الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(وَإِنْ كَانَ) المالُ (غَائِباً بَعِيداً) مسافةَ القصرِ، أو غَيَّبَهُ بمسافةِ القصرِ (عَنْها)، أي: عن البلدِ (وَالمُشْتَرِي مُعْسِرٌ)، يعني: أو ظَهَر أنَّ المشتَرِيَ معسرٌ؛ (فَلِبَائِعٍ الفَسْخُ)؛ لتعذُّرِ الثَّمنِ عليه، كما لو كان المشتري مُفلِساً، وكذا مُؤجَّرٌ بنقدٍ حالٍّ.
(وَيَثْبُتُ الخِيَارُ لِلخُلْفِ فِي الصِّفَةِ) إذا باعه شيئاً موصوفاً، (وَلِتَغَيُّرِ مَا تَقَدَّمَتْ رُؤْيَتُهُ) العقدَ.
وبذلك تمَّت أقسامُ الخيارِ ثمانيةً.
(فَصْلٌ) في التَّصرُّفِ في المبيعِ قبلَ قبضِه
،
وما يَحصلُ به قبضُه
(وَمَنِ اشْتَرَى مَكِيلاً وَنَحْوَهُ)، وهو الموزونُ والمعدودُ والمذروعُ؛ (صَحَّ) البيعُ، (وَلَزِمَ بِالعَقْدِ) حيثُ لا خيارَ، (وَلَمْ يَصِحَّ تَصَرُّفُهُ فِيهِ) ببيعٍ، أو هبةٍ، أو إجارةٍ، أو رهنٍ، أو حوالةٍ (حَتَّى يَقْبِضَهُ)؛ لقولِه عليه السلام:«مَنِ ابْتَاعَ طَعَاماً فَلَا يَبِعْهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَهُ» متفقٌ عليه (1).
ويصحُّ عِتْقُه، وجَعْلُه مَهراً، وعِوَضَ خُلْعٍ، ووصيَّةٌ به.
(1) رواه البخاري (2126)، ومسلم (1525) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
وإن اشترى المكيلَ ونحوَه جُزَافاً؛ صحَّ التَّصرفُ فيه قبلَ قَبْضِه؛ لقولِ ابنِ عمرَ رضي الله عنهما: «مَضَتِ السُّنَّةُ أَنَّ مَا أَدْرَكَتْهُ الصَّفْقَةُ حَيًّا (1) مَجْمُوعاً فَهُوَ مِنْ مَالِ المُشْتَرِي» (2).
(وَإِنْ تَلِفَ) المبيعُ بكيلٍ ونحوِه أو بعضُه (قَبْلَ) قبضِه؛ (فَمِنْ ضَمَانِ البَائِعِ)، وكذا لو تعيَّب قبلَ قبضِه.
(وَإِنْ تَلِفَ) المبيعُ المذكورُ (بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ) لا صُنْعَ لآدميٍّ فيها؛ (بَطَلَ)، أي: انفَسَخ (البَيْعُ).
وإن بَقِيَ البعضُ خُيِّر المشتري في أخذِه بقِسْطِه مِن الثَّمنِ.
(وَإِنْ أتْلَفَهُ)، أي: المبيعَ بكيلٍ أو نحوِه (آدَمِيٌّ) - سواءٌ كان هو البائعُ أو أجنبيًّا - (خُيِّرَ مُشْتَرٍ بَيْنَ فَسْخِ) البيعِ، ويَرجِعُ على بائعٍ (3) بما أَخَذ مِن ثمنِه، (وَ) بينَ (إِمْضَاءٍ وَمُطَالَبَةِ مُتْلِفِهِ بِبَدَلِهِ)، أي: بمثلِه إن كان مثليًّا أو قيمتِه إن كان متقوَّماً.
(1) في (أ): حبًّا.
