل في تعيين صحابي هذا الحديث، وقد رواه محمد بن جعفر، عن شعبة، فلم ينسبه، كما رواه الثوري عن عبد الملك بن عمير، ولم ينسبه، وهو المعروف، والله أعلم.

وقيل: عن عبد الملك بن عمير، عن أبي روح، أنه صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم الصبح فقرأ سورة الروم

وذكر نحوه.

رواه زائدة بن قدامة كما في مسند أحمد (3/ 472)،

وشريك النخعي كما في مسند أحمد (3/ 471)،

وعبيدة بن حميد كما في مصنف ابن أبي شيبة (34)،

وأبو حمزة (هو محمد بن ميمون السكري) كما في فضائل القرآن للمستغفري (845).

وجرير (هو ابن عبد الحميد) كما في أمالي المحاملي (179)،

وأبو الأشهب (هو جعفر بن حيان العطاردي) كما في معجم الصحابة لابن قانع (3/ 132)، =

ص: 142

وفي متنه غرابة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة: عن الإمام: يصلون لكم فإن أصابوا فلكم ولهم وإن أخطؤوا فلكم وعليهم

(1)

.

وإذا كان هذا في حال الإمام، وأن إساءته لا تتعدى إلى المأموم، مع كون المأموم مرتبطة صلاته بصلاة إمامه في الجملة، ويتحمل عن المأموم القراءة

= ستتهم رووه عن عبد الملك بن عمير، عن أبي روح، قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح فقرأ بسورة الروم، وقال أبو أشهب، فقرأ سورة النور.

وأبو روح قد ذكره ابن قانع في الصحابة اعتمادًا على هذه الرواية، والأصح أنه ليس صحابيًّا، وروايته عن التابعين، وإذا كان كذلك كان قوله: (أنه صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم

) وهمًا.

وقيل: عن عبد الملك بن عمير، أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ في الفجر يوم الجمعة بسورة الروم.

رواه عبد الرزاق في المصنف (2730)، ومن طريقه المستغفري في فضائل القرآن (847).

هذه الطرق مختلفة، فتارة يرويه عبد الملك عن شبيب عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.

وتارة يرويه عبد الملك عن شبيب أنه صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم.

وتارة عن عبد الملك بن عمير أن النبي صلى الله عليه وسلم.

فإن كان هناك ترجيح فرواية الثوري ورواية شعبة الموافقة له من رواية محمد بن جعفر عنه، هي أقوى طرق هذا الحديث.

وإلا فالأقرب أن الحديث قد اضطرب فيه عبد الملك بن عمير.

وشبيب أبو روح قد روى له أحمد وأبو داود والنسائي، وقد روى عنه حريز بن عثمان، وقد قال أبو داود: شيوخ حريز بن عثمان كلهم ثقات، فإن كان يمكن الاعتماد على مثل هذا التوثيق العام كان ذلك توثيقًا لشبيب، وإن كان يمكن أن يحمل كلام أبي داود في الجملة، أو في شيوخه قد أكثر الرواية عنهم، فليس له كبير حديث عن شبيب، ولم أقف له إلا على حديث واحد، وهو حديث:(الإيمان يمان، والحكمة يمانية).

وقد ذكره البخاري في التاريخ الكبير (2621) ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلًا.

وذكره ابن خلفون في الثقات، ووثقه ابن حجر في التقريب.

وقال أبو الحسن القطان عن شبيب في كتابه الوهم والإيهام (5/ 31): «رجل لا يعرف له حال، وغاية ما رفع به من قدره أنه روى عنه شعبة وعبد الملك بن عمير» .

ولم أقف له على رواية يرويها عنه شعبة، ولم يذكر أحد شعبة من تلاميذه، فلعله قصد أنه روى شعبة عن عبد الملك بن عمير عنه، وعلى كل حال، فإن نجا الحديث من شبيب، ولا إخاله، فإن الحمل فيه على عبد الملك بن عمير فقد اضطرب فيه كما رأيت، فالحديث ضعيف.

(1)

. رواه البخاري (694) من طريق عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي هريرة مرفوعًا.

ص: 143

والسهو ونحوهما، فمن باب أولى أن تكون إساءة المأموم لا تتعدى إلى إمامه؛ والذي لا ترتبط صلاته بصلاة من يصلي خلفه، ولا تشترط نية الإمامة لصحة الائتمام كما سبق بحثه.

الدليل السابع:

(ح-1524) ما رواه أبو داود، قال: حدثنا أحمد بن صالح: حدثنا ابن وهب: أخبرني عمرو، عن ابن أبي هلال، عن معاذ بن عبد الله الجهني؛

أن رجلًا من جهينة أخبره؛ أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في الصبح: {إِذَا زُلْزِلَتِ الأَرْضُ} في الركعتين كلتيهما، فلا أدري أَنَسِيَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، أم قرأ ذلك عَمْدًا؟

(1)

.

[انفرد به معاذ بن عبد الله، واختلف عليه في وصله وإرساله]

(2)

.

الدليل الثامن من الآثار:

(ث-382) ما رواه ابن أبي شيبة، قال: حدثنا ابن عيينة، عن الزهري،

عن أنس، أن أبا بكر، قرأ في صلاة الصبح بالبقرة، فقال له عمر حين فرغ: كَرُبَتِ الشمس أن تطلع، قال: لو طلعت لم تجدنا غافلين

(3)

.

[صحيح]

(4)

.

(1)

. سنن أبي داود (816).

(2)

. سبق تخريجه في هذا المجلد، انظر (ح 1504).

(3)

. المصنف (3545).

(4)

. رواه ابن أبي شيبة في المصنف كما في حديث الباب.

والبيهقي في السنن الكبرى (2/ 544)، وفي المعرفة (3/ 332)، من طريق الشافعي، كلاهما (ابن أبي شيبة والشافعي) عن ابن عيينة.

ورواه عبد الرزاق في المصنف (2711)، ومن طريقه ابن المنذر في الأوسط (2/ 375)، عن معمر، كلاهما (ابن عيينة ومعمر) عن الزهري به.

وسنده في غاية الصحة.

ورواه الطحاوي في شرح معاني الآثار (1/ 182) من طريق ابن لهيعة، قال: حدثنا عبيد الله ابن المغيرة، عن عبد الله بن الحارث بن جزء الزبيدي، قال: صلى بنا أبو بكر رضي الله عنه صلاة الصبح، فقرأ بسورة البقرة في الركعتين جميعًا، فلما انصرف، قال له عمر رضي الله عنه: كادت الشمس تطلع. قال: لو طلعت لم تجدنا غافلين. وهذا سند صالح في المتابعات.

ورواه مالك في الموطأ (1/ 82)

ورواه ابن أبي شيبة في المصنف (3713)، حدثنا عبدة ووكيع، ثلاثتهم عن هشام بن عروة، عن أبيه، أن أبا بكر الصديق صلى الصبح فقرأ فيها سورة البقرة، في الركعتين كلتيهما.

وهو منقطع، عروة لم يدرك أبا بكر رضي الله عنه.

ص: 144

الدليل التاسع:

(ث-383) وروى الطحاوي في شرح معاني الآثار من طريق عبد الرحمن بن زياد، قال: حدثنا شعبة، عن قتادة،

عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: صلى بنا أبو بكر رضي الله عنه صلاة الصبح، فقرأ بسورة آل عمران، فقالوا: قد كادت الشمس تطلع، فقال: لو طلعت لم تجدنا غافلين

(1)

.

[حسن]

(2)

.

الدليل العاشر:

(ث-483) روى الطحاوي في شرح معاني الآثار، قال: حدثنا يزيد بن سنان، قال: حدثنا يحيى بن سعيد، عن ابن جريج، قال: حدثنا محمد بن يوسف، قال:

سمعت السائب بن يزيد، قال: صليت خلف عمر الصبح، فقرأ فيهما بالبقرة، فلما انصرفوا استشرفوا الشمس، فقالوا: طلعت. فقال: لو طلعت لم

(1)

. شرح معاني الآثار للطحاوي (1/ 181).

(2)

. غريب من حديث شعبة، لم يروه عنه إلا عبد الرحمن بن زياد، ولم يَرْوِ عنه أحد من أصحاب الكتب الستة، وقد قال أبو زرعة: لا بأس به، حدثنا عنه الحميدي.

وقال أبو حاتم الرازي: صدوق. الجرح والتعديل (5/ 235).

وذكره ابن حبان في الثقات، وقال: ربما أخطأ.

وقد رواه هشام الدستوائي، عن قتادة، عن أنس.

رواه البيهقي في السنن الكبرى (1/ 557) من طريق أبي سعيد: عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب الرازي، حدثنا محمد بن أيوب، حدثنا مسلم بن إبراهيم، حدثنا هشام، حدثنا قتادة به. وهذه متابعة جيدة.

أبو سعيد الرازي: قال عنه الذهبي: رواياته مستقيمة، ولم أر أحدًا ضعفه. تاريخ الإسلام (8/ 535).

ومحمد بن أيوب، قال عنه ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (7/ 198): كتبنا عنه، وكان ثقة صدوقًا.

ص: 145

تجدنا غافلين

(1)

.

[صحيح].

الدليل الحادي عشر:

(ث-583) ما رواه ابن أبي شيبة في المصنف، قال: حدثنا عبد الأعلى، عن الْجُرَيْرِيِّ، عن أبي العلاء،

عن أبي رافع، قال: كان عمر، يقرأ في صلاة الصبح بمائة من البقرة، ويتبعها بسورة من المثاني، أو من صدور المفصل، ويقرأ بمائة من آل عمران، ويتبعها بسورة من المثاني، أو من صدور المفصل

(2)

.

[حسن].

