المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(باب صفة الحج والعمرة) - الروض المربع بشرح زاد المستقنع - ط ركائز - جـ ٢

[البهوتي]

فهرس الكتاب

- ‌(كِتَابُ الصِّيَامِ)

- ‌(بَابُ مَا يُفْسِدُ الصَّوْمَ، وَيُوجِبُ الكَفَّارَةَ)، وما يتعلَّقُ بذلك

- ‌(فَصْلٌ)(وَمَنْ جَامَعَ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ)

- ‌(بَابُ مَا يُكْرَهُ، وَيُسْتَحَبُّ) في الصَّومِ، (وَحُكْمُ القَضَاءِ)، أي: قضاء الصوم

- ‌(بَابُ صَوْمِ التَّطَوُّعِ)

- ‌(بَابُ الاعتِكَافِ)

- ‌(كِتَابُ المَنَاسِكِ)

- ‌(بَابُ المَوَاقِيتِ)

- ‌(بَابُ الإِحْرَامِ)

- ‌(بَابُ مَحْظُورَاتِ الإِحْرَامِ)

- ‌(بَابُ الفِدْيَةِ)

- ‌(فَصْلٌ)(وَمَنْ كَرَّرَ مَحْظُوراً مِنْ جِنْسٍ)

- ‌(بَابُ جَزَاءِ الصَّيْدِ)

- ‌(بَابُ) حكمِ (صَيْدِ الحَرَمِ)، أي: حرمِ مكةَ

- ‌(بَابُ) ذِكْرِ (دُخُولِ مَكَّةَ)، وما يتعلقُ بِه من الطوافِ والسَّعيِ

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(بَابُ صِفَةِ الحَجِّ وَالعُمْرَةِ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(بَابُ الفَوَاتِ وَالإِحْصَارِ)

- ‌(بَابُ الهَدْيُ، وَالأُضْحِيَةِ)، وَالعَقِيقَةِ

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(كِتَابُ الجِهَادِ)

- ‌فصل

- ‌(بَابُ عَقْدِ الذِّمَّةِ وَأَحْكَامِهَا)

- ‌(فَصْلٌ)في أحكامِ الذِّمَّةِ

- ‌(فَصْلٌ) فيما يَنْقُض العهدَ

- ‌(كِتَابُ البَيْعِ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(بَابُ الشُّرُوطِ فِي البَيْعِ)

- ‌(بَابُ الخِيارِ) وقبضِ المبيعِ والإقالةِ

- ‌(فَصْلٌ) في التَّصرُّفِ في المبيعِ قبلَ قبضِه

- ‌(بَابُ الرِّبَا وَالصَّرْفِ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(بَابُ بَيْعِ الأُصُولِ وَالثِّمَارِ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(بَابُ السَّلَمِ)

- ‌(بَابُ القَرْضِ)

- ‌(بَابُ الرَّهْنِ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(بَابُ الضَّمَانِ)

- ‌(فَصْلٌ) في الكَفالةِ

- ‌(بَابُ الحَوَالَةِ)

- ‌(بَابُ الصُّلْحِ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(بَابُ الحَجْرِ)

- ‌(فَصلٌ) في المحجورِ عليه لحظِّهِ

- ‌(بَابُ الوَكَالَةِ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(بَابُ الشَّرِكَةِ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(بَابُ المُسَاقَاةِ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(بَابُ الإِجَارَةِ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(بَابُ السَّبْقِ)

- ‌(بَابُ العَارِيَّةِ)

- ‌(بَابُ الغَصْبِ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)(وَتَصَرُّفَاتُ الغَاصِبِ الحُكْمِيَّةُ)

- ‌(بَابُ الشُّفْعَةِ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(بَابُ الوَدِيعَةِ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(بَابُ إِحْيَاءِ المَوَاتِ)

- ‌(بَابُ الجعَالَةِ)

- ‌(بَابُ اللُّقَطَةِ)

- ‌(بَابُ اللَّقِيطِ)

- ‌(كِتَابُ الوَقْفِ)

- ‌(فَصْلٌ)(ويَجِبُ العَمَلُ بِشَرْطِ الوَاقِفِ)

- ‌(فَصْلٌ)(وَالوَقْفُ عَقْدٌ لَازِمٌ)

- ‌(بَابُ الهِبَةِ وَالعَطِيَّةِ)

- ‌(فَصْلٌ)(يَجِبُ التَّعْدِيلُ فِي عَطِيَّةِ أَوْلَادِهِ بِقَدْرِ إِرْثِهِمْ)

- ‌(فَصْلٌ فِي تَصَرُّفَاتِ المَرِيضِ) بعطيةٍ أو نحوِها

- ‌(كِتَابُ الوَصَايَا)

- ‌(بَابُ المُوصَى لَهُ)

- ‌(بَابُ المُوصَى بِهِ)

- ‌(بَابُ الوَصِيَّةِ بِالأَنْصِبَاءِ وَالأَجْزَاءِ)

- ‌(بَابُ المُوصَى إِلَيْهِ)

الفصل: ‌(باب صفة الحج والعمرة)

(بَابُ صِفَةِ الحَجِّ وَالعُمْرَةِ)

(يُسَنُّ لِلمُحلِّينَ بِمَكَّةَ) وقُرْبِها حتى متمتعٍ حلَّ مِن عمرتِه (الإِحْرَامُ بِالحَجِّ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ)، وهو ثامنُ ذي الحِجَّةِ، سُمِّي بذلك؛ لأنَّ النَّاسَ كانوا يتروَوَّنَ فيه الماءَ لِمَا بعدَه، (قَبْلَ الزَّوَالِ)، فيُصلِّي بِمِنَى الظهرَ مع الإمامِ.

