الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(بَابُ القَرْضِ)
بفتحِ القافِ، وحُكِيَ كسرُها، ومعناها لغةً: القطعُ.
واصطلاحاً: دَفْعُ مالٍ لمن ينتفعُ به ويردُّ بدلَه.
وهو جائزٌ بالإجماعِ (1).
(وَهُوَ مَنْدُوبٌ)؛ لقولِه عليه السلام في حديثِ ابنِ مسعودٍ: «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُقْرِضُ مُسْلِماً قَرْضاً مَرَّتَيْنِ إِلَّا كَانَ كَصَدَقَةِ مَرَّةٍ» (2).
وهو مباحٌ للمقترِضِ، وليس مِن المسألةِ المكروهةِ؛ لفعلِه عليه السلام (3).
(وَمَا يَصِحُّ بَيْعُهُ) مِن نَقْدٍ أو عَرْضٍ؛ (صَحَّ قَرْضُهُ)، مَكيلاً كان أو مَوزوناً أو غيرَهما؛ «لأَنَّهُ عليه السلام اسْتَسْلَفَ بَكْراً» (4)، (إلَّا بَنِي آدَمَ)،
(1) الإقناع في مسائل الإجماع (2/ 196).
(2)
رواه ابن ماجه (2430) من طريق سليمان بن يسير، عن قيس بن رومي، عن سليمان بن أذنان، عن علقمة، عن ابن مسعود مرفوعاً. قال البوصيري:(هذا إسناد ضعيف، قيس بن رومي مجهول، وسليمان بن نسير، ويقال: ابن قشير، ويقال: ابن شتير، ويقال: ابن سفيان، وكله واحد، متفق على تضعيفه)، وحسنه الألباني بالشواهد. ينظر: مصباح الزجاجة 3/ 69، الإرواء 5/ 225.
(3)
كما في مسلم (1600) من حديث أبي رافع: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استسلف من رجل بكراً» .
(4)
تقدم تخريجه صفحة ...... الفقرة ......
فلا يصحُّ قَرضُهُم؛ لأنَّه لم يُنقَلْ، ولا هو مِن المرافِقِ، ويُفْضِي إلى أنْ يقترِضَ جاريةً يَطؤها ثم يَردَّها.
ويُشترطُ معرفةُ قَدْرِ القرضِ، ووصفِه، وأن يكونَ المُقرِضُ ممَّن يصحُّ تبرُّعُه.
ويصحُّ بلفظِه، وبلفظِ (1): السَّلفِ، وكلِّ ما أدَّى معناهما، وإن قال: ملكتُكَ، ولا قرينةَ على ردِّ بدلٍ؛ فهِبَةٌ.
(وَيُمْلَكُ) القرضُ (بِقَبْضِهِ)؛ كالهبةِ، ويتمُّ بالقبولِ، وله الشراءُ به مِن مُقْرِضِه، (فَلَا يَلْزَمُ رَدُّ عَيْنِهِ)؛ للزومِه بالقبضِ، (بَلْ يَثبُتُ بَدَلُهُ فِي ذِمَّتِهِ)، أي: ذمَّةِ المقتَرِضِ (حَالًّا وَلَوْ أجَّلَهُ) المقرِضُ؛ لأنَّه عَقْدٌ مُنِعَ فيه مِن التَّفاضُلِ، فمُنِعَ الأجلُ فيه؛ كالصَّرفِ، قال الإمامُ:(القرضُ حالٌّ)، ويَنبغي أن يفيَ بوعدِه.
(فَإِنْ رَدَّهُ المُقْتَرِضُ)، أي: ردَّ القرضَ بعَيْنِه؛ (لَزِمَ) المُقرِضَ (قَبُولُهُ) إنْ كان مِثليًّا؛ لأنَّه ردَّه على صفةِ حقِّه، سواءٌ تغيَّرَ سعرُه أوْ لَا، حيثُ لم يَتعيَّبْ.
وإنْ كان مُتقوَّماً لم يَلزَمْ المقرِضَ قبولُه، وله الطَّلبُ بالقيمةِ.
(وَإِنْ كَانَتْ) الدَّراهِمُ التي وَقَع القرضُ عليها (مُكَسَّرَةً، أَوْ) كان القرضُ (فُلُوساً، فَمَنَعَ السُّلْطَانُ المُعَامَلَةَ بِهَا)، أي: بالدراهِمِ
(1) في (ق): ولفظ.
المكسَّرةِ أو الفلوسِ؛ (فَلَهُ)، أي: للمقرِضِ (القِيمَةُ وَقْتَ القَرْضِ)؛ لأنَّه كالعيبِ، فلا يَلزَمُه قبولُها، وسواءٌ كانت باقيةً أو استهلَكَها، وتكونُ القيمةُ مِن غيرِ جنسِ الدراهِمِ.
وكذلك المغشوشةُ إذا حرَّمَها السلطانُ.
