الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(بَابُ الشُّرُوطِ فِي البَيْعِ)
والشَّرطُ هنا: إلزامُ أحَدِ المتعاقدَيْن الآخرَ بسببِ العقدِ ما له فيه منفعةٌ.
ومحَلُّ المعتبرِ منها: صُلبُ العقدِ.
وهي ضربان:
ذَكَر الأولَ منهما بقولِه: (مِنْها صَحِيحٌ)، وهو ما وافَقَ مقتضَى العقدِ، وهو ثلاثةُ أنواعٍ:
أحدُها: شرطُ مقتضَى البيعِ؛ كالتَّقابضِ، وحُلولِ الثَّمنِ، فلا يؤثِّرُ فيه؛ لأنَّه بيانٌ وتأكيدٌ لمقتضَى العقدِ، فلذلك أسقطَه المصنِّفُ.
الثاني: شرطُ ما كان مِن مصلحةِ العقدِ؛ (كَالرَّهنِ) المعيَّنِ، أو الضامنِ المعيَّنِ، (وَ) كـ (تَأجِيلِ ثَمَنٍ) أو بعضِه إلى مدَّةٍ معلومةٍ، (وَ) كشرطِ صفةٍ في المبيعِ؛ كـ (كَوْنِ العَبْدِ كَاتِباً، أَوْ خَصِيًّا، أَوْ مُسْلِماً)، أو خيَّاطاً مثلاً، (وَالأَمَةِ بِكْراً)، أو تحيضُ، والدَّابةِ هِمْلَاجَةً (1)، والفهدِ أو نحوِه صَيُوداً؛ فيصحُّ.
(1) الهملاجة: التي تمشي الهملجة، والهَمْلَجةُ: حسن سيْر الدَّابة في سرعة وبخترة. ينظر: العين 4/ 118، المطلع ص:278.
فإنْ وفَى (1) بالشرطِ وإلا فلصاحبِه الفسخُ، أو أَرْشُ فَقْدِ الصِّفَةِ، وإن تعذَّر ردٌّ تعيَّنَ أرشٌ.
وإن شَرَط صفةً فبَان أعلَا منها؛ فلا خيارَ.
(وَ) الثالثُ: شرطُ بائعٍ نفعاً معلوماً في مبيعٍ، غيرَ وطءٍ ودواعيه، (نَحْوَ أَنْ يَشْتَرِطَ البَائِعُ سُكْنَى الدَّارِ) أو نحوِها (شَهْراً، وَ (2) حُمْلَانَ (3) البَعِيرِ) - أو نحوِه - المبيعِ (4)(إِلَى مَوْضِعٍ مُعَيَّنٍ)؛ لما روى جابرٌ: «أنَّهُ بَاعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم جَمَلاً، وَاشْتَرَطَ ظَهْرَهُ إِلَى المَدِينَةِ» متفقٌ عليه (5)، واحتجَّ في التعليقِ والانتصارِ وغيرِهما:«بِشِرَاءِ عُثْمَانَ مِنْ صُهَيْبٍ أَرْضاً، وَشَرَطَ وَقْفَهَا عَلَيْهِ وَعَلَى عَقِبِهِ» (6) ذكره في المبدعِ (7)، ومقتضاه صحَّةَ الشرطِ المذكورِ.
(1) قال في حاشية الروض (3/ 395): («وفَى» بالتخفيف).
(2)
في (ق): أو.
(3)
قال في طلبة الطلبة (ص 127): (الحُملان -بضم الحاء-: هو اسم المركب المحمول عليه)، وفي تاج العروس (28/ 342):(الحُملان، بالضم: ما يحمل عليه من الدواب).
(4)
في (ق): المبيع أو نحوه.
(5)
رواه البخاري (2718)، ومسلم (715) في حديث طويل.
(6)
رواه ابن أبي شيبة (23011)، من طريق سفيان، عن أبي إسحاق، عن مرة بن شراحيل، قال:«إن صهيباً باع داره من عثمان، واشترط سكناها كذا وكذا» ، ورجاله ثقات.
(7)
(4/ 53).
ولبائعٍ إجارةُ وإعارةُ ما استثنَى، وإن تعذَّر انتفاعُه بسببِ مشترٍ فعليه أجرةُ المثلِ له.