وقوله: (كان عمر يقرأ) يدل على الكثرة، ولم يفرق عمر بين الطوال والمثاني والمفصل حيث كان يجمع بين هذه السور في قراءة الصبح.

الدليل الثاني عشر:

(ث-386) ما رواه الطحاوي قال: حدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا وهب بن جرير، قال: ثنا شعبة، عن عبد الملك بن ميسرة،

عن زيد بن وهب، قال: صلى بنا عمر رضي الله عنه صلاة الصبح، فقرأ (بني إسرائيل والكهف) حتى جعلت أنظر إلى جدر المسجد، هل طلعت الشمس؟

(3)

.

[صحيح]

(4)

.

الدليل الثالث عشر:

(ث-387) روى ابن أبي شيبة في المصنف، حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن إبراهيم التيمي، عن حصين بن سبرة، قال:

صليت خلف عمر فقرأ في الركعة الأولى بسورة يوسف، ثم قرأ في الثانية

(1)

. شرح معاني الآثار (1/ 180).

(2)

. المصنف (3563).

(3)

. شرح معاني الآثار (1/ 180).

(4)

. سبق تخريجه في شروط الصلاة، وكتابي هذا جزء منه إلا أنه لم يطبع بعد، انظر (ث-158).

ص: 146

بالنجم، فسجد، ثم قام، فقرأ:{إِذَا زُلْزِلَتِ الأَرْضُ زِلْزَالَهَا}

(1)

.

[صحيح]

(2)

.

الدليل الرابع عشر:

(ث-388) روى مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه،

أنه سمع عبد الله بن عامر بن ربيعة يقول: صلينا وراء عمر بن الخطاب الصبح، فقرأ فيها بسورة يوسف، وسورة الحج قراءة بطيئة، فقلت: والله إذن لقد كان يقوم حين يطلع الفجر، قال: أجل

(3)

.

ورواه عبد الرزاق عن معمر، عن هشام بلفظ: ما حفظت سورة يوسف، وسورة الحج إلا من عمر من كثرة ما كان يقرؤهما في صلاة الفجر، فقال: كان يقرؤهما قراءة بطيئة.

[صحيح إلا أن ذكر عروة وهم، والصحيح أن هشامًا سمعه من عبد الله بن عامر]

(4)

.

فأشار إلى كثرة قراءة عمر لسورة يوسف وسورة الحج، وهما ليستا من المفصل.

الدليل الخامس عشر:

(ث-389) ما رواه ابن أبي شيبة في المصنف، قال: حدثنا معتمر بن سليمان، عن الزبير بن خريت، عن عبد الله بن شقيق،

عن الأحنف قال: صليت خلف عمر، الغداة، فقرأ يونس وهود ونحوهما

(5)

.

[صحيح].

الدليل السادس عشر:

(ث-390) ما رواه ابن أبي شيبة، قال: حدثنا غندر، عن شعبة، عن سعيد بن إبراهيم،

(1)

. المصنف (3564).

(2)

. سبق تخريجه، انظر (ث-372).

(3)

. الموطأ (1/ 82).

(4)

. انظر تخريجه في شروط الصلاة، جزء من هذا الكتاب لم يطبع بعد، (ث-159).

(5)

. المصنف (3546).

ص: 147

عن ثعلبة بن عبد الله بن صعير، أنه صلى مع عمر بن الخطاب، فقرأ بالحج، فسجد فيها سجدتين

(1)

.

[صحيح]

(2)

.

ولم أتعمد جمع كل الآثار الواردة في المسألة، وليس من شرط الكتاب جمع كل أحاديث الباب، فهذا أبو بكر قرأ البقرة وآل عمران في صلاة الصبح، وهذا عمر رضي الله عنه كان يقرأ من البقرة، والإسراء ويوسف والحج والكهف ويونس وهود، وإذا لم تكن قراءة هذه السور من الطوال والمئين والمثاني من هذين الخليفتين الراشدين دليلًا على استحباب قراءة هذه السور بذاتها في صلاة الصبح، لم تكن قراءة بعض طوال المفصل دليلًا على استحباب قراءتها من هذا الحزب، فتحصل السنة إذا قرأ المصلي سورة طويلة من أي سورة شاء.

* دليل من قيد القراءة بطوال المفصل للفذ والجماعة المحصورة إذا رغبت:

الدليل الأول:

(ح-1525) ما رواه الشيخان من طريق إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم،

عن أبي مسعود الأنصاري، قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، إني والله لأتأخر عن صلاة الغداة من أجل فلان، مما يطيل بنا فيها، قال: فما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم قط أشد غضبًا في موعظة منه يومئذٍ، ثم قال: يا أيها الناس إن منكم منفرين، فأيكم ما صلى بالناس فليوجز، فإن فيهم الكبير، والضعيف، وذا الحاجة

(3)

.

(1)

. مصنف ابن أبي شيبة (4288).

(2)

. ورواه الطحاوي في شرح معاني الآثار (1/ 362) من طريق أبي داود، وروح،

ورواه الدارقطني في السنن (1522) من طريق حجاج،

والحاكم في المستدرك (3471)، وعنه البيهقي في السنن الكبرى (2/ 450) من طريق يزيد ابن هارون، وسعيد بن عامر.

قالوا: حدثنا شعبة به.

(3)

. صحيح البخاري (702)، وصحيح مسلم (466).

ص: 148

وجه الاستدلال:

في الحديث دليل على تخفيف الصلاة مراعاة لحال المأمومين. وفيه وعيد على من يسعى في تخلف الناس عن الجماعة بسبب التطويل.

وقد غضب النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يسأل المصلي المتأخر، أكانت إطالة الإمام موافقة للسنة أم مخالفة لها؟ وإذا كانت الزيادة مخالفة للسنة، أكانت كثيرة شاقة أم يسيرة محتملة؟

وقد قال أهل الأصول: ترك الاستفصال في مقام الاحتمال ينزل منزلة العموم في المقال، فدل الحديث على أن مراعاة حال المأموم، وتأليفه على صلاة الجماعة أولى من مصلحة التطويل مطلقًا.

والجماعة لم تعقد إلا من أجل مصلحة الاجتماع، فإذا كان الإمام ينفر الناس عن الجماعة كان ذلك أدعى لتغييره، وتحبيب الناس لصلاة الجماعة الواجبة وتأليفهم وجمعهم عليها أولى بالمراعاة من زيادة مقدار القراءة، وهي سنة لا يؤثر تركها في صحة صلاتهم، وقد حصل أصل السنة بمطلق القراءة، حتى لو قرأ معها آية واحدة.

الدليل الثاني:

(ح-1526) ما رواه البخاري من طريق مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج،

عن أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا صلى أحدُكم للناس فليُخفِّفْ؛ فإنَّ فيهم الضعيفَ والسقيمَ والكبيرَ، وإذا صلى لنفسه فليُطوِّلْ ما شاء.

ورواه مسلم من طريق المغيرة بن عبد الرحمن الحزامي، عن أبي الزناد به

(1)

.

وجه الاستدلال:

فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بتخفيف الصلاة، ولم يقيد هذا التخفيف بمقدار معين، والأمر المطلق جارٍ على إطلاقه، وهو أقوى من الفعل؛ لأن الفعل يدخله الاحتمال بخلاف القول، فدل الحديث على أن مراعاة أحوال المأمومين من السنة القولية.

قال ابن عبد البر: «لا توقيت في القراءة عند العلماء بعد فاتحة الكتاب، وهذا إجماع من علماء المسلمين، ويشهد لذلك قوله عليه السلام (من أم الناس

(1)

. صحيح البخاري (703)، وصحيح مسلم (185 - 467).

ص: 149

فليخفف) ولم يحد شيئًا، وإنما اختلفوا في أقل ما يجزئ من القراءة، وفي أَمَّ القرآن: هل يجزئ عنها غيرها من القرآن أم لا، وأجمعوا أن لا صلاة إلا بقراءة

»

(1)

.

ونوقش:

قال ابن القيم: التخفيف أمر نسبي يرجع إلى ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم وواظب عليه لا إلى شهوة المأمومين، فإنه لم يكن يأمرهم بأمر ثم يخالفه، وقد علم أن من ورائه الكبير، والضعيف، وذا الحاجة، فالذي فعله هو التخفيف الذي أمر به

وهديه الذي واظب عليه هو الحاكم على كل ما تنازع فيه المتنازعون، ويدل عليه ما رواه النسائي وغيره عن ابن عمر رضي الله عنهما قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر بالتخفيف وَيَؤُمُّنَا بالصافات. فالقراءة بالصافات من التخفيف الذي كان يأمر به، والله أعلم»

(2)

.

وقال ابن رجب: «واعلم أن التخفيف أمر نسبي، فقد تكون الصلاة خفيفة بالنسبة إلى ما هو أخف منها، فالتخفيف المأمور به الأئمة هو الذي كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعله إذا أَمَّ، فالنقص منه ليس بتخفيف مشروع، والزيادة عليه إن كان مما فعله الخلفاء الراشدون كتطويل القراءة في صلاة الصبح على ما كان يفعله أحيانًا أبو بكر فليس بمكروه، نص عليه الإمام أحمد وغيره»

(3)

.

* ورد هذا النقاش من وجهين:

الوجه الأول:

أن الاعتبار في تطبيق السنن إلى رغبة الناس وإلا كان هذا إلزامًا للناس بما لم يوجبه الشرع عليهم، فالسنن لا إلزام فيها، وإنما يحمل الناس على الفروض والواجبات، وإطالة القراءة ليست واجبة بالإجماع.

الوجه الثاني:

على القول بأن تطبيق السنن لا يرجع فيها إلى رغبة الناس، فقد نص النبي صلى الله عليه وسلم في هذه المسألة على المرجع، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:(اقتد بأضعفهم)، وهو حديث

(1)

. الاستذكار (1/ 427).

