المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌(بَابُ السَّلَمِ) هو لغةُ أهلِ الحجازِ، والسَّلَفُ لغةُ أهلِ العراقِ، وسُمِّيَ - الروض المربع بشرح زاد المستقنع - ط ركائز - جـ ٢

[البهوتي]

فهرس الكتاب

- ‌(كِتَابُ الصِّيَامِ)

- ‌(بَابُ مَا يُفْسِدُ الصَّوْمَ، وَيُوجِبُ الكَفَّارَةَ)، وما يتعلَّقُ بذلك

- ‌(فَصْلٌ)(وَمَنْ جَامَعَ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ)

- ‌(بَابُ مَا يُكْرَهُ، وَيُسْتَحَبُّ) في الصَّومِ، (وَحُكْمُ القَضَاءِ)، أي: قضاء الصوم

- ‌(بَابُ صَوْمِ التَّطَوُّعِ)

- ‌(بَابُ الاعتِكَافِ)

- ‌(كِتَابُ المَنَاسِكِ)

- ‌(بَابُ المَوَاقِيتِ)

- ‌(بَابُ الإِحْرَامِ)

- ‌(بَابُ مَحْظُورَاتِ الإِحْرَامِ)

- ‌(بَابُ الفِدْيَةِ)

- ‌(فَصْلٌ)(وَمَنْ كَرَّرَ مَحْظُوراً مِنْ جِنْسٍ)

- ‌(بَابُ جَزَاءِ الصَّيْدِ)

- ‌(بَابُ) حكمِ (صَيْدِ الحَرَمِ)، أي: حرمِ مكةَ

- ‌(بَابُ) ذِكْرِ (دُخُولِ مَكَّةَ)، وما يتعلقُ بِه من الطوافِ والسَّعيِ

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(بَابُ صِفَةِ الحَجِّ وَالعُمْرَةِ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(بَابُ الفَوَاتِ وَالإِحْصَارِ)

- ‌(بَابُ الهَدْيُ، وَالأُضْحِيَةِ)، وَالعَقِيقَةِ

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(كِتَابُ الجِهَادِ)

- ‌فصل

- ‌(بَابُ عَقْدِ الذِّمَّةِ وَأَحْكَامِهَا)

- ‌(فَصْلٌ)في أحكامِ الذِّمَّةِ

- ‌(فَصْلٌ) فيما يَنْقُض العهدَ

- ‌(كِتَابُ البَيْعِ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(بَابُ الشُّرُوطِ فِي البَيْعِ)

- ‌(بَابُ الخِيارِ) وقبضِ المبيعِ والإقالةِ

- ‌(فَصْلٌ) في التَّصرُّفِ في المبيعِ قبلَ قبضِه

- ‌(بَابُ الرِّبَا وَالصَّرْفِ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(بَابُ بَيْعِ الأُصُولِ وَالثِّمَارِ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(بَابُ السَّلَمِ)

- ‌(بَابُ القَرْضِ)

- ‌(بَابُ الرَّهْنِ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(بَابُ الضَّمَانِ)

- ‌(فَصْلٌ) في الكَفالةِ

- ‌(بَابُ الحَوَالَةِ)

- ‌(بَابُ الصُّلْحِ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(بَابُ الحَجْرِ)

- ‌(فَصلٌ) في المحجورِ عليه لحظِّهِ

- ‌(بَابُ الوَكَالَةِ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(بَابُ الشَّرِكَةِ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(بَابُ المُسَاقَاةِ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(بَابُ الإِجَارَةِ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(بَابُ السَّبْقِ)

- ‌(بَابُ العَارِيَّةِ)

- ‌(بَابُ الغَصْبِ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)(وَتَصَرُّفَاتُ الغَاصِبِ الحُكْمِيَّةُ)

- ‌(بَابُ الشُّفْعَةِ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(بَابُ الوَدِيعَةِ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(بَابُ إِحْيَاءِ المَوَاتِ)

- ‌(بَابُ الجعَالَةِ)

- ‌(بَابُ اللُّقَطَةِ)

- ‌(بَابُ اللَّقِيطِ)

- ‌(كِتَابُ الوَقْفِ)

- ‌(فَصْلٌ)(ويَجِبُ العَمَلُ بِشَرْطِ الوَاقِفِ)

- ‌(فَصْلٌ)(وَالوَقْفُ عَقْدٌ لَازِمٌ)

- ‌(بَابُ الهِبَةِ وَالعَطِيَّةِ)

