المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(باب الخيار) وقبض المبيع والإقالة - الروض المربع بشرح زاد المستقنع - ط ركائز - جـ ٢

[البهوتي]

فهرس الكتاب

- ‌(كِتَابُ الصِّيَامِ)

- ‌(بَابُ مَا يُفْسِدُ الصَّوْمَ، وَيُوجِبُ الكَفَّارَةَ)، وما يتعلَّقُ بذلك

- ‌(فَصْلٌ)(وَمَنْ جَامَعَ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ)

- ‌(بَابُ مَا يُكْرَهُ، وَيُسْتَحَبُّ) في الصَّومِ، (وَحُكْمُ القَضَاءِ)، أي: قضاء الصوم

- ‌(بَابُ صَوْمِ التَّطَوُّعِ)

- ‌(بَابُ الاعتِكَافِ)

- ‌(كِتَابُ المَنَاسِكِ)

- ‌(بَابُ المَوَاقِيتِ)

- ‌(بَابُ الإِحْرَامِ)

- ‌(بَابُ مَحْظُورَاتِ الإِحْرَامِ)

- ‌(بَابُ الفِدْيَةِ)

- ‌(فَصْلٌ)(وَمَنْ كَرَّرَ مَحْظُوراً مِنْ جِنْسٍ)

- ‌(بَابُ جَزَاءِ الصَّيْدِ)

- ‌(بَابُ) حكمِ (صَيْدِ الحَرَمِ)، أي: حرمِ مكةَ

- ‌(بَابُ) ذِكْرِ (دُخُولِ مَكَّةَ)، وما يتعلقُ بِه من الطوافِ والسَّعيِ

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(بَابُ صِفَةِ الحَجِّ وَالعُمْرَةِ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(بَابُ الفَوَاتِ وَالإِحْصَارِ)

- ‌(بَابُ الهَدْيُ، وَالأُضْحِيَةِ)، وَالعَقِيقَةِ

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(كِتَابُ الجِهَادِ)

- ‌فصل

- ‌(بَابُ عَقْدِ الذِّمَّةِ وَأَحْكَامِهَا)

- ‌(فَصْلٌ)في أحكامِ الذِّمَّةِ

- ‌(فَصْلٌ) فيما يَنْقُض العهدَ

- ‌(كِتَابُ البَيْعِ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(بَابُ الشُّرُوطِ فِي البَيْعِ)

- ‌(بَابُ الخِيارِ) وقبضِ المبيعِ والإقالةِ

- ‌(فَصْلٌ) في التَّصرُّفِ في المبيعِ قبلَ قبضِه

- ‌(بَابُ الرِّبَا وَالصَّرْفِ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(بَابُ بَيْعِ الأُصُولِ وَالثِّمَارِ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(بَابُ السَّلَمِ)

- ‌(بَابُ القَرْضِ)

- ‌(بَابُ الرَّهْنِ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(بَابُ الضَّمَانِ)

- ‌(فَصْلٌ) في الكَفالةِ

- ‌(بَابُ الحَوَالَةِ)

- ‌(بَابُ الصُّلْحِ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(بَابُ الحَجْرِ)

- ‌(فَصلٌ) في المحجورِ عليه لحظِّهِ

- ‌(بَابُ الوَكَالَةِ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(بَابُ الشَّرِكَةِ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(بَابُ المُسَاقَاةِ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(بَابُ الإِجَارَةِ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(بَابُ السَّبْقِ)

- ‌(بَابُ العَارِيَّةِ)

- ‌(بَابُ الغَصْبِ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)(وَتَصَرُّفَاتُ الغَاصِبِ الحُكْمِيَّةُ)

- ‌(بَابُ الشُّفْعَةِ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(بَابُ الوَدِيعَةِ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(بَابُ إِحْيَاءِ المَوَاتِ)

- ‌(بَابُ الجعَالَةِ)

- ‌(بَابُ اللُّقَطَةِ)

- ‌(بَابُ اللَّقِيطِ)

- ‌(كِتَابُ الوَقْفِ)

- ‌(فَصْلٌ)(ويَجِبُ العَمَلُ بِشَرْطِ الوَاقِفِ)

- ‌(فَصْلٌ)(وَالوَقْفُ عَقْدٌ لَازِمٌ)

- ‌(بَابُ الهِبَةِ وَالعَطِيَّةِ)

- ‌(فَصْلٌ)(يَجِبُ التَّعْدِيلُ فِي عَطِيَّةِ أَوْلَادِهِ بِقَدْرِ إِرْثِهِمْ)

- ‌(فَصْلٌ فِي تَصَرُّفَاتِ المَرِيضِ) بعطيةٍ أو نحوِها

- ‌(كِتَابُ الوَصَايَا)

- ‌(بَابُ المُوصَى لَهُ)

- ‌(بَابُ المُوصَى بِهِ)

- ‌(بَابُ الوَصِيَّةِ بِالأَنْصِبَاءِ وَالأَجْزَاءِ)

- ‌(بَابُ المُوصَى إِلَيْهِ)

الفصل: ‌(باب الخيار) وقبض المبيع والإقالة

(بَابُ الخِيارِ) وقبضِ المبيعِ والإقالةِ

الخيارُ: اسمُ مصدرِ اختار، أي: طَلَب خَيْرَ الأمرَيْن مِن الإمضاءِ والفسخِ.

(وَهُوَ) ثمانيةُ (أَقْسَامٌ):

(الأَوَّلُ: خِيَارُ المَجْلِسِ)، بكسرِ اللامِ: موضِعُ الجلوسِ، والمرادُ هنا مكانُ التبايعِ.

(يَثْبُتُ) خيارُ المجلسِ (فِي الَبيْعِ)؛ لحديثِ ابنِ عمرَ يرفعُه: «إذَا تَبَايَعَ الرَّجُلَانِ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا وَكَانَا جَمِيعاً، أَوْ يُخَيِّرُ أَحَدُهُمَا الآخَرَ، فَإِنْ خَيَّرَ أَحَدُهُمَا الآخَرَ فَتَبَايَعَا عَلَى ذَلِكَ فَقَدْ وَجَبَ البَيْعُ» متفقٌ عليه (1).