(2)

. زاد المعاد (1/ 207).

(3)

. فتح الباري لابن رجب (6/ 221).

ص: 150

صحيح كما سيأتي فدل على أن الحكم في إطالة الصلاة وتقصيرها يختلف من جماعة إلى أخرى، وأن المحكم هو حال المأموم في تلك الجماعة، لا إلى مطلق السنة، وسيأتي الاستدلال بهذا الحديث، وبيان وجه الاستدلال به بشكل أوضح.

وحمل جماعات المصلين في السنن على اختلافهم على العهد الأول دون اعتبار لحال الوقت ودون أخذ بالاعتبار حال تلك الجماعة قوة وضعفًا، وفراغًا وشغلًا غير ممكن، فالسابق اليوم إلى الخيرات إذا قيس بالمقتصد في العهد الأول احتقر عمله.

وقد نقل النووي عن العلماء قولهم: «كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم تختلف في الإطالة والتخفيف باختلاف الأحوال، فإذا كان المأمومون يؤثرون التطويل، ولا شغل هناك له، ولا لهم طَوَّل، وإذا لم يكن ذلك خفف»

(1)

.

وكون النبي صلى الله عليه وسلم الآمر بالتخفيف يطيل صلاته، فهذا محمول على علمه صلى الله عليه وسلم بمن كان يصلي معه، ورغبتهم بإطالة الصلاة، وعليه يحمل ما ورد عن أبي بكر من الصلاة مرة بسورة البقرة ومرة بآل عمران، وما ورد عن عمر من الصلاة بالبقرة ويوسف والحج والإسراء ويونس وهود، فإن هذا المقدار مخالف للمقدار الذي كان يصلي به النبي صلى الله عليه وسلم، بقدر الضِّعْفِ بل أكثر، إلا أن مخالفة الشيخين لمقدار قراءة النبي صلى الله عليه وسلم مع علمهم بإنكار النبي صلى الله عليه وسلم على من طَوَّل تطويلًا زائدًا محمول على ما ذكرت، بأن الإمام إذا علم من جماعته الرغبة بالتطويل، وكانت الجماعة محصورة، وخَلَتْ الجماعة من وجود مريض ومشغول فلا حرج من إطالة القراءة في صلاة الصبح، حتى ولو امتدت القراءة إلى الإسفار، وإذا جاز للإمام زيادة القراءة عن المقدار الوارد بالسنة تحقيقًا لرغبة الجماعة، جاز تخفيف القراءة عن المقدار الوارد بالسنة إذا ما رغبوا ذلك بجامع أن كُلًّا منهما لم ترد به السنة الفعلية، بل إن الإطالة على مقدار ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم وقع النهي عنه صريحًا والتحذير منه، والتخفيف عن المقدار الذي كان يقرأ به النبي صلى الله عليه وسلم إذا أتم الأركان والواجبات لم يرد في النصوص الشرعية ما ينهى عنه، فكيف يُسَوَّغ ما وقع النهي عنه صريحًا، ووصف صاحبه بالمُنَفِّر، ومرة بالفتان، ولا يُسَوَّغ ما جاء في النصوص ما يدل على

(1)

. شرح النووي على صحيح مسلم (4/ 174).

ص: 151

جوازه من الأمر بالتخفيف، والله أعلم.

الدليل الثالث:

(ح-1527) ما رواه مسلم من طريق مسعر، قال: حدثني الوليد بن سريع،

عن عمرو بن حريث: أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في الفجر والليل إذا عسعس

(1)

.

فهذا النبي صلى الله عليه وسلم قد قرأ في صلاة الصبح من أواسط المفصل، وهو يفعل ذلك ليبين الجواز، وعدم الكراهة، فدل على أن التخفيف ليس مكروهًا.

ولم يقل بكراهة تخفيف القراءة في صلاة الصبح إلا الحنابلة، وهو قول ضعيف، ولا يلزم من ترك السنة الوقوع في المكروه، وإطالة القراءة في صلاة الصبح ليس من السنن المؤكدة، لأن السنة لا تتأكد إلا إذا واظب عليها النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يتركها حضرًا، ولا سفرًا، كالوتر وركعتي الفجر.

وتخفيف القراءة في السفر مجمع عليه، وهذا دليل تركها في السفر، وحديث عمرو بن حريث ظاهره في صلاة الحضر، إذ لو كان ذلك في السفر لجرى تقييده، وقد صلى فيه بالتكوير فدل على ترك الإطالة أحيانًا، وكل ذلك يدل على أن الإطالة ليست من السنن المؤكدة، وأن من قرأ من قصار المفصل في صلاة الصبح فصلاته تامة.

(ث-193) روى عبد الرزاق في المصنف، عن موسى الجهني،

عن مصعب بن سعد بن أبي وقاص، قال: كان أبي يطيل الصلاة في بيته، ويخفف عند الناس، فقلت: يا أبتاه لم تفعل هذا؟ قال: إنا أئمة يُقْتَدَى بنا

(2)

.

[صحيح]

(3)

.

وعلى التسليم بأن القراءة من قصار المفصل في صلاة الصبح مكروهة، فإن الكراهة ترفعها الحاجة، والحاجة إلى تخفيف القراءة في هذا العصر قائمة خاصة في وقت الصيف، حيث الناس قد ابتلوا بالسمر، وتأخير النوم.

(1)

. صحيح مسلم (164 - 456).

(2)

. المصنف (3729).

(3)

. ورواه ابن أبي شيبة في المصنف ت عوامة (4699) حدثنا عباد بن العوام،

والطبراني في الكبير (1/ 143) ح 317، من طريق يحيى بن سعيد، كلاهما عن موسى الجهني به.

ص: 152

الدليل الرابع:

قال ابن عبد البر: التخفيف لكل إمام أمر مجمع عليه مندوب عند العلماء إليه

(1)

.

وقال الترمذي في جامعه: وهو قول أكثر أهل العلم اختاروا أن لا يطيل الإمام الصلاة مخافة المشقة على الضعيف، والكبير، والمريض

(2)

. اهـ

قال العراقي في طرح التثريب: وهو يقتضي خلافًا بين أهل العلم، ولا أعلم فيه خلافًا، ثم ساق كلام ابن عبد البر السابق

(3)

.

وقال ابن عبد البر أيضًا: «لا أعلم بين أهل العلم خلافًا في استحباب التخفيف لكل من أَمَّ قومًا على ما شرطنا من الإتيان بأقل ما يجزئ، والفريضة والنافلة عند جميعهم سواء في استحباب التخفيف فيما إذا صليت جماعة بإمام»

(4)

.

وقال العيني: «استحباب تخفيف الصلاة مراعاة لحال المأمومين

وهذا لا خلاف فيه لأحد»

(5)

.

وقد ساق ابن عبد البر بإسناده إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: أيها الناس لا تُبَغِّضُوا اللهَ إلى عباده. فقال قائل منهم: وكيف ذلك؟ قال: يكون الرجل إمامًا للناس يصلي بهم، فلا يزال يطول عليهم حتى يبغض إليهم ما هم فيه أو يجلس قاصًّا، فلا يزال يطول عليهم حتى يبغض إليهم ما هم فيه

(6)

.

الدليل الخامس:

ذهب الأئمة الأربعة إلى استحباب تخفيف القراءة في صلاة الصبح للمسافر؛ لكون السفر مظنة لوجود المشقة، ولأن للسفر أثرًا في إسقاط شطر الصلاة فلأن يؤثر في تخفيف القراءة من باب أولى، وحكى ابن عبد البر الإجماع على ذلك كما

(1)

. طرح التثريب (2/ 346)، ونيل الأوطار (2/ 272)، تحفة الأحوذي (2/ 33)، مرعاة المفاتيح (4/ 76).

(2)

. سنن الترمذي (1/ 461).

(3)

. طرح التثريب (2/ 346).

(4)

. التمهيد (19/ 9).

(5)

. عمدة القارئ (5/ 240).

(6)

. التمهيد (19/ 12).

ص: 153

سيأتي نقل ذلك عنه

(1)

.

جاء في التهذيب في اختصار المدونة: «ولا بأس أن يخفف قراءة الصبح في السفر بسبح ونحوها»

(2)

.

وقال ابن رجب: «قال أصحابنا: لا يكره تخفيف القراءة في الصبح وغيرها في السفر دون الحضر»

(3)

.

وبوب أبو داود في السنن: قصر القراءة في السفر.

وإنما خففت القراءة في السفر لمظنة المشقة، فيؤخذ منه أنه متى كان يشق على الناس طول القراءة؛ لسهر، أو عمل، أو قيام ليل، كما في العشر الأواخر من رمضان ونحوها، كان مطلوبًا من الإمام التخفيف قياسًا على التخفيف في السفر بجامع المشقة.

والناس اليوم ليسوا كالناس بالأمس، فهناك عادات اجتماعية تغيرت، ولقد كان الناس حين كنا صغارًا ينامون بعد صلاة العشاء، ولا يسمرون، كحالهم في عهد النبوة، فيقوم الناس إلى الصلاة وقد أخذ البدن راحته، واسترد عافيته ونشاطه، فكان يناسب إطالة القراءة في صلاة أول النهار، وعكسه المغرب لما كانت تقع في آخر النهار وبعد نشاط الناس في أعمالهم وحرثهم ناسب أن تخفف القراءة فيها، والناس اليوم على خلاف السابق، فهم ينامون في ساعة متأخرة، ابتلي بذلك الكبار قبل الصغار خاصة في الصيف، فإذا حرص هؤلاء على صلاة الجماعة في الفجر فينبغي إعانتهم على ذلك، وعلى الإمام أن يراعي هذه الحالة منهم، ويفرق بين ليالي الشتاء الطويلة والتي يمكن للمصلي ولو سهر أن يأخذ قسطًا من الراحة يكفيه قبل قيامه لصلاة الصبح وبين ليالي الصيف القصيرة، فمتى ما كان يشق على الناس طول القراءة كان مطلوبًا من الإمام التخفيف قياسًا على التخفيف في السفر بجامع المشقة.

