الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويصحُّ كراءُ العُقْبَةِ (1)؛ بأن يَركَبَ في بعضِ الطَّريقِ ويَمشي في بعضٍ مع العلمِ به، إما بالفراسِخِ أو الزمانِ.
وإن استأجر اثنان جَملاً يَتعاقَبان عليه؛ صحَّ، وإن اختلفَا في البادئِ منهما أُقرِع بينهما في الأصحِّ، قاله في المبدعِ (2).
(فَصْلٌ)
(وَهِيَ)، أي: الإجارةُ (عَقْدٌ لازِمٌ) مِن الطَّرفينِ؛ لأنَّها نوعٌ مِن البيعِ، فليس لأحدِهِما
فَسخُها لغيرِ عيبٍ أو نحوِه.
(فَإِنْ آجَرَهُ شَيْئاً وَمَنَعَهُ)، أي: مَنَعَ المؤجِّرُ المستأجِرَ الشيءَ المؤجَّرَ (كُلَّ المُدَّةِ أَوْ بَعْضَهَا)؛ بأن سلَّمَه العَينَ ثم حوَّلَه قبلَ تقَضِّي المدَّةِ؛ (فَلَا شَيْءَ لَهُ) مِن الأُجرةِ؛ لأنَّه لم يُسلِّمْ له ما تَناوَلَه عَقدُ الإجارةِ، فلم يَستحِقَّ شيئاً.
(وَإِنْ بَدَأَ الآخَرُ)، أي: المستأجِرُ فتَحَوَّل (قَبْلَ انْقِضَائِهَا)، أي: انقضاءِ مدَّةِ الإجارةِ؛ (فَعَلَيْهِ) جميعُ (الأُجْرَةِ)؛ لأنها عقدٌ لازِمٌ، فترتَّب مُقتضاها، وهو ملكُ المؤجِّرِ الأجرَ، والمستأجِرِ المنافِعَ.
(1) قال في المطلع (ص 431): (العُقْبَة: بوزن غرفة: النوبة، يقال: دارت عقبة فلان: إذا جاءت نوبته ووقت ركوبه).
(2)
(4/ 438).
(وَتَنْفَسِخُ) الإجارةُ (بِتَلَفِ العَيْنِ المُؤَجَّرَةِ)؛ كدَّابةٍ وعبدٍ ماتَا؛ لأنَّ المنفعةَ زالت بالكليةِ.
وإن كان التَّلَف بعدَ مُضي مدَّةٍ لها أجرةٌ؛ انفَسَخَت فيما بَقِيَ، وَوَجَب للماضي القِسطُ.
(وَ) تَنفسِخُ الإجارةُ أيضاً (بِمَوْتِ المُرْتَضِعِ)؛ لتعذُّرِ استيفاءِ المعقودِ عليه؛ لأنَّ غيرَه لا يَقومُ مَقامَه؛ لاختلافِهِم في الرَّضاعِ.
(وَ) تَنفسِخُ الإجارةُ أيضاً بموتِ (الرَّاكِبِ إِنْ لَمْ يُخَلِّفْ بَدَلاً)، أي: مَن يَقومُ مَقامَه في استيفاءِ المنفعةِ، بأن لم يَكُن له وارِثٌ، أو كان غائِباً؛ كمن يَموتُ بطريقِ مكةَ ويَترُكُ جَمَلَهُ، فظاهِرُ كلامِ أحمدَ: أنها تَنفسِخُ في الباقي؛ لأنَّه قد جاء أمرٌ غالِبٌ مَنَع المستأجِرَ منفعةَ العينِ؛ أشبه ما لو غُصبت، هذا كلامُه في المقنعِ.
والذي في الإقناعِ، والمنتهى وغيرِهما (1): أنَّها لا تَبطُلُ بموتِ راكبٍ.
(وَ) تَنفسِخُ أيضاً بـ (انْقِلَاعِ ضِرْسٍ) اكتُرِيَ لقلعِه (أَوْ بُرْئِهِ)؛ لتعذُّرِ استيفاءِ المعقودِ عليه، فإن لم يَبرَأْ و (2) امتَنَعَ المستأجِرُ مِن
(1) الإقناع (2/ 527)، ومنتهى الإرادات (1/ 348)، والتنقيح المشبع (ص 277).
