المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفرع الثالث في الاحتجاج بالقراءة الشاذة في الأحكام - الجامع في أحكام صفة الصلاة - الدبيان - جـ ٣

[دبيان الدبيان]

فهرس الكتاب

- ‌المبحث الثاني في قراءة المأموم ما زاد على الفاتحة

- ‌الفرع الأول في قراءته ما زاد على الجهرية

- ‌الفرع الثاني في قراءة المأموم ما زاد على الفاتحة في السرية

- ‌المبحث الثالث في قراءة ما زاد على الفاتحة في الركعة الثالثة والرابعة

- ‌المبحث الرابع في أقل ما تحصل به السنة من القراءة بعد الفاتحة

- ‌المبحث الخامس في قراءة السورة قبل الفاتحة

- ‌المبحث السادس

- ‌فرع في مقدار التفاوت بين الركعة الأولى والثانية في القراءة

- ‌المبحث السابع في إطالة الركعة الثانية على الأولى

- ‌المبحث الثامن في القراءة من أواسط السور وأواخرها

- ‌المبحث التاسع في قراءة أكثر من سورة في الركعة الواحدة

- ‌المبحث العاشر في تكرار السورة الواحدة في ركعتين

- ‌الفصل الثالث في مقدار القراءة في الصلوات الخمس

- ‌المبحث الأول في تقسيم سور القرآن إلى طوال ومئين ومثان ومفصل

- ‌المبحث الثاني في تحديد بداية المفصل

- ‌المبحث الثالث في تحديد طوال المفصل وأوسطه وقصاره

- ‌المبحث الرابع في مقدار القراءة المستحبة في صلاة الصبح

- ‌فرع في استحباب قراءة السجدة والإنسان في فجر الجمعة

- ‌المبحث الخامس في مقدار القراءة في صلاة الظهر

- ‌المبحث السادس في مقدار القراءة في صلاة العصر

- ‌المبحث السابع في مقدار القراءة في صلاة المغرب

- ‌المبحث الثامن قدر القراءة من بالمغرب من السور الطوال

- ‌المبحث التاسع قدر القراءة في صلاة العشاء

- ‌الفصل الرابع في الأحكام العامة المتعلقة بالقراءة

- ‌المبحث الأول الجهر والإسرار في الصلاة

- ‌الفرع الأول الجهر والإسرار بالصلاة المؤداة

- ‌الفرع الثاني في الإسرار في الصلاة الفائتة

- ‌الفرع الثالث حكم الجهر والإسرار في موضعه

- ‌المسألة الأولى حكم الجهر والإسرار بالقراءة للإمام

- ‌المسألة الثانية حكم الجهر والإسرار بالقراءة للمنفرد

- ‌المسألة الثالثة حكم الجهر بالقراءة للمأموم

- ‌المسألة الرابعة حكم جهر المرأة بالقراءة

- ‌الفرع الرابع في أقل الجهر وأعلاه

- ‌المسألة الأولى في أقل الجهر

- ‌المسألة الثانية في أعلى الجهر

- ‌الفرع الخامس في جهر بعض المصلين على بعض

- ‌الفرع السادس الجهر ببعض الآيات في الصلاة السرية

- ‌المبحث الثاني في السؤال عند آية الوعد والتعوذ عند آية الوعيد

- ‌المبحث الثالث في حكم قراءة القرآن بغير العربية في الصلاة

- ‌المبحث الرابع في القراءة الشاذة

- ‌الفرع الأول في تعريف القراءة الشاذة

- ‌الفرع الثاني الصلاة بالقراءة المخالفة لرسم المصحف

- ‌الفرع الثالث في الاحتجاج بالقراءة الشاذة في الأحكام

- ‌الفرع الرابع في الجمع بين القراءات المختلفة في الصلاة

- ‌المبحث الخامس في القراءة من المصحف

- ‌الفرع الأول القراءة من المصحف خارج الصلاة

- ‌الفرع الثاني في القراءة من المصحف بالصلاة

- ‌الباب السابع في أحكام الركوع

- ‌الفصل الأول في حكم تكبيرات الانتقال ومنه التكبير للركوع

- ‌الفصل الثانيفي حكم الركوع

- ‌المبحث الأول يرفع يديه للركوع والرفع منه دون القيام من الركعتين