(1)

. فتح القدير لابن الهمام (1/ 334)، الهداية شرح البداية (1/ 55)، العناية شرح الهداية (1/ 334)، البحر الرائق (1/ 359)، المدونة (1/ 157)، الاستذكار (1/ 441)، شرح التلقين (2/ 882)، التوضيح لخليل (1/ 346)، الإعلام بفوائد عمدة الأحكام (3/ 207)، مغني المحتاج (1/ 364)، فتح الباري لابن رجب (7/ 57).

(2)

. التهذيب في اختصار المدونة (1/ 226).

(3)

. فتح الباري لابن رجب (7/ 45).

ص: 154

وكون السهر مكروهًا من غير حاجة لا يعني أبدًا ألا يكون علة في تخفيف القراءة في صلاة الصبح، كما أن السفر، ولو كان مكروهًا أو محرمًا علة في الترخص على الصحيح، وقد بحثت هذه المسألة في أحكام الطهارة.

ولينظر هذا الإمام إلى حاله إذا عرض له سهر لأي سبب من الأسباب أيحتاج إلى تخفيف صلاته، أم يطيل صلاته، ولو كان في ذلك مشقة عليه.

وليس علاج السهر هو في إطالة القراءة في صلاة الصبح وإن شق ذلك على الناس، بل يحتاج أن يتوجه الأمر إلى علاج هذه الظاهرة، ثم بعد ذلك تطبق السنة، على أن القراءة من أوساط المفصل من السنة أيضًا، كما مر معنا قراءة النبي صلى الله عليه وسلم لسورة التكوير.

الدليل السادس:

(ح-1528) ما رواه مسلم من طريق محمد بن جعفر، حدثنا شعبة، عن عمرو ابن مرة، قال: سمعت سعيد بن المسيب، قال:

حدث عثمان بن أبي العاص، قال: آخر ما عهد إليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أممتُ قومًا، فأخف بهم الصلاة

(1)

.

وروى أحمد من طريق حماد، عن الجُرَيْرِيِّ، عن أبي العلاء،

عن عثمان بن أبي العاص، قال: قلت يا رسول الله اجعلني إمام قومي، فقال: أنت إمامهم، واقتد بأضعفهم، واتخذ مؤذنًا لا يأخذ على أذانه أجرًا

(2)

.

[صحيح]

(3)

.

وجه الاستدلال:

أن الإمام مأمور بأن يقتدي بأضعف رجل في جماعته في قدر القيام والقراءة، فلئن كان تطويل القراءة سنة في صلاة الصبح من السنة الفعلية فهو ليس مطلقًا، بل

(1)

. صحيح مسلم (187 - 468).

(2)

. ورواه أحمد أيضًا (4/ 21) عن عفان عن حماد بن سلمة وحماد بن زيد، فرقهما، أخبرنا سعيد الجريري، عن أبي العلاء به.

(3)

. حديث صحيح، رجاله كلهم ثقات، والجريري وإن كان قد تغير بآخرة، إلا أن الحمادين قد رويا عنه قبل تغيره. انظر تخريجه في كتابي المعاملات المالية أصالة ومعاصرة (9/ 130) ح 566.

ص: 155

مقيدًا بالسنة القولية بمراعاة أحوال المأمومين، وذلك يختلف باختلاف المصلين حضرًا وسفرًا، وشتاءً وصيفًا، والتزامًا وضعفًا، ورغبة في الإطالة وعكسها، وإذا رغب بعض الجماعة بالتخفيف لم يلزموا بالسنن؛ فالسنن لا تجري مجرى الإلزام.

وقوله: (اقتد بأضعفهم) ظاهَرُهُ بأضْعَفِهِم بِنْيَةً، وإطلاقه يدخل فيه أضعفهم إيمانًا، تأليفًا له على حب الجماعة، وإقامة الصلاة مع المسلمين، فمراعاة الواجبات أولى من مراعاة السنن، ولا يبصر هذا إلا من رزق فقهًا وبصيرة، وتحمل مسؤولية سياسة الناس، وإحاطتهم بالنصح، والخوف عليهم، ومراعاة اختلافهم وتفاوتهم، وعدم تحميلهم من السنن ما يشق عليهم، والتدرج بهم، فيقرأ بهم من أواسط المفصل ويترقى بهم إلى بعض قصار طوال المفصل بين الحين والآخر بلا تنفير له، ولا يُكَرِّه عبادة الله لعباده.

الدليل السابع:

مراعاة الجماعة وردت فيه أحاديث كثيرة، من ذلك:

(ح-1529) ما رواه البخاري ومسلم من طريق غندر (محمد بن جعفر) حدثنا شعبة، عن سعد بن إبراهيم، عن محمد بن عمرو بن الحسن بن علي، قال:

قدم الحجاج فسألنا جابر بن عبد الله، فقال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي الظهر بالهاجرة، .... والعشاء أحيانًا وأحيانًا، إذا رآهم اجتمعوا عجل، وإذا رآهم أبطؤوا أخر

الحديث

(1)

.

(ح-1530) ومنها ما رواه البخاري، قال: حدثنا آدم بن أبي إياس، قال: حدثنا شعبة، قال حدثنا مهاجر أبو الحسن مولى لبني تيم الله، قال: سمعت زيد بن وهب،

عن أبي ذَرٍّ الغفاري، قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر، فأراد المؤذن أن يؤذن للظهر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أبرد، ثم أراد أن يؤذن، فقال له: أبرد، حتى رأينا فيء التلول، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن شدة الحر من فيح جهنم، فإذا اشتد الحر فأبردوا بالصلاة

(2)

.

فكان عليه الصلاة والسلام يدع الوقت الفاضل من تأخير العشاء إذا اجتمع

(1)

. صحيح البخاري (560)، وصحيح مسلم (646).

(2)

. صحيح البخاري (539).

ص: 156

الناس حتى لا يشق عليهم، كما كان يدع أول الوقت في صلاة الظهر في الحر مع فضيلته رفقًا بالناس، ولهذا كان يصليها في غير أيام الحر إذا زالت الشمس لإدراك فضيلة أول الوقت.

وقال الحنابلة: إن تقديم الصلاة في الفجر أفضل إلا إذا تأخروا، والتأخير في العشاء أفضل إلا إذا تقدموا

(1)

.

وكل ذلك فيه ترك الأفضل من السنن مراعاة لأحوال المأمومين.

(ح-1531) ومنها ما رواه البخاري ومسلم من طريق يزيد بن زريع، قال: حدثنا سعيد، قال: حدثنا قتادة،

أن أنس بن مالك، حدثه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إني لأدخل في الصلاة، وأنا أريد إطالتها، فأسمع بكاء الصبي، فأتجوز في صلاتي مما أعلم من شدة وجد أمه من بكائه

(2)

.

فهذا المثال من أبلغ ما يكون في ترك السنن من أجل مراعاة أحوال المأموم، حتى ولو كان هذا المأموم ممن لا تجب عليه الجماعة، ولم يَدْعُ النبي صلى الله عليه وسلم هذه الأم إلى ترك رضيعها في البيت، أو تصلي في بيتها أفضل لها، بل ترك إطالة القراءة مراعاة لها مع أن حضورها مفضول، ولم ينظر لمصلحة الجماعة على حساب هذه المرأة، فدل على أن مراعاة المأموم مقدم على مراعاة سنة القراءة، والله أعلم.

* دليل من قال: استحباب تخفيف قراءة الصبح وغيرها في السفر:

الدليل الأول:

حكى ابن عبد البر الإجماع على تقصير القراءة في السفر

(3)

.

وقال إبراهيم النخعي: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرؤون في السفر بالسور القصار

(4)

.

الدليل الثاني:

(ح-1532) ما رواه أحمد، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، عن معاوية يعني

(1)

. شرح الزركشي على مختصر الخرقي (1/ 493).

(2)

. صحيح البخاري (709)،.

(3)

. الاستذكار (1/ 441)، فتح الباري لابن رجب (7/ 45).

(4)

. فتح الباري لابن رجب (7/ 45)، وإبراهيم لم يسمع من الصحابة رضوان الله عليهم.

ص: 157

ابن صالح، عن العلاء بن الحارث، عن القاسم، مولى معاوية،

عن عقبة بن عامر، قال: كنت أقود برسول الله صلى الله عليه وسلم راحلته في السفر، فقال: يا عقبة ألا أعلمك خير سورتين قرئتا؟ قلت: بلى. قال: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَق} و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاس} ، فلما نزل صلى بهما صلاة الغداة، قال: كيف ترى يا عقبة؟

(1)

.

[حسن في الجملة]

(2)

.

(1)

. المسند (4/ 153).

(2)

. حديث عقبة روي عنه من طرق كثيرة، بألفاظ مختلفة، وهو في صحيح مسلم (264 - 814) من طريق بيان بن بشر، عن قيس بن أبي حازم، عن عقبة، وليس فيه ذكر الصلاة بهن، ولفظه:(ألم تر آيات أنزلت الليلة، لم ير مثلهن قط (قل أعوذ برب الفلق) و (قل أعوذ برب الناس})،

ورواه مسلم (265 - 814) من طريق إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس به، بلفظ:(أنزل أو أنزلت عليَّ آيات لم ير مثله قط المعوذتين).