ويُسنَّ أن يُحْرِمَ (مِنْهَا)، أي: مِن مكةَ، والأفضلُ مِن تحتِ الميزابِ.

(وَيُجْزِئُ) إِحْرَامُه (مِنْ بَقِيَّةِ الحَرَمِ) ومِن خارجِه ولا دمَ.

والمتمتعُ إذا عَدِم الهديَ وأرادَ الصومَ سُنَّ له أن يُحْرِمَ يومَ السابعِ ليصومَ الثَّلاثةَ مُحْرِماً.

(وَيَبِيتُ بِمِنَى)، ويُصلِّي مع الإمامِ استحباباً، (فَإِذَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ) مِن يومِ عرفةَ (سَارَ) مِن مِنَى (إِلَى عَرَفَةَ)، فأقام بِنَمِرةَ (1) إلى الزَّوال، يخطُبُ بها الإمامُ أو نائبُه خُطْبَةً قصيرةً مُفْتَتَحةً بالتَّكبيرِ، يُعلِّمهم فيها الوقوفَ، ووقتَه، والدَّفعَ منه، والمبيتَ بمزدلفةَ.

(1) نَمِرَة: بفتح النون وكسر الميم بعدها راء: موضع بعرفة. ينظر: المطلع ص 232.

ص: 128

(وَكُلُّهَا)، أي: كُلُّ عَرفةَ (مَوْقِفٌ إِلَّا بَطْنَ عُرَنَةَ (1)؛ لقولِه عليه السلام: «كُلُّ عَرَفَةَ مَوْقِفٌ، وَارْفَعُوا (2) عَنْ بَطْنِ عُرَنَةَ» رواه ابنُ ماجه (3).

(1) عُرَنَةَ: بضم العين وفتح الراء والنون. ينظر: المطلع ص 232.

(2)

في (ق): إلا. مكان: (وارفعوا).

(3)

رواه ابن ماجه (3012)، من طريق القاسم بن عبد الله العمري عن محمد بن المنكدر، عن جابر بن عبد الله مرفوعاً، قال النووي:(إسناده ضعيف جداً؛ أجمعوا على تضعيف القاسم هذا، قال أحمد بن حنبل: هو كذاب كان يضع الحديث فترك الناس حديثه)، وبنحوه قال ابن حجر في التلخيص.

وقد ورد من حديث ابن عباس عند ابن خزيمة (2816)، والحاكم (1697)، والبيهقي (9461)، من طريق محمد بن كثير، ثنا سفيان بن عيينة، عن زياد بن سعد، عن أبي الزبير، عن أبي معبد، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ارفعوا عن بطن عرنة وارفعوا عن محسر» ، قال الحاكم:(صحيح على شرط مسلم)، ووافقه الذهبي، وصححه الأشبيلي، والألباني.

واعترض على ذلك النووي: بأن محمد بن كثير العبدي قد ضعفه أكثر الأئمة، وإنما هو صحيح عن ابن عباس موقوفاً، وأجيب عن النووي: بأن أبا الأشعث أحمد بن المقدام قد تابعه عند الطحاوي في شرح مشكل الآثار (1194)، وهذا إسناد صحيح.

وله شاهد من حديث جبير بن مطعم عند ابن حبان (3854)، من طريق سليمان بن موسى، عن عبد الرحمن بن أبي حسين، عن جبير بن مطعم مرفوعاً، إلا أن عبد الرحمن لم يلق جبير كما قال البزار، وأيضاً فقد رواه أحمد (16751)، من طريق سليمان بن موسى عن جبير بن مطعم، بإسقاط عبد الرحمن بن أبي حسين، قال البيهقي:(وهو الصحيح، وهو مرسل).

وله شاهد مرسل عند البيهقي (9459)، من طريق ابن جريج قال: أخبرني محمد بن المنكدر فذكره مرسلاً، قال النووي:(بإسناد صحيح لكنه مرسل)، ووصله عبد الرزاق عن معمر عن ابن المنكدر عن أبي هريرة فيما ذكره ابن عبد البر، وقال:(وهو محفوظ من حديث أبي هريرة). ينظر: الاستذكار 4/ 274، المجموع 8/ 121، التلخيص الحبير 2/ 550، السلسلة الصحيحة 4/ 48.

ص: 129

(وَسُنُّ (1) أَنْ يَجْمَعَ (2) بعرفةَ مَنْ له الجمعُ (بَيْنَ الظُّهْرِ وَالعَصْرِ) تقديماً، (وَ) أنْ (يَقِفَ رَاكِباً) مستقبلَ القبلةِ (عِنْدَ الصَّخَرَاتِ وَجَبَلِ الرَّحْمَةِ)؛ لقولِ جابرٍ:«إِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم جَعَلَ بَطْنَ نَاقَتِهِ القَصْواءِ إِلَى الصَّخَرَاتِ، وَجَعَلَ حَبْلَ (3) المُشَاةِ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَاسْتَقْبَلَ القِبْلَةَ» (4).