لكن يُستثنى مِن البيعِ: الكتابةُ، وتولِّي طرَفَيْ العقدِ، وشراءُ مِن يَعتقُ عليه، أو اعترف بحريتِه قبلَ الشراءِ.

(وَ) كالبيعِ (الصُّلْحُ بِمَعْنَاهُ)؛ كما لو أقرَّ بدَيْنٍ أو عَيْنٍ ثُمَّ صالحه عنه بعوضٍ، وقسمةُ التراضي، والهبةُ على عوضٍ؛ لأنَّها نوعٌ مِن البيعِ.

(وَ) كبيعٍ أيضاً (إِجَارَةٌ)؛ لأنَّها عَقْدُ معاوضةٍ أشْبَهَت البيعَ،

(1) رواه البخاري (2112)، ومسلم (1531).

ص: 228

(وَ) كذا (الصَّرْفُ، وَالسَّلَمُ)؛ لتناولِ البيعِ لهما؛ (دُونَ سَائِرِ العُقُودِ)؛ كالمساقاةِ، والحوالةِ، والوقفِ، والرهنِ، والضمانِ.

(وَلكُلٍّ مِنَ المُتَبَايِعَيْنِ) ومَنْ في معناهما ممَّن تقدَّم (الخِيَارُ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا عُرْفاً بِأَبْدَانِهِمَا) مِن مكانِ التبايعِ، فإنْ كانَا في مكانٍ واسعٍ كصحراءَ؛ فبِأَنْ يمشيَ أحدُهما مستدبِراً لصاحبِه خُطُواتٍ، وإنْ كانا في دارٍ كبيرةٍ ذاتِ مجالسَ وبيوتٍ؛ فبِأَنْ يُفارِقَه مِن بيتٍ إلى بيتٍ أو إلى نحوِ صُفَّةٍ، وإن كانا في دارٍ صغيرةٍ؛ فإذا صَعَد أحدُهما السَّطحِ أو خَرَج منها فقد افترقا، وإن كانا في سفينةٍ كبيرةٍ؛ فبِصعودِ أحدِهِما أعلاها إن كانا أسفلَ، أو بالعكسِ، وإن كانت صغيرةً؛ فبِخروجِ أحدِهِما منها.

ولو حَجَز بينَهما بحاجزٍ كحائطٍ، أو ناما؛ لم يُعَدَّ تفرُّقاً؛ لبقائِهما بأبدانِهما بمَحَلِّ العقدِ ولو طالت المدةُ.

(وَإِنْ نَفَيَاهُ)، أي: الخيارَ؛ بأنْ تبايَعا على أنْ لا خيارَ بينهما؛ لزِم بمجرَّدِ العقدِ.

(أَوْ أَسْقَطَاهُ)، أي: الخيارَ بعدَ العقدِ؛ (سَقَطَ)؛ لأنَّ الخيارَ حقٌ للعاقدِ، فسَقَط (1) بإسْقاطِه.

(وَإِنْ أسْقَطَهُ أحَدُهُمَا)، أي: أحدُ المتبايعَيْنِ، أو قال لصاحبه:

(1) في (ق): فيسقط.

ص: 229

اختَرْ؛ سَقَط خيارَه، و (بَقِيَ خِيَارُ الآخَرِ (1)؛ لأنَّه لم يَحصُلْ منه إسقاطٌ لخيارِه بخلافِ صاحبِه.

وتَحرمُ الفُرقةُ خَشْيَةَ الفسخِ.

وينقطِعُ الخيارُ بموتِ أحدِهِما، لا بجنونِه.

(وَإِذَا مَضَتْ مُدَّتُهُ)؛ بأنْ تفرَّقَا كما تقدَّم؛ (لَزِمَ البَيْعُ) بلا خلافٍ.

القسمُ (الثَّانِي) مِن أقسامِ الخيارِ: خيارُ الشَّرطِ، بـ (أَنْ يَشْتَرِطَاهُ)، أي: يَشترطَ المتعاقدان الخيارَ (فِي) صُلْبِ (العَقْدِ)، أو بعدَه في مدَّةِ خِيارِ المجلسِ أو الشَّرطِ، (مُدَّةً مَعْلُومَةً وَلَو طَوِيلَةً)؛ لقولِه عليه السلام:«المُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ» (2).

(1) في (ق): الأول.

(2)

علقه البخاري بصيغة الجزم، باب: أجرة السمسرة، (3/ 92)، وروي موصولاً عن جماعة من الصحابة، قال ابن حجر:(وأما حديث: «المسلمون عند شروطهم»، فروي من حديث أبي هريرة، وعمرو بن عوف، وأنس بن مالك، ورافع بن خديج، وعبد الله بن عمر وغيرهم، وكلها فيها مقال، لكن حديث أبي هريرة أمثلها).

وحديث أبي هريرة: رواه أبو داود (3594)، وابن الجارود (637)، وابن حبان (5091)، والحاكم (2309)، من طريق كثير بن زيد، عن الوليد بن رباح، عن أبي هريرة مرفوعاً. وكثير بن زيد متكلم فيه، قال ابن حجر:(صدوق يخطئ)، فحديثه مع الشواهد يكون حسناً.

وله شاهد مرسل: رواه ابن أبي شيبة (22022)، من طريق ابن جريج، عن عطاء، قال: بلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «المسلمون عند شروطهم» ، قال ابن حجر:(وهذا مرسل قوي الإسناد، يعضده ما قبله)، ووافقه الألباني.

ومن أجل الطرق التي ذكرها ابن حجر وهذا المرسل علقه البخاري بصيغة الجزم، وصحح جماعة من العلماء هذه الجملة، منهم: الترمذي وابن الجارود وابن حبان والحاكم والأشبيلي والألباني، وقال ابن تيمية:(هذه الأسانيد وإن كان الواحد منها ضعيفاً، فاجتماعها من طرق يشد بعضها بعضاً).

وضعَّفه ابن حزم، بناء على قاعدته في عدم تقوية الحديث بالشواهد، ولذا ذكر علةً لكل طريق منها.

