الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(بَابُ العَارِيَّةِ)
بتخفيفِ الياءِ وتشديدِها: مِن العُرْي، وهو التَّجَرَّدُ، سُمِّيت عاريةً؛ لتجرُّدِها عن العِوضِ.
و(هِيَ إِبَاحَةُ نَفْعِ عَيْنٍ) يحلُّ الانتفاعُ بها، (تَبْقَى بَعْدَ اسْتِيفَائِهِ) ليَرُدَّها على مالِكِها.
وتَنعقِدُ بكلِّ لفظٍ أو فعلٍ يَدلُّ عليها.
ويُشترَطُ أهليَّةُ المُعِيرِ للتبرُّعِ شَرعاً، وأهليَّةُ مُستعيرٍ للتبرُّعِ له.
وهي مستحبةٌ؛ لقولِه تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى)[المائدة: 2].
(وَتُبَاحُ إِعَارَةُ كُلِّ ذِي نَفْعٍ مُبَاحٍ)؛ كالدَّارِ، والعَبْدِ، والدَّابةِ، والثَّوبِ، ونحوِها، (إِلَّا البُضْعَ (1)؛ لأنَّ الوطءَ لا يجوزُ إلا في نكاحٍ أو ملكِ يمينٍ، وكلاهُما مُنتفٍ.
(وَ) إلا (عَبْداً مُسْلِماً لِكَافِرٍ)؛ لأنَّه لا يجوزُ له استخدامُه.
(وَ) إلا (صَيْداً وَنَحْوَهُ)؛ كمخيطٍ (لِمُحْرِمٍ)؛ لقولِه تعالى: (وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ)[المائدة: 2].
(وَ) إلا (أَمَةً شَابَّةً لِغَيْرِ امْرَأَةٍ أَوْ مَحْرَمٍ)؛ لأنَّه لا يؤمنُ عليها، ومحَلُّ ذلك إنْ خُشِيَ المُحَرَّمُ، وإلا كُرِهَ فقط، ولا بأس بشوهاءَ وكبيرةٍ لا تُشتَهَى، ولا بإعارتِها لامرأةٍ أو ذي محرمٍ؛ لأنَّه مأمونٌ عليها.
وللمُعِيرِ الرُّجوعُ متى شاء، ما لم يَأذنْ في شَغْلِهِ بشيءٍ يَستضِرُّ المستعيرُ برجوعِهِ فيه؛ كسفينةٍ لحَمْلِ متاعِهِ؛ فليس له الرجوعُ ما دامت في لُجَّةِ (2) البحرِ.
وإن أعاره حائطاً ليَضعَ عليه أطرافَ خُشْبِه؛ لم يَرجِعْ ما دام عليه.
(1) قال في المطلع (ص 327): (البُضع: بضم الباء: فرج المرأة، والنكاح أيضاً، والبضع: بالكسر والفتح عن غير واحد: ما بين الثلاثة والعشرة، وقيل غير ذلك، وليس هذا موضعه).
(2)
قال في المطلع (ص 328): (اللُّجَة: بضم اللام: من البحر حيث لا يدرك قعره).
(وَلَا أُجْرَةَ لِمَنْ أَعَارَ حَائِطاً) ثم رَجَع (حَتَّى يَسْقُطَ)؛ لأنَّ بقاءَه بحُكمِ العاريةِ، فَوَجَب كونُه بلا أجرةٍ، بخلافِ مَن أعار أرضاً لزرعٍ ثم رَجَع، فَيُبَقَّى الزرعُ (1) بأجرةِ المثلِ لحصادِه؛ جَمعاً بينَ الحَقَّين.
(وَلَا يُرَدُّ) الخشبُ (إِنْ سَقَطَ) الحائِطُ لهدمٍ أو غيرِه؛ لأنَّ الإذنَ تَناوَلَ الأَوَّلَ، فلا يَتعدَّاه لغيرِه، (إِلَّا بِإِذْنِهِ)، أي: إذْنِ صاحِبِ الحائِطِ، أو (2) عندَ الضرورةِ إلى وَضعِه إذا لم يَتضرَّر الحائطُ، كما تقدَّم في الصلحِ (3).
(وَتُضْمَنُ العَارِيَّةُ) المقبوضةُ إذا تَلِفت في غيرِ ما استُعِيرَت له؛ لقولِه عليه السلام: «وَعَلَى اليَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تُؤَدِّيَهُ» رواه الخمسةُ، وصحَّحه الحاكمُ (4)،
(1) في (ق): فالزرع مبقى.
(2)
في (ق): و.
(3)
انظر صفحة .....