ولا يُشرعُ صُعودُ جبلِ الرَّحمةِ، ويقالُ له: جبلُ الدعاءِ.

(وَيُكْثِرُ مِنْ الدُّعَاء، وَمِمَّا وَرَدَ (5) كقولِ: «لَا إلَهَ إلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ حَيٌّ لَا يَمُوتُ، بِيَدِهِ الخَيْرُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، اللَّهُمَّ اجْعَلْ فِي

(1) في (ب): يسن.

(2)

في (ق): يجمع بها.

(3)

في (أ) و (ع): جبل. قال النووي: (روي حبل بالحاء المهملة وإسكان الباء، وروي جبل بالجيم وفتح الباء، قال القاضي عياض رحمه الله: الأول أشبه بالحديث، وحبل المشاة: أي مجتمعهم، وحبل الرمل: ما طال منه وضخم، وأما بالجيم فمعناه: طريقهم وحيث تسلك الرجالة). ينظر: شرح النووي على صحيح مسلم 8/ 186، وتعقبه الولي العراقي: بأن ما ذكره من رواية هذه اللفظة بوجهين، وترتب هذين المعنيين على هذين الوجهين لم أره في كلام القاضي لا في الإكمال ولا في المشارق ولا في كلام غيره أيضًا. ينظر: مرعاة المفاتيح 9/ 29.

وقد ضبطه بالجيم وصححه الحافظ ابن الصلاح، فقال:(وضبطه غير واحد من المصنفين: حبل المشاة بين يديه - بالحاء -، وجعله من حبال الرمل، وهو ما استطال من الرمل مرتفعاً، وما ذكرناه من كونه جبل إلال هو الصحيح). ينظر: صلة الناسك في صفة المناسك ص 149.

(4)

رواه مسلم (1218).

(5)

في (أ) و (ع): ويكثر الدعاء مما ورد.

ص: 130

قَلْبِي نُوراً، وَفِي بَصَرِي نُوراً، وَفِي سَمْعِي نُوراً، وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي» (1).

ويُكثِرُ الاستغفارَ، والتضرعَ، والخشوعَ، وإظهارَ الضَّعْفِ والافتقارِ، ويُلِحَّ في الدعاءِ، ولا يَسْتبطئُ الإجابةِ.

(وَمَنْ وَقَفَ)، أي: حَصَل بعرفةَ (وَلَو لَحْظَةً)، أو نائماً، أو مارًّا، أو جاهلاً أنها عرفةُ (مِنْ فَجْرِ يَوْمِ عَرَفَةَ إِلَى فَجْرِ يَوْمِ النَّحْرِ، وَهُوَ أَهْلٌ لَهُ)، أي: للحجِّ؛ بأنْ يكون مسلماً، مُحْرِماً بالحجِّ، ليس سكرانَ، ولا مجنوناً، ولا مغمىً عليه؛ (صَحَّ حَجُّهُ)؛ لأنَّه حَصَل بعرفةَ في زمنِ الوقوفِ.

(وَإِلَّا) يقِفَ بعرفةَ، أو وقف في غيرِ زَمَنِه، أو لم يَكُن أهلاً للحجِّ؛ (فَلا) يصحَّ حجَّه؛ لفواتِ الوقوفِ المعْتَدِّ به.

(1) رواه ابن أبي شيبة (15135)، والبيهقي (9475)، من طريق موسى بن عبيدة، عن أخيه، عن علي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أكبر دعائي ودعاء الأنبياء قبلي بعرفة لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، اللهم اجعل في قلبي نوراً، وفي سمعي نوراً، وفي بصري نوراً، اللهم اشرح لي صدري ويسر لي أمري، وأعوذ بك من وسواس الصدر، وشتات الأمر وفتنة القبر، اللهم إني أعوذ بك من شر ما يلج في الليل، ومن شر ما يلج في النهار وشر ما تهب به الرياح» ، قال البيهقي:(تفرد به موسى بن عبيدة وهو ضعيف، ولم يدرك أخوه عليًّا رضي الله عنه، وقال ابن الملقن: (فصار الحديث ضعيفاً بوجهين، وعبد الله أخو موسى: ضعيف أيضاً، قال ابن حبان: منكر الحديث جداً)، وضعَّفه ابن القيم. ينظر: المجروحين 2/ 4، زاد المعاد 2/ 220، البدر المنير 6/ 227، التلخيص الحبير 2/ 547.

ص: 131

(وَمَنْ وَقَفَ) بعرفةَ (نَهَاراً، وَدَفَع) منها (قَبْلَ الغُرُوبِ وَلَمْ يَعُدْ) إليها (قَبْلَهُ)، أي: قبلَ الغروبِ، ويَستمرُّ بها إليه؛ (فَعَلَيْهِ دَمٌ)، أي: شاةٌ؛ لأنَّه تَرَك واجباً.

فإن عادَ إليها واستمرَّ للغروبِ، أو عاد بعدَه قبلَ الفجرِ؛ فلا دمَ؛ لأنَّه أتَى بالواجبِ وهو الوقوفُ بالليلِ والنهارِ.