ينظر: المحلى 7/ 323، القواعد النورانية ص 273، البدر المنير 6/ 686، تغليق التعليق 3/ 281، الإرواء 5/ 142.

ص: 230

ولا يصحُّ اشتراطُه بعدَ لزومِ العَقْدِ، ولا إلى أجلٍ مجهولٍ، ولا في عَقْدٍ حيلةً ليَربحَ في قرضٍ؛ فيحرمُ، ولا يصحُّ البيعُ.

(وَابتِدَاؤُهَا)، أي: ابتداءُ مدَّةِ الخيارِ (مِنَ العَقْدِ) إن شَرَط في العقدِ، وإلا فمِنْ حينِ اشْتَرَط.

(وَإِذَا مَضَتْ مُدَّتُهُ)، أي: مدَّةُ الخيارِ ولم يَفسخْ؛ لزِم البيعُ، (أَوْ قَطَعَاهُ)، أي: قَطَع المتعاقدان الخيارَ (بَطَلَ)، ولزِم البيعُ، كما لو لم يَشترطاه.

(وَيَثْبُتُ) خيارُ الشَّرطِ (فِي البَيْعِ، وَالصُّلْحِ)، والقسمةِ، والهبةِ (بِمَعْنَاهُ)، أي: بمعنى البيعِ؛ كالصُّلحِ بعوضٍ عن عَيْنٍ أو دَيْنٍ مقرٍّ به، وقِسمةِ التراضي، وهبةِ الثَّوابِ؛ لأنَّها أنواعٌ مِن البيعِ، (وَ) في (الإِجَارَةِ فِي الذِّمَّةِ)؛ كخياطةِ ثوبٍ، (أَوْ) في إجارةٍ (عَلَى مُدَّةٍ لَا تَلِي العَقْدَ)؛ كسنةِ ثلاثٍ في سنةِ اثنين (1) إذا شَرَطَه مدَّةً تَنقضي قبلَ

(1) في (ح)، و (أ): اثنتين.

ص: 231

دخولِ سنةِ ثلاثٍ، فإن وَلِيَت المدَّةُ العقدَ كشهرٍ مِن الآن؛ لم يصحَّ شرطُ الخيارِ؛ لئلا يؤدِّي إلى فواتِ بعضِ المنافعِ المعقودِ عليها، أو استيفائها في مدَّةِ الخيارِ، وكلاهُما غيرُ جائزٍ.

ولا يَثبتُ خيارُ الشَّرطِ في غيرِ ما ذُكر؛ كصرفٍ، وسَلَمٍ، وضمانٍ، وكفالةٍ.

ويصحُّ شَرْطُه للمتعاقدَيْن ولو وكيلَيْن، (وَإِنْ شَرَطَاهُ لأَحَدِهِمَا دُونَ صَاحِبِه صَحَّ) الشرطُ، وثَبَت (1) له الخيارُ وحدَه؛ لأنَّ الحقَّ لهما، فكيفما تراضيَا به جاز.

(وَ) إن شرطَاه (إِلَى الغَدِ، أَوْ اللَّيْلِ) صحَّ، و (يَسْقُطُ بِأوَّلِهِ)، أي: أولِ الغَدِ أو اللَّيلِ؛ لأنَّ (إِلَى) لانتهاءِ الغايةِ، فلا يَدخُلُ ما بعدَها فيما قبلَها، وإلى صلاةٍ؛ يَسقطُ بدخولِ وقتِها.

(وَ) يجوزُ (لِمَنْ لَهُ الخِيَارُ الفَسْخُ وَلَوْ مَعَ غَيْبَةِ) صاحبِه (الآخَرِ، وَ) مع (سَخَطِهِ)؛ كالطلاقِ.

(وَالمِلْكُ) في المبيعِ (مُدَّةَ الخِيَارَيْنِ)، أي: خيارِ الشرطِ وخيارِ المجلسِ (لِلمُشْتَرِي)، سواءٌ كان الخيارُ لهما أو لأحدِهما؛ لقولِه عليه السلام: «مَنْ بَاعَ عَبْداً وَلَهُ مَالٌ فَمَالُهُ لِلبَائِعِ إِلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ

(1) في (ق): ويثبت.

ص: 232

المُبْتَاعَ» رواه مسلمٌ (1)، فجَعَل المالَ للمبتاعِ باشتراطِه، وهو عامٌّ في كلِّ بيعٍ، فَشَمِل بيعَ الخيارِ.

(وَلَهُ)، أي: للمشتري (نَماؤُهُ)، أي: نماءُ المبيعِ (المُنْفَصِلُ) كالثمرةِ، (وَكَسْبُهُ) في مدةِ الخيارين، ولو فسخَاهُ بعدُ؛ لأنَّه نماءُ ملْكِه الدَّاخلِ في ضمانِه؛ لحديثِ:«الخَرَاجُ بِالضَّمَانِ» ، صحَّحه الترمذي (2).

(1) رواه مسلم (2206) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.

(2)

رواه أحمد (24224)، وأبو داود (3508)، والترمذي (1285)، والنسائي (4490)، وابن ماجه (2243)، وأبو عوانة (5496)، وابن الجارود (626)، وابن حبان (4927)، والحاكم (2176)، من طرق عن عروة، عن عائشة رضي الله عنها مرفوعاً. وصححه الترمذي، وابن خزيمة، وابن الجارود، وابن حبان، والحاكم، والذهبي، وابن القطان، وحسنه الألباني بالمتابعات.

وضعفه البخاري، وأبو داود، وأبو عوانة، وابن حزم، وابن الجوزي، وابن القيم، وقال أحمد:(ما أرى لهذا الحديث أصلاً)، وقال أبو حاتم:(وليس هذا إسناد تقوم به الحجة، غير أني أقول به؛ لأنه أصلح من آراء الرجال)، وذلك أنه مروي عن عروة من طريقين: الأولى: عن مخلد بن خفاف، وهو متكلم فيه، قال البخاري:(فيه نظر)، وقال ابن حجر:(مقبول). والثانية: عن هشام بن عروة، والطرق إليه لا تخلو من ضعف، قال أبو عوانة:(وروي عن ثلاثة عن هشام بن عروة: رواه جرير، ومسلم بن خالد، ولعله عمر بن علي، فأما مسلم فليس بالثبت كما ينبغي، وأما عمر بن علي فإنه كان يدلس، ولعله أخذه عن مسلم بن خالد، وأما جرير فإن هذا الحديث ليس بمشهور عنه)، وذكر البخاري أن جرير لم يسمعه من أبيه هشام.