(أَوْ شَرَطَ المُشْتَرِي عَلَى البَائِعِ) نفعاً معلوماً في مبيعٍ؛ كـ (حَمْلِ الحَطَبِ) المبيعِ إلى موضعٍ معلومٍ، (أَوْ تَكْسِيْرِهِ، أَوْ خِيَاطَةِ الثَّوْبِ) المبيعِ، (أَوْ تَفْصِيلِهُ) إذا بيَّن نوعَ الخياطةِ أو التفصيلِ، واحتجَّ أحمدُ لذلك (1) بما رَوى (2):«أَنَّ مُحَمَّدَ بنَ مَسْلَمَةَ (3) اشْتَرَى مِنْ نَبَطِيٍّ جُرْزَةَ حَطَبٍ، وَشَارَطَهُ عَلَى حَمْلِهَا» (4)، ولأنَّه بيعٌ وإجارةٌ، فالبائعُ كالأجيرِ.
وإن تراضيا على أخذِ أجرتِه ولو بلا عذرٍ؛ جاز.
(وَإِنْ جَمَعَ بَيْنَ شَرْطَيْنِ) مِن غيرِ النَّوعَيْن الأَوَّلَيْنِ؛ كحَمْلِ حَطَبٍ وتكسيرِه، وخياطةِ ثوبٍ وتفصيلِه؛ (بَطَلَ البَيْعُ)؛ لما روى أبو داودَ والترمذي عن عبدِ اللهِ بنِ عمرو (5)، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:«لَا يَحِلُّ سَلَفٌ وَبَيْعٌ، وَلَا شَرْطَانِ فِي بَيْعٍ، وَلَا بَيْعُ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ» ، قال الترمذي:(حديثٌ حسنٌ صحيحٌ)(6).
(1) كما في رواية مهنا وغيره. المغني (4/ 73).
(2)
في هامش (ح): روى بفتح الراء، أفاده شيخنا عبد الرحمن بن حسن دامت إفادته.
(3)
في (أ) و (ع): سلمة.
(4)
لم نقف عليه. وذكره في المغني (4/ 73).
(5)
في (ق): عمر.
(6)
رواه أبو داود (3504)، والترمذي (1234)، ورواه أحمد (6671)، والنسائي (4611)، وابن ماجه (2188)، وابن الجاورد (601)، والحاكم (2185)، من طريق عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده مرفوعاً. وصححه الترمذي، وابن الجارود، وابن حبان، والحاكم، وابن حزم، والنووي، والأشبيلي، وابن تيمية، والذهبي، وحسنه الألباني، قال الحاكم:(هذا حديث على شرط جملة من أئمة المسلمين صحيح)، وقال أبو عبد الرحمن الأذرمي:(يقال ليس يصح من حديث عمرو بن شعيب إلا هذا، أو هذا أصحها). ينظر: المحلى 7/ 475، الكامل لابن عدي 6/ 203، بيان الوهم 5/ 488، المجموع 9/ 263، مجموع الفتاوى 20/ 350، الدراية 2/ 151، الإرواء 5/ 147.
والضربُ الثاني مِن الشروطِ أشار إليه بقولِه: (وَمِنْهَا فَاسِدٌ): وهو ما يُنافي مقتضَى العقدِ، وهو ثلاثةُ أنواعٍ:
أحدُها: (يُبْطِلُ العَقْدَ) مِن أصلِه؛ (كَاشْتِرَاطِ أَحَدِهِمَا عَلَى الآخَرِ عَقْداً آخَرَ؛ كَسَلَفٍ)، أي: سَلَمٍ، (وَقَرْضٍ، وَبَيْعٍ، وَإِجَارَةٍ، وَصَرْفٍ) للثَّمنِ أو غيرِه، وشركةٍ، وهو بيعتان في بيعةٍ المنهيُّ عنه، قاله أحمدُ (1).
الثاني: ما يصحُّ معه البيعُ، وقد ذكره بقولِه:(وَإِنْ شَرَطَ أَنْ لَا خَسَارَةَ عَليْهِ، أَوْ مَتَى نَفَقَ (2) المَبِيعُ وَإِلَّا رَدَّهُ، أَوْ) شَرَط أنْ (لَا يَبِيْعَ) المبيعَ، (وَلَا يَهَبَـ) ـهُ، (وَلَا يُعْتِقَـ) ـهُ، (أَوْ) شَرَط (إِنْ عَتَقَ فَالوَلَاءُ لَهُ)، أي: للبائعِ، (أَوْ) شَرَط البائعُ على المشتري (أَنْ يَفْعَلَ
(1) جاء في مسائل إسحاق بن منصور الكوسج (6/ 3022): قال أحمد: إذا اشترط عليه، فقال: أشتري منك هذه الدار، فإن أدرك فيها دارك، فدارك الأخرى بيع لي بثمن هذه: فهذا بيعان في بيعة، لا يجوز.