- ‌(فَصْلٌ)(يَجِبُ التَّعْدِيلُ فِي عَطِيَّةِ أَوْلَادِهِ بِقَدْرِ إِرْثِهِمْ)

- ‌(فَصْلٌ فِي تَصَرُّفَاتِ المَرِيضِ) بعطيةٍ أو نحوِها

- ‌(كِتَابُ الوَصَايَا)

- ‌(بَابُ المُوصَى لَهُ)

- ‌(بَابُ المُوصَى بِهِ)

- ‌(بَابُ الوَصِيَّةِ بِالأَنْصِبَاءِ وَالأَجْزَاءِ)

- ‌(بَابُ المُوصَى إِلَيْهِ)

الفصل: ‌ ‌(بَابُ السَّلَمِ) هو لغةُ أهلِ الحجازِ، والسَّلَفُ لغةُ أهلِ العراقِ، وسُمِّيَ

(بَابُ السَّلَمِ)

هو لغةُ أهلِ الحجازِ، والسَّلَفُ لغةُ أهلِ العراقِ، وسُمِّيَ سَلَماً لتسليمِ رأسِ المالِ في المجلسِ، وسَلَفاً لتقديمِه.

(وَهُوَ) شرعاً: (عَقْدٌ عَلَى مَوْصُوفٍ) يَنضبِطُ بالصِّفةِ (فِي الذِّمَّةِ)، فلا يَصحُّ في عينٍ؛ كهذه الدارِ، (مُؤَجَّلٍ) بأجلٍ معلومٍ (بِثَمَنٍ مَقْبُوضٍ بِمَجْلِسِ العَقْدِ).

وهو جائزٌ بالإجماعِ (1)؛ لقولِه عليه السلام: «مَنْ أَسَلَفَ فِي شَيْءٍ فَليُسْلِفْ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ، وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ، إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ» متفقٌ عليه (2).

(وَيَصِحُّ) السَّلَمُ (بِأَلفَاظِ البَيْعِ)؛ لأنَّه بيعٌ حقيقةً، (وَ) بلفظِ (السَّلَمِ، وَالسَّلَفِ)؛ لأنَّهما حقيقةٌ فيه، إذْ هما اسمٌ للبيعِ الذي عُجِّلَ ثمنُه وأُجِّلَ مُثْمَنُه، (بِشُرُوطٍ سَبْعَةٍ) زائدةٍ على شروطِ البيعِ، والجارُّ مُتعلِّقٌ بـ (يَصِحُّ):

(أحَدُهَا: انْضِبَاطُ صِفَاتِهِ) التي يَختلِفُ الثَّمنُ باختلافِها اختلافاً كثيراً ظاهِراً؛ لأنَّ ما لا يُمْكنُ ضبطُ صفاتِه يَختلِفُ كثيراً، فيُفضي

(1) الإجماع لابن المنذر (ص 134).

(2)

رواه البخاري (2240)، ومسلم (1604) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.

ص: 281

إلى المنازعةِ والمشاقَّةِ، (بِمَكِيلٍ)، أي: كمكيلٍ مِن حبوبٍ، وثمارٍ، وخَلٍّ، ودُهْنٍ، ولبنٍ ونحوِها، (وَمَوْزُونٍ)، مِن قطنٍ، وحريرٍ، وصوفٍ، ونحاسٍ، وزئبقٍ، وشبٍّ (1)، وكبريتٍ، وشحمٍ، ولحمٍ نَيِّءٍ - ولو مع عَظْمِه - إنْ عيَّن موضِعَ قَطْعٍ، (وَمَذْرُوعٍ) مِن ثيابٍ وخيوطٍ.

(وَأَمَّا المَعْدُودُ المُخْتَلِفُ؛ كَالفَوَاكِهِ) المعدودةِ، كرُمَّانٍ؛ فلا يَصحُّ السَّلمُ فيه؛ لاختلافِه بالصِغَرِ والكِبَرِ.

(وَ) كـ (البُقُولِ)؛ لأنَّها تَختلِفُ ولا يُمكِنُ تقديرُها بالحُزَمِ (2).

(وَ) كـ (الجُلُودِ)؛ لأنَّها تَختلفُ ولا يُمكِنُ ذَرْعُها؛ لاختلافِ الأطرافِ.

(وَ) كـ (الرُّؤُوسِ) والأكارِعِ (3)؛ لأنَّ أكثرَ ذلك العظامُ والمشافِرُ (4).

(1) قال في العين (6/ 223): (الشَّبُّ: حجارة منها الزاج وأشباهه، وأجودها ما جلب من اليمن، وهو شب أبيض، له بصيص شديد).