قال الطحاوي: (قد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «الخراج بالضمان»، وعملت بذلك العلماء).

ينظر: التاريخ الكبير 1/ 243، الجرح والتعديل 8/ 347، المحلى 4/ 57، شرح معاني الآثار 4/ 21، العلل المتناهية 2/ 107، إعلام الموقعين 2/ 221، التلخيص الحبير 3/ 54، الإرواء 5/ 158.

ص: 233

وأما النماءُ المتَّصِلُ كالسِّمَنِ؛ فإنه يتبَعُ العَيْنَ مع الفسخِ؛ لتعذُّرِ انفصالِه.

(وَيَحْرُمُ وَلَا يَصِحُّ تَصَرُّفُ أَحَدِهِمَا فِي المَبِيعِ، وَ) لا في (عِوَضِهِ المُعَيَّنِ فِيهَا)، أي: في مدَّةِ الخيارين (بَغَيْرِ إِذْنِ الآخَرِ)، فلا يَتصرفُ المشتري في المبيعِ بغيرِ إذنِ البائِعِ إلا معه، كأن آجَره له، ولا يتصرفُ البائعُ في الثمنِ المعيَّنِ زمنَ الخيارين إلا بإذنِ المشتري أو معه، كأن استأجر منه به عيناً.

هذا إن كان التصرفُ (بِغَيْرِ تَجْرِبَةِ المَبِيْعِ)، فإن تصرَّف لتجربتِه؛ كركوبِ دابةٍ (1) لينظُرَ سيرَها، وحَلْبِ دابةٍ ليعلمَ قَدْرَ لبنِها؛ لم يَبطلْ خيارَه؛ لأنَّ ذلك هو المقصودُ مِن الخيارِ؛ كاستخدامِ الرقيقِ.

(إِلَّا عِتْقَ المُشْتَرِي) لمبيعٍ زَمَنَ الخيارِ، فيَنفذُ مع الحرمةِ، ويَسقطُ خيارُ البائعِ حينئذ.

(وَتَصَرُّفُ المُشْترِي) في المبيعِ بشرطِ الخيارِ له زمنَه، بنحوِ وقفٍ، أو بيعٍ، أو هبةٍ، أو لمسٍ لشهوةٍ؛ (فَسْخٌ لِخِيَارِهِ) وإمضاءٍ للبيعِ؛ لأنه دليلُ الرِّضا به، بخلافِ تَجربةِ المبيعِ واستخدامِه.

(1) في (ق): الدابة.

ص: 234

وتصرُّفُ البائعِ في المبيعِ إذا كان الخيارُ له وحدَه ليس فسخاً للبيعِ.

ويَبطُلُ خيارُهُما مُطلقاً بتَلَفِ مبيعٍ بعدَ قبضٍ، وبإتلافِ مشترٍ إيَّاه مطلقاً.

(وَمَنْ مَاتَ مِنْهُمَا)، أي: مِن البائعِ والمشتري بشرطِ الخيارِ؛ (بَطَلَ خِيَارُهُ)، فلا يورَثُ إنْ لم يَكُن طالبَ به قبلَ موتِه؛ كالشفعةِ وحدِّ القذفِ.

(الثَّالِثُ) مِن أقسامِ الخيارِ: خيارُ الغَبْنِ (1)(إِذَا غُبِنَ فِي المَبِيْعِ غَبْناً يَخْرُجُ عَنِ العَادَةِ)؛ لأنَّه لم يَردْ الشرعُ بتحديدِه، فرُجِع فيه إلى العرفِ، وله ثلاثُ صورٍ:

إحداها (2): تلقِّي الرُّكبان؛ لقولِه عليه السلام: «لَا تَلَقُّوا الجَلَبَ، فَمَنْ تَلَقَّاهُ فَاشْتَرَى مِنْهُ فَإِذَا أَتَى السُّوقَ فَهُوَ بِالخِيَارِ» رواه مسلمٌ (3).

(وَ) الثانيةُ المشارُ إليها بقولِه: (بِزِيَادَةِ النَّاجِشِ) الذي لا يُريدُ شراءً، ولو بلا مُواطأةٍ، ومنه: أُعْطِيتُ كذا وهو كاذِبٌ؛ لتغريرِه المشتري.

(1) قال في المطلع (ص 280): (خِيار الغَبْن: الغَبْن: بسكون الباء، مصدر: غبَنه: بفتح الباء، يغبِنه: بكسرها، إذا نقصه، ويقال: غبِن رأيه: بكسر الباء، أي: ضعف، غَبَناً بالتحريك).

(2)

في (أ) و (ع): أحدها.

(3)

رواه مسلم (1519) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

ص: 235

الثالثةُ ذكرها بقولِه: (وَالمُسْتَرْسِلِ)، وهو مَن جَهِل القيمةَ ولا يُحسِنُ يماكِسُ، مِن: استرسل، إذا اطمأنَّ واستأنَسَ، فإذا غُبِن ثَبَت له الخيارُ، ولا أرشَ مع إمساكٍ (1).

والغَبنُ محرمٌ، وخيارُه على التراخي.

(الرَّابِعُ) مِن أقسامِ الخيارِ: (خِيَارُ التَّدْلِيسِ)، مِن الدُّلْسَةِ: وهي الظلمةُ، فيَثبتُ بما يَزيدُ به الثمنُ؛ (كَتَسْوِيدِ شَعْرِ الجَارِيَةِ، وَتَجْعِيدهِ)، أي: جَعْلِه جعداً، وهو ضدُّ السَّبِطِ، (وَجمْعِ مَاءِ الرَّحَى)، أي: الماءِ الذي تَدورُ به الرَّحى، (وَإِرْسَالِهِ عِنْدَ عَرْضِهَا) للبيعِ؛ لأنَّه إذا أرسلَه بعدَ حَبْسِه اشتدَّ دورانُ الرَّحى حين ذلك، فيَظنُّ المشتري أنَّ ذلك عادتَها فيَزيدُ في الثمنِ، فإذا تَبيَّن له التدليسُ ثَبَت له الخيارُ.