(4)
رواه أحمد (20086)، وأبو داود (3561)، والترمذي (1266)، والنسائي في الكبرى (5751)، وابن ماجه (2400)، وابن الجارود (1024)، والحاكم (2302)، من طريق الحسن، عن سمرة بن جندب رضي الله عنه. وحسنه الترمذي، وصححه ابن الجارود، وقال الحاكم:(صحيح على شرط البخاري)، ووافقه الذهبي، وقال ابن طاهر في «تخريج أحاديث الشهاب»: إسناده متصل صحيح.
وأعله ابن حزم وابن التركماني والألباني: بعدم سماع الحسن من سمرة كما هو مذهب جماعة من المحدثين؛ كابن معين والنسائي وغيرهما، قال ابن حجر:(والحسن مختلف في سماعه من سمرة)، قال الألباني:(وإذا ضممنا إلى ذلك ما جاء فى ترجمة الحسن البصري، وخلاصته ما فى التقريب: (ثقة ففيه فاضل مشهور، وكان يرسل كثيراً، ويدلس)، فينتج من ذلك عدم الاحتجاج بحديث الحسن عن سمرة إذا عنعنه). ينظر: المحلى 8/ 144، الجوهر النقي 6/ 90، البدر المنير 6/ 753، التلخيص الحبير 3/ 128، الإرواء 5/ 348.
ورُوي عن ابنِ عباسٍ (1)، وأبي هريرةَ (2)، لكنْ المستعِيرُ مِن المستأجِرِ، أو لكتبِ علمٍ ونحوِها موقوفةٍ؛ لا ضَمان عليه إن لم يُفرِّطْ.
وحيثُ ضَمِنها المستعيرُ فـ (بِقِيمَتِهَا يَوْمَ تَلِفَتْ) إن لم تَكُن مِثليةً، وإلا فبِمِثلِها؛ كما تُضمَنُ في الإتلافِ.
(وَلَوْ شَرَطَ نَفْيَ ضَمَانِهَا)؛ لم يَسقُطْ؛ لأنَّ كلَّ عقدٍ اقتضَى الضمانَ لم يُغيِّرْهُ الشرطُ، وعكسُهُ نحوُ وديعةٍ، لا تَصيرُ مضمونةً بالشرطِ.
وإن تَلِفت هي أو أجزاؤها في انتفاعٍ بمعروفٍ؛ لم تُضمَنْ؛ لأنَّ الإذْنَ في الاستعمالِ تَضَمَّن الإذْنَ في الإتلافِ، وما أُذِنَ في إتلافِه غيرُ مضمونٍ.
(1) رواه عبد الرزاق (14792)، وابن أبي شيبة (20552)، والبيهقي (11483)، من طرق عن ابن أبي مليكة:«أن ابن عباس كان يضمن العارية» ، والأثر صحيح.
(2)
رواه عبد الرزاق (14792)، وابن أبي شيبة (20561)، والبيهقي (11485)، من طريق سفيان، عن عمرو بن دينار، عن عبد الرحمن بن السائب، أن رجلاً استعار بعيراً من رجل فعطب، فأتى به مروان بن الحكم، فأرسل مروان إلى أبي هريرة فسأله، فقال:«يغرم» ، وعبد الرحمن بن السائب قال فيه ابن حجر:(مقبول). ينظر: تقريب التهذيب ص 341.
(وَعَلَيْهِ)، أي: على المستعيرِ (مُؤْنَةُ رَدِّهَا)، أي: ردِّ العاريةِ؛ لما تقدَّم مِن حديثِ: «عَلَى اليَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تُؤَدِّيَهُ» (1)، وإذا كانت واجبةَ الرَّدِّ وَجَب أن تكونَ مُؤنةُ الردِّ على مَن وَجَب عليه الرَّدُّ.
(لَا المُؤَجَّرَةِ)، فلا يجبُ على المستأجِرِ مُؤْنةُ ردِّها؛ لأنَّه لا يَلزَمُه الرَّدُّ، بل يَرْفَعُ يدَه إذا انقضت المدَّةُ.
ومُؤْنةُ الدَّابَّةِ المؤجَّرةِ والمُعَارةِ على المالكِ.
وللمستعيرِ استيفاءُ المنفعةِ بنفسِهِ وبوكيلِهِ؛ لأنَّه نائِبُهُ، (وَلَا يُعِيرُهَا)، ولا يؤجِّرُها؛ لأنَّها إباحةُ المنفعةِ، فلم يَجزْ أن يُبيحَها غيرَه؛ كإباحةِ الطعامِ.