(2)
في (ق): أو.
قلعِه؛ لم يُجْبَرْ، (وَنَحْوِهِ)، أي: تَنفسِخُ الإجارةُ بنحوِ ذلك؛ كاستئجارِ طبيبٍ ليُداويَه فبرِئَ (1).
و(لَا) تَنفسِخُ (بِمَوْتِ المُتَعَاقِدَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا) مع سلامةِ المعقودِ عليه؛ للُزومِها.
(وَلَا) تَنفسِخُ (بِـ) ـعُذرٍ لأحدِهِما، مِثلَ (ضَيَاعِ نَفَقَةِ المُسْتَأْجِرِ) للحجِّ، (وَنَحْوِهِ)؛ كاحتراقِ متاعِ مَن اكتَرى دُكاناً لبيعِه.
(وَإِنِ اكْتَرَى دَاراً فَانْهَدَمَتْ، أَوْ) اكترى (أَرْضاً لِزَرْعٍ فَانْقَطَعَ مَاؤُهَا أَوْ غَرِقَتْ؛ انْفَسَخَتْ الإِجَارَةُ فِي البَاقِي) مِن المدَّةِ؛ لأنَّ المقصودَ بالعقدِ قد فات؛ أشبه ما لو تَلِف.
وإن أجَّره أرضاً بلا ماءٍ صحَّ، وكذا إن أطلَقَ مع عِلْمِه بحالِها، وإن ظَنَّ وجودَه بالأمطارِ وزيادةِ الأنهارِ صحَّ؛ كالعلمِ.
وإن غُصِبَت المؤجَّرَةُ خُيِّر المستأجِرُ بينَ الفسخِ وعليه أُجرةُ ما مضى، وبينَ الإمضاءِ ومطالبةِ الغاصِبِ بأجرةِ المثلِ.
ومَن استُؤجِر لعملِ شيءٍ فَمَرِض؛ أُقيمَ مَقامَه مِن مالِه مَن يَعملُهُ، ما لم تُشترَطْ فيه (2) مُباشرَتُهُ، أو يَختلِفُ فيه القصدُ (3)
(1) في (ب): فيبرئ.
(2)
في (أ) و (ب) و (ع) و (ق): تشترط.
(3)
في (ق): المقصد.
كالنَّسخِ (1)، فيَتَخَيَّرُ المستأجِرُ بينَ الصبرِ والفسخِ (2).
(وَإِنْ وَجَدَ) المستأجِرُ (العَيْنَ مَعِيبَةً، أَوْ حَدَثَ بِهَا) عندَه (عَيْبٌ) - وهو: ما يَظهَرُ به تَفاوُتُ الأجرِ-؛ (فَلَهُ الفَسْخُ) إن لم يَزُلْ بلا ضررٍ يَلحقُه، (وَعَلَيْهِ أُجْرَةُ مَا مَضَى)؛ لاستيفائِه المنفعةَ فيه، وله الإمضاءُ مجاناً، والخيارُ على التَّراخي.
ويجوزُ بيعُ العينِ المؤجَّرَةِ، ولا تَنفسِخُ الإجارةُ به، وللمشتري الفسخُ إن لم يَعلَمْ.
(وَلَا يَضْمَنُ أَجِيرٌ خَاصٌّ) - وهو: مَن استؤجِرَ مدَّةً مَعلومةً يَستحِقُّ المستأجِرُ نفعَهُ في جميعِها، سِوى فعلِ الخَمْسِ بسُننِها في أوقاتِها، وصلاةِ جمعةٍ وعيدٍ، سُمِّيَ خاصاً؛ لاختصاصِ المستأجِرِ بنفعِهِ تلك المدَّةِ، ولا يَستنِيبُ (3) - (مَا جَنَتْ يَدُهُ خَطَأً)؛ لأنَّه نائِبُ المالِكِ في صَرْفِ منافعِهِ فيما أَمَر به، فلم يَضمَنْ كالوكيلِ، وإن تَعدَّى أو فَرَّط ضَمِن.
