المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الخامس أعلى الكمال في تسبيح الركوع والسجود - الجامع في أحكام صفة الصلاة - الدبيان - جـ ٣

[دبيان الدبيان]

فهرس الكتاب

- ‌المبحث الثاني في قراءة المأموم ما زاد على الفاتحة

- ‌الفرع الأول في قراءته ما زاد على الجهرية

- ‌الفرع الثاني في قراءة المأموم ما زاد على الفاتحة في السرية

- ‌المبحث الثالث في قراءة ما زاد على الفاتحة في الركعة الثالثة والرابعة

- ‌المبحث الرابع في أقل ما تحصل به السنة من القراءة بعد الفاتحة

- ‌المبحث الخامس في قراءة السورة قبل الفاتحة

- ‌المبحث السادس

- ‌فرع في مقدار التفاوت بين الركعة الأولى والثانية في القراءة

- ‌المبحث السابع في إطالة الركعة الثانية على الأولى

- ‌المبحث الثامن في القراءة من أواسط السور وأواخرها

- ‌المبحث التاسع في قراءة أكثر من سورة في الركعة الواحدة

- ‌المبحث العاشر في تكرار السورة الواحدة في ركعتين

- ‌الفصل الثالث في مقدار القراءة في الصلوات الخمس

- ‌المبحث الأول في تقسيم سور القرآن إلى طوال ومئين ومثان ومفصل

- ‌المبحث الثاني في تحديد بداية المفصل

- ‌المبحث الثالث في تحديد طوال المفصل وأوسطه وقصاره

- ‌المبحث الرابع في مقدار القراءة المستحبة في صلاة الصبح

- ‌فرع في استحباب قراءة السجدة والإنسان في فجر الجمعة

- ‌المبحث الخامس في مقدار القراءة في صلاة الظهر

- ‌المبحث السادس في مقدار القراءة في صلاة العصر

- ‌المبحث السابع في مقدار القراءة في صلاة المغرب

- ‌المبحث الثامن قدر القراءة من بالمغرب من السور الطوال

- ‌المبحث التاسع قدر القراءة في صلاة العشاء

- ‌الفصل الرابع في الأحكام العامة المتعلقة بالقراءة

- ‌المبحث الأول الجهر والإسرار في الصلاة

- ‌الفرع الأول الجهر والإسرار بالصلاة المؤداة

- ‌الفرع الثاني في الإسرار في الصلاة الفائتة

- ‌الفرع الثالث حكم الجهر والإسرار في موضعه

- ‌المسألة الأولى حكم الجهر والإسرار بالقراءة للإمام

- ‌المسألة الثانية حكم الجهر والإسرار بالقراءة للمنفرد

- ‌المسألة الثالثة حكم الجهر بالقراءة للمأموم

- ‌المسألة الرابعة حكم جهر المرأة بالقراءة

- ‌الفرع الرابع في أقل الجهر وأعلاه

- ‌المسألة الأولى في أقل الجهر

- ‌المسألة الثانية في أعلى الجهر

- ‌الفرع الخامس في جهر بعض المصلين على بعض

- ‌الفرع السادس الجهر ببعض الآيات في الصلاة السرية

- ‌المبحث الثاني في السؤال عند آية الوعد والتعوذ عند آية الوعيد

- ‌المبحث الثالث في حكم قراءة القرآن بغير العربية في الصلاة

- ‌المبحث الرابع في القراءة الشاذة

- ‌الفرع الأول في تعريف القراءة الشاذة

- ‌الفرع الثاني الصلاة بالقراءة المخالفة لرسم المصحف

- ‌الفرع الثالث في الاحتجاج بالقراءة الشاذة في الأحكام

- ‌الفرع الرابع في الجمع بين القراءات المختلفة في الصلاة

- ‌المبحث الخامس في القراءة من المصحف

- ‌الفرع الأول القراءة من المصحف خارج الصلاة

- ‌الفرع الثاني في القراءة من المصحف بالصلاة

- ‌الباب السابع في أحكام الركوع

- ‌الفصل الأول في حكم تكبيرات الانتقال ومنه التكبير للركوع

- ‌الفصل الثانيفي حكم الركوع

- ‌المبحث الأول يرفع يديه للركوع والرفع منه دون القيام من الركعتين

- ‌المبحث الثاني في وقت ابتداء التكبير

