الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(فَصْلٌ)
(ثُمَّ يُفِيضُ إِلَى مَكَّةَ، وَيَطُوفُ القَارِنُ وَالمُفْرِدُ بِنِيَّةِ الفَرَضِيَّةِ (1) طَوَافَ الزِّيَارَةِ)، ويقالُ: طوافُ الإفاضةِ، فيُعَيِّنُه بالنِّيةِ، وهو ركنٌ لا يَتمُّ حجٌّ إلا به.
وظاهِرُه (2): أنهما لا يطوفان للقدومِ، ولو لم يكونَا دخلَا مكةَ قبلُ، وكذا المتمتعُ يطوفُ للزيارةِ فقط، كمن دَخَل المسجدَ وأقيمت الصلاةُ فإنه يكتفِي بها عن تحيةِ المسجدِ، واختاره الموَفَّقُ (3)، والشيخُ تقيُ الدينِ (4)، وابنُ رجبٍ (5).
ونصُّ الإمامِ، واختاره الأكثرُ (6): أنَّ القارِنَ والمفرِدَ إن لم يكونا دخلاها قَبْلُ يطوفان للقدومِ برَمَلٍ ثم للزيارةِ، وأنَّ المتمتعَ يطوفُ للقدومِ ثم للزيارةِ بلا رَمَلٍ.
(وَأَوَّلُ وَقْتِهِ)، أي: وقتِ طوافِ الزيارةِ (بَعْدَ نِصْفِ لَيْلَةِ النَّحْرِ) لمن وقف قبلَ ذلك بعرفاتٍ، وإلا فَبَعَد الوقوفِ، (وَيُسَنُّ) فعلُه (فِي
(1) في (أ) و (ب) و (ع): الفريضة.
(2)
في (أ) و (ب) و (ع): فظاهره.
(3)
المغني (3/ 392).
(4)
مجموع الفتاوى (26/ 139).
(5)
القواعد الفقهية (ص 25).
(6)
الإنصاف (4/ 43).
يَوْمِهِ)؛ لقولِ ابنِ عمرَ: «أَفَاضَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يَوْمَ النَّحْرِ» متفق عليه (1).
ويُستحبُ أنْ يدخلَ البيتَ فيُكَبِّرَ في نواحيه، ويُصلِّيَ فيه ركعتين بينَ العمودَيْنِ تلقاءَ وجهِه، ويدعو اللهَ عز وجل.
(وَلَهُ تَأْخِيرُهُ)، أي: تأخيرُ الطوافِ (2) عن أيامِ مِنى؛ لأنَّ آخرَ وقتِه غيرُ محدودٍ؛ كالسعي.
(ثُمَّ يَسْعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالمَرْوَةِ إِنْ كَانَ مُتَمَتِّعاً)؛ لأنَّ سَعْيَه أولاً كان للعمرةِ، فيجبُ أن يسعى للحجِّ.
(أَوْ) كان (غَيْرُهُ)، أي: غيرُ متمتعٍ؛ بأن كان قارِناً أو مفرِداً، (وَلَمْ يَكُنْ سَعَى مَعَ طَوَافِ القُدُومِ)، فإن كان سعى بعدَه لم يُعِدْهُ؛ لأنَّه لا يُستحبُ التَّطوعُ بالسعي كسائرِ الأنساكِ، غيرِ الطوافِ؛ لأنَّه صلاةٌ.
(ثُمَّ قَدْ حَلَّ لَهُ كُلُّ شَيْءٍ) حتى النساءُ، وهذا هو التحلُّلُ الثاني.
(ثُمَ يَشْرَبُ مِنْ مَاءِ زَمْرَمَ لِمَا أَحَبَّ، وَيَتَضلَّعُ مِنْهُ)، ويرشُّ على بدنِه وثوبِه، ويستقبلُ القبلةَ، ويَتنفسُ ثلاثاً، (وَيَدْعُو بِمَا وَرَدَ)، فيقولُ: «بِسْمِ اللهِ، اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ لَنَا عِلْماً نَافِعاً، وَرِزْقاً وَاسِعاً، وَرِيًّا
(1) رواه مسلم (1308)، ورواه البخاري معلقاً (1732).
(2)
آخر الخرم من الأصل (ص).