(2)

قال في المصباح المنير (1/ 133): (حزمت الشيء جعلته حزمة، والجمع: حزم مثل: غرفة وغرف).

(3)

المصباح المنير (2/ 531): (الكراع: وزان غراب: من الغنم والبقر بمنزلة الوظيف من الفرس، وهو مستدق الساعد، والكراع أنثى، والجمع: أكرع، مثل أفلس، ثم تجمع الأكرع على أكارع، قال الأزهري: الأكارع للدابة قوائمها).

(4)

المشافر: جمع مشفر، والمشفر للبعير: كالشفة للإنسان. ينظر: لسان العرب 4/ 419.

ص: 282

(وَالأَوَانِي (1) المُخْتَلِفَةِ الرُّؤُوسِ وَالأَوْسَاطِ؛ كَالقَمَاقِمِ (2)، وَالأَسْطَالِ (3) الضَّيِّقَةِ الرُّؤُوسِ) لاختلافِها.

(وَ) كـ (الجَوَاهِرِ)، واللؤلؤِ، والعقيقِ ونحوِه؛ لأنَّها تختلفُ اختلافاً متبايناً بالصِغَرِ والكِبَرِ، وحُسْنِ التَّدويرِ، وزيادةِ الضوءِ والصفاءِ.

(وَ) كـ (الحَامِلِ مِنَ الحَيَوَانِ)؛ كأمةٍ حاملٍ؛ لأنَّ الصفةَ لا تأتي على ذلك، والولدُ مجهولٌ غيرُ محقَّقٍ، وكذا لو أَسْلَم في أَمَةٍ وولدِها؛ لندرةِ جمعِهِما الصفةَ.

(وَكُلِّ مَغْشُوشٍ)؛ لأن غِشَّه يَمنعُ العِلْمَ بالقدرِ المقصودِ منه، فإن كانت الأثمانُ خالصةً؛ صحَّ السَّلَمُ فيها، ويكونُ رأسُ المالِ غيرَها.

ويَصحُّ السَّلمُ في فلوسٍ، ويكونُ رأسُ المالِ عرْضاً.

(وَمَا يَجْمَعُ أَخْلَاطاً) مقصودةً (غَيْرَ مُتَمَيِّزَةٍ؛ كَالغَالِيَةِ (4)،

(1) في (ح) و (أ) و (ع) و (ب): وكالأواني. والكاف من الشرح.

(2)

قال في المطلع (ص 293): (القماقم: واحدتها: قمقم، بضم القافين: ما يسخن فيه الماء من نحاس، ويكون ضيق الرأس).

(3)

قال في المطلع (ص 293): (الأسطالُ: واحدها: سطل، قال ابن عباد: وهي طسيسة صغيرة، وجمعه سُطُولٌ، وقال غيره: على هيئة التور له عروة، قال الجوهري: ويقال: السيطل. قلت: ويقال: صطل، بالصاد، على لغة بني العنبر).

(4)

قال في المطلع (ص 294): (الغاليةُ: نوع من الطيب مركب من مسك وعنبر وعود ودهن، وهي معروفة، عن ابن الأثير، وقال: يقال: أول من سماها بذلك: سليمان بن عبد الملك، تقول منه: تغليت بالغالية).

ص: 283

والنَّدِّ (1)، (وَالمَعَاجِينِ) التي يُتداوى بها؛ (فَلَا يَصِحُّ السَّلَمُ فِيهِ)؛ لعدمِ انضباطِه.

(وَيَصِحُّ) السَّلَمُ (فِي الحَيَوَانِ) ولو آدميًّا؛ لحديثِ أبي رافعٍ: «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم اسْتَسْلَفَ مِنْ رَجُلٍ بَكْراً (2)» رواه مسلم (3).

(وَ) يَصحُّ أيضاً في (الثِّيَابِ المَنْسُوجَةِ مِنْ نَوْعَيْنِ)؛ كالكَتَّانِ والقطنِ ونحوِهما؛ لأنَّ ضبطَها مُمكِنٌ، وكذا نُشَّابٌ، ونَبْلٌ مَرِيشَان (4)، وخِفافٌ، ورِماحٌ.

(وَ) يَصحُّ أيضاً في (5)(مَا خِلْطُهُ) - بكسرِ الخاءِ - (غَيْرُ مَقْصُودٍ؛ كَالجُبْنِ (6)

(1) قال في المطلع (ص 294): (النَّدُّ: بفتح النون، فهو الطيب المعروف، قيل: مخلوط من مسك وكافور، قال الجوهري وابن فارس وغيرهما: ليس هو بعربي).