- ‌المبحث الثالث في مد تكبيرات الانتقال لتستوعب جميع المحل

- ‌الفصل الرابع في صفة الركوع

- ‌المبحث الأول في الصفة المجزئة

- ‌المبحث الثاني في صفة الركوع الكامل

- ‌الفرع الأول في وضع اليدين على الركبتين

- ‌الفرع الثاني إذا نوى بالانحناء غير الركوع

- ‌المبحث الثالث في مد الظهر ومجافاة المرفقين عن الجنبين

- ‌المبحث الرابع وجوب الطمأنينة في الصلاة

- ‌الفصل الخامس في أذكار الركوع والسجود

- ‌المبحث الأول حكم التسبيح في الركوع والسجود

- ‌المبحث الثاني صيغة التسبيح في الركوع والسجود

- ‌المبحث الثالث في زيادة (وبحمده) مع التسبيح

- ‌المبحث الرابع أقل ما تحصل به سنة التسبيح

- ‌المبحث الخامس أعلى الكمال في تسبيح الركوع والسجود

الفصل: ‌المبحث الخامس أعلى الكمال في تسبيح الركوع والسجود

‌المبحث الخامس أعلى الكمال في تسبيح الركوع والسجود

المدخل إلى المسألة:

* المقادير تقوم على التوقيف.

* لا يوجد في الشرع دليل يقضي باستحباب قدر معين في عدد التسبيح.

* أمر النبي صلى الله عليه وسلم بتعظيم الرب في الركوع، ولم يعلق ذلك بقدر معين.

* استحباب عدد معين من التسبيح حكم شرعي يفتقر إلى دليل شرعي.

* إطالة السجود والركوع تبعًا للقيام ما لم يشق على المأمومين.

* إطالة السجود والركوع للمنفرد تبعًا للقيام ونشاطه في العبادة، فإن قَصَّر القيام أو فتر خفف سائر الأركان، فإن الله لا يمل حتى تملوا.

* كان ركوع النبي صلى الله عليه وسلم وسجوده وبين السجدتين، وإذا رفع رأسه من الركوع، ما خلا القيام والقعود قريبًا من السواء من غير تقدير ذلك بحد معين.

* تحري قطع التسبيح على وتر لا دليل عليه.

* قطع العبادة على وتر يتوقف على ورود الشرع؛ لأن العبادات توقيفية، لا أنه يستحب قصد الإيتار في كل شيء، فلا يأكل، ولا يشرب، ولا يلبس إلا وترًا.

[م-630] لا يدخل في هذا البحث مقدار التسبيح في ركعتي الطواف، وسنة الفجر، وركعتي افتتاح صلاة الليل؛ لأن السنة فيها تخفيف الصلاة بما في ذلك القيام والركوع والسجود إلا أن الطمأنينة مقدار مفروض لا يجوز الإخلال به.

ولا يدخل في هذا البحث تسبيح المأموم، وذلك أن مقدار الكمال في تسبيحه مرتبط بمتابعة إمامه.

ويبقى البحث معنا في مقدار كمال التسبيح في حق الإمام والمنفرد، فاختلف

ص: 599

العلماء في كمال التسبيح في حقهما إلى أقوال كثيرة، منها:

القول الأول: مذهب الحنفية.

قالوا: يستحب أن يختم على وتر، خمس، أو سبع، أو تسع.

وقيل: عشر تسبيحات، وظاهر مذهب الحنفية عدم التفريق بين الإمام والمنفرد

(1)

.

القول الثاني: مذهب الشافعية.

أعلى الكمال في مذهب الشافعية إحدى عشرة تسبيحة لغير الإمام، وأما الإمام فتكره الزيادة على ثلاث، قالوا إلا أن يكون إمامًا لجماعة محصورة، ورضوا بالتطويل

(2)

.

القول الثالث: مذهب الحنابلة.

الصحيح من مذهب الحنابلة أن أعلى الكمال في حق الإمام عشر تسبيحات، وأما المنفرد فلا حد له ما لم يَخَفْ سهوًا

(3)

.

وقيل: التسبيح للإمام ثلاث تسبيحات.

وقيل: التسبيح في حق الإمام ما لم يشق على المأمومين، وبه قال القاضي أبو يعلى من الحنابلة.

جاء في المغني: «قال القاضي (أبو يعلى): الكامل في التسبيح إن كان منفردًا ما لا يخرجه إلى السهو، وفي حق الإمام ما لا يشق على المأمومين»

(4)

.