وكذا تَصْرِيةُ اللَّبنِ في ضرعِ بهيمةِ الأنعامِ؛ لحديثِ أبي هريرةَ يرفعُه: «لَا تُصَرُّوا (2) الإِبِلَ وَالغَنَمَ، فَمَنِ ابْتَاعَهَا فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ

(1) في (ق): إمساكه.

(2)

قال النووي في شرح مسلم (10/ 160): («ولا تُصَروا الإبلَ» هو بضم التاء وفتح الصاد ونصب الإبل، من التَّصرية وهي الجمع، يقال: صرى يصري تصرية، وصراها يصريها تصرية فهي مصراة، كغشاها يغشيها تغشية فهي مغشاة، وزكاها يزكيها تزكية فهي مزكاة، قال القاضي: ورويناه في غير صحيح مسلم عن بعضهم: «لا تَصُروا» بفتح التاء وضم الصاد، من الصر، قال: وعن بعضهم: «لا تُصر الإبلُ» بضم التاء، من تصرى بغير واو بعد الراء، وبرفع الإبل على ما لم يُسم فاعله، من الصر أيضاً، وهو ربط أخلافها، والأول هو الصواب المشهور، ومعناه: لا تجمعوا اللبن في ضرعها عند إرادة بيعها حتى يعظم ضرعها فيظن المشتري أن كثرة لبنها عادة لها مستمرة).

ص: 236

بَعْدَ أَنْ يَحْلُبَهَا (1)، إِنْ (2) شَاءَ أَمْسَكَ، وَإِنْ شَاءَ رَدَّهَا وَصَاعاً مِنْ تَمْرٍ» متفقٌ عليه (3).

وخيارُ التدليسِ على التراخي، إلا المصراةَ فيُخيَّرُ ثلاثةُ أيامِ منذُ عَلِم بين إمساكٍ بلا أرشٍ وردٍّ مع صاعِ تمرٍ سليمٍ إنْ حَلَبها، فإن عَدِم التمرَ فقيمتُه، ويُقبلُ ردُّ اللبنِ بحالِه.

(الخَامِسُ) مِن أقسامِ الخيارِ: (خِيَارُ العَيْبِ) وما بمعناه، (وَهُوَ)، أي: العيبُ: (مَا يُنقِصُ قِيمَةَ المَبِيع) عادةً، فما عدَّه التجارُ في عُرفِهم مُنقِصاً أُنيط الحكمُ به، وما لا فلا.

والعيبُ (كَمَرَضِهِ)، على جميعِ حالاتِه في جميعِ الحيواناتِ، (وَفَقْدِ عُضْوٍ) كإصبعٍ، (وَ (4) سِنٍّ، أَوْ زِيادَتِهِمَا، وَزِنَا الرَّقِيقِ) إذا بَلَغ عشراً مِن عبدٍ أو أمةٍ، (وَسَرِقَتِهِ)، وشُرْبِه مُسْكراً، (وَإِبَاقِهِ، وَبَوْلِهِ فِي الفِرَاشِ)، وكونِه أعسرَ لا يَعملُ بيمينِهِ عَمَلَها المعتادَ، وعدمِ

(1) يحلب: بضم اللام أو فتحها. ينظر: لسان العرب 1/ 327.

(2)

في (ب): فإن.

(3)

رواه البخاري (2148)، ومسلم (1515).

(4)

في (ق): أو.

ص: 237

ختانِ ذكرِ كبيرٍ، وعَثْرةِ مركوبٍ، وحَرَنِه (1) ونحوِه، وبَخَرٍ (2)، وحَوَلٍ، وخَرَسٍ، وطَرَشٍ، وكَلَفٍ (3)، وقَرَعٍ، وحملِ أَمَةٍ، وطولِ مدَّةِ نقلِ ما في دارٍ مبيعةٍ عُرفاً، وكَونِها يَنزِلُها الجندُ، لا سقوطُ آياتٍ يسيرةٍ بمصحفٍ ونحوِه، ولا حُمَّى وصداعٍ يَسيرين، ولا ثُيوبةٍ، أو كُفرٍ، أو عدمِ حيضٍ، ولا معرفةِ غناءٍ.

(فَإِذَا عَلِمَ المُشْتَرِي العَيْبَ بَعْدَ) العقدِ (أَمْسَكَهُ بَأَرْشِهِ) إنْ شاء؛ لأنَّ المتبايعين تراضَيَا على أنَّ العوضَ في مقابلةِ المبيعِ، فكلُّ جزءٍ منه يُقابِلُه جزءٌ مِن الثمنِ، ومع العيبِ فات جزءٌ مِن المبيعِ، فله الرجوعُ ببدلِه، وهو الأرشُ.

(وَهُوَ)، أي: الأرشُ: (قِسْطُ مَا بَيْنَ قِيمَةِ الصِّحَّةِ وَالعَيْبِ)، فيُقوَّمُ المبيعُ صحيحاً ثم مَعيباً، ويؤخذُ قِسْطُ ما بينهما مِن الثمنِ،

(1) قال في المصباح المنير (1/ 133): (حَرَنَ الدابة حروناً، من باب: قعد، وحِراناً بالكسر فهو حرون، وزان رسول، وحَرُن وزان قرب لغة فيه). وقال في الصحاح (5/ 2097): (فرس حرون: لا ينقاد، وإذا اشتد به الجري وقف، وقد حرن يحرن حروناً، وحرن بالضم، أي: صار حروناً، والاسم الحران).

(2)

قال في المطلع (ص 394): (البَخَر: بوزن قلم: نتن رائحة الفم، يقال: بخِر الفم بخَراً، بكسر الخاء في الماضي، وفتحها في المصدر).