(وَمَنْ وَقَفَ لَيْلاً فَقَطْ فَلَا) دمَ عليه، قال في شرحِ المقنعِ:(لا نعلمُ فيه خلافاً)(1)؛ لقولِ النَّبي صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أَدْرَكَ عَرَفَاتٍ بِلَيْلٍ فَقَدْ أَدْرَكَ الحَجَّ» (2).

(ثُمَّ يَدْفَعُ بَعْدَ الغُرُوبِ) مع الإمامِ أو نائبِه على طريقِ

(1) الشرح الكبير (3/ 436)، المبدع (3/ 214).

(2)

رواه أحمد (16208)، وأبو داود (1950)، والترمذي (891)، والنسائي (3039)، وابن ماجه (3016)، وابن خزيمة (2820)، وابن الجارود (467)، وابن حبان (3850)، والحاكم (1701)، من طريق الشعبي عن عروة بن مضرس الطائي، قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بالموقف يعني بجمع، قلت: جئت يا رسول الله من جبل طيئ أكللت مطيتي، وأتعبت نفسي، والله ما تركت من حبل إلا وقفت عليه فهل لي من حج؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«من أدرك معنا هذه الصلاة، وأتى عرفات، قبل ذلك ليلاً أو نهاراً، فقد تم حجه، وقضى تفثه» ، قال ابن حجر:(وصحح هذا الحديث الدارقطني والحاكم والقاضي أبو بكر بن العربي على شرطهما)، وصححه أيضاً ابن الجارود، وابن حبان، والنووي، والذهبي، وابن الملقن، والألباني، بل قال الحاكم:(هذا حديث صحيح على شرط كافة أئمة الحديث، وهي قاعدة من قواعد الإسلام). ينظر: المجموع 8/ 119، البدر المنير 6/ 241، التلخيص الحبير 2/ 552، صحيح أبي داود 6/ 196.

ص: 132

المَأْزِمَيْن (1)(إِلَى مُزْدَلفَةَ)، وهي ما بين المَأْزِمَيْن ووادي محسِّرٍ.

ويُسنُّ كونُ دفعِه (بِسَكِينةٍ)؛ لقولِه عليه السلام: «أَيُّهَا النَّاسُ، السَّكِينَةَ السَّكِينَةَ» (2)، (وَيُسْرِعُ فِي الفَجْوَةِ (3)؛ لقولِ أسامةَ:«كَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يَسِيرُ العَنَقَ، فَإِذَا وَجَدَ فَجْوَةً نَصَّ» (4)، أي: أسرع؛ لأنَّ العَنَقَ: انبساطُ السَّيرِ، والنصُّ: فوقَ العَنَقِ.

(وَيَجْمَعُ بِهَا)، أي: بمزدلفةَ (بَيْنَ العِشَاءَيْنِ)، أي: يُسَنُّ لمن دفع مِن عرفةَ أنْ لا يُصلِّي المغربَ حتى يصِلَ إلى مزدلفةَ، فيَجمعُ بين المغربِ والعشاءِ مَن يجوزُ له الجَمْعُ قبل حَطِّ رَحْلِه، وإن صلَّى المغربَ بالطريقِ ترك السنةَ وأجزأ (5).

(وَيَبِيتُ بِهَا) وجوباً؛ لأنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم بات بها، وقال:«خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ» (6).

(1) قال في المطلع (233): (المأزمان تثنية مَأْزِم، بفتح أوله وإسكان ثانيه وكسر الزاي، كذا قيده البكري وقال: وهما معروفان بين عرفة والمزدلفة، وكل طريق بين جبلين فهو مأزم، وموضع الحرب أيضاً مأزم، قال الجوهري: ومنه سمي الموضع الذي بين المشعر وعرفة: مأزمين).

(2)

رواه البخاري (1671)، من حديث ابن عباس، ولفظه:«أيها الناس عليكم بالسكينة فإن البر ليس بالإيضاع» .

(3)

قال في المطلع (233): (الفَجْوة: بفتح الفاء وسكون الجيم: الفرجة بين الشيئين).

(4)

رواه البخاري (1666)، ومسلم (1286)، من حديث أسامة بن زيد.

(5)

في (أ) و (ب) و (ع): أجزأه.

(6)

تقدم تخريجه صفحة .... الفقرة ....

ص: 133

(وَلَهُ الدَّفْعُ) مِن مزدلفةَ قبلَ الإمامِ (بَعْدَ نِصْفِ اللَّيلِ)؛ لقولِ ابنِ عباسٍ: «كُنْتُ فِيمَنْ قَدَّمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي ضَعَفَةِ أَهْلِهِ مِنْ مُزْدَلِفَةَ إِلَى مِنَى» متفقٌ عليه (1).

(وَ) الدَّفعُ (قَبْلَهُ)، أي: قبلَ نصفِ اللَّيلِ (فِيهِ دَمٌ) على غيرِ سُقاةٍ ورُعاةٍ، سواءٌ كان عالماً بالحُكْمِ أو جاهِلاً، عامِداً أو ناسِياً، (كَوُصُولِهِ إِلَيْهَا)، أي: إلى مزدلفةَ (بَعْدَ الفَجْرِ) فعليه دمٌ؛ لأنه تَرَك نُسكاً واجِباً، (لَا) إنْ وَصَل إليها (قَبْلَه)، أي: قبلَ الفجرِ فلا دمَ عليه.

