الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(فَصْلٌ)
(وَلَا يَصِحُّ البَيْعُ) ولا الشراءُ (مِمَّنْ تَلْزَمُهُ الجُمُعَةُ بَعْدَ نِدَائِهَا الثَّانِي)، أي: الذي عندَ المنبرِ عقِبَ جلوسِ الإمامِ على المنبرِ؛ لأنَّه الذي كان على عهدِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فاختصَّ به الحكمُ؛ لقولِه تعالى:(إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ)[الجمعة: 9]، والنهي يَقتضي الفسادَ.
وكذا قَبْلَ النِّداءِ لمن منزِلُه بعيدٌ في وقتِ وجوبِ السعي عليه.
وتحرُمُ المساومةُ والمناداةُ إذاً؛ لأنَّهما وسيلةٌ للبيعِ المحرَّمِ، وكذا لو تَضايَقَ وقتُ مكتوبةٍ.
(وَيَصِحُّ) بعدَ النداءِ المذكورِ البيعُ لحاجةٍ؛ كمضطرٍ إلى طعامٍ، أو سترةٍ ونحوِهما إذا وَجَد ذلك يُباعُ.
ويصحُّ أيضاً (النِّكَاحُ وَسَائِرُ العُقُودِ)؛ كالقرضِ، والرهنِ، والضمانِ، والإجارةِ، وإمضاءِ بيعِ خيارٍ؛ لأنَّ ذلك يَقِلُّ وقوعُه، فلا تكونُ إباحتُه ذريعةً إلى فواتِ الجمعةِ أو بعضِها، بخلافِ البيعِ.
(وَلَا يَصِحُ بَيْعُ عَصِيرٍ) ونحوِه (مِمَّن يَتَّخِذُهُ خَمْراً)؛ لقولِه تعالى: (وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ)[المائدة: 2].
(وَلَا) بيعُ (سِلَاحٍ فِي فِتْنَةٍ) بينَ المسلمين؛ لأنَّه عليه السلام نَهى عنه،
قاله أحمدُ (1)، قال:(وقد يُقتَلُ به ولا يَقْتُلُ به)(2)، وكذا بيعُه لأهلِ حربٍ، أو قطَّاعِ طريقٍ؛ لأنَّه إعانةٌ على معصيةٍ.
ولا بيعُ مأكولٍ ومشمومٍ لمن يَشربُ عليهما المسكِرَ، ولا قَدَحٍ لمن يَشربُه به، ولا جَوْزٍ وبيضٍ لقمارٍ ونحوِ ذلك.
(وَلَا) بيعُ (عَبْدٍ مُسْلِمٍ لِكَافِرٍ إِذَا لَمْ يَعْتِقْ عَلَيْهِ)؛ لأنَّه ممنوعٌ مِن استدامةِ ملْكِه عليه لما فيه مِن الصَّغَارِ، فمُنِعَ مِن ابتدائِه، فإن كان يَعْتِقُ عليه بالشراءِ صحَّ؛ لأنَّه وسيلةٌ إلى حُرِّيَّتِه.
(وَإِنْ أسْلَمَ) قِنٌّ (فِي يَدِهِ)، أي: يدِ كافرٍ، أو عندَ مشتريه منه ثُمَّ ردَّه لنحوِ عيبٍ؛ (أُجْبِرَ عَلَى إِزَالَةِ مُلْكِهِ) عنه بنحوِ بيعٍ أو هبةٍ أو عتقٍ؛ لقولِه تعالى:(وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً)[النساء: 141]، (وَلَا تَكْفِي مُكَاتَبَتُهُ)؛ لأنَّها لا تزيلُ ملْكِ سيِّدِه عنه،
(1) رواه الطبراني (286)، والبزار (3589)، والبيهقي (10781)، من طريق بحر بن كنيز، عن عبد الله اللقيطي، عن أبي رجاء، عن عمران بن حصين رضي الله عنه:«أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع السلاح في الفتنة» ، وأعلَّه البزار بقوله:(لا نعلم أحداً يرويه عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا عمران بن حصين، وعبد الله اللقيطي ليس بالمعروف، وبحر بن كنيز لم يكن بالقوي، ولكن ما نحفظه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا من هذا الوجه فلم نجد بداً من إخراجه، وقد رواه سلم بن زرير، عن أبي رجاء، عن عمران موقوفاً)، ووافقه على ذلك البيهقي، وضعفه ابن الجوزي وابن حجر. وقال يحيى بن معين:(إنما هذا عن أبي رجاء أنه نهى عن بيع السلاح في الفتنة). ينظر: الضعفاء للعقيلي 4/ 138، العلل المتناهية 2/ 89، فتح الباري 4/ 323.