(2)

قال في النهاية في غريب الحديث (1/ 149): (البكر بالفتح: الفتي من الإبل، بمنزلة الغلام من الناس، والأنثى بكرة، وقد يستعار للناس).

(3)

رواه مسلم (1600).

(4)

قال في تحرير ألفاظ التنبيه (ص 190): (النبل المَرِيش: هو بفتح الميم وكسر الراء وإسكان الياء، وإنما ضبطته لأني رأيت كثيراً ممن يصحفه، قال أهل اللغة: يقال: رشته أريشه ريشاً فهو مريش، كبعته أبيعه بيعاً فهو مبيع، وهو الذي جُعل فيه ريش).

(5)

في (أ) و (ع): فيه.

(6)

الجبن: فيه ثلاث لغات، أشهرها: جُبْن، بإسكان الباء، والثانية: جُبُن، بضم الباء بلا تشديد، والثالثة: جُبُنَّ، بضم الباء وتشديد النون. ينظر: الصحاح 5/ 2090، وتحرير ألفاظ التنبيه ص 189.

ص: 284

فيه المِنْفِحَةُ (1)، (وَخَلِّ التَّمْرِ) فيه الماءُ، (والسَّكَنْجَبِينِ (2) فيه الخلُّ، (وَنَحْوِهَا)؛ كالشَّيرجِ، والخبزِ، والعجينِ.

الشرطُ (الثَّانِي: ذِكْرُ الجِنْسِ وَالنَّوْعِ)، أي: جِنْسِ المُسْلَمِ فيه ونوعِه، (وَكُلِّ وَصْفٍ يَخْتَلِفُ بِهِ)، أي: بسببِه (الثَّمَنُ) اختلافاً (ظَاهِرَاً)؛ كلَوْنِه، وقَدْرِه، وبلدِه، (وَحَدَاثَتِهِ وَقِدَمِهِ).

ولا يجبُ استقصاءُ كلِّ الصِّفاتِ؛ لأنه يتعذَّرُ، ولا ما لا يَختلِفُ به الثَّمنُ؛ لعدمِ الاحتياجِ إليه.

(وَلَا يَصِحُّ شَرْطُ) المتعاقِدَيْنِ (الأَرْدَأَ أَوْ (3) الأَجْوَدَ)؛ لأنَّه لا يَنحصِرُ، إذ ما مِن رديءٍ أو جيِّدٍ إلَّا ويُحتمَلُ وجودُ أردأَ أو أجودَ منه.

(بَلْ) يصحُّ شرطُ (جَيِّدٍ وَرَدِيءٍ)، ويجزئُ ما صَدَق عليه أنه جيِّدٌ أو رديءٌ، فيُنَزَّلُ (4) الوَصْفُ على أقلِّ درجةٍ.

(فَإنْ جَاءَ) المسلَمُ إليه (بِمَا شَرَطَ) للمسلِمِ؛ لزِمَه أخذُه، (أَوْ)

(1) في (أ) و (ب) و (ع): الإنفحة. وهي لغة فيها، وأما المنفحة: فهي بكسر الميم وإسكان النون وتخفيف الحاء. ينظر: تحرير ألفاظ التنبيه ص 190.

(2)

قال في المطلع (ص 294): (السَّكَنْجَبين: فليس من كلام العرب، وهو معروف، مركب من السكر والخل ونحوه).

(3)

في (ب): و.

(4)

في (أ) و (ب) و (ع): فيتنزل.

ص: 285

جاءه بـ (أَجْوَدَ مِنْهُ)، أي: مِن المسلَمِ فيه (مِنْ نَوْعِهِ وَلَوْ قَبْلَ مَحلِّهِ)، أي: حلولِه، (وَلَا ضَرَرَ فِي قَبْضِهِ؛ لَزِمَهُ أَخْذُهُ)؛ لأنَّه جاءه (1) بما تَناولَه العقدُ وزيادةٍ تنفعُه.

وإن جاءه بدونِ ما وَصَف، أو بغيرِ نوعِه مِن جنسِه؛ فله أخذُه، ولا يَلزمُه.

وإن جاءه بجنسٍ آخرَ؛ لم يَجزْ له قبولُه.

وإن قَبَض المسلَمَ فيه فوَجَد به عيباً؛ فله ردُّه، وإمساكُه مع الأَرْشِ.