- ‌المبحث الثاني في وقت ابتداء التكبير

- ‌المبحث الثالث في مد تكبيرات الانتقال لتستوعب جميع المحل

- ‌الفصل الرابع في صفة الركوع

- ‌المبحث الأول في الصفة المجزئة

- ‌المبحث الثاني في صفة الركوع الكامل

- ‌الفرع الأول في وضع اليدين على الركبتين

- ‌الفرع الثاني إذا نوى بالانحناء غير الركوع

- ‌المبحث الثالث في مد الظهر ومجافاة المرفقين عن الجنبين

- ‌المبحث الرابع وجوب الطمأنينة في الصلاة

- ‌الفصل الخامس في أذكار الركوع والسجود

- ‌المبحث الأول حكم التسبيح في الركوع والسجود

- ‌المبحث الثاني صيغة التسبيح في الركوع والسجود

- ‌المبحث الثالث في زيادة (وبحمده) مع التسبيح

- ‌المبحث الرابع أقل ما تحصل به سنة التسبيح

- ‌المبحث الخامس أعلى الكمال في تسبيح الركوع والسجود

الفصل: ‌الفرع الثالث في الاحتجاج بالقراءة الشاذة في الأحكام

‌الفرع الثالث في الاحتجاج بالقراءة الشاذة في الأحكام

المدخل إلى المسألة:

* الشاذ من الحديث يختلف عن الشاذ من القراءات، فلكل فن اصطلاحه.

* الشاذ من الحديث يعارضه ما هو أوثق منه، فيعد من قبيل الوهم، والشاذ من القراءات ليس له معارض يوجب طرحه، وإنما فَقَدَ شرطًا من شروط كونه قرآنًا، ولا يلغي ذلك كونه قراءة.

* القراءة والقرآن حقيقتان متغايرتان، فكل قرآن قراءة، وليس كل قراءة قرآنًا.

* المنقول بطريق الآحاد لا يخلو إما أن يكون قرآنًا أو خبرًا عن النبي صلى الله عليه وسلم، وكل واحد منهما يجب العمل به، وكل ما وجب العمل به فهو حجة.

* الأثر إذا جاء عن الصحابة مقدم على الرأي، إذا لم يُعَارِض نصًّا، ولم يعارضه أثرٌ مثله.

* إذا كان العلماء جعلوا أقوال الصحابة التي لا مجال للرأي فيها في حكم المرفوع، وهم لم يصرحوا بإضافة الخبر إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فالقراءة ا لشاذة أولى أن يكون لها حكم الرفع.

[م-611] اختلف العلماء في الاحتجاج بالقراءة الشاذة في الأحكام، في وجوب قطع اليمين لقراءة ابن مسعود:(فاقطعوا أيمانهما)، وفي وجوب التتابع في الصيام لقراءة أبي بن كعب وابن مسعود:(فصيام ثلاثة أيام متتابعات).

فقيل: حجة ظنية يجب العمل بها في بناء الأحكام الفقهية.

وهو مذهب الحنفية، والحنابلة، وكثير من الشافعية، وعزاه الإسنوي للشافعي، وجمهور أصحابه كابن حامد والماوردي والقاضيين حسين وأبي الطيب

ص: 364

والرافعي، واختاره ابن حجر الهيتمي والخطيب والرملي وغيرهم

(1)

.

(1)

. انظر في مذهب الحنفية: أصول السرخسي (1/ 281)، تيسير التحرير (3/ 9)، التقرير والتحرير على تحرير الكمال لابن الهمام (1/ 294) و (2/ 216)، فتح القدير (5/ 81)، كشف الأسرار على المنار (1/ 18، 20)، التجريد للقدوري (12/ 6429).

احتج الحنفية بالقراءة الشاذة إذا اشتهرت.

جاء في فصول البدائع في أصول الشرائع (2/ 6): «يجوز العمل بالقراءات الشاذة إذا اشتهرت، كالخبر المشهور عند الحنفية، مثل قراءة ابن مسعود رضي الله عنه في كفارة اليمين فصيام ثلاثة أيام متتابعات، بخلاف قراءة أُبَيِّ رضي الله عنه في قضاء رمضان

».

وجه التفريق: أن القراءة الشاذة هي زيادة على النص، وهي عندهم نسخ، فلا تثبت بخبر الآحاد، وإنما تجوز بالمشهور لأنها في قوة المتواتر.