(3)

قال في لسان العرب (9/ 307): (الكلف: شيء يعلو الوجه كالسمسم، كلف وجهه يكلف كلَفاً، وهو أكلف: تغير، والكلف والكلفة: حمرة كدرة تعلو الوجه، وقيل: لون بين السواد والحمرة، وقيل: هو سواد يكون في الوجه

، ويقال للبهق: الكلف).

ص: 238

فإن قُوِّمَ صحيحاً بعشرةٍ ومعيباً بثمانيةٍ، رَجَع بخُمُسِ الثَّمنِ قليلاً كان أو كثيراً.

وإن أفضَى أخْذُ الأَرشِ إلى ربا؛ كشراءِ حُلي فضةٍ بزنَتِه دراهمَ؛ أمْسَكَ مجاناً إن شاء، (أَوْ رَدَّهُ وَأخَذَ الثَّمَنَ) المدفوعَ للبائعِ.

وكذا لو أُبرِئ المشتري مِن الثَّمنِ أو وُهِب له، ثم فَسَخ البيعَ لعيبٍ أو غيرِه؛ رَجَع بالثَّمنِ على البائعِ.

وإن عَلِم المشتري قبلَ العقدِ بعيبِ المبيعِ، أو حَدَث العيبُ بعدَ العقدِ؛ فلا خيارَ له، إلا في مكيلٍ ونحوِه تعيَّبَ قبلَ قَبْضِه.

(وَإِنْ تَلِفَ المَبِيعُ) المعيبُ، (أَوْ أَعْتَقَ العَبْدَ)، أو لم يَعلمْ عيبَه حتى صَبَغ الثَّوبَ، أو نَسَج، أو وَهَب المبيعَ، أو باعَه أو بعضَه؛ (تَعَيَّنَ الأَرْشُ)؛ لتعذُّرِ الرَّدِّ، وعدمِ وجودِ الرِّضا به ناقِصاً.

وإنْ دلَّس البائعُ؛ بأن عَلِم العيبَ وكَتَمه عن المشتري، فمات المبيعُ أو أبَق؛ ذَهَب على البائعِ؛ لأنَّه غرَّه، وردَّ للمشتري ما أَخَذ.

(وَإِنْ اشْتَرى مَا لَمْ يُعْلَمْ عَيْبُهُ بِدُونِ كَسْرِهِ؛ كَجَوْزِ هِنْدٍ، وَبَيْضِ نَعَامٍ، فَكَسَرَهُ فَوَجَدَهُ فَاسِداً؛ فَأمسَكَهُ فَلَهُ أَرْشُهُ، وَإِنْ رَدَّهُ رَدَّ أَرْشَ كَسْرِهِ) الذي تَبْقَى له معه قيمةٌ، وأَخَذ ثمنَه؛ لأنَّ عَقْدَ البيعِ يَقتضي السلامةَ، ويَتعيَّنُ أرشٌ مع كَسْرٍ لا تَبقى معه قيمةٌ.

(وَإِنْ كَانَ) المبيعُ (كَبَيْضِ دَجَاجٍ) فكَسَرَه فوَجَده فاسِداً؛ (رَجَعَ

ص: 239

بِكُلِّ الثَّمَنِ)؛ لأنَّا تبيَّنا فسادَ العقدِ مِن أصلِه؛ لكونِه وَقَع على ما لا نَفْعَ فيه، وليس عليه ردُّ فاسِدِ ذلك إلى بائعِه؛ لعدمِ الفائدةِ فيه.

(وَخِيَارُ عَيْبٍ مُتَرَاخٍ)؛ لأنَّه لدَفْعِ ضررٍ متحقَّقٍ، فلم يَبْطُلْ بالتأخيرِ، (مَا لَمْ يُوْجَدْ دَلِيلُ الرِّضَا)؛ كتصرفٍ فيه بإجارةٍ أو إعارةٍ أو نحوِهما عالماً بعَيْبِه، واستعمالِه لغيرِ تجربةٍ.

(وَلَا يَفْتَقِرُ) الفسخُ للعيبِ (إِلَى حُكْمٍ، وَلَا رِضاً، وَلَا حُضُورِ صَاحِبِهِ)، أي: البائعِ؛ كالطَّلاقِ.

ولمشترٍ مع غيرِه معيباً أو بشرطِ خيارٍ؛ الفسخُ في نصيبِه، ولو رضِيَ الآخرُ.

والمبيعُ بعدَ فسخٍ أمانةٌ بِيَدِ مشترٍ.

(وَإِنِ اخْتَلَفَا)، أي: البائعُ والمشتري في معيبٍ (عِنْدَ مَنْ حَدَثَ العَيْبُ) مع الاحتمالِ؛ (فَقَوْلُ مُشْتَرٍ مَعَ يَمِينِهِ) إنْ لم يَخرُجْ عن يدِه؛ لأنَّ الأصلَ عدمُ القبضِ في الجزءِ الفائتِ، فكان القولُ قولَ مَن ينفِيه، فيَحلِفُ أنَّه اشتراه وبه العيبُ، أو أنه ما حَدَث عندَه ويَردُّه.

(وَإِنْ لَمْ يَحْتَمِلْ إِلَّا قَوْلَ أَحَدِهِمَا)؛ كالأصبعِ الزائدةِ، والجُرحِ الطَّرِي الذي لا يَحتمِلُ أن يكونَ قبلَ العقدِ؛ (قُبِلَ) قولُ المشتري في المثالِ الأولِ، والبائعِ في المثالِ الثاني (بِلَا يَمِينٍ)؛ لعدمِ

ص: 240

الحاجةِ إليه.

ويُقبَلُ قولُ البائعِ (1): إنَّ المبيعَ المعيبَ (2) ليس المردودَ، إلا في خيارِ شرطٍ فقولُ مشترٍ، وقولُ قابضٍ في ثابتٍ في ذمَّةِ مِن ثَمنٍ وقرضٍ وسلمٍ ونحوِه إن لم يَخرجْ عن يدِه، وقولُ مشترٍ في عينِ ثمنٍ مُعَيِّنٍ بعقدٍ.

ومَن اشترى متاعاً فوَجَدَه خَيراً مما اشترى؛ فعليه ردُّه إلى بائعِه.

