الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(بَابُ الإِجَارَةِ)
(1)
مُشتقةٌ مِن الأَجْرِ، وهو العِوضُ، ومنه سُمِّيَ الثَّوابُ أجراً.
وهي: عقْدٌ على منفعةٍ مباحةٍ معلومةٍ مِن عينٍ معيَّنةٍ أو مَوصوفةٍ في الذمَّةِ مدَّةً معلومةً، أو عملٍ معلومٍ بعوضٍ معلومٍ.
وتَنعقِدُ بلفظِ: الإجارةِ، والكراءِ، وما في معناهما، وبلفظِ: بيعٍ إن لم يُضَف للعينِ.
و(تَصِحُّ) الإجارةُ (بِثَلَاثَةِ شُرُوطٍ):
أحدُها: (مَعْرِفَةُ المَنْفَعَةِ)؛ لأنَّها المعقودُ عليها، فاشتُرط العِلمُ بها؛ كالمبيعِ.
وتحصُلُ المعرِفةُ: إما بالعُرفِ؛ (كَسُكْنَى دَارٍ)؛ لأنَّها لا تُكرى إلا لذلك، فلا يَعمَلُ فيها حِدادةً ولا قِصارةً، ولا يُسْكِنُها دابَّةً، ولا يجعلُها مخزناً لطعامٍ، ويَدخُلُ ماءُ بئرٍ تَبعاً، وله إسكانُ ضيفٍ وزائرٍ، (وَ) كـ (خِدْمَةِ آدَمِيٍّ)، فيخدِمُ ما جرت به العادةُ مِن ليلٍ ونهارٍ، وإن استأجر حُرةً أو أمةً صَرَفَ وَجْهَه عن النَّظرِ.
(1) قال في المطلع (ص 316): (الإجارة: بكسر الهمزة، مصدر: أجره يأجره أجراً وإجارة فهو مأجور، هذا المشهور، وحكي عن الأخفش والمبرد: آجرته بالمد فهو مؤجر، فأما اسم الإجارة نفسها: فإجارة، بكسر الهمزة وضمها وفتحها، حكى الثلاثة ابن سيده في المحكم).
(وَ) يصحُّ استئجارُ آدميٍّ لعملٍ معلومٍ؛ كـ (تَعْلِيمِ عِلْمٍ)، وخياطةِ ثوبٍ أو قصارتِه، أو ليدلَّ على طريقٍ ونحوِه؛ لما في البخاري عن عائشةَ في حديثِ الهجرةِ:«وَاسْتَأْجَرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَأَبُو بَكْرٍ رَجُلاً (1) مِنْ بَنِي الدَّيْلِ هَادِياً خِرِّيتاً» (2)، والخرِّيتُ: الماهِرُ بالهدايةِ.
وإما بالوصفِ؛ كحَمِلِ زُبْرَةِ حديدٍ (3) وزنُها كذا إلى موضِعٍ معيَّنٍ، وبناءِ حائطٍ يَذكُرُ طُولَه، وعرضَه، وسَمْكَه (4)، وآلتَه.
الشرطُ (الثَّانِي: مَعْرِفَةُ الأُجْرَةِ) بما تحصُلُ به معرفةُ الثمنِ؛ لحديثِ أحمدَ عن أبي سعيدٍ: «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنِ اسْتِئْجَارِ الأَجِيرِ حَتَّى يُبَيَّنَ لَهُ أَجْرُهُ» (5).
(1) في (أ) و (ب) و (ع): رجلاً هو عبد الله بن أرقط، وقيل: أريقط، كان كافراً.
(2)
رواه البخاري (2263).
(3)
قال في المطلع (ص 317): (الزُبرة: بضم الزاي: القطعة من الحديد، والجمع زُبَرٌ، قال الله تعالى: (آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ)، وزُبُر أيضاً، بضمتين، حكاهما الجوهري).
(4)
قال في المطلع (ص 317): (سَمْكه: بفتح السين وسكون الميم: ثخانته، والسمك في الحائط بمنزلة العمق في غير المنتصب).
(5)
رواه أحمد (11565) من طريق حماد بن سلمة، عن حماد بن أبي سليمان، عن إبراهيم، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه:«أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن استئجار الأجير حتى يبين له أجره» ، قال البيهقي:(وهو مرسل بين إبراهيم وأبي سعيد)، وقال ابن حجر:(وإبراهيم النخعي لم يدرك أبا سعيد ولا أبا هريرة، أي: لم يسمع)، وبهذه العلة ضعَّفه الهيثمي، وابن الملقن، والألباني. ينظر: السنن الكبرى 6/ 198، مجمع الزوائد 4/ 97، البدر المنير 7/ 39، الدراية 2/ 187، الإرواء 5/ 311.