جاء في أصول السرخسي (1/ 269): «وبالخبر المشهور تثبت الزيادة على النص» . وانظر الفصول في الأصول للجصاص (2/ 254)، كشف الأسرار شرح أصول البزدوي (2/ 294).

وقال بعض الحنفية: إن قراءة ابن مسعود كانت مما يتلى من القرآن ثم نسخت تلاوته. انظر أصول السرخسي (2/ 81).

قال الإسنوي في التمهيد في تخريج الفروع على الأصول بعد أن نقل عن إمام الحرمين والآمدي والنووي أنهم نسبوا إلى الإمام الشافعي أنه لا يرى حجية القراءة الشاذة تخريجًا على قوله بعدم اشتراط التتابع في الصيام مع علمه بقراءة ابن مسعود (فصيام ثلاثة أيام متتابعات) فقال الإسنوي في التمهيد (ص: 142): وما قالوه جميعًا خلاف مذهب الشافعي، وخلاف قول جمهور أصحابه، فقد نص الشافعي في موضعين من مختصر البويطي على أنها حجة،

ثم أيد ذلك بأنه قد جزم به الشيخ أبو حامد والماوردي والقاضي أبو الطيب في موضعين وجزم به القاضي حسين والمحاملي وابن يونس والرافعي في موضع واحد، ثم قال الإسنوي:«والذي وقع لإمام الحرمين، فقلده فيه النووي مستنده عدم إيجابه للتتابع في كفارة اليمين بالصوم مع علمه قراءة ابن مسعود السابقة، وهو وضع عجيب، فإن عدم الإيجاب يجوز أن يكون لعدم ثبوت ذلك عن الشافعي، أو لقيام معارض» .

كما انتقد القرافي تخريج إمام الحرمين هذا في كتابه نفائس الأصول (7/ 3050).

ونسي الإسنوي أن ينبه على أن الشافعي نص على التتابع في صيام كفارة اليمين خلافًا لقضاء رمضان في الأم (2/ 113)، وقال ابن كثير في التفسير ت سلامة (3/ 177): ونص الشافعي في موضع آخر في الأم على وجوب التتابع كما هو قول الحنفية والحنابلة؛ لأنه قد روي عن أبي بن كعب وغيره أنهم كانوا يقرؤونها (فصيام ثلاثة أيام متتابعات)».

وانظر: الحاوي الكبير (4/ 34)، تحفة المحتاج (6/ 396)، مغني المحتاج (5/ 131)، نهاية المحتاج (6/ 15).

وقال الطوفي الحنبلي في شرح مختصر الروضة (2/ 25): «المنقول آحادًا نحو: (فصيام ثلاثة أيام متتابعات)، حجة عندنا وعند أبي حنيفة، خلافًا للباقين» .

وانظر: مسائل أحمد وإسحاق رواية الكوسج (5/ 2453)، الكافي لابن قدامة (4/ 194)، المغني (9/ 554)، المبدع (8/ 80)، كشاف القناع (6/ 243)، روضة الناظر (1/ 204)، القواعد والفوائد الأصولية لابن اللحام (ص: 214)، مختصر التحرير شرح الكوكب المنير لابن النجار (2/ 139)، المحلى (6/ 345).

ص: 365

وقيل: لا يحتج بالقراءة الشاذة على الأحكام الشرعية، وهو مذهب المالكية، وكثير من الشافعية ونسبه الجويني إلى ظاهر مذهب الشافعي، وتبعه على ذلك الغزالي والآمدي، وابن السمعاني والنووي وابن الملقن، وهو رواية عن أحمد، وبه قال ابن حزم

(1)

.

* دليل من قال: القراءة الشاذة حجة في الأحكام:

الدليل الأول:

الصحابي عدل ثقة لا يمكن أن يحكيه قرآنًا ثم لا يكون قد سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم، وقد عُرِفَ عن الصحابة رضي الله عنهم حرصُهم على حفظ القرآن حتى إنهم كرهوا

(1)

. جاء في بيان المختصر شرح مختصر ابن الحاجب (1/ 462): «العمل بالشاذ غير جائز، مثل (فصيام ثلاثة أيام متتابعات)

». وعلل ذلك بأنه ليس بقرآن، ولا بخبر يصح العمل به. وانظر من الكتاب نفسه (1/ 472).