(السَّادِسُ) مِن أقسامِ الخيارِ: (خِيَارٌ فِي البَيْعِ بِتَخْبِيرِ الثَّمَنِ مَتَى بَانَ) الثمنُ (أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ) مما أخبره (3) به.

(وَيَثْبُتُ) في أنواعِه الأربعةِ:

(فِي التَّوْلِيَةِ): وهي البيعُ برأسِ المالِ.

(وَ) في (الشَّرِكَةِ): وهي بيعُ بعضِه بقسطِه مِن الثَّمنِ،

(1) في (ق): بائع.

(2)

أشار في هامش الأصل: (المعين). وقال في هامش (ح): (صوابه المعين كما في شرح الإقناع وغيره، قاله شيخنا عبد الله بن عبد الرحمن مُتع به، وعبارة الإقناع وشرحه: ويقبل قول بائع أن المبيع المعين، فإن كان في الذمة فقول المشتري على قياس ما يأتي في الثمرة والسلم ليس المردود). وفي دقائق أولي النهى لشرح المنتهى للبهوتي (2/ 50): (ويقبل قول بائع بيمينه: أن المبيع المعيب المعين بعقد ليس المردود).

(3)

في (ق): أخبر.

ص: 241

وأشرَكْتُكَ؛ يَنصرِفُ إلى نصفِه.

(وَ) في (المُرَابَحَةِ): وهي بيعُه بثمنِه وربحٍ معلومٍ.

وإن قال: على أن أَرْبَح في كلِّ عشرةٍ درهماً؛ كُرِه.

(وَ) في (المُوَاضَعَةِ): وهي بيعُه برأسِ مالِه وخُسرانٍ معلومٍ.

(وَلَا بُدَّ فِي جَمِيعِهَا)، أي: الصورِ الأربعةِ (مِنْ مَعْرِفَةِ المُشْتَرِي) والبائعُ (رَأْسَ المَالِ)؛ لأنَّ ذلك شرطٌ لصحةِ البيعِ، فإن فات لم يَصحَّ.

وما ذَكَره مِن ثبوتِ الخيارِ في الصُّورِ الأربعة (1) تَبِعَ فيه المقنعَ (2)، وهو روايةٌ.

والمذهبُ: أنَّه متى بان رأسُ المالِ أقلَّ حُطَّ الزائدُ، ويُحطُّ قِسطُه في مرابحةٍ، ويُنقِصُه في مواضعةٍ، ولا خيارَ للمشتري.

ولا تُقبَلُ دعوَى بائعٍ غلطاً في رأسِ المالِ بلا بينةٍ.

(وَإِنْ اشْتَرَى) السِّلعةَ (بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ، أَوْ) اشترى (مِمَّنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَهُ)؛ كأبيه وابنِه وزوجتِه، (أَوْ) اشترى شيئاً (بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِهِ حَيلَةً)، أو محاباةً، أو لرغبةٍ تَخصُّه أو مَوسِمٍ فات، (أَوْ بَاعَ بَعْضَ

(1) في (أ) و (ع): الأربع.

(2)

(ص 164).

ص: 242

الصَّفْقَةِ بِقِسْطِهَا مِنَ الثَّمَنِ) الذي اشتراها به (وَلَمْ يُبَيِّنْ ذَلِكَ) للمشتري (فِي تَخْبِيرِهِ بِالثَّمَنِ؛ فَلِمُشْتَرٍ الخِيَارُ بَيْنَ الإِمْسَاكِ والرَّدِ)؛ كالتدليسِ.

والمذهبُ فيما إذا بَان الثمنُ مؤجلاً: أنَّه يؤجَّلُ على المشتري، ولا خيارَ؛ لزوالِ الضَّررِ، كما في الإقناعِ، والمنتهى (1).

(وَمَا يُزَادُ فِي ثَمَنٍ، أَو يُحَطُّ مِنْهُ)، أي: مِن الثَّمنِ (فِي مُدَّةِ خِيَارِ) مجلسٍ أو شرطٍ، (أَوْ يُؤخَذُ أَرْشاً لِعَيْبٍ، أَوْ) لـ (جِنَايَةٍ عَلَيْهِ)، أي: على المبيعِ ولو بعدَ لزومِ البيعِ؛ (يُلْحَقُ بِرَأْسِ مَالِهِ، وَ) يجبُ أن (يُخْبِرَ بِهِ)؛ كأصلِه.

وكذا ما يُزادُ في مبيعٍ، أو أجلٍ، أو خيارٍ، أو يُنقَصُ منه في مدةِ خيارٍ؛ فيُلحَقُ بعقدٍ.

(وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ)، أي: ما ذُكِر مِن زيادةٍ أو حطٍّ (بَعْدَ لُزُومِ البَيْعِ) بفواتِ الخيارين؛ (لَمْ يُلْحَقْ بِهِ)، أي: بالعقدِ، فلا يَلزمُ أن يُخبِرَ به، لا إن جنَى المبيعُ ففداه المشتري؛ لأنه لم يزِدْ به المبيعُ ذاتاً ولا قيمةً.

(وَإِنْ أَخْبَرَ بِالحَالِ)؛ بأن يقولَ: اشتريته بِكذا، أو زِدتُه أو نَقصتُه كذا ونحوُه؛ (فَحَسَنٌ)؛ لأنَّه أبلغُ في الصِّدقِ.

(1) الإقناع (2/ 226)، منتهى الإرادات (1/ 263).

ص: 243

ولا يَلزمُ الإخبارُ بأَخْذِ نماءٍ، واستخدامٍ، ووطءٍ إن لم يُنقِصْه.

وإن اشترى شيئاً بعشرةٍ مثلاً وعَمِلَ فيه صنعةً، أو دَفَع أُجْرَةَ كَيْلِه أو مخزنِه؛ أَخْبَر بالحالِ، ولا يجوزُ أن يَجمعَ ذلك ويقولُ (1): تحصَّلَ عليَّ بِكذا.

وما باعه اثنان مُرابحةً فَثَمنُه بحسبِ مُلْكَيْهِما، لا على رأسِ مالَيْهِما.