وكذا إن دَفَع مِن مزدلفةَ قَبْلَ نصفِ الليلِ وعادَ إليها قَبْلَ الفجرِ؛ لا دمَ عليه.

(فَإِذَا) أصبَح بها (صَلَّى الصُّبْحَ) بغَلَسٍ، ثم (أَتَى المَشْعَرَ الحَرَامَ (2)، وهو جبلٌ صغيرٌ بالمزدلفةِ، سُمِّي بذلك؛ لأنَّه مِن علاماتِ الحجِّ، (فَرَقَاهُ أَوْ يَقِفُ عَنْدَهُ، وَيَحْمَدُ اللهَ وَيُكَبِّرهُ) ويهلِّلُه، (وَيَقْرَأُ:«فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ» [البقرة: 198] الآيَتَيْنِ، ويَدْعُو حَتَّى يُسْفِرَ)؛ لأنَّ في حديثِ جابرٍ: «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَم يَزَلْ

(1) رواه البخاري (1678)، ومسلم (1293).

(2)

قال في المطلع (ص 234): (المشعر الحرام: بفتح الميم، قال الجوهري: وكسر الميم لغة، وهو موضع معروف بمزدلفة ويقال له: قزح، وقد تقدم أن المشعر الحرام وقزح من أسماء المزدلفة، فتكون المزدلفة كلها سميت بالمشعر الحرام، وقزح تسمية للكل باسم البعض، كما سمي المكان بدراً باسم ماء به، يقال له: بدر).

ص: 134

وَاقِفاً عِنْدَ المَشْعَرِ الحَرَامِ حَتىَّ أَسْفَرَ جِدًّا» (1).

فإذا أسفَر سارَ قبلَ طلوعِ الشَّمسِ بسكينةٍ، (فَإِذَا بَلَغَ مُحَسِّراً (2)، وهو وادٍ بين مزدلفةَ ومنَى، سُمِّي بذلك؛ لأنَّه يُحَسِّرُ (3) سالكَه؛ (أَسَرَعَ) قَدْرَ (رَمْيَةَ حَجَرٍ) إنْ كان ماشياً، وإلَّا حرَّك دابتَه؛ «لأنَّهُ صلى الله عليه وسلم لَمَّا أَتَى بَطْنَ مُحَسِّرٍ حَرَّكَ قَلِيلاً» ، كما ذكره جابرٌ (4).

(وَأَخَذَ الحَصَى)، أي: حصى الجمارِ مِن حيثُ شاء، وكان ابنُ عمرَ يأخذُ الحصَى مِن جَمْعٍ (5)، وفَعَله سعيدُ بنُ جُبيرٍ، وقال:(كانوا يتزودون الحصى مِن جَمْعٍ)(6).

والرَّمْيُ تحيةُ منى، فلا يَبدأُ قبلَه بشيءٍ.

(1) رواه مسلم (1218).

(2)

مُحَسِّر: بضم الميم، وفتح الحاء، بعدها سين مهملة مشددة مكسورة، وبعدها راء. ينظر: المطلع ص 232.

(3)

قال في الصحاح (2/ 629): (وحَسَرْتُهُ أنا حَسْراً، يتعدَّى ولا يتعدَّى)، فإذا كان متعدياً قلنا: يُحْسِر، وإذا كان غير متعدٍ ضعَّفناه للتعدية، وقلنا: يُحَسِّر.

(4)

رواه مسلم (1218)، وتقدم مراراً في حديث جابر في صفة الحج.

(5)

رواه البيهقي (9544)، من طريق عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر:«أنه كان يأخذ الحصى من جمع كراهية أن ينزل» ، وإسناده صحيح.

(6)

لم نقف عليه، وإنما ورد عنه عند ابن أبي شيبة (13451)، أنه قال:«خذوا الحصى من حيث شئتم» .

وقد رود عن مكحول عند ابن أبي شيبة (13453)، أنه قال:«يأخذون من المزدلفة» .

ص: 135

(وَعَدَدُهُ)، أي: عددُ حصى الجِمارِ: (سَبْعُونَ) حصاةً، كلُّ واحدةٍ (بَيْنَ الحِمِّصِ وَالبُنْدُقِ)؛ كحصى الخَذْفِ، فلا تُجزئُ صغيرةٌ جدًّا ولا كبيرةٌ، ولا يُسنَّ غسلُه.

(فَإِذَا وَصَلَ إِلَى مِنَى - وَهِيَ مِنْ وَادِي مُحَسِّرٍ إِلَى جَمْرَةِ العَقَبةِ -) بدأ بجمرةِ العقبةِ، فـ (رَمَاهَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ مُتَعَاقِبَاتٍ)، واحدةٍ بعدَ واحدةٍ، فلو رمى دفعةً فواحدةٌ، ولا يُجزئُ الوَضْعُ، (يَرْفَعُ يَدَهُ) اليمنى حالَ الرمي (حَتَى يُرَى بَيَاضُ إِبْطِهِ (1)؛ لأنَّه أَعْونُ على الرمي، (وَيُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ) ويقولُ: اللهمَّ اجعَلْه حجًّا مبروراً، وذنباً مغفوراً، وسعياً مشكوراً (2).

(1) في (ع): إبطيه.