وجاء في نشر البنود (1/ 83): «كما لا تجوز القراءة بالشاذ لا يجوز الاحتجاج به ولا العمل في الأحكام الشرعية ولذا لم يوجب مالك ولا الشافعي في كفارة اليمين بالله تعالى التتابع مع قراءة ابن مسعود فصيام ثلاثة أيام متتابعات

».

وقال الباجي نقلًا من شرح الزرقاني على الموطأ (2/ 278): الصحيح ما ذهب إليه الباقلاني أنه لا يحتج به لأنه إذا لم يتواتر فليس بقرآن وحينئذٍ لا يصح التعلق به».

بداية المجتهد (2/ 180)، الذخيرة للقرافي (4/ 65)، التنبيهات المستنبطة على الكتب المدونة (2/ 463)، أحكام القرآن لابن العربي (2/ 162)، تفسير القرطبي (6/ 283)، التوضيح لشرح الجامع الصحيح لابن الملقن (3/ 645)، قواطع الأدلة للسمعاني (2/ 414)، والمستصفى للغزالي (ص: 81)، وإحكام الأحكام للآمدي (1/ 299)، المجموع وشرح مسلم للنووي (5/ 131)، الكافي لابن قدامة (4/ 194)، المغني لابن قدامة (9/ 555)، القواعد والفوائد الأصولية لابن اللحام (ص: 214)، مختصر التحرير شرح الكوكب المنير لابن النجار (2/ 139).

ص: 366

التعاشير عليه غاية ما في الأمر أنها لم تنقل متواترة، وهذا لا يسقط حجيتها؛ لأنها مسموعة من النبي صلى الله عليه وسلم في الجملة.

الدليل الثاني:

المنقول بطريق الآحاد لا يخلو إما أن يكون قرآنًا أو خبرًا عن النبي صلى الله عليه وسلم، وكل واحد منهما يجب العمل به، وكل ما وجب العمل به فهو حجة فإن كان قرآنًا فالعمل به واجب، وإن كان خبرًا عن النبي صلى الله عليه وسلم، فخبر الواحد العدل الثقة قد اتفق العلماء على وجوب العمل به، فيجب قبوله كسائر منقولاته.

وقد يكون قرآنًا ونسخت تلاوته ولم يطلع على الناسخ، وقد يكون الصحابي سمعه تفسيرًا فظنه قرآنًا، فيثبت له رتبة الخبر، ففي الجملة لا يخرج عن كونه مسموعًا من النبي صلى الله عليه وسلم، ومرويًّا عنه، وعلى كل تقدير فهو حجة.

وأما احتمال كونه مذهبًا للراوي فهو بعيد جدًّا فلا يظن ذلك بآحاد المسلمين أن يدخل مذهبه في مصحفه ويدعي أنه قرآن فما بالك بالصحابة خير القرون، وقد توعد الله سبحانه وتعالى من فعل ذلك بقوله سبحانه:{فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِندِ اللّهِ} [البقرة: 79]، ومع التسليم بأنه مذهب للصحابي فإن الأثر إذا جاء عن الصحابة مقدم على الرأي، إذا لم يعارض نصًّا، ولم يعارضه أثر مثله، والله أعلم.

* ونوقش:

بأنه لا يصح قرآنًا كما لا يصح خبرًا.

أما كونه لا يصح قرآنًا؛ فلأنه لو كان قرآنًا لنقل نقلًا متواترًا؛ فاهتمام الصحابة بالقرآن يمنع تقصيرهم في كتاب الله حتى لا ينقل عنهم إلا بطريق الآحاد.

وأما كونه لا يصح خبرًا؛ فلأن الصحابي لم يُصَرِّحْ بكونه خبرًا، جاء في الإحكام للآمدي: «أجمع المسلمون على أن كل خبر لم يُصَرَّحْ بكونه خبرًا عن النبي صلى الله عليه وسلم فليس بحجة، وما نحن فيه كذلك، ولا يخفى أن الحمل على المذهب مع أنه مختلف في الاحتجاج به أولى من حمله على الخبر الذي ما صرح فيه بالخبرية مع أنه ليس بحجة بالاتفاق.

ص: 367

وكيف وعدم الاحتجاج به فيه موافقة للنفي الأصلي، وبراءة الذمة من التتابع، بخلاف مقابله، فكان أولى»

(1)

.

وسوف أعرض الرد على هذا الجواب في أدلة القول الثاني إن شاء الله تعالى.