(2)
قال في المطلع (ص 278): (نَفَق المبيعُ: نفق بفتح الفاء، ضد كسد).
ذَلِكَ)، أي: أن يبيعَ المبيعَ، أو يهبَه ونحوَه؛ (بَطَلَ الشَّرْطُ وَحْدَهُ)؛ لقولِه عليه السلام:«مَنِ اشْتَرَطَ شَرْطًا لَيْسَ فِي كِتَابِ اللهِ فَهُوَ بَاطِلٌ، وَإِنْ كَانَ مِائَةَ شَرْطٍ» متفقٌ عليه (1)، والبيعُ صحيحٌ؛ لأنَّه صلى الله عليه وسلم في حديثِ بَريرةَ أَبْطَل الشَّرطَ ولم يُبطِلْ العقدَ.
(إِلَّا إِذَا شَرَطَ) البائعُ (العِتْقَ) على المشتري فيصحُّ الشرطُ أيضاً، ويُجبَرُ المشتري على العتقِ إنْ أبَاهُ، والولاءُ له، فإن أصرَّ أعْتَقَه حاكمٌ.
وكذا شرطُ رهنٍ فاسدٍ؛ كخمرٍ، ومجهولٍ، وخيارٍ أو أجلٍ مجهولَيْن، ونحوِ ذلك؛ فيصحُّ البيعُ، ويَفسُدُ الشرطُ.
(وَ) إن قال البائع: (بِعْتُكَ) كذا بكذا (عَلَى أَنْ تَنْقُدَنِي الثَّمَنَ إِلَى ثَلَاثِ) ليالٍ مثلاً، أو على أن ترهَنَنِيهِ (2) بثمنِه (وَإِلَّا) تَفعلُ ذلك (فَلَا بَيْعَ بَيْنَنَا)، وقَبِلَ المشتري؛ (صَحَّ) البيعُ والتعليقُ، كما لو شَرَط الخيارَ، ويَنفسِخُ إن لم يَفعلْ.
(وَ) الثالثُ: ما لا يَنعقِدُ معه بيعٌ؛ نحوُ (بِعْتُكَ إِنْ جِئْتَنِي بِكَذَا، أَوْ) إنْ (رَضِي زَيْدٌ) بِكذا، وكذا تعليقُ القَبولِ، (أَوْ يَقُولَ) الراهنُ (لِلمُرْتَهِنِ: إِنْ جِئْتُكَ بِحَقِّكَ) في محلِّه (3) (وَإِلَّا فَالرَّهْنُ لَكَ، لَا يَصِحُّ
(1) رواه البخاري (2155)، ومسلم (1504) من حديث عائشة رضي الله عنها.
(2)
في (ق): ترهنينه.
(3)
قال في المطلع (ص 278): (في مَحَله: المحل: مكان الحلول وزمانه، بفتح الحاء، وكسرها جائز في المكان، عن صاحب المطالع وغيره).
البَيْعُ)؛ لقولِه عليه السلام: «لَا يَغْلَقُ (1) (2) الرَّهْنُ مِنْ صَاحِبِهِ» رواه الأثرمُ (3)،
وفسَّره أحمدُ بذلك (4).
وكذا كلُّ بيعٍ عُلِّقَ على شرطٍ مستقبلٍ غيرِ: إن شاء الله، وغيرِ بيعِ العربونِ (5)؛ بأن يَدفعَ بعدَ العقدِ شيئاً، ويقولُ: إنْ أخَذْتُ المبيعَ
(1) قال الطيبي (7/ 2166): (لا يغلق: بفتح الياء واللام).
(2)
في (ق): لا يعلَّق.
(3)
رواه ابن ماجه (2441)، وابن حبان (5934)، والحاكم (2315)، والدارقطني (2920)، من طرقٍ عن أبي هريرة. وصححه مرفوعاً: ابن حبان، والحاكم، والذهبي، وعبد الحق الأشبيلي، وحسنه ابن حزم، وابن عبد البر، وقال الدارقطني في أحد أسانيده:(إسناد حسن متصل).