(2)
المبدع (4/ 42).
ولا بيعُه بخيارٍ؛ لعدمِ انقطاعِ علَقِه (1) عنه.
(وَإِنْ جَمَعَ) في عقدٍ (بَيْنَ بَيْعٍ وَكِتَابَةٍ)، بأنْ باعَ عبدَه شيئاً وكاتَبَه بعوضٍ واحدٍ صفقةً واحدةً، (أَوْ) جمَع بينَ (بَيْعٍ وَصَرْفٍ)، أو إجارةٍ، أو خُلْعٍ، أو نكاحٍ بعوضٍ واحدٍ؛ (صَحَّ) البيعُ وما جُمِعَ إليه (فِي غَيْرِ الكِتَابَةِ)، فيَبطلُ البيعُ؛ لأنَّه باعَ مالَه لمالِه، وتصحُّ هي؛ لأنَّ البُطلانَ وُجِد في البيعِ فاختصَّ به، (وَيُقَسَّطُ العِوَضُ عَلَيْهِمَا)، أي: على المبيعِ وما جُمِعَ إليه بالقِيَمِ.
(وَيَحْرُمُ بَيْعُهُ عَلَى بَيْعِ أَخِيْهِ) المسلمِ؛ (كَأنْ يَقُولَ لَمِنَ اشْتَرَى سِلْعَةً بعَشَرَةٍ: أَنَا أُعْطِيكَ مِثْلَهَا بِتِسْعَةٍ)؛ لقولِه عليه السلام: «لَا يَبِعْ (2) بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ» (3).
(وَ) يحرمُ أيضاً (شِرَاؤُهُ عَلَى شِرَائِهِ؛ كَأنْ يَقُولَ لَمِنْ بَاعَ سِلْعَةً بِتِسْعَةٍ: عِنْدِي فِيهَا عَشَرَةٌ)؛ لأنَّه في معنى البيعِ عليه المنهيِّ عنه، ومحلُّ ذلك: إذا وَقَع في زمنِ الخيارَيْن، (لِيَفْسَخَ) المقولُ له العقدَ (وَيَعْقِدَ مَعَهُ).
وكذا سَوْمُه على سَوْمِه بعدَ الرِّضا صريحاً، لا بعدَ رَدٍّ.
(وَيَبْطُلُ العَقْدُ فِيهِمَا)، أي: في البيعِ على بيعِه والشراءِ على
(1) ضبطها في هامش (ق): بضم العين. وفي (أ): عِلَقِهِ.
(2)
في (أ) و (ع) و (ب): لا يبيع.
(3)
رواه البخاري (2150)، ومسلم (1515) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
شرائِه، ويصحُّ في السَّومِ على سومِه، والإجارةُ كالبيعِ في ذلك.
ويحرُمُ بَيْعُ حاضرٍ لبادٍ، ويبطُلُ إنْ قَدِمَ لبيعِ سلعتِه بسعرِ يومِها جاهِلاً بسِعْرِها، وقَصَدَه الحاضِرُ، وبالناسِ حاجةٌ إليها.
(وَمَنْ بَاعَ رِبِويًّا بِنَسِيئَةٍ)، أي: مؤجَّلٍ، وكذا حالٍّ لم يُقْبَضْ، (وَاعْتَاضَ عَنْ ثَمَنِهِ مَا لَا يُبَاعُ بِهِ نَسِيْئَةً)؛ كثَمَنِ بُرٍّ اعتَاضَ عنه بُرًّا أو غيرَه مِن المكيلات؛ لم يَجزْ؛ لأنَّه ذريعةٌ لبيعِ الربوي بالربوي (1) نسيئةً.
وإنْ اشترَى مِن المشترِي طعاماً بدراهِمَ وسلَّمَها إليه، ثم أَخَذها منه وفاءً، أو لم يُسلِّمْ إليه لكن قاصَّه؛ جاز.
