الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(كِتَابُ البَيْعِ)
جائزٌ بالإجماعِ؛ لقولِه تعالى: (وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ)[البقرة: 275].
(وَهُوَ) في اللغةِ: أخذُ شيءٍ وإعطاءُ شيءٍ، قاله ابنُ هبيرةَ (1)، مأخوذٌ من البَاعِ؛ لأنَّ كلَّ واحدٍ مِن المُتَبايِعَيْن يَمُدُّ باعَه للأخْذِ والإعْطاءِ.
وشرعاً: (مُبَادَلَةُ مَالٍ (2) وَلَو فِي الذِّمَّةِ (3) بقولٍ أو مُعاطاةٍ، والمالُ: عَيْنٌ مُبَاحةُ النَّفْعِ بلا حاجةٍ، (أَوْ مَنْفَعَةٍ مُبَاحَةٍ) مطلقاً؛ (كَمَمَرٍّ) في دارٍ أو غيرِها، (بِمِثْلِ أَحَدِهِمَا)، مُتعلقٌ بـ (مُبَادَلَة)، أي: بمالٍ أو منفعةٍ مباحةٍ، فتناولَ تِسعَ صورٍ: عينٌ بعينٍ أو دَيْنٍ أو منفعةٍ، دَيْنٌ بعينٍ أو دَيْنٍ - بشرطِ الحُلولِ والتقابُضِ قبلَ التَّفرقِ - أو بمنفعةٍ، منفعةٌ بعينٍ أو دَيْنٍ أو منفعةٍ.
وقولُه: (عَلَى التَّأْبِيدِ) يُخرِجُ الإجارةَ، (غَيْرَ رِباً وَقَرْضٍ)، فلا يُسَمَّيان بَيْعاً وإن وُجِدت فيهما المبادلةُ؛ لقولِه تعالى:(وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا)[البقرة: 275]، والمقصودُ الأعظمُ في القرضِ الإرفاقُ، وإنْ قُصِد فيه التَّمَلُّكُ أيضاً.
(1) اختلاف الأئمة العلماء لابن هبيرة (1/ 345).
(2)
في (ق) زيادة: بمال.
(3)
في (ق): ذمة.
و (يَنْعَقِدُ) البيعُ (بِإِيجَابٍ وَقَبُولٍ) - بفتحِ القافِ، وحُكِيَ ضمُّها- (بَعْدَهُ)، أي: بعدَ الإيجابِ، فيقولُ البائعُ: بِعْتُك، أو مَلَّكْتُك، أو نحوُه بكذا، ويقولُ المشتري: ابْتَعْتُ، أو قَبِلْتُ ونحوُه.
(وَ) يَصحُّ القَبولُ أيضاً (قَبْلَهُ)، أي: قبلَ الإيجابِ بلفظِ أمرٍ، أو ماضٍ مجرَّدٍ عن استفهامٍ ونحوِه؛ لأنَّ المعنى حاصلٌ به.
ويَصحُّ القَبولُ (مُتَراخِياً عَنْهُ)، أي: عن الإيجابِ ما دامَا (فِي مَجْلِسِهِ)؛ لأنَّ حالةَ المجلِسِ كحالةِ العقدِ، (فَإِنْ تَشَاغَلَا بِمَا يَقْطَعُهُ) عُرفاً، أو انقضَى المجلسُ قَبْلَ القبولِ؛ (بَطَلَ)؛ لأنَّهما صارَا مُعْرِضَيْن عن البيعِ.
وإن خالَفَ القَبولُ الإيجابَ لم يَنعقدْ.
(وَهِي)، أي: الصورةُ المذكورةُ، أي: الإيجابُ والقبولُ: (الصِّيغَةُ القَوْلِيَّةُ) للبيعِ.
