الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بحِصَّتِهِ مِن الثمنِ؛ لأنَّه تجبُ فيه الشفعةُ إذا بِيع مُنفرداً، فكذا (1) إذا بِيع مع غيرِهِ.
(أَوْ تَلِفَ بَعْضُ المَبيعِ؛ فَلِلشَّفِيعِ أَخْذُ الشِّقْصِ بِحِصَّتِهِ مِنَ الثَّمَنِ)؛ لأنَّه تعذَّر أخذُ الكلِّ، فجاز له أخذُ الباقي، كما لو أتلَفَهُ آدميٌّ، فلو اشترى داراً بألفٍ تُساوي ألفين، فباع بابَها أو هدَمَها فبَقِيَت بألفٍ؛ أَخَذَها الشفيعُ بخمسمائةٍ.
(وَلَا شُفْعَةَ بِشَرِكَةِ وَقْفٍ)؛ لأنَّه لا يُؤخَذُ بالشفعةِ، فلا تجبُ به، ولأنَّ مُستحِقَّهُ غيرُ تامِّ الملكِ.
(وَلَا) شُفعةَ أيضاً بـ (غَيْرِ مِلْكٍ) للرقبةِ (سَابِقٍ)؛ بأن كان شَريكاً في المنفعةِ؛ كالموصَى له بها، أو مَلَك الشَّريكان داراً صَفقةً واحِدَةً؛ فلا شُفعةَ لأحدِهِما على الآخَرِ؛ لعدمِ الضَّررِ.
(وَلَا) شُفعةَ (لِكَافِرٍ عَلَى مُسْلِمٍ)؛ لأنَّ الإسلامَ يَعلو ولا يُعلَى (2).
(فَصْلٌ)
(وَإِنْ تَصَرَّفَ مُشْتَرِيهِ)، أي: مُشتري شِقصٍ تثبُت (3) فيه الشُّفعةُ
(1) في (ب): فكذلك.
(2)
في (ب): ولا يعلى عليه.
(3)
في (ق): يثبت.
(بِوَقْفِهِ، أَوْ هِبَتِهِ أَوْ رَهْنِهِ)، أو صَدَقةٍ به، (لَا بِوَصِيَّةٍ؛ سَقَطَتْ الشُّفْعَةُ)؛ لما فيه مِن الإضرارِ بالموقوفِ عليه والموهوبِ له ونحوِهِ؛ لأنَّه مَلَكَه بغيرِ عِوضٍ.
ولا تَسقُطُ الشفعةُ بمجرَّدِ الوصيَّةِ به قبلَ قبولِ الموصَى له بعدَ موتِ الموصِي؛ لعدمِ لزومِ الوصيةِ.
(وَ) إن تَصرَّف المشتري فيه (بِبَيْعٍ؛ فَلَهُ)، أي: الشفيعِ (أَخْذُهُ بِأَحَدِ البَيْعَيْنِ)؛ لأنَّ سببَ الشفعةِ الشراءُ، وقد وُجِد في كلٍّ منهما، ولأنَّه شَفيعٌ في العَقدين، فإن أَخَذ بالأَوَّلِ رَجَع الثاني على بائِعِهِ بما دَفَع له؛ لأنَّ العِوضَ لم يُسلَّمْ له، وإن أجَّره فللشفيعِ أخذُهُ، وتَنفسِخُ به الإجارةُ، هذا كلُّه إنْ كان التصرُّفُ قبلَ الطلبِ؛ لأنه ملكُ المشتري، وثُبوتُ حقِّ التملُّكِ للشفيعِ لا يَمنَعُ مِن تَصرُّفِهِ.
وأما تَصرُّفُهُ بعدَ الطلبِ فباطِلٌ؛ لأنَّه ملكُ الشَّفيعِ إذاً.
(وَلِلمُشْتَرِي الغَلَّةُ) الحاصِلةُ قبلَ الأخذِ، (وَ) له أيضاً (النَّمَاءُ المُنْفَصِلُ)؛ لأنَّه مِن ملكِهِ، والخراجُ بالضمانِ.
(وَ) له أيضاً (الزَّرْعُ، وَالثَّمَرَةُ الظَّاهِرَةُ)، أي: المؤبرةُ؛ لأنَّه ملكُهُ، ويَبقى إلى الحصادِ والجذاذِ؛ لأنَّ ضررَهُ لا يَبقى، ولا أُجرةَ عليه.
