المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(باب إحياء الموات) - الروض المربع بشرح زاد المستقنع - ط ركائز - جـ ٢

[البهوتي]

فهرس الكتاب

- ‌(كِتَابُ الصِّيَامِ)

- ‌(بَابُ مَا يُفْسِدُ الصَّوْمَ، وَيُوجِبُ الكَفَّارَةَ)، وما يتعلَّقُ بذلك

- ‌(فَصْلٌ)(وَمَنْ جَامَعَ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ)

- ‌(بَابُ مَا يُكْرَهُ، وَيُسْتَحَبُّ) في الصَّومِ، (وَحُكْمُ القَضَاءِ)، أي: قضاء الصوم

- ‌(بَابُ صَوْمِ التَّطَوُّعِ)

- ‌(بَابُ الاعتِكَافِ)

- ‌(كِتَابُ المَنَاسِكِ)

- ‌(بَابُ المَوَاقِيتِ)

- ‌(بَابُ الإِحْرَامِ)

- ‌(بَابُ مَحْظُورَاتِ الإِحْرَامِ)

- ‌(بَابُ الفِدْيَةِ)

- ‌(فَصْلٌ)(وَمَنْ كَرَّرَ مَحْظُوراً مِنْ جِنْسٍ)

- ‌(بَابُ جَزَاءِ الصَّيْدِ)

- ‌(بَابُ) حكمِ (صَيْدِ الحَرَمِ)، أي: حرمِ مكةَ

- ‌(بَابُ) ذِكْرِ (دُخُولِ مَكَّةَ)، وما يتعلقُ بِه من الطوافِ والسَّعيِ

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(بَابُ صِفَةِ الحَجِّ وَالعُمْرَةِ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(بَابُ الفَوَاتِ وَالإِحْصَارِ)

- ‌(بَابُ الهَدْيُ، وَالأُضْحِيَةِ)، وَالعَقِيقَةِ

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(كِتَابُ الجِهَادِ)

- ‌فصل

- ‌(بَابُ عَقْدِ الذِّمَّةِ وَأَحْكَامِهَا)

- ‌(فَصْلٌ)في أحكامِ الذِّمَّةِ

- ‌(فَصْلٌ) فيما يَنْقُض العهدَ

- ‌(كِتَابُ البَيْعِ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(بَابُ الشُّرُوطِ فِي البَيْعِ)

- ‌(بَابُ الخِيارِ) وقبضِ المبيعِ والإقالةِ

- ‌(فَصْلٌ) في التَّصرُّفِ في المبيعِ قبلَ قبضِه

- ‌(بَابُ الرِّبَا وَالصَّرْفِ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(بَابُ بَيْعِ الأُصُولِ وَالثِّمَارِ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(بَابُ السَّلَمِ)

- ‌(بَابُ القَرْضِ)

- ‌(بَابُ الرَّهْنِ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(بَابُ الضَّمَانِ)

- ‌(فَصْلٌ) في الكَفالةِ

- ‌(بَابُ الحَوَالَةِ)

- ‌(بَابُ الصُّلْحِ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(بَابُ الحَجْرِ)

- ‌(فَصلٌ) في المحجورِ عليه لحظِّهِ

- ‌(بَابُ الوَكَالَةِ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(بَابُ الشَّرِكَةِ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(بَابُ المُسَاقَاةِ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(بَابُ الإِجَارَةِ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(بَابُ السَّبْقِ)

- ‌(بَابُ العَارِيَّةِ)

- ‌(بَابُ الغَصْبِ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)(وَتَصَرُّفَاتُ الغَاصِبِ الحُكْمِيَّةُ)

- ‌(بَابُ الشُّفْعَةِ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(بَابُ الوَدِيعَةِ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(بَابُ إِحْيَاءِ المَوَاتِ)

- ‌(بَابُ الجعَالَةِ)

- ‌(بَابُ اللُّقَطَةِ)

- ‌(بَابُ اللَّقِيطِ)

- ‌(كِتَابُ الوَقْفِ)

- ‌(فَصْلٌ)(ويَجِبُ العَمَلُ بِشَرْطِ الوَاقِفِ)

- ‌(فَصْلٌ)(وَالوَقْفُ عَقْدٌ لَازِمٌ)

- ‌(بَابُ الهِبَةِ وَالعَطِيَّةِ)

- ‌(فَصْلٌ)(يَجِبُ التَّعْدِيلُ فِي عَطِيَّةِ أَوْلَادِهِ بِقَدْرِ إِرْثِهِمْ)