(2)
علَّقه البخاري بصيغة الجزم، باب: إذا اشترى متاعاً أو دابة، فوضعه عند البائع أو مات قبل أن يقبض، (3/ 69)، ووصله الطحاوي (5537)، والدارقطني (3006)، من طريق الزهري، عن حمزة بن عبد الله بن عمر، عن أبيه به. وصححه ابن حزم، والنووي، وابن تيمية، وابن حجر، وقال الألباني:(وإسناده صحيح على شرط الشيخين). ينظر: المجموع 12/ 132، مجموع الفتاوى 20/ 343، تغليق التعليق 3/ 243، الإرواء 5/ 173.
(3)
في (ق): البائع.
وإن تَلِفَ بفعلِ مشترٍ فلا خيارَ له؛ لأنَّ إتلافَه كقبضِه.
(وَمَا عَدَاهُ)، أي: عدا ما اشتُريَ بكيلٍ أو وزنٍ أو عدٍّ أو ذرعٍ؛ كالعبدِ والدارِ؛ (يَجُوزُ تَصَرُّفُ المُشْتَرِي فِيهِ قَبْلَ قَبْضِهِ)؛ لقولِ ابنِ عمرَ: كُنَّا نَبِيعُ الإبلَ بالبَقِيعِ (1)
بالدراهِمِ، فنَأخُذُ عنها الدنانيرَ
(1) في (ح) و (ع): بالنقيع. قال البكري: (بفتح أوَّله، وكسر ثانيه، بعده ياء، وعين مهملة: موضع تلقاء المدينة، بينها وبين مكة، على ثلاث مراحل من مكة، بقرب قدس). ينظر: معجم ما استعجم من أسماء البلاد والمواضع 4/ 1323.
قال النووي: (هو بالباء، وهو البقيع المذكور في قوله: «كنا نبيع الإبل في البقيع بالدراهم فنأخذ الدنانير»، وأما قول الشيخ عماد الدين ابن باطيش: لم أجد أحداً ضبط البقيع في هذا الحديث، وأن الظاهر أنه كان يبيع بالنقيع - بالنون - فإنه أشبه بالبيع من البقيع الذي هو مدفن، فليس كما قال، بل هو البقيع بالباء وهو المدفن، ولم يكن في ذلك الوقت كثرت فيه القبور). ينظر: تهذيب الأسماء واللغات 3/ 39.
وبالعكسِ، فسأَلْنَا رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فقال:«لَا بَأْسَ أَنْ تَأْخُذَ بِسِعْرِ يَوْمِهَا، مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا وَبَيْنَهُمَا شَيْءٌ» رواه الخمسةُ (1)،
إلا المبيعَ بصفةٍ، أو رؤيةٍ متقدِّمةٍ؛ فلا يَصحُّ التَّصرُّفُ فيه قبلَ قبضِه.
(وَإِنْ تَلِفَ مَا عَدَا المَبِيعَ بِكَيْلٍ وَنَحْوِهِ فَمِنْ ضَمَانِهِ)، أي: ضمانِ المشتري؛ لقولِه عليه السلام: «الخَرَاجُ بِالضَّمَانِ» (2)، وهذا المبيعُ للمشتري فضمانُه عليه.
وهذا (مَا لَمْ يَمْنَعْهُ بَائِعٌ مِنْ قَبْضِهِ)، فإن منَعَه حتى تَلِفَ؛ ضَمِنَهُ ضمانَ غَصْبٍ.
والثمرُ على الشجرِ، والمبيعُ بصفةٍ أو رؤيةٍ سابقةٍ؛ مِن ضمانِ
(1) رواه أحمد (5555)، وأبو داود (3354)، والترمذي (1242)، والنسائي (4582)، وابن ماجه (2262)، وابن حبان (4920)، والحاكم (2285)، من طريق سماك بن حرب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عمر. قال الحاكم:(صحيح على شرط مسلم)، ووافقه الذهبي، وصححه ابن حبان، وابن الملقن، وابن القيم، وحسنه النووي، وذكر كلام الأئمة في سماك، ومال إلى تحسين حديثه.