وعُلِمَ منه: أنَّ النماءَ المتَّصِلَ؛ كالشجرِ إذا كَبُرَ، والطَّلعِ إذا لم يُؤبَّرْ؛ يَتبَعُ في الأخذِ بالشفعةِ؛ كالردِّ بالعيبِ.
(فَإِنْ بَنَى) المشتري (أَوْ غَرَسَ) في حالٍ يُعذَرُ فيه الشريكُ بالتأخيرِ، بأن قاسَمَ المشتري وَكيلَ الشفيعِ، أو رَفَع الأمرَ للحاكمِ فقاسَمَهُ، أو قاسَمَ الشفيعَ لإظهارِهِ زِيادةً في الثمنِ ونحوِهِ، ثم غَرَس أو بَنى؛ (فَلِلشَّفِيعِ تَمَلُّكُهُ بِقِيمَتِهِ)؛ دَفعاً للضررِ، فتُقَوَّمُ الأرضُ مَغروسةً أو مَبنيةً، ثم تُقَوَّمُ خاليةً منهما، فما بينَهما فهو قِيمةُ الغِراسِ والبناءِ، (وَ) للشفيعِ (قَلْعُهُ، وَيَغْرَمُ نَقْصَهُ)، أي: ما نَقَص مِن قِيمتِهِ بالقلعِ؛ لزوالِ الضررِ به، فإن أبى فلا شُفعةَ.
(وَلِرَبِّهِ)، أي: ربِّ الغِراسِ أو البناءِ (أَخْذُهُ)، ولو اختار الشفيعُ تَملُّكَهُ بقيمتِهِ، (بِلَا ضَرَرٍ) يَلحَقُ الأرضَ بأخذِهِ، وكذا مع ضررٍ، كما في المنتهى وغيرِهِ (1)؛ لأنَّه ملكُهُ، والضررُ لا يُزالُ بالضررِ.
(وَإِنْ مَاتَ الشَّفِيعُ قَبْلَ الطَّلَبِ؛ بَطَلَتْ) الشفعةُ؛ لأنَّه نوعُ خيارٍ للتمليكٍ، أشبه خيارَ القبولِ.
(وَ) إن مات (بَعْدَهُ)، أي: بعدَ الطلبِ؛ ثَبَتَت (لِوَارِثِهِ)؛ لأنَّ الحقَّ قد تَقرَّرَ بالطلبِ، ولذلك لا تَسقُطُ بتأخيرِ الأخذِ بعدَه.
(وَيَأْخُذُ) الشفيعُ الشِّقصَ (بِكُلِّ الثَّمَنِ) الذي استقرَّ عليه العقدُ؛
(1) منتهى الإرادات (1/ 380)، الإقناع (2/ 623).
لحديثِ جابرٍ: «فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ بِالثَّمَنِ» رواه أبو إسحاقَ الجَوْزِجاني في المترجمِ (1)، (فَإِنْ عَجَزَ عَنْ) الثمنِ أو (بَعْضِهِ؛ سَقَطَتْ شُفْعَتُهُ)؛ لأنَّ في أخذِهِ بدونِ دَفعِ كلِّ الثمنِ إضراراً بالمشتري، والضَّررُ لا يُزالُ بالضررِ.
وإن أحضر رَهناً أو كَفيلاً؛ لم يَلزَم المشتري قبولُهُ، وكذا لا يَلزَمُهُ قبولُ عِوضٍ عن الثمنِ.
وللمشتري حَبسُهُ على ثمنِهِ، قاله في الترغيبِ وغيرِهِ (2)؛ لأنَّ الشُّفعةَ قَهرِيٌّ، والبيعُ عن رِضا، ويُمْهَلُ إنْ تعذَّر في الحالِ ثلاثةَ أيامٍ.
(وَ) الثمنُ (المُؤَجَّلُ يَأْخُذُ) الشفيعُ (المَلِيءُ بِهِ)؛ لأنَّ الشفيعَ
(1) كتاب المترجم لأبي إسحاق الجوزجاني مفقود، وقد رواه أحمد (15095) من طريق الحجاج بن أرطاة، عن أبي الزبير، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من كان بينه وبين أخيه مزارعة فأراد أن يبيعها فليعرضها على صاحبه، فهو أحق بها بالثمن» ، وفيه الحجاج بن أرطاة، قال ابن حجر:(صدوق كثير الخطأ والتدليس)، وقد عنعنه، ولذا ضعفه الألباني بهذا اللفظ. ينظر: تقريب التهذيب، الإرواء 5/ 374.