وَشِبَعاً، وَشِفَاءً مِنْ كُلِّ دَاءٍ، وَاغْسِلْ بِهِ قَلْبِي، وَامْلَأْهُ مِنْ خَشْيَتِكَ» (1).
(ثُمَّ يَرْجِعُ) مِن مكةَ بعدَ الطَّوافِ والسعي، (فَـ) يُصلِّي ظهرَ (2) يومِ النَّحرِ بِمِنى، و (يَبِيتُ بِمِنَى ثَلَاثَ لَيَالٍ) إن لم يَتعجَّلْ، وليلتين إنْ تَعجَّلْ في يومين.
ويَرمي الجمراتِ أيامَ التشريقِ، (فَيَرْمِي الجَمْرَةَ الأُولَى - وَتَلِي مَسْجِدَ الخِيفِ - سَبْعَ (3) حَصَيَاتٍ) متعاقباتٍ، يَفعلُ كما تقدَّم في جمرةِ العقبةِ، (وَيَجْعَلُهَا)، أي: الجمرةَ (عَنْ يَسَارِهِ، وَيَتَأَخَّرُ قَلِيلاً) بحيثُ لا يُصيبُه الحصى، (وَيَدْعُو طَوَيلاً) رافعاً يديه،
(1) جاء نحوه عن ابن عباس: رواه الفاكهي في أخبار مكة (1107)، ثنا هدية بن عبد الوهاب عن الفضل بن موسى عن عثمان بن الأسود، عن ابن أبي مليكة، عن ابن عباس: أنه رأى رجلاً يشرب من ماء زمزم فقال: «هل تدري كيف تشرب من ماء زمزم؟ » قال: وكيف أشرب من ماء زمزم يا أبا عباس؟ فقال: «إذا أردت أن تشرب من ماء زمزم فانزع دلوا منها، ثم استقبل القبلة وقل: بسم الله، وتنفس ثلاثاً حتى تضلع، وقل: اللهم إني أسألك علماً نافعاً، ورزقاً واسعاً، وشفاء من كل داء» . ورجاله ثقات إلا هدية بن عبد الوهاب فإنه صدوق ربما وهم، وقد روى الدارقطني هذا الدعاء بلفظ (2738)، من طريق حفص بن عمر العدني، عن الحكم، عن عكرمة عن ابن عباس، وحفص العدني ضعيف، فالأثر جيد بالطريقين. ينظر: تقريب التهذيب ص 173، 571.
(2)
في (أ) و (ع): الظهر.
(3)
في (أ) و (ب): بسبع.
(ثُمَّ) يرمي (الوُسْطَى مِثْلَهَا): سبعَ (1) حصياتٍ، ويتأخَّرُ قليلاً، ويدعو طويلاً، لكن يَجعلُها عن يمينِه، (ثُمَّ) يرمي (جَمْرَةَ العَقَبَة) بسبعٍ كذلك، (وَيَجْعَلُهَا عَنْ يَمِيِنِه، وَيَسْتَبْطِنُ الوَادِيَ، وَلَا يَقِفُ عِنْدَهَا، يَفْعَلُ هَذَا) الرميَ للجمارِ الثلاثِ على الترتيبِ والكيفيةِ المذكورَين (فِي كُلِّ يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ بَعْدَ الزَّوَالِ)، فلا يُجزئ قبلَه، ولا ليلاً لغير سقاةٍ ورعاةٍ، والأفضلُ الرمي قبلَ صلاةِ الظهرِ.
ويَكون (مُسْتَقْبِلَ القِبْلَةِ) في الكلِّ، (مُرَتِّباً)، أي: يجبُ ترتيبُ الجمراتِ الثلاثِ على ما تقدَّم.
(فَإِنْ رَمَاهُ كُلَّهُ)، أي: رمى حصى الجمارِ السبعين كلَّه (فِي) اليومِ (الثَّالِثِ) من أيامِ التشريقِ (أَجْزَأهُ) الرميُ أداءً؛ لأنَّ أيامَ التشريقِ كلَّها وقتٌ للرمي، (وَيُرتِّبهُ بِنِيَّتِهِ)، فيرمي لليومِ الأولِ بنيَّتِه، ثم للثاني مرتَّباً، وهلمَّ جرًّا، كالفوائتِ مِن الصلواتِ.