(وَيَرُدُّ) المقترِضُ (المِثْلَ)، أي: مثلَ ما اقترضَه (فِي المِثْلِيَّاتِ)؛ لأنَّ المِثْلَ أقربُ شَبَهاً مِن القيمةِ، فيجبُ ردُّ مثلِ فلوسٍ غَلَت، أو رَخُصَت، أو كَسَدَت، (وَ) يَردُّ (القِيمَةَ فِي غَيْرِهَا) مِن المتقوَّماتِ، وتكونُ القيمةُ في جوهرٍ ونحوِه يومَ قبضِه، وفيما يصحُّ سَلَمٌ (1) فيه يومَ قرضِه، (فَإِنْ أَعْوَزَ)، أي: تعذَّر (المِثْلُ فَالقِيْمَةُ إذاً)، أي: وَقْتُ إعوازِه؛ لأنها حينئذ تثبتُ (2) في الذمَّةِ.
(وَيَحْرُمُ) اشتراطُ (كُلِّ شَرْطٍ جَرَّ نَفْعاً)، كأن يُسْكِنَه دارَه، أو يقضيَه خيراً مِنه؛ لأنَّه عقدُ إرْفاقٍ وقُربةٍ، فإذا شَرَط فيه الزيادةَ أخْرَجَه عن موضوعِه.
(وَإِنْ بَدَأَ بِهِ)، أي: بما فيه نَفْعٌ؛ كسُكْنى دارِه (بِلَا شَرْطٍ) ولا مُواطأةٍ بعدَ الوفاءِ؛ جاز، لا قبلَه>
(أَوْ أَعْطَاهُ أجْوَدَ) بلا شَرْطٍ
(1) في (ق): السلم.
(2)
في (ق): ثبتت.
جاز؛ لأنَّه عليه السلام استسلف بَكْراً فردَّ خَيراً منه، وقال:«خَيْرُكُمْ أَحْسَنُكُمْ قَضَاءً» متفقٌ عليه (1).
(أَوْ) أعطاه (هَدِيَّةً بَعْدَ الوَفَاءِ؛ جَازَ)؛ لأنَّه لم يَجعَلْ تلك الزيادةَ عِوضاً في القرضِ ولا وسيلةً إليه.
(وَإِنْ تَبَرَّعَ) المقترِضِ (لِمُقْرِضِهِ قَبْلَ وَفَائِهِ بِشَيءٍ لَم تَجْرِ عَادَتُهُ بِهِ) قبلَ القرضِ؛ (لَمْ يَجُزْ، إِلَّا أَنْ يَنْوِيَ) المقرِضُ (مُكَافَأَتَهُ) على ذلك الشيءِ، (أَوِ احْتِسَابَهُ مِنْ دَيْنِهِ)، فيجوزُ له قبولُهُ؛ لحديثِ أنسٍ مرفوعاً قال:«إِذَا أَقْرَضَ أَحَدُكُمْ قَرْضاً، فَأَهْدَى إلَيْهِ، أَوْ حَمَلَهُ عَلَى الدَّابَّةِ، فَلَا يَرْكَبْهَا، وَلَا يَقْبَلْهُ، إلَّا أَنْ يَكُونَ جَرَى بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ قَبْلَ ذَلِكَ» رواه ابنُ ماجه، وفي سندِه جهالةٌ (2).
(وَإنْ أقْرَضَهُ أَثْمَاناً فَطَالَبَهُ بِهَا بِبَلَدٍ آخَرَ؛ لَزِمَتْهُ) الأثمانُ، أي: مثلُها؛ لأنَّه أمكنَه قضاءُ الحقِّ مِن غيرِ ضررٍ فلزِمَه، ولأنَّ القيمةَ لا تَختلِفُ؛ فانتفى الضَّررُ.
(وَ) يجبُ (فِيمَا لِحَمْلِهِ مُؤْنَةٌ قِيمَتُهُ) ببلدِ القرضِ؛ لأنَه المكانُ
(1) رواه البخاري (2305)، ومسلم (1601) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(2)
رواه ابن ماجه (2432)، من طريق عتبة بن حميد الضبي، عن يحيى بن أبي إسحاق الهنائي، عن أنس مرفوعاً. أعله البوصيري فقال:(هذا إسناد فيه مقال، عتبة بن حميد ضعفه أحمد، وقال أبو حاتم: صالح، وذكره ابن حبان في الثقات، ويحيى بن أبي إسحاق الهنائي لا يُعرف حاله)، وضعفه ابن عبدالهادي والألباني. ينظر: تنقيح التحقيق 4/ 108، مصباح الزجاجة 3/ 70، الإرواء 5/ 236.
الذي يجبُ التسليمُ فيه، ولا يلزمُه المثلُ في البلدِ الآخرِ؛ لأنَّه لا يلزَمُه حَمْلُه إليه، (إِنْ لَمْ تَكُنْ) قيمتُه (بِبَلَدِ القَرْضِ أَنْقَصَ)، صوابُه: أكثرَ، فإن كانت القيمةُ ببلدِ القرضِ أكثرَ لزِمَ مثلُ المثلي؛ لعدمِ الضَّررِ إذاً.
ولا يُجبرُ ربُّ الدَّيْنِ على أخذِ قرضِه ببلدٍ آخرَ إلا فيما لا مُؤنةَ لحملِه مع أمنِ البلدِ والطريقِ.
وإذا قال: اقترض لي مائةً ولك عشرةٌ؛ صحَّ؛ لأنَّها في مقابَلَةِ ما بَذَلَه مِن جاهِهِ.
ولو قال: اضْمَنِّي فيها ولك ذلك؛ لم يَجزْ.