الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(فَصْلٌ)
النوعُ (الثَّانِي: المُضَارَبَةُ)، مِن الضَّرْب في الأرضِ، وهو السَّفرُ للتجارةِ، قال تعالى:(وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ)[المزمل: 20]، وتُسمى: قِراضاً، ومُعاملة.
وهي: دفعُ مالٍ معلومٍ (لِمُتَّجِرٍ)، أي: لمن يَتَّجِرُ (بِهِ بِبَعْضِ رِبْحِهِ)، أي: بجزءٍ مشاعٍ معلومٍ (1) منه، كما تقدَّم، فلو قال: خُذْ هذا المالَ مُضاربةً، ولم يَذكُرْ سَهمَ العاملِ؛ فالرِّبحُ كلُّه لربِّ المالِ، والوضيعةُ عليه، وللعامِلِ أجرةُ مِثلِه.
وإن شَرَطَا جُزءاً (2) مِن الرِّبحِ لعبدِ أحدِهِما، أو لعبدَيْهما؛ صحَّ وكان لسيِّدِه.
وإن شَرَطَاه للعامِلِ ولأجنبيٍّ معاً، ولو وَلَدِ أحدِهِما أو امرأتِه، وشَرَطَا عليه عَملاً مع العامِلِ؛ صحَّ وكانَا عامِلَين، وإلا لم تصحَّ المضاربةُ.
(فَإِنْ قَالَ) ربُّ المالِ للعامِلِ: اتَّجر به (وَالرِّبْحُ بَيْنَنَا؛ فَنِصْفَانِ)؛ لأنَّه أضافَهُ إليهما إضافةً واحدةً ولا مرجِّحَ، فاقتضى التسويةَ.
(1) في (أ) و (ع): معلوم مشاع.
(2)
في (ق): شُرط جزء.
(وَإِنْ قَالَ): اتَّجر به (وَلِي) ثلاثةُ أرباعِهِ أو ثُلُثُه، (أَوْ) قال: اتَّجر به و (لَكَ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ أَوْ ثُلُثَهُ؛ صَحَّ)؛ لأنَّه متى عُلِمَ نصيبُ أحدِهِما أَخَذَه، (وَالبَاقِي لِلآخَرِ)؛ لأنَّ الرَّبحَ مستحَقٌّ لهما، فإذا قُدِّرَ نصيبُ أحدِهِما منه فالباقي للآخَرِ بمفهومِ اللَّفظِ.
(وَإِنِ اخْتَلَفَا لِمَن) الجزءُ (المَشْرُوطُ فَـ) هو (لِعَامِلٍ)، قليلاً كان أو كثيراً؛ لأنَّه يَستحِقُّه بالعملِ، وهو يِقلُّ ويَكثُرُ، وإنما تَتقدَّرُ حصَّتُه بالشرطِ، بخلافِ ربِّ المالِ فإنه يَستحِقُّهُ بمالِه ويَحلِفُ مدَّعيه.
وإن اختلفا في قَدْرِ الجزءِ (1) بعدَ الرِّبحِ؛ فقولُ مالكٍ بيمينِهِ.
(وَكَذَا مُسَاقَاةٌ وَمُزَارَعَةٌ) إذا اختلفا في الجزءِ المشروطِ أو قدرِه؛ لما تقدَّم.
ومضاربةٌ كشركةِ عِنانٍ فيما تقدَّم، وإن فَسَدت فالرِّبحُ لربِّ المالِ، وللعامِلِ أجرةُ مثلِه، وتصحُّ مؤقتةً ومُعلقةً.
(وَلَا يُضَارِبُ) العامِلُ (بِمَالٍ لِآخَرَ إِنْ أَضَرَّ الأَوَّلَ وَلَمْ يَرْضَ)؛ لأنَّها تَنعقِدُ على الحظِّ والنَّماءِ، فلم يَجزْ له أن يَفعَلَ ما يَمنَعُهُ، وإن لم يَكُن فيها ضررٌ على الأَوَّل، أو أَذِن؛ جاز.
(فَإِنْ فَعَلَ)؛ بأن ضارَب لآخَرٍ مع ضَررِ الأَوَّل بغيرِ إذنِه؛ (رَدَّ حِصَّتَهُ) مِن رِبحِ الثانيةِ (فِي الشَّرِكَةِ) الأُولى؛ لأنَّه اسْتَحَقَّ ذلك
(1) في (ق) زيادة: المشروط.
بالمنفعةِ التي استُحِقَّت (1) بالعقدِ الأَوَّلِ.
ولا نفقةَ لعاملٍ إلا بشرطٍ.
(وَلَا يُقْسَمُ) الرِّبحُ (مَعْ بَقَاءِ العَقْدِ)، أي: المضاربةِ (إِلَّا بِاتِّفَاقِهِمَا)؛ لأنَّ الحقَّ لا يَخرجُ عنهما، والرِّبحُ وِقايةٌ لرأسِ المالِ.
(وَإِنْ تَلِفَ رَأْسُ المَالِ، أَوْ) تَلِف (بَعْضُهُ) قبلَ التصرُّفِ؛ انفسخت فيه المضاربةُ؛ كالتالِفِ قبلَ القبضِ.
وإن تَلِف (بَعْدَ التَّصَرُّفِ) جُبِرَ مِن الرِّبحِ؛ لأنَّه دار في التجارةِ، وشَرَع فيما قَصَد بالعقدِ مِن التَّصرفاتِ المؤديةِ إلى الرِّبحِ، (أَوْ خَسِرَ) في إحدى سِلعتَيْن، أو سَفرتَيْن؛ (جُبِرَ) ذلك (مِنَ الرِّبْحِ)، أي: وَجَب جَبْرُ (2) الخُسرانِ مِن الرِّبحِ، ولم يَستحِقَّ العامِلُ شيئاً إلا بعدَ كمالِ رأسِ المالِ؛ لأنها مضاربةٌ واحدةٌ، (قَبْلَ قِسْمَتِهِ) ناضًّا (3)، (أَوْ تَنْضِيضِهِ) مع محاسبتِهِ، فإذا احتسبَا وعَلِمَا مالَهُما لم يُجبر الخسرانُ بعدَ ذلك مما قبلَهُ؛ تَنزيلاً للتَنْضِيضِ مع المحاسبةِ مَنزِلةَ المُقاسَمةِ.
(1) في (أ) و (ع): استحقها.
(2)
في (أ) و (ع): جبران.
(3)
النض: الإظهار، وأهل الحجاز يسمُّون الدنانير والدراهم: النَضَّ والناضَّ، قال أبو عبيد: وإنما يسمونه ناضاً إذا تحول عيناً بعد أن كان متاعاً. ينظر: الصحاح 3/ 1108، النهاية في غريب الحديث 5/ 72، تاج العروس 19/ 75.