(وَ) يَنعقدُ أيضاً (بِمُعَاطَاةٍ: وَهِيَ) الصيغةُ (الفِعْلِيَّةُ)، مثلُ أنْ يقولَ: أعطِني بهذا خبزاً، فيعطيه ما يُرضيه، أو يقولُ البائعُ: خُذ هذا بدرهَمٍ، فيأخذُه المشتري، أو وَضْعُ ثَمَنَهُ عادةً وأَخْذُهُ عَقِبِه، فتقومُ المعاطاةُ مَقامَ الإيجابِ والقبولَ؛ للدِّلالةِ على الرِّضا؛ لعدمِ التَّعبدِ فيه، وكذا (1) حُكمُ الهبةِ، والهدِّيةِ، والصدقةِ.
(1) في (ق): وهكذا.
ولا بأس بِذَوْقِ المَبيعِ حالَ الشراءِ.
(وَيُشْتَرَطُ) للبيعِ سبعةُ شروطٍ:
أحدُها: (التَّرَاضِي مِنْهُمَا)، أي: مِن المتعاقِدَيْن، (فَلَا يَصِحُّ) البيعُ (مِنْ مُكْرَهٍ بِلَا حَقٍّ)؛ لقولِه عليه السلام:«إِنَّمَا البَيْعُ عَنْ تَرَاضٍ» رواه ابنُ حبان (1)، فإن أَكْرَهَهُ الحاكمُ على بَيْعِ مالِه لوفاءِ دَيْنِه صحَّ؛ لأنَّه حُمِلَ عليه بحقٍ.
وإنْ أُكرِه على وَزْنِ مالٍ فباعَ مُلْكَه؛ كُرِهَ الشراءُ منه، وصحَّ.
(وَ) الشرطُ الثاني: (أَن يَكُونَ العَاقِدُ)، وهو البائعُ والمشتري (جَائِزَ التَّصَرُّفِ)، أي: حُرًّا، مكلَّفاً، رشيداً، (فَلَا يَصِحُّ تَصَرُّفُ صَبِيٍّ وَسَفِيهٍ بِغَيْرِ إِذْنِ وَلِيٍّ)، فإنْ أَذِنَ صحَّ؛ لقولِه تعالى:(وَابْتَلُوا الْيَتَامَى)[النساء: 6]، أي: اختبروهم، وإنَّما يتحقَّقُ بتفويضِ البيعِ والشراءِ إليه، ويحرُمُ الإذنُ بلا مَصلحةٍ.
ويَنفُذُ تصرُّفُهما في الشيءِ اليسيرِ بلا إذنٍ، وتصرُّفُ العبدِ بإذن سيدِه.
(1) رواه ابن حبان (4967)، ورواه ابن ماجه (2185)، والبيهقي (11075)، من طريق داود بن صالح بن دينار التمار، عن أبيه، عن أبي سعيد الخدري مرفوعاً. وصححه ابن حبان، وقال البوصيري:(هذا إسناد صحيح رجاله ثقات)، ووافقه الألباني، وحسن إسناده ابن كثير. ينظر: إرشاد الفقيه 2/ 5، مصباح الزجاجة 3/ 17، الإرواء 5/ 125.
(وَ) الشرطُ الثالثُ: (أن تَكُونَ العَيْنُ) المعقودُ عليها أو على منفعتِها (مُبَاحَةَ النَّفْعِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ)، بخلافِ الكلبِ؛ لأنَّه إنَّما يُقْتَنى لصيدٍ أو حرثٍ أو ماشيةٍ، وبخلافِ جلدِ ميتةٍ ولو مدبوغاً؛ لأنَّه إنَّما يُباحُ في يابسٍ، والعينُ هنا مقابِلُ (1) المنفعةِ فتَتَناوَلُ ما في الذمةِ.
(كَالبَغْلِ، وَالحِمَارِ)؛ لأنَّ النَّاسَ يَتبايَعون ذلك في كلِّ عصرٍ مِن غيرِ نكيرٍ.
(وَ) كـ (دُودِ القَزِّ)؛ لأنَّه حيوانٌ طاهرٌ يُقتنَى لما يَخرجُ منه.