فهذا الطريق هو أصح طريق روي فيه حديث عقبة، إلا أن يحمل حديث عقبة على أنه روايات متعددة، وليست حديثًا واحدًا، كما رجحه الحاكم في المستدرك، والله أعلم، وسوف أخرج لك بعض طرق هذا الحديث لأُبَيِّنَ لك الاختلاف في أسانيده، ولفظه.

فقيل: عن القاسم بن عبد الرحمن مولى معاوية، عن عقبة.

رواه معاوية بن صالح، واختلف عليه فيه،

فقيل: عن معاوية بن صالح، عن العلاء بن الحارث، عن القاسم مولى معاوية، عن عقبة بن عامر.

تابع عبدُ الرحمن بن يزيد بن جابر، العلاء بن الحارث، فرواه عن القاسم، عن عقبة.

وقيل: عن معاوية بن صالح، عن العلاء بن الحارث، عن مكحول، عن عقبة بن عامر، ومكحول لم يسمع من عقبة بن عامر.

وقيل: معاوية بن صالح، عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير، عن أبيه، عن عقبة بن عامر.

وقد تابع خالد بن معدان عبد الرحمن بن جبير، فرواه عن جبير بن نفير، عن عقبة.

هذا ملخص الاختلاف على معاوية بن صالح، وإليك تفصيل هذا الاختلاف عليه:

فرواه ابن وهب كما في سنن أبي داود (1462)، والمجتبى من سنن النسائي (5436)، وفي الكبرى (7799)، والبيهقي في السنن الكبرى (2/ 552).

وزيد بن الحباب كما في مسند أحمد (4/ 149)، وصحيح ابن خزيمة (535)، والبيهقي في السنن الكبرى (2/ 552)، وفضائل القرآن للمستغفري (1107)، ومسند عقبة بن عامر لابن قُطْلُوْبَغَا (86).

وبشر بن السَّرِيِّ كما في تاريخ المدينة لابن شبة (3/ 1011)، =

ص: 158

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= وأسد بن موسى، كما في المعجم الكبير للطبراني (17/ 335) ح 926،

وعبد الله بن صالح، كما في المعجم الكبير للطبراني (17/ 335) ح 926، وفي مسند الشاميين للطبراني (1987)، وأبو زرعة الدمشقي في تاريخ أبي زرعة (ص: 500)، خمستهم رووه عن معاوية بن صالح، عن العلاء بن الحارث، عن القاسم مولى معاوية، عن عقبة بن عامر.

ورواه عبد الرحمن بن مهدي، واختلف عليه فيه:

فرواه أحمد في المسند (4/ 153)، ومن طريقه الحاكم في المستدرك (877)، وهو في مسند عقبة بن عامر لابن قطلوبغا (87).

وعبد الله بن هاشم، كما في صحيح ابن خزيمة (533)، وفضائل القرآن للمستغفري (1106)، كلاهما (أحمد وابن هاشم) عن ابن مهدي، عن معاوية بن صالح، عن العلاء بن الحارث، عن القاسم مولى معاوية، عن عقبة بن عامر، كرواية الجماعة.

خالفهما محمد بن بشار، كما في المجتبى من سنن النسائي (5435)، وفي الكبرى (7800)، وفضائل القرآن للمستغفري (1129)، فرواه عن ابن مهدي، قال: حدثنا معاوية، عن العلاء بن الحارث، عن مكحول، عن عقبة بن عامر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ بهما في صلاة الصبح.

وتابع ابن بشار على إسناده دون لفظه عمرو بن علي الفلاس، كما في سنن النسائي الكبرى (7801)، فرواه عن ابن مهدي، قال: حدثنا معاوية، عن العلاء بن الحارث، عن مكحول، عن عقبة بن عامر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ في صلاة الصبح (بحم) السجدة.

فالخطأ من معاوية بن صالح بن حدير الحضرمي الحمصي قاضي الأندلس، وثقه أحمد وابن مهدي والنسائي، وأبو زرعة، وابن سعد، وابن حبان.

واختلف قول يحيى بن معين، فقال عنه مرة: ثقة، وقال في أخرى: ليس بمرضي، وقال أيضًا: صالح.

وكان يحيى بن سعيد يضعفه ولا يرضاه. قال ابن حجر في مقدمة الفتح (1/ 424): يحيى بن سعيد شديد التعنت في الرجال، لا سيما من كان من أقرانه. اهـ

وقال أبو حاتم: صالح الحديث، حسن الحديث، يكتب حديثه، ولا يحتج به.

وأخرج له مسلم إلا أن أكثرها في المتابعات والشواهد.

وقال يعقوب بن شيبة: قد حمل الناس عنه.

ومنهم من يرى أنه وسط، ليس بالثبت، ولا بالضعيف.

ومنهم من يضعفه، وقال ابن خراش: صدوق. اهـ وهو الأقرب إلا أن له غرائب وأوهامًا وتفردات، قال ابن عدي: له حديث صالح، وما أرى بحديثه بأسًا، وهو عندي صدوق، إلا أنه يقع في حديثه إفرادات. اهـ فالمحفوظ ما رواه الجماعة، عنه، عن العلاء بن الحارث، عن القاسم، عن عقبة بن عامر.

والقاسم بن عبد الرحمن وثقه ابن معين، وابن المديني ويعقوب بن سفيان، والترمذي، وقال أبو حاتم: حديث الثقات عنه مستقيم، لا بأس به، وإنما ينكر عنه الضعفاء.

وقال البخاري كما في تهذيب التهذيب (8/ 323): « .... روى عنه العلاء بن الحارث، وابن جابر، =

ص: 159

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= وكثير بن الحارث، ويحيى بن الحارث، وسليمان بن عبد الرحمن أحاديث مقاربة، وأما من يتكلم فيه، مثل: جعفر بن الزبير، وبشر بن نمير، وعلي بن زيد، وغيرهم، ففي حديثهم عنه مناكير واضطراب».

وقال الإمام أحمد كما في الجرح والتعديل (7/ 113): «ما أرى هذا إلا من قبل القاسم» .

وقال ابن حبان كما في المجروحين (2/ 211): «كان ممن يروي عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم المعضلات، ويأتي عن الثقات بالأشياء المقلوبات حتى يسبق إلى القلب أنه كان المتعمد لها» .

وقد توبع في هذا الحديث كما سيتبين إن شاء الله تعالى.

وفي إسناده العلاء بن الحارث، ثقة إلا أنه قد اختلط، ولم يتميز لي من سمع منه قبل الاختلاط ممن سمع منه بعده إلا أنه قد توبع.

تابعه عليه عبد الرحمن بن يزيد بن جابر (ثقة)، عن القاسم بن عبد الرحمن، عن عقبة بن عامر، أنه بينما أنا أقود برسول الله صلى الله عليه وسلم في نقب من تينك النقاب، إذ قال: ألا تركب يا عقب؟ فأجللت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أركب مركب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال: ألا تركب يا عقب؟ فأشفقت أن تكون معصية، فنزل، وركبت هنيهة، ثم نزلت وركب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال: ألا أعلمك سورتين من خير سورتين قرأ بهما الناس؟ فأقرأني (قل أعوذ برب الفلق) و (قل أعوذ برب الناس)، وأقيمت الصلاة، فتقدم، فقرأ بهما، ثم مرَّ بي، فقال: كيف رأيت يا عقب؟ اقرأ بهما كلما نمت وقمت. اهـ أي كلما اضطجعت للنوم وقمت منه.

رواه أحمد (4/ 144).

وأبو يعلى في مسنده (1736) حدثنا أبو خيثمة.

والنسائي في المجتبى (5437) وفي الكبرى (7794)، أخبرني محمود بن خالد،

وابن خزيمة (534) أخبرنا أبو عمار، وعلي بن سهل الرملي.

والطحاوي في مشكل الآثار (124) من طريق محمد بن عبد العزيز الواسطي،

والطبراني في مسند الشاميين (596) من طريق عمرو بن عثمان،

والمستغفري في فضائل القرآن (1102) من طريق محمد بن ميمون الخياط، كلهم رووه عن الوليد بن مسلم، حدثنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، حدثني القاسم بن عبد الرحمن به.

تابع الوليد بن مسلم كل من:

صدقة بن خالد كما في عمل اليوم والليلة لابن السني (ص: 684)، وأمالي ابن سمعون الواعظ (233).

وعبد الله بن المبارك، كما في السنن الكبرى للنسائي (7795، 10659)،

وبشر بن بكر (هو التنيسي) كما في شرح مشكل الآثار للطحاوي (125)، ثلاثتهم رووه عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر به.

خالف كل هؤلاء سفيان الثوري، فرواه عن معاوية بن صالح، عن عبد الرحمن بن جبير، عن أبيه، عن عقبة بن عامر. =

ص: 160

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= رواه أبو أسامة حماد بن أسامة كما في مصنف ابن أبي شيبة (30210)، ومسند أبي يعلى (1734)، وسنن النسائي (952، 5434)، والكبرى له (1026، 7802)، وصحيح ابن خزيمة (536)، والحاكم في المستدرك (876، 2083)، وأمالي ابن بشران (286)، والسنن الكبرى للبيهقي (2/ 522)، والمستغفري في فضائل القرآن (1109، 1130، 1131)، عن سفيان، عن معاوية بن صالح به، أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المعوذتين [زاد: المستغفري وابن خزيمة والحاكم: أمن القرآن هما؟]، قال عقبة: فَأَمَّنَا رسول الله صلى الله عليه وسلم بهما في صلاة الفجر.

تابع حمادًا زيد بن أبي الزرقاء، كما في فضائل القرآن للمستغفري (1108)، ومسند الروياني (244)، وصحيح ابن خزيمة (536)، وصحيح ابن حبان (1818)، فرواه عن الثوري به.