(فَإِنْ أخَّرَهُ)، أي: الرمي (عَنْهُ)، أي: عن ثالثِ أيامِ التشريقِ فعليه دمٌ، (أَوْ لَمْ يَبِتْ بِهَا)، أي: بِمِنى (فَعَلَيهِ دَمٌ)؛ لأنَّه تَرَك نُسُكاً واجباً.
ولا مبيتٌ على سقاةٍ ورعاةٍ.
(1) في (أ) و (ع) و (ق): بسبع.
ويخطُبُ الإمامُ ثاني أيامِ التشريقِ خُطبةً يُعلِّمُهم فيها حُكْمَ التَّعجيلِ، والتَّأخيرِ، والتَّوديعِ.
(وَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَينِ خَرَجَ قَبْلَ الغُرُوبِ)، ولا إثمَ عليه، وسَقَط عنه رميُ اليومِ الثالثِ، ويدفِنُ حصاه.
(وَإِلَّا) يَخرجْ قبلَ الغروبِ (لَزِمَه المَبِيتُ وَالرَّمْيُ مِنَ الغَدِ) بعدَ الزوالِ، قال ابنُ المنذرِ:(وثبت عن عمرَ أنه قال: «مَنْ أَدْرَكَهُ المَسَاءُ فِي اليَوْمِ الثَّانِي فَلْيُقِمْ إِلَى الغَدِ حَتَّى يَنْفِرَ مَعَ النَّاسِ» (1)(2).
(فَإِذَا أَرَادَ الخُرُوج مِنْ مَكَّةَ) بعد عَوْدِه إليها (لَمْ يَخْرُجُ حَتَى يَطُوفَ لِلوَدَاعِ) إذا فَرَغ مِن جميعِ أمورِه؛ لقولِ ابنِ عباسٍ: «أُمِرَ النَّاسُ أَنْ يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهِمْ بِالبَيْتِ (3)، إلَّا أَنَّهُ خُفِّفَ عَنْ المَرْأَةِ الحَائِضِ» متفق عليه (4)، ويُسمى طوافُ الصَّدْرِ.
(فَإِنْ أَقَامَ) بعدَ طوافِ الوداعِ، (أَوْ اتَّجَرَ بعْدَهُ؛ أَعَادَهُ) إذا عزم على الخروجِ وفرغ مِن جميعِ أمورِه؛ ليِكونَ آخرَ عهدِه بالبيتِ، كما
(1) رواه البيهقي معلقاً (5/ 248)، قال: ورواه الثوري، عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر، قال: قال عمر رضي الله عنه فذكر معناه.
ورواه مالك (1531)، وابن أبي شيبة (12807)، عن نافع، عن ابن عمر قال:«إذا أدركه المساء في اليوم الثاني، فلا ينفر حتى الغد وتزول الشمس» ، وإسناده صحيح.
(2)
الإشراف على مذاهب العلماء (3/ 373).
(3)
في (ب) و (ق): بالبيت طوافاً.
(4)
رواه البخاري (1755)، ومسلم (1328).
جرت العادةُ في (1) توديعِ المسافرِ أهلَه وإخوانَه.
(وَإِنْ تَرَكَهُ)، أي: طوافَ الوداعِ (غَيْرُ حَائِضٍ رَجَعَ إِلَيْهِ) بلا إحرامٍ إن لم يَبْعُد عن مكةَ، ويُحرِمُ بعمرةٍ إن بَعُد عن مكةَ، فيطوفُ ويسعى للعمرةِ ثم للوداعِ، (فَإِنْ شَقَّ) الرجوعُ على من بَعُدَ عن مكةَ دونَ مسافةِ قصرٍ، أو بَعُدَ عنها مسافةَ قصرٍ فأكثرَ؛ فعليه دمٌ، ولا يلزمُه الرجوعُ إذاً، (أَوْ لَمْ يَرْجِعْ) إلى الوداعِ (فَعَلَيْهِ دَمٌ)؛ لتَرْكِه نُسكاً واجِباً.
(وَإِنْ أَخَّرَ طَوَافَ الزِّيَارَةِ) ونصُّه: أو القدومِ (2)، (فَطَافَهُ عِنْدَ الخُرُوجِ؛ أَجْزَأ عَنْ) طوافِ (الوَدَاعِ)؛ لأنَّ المأمورَ به أن يكونَ آخرُ عهدِه بالبيتِ وقد فَعَل.