- ‌(فَصْلٌ فِي تَصَرُّفَاتِ المَرِيضِ) بعطيةٍ أو نحوِها

- ‌(كِتَابُ الوَصَايَا)

- ‌(بَابُ المُوصَى لَهُ)

- ‌(بَابُ المُوصَى بِهِ)

- ‌(بَابُ الوَصِيَّةِ بِالأَنْصِبَاءِ وَالأَجْزَاءِ)

- ‌(بَابُ المُوصَى إِلَيْهِ)

الفصل: ‌(باب إحياء الموات)

(بَابُ إِحْيَاءِ المَوَاتِ)

بفتحِ الميمِ والواوِ، (وَهِيَ) مُشتقةٌ مِن الموتِ، وهو عدمُ الحياةِ.

واصطلاحاً: (الأَرْضُ المُنْفَكَّةُ عَنِ الاخْتِصَاصَاتِ وَمِلْكِ مَعْصُومٍ)، بخلافِ الطرقِ، والأفنيةِ، ومسيلِ المياهِ، والمُحتَطَباتِ ونحوِها، وما جَرى عليه ملكُ مَعصومٍ بشراءٍ أو عطيَّةٍ أو غيرِهِما، فلا يُملَكُ شيءٌ مِن ذلك بالإحياءِ.

(فَمَنْ أَحْيَاهَا)، أي: الأرضَ المواتَ؛ (مَلَكَهَا)؛ لحديثِ جابرٍ يرفعُهُ: «مَنْ أَحْيَا أَرْضاً مَيْتَةً فَهِيَ لَهُ» رواه أحمدُ، والترمذي وصحَّحه (1)، وعن عائشةَ مثلُهُ، رواه مالكٌ وأبو داودَ (2)،

وقال ابنُ عبدِ البرِّ: (هو مسندٌ صحيحٌ، مُتلقى بالقبولِ، عندَ فقهاءِ المدينةِ وغيرِهِم)(3)،

(1) رواه أحمد (14271)، والترمذي (1379) من طريق هشام بن عروة، عن وهب بن كيسان، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما مرفوعاً، وتقدم تخريجه صفحة ....

(2)

رواه مالك (2750) عن هشام بن عروة، عن أبيه مرسلاً:«من أحيا أرضاً ميتة فهي له، وليس لعرق ظالم حق» ، وتقدم تخريجه صفحة ......

ولم نقف عليه عند أبي داود، وإنما رواه أبو داود الطيالسي (1543) من طريق زمعة، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة رضي الله عنها مرفوعاً:«فمن أحيا من موات الأرض شيئاً فهو له، وليس لعرق ظالم حق» ، وتقدم تخريجه صفحة ......

(3)

التمهيد (22/ 283).

ص: 446

(مِنْ مُسْلِمٍ وَكَافِرٍ) ذِمي، مُكلفٍ وغيرِهِ؛ لعمومِ ما تقدَّم، لكن على الذمِّي خَرَاجُ ما أحيا مِن مَواتِ عَنوةٍ، (بِإِذْنِ الإِمَامِ) في الإحياءِ (وَعَدَمِهِ)؛ لعمومِ الحديثِ، ولأنَّها عينٌ مباحةٌ، فلا يَفتقِرُ ملكُها إلى إذنٍ، (فِي دَارِ الإِسْلَامِ وَغَيْرِهَا)، فجميعُ البلادِ سواءٌ في ذلك.

(وَالعَنْوَةُ)؛ كأرضِ مِصرَ والشامِ والعراقِ (كَغَيْرِهَا) مما أسلم أهلُهُ عليه (1)، أو صُولِحُوا عليه، إلَّا ما أحياه مسلمٌ مِن أرضِ كفارٍ صُولِحُوا على أنَّها لهم ولنا الخَراجُ.

(وَيُمْلَكُ بِالإِحْيَاءِ مَا قَرُبَ مِنْ عَامِرٍ إِنْ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِمَصْلَحَتِهِ)؛ لعمومِ ما تقدَّم، وانتفاءِ المانعِ، فإن تعلَّق بمصالِحِهِ؛ كمقبرته ومَلقى كُناستِهِ ونحوِهِما (2)؛ لم يَملِكْ.

وكذا مَواتُ الحَرَمِ وعَرفاتٍ لا يُملَكُ بإحياءٍ.

وإذا وَقَع في الطريقِ وقتَ الإحياءِ نزاعٌ؛ فلها سَبعةُ أذرعٍ، ولا تُغيَّرُ بعدَ وَضْعِها.