* دليل من قال: لا يحتج بالقراءة الشاذة:

الدليل الأول:

أن القراءة الشاذة لا تصح قرآنًا لعدم تواترها.

قال الآمدي: «النبي صلى الله عليه وسلم كان مكلفًا بإلقاء ما أنزل عليه من القرآن على طائفة تقوم الحجة القاطعة بقولهم، ومن تقوم الحجة القاطعة بقولهم لا يتصور عليهم التوافق على عدم نقل ما سمعوه منه، فالراوي له إذا كان واحدًا إن ذكره على أنه قرآن، فهو خطأ، وإن لم يذكره على أنه قرآن، فقد تردد بين أن يكون خبرًا عن النبي صلى الله عليه وسلم، وبين أن يكون ذلك مذهبًا له، فلا يكون حجة»

(2)

.

بل لا يصح أن يكون خبرًا؛ لأن الخبر ما رواه الراوي صريحًا على أنه خبر عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو لم يصرح بذلك، فكيف يقبل خبرًا، فتعين أن يكون مذهبًا له، وفي الاحتجاج بقول الصحابي خلاف معلوم في كتب الأصول.

* ويجاب:

ناقشت اشتراط التواتر في الفصل السابق، وأن القرآن الذي جمعه عثمان قد أجمع عليه الصحابة، ونقل نقلًا متواترًا، وأما القراءات فلا يشترط لثبوتها التواتر، فكل قراءة صح سندها، ووافقت العربية من وجه، فإن لم تخالف رسم المصحف فهي قراءة وقرآن؛ لموافقتها ما أجمع عليه الصحابة.

وإن خالفت رسم المصحف، فلا نقطع بقرآنيتها؛ لمخالفتها ما أجمع عليه الصحابة، ولا نقطع بنفي ذلك عنها، بل نثبتها قراءة لعدالة نَقَلَتِهِا، ولا يقرأ بها في الصلاة احتياطًا لركن الإسلام الأعظم بعد الشهادتين، ويستفاد منها في الأحكام والتفسير، وإن كنا لا نجزم ببطلان صلاة من صلى بها، وقد تقدم ذكر ذلك بالتفصيل

(1)

. الإحكام في أصول الأحكام (1/ 162).

(2)

. الإحكام في أصول الأحكام للآمدي (1/ 160)، وانظر المستصفى (ص: 81).

ص: 368

والتدليل فلا حاجة لإعادته، فارجع إليه.

وأما قولكم: إن النبي عليه السلام كان يجب عليه إلقاء القرآن على طائفة تقوم الحجة القاطعة بقولهم، فهذا دعوى في محل النزاع، فلا نسلم ذلك، وكيف يمكن دعواه مع أن حفاظ القرآن في زمانه عليه السلام، لم يبلغوا عدد التواتر لقلتهم، وقد جمعوه بطريق تلقي آحاد آياته من الآحاد.

ولوكان النبي صلى الله عليه وسلم قد ألقاه على طائفة تقوم الحجة القاطعة بقولهم لما اختلفت مصاحف الصحابة، ولهذا اختلفوا في البسملة أهي آية من القرآن أم ذكرت للتبرك، واختلف عمر رضي الله عنه مع هشام بن حكيم في صفة قراءة سورة الفرقان.

ولو سلمنا وجوب ذلك على النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه سمع منه جمع تقوم الحجة بقولهم، لكن إنما يمتنع السكوت عن نقله على الكل لعصمتهم عن الخطأ، ولا يمتنع ذلك بالنسبة إلى بعضهم، وإذا كان ابن مسعود من جملتهم، وقد روى ما رواه فلم يقع الاتفاق من الكل على الخطأ بالسكوت، وعند ذلك يتعين حمل روايته لذلك في مصحفه على أنه من القرآن؛ وقد زكاه النبي صلى الله عليه وسلم وأمر بأخذ القرآن عنه، ولم يوجد ما يعارضه

(1)

.