فإن نوى بطوافِه الوداعَ لم يُجزِئْه عن طوافِ الزيارةِ.
ولا وداعَ على حائضٍ ونفساءَ إلا أن تَطْهُرَ قبلَ مُفارقةِ البنيانِ.
(وَيَقِفُ غَيْرُ الحَائِضِ) والنفساءِ بعدَ الوداعِ في المُلْتَزَمِ، وهو أربعةُ أذرُعٍ (بَيْنَ الرُّكْنِ) الذي به الحجرُ الأسودُ (وَالبَابِ)، ويُلصِقُ به وجهَه وصدرَه وذراعيْه وكفيْه مبسوطتين، (دَاعِياً بِمَا وَرَدَ) ومنه: «اللَّهُمَّ هَذَا بَيْتُك، وَأَنَا عَبْدُكَ وَابْنُ عَبْدِكَ وَابْنُ أَمَتِكَ، حَمَلْتَنِي عَلَى
(1) في (ق): من.
(2)
ذكره أبو الخطاب في الهداية من رواية ابن القاسم. (ص 197).
مَا سَخَّرْتَ لِي مِنْ خَلْقِكَ، وَسَيَّرْتَنِي فِي بِلَادِكَ حَتَّى بَلَّغْتَنِي بِنِعْمَتِكَ إِلَى بَيْتِكَ، وَأَعَنْتَنِي عَلَى أَدَاءِ نُسُكِي، فَإِنْ كُنْتَ رَضِيتَ عَنِّي فَازْدَدْ عَنِّي رِضاً، وَإِلَّا فَمُنَّ الآنَ (1) قَبْلَ أَنْ تَنْأَى عَنْ بَيْتِكَ دَارِي، وَهَذَا أَوَانُ انْصِرَافِي إنْ أَذِنْتَ لِي، غَيْرُ مُسْتَبْدِلٍ بِكَ وَلَا بِبَيْتِكَ وَلَا رَاغِبٍ عَنْكَ وَلَا عَنْ بَيْتِك، اللَّهُمَّ فَأَصْحِبْنِي العَافِيَةَ فِي بَدَنِي، وَالصِّحَّةَ فِي جِسْمِي، وَالعِصْمَةَ فِي دِينِي، وَأَحْسِنْ مُنْقَلَبِي، وَارْزُقْنِي طَاعَتَكَ مَا أَبْقَيْتَنِي، وَاجْمَعْ لِي بَيْنَ خَيْرَيْ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، إنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ» (2)، ويدعو بما أحبَّ، ويُصلِّي على النَّبي صلى الله عليه وسلم.
ويأتي الحَطِيمَ أيضاً - وهو تحتَ الميزابِ - فيدعو، ثم يَشربُ مِن ماءِ زمزمَ، ويستلمُ الحجرَ ويُقَبِّله، ثم يَخرجُ.
(وَتَقِفُ الحَائِضُ) والنفساءُ (بِبَابِهِ)، أي: بابِ المسجدِ (وَتَدْعُو بِالدُّعَاءِ) الذي سَبَق.
(وَتُسْتَحَبُّ زِيَارَةُ قَبْرِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم وَقَبْرَيْ (3)
(1) قال في المطلع (240): (فَمُنَّ الآن: الوجه فيه ضم الميم وتشديد النون، وبه قرأته على من قرأه على مصنِّفه - يعني: ابن قدامة صاحب المقنع - على أنه صيغة أمر مِن: مَنَّ يمُنُّ، مقصود به الدعاء والتعوذ، ويجوز كسر الميم وفتح النون، على أنها حرف جر لابتداء الغاية).
(2)
قال البيهقي: (وهذا من قول الشافعي رحمه الله، وهو حسن)، وأسنده الطبراني في الدعاء أيضاً (883) عن عبد الرزاق. ينظر: الأم 2/ 243، السنن الكبرى 5/ 268.
(3)
في (ق): قبر.