ولا يُملَكُ مَعدِنٌ ظاهرٌ؛ كملحٍ وكُحلٍ وجِصٍّ بإحياءٍ، وليس للإمامِ إقطاعُهُ.

(1) قوله: (عليه) سقطت من (ق).

(2)

في (ق): كناسة ونحوه.

ص: 447

وما نَضَبَ عنه الماءُ مِن الجزائِرِ لم يُحْيَ بالبناءِ؛ لأنَّه يَردُّ الماءَ إلى الجانِبِ الآخَرِ، فيَضرُّ بأهلِهِ، ويُنتفَعُ به بنحوِ زرعٍ.

(وَمَنْ أَحَاطَ مَوَاتاً)؛ بأن أدار حولَهُ حائِطاً مَنيعاً بما جَرَت العادةُ به؛ فقد أحياه، سواءٌ أرادَها للبناءِ أو غيرِهِ؛ لقولِه صلى الله عليه وسلم:«مَنْ أَحَاطَ حَائِطًا عَلَى أَرْضٍ فَهِيَ لَهُ» رواه أحمدُ وأبو داودَ عن جابرٍ (1)، (أَوْ حَفَرَ بِئْراً فَوَصَلَ إِلَى المَاءِ)؛ فقد أحياه، (أَوْ أَجْرَاهُ)، أي: الماءَ (إِلَيْهِ)، أي: المواتِ، (مِنْ عَيْنٍ وَنَحْوِهَا، أَوْ حَبَسَهُ)، أي: الماءَ (عَنْهُ)، أي: عن المَواتِ إذا كان لا يُزرَعُ معه (لِيُزْرَعَ؛ فَقَدْ أَحْيَاهُ)؛ لأنَّ نَفعَ الأرضِ بذلك أكثرُ مِن الحائطِ.

ولا إحياءَ بحَرثٍ وزَرعٍ.

(وَيَمْلِكُ) المحيي (حَرِيمَ البِئْرِ العَادِيَّةِ) - بتشديدِ الياءِ، أي: القديمةُ، مَنسوبة إلى عادٍ، ولم يُرِدْ عادًا بعينِها-؛ (خَمْسِينَ ذِرَاعاً مِنْ كُلِّ جَانِبٍ)، إذا كانت انطمَّتْ وذَهَب ماؤها فجدَّد حَفرَها

(1) رواه أحمد (15088) من طريق قتادة، عن سليمان بن قيس اليشكري، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما مرفوعاً. وقتادة لم يسمع من سليمان اليشكري كما قال أحمد والبخاري وغيرهما.

ورواه أحمد (20130)، وأبو داود (3077) من طريق قتادة، عن الحسن، عن سمرة بن جندب رضي الله عنه مرفوعاً لفظه، ورواية الحسن عن سمرة متكلم فيها، إلا أنه شاهد لحديث جابر السابق، ولذا صححه الألباني. ينظر: جامع التحصيل ص 255، الإرواء 6/ 10.

ص: 448

وعمارَتَها، أو انقطع ماؤها فاستخرَجَهُ، (وَحَرِيمَ البَدِيَّةِ) المحدَثةِ (نِصْفَهَا)؛ خمسةٌ وعشرون ذِراعاً؛ لما روى أبو عبيدٍ في الأموالِ عن سعيدِ بنِ المسيّبِ قال:«السُّنَةُ فِي حَرِيمِ القَلِيبِ العَادِي خَمْسُونَ ذِرَاعاً، وَالبَدِيِّ (1) خَمْسَةَ وَعِشْرُونَ ذِرَاعاً» (2)، وروى الخلَّالُ والدارقطني نحوَهُ مَرفوعاً (3).

وحَريمُ شجرةٍ: قَدرُ مدِّ أغصانِها، وحريمُ دارٍ مِن مواتٍ حَولها

(1) البدي: هي التي بُدئت فحفرت في الأرض الموات، وليست بعادية. ينظر: الفائق في غريب الحديث والأثر 1/ 89.

(2)

رواه أبو عبيد في الأموال (729)، وابن أبي شيبة (21355)، والبيهقي (11869)، من طرق عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب موقوفاً، قال:«حريم البئر البدي خمس وعشرون ذراعاً من نواحيها كلها، وحريم بئر الزرع ثلاثمائة ذراع من نواحيها كلها، وحريم البئر العادية خمسون ذراعاً من نواحيها كلها» ، ليس في واحد منها قوله:«السنة» .