وقيل: التسبيح للمنفرد بقدر قيامه، وهو قول في مذهب الحنابلة

(5)

.

(1)

. الجوهرة النيرة (1/ 54)، البحر الرائق (1/ 334)، مجمع الأنهر شرح ملتقى الأبحر (1/ 96)، حاشية ابن عابدين (1/ 494).

(2)

. المجموع شرح المهذب (3/ 412)، كفاية الأخيار (ص: 116)، أسنى المطالب (1/ 157)، مغني المحتاج (1/ 366)، نهاية المحتاج (1/ 499)، التعليقة للقاضي حسين (2/ 753)، تحرير الفتاوى (1/ 257).

(3)

. الجوهرة النيرة على مختصر القدوري (1/ 54)، الإنصاف (2/ 60)، المبدع (1/ 396).

(4)

. المغني لابن قدامة (1/ 361).

(5)

. المبدع (1/ 396).

ص: 600

القول الرابع:

اختار الحسن وإسحاق أن أعلى الكمال قدر سبع تسبيحات، وهو مروي عن الحسن، وبه قال بعض الحنفية، وبعض الحنابلة

(1)

.

القول الخامس:

قال ابن المبارك: الأفضل للمنفرد خمس، وللإمام ثلاث وبه قال الثوري

(2)

.

القول السادس: مذهب المالكية.

ليس لكمال التسبيح حد مقدر، وهو مذهب المالكية، واختاره السبكي من الشافعية

(3)

.

فصارت الأقوال ترجع إلى قولين:

القول الأول: لا حد لأعلاه، وهو مذهب المالكية، واختيار السبكي من الشافعية، وبه قال الحنابلة في حق المنفرد.

القول الثاني: يقدر أعلى الكمال بعدد معين، وهو قول الجمهور على خلاف بينهم في تقدير هذا العدد، أهو خمس، أم سبع، أم تسع، أم عشر أم إحدى عشرة، على خلاف بينهم في التفريق بين الإمام والمنفرد:

فقيل: لا فرق بين الإمام والمنفرد.

وقيل: هذا في حق المنفرد، واختلفوا في حق الإمام:

فقيل: لا يزيد على ثلاث، وقيل: لا يزيد على خمس.

وقيل: يسبح ما لم يشق على المأمومين.

فإن قيل: كيف يعرف هذا، قيل: إما بتصريحهم، وإما بمعرفة حالهم، ونشاطهم في العبادة كما لو كانوا جماعة محصورة.

وقيل: يختلف مقدار التسبيح للمنفرد بحسب طول القيام وقصره.

(1)

. فتح الباري لابن رجب (7/ 179)، الجوهرة النيرة (1/ 54)، الإنصاف (2/ 61)، المغني لابن قدامة (1/ 361)، المبدع (1/ 396).

(2)

. بحر المذهب للروياني (2/ 44)، شرح التلقين للمازري (2/ 556).

(3)

. البيان والتحصيل (1/ 361)، الرسالة للقيرواني (ص: 28)، شرح زروق على متن الرسالة (1/ 232)، الفواكه الدواني (1/ 182)، الثمر الداني (ص: 113)، أسهل المدارك (1/ 201)، مغني المحتاج (1/ 366)، شرح مسائل التعليم (ص: 227) ..

ص: 601

* دليل من قال: يسبح عشر تسبيحات:

(ح -1704) استدلوا بما رواه أحمد، قال: حدثنا عبد الله بن إبراهيم بن عمر بن كيسان، قال: أخبرني أبي، عن وهب بن مانوس، عن سعيد بن جبير،

عن أنس بن مالك قال: ما رأيت أحدًا أشبه بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا الغلام -يعني عمر بن عبد العزيز- قال: فحزرنا في الركوع عشر تسبيحات، وفي السجود عشر تسبيحات

(1)

.

[ضعيف]

(2)

.

(1)

. المسند (3/ 162).

(2)

. الحديث مداره على وهب بن مانوس، عن سعيد بن جبير، عن أنس بن مالك،

رواه أحمد بن حنبل (3/ 162)،

وأبو داود (888) وعنه البيهقي (2/ 159) عن أحمد بن صالح

وأبو داود (888) وعنه البيهقي في السنن (2/ 159)، والنسائي في المجتبى (1135)، وفي الكبرى (725) حدثنا محمد بن رافع،

والبخاري في التاريخ الكبير (1/ 308)، والطبراني في الدعاء (543) عن علي بن المديني، ورواه البزار كما في مسنده (7472) حدثنا سلمة بن شبيب، وأحمد بن منصور بن سيار، كلهم (أحمد بن حنبل، وأحمد بن صالح، ومحمد بن رافع، وعلي بن المديني وسلمة بن شبيب، وابن سيار) رووه عن عبد الله بن إبراهيم بن عمر بن كيسان، عن أبيه، سمعت وهب ابن مانوس، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس.