وأما قولكم: بأنه لا يقبل خبرًا؛ لأنه لم يصرح بأنه سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم، فهذا غير صحيح، فإن الصحابي حين رواه قرآنًا أثبت له أمرين:

الأول: قرآنيته، والثاني: تلقيه من النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن القرآن إنما يتلقاه الصحابة من النبي صلى الله عليه وسلم، وليس بالاجتهاد والرأي، فإذا لم يثبت الأول؛ لكونه آحادًا حسب زعمكم، فقد ثبت الثاني؛ فإنه يلزم من رواية الصحابي على أنه قرآن أن يكون قد سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم، وهل يتلقى القرآن إلا منه صلى الله عليه وسلم؟

وإذا كان العلماء جعلوا أقوال الصحابة التي لا مجال للرأي فيها في حكم المرفوع، وهم لم يصرحوا بإضافة الخبر إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فهذا أولى أن يكون مرفوعًا؛ لأن الصحابي لما ظنه قرآنًا لزم منه سماعه من النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا لم يثبت أنه قرآن، فلا مجال لإسقاط سماعه من النبي صلى الله عليه وسلم، والله أعلم.

(1)

. انظر: دراسات أصولية في القرآن الكريم (ص: 50).

ص: 369

الدليل الثاني:

أن الصحابة رضي الله عنهم قد أجمعوا على مصحف الإمام عثمان رضي الله عنه، وطرح ما سواه، فلا يعتد بما شذ عن مصحف الإمام، فكل زيادة لا توجد بين دفتي المصحف فهي غير معدودة في القرآن.

* ويناقش:

كون الصحابة أجمعوا على مصحف عثمان رضي الله عنه فهذا مُسَلَّم.

وأما القول بأنهم أجمعوا على طرح ما سواه فهذا غير مُسَلَّم، كيف والقرآن أنزل على سبعة أحرف بالإجماع، ومصحف عثمان لم يشتمل على السبعة كلها بالاتفاق، وأين النقل عن الصحابة رضي الله عنهم على إبطال ما عدا مصحف عثمان.

(ح-1603) فقد روى مسلم من طريق محمد بن جعفر، حدثنا شعبة، عن الحكم، عن مجاهد، عن ابن أبي ليلى،

عن أُبَيِّ بن كعب، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان عند أَضَاةِ بني غفار، قال: فأتاه جبريل عليه السلام، فقال: إن الله يأمرك أن تقرأ أمتك القرآن على حرف، فقال: أسأل الله معافاته ومغفرته، وإن أمتي لا تطيق ذلك، ثم أتاه الثانية، فقال: إن الله يأمرك أن تقرأ أمتك القرآن على حرفين، فقال: أسأل الله معافاته ومغفرته، وإن أمتي لا تطيق ذلك، ثم جاءه الثالثة، فقال: إن الله يأمرك أن تقرأ أمتك القرآن على ثلاثة أحرف، فقال: أسأل الله معافاته ومغفرته، وإن أمتي لا تطيق ذلك، ثم جاءه الرابعة، فقال: إن الله يأمرك أن تقرأ أمتك القرآن على سبعة أحرف، فأيما حرف قرؤوا عليه فقد أصابوا

(1)

.

(1)

. صحيح مسلم (274 - 821).

وقد توبع محمد بن جعفر في شعبة، تابعه جماعة من أصحاب شعبة،

فرواه معاذ بن معاذ العنبري كما في صحيح مسلم (821).

وأبو داود الطيالسي (559)، ومن طريقه البيهقي في الأسماء والصفات (597)، وأبو نعيم في مستخرجه على صحيح مسلم (1856).

وحجاج بن محمد المصيصي كما في مستخرج أبي عوانة (3840)، وفضائل القرآن للقاسم بن سلام (ص: 337).

ص: 370

يقول ابن حزم: «فحرام على كل أحد أن يظن أن شيئًا أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أمته لا تطيق ذلك، أتى عثمان فحمل الناس عليه فأطاقوه، ومن أجاز هذا فقد كَذَّب رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله لله تعالى: إن أمته لا تطيق ذلك، ولم ينكر الله تعالى عليه

= وابن أبي عدي وموسى بن داود، كما في تفسير الطبري ط هجر (1/ 35)،

وعبد الرحمن بن زياد كما في مستخرج أبي عوانة (3841).

وشبابة بن سوار، كما في تفسير الطبري (1/ 35)، ومشكل الآثار (3117)، ومسند الشاشي (1456).

وسعيد بن عامر كما في مستخرج أبي عوانة (3842)، ومسند الشاشي (1455)،

ويحيى بن عباد كما في السنن الكبرى للبيهقي (2/ 536)، وفي الخلافيات (2355)، كلهم رووه عن شعبة به.