(السَّابِعُ) مِن أقسامِ الخيارِ: (خِيَارٌ) يثبتُ (لاِخْتَلَافِ المُتَبَايِعَيْنِ) في الجملةِ، (فَإِذَا اخْتَلَفَا) هما، أو ورثتُهما، أو أحدُهما وورثةُ الآخرِ (فِي قَدْرِ الثَّمَنِ)؛ بأن قال بائعٌ: بِعْتُكَهُ بمائةٍ، وقال مشترٍ: بثمانين، ولا بينةَ لهما، أو تَعارضت بَيِّنتاهما؛ (تَحَالَفَا) ولو كانت السلعةُ تالفةً، (فَيَحْلِفُ بَائِعٌ أَوَّلاً: مَا بِعْتُهُ بِكَذَا، وَإِنَّمَا بِعْتهُ بِكَذَا، ثُمَّ يَحْلِفُ المُشْتَرِي: مَا اشْتَرَيْتُهُ بِكَذَا، وَإِنَّمَا اشْتَرَيْتُهُ بِكَذَا)، وإنَّما بُدِئ بالنفي؛ لأنه الأصلُ في اليمينِ، (وَلِكُلٍّ) مِن المتبايعين بعدَ التَّحالُفِ (الفَسْخُ إِذَا لَمْ يَرْضَ أَحَدُهُما بِقَوْلِ الآخَرِ)، وكذا إجارةٌ.

وإن رضِيَ أحدُهما بقولِ الآخرِ، أو حَلَف أحدُهما ونَكَل الآخرُ؛ أُقِرَّ العقدُ، (فَإِنْ كَانَتِ السِّلْعَةُ) التي فُسِخ البيعُ فيها بعدَ التَّحالُفِ (تَالِفَةً؛ رَجَعَا إِلَى قِيمَةِ مِثْلِهَا).

(1) في (ق): يقول له.

ص: 244

ويُقْبَلُ قولُ المشتري فيها؛ لأنه غارِمٌ، وفي قَدْرِ المبيعْ.

(فَإِنْ اخْتَلَفَا فِي صِفَتِهَا)، أي: صفةِ السِّلعةِ التالفةِ، بأن قال البائِعُ: كان العبدُ كاتباً، وأنكره المشتري؛ (فَقَوْلُ مُشْتَرٍ)؛ لأنه غارِمٌ.

وإذا تحالفَا في الإجارةِ وفُسِخَت بعدَ فراغِ المدةِ فأُجرةُ المثلِ، وفي أثنائِها بالقسطِ.

(وَإِذَا فُسِخَ العَقْدُ) بعدَ التَّحالُفِ (انْفَسَخَ ظَاهِراً وَبَاطِناً) في حقِّ كلٍّ منهما؛ كالردِّ بالعيبِ.

(وَإِنْ (1) اخْتَلَفَا فِي أَجَلٍ)، بأن يقولَ المشتري: اشتريته بِكذا مُؤجَّلاً، وأنكره البائعُ، (أَوْ) اختلفا في (شَرْطٍ) صحيحٍ أو فاسدٍ؛ كرهنٍ، أو ضمينٍ، أو قَدْرِهِما؛ (فَقَوْلُ مَنْ يَنْفِيِهُ) بيمينِهِ؛ لأنَّ الأصلَ عدمُه.

(وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي عَيْنِ المَبِيعِ)؛ كبعتني هذا العبدَ، قال: بل هذه الجارِيَةَ؛ (تَحَالَفَا، وَبَطَلَ)، أي: فُسِخ (البَيْعُ)؛ كما لو اختلفا في الثَّمنِ.

وعنه: القولُ قولُ بائعٍ بيمينِه؛ لأنَّه كالغارِمِ، وهي المذهبُ،

(1) في (ق): وإذا.

ص: 245

وجَزَم بها في الإقناعِ، والمنتهى وغيرِهما (1).

وكذا لو اختلفا في قَدْرِ المبيعِ.

وإن سمَّيَا نَقْداً واختلفا في صفتِه؛ أُخِذ نَقْدُ البلدِ، ثم غالِبُه رواجاً، ثم الوَسَطُ إن استوت.

(وَإِنْ أَبَى كُلٌّ مِنْهُمَا تَسْلِيمَ مَا بِيَدِهِ) مِن المبيعِ والثَّمنِ (حَتَّى يَقْبِضَ العِوَضَ)؛ بأن قال البائعُ: لا أُسلِّمُ المبيعَ حتى أقبِضَ الثَّمنَ، وقال المشتري: لا أُسلِّمُ الثمنَ حتى أَتَسلَّمَ (2) المبيعَ، (وَالثَّمَنُ عَيْنٌ)، أي: معيَّنٌ؛ (نُصِبَ عَدْلٌ)، أي: نَصَبه (3) الحاكمُ، (يَقْبِضُ مِنْهُمَا) المبيعَ والثمنَ، (وَيُسَلِّمُ المَبِيْعَ) للمشتري، (ثُمَّ الثَّمَنَ) للبائعِ؛ لجريانِ عادةِ الناسِ بذلك.

(وَإِن كَانَ) الثمنُ (دَيْناً حَالًّا؛ أُجْبِرَ بَائِعٌ) على تسليمِ المبيعِ؛ لتعلُّقِ حقِّ المشتري بعينِه، (ثُمَّ) أُجبَر (مُشْتَرٍ إِنْ كَانَ الثَّمَنُ فِي المَجْلِسِ)؛ لوجوبِ دَفْعِه عليه فوراً؛ لتمكنِه منه.

(وَإِنْ كَانَ) دَيْناً (غَائِباً فِي البَلَدِ)، أو فيما دونَ مسافةِ القصرِ؛ (حُجِرَ عَلَيْهِ)، أي: على المشتري (فِي المَبِيْعِ وَبَقِيَّةِ مَالِهِ حَتَّى يُحْضِرَهُ)؛ خوفاً مِن أن يَتصرفَ في مالِه تَصرفاً يضرُّ بالبائِعِ.

(1) الإقناع (2/ 233)، منتهى الإرادات (1/ 265).

(2)

في (ق): أستلم.

(3)

في (ق): نصب.

ص: 246