فإن أَجَّره الدَّارَ بعمارتِها أو عِوضٍ معلومٍ، وشَرَط عليه عمارتَها خارِجاً عن الأجرةِ؛ لم تصحَّ.
ولو أجَّرها بمعيَّنٍ على أن يُنفِقَ المستأجِرُ ما تحتاجُ إليه محتسِباً به مِن الأجرةِ؛ صحَّ.
(وَتَصِحُّ) الإجارةُ (فِي الأَجِيرِ وَالظِّئْرِ (1) بِطَعَامِهِمَا وَكِسْوَتِهِمَا)؛ روي عن أبي بكرٍ، وعمرَ، وأبي موسى في الأجيرِ (2)، وأما الظِّئْرُ فلقولِه تعالى:(وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ)[البقرة: 233].
ويُشترَطُ لصحَّةِ العقدِ: العِلمُ بمدَّةِ الرَّضاعِ، ومَعرفةُ الطفلِ بالمشاهدةِ، ومَوضِعُ الرَّضاعِ، ومَعرفةُ العِوضِ.
(وَإِنْ دَخَلَ حَمَّاماً أَوْ سَفِينَةً) بلا عقدٍ، (أَوْ أَعْطَى ثَوْبَهُ قَصَّاراً (3) أَوْ خَيَّاطاً) ليَعملاه (بِلَا عَقْدٍ؛ صَحَّ بِأُجْرَةِ العَادَةِ)؛ لأنَّ العُرفَ الجاري بذلك يقومُ مَقامَ القولِ.
(1) قال في المطلع (ص 317): (الظئر: بكسر الظاء المعجمة بعدها همزة ساكنة: المرضعة غير ولدها، ويقال لزوجها: ظئر أيضاً، وقد ظأره على الشيء، إذا عطفه عليه).
(2)
لم نقف على هذه الآثار مسندة، قال البغوي:(وروي عن ابن نجيح، عن أبيه، قال: كان مع أبي موسى الأشعري غلام يخدمه بطعام بطنه). ينظر: شرح السنة 8/ 258.
(3)
قال في المطلع (ص 317): (قَصَّار: قال الجوهري: هو الذي يدق الثياب، قلت: وهو في عرف بلادنا الذي يبيض الثياب بالغسل والطبخ ونحوهما، والذي يدق يسمى: الدقاق، ولا فرق في الحكم بينهما، ولا بين صانع منتصب للعمل بأجرة).
وكذا لو دَفَع مَتاعَه لمن يَبيعُه، أو استعملَ حمَّالاً ونحوَه؛ فله أجرةُ مِثلِه، ولو لم يَكُن له عادةٌ بأخذِ الأجرةِ.
الشرطُ (الثَّالِثُ: الإِبَاحَةُ فِي) نفعِ (العَيْنِ) المقدورِ عليه المقصودِ؛ كإجارةِ دارٍ يجعلُها مَسجداً، و (1) شجرٍ لنشرِ ثيابٍ، أو قعودِه بظلِّه.
(فَلَا تَصِحُّ) الإجارةُ (عَلَى نَفْعٍ مُحَرَّمٍ؛ كَالزِّنَا، وَالزَّمْرِ، وَالغِنَاءِ، وَجَعْلِ دَارِهِ كَنِيسَةً، أَوْ لِبَيْعِ الخَمْرِ)؛ لأنَّ المنفعةَ المحرَّمةَ مطلوبٌ إزالتُها، والإجارةُ تُنافيها، وسواءٌ شَرَط ذلك في العقدِ أوْ لَا إذا ظُنَّ الفعلُ.
ولا تصحُّ إجارةُ طيرٍ ليوقِظَه للصلاةِ؛ لأنَّه غيرُ مقدورٍ عليه، ولا شَمعٍ (2) وطعامٍ ليتجمَّلَ به ويَردَّه، ولا ثوبٍ يُوضَعُ على نعشِ ميتٍ، ذَكَره في المغني، والشَّرحِ (3)، ولا نحوِ تُفَّاحةٍ لشمٍّ.
(وَتَصِحُّ إِجَارَةُ حَائِطٍ لِوَضْعِ أَطْرَافِ خُشُبِهِ) المعلومِ (عَلَيْهِ)؛ لإباحةِ ذلك.
(1) في (ق): أو.
(2)
قال في المطلع (ص 317): (الشَّمَع: معروف، وهو بفتح الشين والميم، وقد تسكن ميمه).
(3)
المغني (5/ 406)، والشرح الكبير (6/ 30).