وأعلَّه جماعة من الحفاظ بضعف سماك، خاصةً حال تفرده، قال النسائي:(إذا انفرد بأصل لم يكن حجة؛ لأنه كان ربما يلقن فيتلقن)، وقال ابن معين:(أسند أحاديث لم يسنده غيره)، وقد تفرد سماك برفعه، ورواه غيره موقوفاً، قال الترمذي:(هذا حديث لا نعرفه مرفوعاً إلا من حديث سماك بن حرب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عمر، وروى داود بن أبي هند هذا الحديث، عن سعيد بن جبير، عن ابن عمر موقوفاً)، وقال الدارقطني:(لم يرفعه غير سماك، وسماك سيئ الحفظ)، ووافقه البيهقي.
قال داود الطيالسي: سئل شعبة عن حديث سماك هذا، فقال شعبة:(سمعت أيوب، عن نافع، عن ابن عمر، ولم يرفعه، وحدثنا قتادة، عن سعيد بن المسيب، عن ابن عمر، ولم يرفعه، وحدثنا يحيى بن أبي إسحاق، عن سالم، عن ابن عمر، ولم يرفعه، ورفعه لنا سماك بن حرب، وأنا أفرقه).
وقد روى الموقوف النسائي (4585) من طريق أبي هاشم، عن سعيد بن جبير، عن ابن عمر:«أنه كان لا يرى بأساً، يعني في قبض الدراهم من الدنانير، والدنانير من الدراهم» ، ورجحه أيضاً ابن حجر والألباني.
ينظر: علل الدارقطني 13/ 184، السنن الكبرى للبيهقي 5/ 466، المجموع 10/ 110، تحفة المحتاج 2/ 233، تهذيب السنن 2/ 194، التلخيص الحبير 3/ 69، الدراية 2/ 155، الإرواء 5/ 174.
(2)
تقدم تخريجه صفحة ..... الفقرة ......
بائعٍ.
ومَن تعيَّن مِلْكُه في موروثٍ أو وصيةٍ أو غنيمةٍ؛ فله التَّصرُّفُ فيه قبلَ قبضِه.
(وَيَحْصُلُ قَبْضُ مَا بِيعَ بكَيْلٍ) بالكيلِ، (أَوْ) أُبيعَ بـ (وَزْنٍ) بالوزنِ، (أَوْ) أُبيعَ بـ (عَدٍّ) بالعدِّ، (أَوْ) أُبيعَ بـ (ذَرْعٍ بِذَلِكَ) الذَّرعِ؛ لحديثِ عثمانَ يرفعُه:«إِذَا بِعْت فَكِلْ، وَإِذَا ابْتَعْت فَاكْتَلْ» رواه الإمامُ (1).
وشرطُه: حضورُ مستحِقٍّ أو نائبِه، ويَصحُّ استنابةُ مَن عليه الحقُّ للمستحِقِّ.
(1) رواه أحمد (444)، وابن ماجه (2230)، من طريق ابن لهيعة، عن موسى بن وردان، عن سعيد بن المسيب، عن عثمان بن عفان مرفوعاً. وهو من رواية عبد الله بن يزيد، وعبد الله بن وهب وغيرهما عن ابن لهيعة، وابن لهيعة وإن كان ضعيفاً إلا أن رواية العبادلة عنه قديمة، فهي مما تتقوى بالمتابعات.
وللطريق متابعة: فروى الدارقطني (2818)، والبيهقي (10698)، من طريق أبي صالح - كاتب الليث -، عن يحيى بن أيوب، عن عبيد الله بن المغيرة، عن منقذ مولى سراقة، عن عثمان بن عفان. وأبو صالح كاتب الليث ضعيف، ومنقذ قال فيه ابن حجر:(مقبول)، فلمجموع الطريقين حسنه ابن حجر، وصححه الألباني، وقال الهيثمي:(رواه أحمد، وإسناده حسن).
وضعَّف أسانيده: عبد الحق الأشبيلي، والبوصيري لما تقدم من العلل. ينظر: بيان الوهم 4/ 81، مجمع الزوائد 4/ 98، فتح الباري 1/ 19، مصباح الزجاجة 3/ 25، الإرواء 5/ 179.