وفي الحديث أكثر من علة:

العلة الأولى: لا يعرف لسعيد بن جبير رواية عن أنس في أمهات كتب السنة غير هذا الحديث الذي تفرد به وهب بن مانوس.

العلة الثانية: أن هذا الأثر عن أنس بذكر تقدير التسبيحات قد تفرد به وهب بن مانوس، ووهب رجل فيه جهالة، روى عنه إبراهيم بن عمر بن كيسان (صدوق) وإبراهيم بن نافع (ثقة)، ولم يوثقه أحد إلا ابن حبان ذكره في ثقاته على قاعدته أن الأصل في الراوي العدالة،

وقد أخرج له أبو داود والنسائي وأحمد هذا الحديث، ولا يصح.

وروى له النسائي وأحمد حديثًا آخر عن ابن عباس في الذكر بعد الرفع من الركوع.

العلة الثالثة: أن الأثر عن أنس قد روي عنه من وجه أصح من هذا، وليس فيه ذكر التسبيحات فقد روى ابن سعد في الطبقات الكبرى (5/ 332)، وأبو طاهر المخلص في السادس من المخلصيات (1264 - 245)، من طريق الضحاك بن عثمان عن يحيى بن سعيد، أو عن شريك بن أبي نمر لا يدري أيهما حدثه عن أنس بن مالك قال: ما صليت وراء أحد أشبه صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا الفتى يعني عمر بن عبد العزيز. قال الضحاك: فكنت أصلي وراءه فيطيل الأوليتن من الظهر، ويخفف الآخرتين، ويخف العصر، ويقرأ في المغرب بقصار المفصل، ويقرأ في العشاء بوسط المفصل، ويقرأ في الصبح بطوال المفصل.

وليس فيه تقدير تسبيح الركوع والسجود، قد خرجت هذا الأثر فيما سبق (انظر المجلد التاسع الملف الأول).

ص: 602

* دليل من قال: أعلى الكمال سبع تسبيحات:

لعل هذا القول رأى أن العدد سبعة له مزية على غيره، فالطواف بالبيت سبعة، والسعي بين الصفا والمروة سبعة، ورمي الجمرات سبعة، وأيام الأسبوع سبعة، والسموات سبع، والأرض مثلهن، والسجود على سبعة أعضاء، وأعطى من المثاني سبعًا، فاستحب في التسبيحات أن يكون العدد سبعًا، والله أعلم.

* دليل من قال: يقطعه على خمس أو سبع، أو تسع، أو إحدى عشرة:

هذه الأقوال على اختلافها يذهب قائلوها إلى تحري قطع التسبيح على وتر؛

(ح-1705) لعموم ما رواه البخاري ومسلم من طريق سفيان بن عيينة، عن أبي الزناد، عن الأعرج،

عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: لله تسعة وتسعون اسمًا، من حفظها دخل الجنة، وإن الله وتر يحب الوتر

(1)

.

فالحديث دل على أن الوتر أفضل من الشفع، و (أل) في اللغة تأتي للعهد، فتحمل على شيء معين معهود، كما لو حملنا (يحب الوتر) أي يحب صلاة الوتر.

وتأتي (أل) للجنس فتدل على العموم، فيكون المعنى أن الوتر في كل شيء محبوب ومقدم على الشفع.

والظاهر أن (أل) في الوتر للجنس؛ لأنه لا معهود جرى ذكره حتى يمكن أن يحمل عليه، فيكون الوتر محبوبًا ومقدمًا على الشفع، وأنه للعموم، إلا أن أصحاب هذا القول اختلفوا على قولين:

الأول: يرى أن الوتر مقدم مطلقًا في كل شيء حتى ولو لم يحفظ في الشرع فعله

(1)

. صحيح البخاري (6410)، وصحيح مسلم (5 - 2677).

ص: 603

على وتر، نُسِب هذا القول لابن عمر، ورجحه ابن الملقن كما سيأتي معنا.