صَاحِبَيْهِ رضي الله عنهما (1)؛ لحديثِ: «مَنْ حَجَّ فَزَارَ قَبْرِي بَعْدَ وَفَاتِي فَكَأَنَّمَا زَارَنِي فِي حَيَاتِي» رواه الدارقطني (2)،
فيُسلِّمُ عليه مستقبِلاً له، ثم
(1) أي: زيارة مسجده، أو زيارة مسجده وقبره معاً، لا مجرد زيارة قبره قال شيخ الإسلام:(الذي اتفق عليه السلف والخلف وجاءت به الأحاديث الصحيحة هو السفر إلى مسجده، والصلاة والسلام عليه في مسجده، وطلب الوسيلة له وغير ذلك مما أمر الله به ورسوله، فهذا السفر مشروع باتفاق المسلمين سلفهم وخلفهم، وهذا هو مراد العلماء الذين قالوا: إنه يستحب السفر إلى زيارة قبر نبينا صلى الله عليه وسلم، فإن مرادهم بالسفر إلى زيارته هو السفر إلى مسجده، وذكروا في مناسك الحج أنه يستحب زيارة قبره)، وقال:(وأما من كان قصده السفر إلى مسجده وقبره معاً فهذا قد قصد مستحباً مشروعاً بالإجماع)، وقال: (وأما السفر إلى مجرد زيارة القبور؛ فما رأيت أحداً من علماء المسلمين قال: إنه مستحب، وإنما تنازعوا هل هو منهي عنه أو مباح؟ وهذا الإجماع والنزاع لم يتناول المعنى الذي أراده العلماء بقولهم: يستحبّ زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم ينظر: الرد على الإخنائي: ص 23، 24، 148.
(2)
رواه الدارقطني (2693)، والبيهقي (10274)، من طريق حفص بن سليمان، عن الليث بن أبي سليم، عن مجاهد، عن عبد الله بن عمر، قال البيهقي:(تفرد به حفص وهو ضعيف)، وضعفه ابن عدي، وابن تيمية، وابن عبد الهادي، وابن حجر، والألباني، وذلك أن حفص بن سليمان ضعفه الأئمة، قال ابن حجر:(متروك الحديث مع إمامته في القراءة)، وقد تفرد به، وهذا يدل على نكارته، وأيضاً فإن ليث بن أبي سليم ضعيف، فالحديث مسلسل بالعلل.
قال ابن عبد الهادي في رده على السبكي في تصحيحه إياه: (هذا الحديث لا يجوز الاحتجاج به، ولا يصلح الاعتماد على مثله، فإنه حديث منكر المتن، ساقط الإسناد، لم يصححه أحد من الحفاظ، ولا احتج به أحد من الأئمة، بل وضعفوه وطعنوا فيه، وذكر بعضهم أنه من الأحاديث الموضوعة والأخبار المكذوبة). ينظر: الكامل لابن عدي 3/ 272، الرد على الإخنائي ص 155، الصارم المنكي ص 62، تقريب التهذيب ص 172، التلخيص الحبير 2/ 568، الإرواء 4/ 333.
يستقبِلُ القبلةَ ويَجعلُ الحُجْرَة عن يسارِه ويدعو بما أحبَّ.
ويَحرمُ الطوافُ بها، ويُكره التَّمسَّح بالحُجرةِ (1)، ورَفْعُ الصوتِ عندَها.
وإذا أدار وجْهَه إلى بلدِه قال: «لَا إلَهَ إلَّا اللهُ، آيِبُونَ، تَائِبُونَ، عَابِدُونَ، لِرَبِّنَا حَامِدُونَ، صَدَقَ اللهُ وَعْدَهُ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ، وَهَزَمَ الأَحْزَابَ وَحْدَهُ» (2).
(وَصِفَةُ العُمْرَةِ: أنْ يُحْرِمَ بِهَا مِنَ المِيقَاتِ) إذا كان مارًّا به، (أَوْ مِنْ أَدْنَى الحِلِّ) كالتنعيمِ، (مِنْ مَكِّيٍّ وَنَحْوِهِ) ممن بالحرمِ، و (لَا) يجوزُ أن يُحْرِم بها (مِنَ الحَرَمِ)؛ لمخالفةِ أَمرِه عليه السلام (3)، ويَنعقدُ، وعليه دمٌ، (فَإِذا طَافَ وَسَعَى، وَ) حلق أو (قَصَّرَ حَلَّ)؛ لإتيانِه بأفعالِها.