وأصل الحديث في مسلم (1608) من طريق ابن جريج، عن أبي الزبير، عن جابر قال:«قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشفعة في كل شركة لم تقسم، ربعة أو حائط، لا يحل له أن يبيع حتى يؤذن شريكه، فإن شاء أخذ، وإن شاء ترك، فإذا باع ولم يؤذنه فهو أحق به» .
(2)
الفروع (7/ 276)، والكافي (2/ 237).
يستحِقُّ الأخذُ بقدرِ الثمنِ وصفتِهِ، والتأجيلُ مِن صفتِهِ.
(وَضِدُّهُ)، أي: ضدُّ المليءِ وهو المعسِرُ؛ يَأخُذُ إذا كان الثمنُ مُؤجلاً (بِكَفِيلٍ مَلِيءٍ)؛ دَفعاً للضررِ.
وإن لم يَعلَم الشفيعُ حتى حَلَّ فهو كالحالِ.
(وَيُقْبَلُ فِي الخُلْفِ) في قدرِ الثمنِ (مَعَ عَدَمِ البَيِّنَةِ) لواحِدِ منهما؛ (قَوْلُ المُشْتَرِي) مع يمينِهِ؛ لأنَّه العاقِدُ، فهو أعلم بالثمنِ، والشفيعُ ليس بغارِمٍ؛ لأنَّه لا شَيء عليه، وإنما يُريدُ تملُّكَ الشِّقصِ بثمنِهِ، بخلافِ الغاصِبِ ونحوِهِ.
(فَإِنْ قَالَ) المشتري: (اشْتَرَيْتُهُ بِأَلْفٍ؛ أَخَذَ الشَّفيعُ بِهِ)، أي: بالألفِ، (وَلَوْ أَثْبَتَ البَائِعُ) أنَّ المبيعَ بـ (أَكْثَرَ) مِن الألفِ (1)؛ مُؤاخذةً للمشتري بإقرارِهِ، فإن قال: غَلِطْتُ، أو كَذَبتُ، أو نَسِيتُ؛ لم يَقبَلْ؛ لأنه رُجوعٌ عن إقرارِهِ.
ومَن ادَّعَى على إنسانٍ شُفعةً في شِقصٍ، فقال: ليس لك ملكٌ في شَركتي؛ فعلى الشفيعِ إقامةُ البيِّنةِ بالشركةِ، ولا يَكفي مجرَّدُ وَضعِ اليدِ.
(وَإِنْ أَقَرَّ البَائِعُ بِالبَيْعِ) في الشِّقصِ المشفوعِ، (وَأَنْكَرَ المُشْتَرِي) شراءَهُ؛ (وَجَبَتْ) الشُّفعةُ؛ لأنَّ البائعَ أقرَّ بحقَّيْن؛ حقٌّ للشفيعِ وحقٌّ
(1) في (ق): ألف.
للمشتري، فإذا أسقط (1) حقَّه بإنكارِهِ ثَبَت حقُّ الآخَرِ، فَيَقبِضُ الشَّفيعُ مِن البائعِ، ويُسلِّم إليه الثمنَ، ويَكونُ دَرَكُ الشفيعِ على البائعِ، وليس له ولا للشفيعِ مُحاكمةُ المشتري.
(وَعُهْدَةُ الشَّفِيعِ عَلَى المُشْتَرِي، وَعُهْدَةُ المُشْتَرِي عَلَى البَائِعِ) في غيرِ الصورةِ الأخيرةِ، فإذا ظَهَر الشِّقصُ مُستحقًّا أو مَعيباً؛ رَجَع الشَّفيعُ على المشتري بالثمنِ أو بأرشِ العيبِ، ثم يَرجِعُ المشتري على البائعِ، فإن أبى المشتري قَبْضَ المبيعِ أجبره الحاكِمُ.
ولا شُفعةَ في بَيعِ خيارٍ قبلَ انقضائِهِ، ولا في أرضِ السَّوادِ ومِصرَ والشَّامِ؛ لأنَّ عمرَ وَقَفَها، إلا أن يَحكُمَ ببيعِها حاكِمٌ، أو يَفعلَهُ الإمامُ أو نائِبُهُ؛ لأنَّه مُختلَفٌ فيه، وحُكمُ الحاكمِ يَنفُذُ فيه.
(1) في (ق): سقط.