(2)

ورد عن ابن مسعود عند أحمد (4061)، والبيهقي (9549)، من طريق ليث، عن محمد بن عبد الرحمن بن يزيد، عن أبيه عن ابن مسعود موقوفاً، وليث بن أبي سليم ضعيف، وبه ضعَّفه الألباني.

وورد عن ابن عمر عند البيهقي (9550)، من طريق عبد الله بن حكيم، عن زيد أبو أسامة، قال: رأيت سالم بن عبد الله -يعني ابن عمر- استبطن الوادي، ثم رمى الجمرة بسبع حصيات، يكبر مع كل حصاة: الله أكبر الله أكبر، اللهم اجعله حجاً مبروراً، وذنباً مغفوراً، وعملاً مشكوراً، فسألته عما صنع، فقال: حدثني أبي: «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرمي الجمرة في هذا المكان ويقول كلما رمى بحصاة مثل ما قلت» ، قال البيهقي:(عبد الله بن حكيم ضعيف)، بل قال أحمد وابن المديني:(ليس بشيء)، وكذبه الجوزجاني، وضعفه الألباني به أيضاً.

ورواه ابن أبي شيبة (14017)، من طريق الهيثم بن حنش، عن ابن عمر موقوفاً، والهيثم ذكره ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل ولم يذكره بشيء، قال أبو حاتم:(روى عن ابن عمر روى عنه أبو إسحاق الهمداني وسلمة بن كهيل)، فهو مجهول.

وضعف ابن حجر الأثرين، فقال:(وأسنده من وجهين ضعيفين عن ابن مسعود وابن عمر من قولهما). ينظر: الجرح والتعديل 9/ 79، ميزان الاعتدال 2/ 410، التلخيص الحبير 2/ 542، السلسلة الضعيفة 3/ 232.

ص: 136

(وَلَا يُجْزِئُ الرَّمْيُ بِغَيْرِهَا)، أي: غيرِ الحصى؛ كجوهرٍ (1)، وذهبٍ، ومعادنَ.

(وَلَا) يُجزئُ الرميُ (بِهَا ثَانِياً)؛ لأنَّها استُعْمِلت في عبادةٍ فلا تُسْتَعملُ ثانياً؛ كماءِ الوضوءِ.

(وَلَا يَقِفُ) عند جمرةِ العقبةِ بعدَ رميها؛ لضيقِ المكانِ.

ونُدِبَ أن يستبطنَ الوادي، وأن يستقبِلَ القبلةَ، وأن يَرميَ على جانبِه الأيمنِ.

وإنْ (2) وقعت الحصاةُ خارجَ المرمى ثم تدحرجت فيه؛ أجزأت.

(وَيَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ قَبْلَهَا)؛ لقولِ الفضلِ بنِ عباسٍ (3): «إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَزَلْ يُلَبِّي حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ العَقَبَة» أخرجاه في الصحيحين (4).

(1) خرم من الأصل إلى قوله: (أو يقصر من حميع شعره).

(2)

في (أ) و (ع): فإن.

(3)

في (أ) و (ع) و (ق): العباس.

(4)

رواه البخاري (1544)، ومسلم (1281).

ص: 137

(وَيَرْمِي) ندباً (بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ)؛ لقولِ جابرٍ: «رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَرْمِي الجَمْرَةَ ضُحَى يَوْمَ النَّحْرِ وَحْدَهُ» أخرجه مسلم (1).

(وَيُجْزِئُ) رَميُها (بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ) مِن ليلةِ النَّحرِ؛ لما روى أبو داودَ عن عائشةَ: «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ أَمَّ سَلَمَةَ لَيْلَةَ النَّحْرِ فَرَمَتْ جَمْرَةَ العَقَبَةَ قَبْلَ الفَجْرِ، ثُمَّ مَضَتْ فَأَفَاضَتْ» (2).

(1) رواه مسلم (1299)، ولفظه:«رمى رسول الله صلى الله عليه وسلم الجمرة يوم النحر ضحى، وأما بعد فإذا زالت الشمس» .

(2)

رواه أبو داود (1942)، والحاكم (1723)، من طريق الضحاك بن عثمان، عن هشام، عن أبيه، عن عائشة.

وقد اختلف على هشام بن عروة فيه، فرواه الضحاك كما تقدم، وعبد الله بن محمد بن يحيى بن عروة، ومحمد بن عبد الله بن عبيد بن عمير، وشريك فيما ذكره عنهم الدارقطني (العلل 15/ 50)، والدراودري عند الطحاوي (3523)، ويعقوب بن عبد الرحمن عند الطحاوي (3524)، جميعهم عن هشام عن أبيه عن عائشة.

وخالفهم وكيع عند مسلم في التمييز (ص 187)، وحماد بن سلمة عند الطحاوي (3521)، وداود العطار والدراوردي عند الشافعي (ص 369)، وعبدة ويحيى والثوري كما ذكرهم مسلم في التمييز (ص 186)، فرووه جميعاً عن هشام عن أبيه مرسلاً.

ورواه الطحاوي في مشكل الآثار (3997)، والبيهقي (9574)، عن أبي معاوية عن هشام عن أبيه عن زينب عن أم سلمة، قال الإمام أحمد:(لم يسنده غيره - يعني أبا معاوية - وهو خطأ).