ولم ينفرد به شعبة، ولا يضره لو تفرد، فقد تابعه محمد بن جحادة (وهو ثقة)،

رواه عبد الله بن أحمد في زوائد المسند (5/ 128)، ومن طريقه القطيعي في جزء الألف دينار (28)، والطبري في تفسيره (1/ 34، 41)، وأبو عوانة في مستخرجه (3843)، والطبراني في الكبير (1/ 199) ح 535، وابن حبان في صحيحه (738) من طريق عبد الوارث بن سعيد، عن محمد بن جحادة، عن الحكم، عن مجاهد به.

قال الدارقطني كما في أطراف الغرائب والأفراد (603): تفرد به عبد الوارث، عن محمد بن جحادة، عن الحكم بن عتيبة، عن مجاهد، عنه. اهـ يعني عن عبد الرحمن بن أبي ليلى.

وعبد الوارث وابن جحادة كل منهما ثقة.

وقال أبو عبد الرحمن النسائي: هذا الحديث خولف فيه الحكم، خالفه منصور بن المعتمر، رواه عن مجاهد، عن عبيد بن عمير، مرسلًا.

ولم أقف على طريق منصور، ولعل مثل هذا لا يعل حديث الحكم بن عتيبة، وقد أخرج الشيخان حديث الحكم عن مجاهد، وقد رواه عن الحكم شعبة، وهو لا يروي عن شيوخه إلا ما كان مسموعًا، والله أعلم.

وقد توبع الحكم بن عتيبة، تابعه بكير بن الأخنس (ثقة)، عن مجاهد مختصرًا.

رواه الطبراني في المعجم الصغير (105)، والشجري في الأمالي الخميسية (536)، وأبو الشيخ في طبقات المحدثين (2/ 257)، وأبو نعيم في تاريخ أصبهان (1/ 161) من طريق يحيى بن آدم، عن قُطْبَة بن عبد العزيز، عن الأعمش، عن بكير بن الأخنس، عن مجاهد به.

وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات، وتفرد قطبة عن الأعمش يحتمل؛ لأنه ثقة فيه، مشهور بالرواية عنه.

وله طرق كثيرة عن أبي بن كعب تركتها اقتصارًا.

ص: 371

ذلك ولا جبريل عليه السلام .... وأيضًا فإن الله تعالى آتانا تلك الأحرف فضيلة لنا، فيقول من لا يحصل ما يقول: إن تلك الفضيلة بطلت، فالبلية إذن قد نزلت حاشا لله من هذا»

(1)

.

ولقد كان بعض الصحابة رضي الله عنهم يقرأ بما سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم، كما وقع ذلك لعمر بن الخطاب رضي الله عنه، وهشام بن حكيم، وما شرع في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، ومات عليه النبي صلى الله عليه وسلم لا يتجرأ أحد من الصحابة رضوان الله عليهم على طرحه، وباب النسخ قد أغلق بوفاة النبي صلى الله عليه وسلم، وكل ما كان جائزًا في حياته صلى الله عليه وسلم حتى مات، فهو جائز إلى يوم القيامة.

(ث-425) وروى عبد الرزاق في المصنف، عن الثوري، عن إسماعيل ابن عبد الملك، قال: كان سعيد بن جبير يؤمنا في شهر رمضان، فكان يقرأ بالقراءتين جميعًا، يقرأ ليلة بقراءة ابن مسعود، (وليلة بقراءة زيد)

(2)

، فكان يصلي خمس ترويحات، فإذا كان العشر الأواخر صلى ست ترويحات.

وكان الأعمش يقرأ ختمًا على حرف ابن مسعود، وختمًا من مصحف عثمان

(3)

.

* الراجح:

أن القراءة الشاذة حجة ظنية في الأحكام، وفي التفسير، والله أعلم.

* * *

(1)

. الإحكام في أصول الأحكام (4/ 167).

(2)

. تاريخ الإسلام للذهبي ت تدمري (6/ 369)، مرآة الجنان وعبرة اليقظان (1/ 156)، شذرات الذهب (1/ 382)، معرفة القراء الكبار على الطبقات للذهبي (ص: 38)، وطبقات المفسرين للداوودي (1/ 189).

(3)

. ذكر ذلك السرخسي في المبسوط (3/ 75)، والزركشي في البحر المحيط (2/ 222).

ص: 372