الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(بَابُ الهِبَةِ وَالعَطِيَّةِ)
الهبةُ: مِن هُبوبِ الريحِ، أي: مُرُورِهِ، يقال: وَهَب (1) له شيئاً وَهباً- بإسكان الهاء وفتحها -، وهِبَةً.
والاتِّهابُ: قبولُ الهبةِ، والاسْتِيهَابُ: سؤالُ الهبةِ.
والعطيةُ هنا: الهبةُ في مرضِ الموتِ.
(وَهِيَ التَّبَرُّعُ) مِن جائزِ التصرُّفِ (بِتَمْلِيكِ مَالِهِ المَعْلُومِ المَوْجُودِ فِي حَيَاتِهِ غَيْرَهُ) -مَفعولُ (تَمْلِيك) - بما يُعَدُّ هِبَةً عُرفاً.
فَخَرج بـ (التَّبَرُّع): عقودُ المعاوضاتِ؛ كالبيعِ والإجارةِ، وبـ (التَّمْلِيكِ): الإباحةُ؛ كالعاريةِ، وبـ (المَالِ): نحوُ الكلبِ، وبـ (المَعْلُومِ): المجهولُ، وبـ (المَوْجُودِ): المعدومُ، فلا تصحُّ الهبةُ فيها، وبـ (الحَيَاةِ): الوصيةُ.
(وَإِنْ (2) شَرَطَ) العاقدُ (فِيهَا عِوَضاً مَعْلُوماً؛ فَـ) هي (بَيْعٌ)؛ لأنَّه تمليكٌ بعوضٍ معلومٍ، ويَثْبُتُ الخيارُ والشفعةُ.
فإن كان العوضُ مجهولاً لم تصحَّ، وحُكمُها كالبيعِ الفاسدِ، فيرُدُّها بزيادتِها مُطلقاً، وإن تَلِفَت ردَّ قِيمتَها.
(1) في (ق): وهبت.
(2)
في (ق): فإن.
والهبةُ المطلقةُ لا تَقتضي عِوضاً، سواءٌ كانت لمثلِهِ، أو دونَهُ، أو أعلى منه.
وإن اختلفا في شرطِ عِوَضٍ؛ فقولُ منكِرٍ بيمينِهِ.
(وَلَا يَصِحُّ) أنْ يهبَ (مَجْهُولاً)؛ كالحملِ في البطنِ، واللبنِ في الضَّرعِ، (إِلَّا مَا تَعَذَّرَ عِلْمُهُ)؛ كما لو اختلطَ مالُ اثنين على وجهٍ لا يَتميَّزُ، فَوَهَب أحدُهما لرفيقِهِ نصيبَه منه؛ فيصحُّ للحاجةِ؛ كالصلحِ.
ولا يصحُّ أيضاً هِبَةُ ما لا يَقدِرُ على تسليمِهِ؛ كالآبقِ والشارِدِ.
(وَتَنْعَقِدُ) الهبةُ (بِالإِيجَابِ وَالقَبُولِ)؛ بأن يقولَ: وَهَبتُكَ، أو أهديتُكَ، أو أعطيتُكَ، فيقولُ: قَبِلتُ، أو رَضيتُ، ونحوُهُ (وَ) بـ (المُعَاطَاةِ الدَّالَّةِ عَلَيْهَا)، أي: على الهبةِ؛ لأنَّه عليه السلام كان يُهدِي ويُهدَى إليه، ويُعطِي ويُعطَى، ويُفرِّقُ الصَّدقاتِ، ويَأمُرُ سُعاتَهُ بأخذِها وتَفريقِها، وكان أصحابُه يَفعلون ذلك، ولم يُنْقَلْ عنهم إيجابٌ ولا قبولٌ، ولو كان شرطاً لنُقِلَ عنهم نَقلاً مُتواتِراً أو مُشتهِراً (1).
(وَتَلْزَمُ بِالقَبْضِ بِإِذْنِ وَاهِبٍ)؛ لما روى مالكٌ عن عائشةَ: أنَّ أبا بكرٍ نَحَلَها جَذاذَ عشرينَ وسْقاً مِن مالِهِ بالعاليةِ، فلمَّا مَرِضَ، قال:
(1) في (أ) و (ع): مشهوراً.