وأخرجه أبو داود في المراسيل (402)، والبيهقي (11870)، من طريق إسماعيل بن أمية، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب مرسلاً. وصححه الدارقطني وابن عبد الهادي، وقال ابن حجر:(ورجاله ثقات). ينظر: تنقيح التحقيق 4/ 208، الدراية 2/ 245.

(3)

لعله في سنن الخلال ولم تطبع، ورواه الدارقطني (4519) من طريق إبراهيم بن أبي عبلة، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً. قال الدارقطني:(الصحيح من الحديث أنه مرسل عن ابن المسيب، ومن أسنده فقد وهم)، وضعف المرفوع البيهقي والألباني، وقال ابن عبد الهادي:(هذا الإسناد المتصل لا يثبت؛ لأنه جامع للمجهول والمتهم بالكذب). ينظر: السنن الكبرى 6/ 257، تنقيح التحقيق 4/ 208، السلسلة الضعيفة 3/ 97.

ص: 449

مَطرَحُ تُرابٍ، وكُناسةٍ، وثلجٍ، وماءِ مِيزابٍ.

ولا حَريمَ لدارٍ مَحفوفةٍ بملكٍ، ويَتصرَّفُ كلٌّ منهم (1) بحسبِ العادةِ.

ومَن تَحجَّر مَواتاً؛ بأنْ أدار حولَهُ أحجاراً ونحوَها؛ لم يَملِكْهُ وهو أحقُّ به، ووارِثُه مِن بعدِهِ، وليس له بيعُهُ.

(وَلِلإِمَامِ إِقْطَاعُ مَوَاتٍ لِمَنْ يُحْيِيهِ)؛ «لأَنَّهُ عليه السلام أَقْطَعَ بِلَالَ بنَ الحَارِثِ العَقِيقَ» (2)،

(وَلَا يَمْلِكُهُ) بالإقطاعِ، بل هو أحقُّ مِن غيرِهِ،

(1) في (ق): منهما.

(2)

رواه مالك (851)، وأبو داود (3061) من طريق مالك، عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن، عن غير واحد:«أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أقطع بلال بن الحارث المزني معادن القبلية، وهي من ناحية الفرع» ، قال ابن عبد البر:(وهذا حديث منقطع الإسناد، لا يحتج بمثله أهل الحديث).

ورواه أبو عبيد في الأموال (ص 368)، وابن خزيمة (2323)، والحاكم (1467)، والبيهقي (7637) من طريق نُعيم بن حماد، عن عبد العزيز بن محمد، عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن، عن الحارث بن بلال بن الحارث المزني، عن أبيه:«أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ من المعادن القبلية الصدقة، وأنه أقطع بلال بن الحارث العقيق أجمع» ، صححه الحاكم، ووافقه الذهبي.

وأعلَّ الشافعي، والبيهقي، وابن عبد الهادي، والألباني هذا الموصول، قال ابن عبد الهادي:(ونُعيم والدراوردي لهما ما يُنكر، والحارث لا يُعرف حاله، وقد تكلم الإمام أحمد بن حنبل في حديثٍ رواه الدراوردي عن ربيعة عن الحارث، والصواب في هذا الحديث رواية مالك)، وقريب منه قول ابن الملقن.

قال الشافعي: (ليس هذا مما يثبت أهل الحديث، ولو ثبتوه لم تكن فيه رواية عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا إقطاعه، فأما الزكاة في المعادن دون الخمس فليست مروية عن النبي صلى الله عليه وسلم فيه). قال البيهقي: (هو كما قال الشافعي)، وقال الألباني:(وبالجملة فالحديث بمجموع طرقه ثابت فى إقطاع، لا في أخذ الزكاة من المعادن). ينظر: السنن الكبرى 4/ 256، التمهيد 7/ 33، تنقيح التحقيق 3/ 87، البدر المنير 5/ 600، الإرواء 3/ 312.

ص: 450

فإذا أحياه مَلَكه.

وللإمامِ أيضاً إقطاعُ غيرِ مَواتٍ تَمليكاً وانتفاعاً للمصلحةِ.

(وَ) له (إِقْطَاعُ الجُلُوسِ) للبيعِ والشراءِ (فِي الطُّرُقِ الوَاسِعَةِ)، ورحبةِ مسجدٍ غيرِ مَحوطةٍ، (مَا لَمْ يَضُرَّ بِالنَّاسِ)؛ لأنَّه ليس للإمامِ أن يَأذَنَ فيما لا مَصلحةَ فيه، فَضْلاً عمَّا فيه مَضرةٌ.