(ح-1706) فقد روى أحمد من طريق عبد الله بن عمر، عن نافع،

عن عبد الله بن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الله وتر يحب الوتر، قال نافع: وكان ابن عمر لا يصنع شيئًا إلا وترًا

(1)

.

وأثر ابن عمر في إسناده عبد الله بن عمر العمري ضعيف.

وإذا كان الشرع راعى الوتر حتى في باب الأذى، فغيره من القربات من باب أولى.

(ح-1707) فقد روى البخاري ومسلم من طريق الزهري، عن أبي إدريس الخولاني،

عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

ومن استجمر فليوتر

(2)

.

ولهذا بنى هؤلاء الفقهاء استحباب الوتر في أعلى كمال التسبيح فقالوا: يسبح خمسًا، وسبعًا، وتسعًا، وإحدى عشرة.

قال في ملتقى الأبحر: «ويقول ثلاثًا سبحان ربي العظيم وهو أدناه وتستحب الزيادة مع الإيتار للمنفرد»

(3)

.

(ح-1708) وروى البخاري مسندًا في صحيحه عن أنس، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يغدو يوم الفطر حتى يأكل تمرات.

ثم أتبعه البخاري معلقًا بصيغة الجزم، قال البخاري: وقال مرجا بن رجاء حدثني عبيد الله، قال: حدثني أنس، عن النبي صلى الله عليه وسلم ويأكلهن وترًا

(4)

.

قال ابن الملقن في التوضيح: فإن قلت: فما الحكمة في كونها وترًا؟

قلت: لأنه صلى الله عليه وسلم كان يحب الوتر في كل شيء استشعارًا بالوحدانية، فإنه وتر يحب الوتر

(5)

.

(1)

. المسند (2/ 109).

(2)

. صحيح البخاري (161)، وصحيح مسلم (22 - 237).

(3)

. ملتقى الأبحر (ص: 145).

(4)

. صحيح البخاري (953).

(5)

. التوضيح شرح الجامع الصحيح (8/ 77).

ص: 604

فقول ابن الملقن: «يحب الوتر في كل شيء، أي سواء مما نص الشارع على استحباب إيتاره، أو لم يعلم فيه نص من الشارع، فقطعه على وتر محبوب.»

القول الثاني: حملوا حديث (إن الله وتر يحب الوتر) على محبة الوتر في أشياء استحب الشارع قطعها على وتر، ويكون العموم في الحديث نسبيًّا، وذلك مثل أكل التمرات حين الخروج إلى صلاة العيد، ومثله تغسيل الموتى:(اغسلنها ثلاثًا أو خمسًا أو أكثر من ذلك إن رأيتن ذلك)، ومثله قطع الاستجمار على وتر، ومثله صلاة الوتر.

ويكون معنى محبة الله له: أنه أمر به، وأثاب على فعله، وما لم يرد في الشرع استحباب إيتاره فلا يتقصد فعله على وتر.

قال فضيلة الشيخ عبد الله البسام: «ليس المراد بقوله: (إن الله وتر يحب الوتر) أنه يقصد الإيتار في كل شيء، فلا يأكل إلا وترًا، ولا يشرب إلا وترًا، ولا يلبس إلا وترًا، لأن الإيتار من أمور العبادة، والعبادة تتوقف على ورود الشرع بها، فما ورد من العبادات وقصد الشارع أن يقطعه على وتر، فهذا القصد داخل في مسمى العبادة، كأكله تمرات وترًا عند ذهابه لصلاة عيد الفطر

والشرع مبني على التوقيف، فلا يشرع منه إلا ما شرعه الله ورسوله»

(1)

.

* دليل من قال: لا تقدير للتسبيح بعدد معين:

الدليل الأول:

المقادير تقوم على التوقيف، ولا يوجد في الشرع دليل يقضي باستحباب حَدٍّ معين لعدد التسبيح في الركوع والسجود، والاستحباب حكم شرعي يفتقر إلى دليل شرعي.

الدليل الثاني:

(ح-1709) ما رواه مسلم من طريق سفيان بن عيينة، أخبرني سليمان بن سحيم، عن إبراهيم بن عبد الله بن معبد، عن أبيه،

عن ابن عباس، قال: كشف رسول الله صلى الله عليه وسلم الستارة والناس صفوف خلف أبي بكر، فقال: أيها الناس، إنه لم يَبْقَ من مبشرات النبوة إلا الرؤيا الصالحة،

(1)

. توضيح الأحكام من بلوغ ا لمرام (2/ 426).