(1) قال شيخ الإسلام: (يحرم طوافه بغير البيت اتفاقاً، واتفقوا على أنه لا يقبله ولا يتمسح به فإنه من الشرك، وقال: الشرك لا يغفره الله ولو كان أصغر)، وقال ابن قاسم في حاشيته عن قول المؤلف:(يكره): (والمراد كراهة التحريم)، ينظر: الاختيارات للبعلي (ص: 176)، حاشية الروض 4/ 194.
(2)
روى البخاري (1797)، ومسلم (1344)، عن ابن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا قفل من غزو أو حج أو عمرة يكبر على كل شرف من الأرض ثلاث تكبيرات، ثم يقول:«لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، آيبون تائبون عابدون ساجدون لربنا حامدون، صدق الله وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده» .
(3)
وذلك ما رواه البخاري (7230)، ومسلم (1211)، من حديث عائشة قالت:«ثم أمر عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق أن ينطلق معها إلى التنعيم، فاعتمرت عمرة في ذي الحجة بعد أيام الحج» .
(وَتُبَاحُ) العمرةُ (كَلَّ وَقْتٍ)، فلا تُكره بأشهرِ الحجِّ، ولا يومَ النَّحرِ أو عرفةَ.
(ويُكره الإكثارُ والموالاةُ بينَها باتفاقِ السَّلفِ)، قاله في المبدعِ (1).
ويُستحبُ تَكرارُها في رمضانَ؛ لأنَّها تَعدِلُ حَجَّةً.
(وَتُجْزئُ) العمرةُ مِن التنعيمِ وعمرةُ القارِنِ (عَنْ) عمرةِ (2)(الفَرْضِ) التي هي عمرةُ الإسلامِ.
(وَأَرْكَانُ الحَجِّ) أربعةٌ:
(الإِحْرَامُ) الذي هو نِيَّةُ الدخولِ في النُّسكِ؛ لحديثِ: «إنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» (3).
(وَالوُقُوفُ) بعرفةَ؛ لحديثِ: «الحَجُّ عَرَفَةُ» (4).
(وَطَوَافُ الزِّيَارِةِ)؛ لقولِه تعالى: (وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ)[الحج: 29].
(1)(3/ 238).
(2)
في (أ) و (ع) و (ق): العمرة.
(3)
تقدم تخريجه صفحة .... الفقرة ....
(4)
تقدم تخريجه صفحة .... الفقرة ....
(وَالسَّعْيُ)؛ لحديثِ: «اسْعَوْا؛ فَإِنَّ اللهَ كَتَبَ (1) عَلَيْكُمْ السَّعْيَ» رواه أحمد (2).
(وَوَاجِبَاتُهُ) سبعةٌ:
(الإِحْرَامُ مِنَ المِيقَاتِ المُعْتَبَرِ لَهُ)، وقد تقدَّم.
(1) في (ب): قد كتب.
(2)
رواه أحمد (27367)، من طريق عبد الله بن المؤمل، عن عمر بن عبد الرحمن، عن عطاء، عن صفية بنت شيبة، عن حبيبة بنت أبي تجراة مرفوعاً، وعبد الله بن المؤمل ضعيف، ولذا ضعف الحديث ابن عدي، وابن القطان، والنووي، والذهبي لحال عبد الله بن المؤمل، قال ابن عدي بعد أن ذكر الحديث:(وهذا يرويه عبد الله بن المؤمل وبه يعرف، وعامة ما يرويه الضعف عليه بين).
وقد أعله ابن عبد البر، وابن القطان، باضطرابه أيضاً، قال ابن القطان:(فهذا الاضطراب بإسقاط عطاء تارة، وابن محيصن أخرى، وصفية بنت شيبة أخرى، وإبدال ابن محيصن بابن أبي حسين أخرى، وجعل المرأة عبدرية تارة، ومن أهل اليمن أخرى، وفي الطواف تارة وفي السعي بين الصفا والمروة أخرى من عبد الله بن المؤمل هو دليل على سوء حفظه وقلة ضبطه).