الشرطُ (الثَّالِثُ: ذِكْرُ قَدْرِهِ)، أي: قدرِ المسلَم فيه (بِكَيْلٍ) معهودٍ فيما يُكالُ، (أَوْ وَزْنٍ) معهودٍ فيما يوزنُ؛ لحديثِ:«مَنْ أَسَلَفَ فِي شَيْءٍ فَليُسْلِفْ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ، وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ، إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ» متفقٌ عليه (2)، (أَوْ ذَرْعٍ يُعْلَمُ) عندَ العامَّةِ؛ لأنَّه إذا كان مجهولاً تعذَّرَ الاستيفاءُ به عندَ التَّلَفِ، فيَفُوتُ العِلْمُ بالمسلَمِ فيه.

فإنْ شَرَطا مِكيَالاً غيرَ معلومٍ بعَيْنِه، أو صَنْجَةً (3) غيرَ معلومةٍ بعَيْنِها؛ لم يَصحَّ.

(1) في (ب): جاء.

(2)

تقدم تخريجه قريباً، صفحة ..... الفقرة ......

(3)

قال في الصحاح (1/ 326): (صنجة: الميزان، معرب، قال ابن السكيت: ولا تقل سنجة).

ص: 286

وإنْ كان معلوماً صحَّ السَّلَمُ دونَ التَّعيينِ.

(وَإِنْ أَسْلَمَ فِي المَكِيلِ)؛ كالبُرِّ والشَّيْرَجِ (وَزْنَاً، أَوْ فِي المَوْزُونِ)؛ كالحديدِ (كَيْلاً؛ لَمْ يَصِحَّ) السَّلَمُ؛ لأنَّه قدَّرَه بغيرِ ما هو مُقدَّرٌ به، فلم يَجزْ، كما لو أسلم في المذروعِ وزناً.

ولا يصحُّ في فواكِهَ معدودةٍ؛ كرُمَّانٍ وسَفَرْجَلٍ (1) ولو وزناً.

الشرطُ (الرَّابِعُ: ذِكْرُ أَجَلٍ مَعْلُومٍ)؛ للحديثِ السابقِ، ولأنَّ الحلولَ يخرِجُه عن اسمه ومعناه.

ويُعْتَبرُ أن يكونَ الأجلُ (لَهُ وَقْعٌ فِي الثَّمَنِ) عادةً؛ كشهرٍ، (فَلَا يَصِحُّ) السَّلمُ إن أَسْلَم (حَالًّا)؛ لما سَبَق، (وَلَا) إنْ أسْلَم إلى أجلٍ مجهولٍ؛ كـ (إِلَى الحَصَادِ وَالجَذَاذِ) وقدومِ الحاجِّ؛ لأنَّه يختلِفُ، فلم يَكُن معلوماً.

(وَلَا) يَصحُّ السَّلَمُ (إِلَى) أجلٍ قريبٍ؛ كـ (يَوْمٍ) ونحوِه؛ لأنَّه لا وَقْعَ له في الثمنِ، (إِلَّا) أنْ يُسْلِمَ (فِي شَيْءٍ يَأْخُذُهُ (2) مِنْهُ كُلَّ يَوْمٍ) أجزاءً معلومةً؛ (كَخُبْزٍ وَلَحْمٍ وَنَحْوِهِمَا) مِن كلِّ ما يصحُّ السَّلَمُ

(1) تاج العروس (29/ 203): (السفرجل: ثمر معروف، قال أبو حنيفة: كثير في بلاد العرب، قابض، مقوٍّ مدرِّ مشهٍّ للطعام والباه، مسكن للعطش، وإذا أكل على الطعام أطلق، وأنفعه ما قور وأخرج حبة، وجعل مكانه عسل وطين، وشوي في الفرن، جمعه: سفارج).

(2)

في (ق): يأخذ.

ص: 287

فيه؛ إذ الحاجةُ داعيةٌ إلى ذلك.

فإنْ قَبَضَ البعضَ وتعذَّر الباقي؛ رَجَع بقِسْطِه مِن الثَّمنِ، ولا يَجعلُ الباقي (1) فضلاً على المقبوضِ؛ لتماثُلِ أجزائِه، بل يُقَسَّطُ الثَّمَنُ عليهما بالسَّويةِ.

الشرطُ (الخَامِسُ: أَنْ يُوجَدَ) المُسْلَمُ فيه (غَالِباً فِي مَحِلِّه) - بكسرِ الحاءِ- أي: وقتِ حُلولِه؛ لوجوبِ تسليمِه إذاً، فإن كان لا يوجَدُ فيه، أو يوجَدُ نادراً؛ كالسَّلَمِ في العنبِ والرُّطبِ إلى الشتاءِ؛ لم يصحَّ.