ورواه الطحاوي في مشكل الآثار (3520)، والطبراني (982)، عن سفيان عن هشام عن أبيه عن أم سلمة، قال الطحاوي:(وهذا منقطع؛ لأن عروة لم نعلم له سماعاً من أم سلمة).

فرجَّح الدارقطني المرسل، وقال:(رواه الحفاظ عن هشام، عن أبيه، مرسلاً وهو الصحيح)، وهو الذي يُفهم من كلام يحيى بن سعيد والإمام أحمد والإمام مسلم.

ورجح البيهقي الموصول، وقال عن طريق الضحاك بن عثمان:(وهذا إسنادٌ لا غبار عليه، وكأن عُروة حمله من الوجهين جميعاً، فكان هشام يُرسله مرة، ويُسنده أخرى، وهذه عادتهم في الرواية)، وقال الحاكم في حديث الضحاك:(صحيح على شرطهما)، ووافقه الذهبي، وصححه النووي.

وأنكر ابن القيم الحديث، لما في بعض ألفاظه من النكارة، لمعارضته لحديث عائشة عند البخاري (1681)، ومسلم (1290) أنها قالت:«استأذنت سودة رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة المزدلفة أن تدفع قبله وقبل حطمة الناس، وكانت امرأة ثبطة، فأذن لها، فخرجت قبل دفعه، وحبسنا حتى أصبحنا، فدفعنا بدفعه» ، قال ابن القيم:(فهذا الحديث يبين أن نساءه غير سودة، إنما دفعن معه).

وأعله ابن التركماني والألباني بالاضطراب؛ للاختلاف السابق ذكره. ينظر: التمييز للإمام مسلم ص 186، علل الدارقطني 15/ 50، معرفة السنن للبيهقي 7/ 316، زاد المعاد 2/ 230، الجوهر النقي 5/ 132، الإرواء 4/ 277.

ص: 138

فإن غَرُبَت شمسُ يومِ الأضحى قبلَ رَمْيِه رَمَى مِن غدٍ بعدَ الزَّوالِ.

(ثُمَّ يَنْحَرُ هَدْياً إِنْ كَانَ مَعَهُ)، واجباً كان أو تطوُّعاً، فإن لم يَكُن معه هديٌ وعليه واجبٌ اشتراه، وإن لم يَكُن عليه واجبٌ سُنَّ له أن يطَّوَّعَ (1) به.

وإذا نحر الهديَ فرَّقَه على مساكين الحرمِ.

(وَيَحْلِقُ)، ويُسنُّ أن يستقبلَ القبلةِ، ويبدأَ بشقِّه الأيمنِ (2)، (أَوْ

(1) يراجع (ق).

(2)

آخر الخرم من الأصل.

ص: 139

يُقَصِّرُ مِنْ جَمِيعِ شَعْرِهِ)، لا مِن كلِّ شعرةٍ بعينِها.

ومَن لبَّد رأسَه، أو ظَفَرَه، أو عَقَصَه؛ فكغيرِه.

وبأيِّ شيءٍ قصَّر الشَّعرَ أجزأه، وكذا إن نَتَفه، أو أزاله بنُورةٍ؛ لأنَّ القَصْدَ إزالتُه، لكنَّ السُّنةَ الحلقُ أو التقصيرُ.

(وَتُقَصِّرُ مِنْهُ المَرْأَةُ)، أي: مِن شعرِها (أُنْمُلَةً) فأقلَّ؛ لحديثِ ابنِ عباسٍ يرفعُه: «لَيْسَ عَلَى النِّسَاءِ حَلْقٌ، إِنَّمَا عَلَى النِّسَاءِ التَّقْصِيرُ» رواه أبو داودَ (1)،

فتقصِّرُ مِن كلِّ قرنٍ قدرَ أنملةٍ أو أقلَّ.

(1) رواه أبو داود (1984)، قال: حدثنا أبو يعقوب البغدادي - ثقة-، حدثنا هشام بن يوسف، عن ابن جريج، عن عبد الحميد بن جبير بن شيبة، عن صفية بنت شيبة، عن أم عثمان بنت أبي سفيان، أن ابن عباس مرفوعاً، وحسن إسناده ابن حجر، وقال:(قواه أبو حاتم في العلل والبخاري في التاريخ)، وصحَّحه عبد الحق الأشبيلي، والألباني.

وضعفه ابن القطان، وابن الملقن، وذكر ابن القطان له علتين: الأولى: أن أم عثمان بنت أبي سفيان، لا يعرف لها حال، وأجيب: بأن لها صحبة، فلا تضر جهالتها، قال ابن عبد البر:(كانت من المبايعات)، ووافقه ابن الملقن، وابن حجر. والثانية: أن أبا يعقوب شيخ أبي داود مجهول، وأجيب: بأنه إسحاق بن أبي إسرائيل كما رواه الدارقطني (2666)، من طريقه، فإن لم يقنع ابن القطان بذلك كما صرح به، فإن لأبي يعقوب متابعات، فقد رواه الدارمي (1946)، من طريق علي بن المديني، عن هشام بن يوسف به، وفي هذا الطريق تصريح ابن جريج بالتحديث، ورواه أبو زرعة في تاريخه (ص 516)، قال: حدثنا يحيى بن معين عن هشام بن يوسف به، وبذلك تزول العلل التي ذكرها ابن القطان. ينظر: علل الحديث 3/ 244، الاستيعاب 4/ 1946، بيان الوهم 2/ 545، المجموع 8/ 197، البدر المنير 6/ 267، تحفة المحتاج 2/ 182، التلخيص الحبير 2/ 559، السلسلة الصحيحة 2/ 157.