وجاء من طريق آخر عند الدارقطني (2582)، والبيهقي (9365)، من طريق معروف بن مشكان عن منصور بن عبد الرحمن، عن أمه صفية بنت شيبة، عن نسوة من بني عبد الدار أدركن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورجاله ثقات، إلا ابن مشكان، قال في التقريب:(صدوق)، وصحح هذا الإسناد المزي وابن عبد الهادي.
وقال ابن حجر: (له طريق أخرى في صحيح بن خزيمة مختصرة، وعند الطبراني عن بن عباس كالأولى، وإذا انضمت إلى الأولى قويت)، ولذا احتج به ابن المنذر، وصححه ابن خزيمة، والحاكم، والألباني. ينظر: صحيح ابن خزيمة 4/ 232، المستدرك 4/ 79، الكامل لابن عدي 5/ 226، الاستيعاب 4/ 1807، بيان الوهم 5/ 156، المجموع 8/ 65، تنقيح التحقيق 3/ 513، فتح الباري 3/ 498، الإرواء 4/ 268 ..
(وَالوُقُوفُ بِعَرفَةَ إِلَى الغُرُوبِ) على مَنْ وَقَفَ نهاراً.
(وَالمَبِيتُ لِغَيرِ أهْلِ السِّقَايَةِ وَالرِّعَايَةِ بِمِنَى) لياليَ أيامِ التشريقِ على ما مرَّ.
(وَ) المبيتُ بـ (مُزْدَلِفَةَ إِلَى بَعْدِ نِصْفِ اللَّيْلِ) لمن أدركها قبلَه، على غيرِ السقاةِ والرعاةِ.
(وَالرَّمْيُ) مرتَّباً.
(وَالحِلَاقُ) أو التقصيرُ.
(وَالوَدَاعُ).
(وَالبَاقِي) مِن أفعالِ الحجِّ وأقوالِه السابقةِ (سُنَنٌ)؛ كطوافِ القدومِ، والمبيتِ بمنى ليلةَ عرفةَ، والاضطباعِ والرَّمَلِ في موضِعِهما، وتقبيلِ الحجرِ، والأذكارِ والأدعيةِ، وصعودِ الصفا والمروةِ.
(وَأَرْكَانُ العُمْرَةِ) ثلاثةٌ: (إِحْرَامٌ، وَطَوَافٌ، وَسَعْيٌ)؛ كالحجِّ.
(وَوَاجِبَاتُها: الحِلَاقُ) أو التقصيرُ، (وَالإِحْرَامُ مِنْ مِيقَاتِهَا)؛ لما تقدَّم.
(فَمَنْ تَرَكَ الإِحْرَامَ لَمْ يَنْعَقِدْ نُسُكُهُ)، حجًّا كان أو عمرةً؛ كالصلاةِ لا تَنعقِدُ إلا بالنيةِ.
(وَمَنْ تَرَكَ رُكْناً غَيْرَهُ)، أي: غيرَ الإحرامِ، (أَوْ نِيَّتَهِ) حيثُ
اعتُبِرَت؛ (لَمْ يَتِمَّ نُسُكُهُ)، أي: لم يصحَّ (إِلَّا بِهِ)، أي: بذلك الركنِ المتروكِ هو أو نيتِه المعتبرةِ، وتقدَّم: أن الوقوفَ بعرفةَ يُجزِئُ حتى مِن نائمٍ وجاهلٍ (1) أنها عرفةٌ.
(وَمَنْ تَرَكَ وَاجِباً) ولو سهواً (فَعَلَيْهِ دَمٌ)(2)، فإن عَدِمَ (3) فكصومِ المتعةِ.
(أَوْ سُنَّةً)، أي: ومَن تَرَك سنَّةً (فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ)، قال في الفصولِ وغيرُه:(ولم يُشرَع الدَّمُ عنها؛ لأنَّ جبرانَ الصلاةِ أَدْخَلُ، فيَتعدَّى إلى صلاتِه مِن صلاةِ غيرِه)(4).
(1) في (ق): أو جاهل.
(2)
سقط من (ح) إلى قوله في باب الأضحية والهدي: (ومعز، فالإبل أي السن المعتبر).
(3)
في باقي النسخ: عدمه.
(4)
ذكره عنه ابن مفلح في الفروع (6/ 72)، وصاحب الفصول: هو أبو الوفاء علي بن عقيل الحنبلي.