وقد توبع عبد الرحمن بن جبير، تابعه خالد بن معدان، عن جبير بن نفير، عن عقبة بن عامر، قال: أهديت للنبي صلى الله عليه وسلم بغلة شهباء، فركبها، فأخذ عقبة يقودها، فقال رسول صلى الله عليه وسلم لعقبة: اقرأ، قال: وما أقرأ يا رسول الله؟ قال: اقرأ (قل أعوذ برب الفلق من شر ما خلق) فأعادها علي حتى قرأتها، فعرف أني لم أفرح بها جدًّا، فقال: لعلك تهاونت بها، فما قمت تصلي بمثلها.

رواه أحمد (4/ 149)، والطحاوي في مشكل الآثار (126)، والطبراني في الكبير (17/ 337) ح 930، عن حيوة بن شريح.

والنسائي في المجتبى (5433)، وفي الكبرى (7793)، أخبرني عمرو بن عثمان.

والطبراني في الكبير (17/ 337) ح 930، من طريق علي بن بحر،

وفي مسند الشاميين (1155) من طريق عيسى بن المنذر، أربعتهم، رووه عن بقية، قال: حدثنا بحير بن سعد، عن خالد بن معدان به.

فهذا إسناد حسن، ومتابعة في الجملة لرواية الثوري، عن معاوية بن صالح، عن عبد الرحمن بن جبير، عن أبيه إلا أنه اقتصر على سورة الفلق، ولم يذكر أنه صلى بها.

وقد اختلف العلماء في الراجح من رواية معاوية بن صالح: أترجح رواية ابن وهب، وزيد بن الحباب، وأسد بن موسى، وعبد الله بن صالح، وبشر بن السَّرِيِّ، وابن مهدي من رواية أحمد وعبد الله بن هاشم، كلهم رووه عن معاوية بن صالح، عن العلاء بن الحارث، عن القاسم بن عبد الرحمن عن عقبة، أم ترجح رواية الثوري، عن معاوية بن صالح، عن عبد الرحمن بن جبير، عن أبيه، عن عقبة بن عامر؟

فذهب أحمد بن صالح إلى أن الراجح فيه: معاوية بن صالح، عن العلاء بن الحارث، عن القاسم عن عقبة، فيما حكاه أبو زرعة الدمشقي في تاريخه (1/ 500) أي ترجيح رواية الجماعة، عن معاوية بن صالح على رواية الثوري.

وذهب إلى هذا أيضًا أبو زرعة الرازي كما في علل ابن أبي حاتم (1667).

وصحح أبو حاتم الرازي وأبو زرعة الدمشقي، وابن خزيمة الطريقين عن معاوية بن صالح، قال أبو زرعة الدمشقي: وهاتان الروايتان عندي صحيحتان، لهما جميعًا أصل بالشام، عن =

ص: 161

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= جبير بن نفير، عن عقبة، وعن القاسم، عن عقبة.

وانظر كلام أبي حاتم في سبب ترجيحه الطريقين بكلام مهم جدًّا في العلل لابنه (1667).

وعلى هذا فلا يختلف أحمد بن صالح وأبو زرعة الدمشقي، وأبو حاتم وأبو زرعة الرازيان على صحة حديث معاوية بن صالح، عن العلاء بن الحارث، عن القاسم، عن عقبة، وإنما يختلفون في رواية جبير بن نفير عن عقبة، فأبو حاتم وأبو زرعة الدمشقي يصححانها، وأبو زرعة الدمشقي وأحمد بن صالح يرجحون عليها رواية القاسم عن عقبة، والله أعلم.

الطريق الثاني: عبد الله بن خبيب، عن عقبة بن عامر في التعوذ بسورة الإخلاص والمعوذتين. وليس فيه الصلاة بالمعوذتين، فلا شاهد فيه لمسألتنا.

رواه معاذ بن عبد الله بن خبيب (قال الدارقطني: ليس بذاك، ووثقه أبو داود ويحيى بن معين، وقال ابن حجر: صدوق ربما وهم)، عن أبيه (له صحبة)، عن عقبة، وقيل: عن أبيه مرفوعًا بإسقاط عقبة بن عامر رضي الله عنه.

ورواه معاذ بن عبد الله بن خبيب، واختلف عليه فيه:

فرواه عبد الله بن سليمان بن أبي سلمة الأسلمي (ثقة)، عن معاذ، واختلف على الأسلمي في إسناده:

فرواه الدراوردي (صدوق صحيح الكتاب) كما في المجتبى من سنن النسائي (5430)، وفي الكبرى له (7797)، والمعجم الكبير للطبراني (17/ 346) ح 952، عن معاذ بن عبد الله بن خبيب، عن أبيه، عن عقبة بن عامر الجهني، قال: بينا أنا أقود برسول الله صلى الله عليه وسلم راحلته في غزوة إذ قال: يا عقبة، قل. فاستمعت، ثم قال: يا عقبة، قل. فاستمعت، فقالها الثالثة، فقلت: ما أقول؟، فقال: قل هو الله أحد فقرأ السورة حتى ختمها، ثم قرأ: قل أعوذ برب الفلق. وقرأت معه حتى ختمها، ثم قرأ: قل أعوذ برب الناس، فقرأت معه حتى ختمها، ثم قال: ما تعوذ بمثلهن أحد.

خالفه: خالد بن مخلد القطواني (صدوق يتشيع وله أفراد)، كما في المجتبى من سنن النسائي (5431)، وفي الكبرى (7803) فرواه عن عبد الله بن سليمان الأسلمي، عن معاذ بن عبد الله ابن خبيب، عن عقبة بن عامر به. وأسقط من إسناده عبد الله بن خبيب.

ورواه زيد بن أسلم، عن معاذ بن عبد الله بن خبيب، عن أبيه، كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في طريق مكة، فأصبت خلوة من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدنوت منه، فقال: قل: فقلت: ما أقول؟ قال: قل. قلت: ما أقول. قال: قل أعوذ برب الفلق حتى ختمها. ثم قال: قل أعوذ برب الناس حتى ختمها، ثم قال: ما تعوذ الناس بأفضل منها.

فجعله من مسند عبد الله بن خبيب، لا من مسند عقبة بن عامر رضي الله عنهما.

رواه محمد بن جعفر بن أبي كثير كما في فضائل القرآن لابن سلام (ص: 270)، ومعجم الصحابة للبغوي (1677)، والمكتفى في الوقف والابتداء لأبي عمرو الداني (ص: 245).

وحفص بن ميسرة كما في المجتبى من سنن النسائي (5429)، والسنن الكبرى (7809)، =

ص: 162

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= ومعرفة الصحابة لأبي نعيم (4096).

وروح بن القاسم كما في المعجم الأوسط للطبراني (2796)، ومعجم الصحابة لابن قانع (2/ 115)،

وخارجة بن مصعب (متروك) كما في الأول من حديث أبي علي بن شاذان (30)، كلهم رووه عن زيد بن أسلم، عن معاذ بن عبد الله بن خبيب عن أبيه.

ورواه أسيد بن أبي أسيد، عن معاذ بن عبد الله، عن أبيه، قال: أصابنا طَشٌّ وظلمة، فانتظرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلي لنا، فخرج فأخذ بيدي، فقال: قل. فَسَكَتُّ. قال: قل: قلت: ما أقول؟ قال: قل هو الله أحد، والمعوذتين حين تمسي وحين تصبح ثلاثًا تكفيك كل يوم مرتين. هذا لفظ عبد الله بن أحمد في زوائد المسند.

وفي رواية لأبي داود والترمذي والنسائي: تكفيك من كل شيء.

رواه الضحاك بن مخلد كما في زوائد عبد الله بن أحمد في المسند (5/ 312)، وفضائل القرآن للمستغفري (1110، 1111)، والطبقات الكبرى لابن سعد (4/ 351)، ومعرفة الصحابة لأبي نعيم (3/ 1630)،.

وابن أبي فديك كما في سنن أبي داود (5082)، وسنن الترمذي (3575)، وسنن النسائي (5428)، والسنن الكبرى له (7811)، ومسند عبد بن حميد كما في المنتخب (494)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (2572)، وعمل اليوم والليلة لابن السني (81)، والدعوات الكبير للبيهقي (45)، والطبقات الكبرى لابن سعد (4/ 351)، ومعرفة الصحابة لابن منده (ص: 491)، ومعرفة الصحابة لابي نعيم (2/ 989).

وعبد الله بن وهب كما في تلخيص المتشابه للخطيب (1/ 198)، ثلاثتهم عن ابن أبي ذئب، عن أسيد بن أبي أسيد به.

وقد زاد أسيد في الحديث التعوذ بالسور الثلاث في الصباح والمساء، ولم يذكر أحد غيره ذكر الصباح والمساء.

فصار حديث معاذ بن عبيد الله بن خبيب، عن أبيه، تارة يرويه من مسند عقبة بن عامر، وتارة يرويه من مسند خبيب رضي الله عنه، هذا من جهة الاختلاف في السند، وهو ليس مؤثرًا؛ غايته أن يكون مسند خبيب مرسل صحابي، وهو لا يضر على الصحيح.

ومن جهة الاختلاف في المتن، فليس فيه الصلاة في المعوذتين موضع الشاهد، وقد روي بثلاثة ألفاظ:

اللفظ الأول: جاء بالتعوذ بسورة الإخلاص والمعوذتين من مسند عقبة بن عامر.

اللفظ الثاني: وجاء بالتعوذ بالمعوذتين من مسند عبد الله بن خبيب.

اللفظ الثالث: التعوذ بالسور الثلاث حين تصبح وحين تمسي.

فإن اعتبرنا هذا الحديث حديثًا آخر لعقبة بن عامر غير حديثه في القراءة بالمعوذتين في صلاة السفر كان المحفوظ فيه: أنه من مسند عقبة بن عامر، وفي التعوذ بالمعوذتين، أما ذكر سورة =

ص: 163

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= الإخلاص، والتعوذ بها صباحًا ومساء فغير محفوظ.