(وَلَا) يَضمَنُ أيضاً (حَجَّامٌ، وَطَبِيبٌ، وَبَيْطَارٌ)، وختَّانٌ (لمْ تَجْنِ أَيْدِيهِمْ إِنْ عُرِفَ حِذْقُهُمْ)، أي: معرفتُهُم صنعتَهُم؛ لأنَّه فَعَل
(1) في (أ) و (ع) و (ق): كالفسخ. وفي هامشهما: صوابه كالنسخ؛ أي: لأنه يختلف باختلاف الخطوط.
(2)
في (أ): والنسخ.
(3)
في (ب): يضمن.
فِعلاً مباحاً فلم يَضمَنْ سِرايتَهُ، ولا فرقَ بينَ خاصِّهم ومُشتَرَكِهِم.
فإن لم يَكُن لهم حِذْقٌ في الصَّنعةِ ضَمِنوا؛ لأنَّه لا يَحِلُّ لهم مُباشرَةُ القَطْعِ إذاً.
وكذا لو كان حاذِقاً وَجَنَت يدُه، بأن تجاوَزَ بالختانِ إلى بعضِ الحشفةِ، أو بآلةٍ كالَّةٍ، أو تجاوَزَ بقطعِ السِّلْعةِ موضِعَها ضَمِن؛ لأنَّه إتلافٌ لا يَختلِفُ ضمانُه بالعمدِ والخطأ.
(وَلَا) يَضمَنُ أيضاً (رَاعٍ لَمْ يَتَعَدَّ)؛ لأنَّه مؤتَمَنٌ على الحفظِ كالمودَعِ، فإن تَعدَّى أو فَرَّط ضَمِن.
(وَيَضْمَنُ) الأجيرُ (المُشْتَرَكُ)، وهو: مَنْ قُدِّرَ نَفعُه بالعملِ؛ كخياطةِ ثوبٍ، وبناءِ حائطٍ، سُمِّيَ مُشتَرَكاً؛ لأنَّه يَتَقَبَّلُ أعمالاً لجماعةٍ في وقتٍ واحدٍ يَعمَلُ لهم، فيَشتَرِكون في نفعِه؛ كالحائكِ، والقصَّارِ، والصبَّاغِ، والجمالِ (1)، وكلٌّ (2) منهم ضامِنٌ (مَا تَلِفَ بِفِعْلِهِ)؛ كتخريقِ الثوبِ، وغلطِهِ في تفصيلِهِ، رُوي عن عمرَ (3)،
(1) في (أ) و (ب) و (ع) و (ق): والحمال. قال في المغني (5/ 388): (والحمال يضمن ما يسقط من حمله عن رأسه، أو تلف من عثرته، والجمال يضمن ما تلف بقوده، وسوقه، وانقطاع حبله الذي يشد به حمله).
(2)
في (ق): فكل.
(3)
رواه عبد الرزاق (14949)، وابن أبي شيبة (21050) من طريق بكير بن عبد الله بن الأشج:«أن عمر بن الخطاب ضمن الصناع الذين انتصبوا للناس في أعمالهم ما أهلكوا في أيديهم» ، وضعفه الشافعي، وابن الملقن، وقال ابن حجر:(أخرجه عبد الرزاق بسند منقطع). ينظر: الأم 4/ 38، البدر المنير 7/ 45، التلخيص الحبير 3/ 147.
وعليٍّ (1)،
وشريحٍ (2)، والحسنِ رضي الله عنهم (3)؛ لأنَّ عملَهَ مضمونٌ عليه لكونِهِ لا يَستحِقُّ العِوضَ إلا بالعملِ، وأنَّ الثوبَ لو تَلِف في حِرزِه بعدَ عملِهَ لم يَكُن له أجرةٌ فيما عَمِلَ به، بخلافِ الخاصِّ، والمتولِّدُ مِن المضمونِ مضمونٌ، وسواءٌ عَمِل في بيتِه، أو بيتِ المستأجِرِ،
(1) رواه عبد الرزاق (14948)، وابن أبي شيبة (21051)، والبيهقي (11666)، من طريق جعفر بن محمد، عن أبيه، أن عليًّا رضي الله عنه كان يضمن القصار والصواغ، وقال:«لا يصلح الناس إلا ذلك» ، صححه ابن حزم، وضعفه الشافعي، وقال البيهقي:(حديث جعفر عن أبيه عن علي مرسل)، وضعفه الألباني بهذه العلة أيضاً.