ورواه مالك (2698)، وأبو داود في المراسيل (186)، والبيهقي (11210)، من طريق ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب مرسلاً. ورجح المرسل جماعة من الحفاظ، قال ابن عدي:(وهذا الأصل فيه مرسل، وليس في إسناده أبو هريرة)، وقال ابن حجر:(وصحح أبو داود والبزار والدارقطني وابن القطان إرساله، وله طرق في الدارقطني والبيهقي كلها ضعيفة)، وصححه مرسلاً: البيهقي، وابن عبد الهادي، والألباني، وقال:(وجملة القول أنه ليس فى هذه الطرق - أي: الموصولة - ما يسلم من علة، فالنفس تطمئن لرواية الجماعة الذين أرسلوه، لاسيما وهم ثقات أثبات). ينظر: المحلى 6/ 379، التمهيد 6/ 430، علل الدارقطني 9/ 168، الكامل في الضعفاء 8/ 279، بيان الوهم 5/ 90، تنقيح التحقيق 4/ 119، التلخيص الحبير 3/ 96، نصب الراية 4/ 320، الإرواء 5/ 239.
(4)
جاء في مسائل إسحاق بن منصور الكوسج (6/ 2752) أن الإمام أحمد قال: (إنه إذا قال للمرتهن: إن جئتك بحقك إلى كذا وكذا وإلا فالرهن لك، إنه لا يكون له، ولكن يباع، فيكون للراهن الزيادة وعليه النقصان).
(5)
قال في المطلع (ص 279): (في العربون ست لغات: عَرَبُون، وعُرْبُون، وعُرْبَان، وبالهمزة عوض العين في الثلاثة، أَرَبُون وأُرْبُون، وأُرْبَان).
أتممتُ الثمنَ، وإلا فهو لك، فيصحُّ؛ لفِعْلِ عمرَ رضي الله عنه (1)، والمدفوعُ للبائعِ إن لم يَتمَّ البيعُ، والإجارةُ مثلُه.
(وَإِنْ بَاعَهُ) شيئاً (وَشَرَطَ البَرَاءَةَ (2) مِنْ كُلِّ عَيْبٍ مَجْهُولٍ)، أو مِن عيبِ كذا إن كان؛ (لَمْ يَبْرَأْ) البائعُ، فإن وَجَد المشتري بالمبيعِ عيباً فله الخيارُ؛ لأنَّه إنَّما يَثبتُ بعدَ البيعِ، فلا يَسقُطُ بإسقاطِه قبلَه.
وإن سَمَّى العيبَ، أو أبرأه بعدَ العقدِ؛ برِئَ.
(وَإِنْ بَاعَهُ دَاراً) أو نحوَها مما يُذْرَعُ (عَلَى أَنَّها عَشَرَةُ أَذْرُعٍ، فَبَانَتْ أَكْثَرَ) مِن عَشَرةٍ، (أَوْ أَقَلَّ) منها؛ (صَحَّ) البيعُ، والزيادةُ للبائعِ، والنقصُ عليه، (وَلِمِنْ جَهِلَهُ)، أي: الحالَ مِن زيادةٍ أو نقصٍ، (وَفَاتَ غَرَضُهُ الخِيَارُ)؛ فلكلٍّ منهما الفسخُ ما لم يُعْطِ البائعُ الزيادةَ للمشتري مجاناً في المسألةِ الأُولَى، أو يَرضَ المشتري بأَخْذِه بكلِّ الثمنِ في الثانيةِ؛ لعدمِ فواتِ الغرضِ.
(1) علقه البخاري بصيغة الجزم في باب: الربط والحبس في الحرم، (3/ 123)، ووصله عبد الرزاق (9213)، وابن أبي شيبة (23201)، والبيهقي (11180)، من طريق عمرو بن دينار، عن عبد الرحمن بن فروخ مولى نافع بن عبد الحارث قال:«اشترى نافع بن عبد الحارث من صفوان بن أمية دار السجن بثلاثة آلاف، فإنْ عُمَر رَضِيَ فالبيع بيعه، وإن عُمَر لم يرض بالبيع فلصفوان أربع مائة درهم، فأخذها عمر» ، قال ابن المنذر:(وذُكر لأحمد بن حنبل حديث عمر، فقال: أي شيء أقدر أقول). ينظر: المجموع 9/ 335.
(2)
في (أ) و (ع) و (ب): في البيع البراءة. وجعل (في العيب) من الشرح.
وإنْ تراضيَا على المعاوَضَةِ عن الزيادةِ أو النقصِ؛ جاز، ولا يُجبَرُ أحدُهُما على ذلك.
وإنْ كان المبيعُ نحوَ صُبْرَةٍ على أنها عشرةُ أَقْفِزةٍ فبانت أقلَّ أو أكثرَ؛ صحَّ البيعُ، ولا خيارَ، والزيادةُ للبائعِ، والنقصُ عليه.