ومُؤنةُ كيَّالٍ ووزَّانٍ وعدَّادٍ ونحوِه على باذلٍ.
ولا يَضمَنُ ناقِدٌ حاذِقٌ أمينٌ خطأً.
(وَ) يَحصُلُ القبضُ (فِي صُبْرَةٍ، وَمَا يُنْقَلُ)؛ كثيابٍ وحيوانٍ (بِنَقْلِهِ، وَ) يحصلُ القبضُ في (مَا يُتَنَاوَلُ)؛ كالجواهرِ والأثمانِ (بِتَنَاوُلِهِ)؛ إذ العُرفُ فيه ذلك، (وَغَيْرُهُ)، أي: غيرُ ما ذُكر؛ كالعقارِ والثمرةِ على الشَّجرِ قَبْضُه (بِتَخْلِيَتِهِ) بلا حائِلٍ، بأن (1) يَفتحَ له بابَ الدَّارِ، أو يُسلَّمَه مِفتاحَها ونحوَه، وإن كان فيها متاعٌ للبائعِ، قاله الزركشيُّ (2).
ويُعْتَبرُ لجوازِ قبضِ مُشاعٍ يُنْقَلُ إذْنُ شريكِه.
(وَالإِقَالَةُ) مستحبةٌ؛ لما روى ابنُ ماجه عن أبي هريرةَ مرفوعاً: «مَنْ أَقَالَ مُسْلِماً أَقَالَ اللهُ عَثْرَتَهُ يَوْمَ القِيَامَةِ» (3).
وهي (فَسْخٌ)؛ لأنَّها عبارةٌ عن الرفعِ والإزالةِ، يُقالُ: أقالَك اللهُ
(1) في (أ) و (ع): كأن.
(2)
شرح الزركشي على مختصر الخرقي (4/ 32).
(3)
رواه ابن ماجه (2199)، ورواه أبو داود (3460)، وابن حبان (5029)، والحاكم (2291)، من طريق الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة. وصححه ابن حبان، وابن حزم، وابن الملقن، والألباني، وقال الحاكم:(صحيح على شرط الشيخين)، ووافقه ابن دقيق العيد، والذهبي، وأقره المنذري. ينظر: المحلى 7/ 483، الاقتراح ص 99، الترغيب للمنذري 2/ 356، البدر المنير 6/ 556، التلخيص الحبير 3/ 65، الإرواء 5/ 182.
عَثْرتَك، أي: أزالها، فكانت فَسخاً للبيعِ لا بيعاً؛ فـ (تَجُوْزُ قَبْلَ قَبْضِ المَبِيْعِ) ولو نحوَ مكيلٍ، ولا تجوزُ إلا (بِمِثْلِ الثَّمَنِ) الأَوَّلِ قَدْراً ونَوعاً؛ لأنَّ العقدَ إذا ارتَفَعَ رَجَع كلٌّ منهما بما كان له، وتجوزُ بعدَ نداءِ الجمعةِ، ولا يَلزمُ إعادةُ كيلٍ أو وزنٍ، وتصحُّ مِن مُضاربٍ وشَريكٍ، وبلفظِ: صُلْحٍ، وبَيْعٍ، ومُعاطاةٍ، ولا يحنثُ بها مَن حَلَف لا يَبيعُ، (وَلَا خِيَارَ فِيهَا)، أي: لا يَثبتُ في الإقالةِ خيارُ مجلسٍ ولا خيارُ شرطٍ أو نحوُه، (وَلَا شُفْعَةَ) فيها؛ لأنَّها ليست بَيعاً، ولا تَصحُّ مع تلفِ مُثْمَنٍ، أو مَوتِ عاقدٍ، ولا بزيادةٍ على ثمنٍ أو نقصِه أو غيرِ جنسِه.
ومؤنةُ ردِّ مبيعٍ تقايَلَاه على بائعٍ.