(وَيَكُونُ) المقطَع (1)(أَحَقَّ بِجُلُوسِهَا)، ولا يَزولُ حقَّه بنقلِ مَتاعِهِ منها؛ لأنَّه قد استحقَّ بإقطاعِ الإمامِ، وله التَّظليلُ على نفسِهِ بما ليس ببناءٍ بلا ضررٍ، ويُسمى هذا: إقطاعَ إرفاقٍ.

(وَمِنْ غَيْرِ إِقْطَاعٍ) للطرقِ الواسعةِ والرحبةِ غيرِ المَحوطةِ الحقُّ (لِمَنْ سَبَقَ بِالجُلُوسِ مَا بَقِيَ قُمَاشُهُ (2) فِيهَا وَإِنْ طَالَ)، جَزَم به في الوجيزِ (3)؛ لأنَّه سَبَق إلى ما لم (4) يَسبِقْ إليه مُسلِمٌ، فلم يَمنَعْ، فإذا

(1) في (ق): المقطع له.

(2)

قال في المطلع (ص 339): (القُماش: بضم القاف: متاع البيت، عن الجوهري).

(3)

(ص 253).

(4)

في (أ) و (ع): ما لا.

ص: 451

نَقَل مَتاعَهَ كان لغيرِهِ الجلوسُ.

وفي المنتهى وغيرِهِ: (فإن أطالَه أُزيل)(1)؛ لأنَّه يَصيرُ كالمالِكِ.

(وَإِنْ سَبَقَ اثْنَانِ) فأكثرَ إليها وضاقَت؛ (اقْتَرَعَا)؛ لأنَّهما استويا في السَّبقِ والقرعةُ مميِّزةٌ.

ومَن سَبَق إلى مباحٍ؛ مِن صيدٍ، أو حطبٍ، أو معدنٍ، ونحوِهِ؛ فهو أحقُّ به، وإن سَبَق إليه اثنان قُسِم بينهما.

(وَلِمَنْ فِي أَعْلَى المَاءِ المُبَاحِ)، كماءِ مطرٍ (السَّقْيُ وَحَبْسُ المَاءِ إِلَى أَنْ يَصِلَ إِلَى كَعْبِهِ، ثُمَّ يُرْسِلُهُ إِلَى مَنْ يَلِيهِ) فَيَفعَلُ كذلك، وهَلمَّ جرًّا، فإن لم يَفضُل عن الأوَّلِ أو مَن بَعدَه شيءٌ؛ فلا شيءَ للآخَرِ؛ لقولِهِ صلى الله عليه وسلم:«اسْقِ يَا زُبَيْرُ، ثُمَّ احْبِسِ المَاءَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَى الجَدْرِ» متفقٌ عليه (2)، وذَكَر عبدُ الرَّزاقِ عن معمرٍ عن الزهري قال: نَظَرنا إلى قولِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم: «ثُمَّ احْبِسِ المَاءَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَى الجَدْرِ» فكان ذلك إلى الكعبينِ. (3)

(1) منتهى الإرادات (1/ 389)، التنقيح المشبع (ص 298).

(2)

رواه البخاري (2359)، ومسلم (2357) من حديث عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما.

(3)

لم نقف عليه عند عبد الرزاق في مصنفه، وقد قال ابن حجر:(وأخرج عبد الرزاق هذا الحديث المرسل بإسناد آخر موصول، ثم روى عن معمر، عن الزهري قال: نظرنا في قوله احبس الماء حتى يبلغ الجدر فكان ذلك إلى الكعبين)، وكذا علقه عنه ابن عبد البر. ينظر: الاستذكار 7/ 189، فتح الباري 5/ 40.

ورواه البخاري (2362) من طريق ابن جريج قال: قال لي ابن شهاب: فقدَّرت الأنصار والناس قول النبي صلى الله عليه وسلم: «اسق، ثم احبس حتى يرجع إلى الجدر» وكان ذلك إلى الكعبين.

ص: 452

فإن كان الماءُ مَملوكاً قُسِم بين الملَّاكِ بقدرِ النفقةِ والعملِ، وتَصرَّفَ كلُّ واحِدٍ في حِصَّتِه بما شاء.