«يَا بُنَيَّةُ كُنْتُ نَحَلْتُكِ جَذَاذَ عِشْرِينَ وَسْقاً، وَلَوْ كُنْتِ حُزْتِيهِ أَوْ قَبَضْتِيهِ كَانَ لَكِ، فَإِنَّمَا هُوَ اليَوْمَ مَالُ وَارِثٍ، فَاقْتَسِمُوهُ عَلَى كِتَابِ اللهِ تَعَالَى» (1)، وروى ابنُ عيينةَ عن عمرَ نحوَهُ (2)، ولم يُعرَفْ لهما في الصحابةِ مخالِفٌ، (إِلَّا مَا كَانَ فِي يَدِ مُتَّهِبٍ) وديعةً، أو غصباً، ونحوَهُما؛ لأنَّ قبضَهُ مُستدامٌ، فأغنى عن الابتداءِ.
(وَوَارِثُ الوَاهِبِ) إذا مات قبلَ القبضِ (يَقُومُ مَقَامَهُ) في الإذنِ والرجوعِ؛ لأنَّه عقدٌ يؤُولُ إلى اللُّزومِ، فلم يَنفسِخْ بالموتِ؛ كالبيعِ في مدَّةِ الخيارِ.
وتَبْطُلُ بموتِ المتَّهِبِ.
ويَقْبَلُ ويَقْبِضُ للصغيرِ ونحوِهِ وليُّهُ.
وما اتَّهبه عبدٌ غيرُ مكاتَبٍ وقَبِلَه فهو لسيِّدِهِ، ويصحُّ قبولُه بلا إذنِ سيِّدِهِ.
(1) رواه مالك (2783)، عن ابن شهاب، عن عروة بن الزبير، عن عائشة رضي الله عنها. وصححه ابن الملقن، وقال الألباني:(إسناد صحيح على شرط الشيخين). ينظر: البدر المنير 7/ 143، الإرواء 6/ 61.
(2)
رواه ابن أبي شيبة (20124)، قال: حدثنا ابن عيينة، عن الزهري، عن عروة، عن عبد الرحمن بن عبد القاري، قال: قال عمر رضي الله عنه: «ما بال رجال ينحلون أولادهم نحلاً، فإذا مات ابن أحدهم قال: مالي وفي يدي، وإذا مات هو قال: قد كنت نحلته ولدي، لا نحلة إلا نحلةً يحوزها الولد دون الوالد» ، وصححه الألباني إسناده. ينظر: الإرواء 6/ 69.
(وَمَنْ أَبْرَأَ غَرِيمَهُ مِنْ دَيْنِهِ) ولو قبلَ وجوبِهِ (بِلَفْظِ الإِحْلَالِ، أَوْ الصَّدَقَةِ، أَوِ الهِبَةِ وَنَحْوِهَا)؛ كالإسقاطِ، أو التَّركِ، أو التَّمليكِ، أو العفوِ؛ (بَرِئَتْ ذِمَّتُهُ، وَلَوْ) ردَّه و (لَمْ يَقْبَلْ)؛ لأنَّه إسقاطُ حقٍّ، فلم يَفتقِرْ إلى القبولِ؛ كالعتقِ، ولو كان المُبْرَأُ منه مجهولاً، لكن لو جَهِلَه ربُّه وكتَمَه المدينُ خَوفاً مِن أنَّه لو عَلِمَه لم يُبْرِئْهُ؛ لم تصحَّ البراءةُ.
ولو أبرأَ أحدَ غَرِيمَيْهِ، أو مِن أحدِ دَيْنَيْهِ؛ لم تصحَّ؛ لإبهامِ المحلِّ.
(وَتَجُوزُ هِبَةُ كُلِّ عَيْنٍ تُبَاعُ)، وهبةُ جزءٍ مشاعٍ منها إذا كان مَعلوماً، (وَ) هِبةُ (كَلْبٍ يُقْتَنَى)، ونَجاسةٍ يُباحُ نفعُها؛ كالوصيةِ.
ولا تصحُّ مُعلَّقةً، ولا مُؤقتةً؛ إلا نحوَ: جَعلتُها لك عُمرَك، أو حَياتَك، أو عمري، أو ما بَقِيتُ؛ فتصحُّ، وتكونُ لموهوبٍ له ولورثتِهِ بعدَه (1).
وإن قال: سُكْنَاهُ (2) لك عُمرَك، أو غَلَّتُه، أو خِدمتُه لك، أو مَنحتُكَهُ؛ فعاريةٌ؛ لأنَّها هبةُ المنافعِ.
ومَن باعَ أو وَهَب فاسِداً، ثم تَصرَّف في العينِ بعقدٍ صحيحٍ؛ صحَّ الثاني؛ لأنَّه تصرُّفٌ في ملْكِه.
(1) في (أ): من بعده.
(2)
في (ب) و (ق): سكناها.