وإن اعتبرناه حديثًا واحدًا، كان هذا اللفظ برواياته الثلاث شاذًّا، لمخالفته رواية القاسم بن عبد الرحمن وجبير بن نفير، عن عقبة بن عامر، والله أعلم.

الطريق الثالث: عن أبي سعيد المقبري، عن عقبة بن عامر.

رواه سعيد بن أبي سعيد المقبري، واختلف عليه فيه:

فقيل: عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أبيه، عن عقبة بن عامر.

رواه أبو داود في السنن (1463)، والطحاوي في المشكل (127)، والطبراني في الكبير (17/ 345) ح 950، والبيهقي في السنن (2/ 552) من طريق محمد بن سلمة، عن محمد بن إسحاق، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أبيه، عن عقبة بن عامر، قال: بينا أنا أسير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الجحفة والأبواء، إذا غشيتنا ريح وظلمة شديدة، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعوذ بـ (أعوذ برب الفلق) و (أعوذ برب الناس). وهو يقول: يا عقبة، تعوذ بهما، فما تعوذ بمثلهما، قال: وسمعته يؤمنا بهما في الصلاة.

ومحمد بن سلمة ثقة معروف بالرواية عن ابن إسحاق.

وقيل: عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عمن حدثه عن عقبة بن عامر.

رواه الحميدي في مسنده (874)، قال: حدثنا سفيان (هو ابن عيينة)، قال: حدثنا محمد بن عجلان، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عمن حدثه، عن عقبة بن عامر، قال: تهبَّطت مع النبي صلى الله عليه وسلم من ثنية، فقال لي: قل يا عقبة، فقلت: ما أقول يا رسول الله؟، وتفرقنا، فقلت: اللهم ردها عليَّ من نبيك، ثم التقينا، فقال لي: قل يا عقبة، فقلت: ما أقول يا رسول الله؟ ثم تفرقنا، فقلت: اللهم ردها عليَّ من نبيك، ثم التقينا، فقال لي: قل يا عقبة، فقلت: ما أقول يا رسول الله؟ فقال: (قل هو الله أحد)، و (قل أعوذ برب الفلق)، و (قل أعوذ برب الناس)، ما تعوذ متعوذ ولا استعاذ مستعيذ بمثلهن قط. ولم يذكر ابن عيينة الصلاة بها موضع الشاهد، وزاد سورة الإخلاص، وزيادتها شاذة.

وقيل: عن سعيد المقبري، عن عقبة بن عامر، بإسقاط الواسطة.

رواه الليث بن سعد كما في المجتبى من سنن النسائي (5438)، وفي الكبرى له (7789، 8009)، وسنن الدارمي (3483)، وفضائل القرآن للمستغفري (1103)، والبيهقي في الشعب (2329).

وسليمان بن حيان كما في مصنف ابن أبي شيبة (29604)، كلاهما عن محمد بن عجلان، عن سعيد بن أبي سعيد، عن عقبة بن عامر.

فصار ابن عجلان تارة يرويه عن سعيد المقبري، عمن حدثه عن عقبة، كرواية ابن عيينة عنه.

وتارة يرويه عن سعيد المقبري، عن ابن عجلان.

وقد رواه ابن إسحاق عن سعيد المقبري بتعيين الواسطة، فقال: عنه، عن أبيه، عن أبي هريرة، =

ص: 164

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= ولعل هذا هو المحفوظ من حديث سعيد المقبري، وهي ترجح رواية ابن عيينة، عن ابن عجلان، غايته أنه أبهم الواسطة، وابن إسحاق عينها، والله أعلم.

وقد قال يحيى بن سعيد: سمعت محمد بن عجلان يقول: كان سعيد المقبري يحدث عن أبيه، عن أبي هريرة، وعن أبي هريرة، فاختلط عليَّ، فجعلتها كلها عن أبي هريرة.

الطريق الرابع: أبو عمران أسلم بن يزيد، عن عقبة بن عامر.

رواه الليث بن سعد كما في مسند أحمد (4/ 149، 159)، والمجتبى من سنن النسائي (953، 5439)، وفي السنن الكبرى له (1027، 7790)، وصحيح ابن حبان (795)، والمعجم الكبير للطبراني (17/ 311) ح 860، وعمل اليوم والليلة لابن السني (696)، وشعب الإيمان للبيهقي (2331).

وحيوة بن شريح، كما في مسند أحمد (1/ 4/155)، ومسند الدارمي (3482)، ومسند الروياني (259)، والمعجم الكبير للطبراني (17/ 312) ح 862، وتاريخ المدينة لابن شبة (3/ 1011)، وهو في حديث أبي عبد الرحمن المقرئ للضياء (40)،

وعمرو بن الحارث كما في صحيح ابن حبان (1842)، والمعجم الكبير للطبراني (17/ 311) ح 861،

ويحيى بن أيوب كما في السنن الكبرى للنسائي (7791)، ومستدرك الحاكم (3988)، وشعب الإيمان (2331).

وعبد الله بن لهيعة، رواه أحمد (4/ 155)، والدارمي (3482)، والمعجم الكبير للطبراني (17/ 312) ح 862، والضياء في الأحاديث المختارة (40) عن أبي عبد الرحمن عبد الله ابن يزيد المقرئ، عن ابن لهيعة مقرونًا بحيوة بن شريح، وهو في حديث أبي عبد الرحمن المقرئ للضياء (40)، خمستهم (الليث، وحيوة، وعمرو بن الحارث، ويحيى بن أيوب، وابن لهيعة) رووه عن يزيد بن أبي حبيب، عن أسلم أبي عمران التجيبي، عن عقبة بن عامر.

رواه الليث: بلفظ: اتبعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو راكب، فوضعت يدي على قدميه، فقلت: أقرئني من سورة يوسف. فقال: لن تقرأ شيئا أبلغ عند الله من قل أعوذ برب الفلق.

زاد الليث في رواية أخرى سورة الناس، وفي كلتا الروايتين ليس فيهما قراءتهما في الصلاة، موضع الشاهد.

وزاد ابن لهيعة وحيوة، قال: يزيد بن أبي حبيب: لم يكن أبو عمران يدعها، وكان لا يزال يقرؤها في صلاة المغرب. اهـ فكانت قراءتهما في صلاة المغرب من فعل أبي عمران.

ورواه عمرو بن الحارث عند ابن حبان والطبراني: وفيه: .... يا عقبة بن عامر إنك لن تقرأ سورة أحب إلى الله ولا أبلغ عنده من أن تقرأ: قل أعوذ برب الفلق، فإن استطعت أن لا تفوتك في صلاة فافعل، ولم يذكر سورة الناس.

ورواه يحيى بن أيوب، وفيه: .... فإن استطعت أن لا تفوتك فافعل، ولم يذكر الصلاة. =

ص: 165

(ح-1533) وروى أبو يعلى من طريق محمد بن عثمان، عن مُغَلِسٍ الخراسانيِّ، عن أيوب ابن يزيد، عن أبي رَزِين،

عن عمرو بن عَبْسَة رضي الله عنه، قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ في الصبح: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَق} و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاس} وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الفلق: جهنم.

[ضعيف]

(1)

.

= وله طرق أخرى عن عقبة تركتها اقتصارًا، فقد رواه زياد بن الأسد، وفروة بن مجاهد اللخمي ومشرح بن هاعان وغيرهم عن عقبة بن عامر.

ويلاحظ على متون هذه الروايات الاختلاف بما يأتي:

حديث عقبة في مسلم: (ألم تر آيات أنزلت الليلة لم ير مثلهن قط، قل أعوذ برب الفلق وقل أعوذ برب الناس).

فهذا نص على أن عقبة كان يعلم قرآنية السورتين من أول ما أنزلت السورتان.

بينما في رواية الثوري، عن معاوية بن صالح، عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير، عن أبيه، عن عقبة أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المعوذتين، أمن القرآن هما؟

وفي حديث معاوية بن صالح عن العلاء بن الحارث، عن القاسم، عن عقبة أن النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي بدأ عقبة بالكلام ولم يسأله عقبة، حيث قال له النبي صلى الله عليه وسلم: يا عقبة ألا أعلمك خير سورتين قرئتا.

وفي رواية خالد بن معدان، عن جبير بن نفير، أن النبي صلى الله عليه وسلم طلب من عقبة أن يقرأ سورة الفلق، فلقنه إياها حتى قرأها، وليس فيه ذكر لسورة الناس، ولم يذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم صَلَّى بها، وإنما حَرَّضَ على الصلاة بها، حيث قال: ما قمت تصلي بمثلها.

وفي رواية عبد الرحمن بن جبير بن نفير، عن أبيه، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في صلاةالغداة (قل أعوذ برب الفلق) و (قل أعوذ برب الناس)، وليس فيه أن ذلك في السفر.

وفي بعضها أن عقبة طلب من النبي صلى الله عليه وسلم أن يقرئه سورة هود أو يوسف، فأخبره النبي صلى الله عليه وسلم أنك لن تقرأ سورة أحب إلى الله ولا أبلغ عنده من أن تقرأ سورة الفلق.

وفي بعض الروايات سيق الحديث بالتعوذ بسورة الفلق والناس، وليس فيه الصلاة بهما، وفي بعض الروايات قراءتهما في الصبح والمساء، وفي رواية: إذا نمت وإذا قمت.

ولولا أن أبا حاتم وأبا زرعة الرازي والدمشقي وأحمد بن صالح صححوه من طريق معاوية بن صالح، عن العلاء بن الحارث، عن القاسم، عن عقبة لقلت: إن المحفوظ هو رواية مسلم، وما عداه مضطرب، وهم أعلم، والله تعالى الأعلم.