(وَلِلإمَامِ دُونَ غَيْرِهِ حِمَى مَرْعىً)، أي: أن يَمنَعَ الناسَ مِن مَرعىً (لِدَوَابِّ المُسْلِمينَ) التي يَقومُ بحفظِها؛ كخيلِ الجهادِ والصدقةِ، (مَا لَمْ يَضُرَّهُمْ) بالتضييقِ عليهم؛ لما روى عمرُ:«أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم حَمَى النَّقِيعَ (1) لخَيْلِ المُسْلِمِينَ» ، رواه أبو عبيدٍ (2).

(1) النقيع: بنون مفتوحة، ثم قاف مكسورة: على عشرين ميلاً تقريباً من المدينة، وهو من ديار مزينة، وهو غير نقيع الخضمات. ينظر: ما اتفق لفظه وافترق مسماه 134، معجم البلدان 5/ 302.

(2)

لم نقف عليه من مسند عمر، وإنما هو من مسند ابن عمر، وهو الذي في كشاف القناع للمؤلف (9/ 475).

رواه أبو عبيد في الأموال (740)، ورواه أحمد (5655)، من طريق عبد الله بن عمر العمري، عن نافع، عن ابن عمر، قال ابن كثير وابن حجر:(وفي إسناده العمري، وهو ضعيف).

ورواه ابن حبان (4683) من طريق عاصم بن عمر العمري، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر. وعاصم ضعيف أيضاً.

ورواه أحمد (16659)، وأبو داود (3084) من طريق عبد العزيز الدراوردي، عن عبد الرحمن بن الحارث، عن ابن شهاب، عن عبيد الله بن عبد الله، عن عبد الله بن عباس، عن الصعب بن جثامة: أن النبي صلى الله عليه وسلم حمى النقيع، وقال:«لا حمى إلا لله عز وجل» ، وتفرد بوصله عبد الرحمن بن الحارث، وقد نقل البيهقي عن البخاري أنه قال عن الموصول:(هذا وهم).

ورواه البخاري بلاغاً (2370)، وكذا أبو داود (3083)، من طريق يونس، عن ابن شهاب، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن الصعب بن جثامة قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا حمى إلا لله ولرسوله» ، وقال الزهري:«بلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم حمى النقيع» ، فدل على أنه من بلاغات الزهري، قال ابن حجر:(هكذا أخرجه البخاري معقباً لحديث: «لا حمى إلا لله ولرسوله»، وهو المتصل منه والباقي من مراسيل الزهري، قال البيهقي: قوله «حمى النقيع» هو من قول الزهري، وكذا رواه ابن أبي الزناد عن عبد الرحمن بن الحارث عن ابن شهاب معضلاً، ورواه أحمد وأبو داود والحاكم من طريق عبد العزيز الدراوردي عن عبد الرحمن بن الحارث فأدرجوه كله، وحكم البخاري أن حديث من أدرجه وهم). ينظر: السنن الكبرى 6/ 242، إرشاد الفقيه 2/ 93، فتح الباري 5/ 45، التلخيص الحبير 2/ 592.

ص: 453

وما حَماه النبيُّ صلى الله عليه وسلم ليس لأحدٍ نقضُه، وما حَماه غيرُه مِن الأئمةِ يجوزُ نَقضُهُ.

ولا يجوزُ لأحدٍ أن يَأخُذَ مِن أربابِ الدَّوابِّ عِوضاً عن مَرعَى مَواتٍ أو حِمَى؛ لأنَّه صلى الله عليه وسلم شَرَّكَ الناسَ فيه (1).

ومَن جَلَس في نحوِ جامعٍ لفتوى أو إقراءٍ؛ فهو أحقُّ بمكانِهِ ما دام فيه، أو غاب لعُذرٍ وعاد قَريباً.

ومَن سَبَق إلى رباطٍ، أو نَزَل فَقيهٌ بمدرسةٍ، أو صُوفيٌّ بخانَقَاهٍ (2)؛ لم يَبطُلْ حقُّه بخروجِهِ منه لحاجَةٍ.

(1) فيما رواه أحمد وغيره، من حديث أبي خداش عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم:«المسلمون شركاء في ثلاث: في الماء والكلأ والنار» ، وتقدم تخريجه صفحة ..... الفقرة .....

(2)

تاج العروس (25/ 170): (الخانقاه: بقعة يسكنها أهل الصلاة والخير والصوفية، والنون مفتوحة، معرب: فانه كاه، قال المقريزي: وقد حدثت في الإسلام في حدود الأربعمائة، وجعلت لمتخلى الصوفية فيها لعبادة الله تعالى).

ص: 454