(أَوِ اشْتَرَى شَيْئاً) ولو غيرِ ربوي (نَقْداً بِدُونِ مَا بَاعَ بِهِ نَسِيئَةً)، أو حالًّا لم يُقْبَضْ، (لَا بِالعَكْسِ؛ لَمْ يَجُزْ)؛ لأنَّه ذريعةٌ إلى الرِّبا ليَبيعَ ألفاً بخمسمائِة، وتُسمى: مسألةُ العِينَةِ.
وقولُه: (لَا بِالعَكْسِ)، يعني: لا إنْ اشتراه بأكثرَ مما باعه به؛ فإنه جائِزٌ، كما لو اشتراه بمثلِه.
وأما عكسُ مسألةِ العينةِ: بأنْ باعَ سلعةً بنقدٍ، ثم اشتراها بأكثرَ منه نسيئةً؛ فنَقَل أبو داودَ:(يجوزُ بلا حيلةٍ)(2)، ونَقَل حربٌ: (أنَّها
(1) في (أ) و (ع): ربويٍّ بربويٍّ.
(2)
مسائل أبي داود (1258)، قال: سمعت أحمد سئل عن رجل باع ثوباً بنقد، ثم احتاج إليه يشتريه بنسيئة؟ قال: إذا لم يرد بذلك الحيلة، قيل: لم يرد؟ ، فكأنه لم ير به بأساً.
مِثلُ مسألةِ العينةِ) (1)، وجَزَم به المصنفُ في الإقناعِ (2)، وصاحبُ المنتهى (3)، وقدَّمه في المبدعِ وغيرِه (4).
قال في شرحِ المنتهى: (وهو المذهبُ؛ لأنه يُتَّخَذُ وسيلةً للرِّبا، كمسألةِ العينةِ)(5)، وكذا العقدُ الأولُ فيهما حيثُ كان وسيلةً إلى الثاني فيَحرمُ، ولا يصحُّ.
(وَإِنِ اشْتَرَاهُ)، أي: اشترى المبيعَ في مسألةِ العينةِ أو عكسِها (بِغَيْرِ جِنْسِهِ)؛ بأنْ باعَه بذهبٍ ثم اشتراه بفضةٍ، أو بالعكسِ، (أَوْ) اشتراه (بَعْدَ قَبْضِ ثَمَنِهِ، أَوْ بَعْدَ تَغَيُّرِ صِفَتِهِ)؛ بأن هُزِل (6) العبدُ، أو نسِيَ صنعةً، أو تخرَّقَ الثوبُ، (أَوْ) اشتراه (مِنْ غَيْرِ مُشْتَرِيهِ)؛ بأن باعه مشتريه، أو وَهَبه ونحوَه، ثم اشتراه بائعُه ممن صار إليه؛ جاز، (أَوْ اشْتَرَاهُ أبُوهُ)، أي: أبو بائعِه، (أَوْ ابْنُهُ)، أو مكاتبُه، أو زوجتُه؛ (جَازَ) الشراءُ، ما لم يَكُن حيلةً على التَّوصُّلِ إلى فِعْلِ
(1) نقلها عنه ابن قدامة في المغني (4/ 133).
(2)
(2/ 184).
(3)
منتهى الإرادات (1/ 252)
(4)
المبدع (4/ 49)، وينظر: المغني (4/ 133)، والشرح الكبير (4/ 46).
(5)
معونة أولي النهى (5/ 49).
(6)
قال في الصحاح (5/ 1850): (الهُزال: ضد السمن، يقال: هزلت الدابة هزالاً على ما لم يسم فاعله، وهزلتها أنا هزلاً، فهو مهزول).
مسألةِ العِينةِ.
ومَن احتاج إلى نقدٍ، فاشترى ما يُساوي مائةً بأكثرَ ليَتوسعَ بثمنِه؛ فلا بأس، وتُسمى: مسألةُ التَّورُّقُ.
ويحرُمُ التسعيرُ، والاحتكارُ في قوتِ آدميٍّ، ويُجبرُ على بيعِه كما يبيعُ الناسُ.
ولا يُكره إدخارُ قوتِ أهلِه ودوابِّه.
ويُسَنُّ الإشهادُ على البيعِ.