(1)

. رواه في مسنده كما في إتحاف الخيرة المهرة (1300).

وسنده ضعيف، محمد بن عثمان وأيوب بن يزيد مجهولان، ومغلس الخراساني كناه ابن أبي الدنيا بأبي عليٍّ كما في صفة النار (44). ولم أقف له على ترجمة.

ص: 166

الدليل الثالث: من الآثار.

(ث-392) ما رواه عبد الرزاق في المصنف، عن الثوري، عن مالك بن مغول، عن الحكم،

عن عمرو بن ميمون قال: صحبت عمر بن الخطاب في سفر فقرأ بـ قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُون، و قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَد

(1)

.

[صحيح].

ورواه عبد الرزاق عن عبد الله بن كثير، عن شعبة، عن الحجاج، عن الحكم قال: سمعت عمرو بن ميمون يقول: فذكر نحوه، وقال: صلاة الفجر

الأثر

(2)

.

[وسنده صحيح].

(ث-393) وروى عبد الرزاق، عن معمر، عن الأعمش،

عن المعرور بن سويد قال: كنت مع عمر بين مكة والمدينة، فصلى بنا الفجر، فقرأ:{أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ} ، و {لإِيلَافِ قُرَيْش}

الأثر.

[صحيح، ورواية الأعمش عن المعرور في الصحيحين].

* دليل من قال: يقرأ من طوال المفصل مطلقًا:

(ح-1534) ما رواه أحمد، قال: حدثنا وكيع، عن ابن أبي ذئب، عن خاله الحارث، عن سالم،

عن ابن عمر قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا بالتخفيف، وإن كان ليؤمنا بالصافات

(3)

.

[حسن].

وجه الاستدلال:

أراد ابن عمر أن يقول: إن التخفيف المأمور به هوما كان يفعله صلى الله عليه وسلم، لا ما يشتهيه الناس.

* ويجاب:

أن هذا قول ابن عمر رضي الله عنه، وقول الصحابي حجة ما لم يخالف النص،

(1)

. المصنف (2735).

(2)

. المصنف (2733).

(3)

. المسند (2/ 26).

ص: 167

أو يخالفه صحابي آخر، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:(اقتدِ بأضعفهم)، فالنبي صلى الله عليه وسلم أعلم بجماعته من غيرهم، فكانت قراءته بالصافات؛ لأن من معه كانوا راغبين في الإطالة، فكانت قراءته صلى الله عليه وسلم تخفيفًا في حقهم، فالتخفيف في كل قوم بحسب حالهم، وعليه يحمل قراءة أبي بكر وعمر بالبقرة كلها في صلاة الصبح مع علمهم بإنكار النبي صلى الله عليه وسلم على معاذ التطويل، وأن هذا المقدار لم يحفظ أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ بمثله في صلواته.

الدليل الثاني:

(ح-1535) ما رواه مسلم من طريق يحيى بن آدم، حدثنا زهير، عن سماك قال:

سألت جابر بن سمرة، عن صلاة النبي صلى الله عليه وسلم فقال: كان يخفف الصلاة ولا يصلي صلاة هؤلاء. قال: وأنبأني: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الفجر بـ {ق وَالْقُرْآنِ} ونحوها.

فكان التخفيف أمرًا نسبيًّا، فما كان يستطال في هذا العصر هو من التخفيف في عصر الصحابة رضوان الله عليهم، والمحكم في ذلك سنته صلى الله عليه وسلم، وما كان يقرؤه.

* وأجيب:

قال سعيد حوى: «الذي عليه الفقهاء أن الإمام يراعي حال المأمومين، واستعدادهم، وهذا يختلف باختلاف الأمكنة، والأزمنة، والبيئات، وأحوال الناس، فالعامل في أثناء العمل، والمسافر في أثناء السفر، والمبتدؤون بالصلاة، والمشغولون بحادث يطرأ، والمعتادون على الصلاة القصيرة، كل من هؤلاء يراعى حاله، وحكمة الإمام في هذه الأمور هي التي تقدر، ولقد رأيت أئمة يطيلون قليلًا عما ألفه الناس -وهو قليل- فيؤدي ذلك إلى فتنة، أو قطع الصلاة، وحتى إلى كلمة كفر، فلا بد للإمام أن يراعي هذا، وإذا اقتصر في بعض المواطن على الفاتحة، وآيات قصار معدودة فلا بأس»

(1)

.

ولقد أعطى النبي صلى الله عليه وسلم الإمام حق تقدير الموقف، بقوله:(اقتدِ بأضعفهم) وتخفيف النبي صلى الله عليه وسلم صلاته لسماع بكاء الصبي، كل ذلك يدل على أن هذا يختلف من جماعة إلى أخرى، وأن العوارض الطارئة تقدر بقدرها كالسهر، والسفر،

(1)

. الأساس في التفسير (8/ 4681).

ص: 168

وجماعات الأسواق والطرق، وأيام الاختبارات، والعشر الأواخر من رمضان، ونحوها، والله أعلم.

* دليل من قال: يجب على الإمام التخفيف مطلقًا:

(ح-1536) استدلوا بما رواه البخاري من طريق مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج،

عن أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا صلى أحدُكم للناس فليُخفِّفْ؛ فإنَّ فيهم الضعيفَ والسقيمَ والكبيرَ، وإذا صلى لنفسه فليُطوِّلْ ما شاء، ورواه مسلم

(1)

.

وجه الاستدلال:

قوله: (فليخفف) أمر، والأصل في الأمر الوجوب.

قال ابن عبد البر: «في هذا الحديث أوضح الدلائل على أن أئمة الجماعة يلزمهم التخفيف؛ لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم إياهم بذلك، ولا يجوز لهم التطويل؛ لأن في الأمر لهم بالتخفيف نهيًا عن التطويل، وقد بان في هذا الحديث العلة الموجبة للتخفيف، وهي عندي غير مأمونة على أحد من أئمة الجماعة؛ لأنه، وإن علم قوة من خلفه، فإنه لا يدري ما يحدث لهم من آفات بني آدم، ولذلك قال: فإذا صلى أحدكم لنفسه فليطول ما شاء؛ لأنه يعلم من نفسه ما لا يعلم من غيره»

(2)

.

وذكر اليعمري نقلًا من شرح الزرقاني على الموطأ: «أن الأحكام إنما تناط بالغالب، لا بالصورة النادرة، والغالب أن الإطالة تشق على بعض المأمومين فينبغي للأئمة التخفيف مطلقًا، قال: وهذا كما شرع القصر في السفر، وعلل بالمشقة، وهي مع ذلك تشرع مطلقًا عملًا بالغالب؛ لأنه لا يدري ما يطرأ عليه، وهنا كذلك، (وإذا صلى أحدكم لنفسه فليطول ما شاء) ولمسلم: فَلْيُصَلِّ كيف شاء: أي مخففًا، أو مطولًا»

(3)

.

وعلة القصر للمسافر السفر، وأما المشقة فهي حكمة التشريع، لا علته، والتعليل بالحكمة فيه خلاف بين أهل الأصول ليس هذا محل بحثها.

(1)

. صحيح البخاري (703)، وصحيح مسلم (185 - 467).

(2)

. الاستذكار (2/ 163)، وكان قد ذكر مثل ذلك ابن بطال في شرح البخاري (2/ 333).

(3)

. انظر: شرح الزرقاني على الموطأ (1/ 478).

ص: 169

* ونوقش:

قال القسطلاني: «وتعقب بأن الاحتمال الذي لم يقم عليه دليل، لا يترتب عليه حكم، فإذا انحصر المأمومون ورضوا بالتطويل، لا يؤمر إمامهم بالتخفيف لعارض لا دليل عليه»

(1)

.

* الراجح:

ما ذهب إليه الجمهور، وأن الإمام محكم في تقدير ما تطيقه الجماعة، وما لا يطيقون، ولا ينبغي إلزامهم بالإطالة إذا كان بعضهم لا يرغب، سواء أعلم هذا منهم صريحًا، أم ظنه منهم، ومصلحة اجتماع الناس على الصلاة أهم من مراعاة إطالة القراءة، ومراعاة الواجبات أولى من مراعاة السنن، وإذا اختلفت الجماعة الواحدة فعليه أن يقرأ بمقدار أواسط المفصل، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما قال لمعاذ: اقرأ بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ} {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا} ونحوها، لا أفهم منه تخصيص ذلك في صلاة العشاء، وإن كانت صلاة العشاء تدخل دخولًا أوليًّا؛ لأن معاذًا يصلي بهم الصلوات كلها، وضرب له النبي صلى الله عليه وسلم مقدارًا لِمَا يقرؤه في صلاته، فكان تخصيص هذا في صلاة معينة يحتاج إلى دليل، والإمام ينبغي له أن يكون مُلِمًّا بأحوال جماعته، فإذا كانت جماعته من المقتصدين، أو ممن دونهم لم يحملهم على حال المسارعين في الخيرات، كحال صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، خاصة فيما هو من باب السنن، فإذا رأى الإمام في جماعته من هو بحاجة إلى التأليف وكان تخفيف القراءة داعيًا لهم إلى المحافظة على صلاة الجماعة لم ينفرهم، ويتدرج بهم شيئًا فشيئًا حتى يألفوا القراءة الطويلة، وطوال المفصل فيه الطويل، وفيه الأطول، وفيه قصار الطوال على القول بأن القراءة من طوال المفصل سنة، وإذا طبق السنة بين الحين والآخر احتمل له ذلك الجماعة، ولم يكن هاجرًا للسنة، ولو أراد الشارع أن نلتزم السنة في جميع الأحوال لم يجعل حكمها سنة، والله أعلم.

* * *

(1)

. شرح القسطلاني (2/ 58).

ص: 170