(فَإِنْ) أعارَها و (تَلِفَتْ عَنْدَ الثَّانِي؛ اسْتَقَرَّتْ عَلَيْهِ قِيمَتُهَا) إنْ كانت متقوَّمَةً، سواءٌ كان عالماً بالحالِ أوْ لا؛ لأنَّ التلفَ حَصَل في يدِه، (وَ) استقرَّ (2)(عَلَى مُعِيرِهَا أُجْرَتُهَا) للمعيرِ الأَوَّلِ إن لم يَكُن المستعيرُ الثاني عالماً بالحالِ، وإلا استقرَّت عليه أيضاً، (وَ) للمالِكِ أنْ (يُضَمِّنُ أَيُّهُمَا شَاءَ)؛ مِن المُعيرِ؛ لأنَّه سَلَّط على إتلافِ مالِهِ، أو المستعيرِ؛ لأنَّ التَّلفَ حَصَل تحتَ يدِه.
(1) تقدم تخريجه صفحة .... الفقرة .....
(2)
في (ق): استقرت.
(وَإِنْ أَرْكَبَ) دابَّته (1)(مُنْقَطِعاً) طَلَباً (لِلثَّوَابِ؛ لَمْ يَضْمَنْ)؛ لأنَّ يدَ ربِّها لم تَزَلْ عليها؛ كرديفِه ووكيلِه.
ولو سلَّم شريكٌ لشريكِه (2) الدَّابةَ، فَتَلِفَت بلا تَفريطٍ ولا تَعدٍّ؛ لم يَضمَنْ إن لم يَأذنْ له في الاستعمالِ، فإن أَذِنَ له فيه فعاريَّةٌ (3)، وإن كان بأجرةٍ فإجارَةٌ، فلو سلَّمها إليه ليَعلِفَها ويَقومَ بمصالِحِها؛ لم يَضمَنْ.
(وَإِذَا قَالَ) المالِكُ: (أَجَّرْتُكَ)، و (قَالَ) مَن هي بيدِه:(بَلْ أَعَرْتَنِي، أَوْ بِالعَكْسِ)؛ بأن قال: أعَرْتُكَ، قال: بل أجَّرتَني؛ فقولُ المالِكِ في الثانيةِ، وتُردُّ إليه في الأُولى إن اختلفَا (عَقِبَ العَقْدِ)، أي: قَبلَ مُضيِّ مُدَّةٍ لها أجرةٌ؛ (قُبِلَ قَوْلُ مُدَّعِي الإِعَارَةِ) مع يمينِه؛ لأنَّ الأصلَ عدمُ عقدِ الإجارةِ، وحِينئذ تُردُّ العينُ إلى مالِكِها إن كانت باقيةً.
(وَ) إن كان الاختلافُ (بَعْدَ مُضِيِّ مُدَّةٍ) لها أجرةٌ؛ فالقولُ (قَوْلُ المَالِكِ) مع يمينِهِ (4)؛ لأنَّ الأصلَ في مالِ الغيرِ الضمانُ، ويَرجِعُ المالِكُ حينئذ (بِأُجْرَةِ المِثْلِ) لما مضى مِن المدَّةِ؛ لأنَّ الإجارةَ لم تَثبُتْ.
(1) في (ق): دابة.
(2)
في (ق): شريكه.
(3)
في سائر النسخ: فكعارية.
(4)
في (ب) و (ق): في ماضيها مع يمينه.
(وَإنْ قَالَ) الذي في يدِه العينُ: (أَعَرْتَنِي، أَوْ قَالَ: أَجَّرْتَنِي، قَالَ) المالِكُ: (بَلْ غَصَبْتَنِي)، فقولُ مالِكٍ؛ كما لو اختلفَا في رَدِّها، (أَوْ قَالَ) المالِكُ:(أَعَرْتُكَ)، و (قَالَ) مَن هي بيدِه:(بَلْ أَجَّرْتَنِي وَالبَهِيمَةُ تَالِفَةٌ)؛ فقولُ مالِكٍ؛ لأنَّهما اختلفا في صِفةِ القبضِ، والأصلُ فيما يَقبِضُه الإنسانُ مِن مالِ غيرِهِ الضمانُ؛ للأثرِ، ويُقبَلُ قولُ الغارِمِ في القيمةِ.
(أَوْ اخْتَلَفَا فِي رَدٍّ؛ فَقَوْلُ المَالِكِ)؛ لأنَّ المستعيرَ قَبَض العينَ لحظِّ نفسِهِ، فلم يُقبَلْ قَولُهُ في الردِّ.
وإن قال: أَودَعْتَني، فقال: غَصَبْتَني، أو قال: أَوْدَعْتُك، قال: بل أَعَرْتَني؛ صُدِّقَ المالكُ بيمينِهِ، وعليه الأجرةُ بالانتفاعِ.