وقد روى عبد الرزاق (14950) من طريق جابر، عن الشعبي:«أن علياً وشريحاً كانا يضمنان الأجير» ، وجابر الجعفي ضعيف الحديث.
وروى ابن أبي شيبة (21049) من طريق سماك، عن ابن عبيد بن الأبرص:«أن علياً ضمن نجاراً» ، وابن عبيد ذكره البخاري، وابن أبي حاتم ولم يذكرا فيه جرحاً ولا تعديلاً.
وروى البيهقي (11667)، من طريق خلاس:«أن علياً كان يضمن الأجير» ، قال البيهقي:(أهل العلم بالحديث يضعفون أحاديث خلاس عن علي، ويقولون: هو من كتاب).
قال البيهقي: (وإذا ضمت هذه المراسيل بعضها إلى بعض أخذت قوة). ينظر: الأم 4/ 38، التاريخ الكبير للبخاري 3/ 250، الجرح والتعديل لابن أبي حاتم 3/ 436، المحلى 7/ 30، معرفة السنن والآثار 8/ 338، الإرواء 5/ 319.
(2)
رواه ابن أبي شيبة (21052) عن علي بن الأقمر، عن شريح، أنه كان يضمن القصَّار، وقال:«أعطه ثوبه أو شراءه» .
(3)
رواه ابن أبي شيبة (21055) عن يونس، عن الحسن، أنه قال في القصار إذا أفسد:«هو ضامن» .
أو كان المستأجِرُ على المتاعِ أوْ لَا.
(وَلَا يَضْمَنُ) المشتركُ (مَا تَلِفَ مِنْ حِرْزِهِ، أَوْ بِغَيْرِ فِعْلِهِ)؛ لأنَّ العينَ في يدِه أمانةٌ؛ كالمودَعِ، (وَلَا أُجْرَةَ لَهُ) فيما عَمِلَ فيه؛ لأنَّه لم يُسلِّمْ عملَه إلى المستأجِرِ، فلم يَستحقَّ عِوضَه، سواءٌ كان في بيتِ المستأجِرِ أو غيرِه، بناءً كان أو غيرَه.
وإن حَبَس الثوبَ على أجرتِه فتَلِفَ؛ ضَمِنه؛ لأنَّه لم يَرهنْه عندَه، ولا أَذِن له في إمساكِه، فلَزِمَه الضَّمانُ؛ كالغاصِبِ.
وإن ضَرَب الدَّابةَ بقَدْرِ العادةِ؛ لم يَضمَنْ.
(وَتَجِبُ الأُجْرَةُ بِالعَقْدِ)؛ كثمنٍ وصَداقٍ، وتَكونُ حالَّةً (إِنْ لَمْ تُؤَجَّلْ) بأجلٍ معلومٍ، فلا تجبُ حتى يَحلَّ.
(وَتُسْتَحَقُّ)، أي: يُملَكُ الطَّلبُ بها (بِتَسْلِيمِ العَمَلِ الَّذِي فِي الذِّمَّةِ)، ولا يجبُ تَسليمُها قبلَه وإن وَجَبَت بالعقدِ؛ لأنَّها عِوضٌ، فلا يَستحِقُّ تَسليمُه إلا مع تَسليمِ المعوَّضِ؛ كالصداقِ.
وتَستقِرُّ كاملةً باستيفاءِ المنفعةِ، وبتسليمِ العينِ ومُضي المدَّةِ مع عدمِ المانِعِ، أو فَراغِ عَمَلِ ما بيدِ مستأجِرٍ، ودَفعِه إليه.
وإن كانت لعملٍ فبِبذلِ تسليمِ العينِ، ومُضي مدَّةٍ يُمكِنُ الاستيفاءُ فيها.
(وَمَنْ تَسَلَّمَ عَيْناً بِإِجَارَةٍ فَاسِدَةٍ، وَفَرَغَتِ المُدَّةُ؛ لَزِمَهُ أُجْرَةُ المِثْلِ) لمدَّةَ بقائَها في يدَه، سَكَن أو لم يَسكُنْ؛ لأنَّ المنفعةَ تَلِفت تحتَ يدِه بعوضٍ لم يُسلَّمْ للمؤجِّرِ، فَرُجِع إلى قيمتِها.