ص: 140

وكذا العبدُ، ولا يَحلِقُ إلا بإذنِ سيِّدِه.

وسُنَّ لمن حَلَق أو قَصَّر أَخْذُ ظُفْرٍ، وشاربٍ، وعانةٍ، وإبْطٍ.

(ثُمَّ) إذا رمى وحلق أو قَصَّر فـ (قَدْ حَلَّ لَهُ كُلُّ شَيءٍ) كان محظوراً بالإحرامِ (إِلَّا النِّسَاءَ) وطئاً، ومباشرةً، وقبلةً، ولمساً لشهوةٍ، وعقدَ نكاحٍ؛ لما روى سعيدٌ عن عائشةَ مرفوعاً:«إِذَا رَمَيْتُمْ وَحَلَقْتُمْ فَقَدْ حَلَّ لَكُمُ الطِّيبُ وَالثِّيَابُ وَكُلُّ شَيْءٍ إِلَّا النِّسَاءَ» (1).

(وَالحِلاقُ (2) وَالتَّقْصِيرُ) مِمَّن لم يَحلِق (نُسُكٌ) في تَرْكِهِما دمٌ؛ لقولِه صلى الله عليه وسلم: «فَلْيُقَصِّرْ ثُمَّ لِيُحْلِلْ» (3)،

(لَا يَلْزَمُ بِتَأْخِيرِهِ)، أي: الحلق

(1) لم نجده في المطبوع من سننه، وقد رواه أحمد (25103)، وأبو داود (1978)، من طريق الحجاج بن أرطاة عن الزهري عن عمرة عن عائشة مرفوعاً، ورواه مرة عن أبي بكر بن محمد عن عمرة عن عائشة، وضعفه أبو داود، وابن خزيمة، والنووي، والألباني، قال ابن حجر:(ومداره على الحجاج، وهو ضعيف ومدلس)، وقال البيهقي:(هذا من تخليطات الحجاج بن أرطاة).

وقد صححه الألباني دون زيادة (وحلقتم). ينظر: صحيح ابن خزيمة 4/ 303، السنن الكبرى 5/ 222، المجموع 8/ 226، التلخيص الحبير 2/ 558، الإرواء 4/ 235.

(2)

في (ق): والحلق. قال في المطلع (ص 237): (الحِلاق: بكسر الحاء، مصدر حلق حَلْقاً وحِلاقاً).

(3)

رواه البخاري (1691)، ومسلم (1227)، من حديث ابن عمر بلفظ:«وليقصر وليحلل» .

أما الترتيب بـ (ثم) فرواه النسائي (2770)، من طريق معمر، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه موقوفاً: أنه كان ينكر الاشتراط في الحج، ويقول:«ما حسبكم سنة نبيكم صلى الله عليه وسلم، إنه لم يشترط، فإن حبس أحدكم حابس، فليأت البيت فليطف به، وبين الصفا والمروة، ثم ليحلق، أو يقصر، ثم ليحلل، وعليه الحج من قابل» ، وإسناده صحيح، وأصله في الصحيح.

ص: 141

أو التقصير (1) عن أيامِ منى (دَمٌ، وَلَا بِتَقْدِيمِهِ عَلَى الرَّمْيِ وَالنَّحْرِ)، ولا إنْ نَحَر أو طاف قبلَ رميِه ولو عالماً؛ لما روى سعيدٌ عن عطاءٍ: أنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ قَدَّمَ شَيْئاً قَبْلَ شَيْءٍ فَلَا حَرَجَ» (2).

ويَحصُلُ التَّحلُّلُ الأولُ باثنينِ مِنْ حلقٍ، ورميٍ (3)، وطوافٍ، والتحلُّلِ الثاني بما بَقي مع سعي. (4) ثُمَّ يخطُبُ الإمامُ بمِنَى يومَ النحرِ خطبةً يفتتِحُها بالتكبيرِ، يعلِّمُهم فيها النحرَ، والإفاضةَ، والرميَ.

(1) في (ب): والتقصير.

(2)

لم نجده في المطبوع من سنن سعيد بن منصور، وقد رواه ابن أبي شيبة (14962)، والعقيلي في الضعفاء (1/ 20)، من طريق ابن أبي ليلى، عن عطاء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قدم من حجه شيئاً مكان شيء فلا حرج» ، وهو مع إرساله فيه ابن أبي ليلى، قال ابن حجر:(صدوق سيء الحفظ جداً).

والحديث جاء معناه عند البخاري (83)، ومسلم (1306)، من حديث عبد الله بن عمرو قال: فما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شيء قُدِّم ولا أُخِّر، إلا قال:«افعل ولا حرج» ، ورواه مسلم (1307)، عن ابن عباس بنحوه.

(3)

في (ب): رمي وحلق.

(4)

خرم في الأصل إلى قوله: (عن أيام منى؛ لأن آخر وقته غير محدود كالسعي).

ص: 142