(وَ) يُعتَبرُ أيضاً وجودُ المسلَمِ فيه في (مَكَانِ الوَفَاءِ) غالباً، فلا يصحُّ إنْ أسْلَم في ثَمَرةِ بستانٍ صغيرٍ معيَّنٍ، أو قريةٍ صغيرةٍ، أو في نتاجٍ مِن فَحْلِ بني فلان أو غَنَمِه، أو مِثْلِ هذا الثوبِ؛ لأنَّه لا يؤمنُ تَلَفُه وانقطاعُه.

و(لَا) يُعتبَرُ وجودُ المسلَمِ فيه (وَقْتَ العَقْدِ)؛ لأنَّه ليس وقتَ وجوبِ التسليمِ، (فَإِنْ) أسْلَمَ إلى محلٍّ يوجَدُ فيه غالباً فـ (تَعَذَّرَ) المُسْلَمِ فيه، بأن لم تَحمِلْ الثِّمارُ تلك السنةَ، (أَوْ) تعذَّر (بَعْضُهُ؛ فَلَهُ)، أي: لربِّ السَّلَمِ (الصَّبْرُ) إلى أن يوجَدَ فيطالِبَ به، (أَوْ فَسْخُ) العقدِ في

(1) في (ق): للباقي.

ص: 288

(الكُلِّ) إن تعذَّر الكلُّ، (أَوْ) في (البَعْضِ) المتعذِّرِ، (وَيَأْخُذُ الثَّمَنَ المَوْجُودَ أَوْ عِوَضَهُ)، أي: عوضَ الثَّمنِ (1) التَّالِفِ؛ لأنَّ العقدَ إذا زالَ وَجَب ردُّ الثَّمنِ.

ويجبُ ردُّ عَيْنِه إنْ كان باقياً، وعِوَضِه (2) إن كان تالِفاً، أي: مثلِهِ إن كان مِثْلِيًّا، وقيمتِهِ (3) إن كان متقوَّماً، هذا إنْ فَسَخ في الكلِّ، فإن فَسَخَ في البعضِ فبِقِسْطِه.

الشرطُ (السَّادسُ: أَنْ يَقْبِضَ الثَّمَنَ تَامًّا)؛ لقولِه عليه السلام: «مَنْ أَسَلَفَ فِي شَيْءٍ فَليُسْلِفْ

» الحديثَ (4)، أي: فليعْطِ، قال الشافعي:(لأنَّه لا يَقعُ اسمُ السَّلَفِ فيه حتى يُعْطِيَه ما سلَّفَه (5) قبلَ أن يُفارِقَ مَن أسْلَفَه) (6).

ويُشترَطُ أنْ يكونَ رأسُ مالِ السَّلمِ (مَعْلُوماً قَدْرُهُ وَوَصْفُهُ)؛ كالمُسلَمِ فيه، فلا يصحُّ بصُبْرةٍ لا يَعلمان قَدْرَها، ولا بجوهرٍ ونحوِه مما لا يَنضبِطُ بالصِّفةِ، ويكونُ القبضُ (قَبْلَ التَّفَرُّقِ) مِن المجلسِ.

وكُلُّ مالَيْن حُرِّمَ النَّساءُ فيهما لا يجوزُ إسلامُ أحدِهما في

(1) في (ق): ثمن.

(2)

في (ق): أو عوضه.

(3)

في (ق): أو قيمته.

(4)

تقدم تخريجه قريباً، صفحة ....... الفقرة ........

(5)

في (ق): أسلفه.

(6)

الأم (3/ 95).

ص: 289

الآخَرِ؛ لأنَّ السَّلمَ مِن شرطِه التأجيلُ.

(وَإِنْ قَبَضَ البَعْضَ) مِن الثمنِ في المجلسِ (ثُمَّ افْتَرَقَا) قبلَ قَبْضِ الباقي؛ (بَطَلَ فِيمَا عَدَاهُ)، أي: عدا المقبوضِ، وصحَّ في المقبوضِ.

ولو جَعَل دَيْناً سَلَماً لم يصحَّ، وأمانةً أو عَيْناً مغصوبةً أو عاريةً يصحُّ؛ لأنَّه في معنى القبضِ.