ص: 605

يراها المسلم، أو ترى له، ألا وإني نهيت أن أقرأ القرآن راكعًا أو ساجدًا، فأما الركوع فعظموا فيه الرب عز وجل، وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء، فقمن أن يستجاب لكم

(1)

.

وجه الاستدلال:

أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بتعظيم الرب في الركوع، ولم يعلق ذلك بعدد معين.

الدليل الثالث:

(ح-1710) ما رواه البخاري ومسلم من طريق الحكم، عن ابن أبي ليلى،

عن البراء، قال: كان ركوع النبي صلى الله عليه وسلم وسجوده وبين السجدتين، وإذا رفع رأسه من الركوع، ما خلا القيام والقعود قريبًا من السواء. هذا لفظ البخاري

(2)

.

فكان النبي صلى الله عليه وسلم يسوي بين المواضع الأربعة: الركوع، والاعتدال منه والسجود، والجلسة بين السجدتين فيمكث فيها زمنًا قريبًا من السواء، ولم يقدر في الركوع والسجود حدًّا معينًا وإنما كان يطيل القيام للقراءة والقعود للتشهد.

الدليل الرابع:

(ح-1711) ما رواه مسلم من طريق الأعمش، عن سعد بن عبيدة، عن المستورد ابن الأحنف، عن صلة بن زفر،

عن حذيفة، قال: صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة، فافتتح البقرة، فقلت: يركع عند المائة، ثم مضى، فقلت: يصلي بها في ركعة، فمضى، فقلت: يركع بها، ثم افتتح النساء، فقرأها، ثم افتتح آل عمران، فقرأها، يقرأ مترسلًا، إذا مر بآية فيها تسبيح سبَّح، وإذا مر بسؤال سأل، وإذا مر بِتَعَوُّذٍ تعوَّذ، ثم ركع، فجعل يقول: سبحان ربي العظيم، فكان ركوعه نحوًا من قيامه، ثم قال: سمع الله لمن حمده، ثم قام طويلًا قريبًا مما ركع، ثم سجد، فقال: سبحان ربي الأعلى، فكان سجوده قريبًا من قيامه

(3)

.

(1)

. صحيح مسلم (207 - 479).

(2)

. صحيح البخاري (792).

(3)

. صحيح مسلم (203 - 772).

ص: 606

وجه الاستدلال:

قوله: (فكان ركوعه نحوًا من قيامه) ولم يقدر في ذلك حدًّا معينًا.

الدليل الخامس:

(ح-1712) ما رواه البخاري من طريق أيوب، عن أبي قلابة، قال:

كان مالك بن الحويرث يرينا كيف كان صلاة النبي صلى الله عليه وسلم، وذاك في غير وقت صلاة، فقام، فأمكن القيام، ثم ركع، فأمكن الركوع، ثم رفع رأسه فأنصب هُنَيَّةً

(1)

.

وجه الاستدلال:

قوله: (ركع فأمكن الركوع)، إشارة إلى الطمأنينة فيه، ولم يقدر في ذلك قدرًا معيَّنًا.

* الراجح:

أن قطع الشيء على وتر يحتاج إلى توقيف، لأنه صفة في العبادة، والقول في صفة العبادة كالقول في العبادة الأصل فيه المنع إلا بتوقيف، ولو سلمنا أنه يستحب قطع التسبيح على وتر، فما الدليل على استحباب أن يكون الوتر خمسًا، أو سبعًا، أو تسعًا، أو إحدى عشرة، فهذا الاختلاف كله دليل على أنه لم يرد في العدد تقدير معين، وأن صلاة النبي صلى الله عليه وسلم كان فيها نوع من التناسب بين طول القيام وطول المواضع الأربعة، فإذا أطال القيام كما في صلاة الليل، وصلاة الفذ فإنه يطيل تبعًا لذلك مقدار الركوع والسجود والاعتدال منهما، وإذا خفف القيام خفف في إتمام هذه المواضع الأربعة دون أن يُسْتَحب لذلك عدد معين، وأن الإمام مأمور بالتخفيف، فلا يطيل الركوع والسجود بما يشق على المأموم، دون أن يُحَدَّ في ذلك حَدٌّ معينٌ، والله أعلم.

(1)

. صحيح البخاري (802).

ص: 607