(وَإِنْ أَسْلَمَ) ثمناً واحداً (فِي جِنْسٍ وَاحِدٍ (1) كبُرٍّ (إِلَى أَجَلَيْنِ)؛ كرَجَبٍ وشعبانَ مَثلاً، (أَوْ عَكْسُه) بأنْ أسْلَمَ في جِنسين؛ كبُرٍّ وشَعِيرٍ إلى أجلٍ كرجبٍ مَثلاً؛ (صَحَّ) السَّلَمُ (إِنْ بَيَّنَ) قَدْرَ (كُلِّ جِنْسٍ وَثَمَنَهُ) في المسألةِ الثانيةِ، بأن يقولَ: أسْلَمْتُك دينارَيْن، أحدُهما في إِرْدَبِّ (2) قمحٍ صفتُه كذا وأجلُه كذا، والثاني في إردَبَّينِ شعيراً صفتُه كذا والأجلُ كذا.

(وَ) صحَّ أيضاً إنْ بيَّن (قِسْطَ كُلِّ أَجَلٍ) في المسألةِ الأُولى، بأن يقولَ: أسلمتُكَ دينارَيْن أحدُهما في إِردَبِّ قمحٍ إلى رجبٍ، والآخرُ في إِرْدَبٍّ ورُبُعٍ مثلاً إلى شعبانَ.

(1) قوله: (واحد) سقطت من (أ) و (ب) و (ع).

(2)

الإِردَب: بكسر الهمزة وفتح الدال، والجمع: أرادب: مكيال ضخم بمصر، أربعة وعشرون صاعاً. ينظر: مشارق الأنوار 1/ 27، ولسان العرب 1/ 416.

ص: 290

فإن لم يُبَيِّن ما ذُكر فيهما لم يصحَّ؛ لأنَّ مُقابِلَ كلٍّ مِن الجِنسينِ أو الأجلينِ مجهولٌ.

الشرطُ (السَّابِعُ: أَنْ يُسْلِمَ فِي الذِّمَّةِ، فَلَا يَصِحُّ) السَّلمُ (فِي عَيْنٍ)؛ كدارٍ وشجرةٍ؛ لأنَّها ربُّما تَلِفت قبلَ أوانِ تسليمِها.

(وَ) لا يُشترطُ ذِكْرُ مكانِ الوفاءِ؛ لأنَّه عليه السلام لم يَذكرْه، بل (يَجِبُ الوَفَاءُ مَوْضِعَ العَقْدِ)؛ لأنَّ العقدَ يَقتضي التسليمَ في مكانِه، وله أخذُه في غيرِه إن رَضِيَا.

ولو قال: خُذْه وأُجْرةَ حملِه إلى موضِعِ الوفاءِ؛ لم يَجزْ.

(وَيَصِحُّ شَرْطُهُ)، أي: الوفاءِ (فِي غَيْرِهِ)، أي: غيرِ مكانِ العقدِ؛ لأنه بيعٌ، فصَحَّ شَرْطُ الإيفاءِ في غيرِ مكانِه؛ كبيوعِ الأعيانِ.

وإن شرطَا الوفاءَ موضِعَ العقدِ كان تأكيداً.

(وَإِنْ عُقِدَ) السَّلَمُ (بِبَرِّ) يَّةٍ (أَوْ بَحْرٍ؛ شَرَطَاهُ) أي: مكانَ الوفاءِ لُزوماً، وإلا فَسَد السَّلمُ؛ لتعذُّرِ الوفاءِ موضِعَ العقدِ، وليس بعضُ الأماكنِ سواه أَوْلَى مِن بعضٍ، فاشتُرطَ تَعْيينُه بالقولِ؛ كالكَيْلِ.

ويُقْبَلُ قولُ المسْلَمِ إليه في تعيينِه مع يمينِه.

(وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ المُسْلَمِ فِيهِ) لمن هو عليه أو غَيرِه (قَبْلَ قَبْضِهِ)؛ «لنَهْيِهِ عليه السلام عَنْ بَيْعِ الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ» (1).

(1) رواه البخاري (2133)، ومسلم (1526) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من ابتاع طعاماً فلا يبعه حتى يقبضه» .

ص: 291

(وَلَا) تصحُّ أيضاً (هِبَتُهُ) لغيرِ مَن هو عليه؛ لعَدَمِ القدرةِ على تسليمِه، (وَلَا الحَوَالَةُ بِهِ)؛ لأنَّها لا تصحَّ إلا على دَيْنٍ مُستقرٍّ، والسَّلمُ عُرْضَةٌ للفسخِ، (وَلَا) الحوالةُ (عَلَيْهِ)، أي: على المُسْلَمِ فيه، أو رأسِ مالِه بعدَ فسخِ، (وَلَا أَخْذُ عِوَضِهِ)؛ لقولِه عليه السلام:«مَنْ أَسْلَفَ فِي شَيْءٍ فَلَا يَصْرِفْهُ إِلَى غَيْرِهِ» (1).

(1) رواه أبو داود (3468)، وابن ماجه (2283) من طريق سعد الطائي، عن عطية بن سعد، عن أبي سعيد الخدري مرفوعاً. قال الترمذي في علله الكبير فيما نقله عنه الزيلعي:(لا أعرفه مرفوعاً إلا من هذا الوجه، وهو حديث حسن).

وأعلَّه أبو حاتم، والبيهقي، والأشبيلي، وابن القطان، وابن الملقن، وابن حجر، والألباني، قال ابن حجر:(وفيه عطية بن سعد العوفي وهو ضعيف، وأعله أبو حاتم، والبيهقي، وعبد الحق، وابن القطان بالضعف والاضطراب)، وأعله أبو حاتم أيضاً بالوقف، فقال:(إنما هو سعد الطائي، عن عطية، عن ابن عباس، قوله).

وقد روي موقوفاً من وجه آخر: رواه عبد الرزاق (14106)، أخبرنا معمر، عن قتادة، عن ابن عمر قال:«إذا سلفت في شيء فلا تأخذ إلا رأس مالك أو الذي سلفت فيه» ، وقتادة لم يسمع من ابن عمر، قال الحاكم:(لم يسمع قتادة من صحابي غير أنس)، ونقل ابن أبي حاتم عن أحمد بن حنبل مثله، ونقل عن أبيه أنه لم يسمع إلا من أنس وعبد الله بن سرجس.

ينظر: علل الحديث 3/ 645، الجرح والتعديل 7/ 133، علوم الحديث للحاكم ص 111، السنن الكبرى 6/ 50، بيان الوهم 3/ 173، البدر المنير 6/ 562، التلخيص الحبير 3/ 69، تهذيب التهذيب 8/ 355، نصب الراية 5/ 51، الإرواء 5/ 215.

ص: 292

وسواءٌ فيما ذُكِر إذا كان المسْلَمُ فيه مَوجوداً أو مَعدوماً، والعِوضُ مِثلَه في القيمةِ أو أقلَّ أو أكثرَ.

وتصحُّ الإقالةُ في السَّلمِ.

(وَلَا يَصِحُّ) أَخْذُ (الرَّهْنُ وَالكَفِيلُ بِهِ)، أي: بدَيْنِ السَّلمِ، رُويت كراهيتُه عن عليٍّ (1)، وابنِ عباسٍ (2)، وابنِ عمرَ (3)، إذ وَضْعُ الرَّهنِ للاستيفاءِ مِن ثمنِه عندَ تعذُّرِ الاستيفاءِ مِن الغريمِ، ولا يُمكِنُ استيفاءُ المسلَمِ فيه مِن عَيْنِ الرهنِ، ولا مِن ذمَّةِ الضامِنِ؛ (4) حِذاراً مِن أن يَصرِفَه إلى غيرِه.

ويصحُّ بَيْعُ دَيْنٍ مُستقرٍّ؛ كقرضٍ، وثمنِ مبيعٍ لمن هو عليه، بشرطِ قَبْضِ عِوَضِه في المجلسِ.

وتصحُّ هِبَةُ كلِّ دَيْنٍ لمن هو عليه، ولا يجوزُ لغيرِه.

(1) رواه عبد الرزاق (14082)، وابن أبي شيبة (20034) من طريق عبد الله بن أبي يزيد، عن أبي عياض، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه:«أنه كره الرهن والكفيل في السلف» . ولم نجد لعبد الله بن أبي يزيد ترجمة.

(2)

رواه ابن أبي شيبة (20036) من طريق مجاهد، عن ابن عباس:«أنه كان يكره الرهن في السلم» ، وإسناده صحيح.

(3)

رواه عبد الرزاق (14083)، وابن أبي شيبة (20035) من طريق الثوري، عن محمد بن قيس قال: سمعت ابن عمر يسأل عن التسليف، جرباناً معلوماً إلى أجل معلوم فلم ير به بأساً، فقيل له: آخذ رهناً، فقال:«ذلك السك المضمون» ، وإسناده صحيح.

(4)

بداية سقط من الأصل، إلى قوله في باب الرهن:(مع بقاء بعض الدين).

ص: 293

ويصحُّ (1) استنابةُ مَن عليه الحقُّ للمستحِقِّ.

(1) في باقي النسخ: وتصح. وجاء في هامش (ح): (قوله: (ويصح) إلخ ليست في أصلها المحررة على المؤلف، وهي في عدة نسخ).

ص: 294