(وَ) كـ (بَزْرِهِ)؛ لأنَّه يُنْتَفعُ به في المآلِ.
(وَ) كـ (الفِيلِ، وَسِبَاعِ البَهَائِمِ الَّتِي تَصْلُحُ لِلصَّيْدِ)؛ كالفهدِ والصقرِ؛ لأنَّه يُباحُ نفعُها واقتناؤها مطلقاً.
(إِلَّا الكَلْبَ) فلا يصحُّ بيعُه؛ لقولِ ابنِ مسعودٍ: «نَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ ثَمَنِ الكَلْبِ» متفق عليه (2)، ولا بيعُ آلةِ لهوٍ، وخمرٍ ولو كانَا ذِمِّيَّيْنِ.
(وَالحَشَرَاتِ) لا يصحُّ بيعُها؛ لأنَّه لا نَفْعَ فيها، إلا عَلَقاً لِمَصِّ
(1) في (ق): مقابلة.
(2)
رواه البخاري (2237)، ومسلم (1567) من حديث أبي مسعود الأنصاري، وليس من حديث ابن مسعود.
دمٍ، وديداناً لصيدِ سمكٍ، وما يُصَادُ عليه كبُومَةِ شبَاشَا (1).
(وَالمُصْحَفَ) لا يصحُّ بيعُه، ذَكَر في المبدعِ: أن الأشهرَ لا يجوزُ بيعُه (2)، قال أحمدُ:(لا نَعلمُ في بيعِ المصحفِ رخصةٌ)(3)، قال ابنُ عمرَ:«وَدِدْتُ أَنَّ الأَيْدِيَ تُقْطَعُ فِي بَيْعِهَا» (4)، ولأنَّ تعظيمَه واجبٌ، وفي بيعِه ابتذالٌ له.
ولا يُكرَه إبدالُه، وشراؤه استنقاذاً، وفي كلامِ بعضِهم: يعني مِن كافرٍ، ومقتضاه: أنَّه إن كان البائعُ مسلماً حَرُم الشراءُ منه؛ لعدمِ دعاءِ الحاجةِ إليه بخلافِ الكافرِ.
(1) مفعول لفعل محذوف، أي: تُجعل شباشا، أو مفعول لأجله، أي: خيال، والشباش: طائر تخاط عيناه ويربط لينزل عليه الطير فيصاد. ينظر: المغني 9/ 388، كشاف القناع 3/ 152، حاشية الروض 4/ 336.
(2)
(4/ 12).
(3)
مسائل الإمام أحمد وإسحاق برواية الكوسج (6/ 2607).
(4)
رواه عبد الرزاق (14525)، وابن أبي شيبة (20214) من طريق سالم الأفطس، عن سعيد بن جبير، عن ابن عمر رضي الله عنهما. وصححه ابن حزم.
وضعفه الألباني: بأن الراوي سفيان الثوري إنما رواه عن جابر الجعفي، عن سالم كما بينته رواية البيهقي. وجوابه: أن إسرائيل رواه أيضاً عن سالم كما في مصنف عبد الرزاق، وهو طريقٌ سالمٌ من الضعف، ورواه أبو بكر بن أبي داود في المصاحف (ص 368)، من طريق أبي مالك النخعي وشريك وقيس، عن سالم الأفطس، ولم يتطرق الألباني إلى هذه الطرق المذكورة، وبها يصح الأثر، والله أعلم. ينظر: المحلى 7/ 552، الإرواء 5/ 137.
ومفهومُ التَّنقيحِ، والمنتهى: يصحُّ بيعُه لمسلمٍ (1).
(وَالمَيْتَةَ) لا يصحُّ بيعُها؛ لقولِه عليه السلام: «إِنَّ اللهَ حَرَّمَ بَيْعَ المَيْتَةِ، وَالخَمْرِ، وَالأَصْنَامِ» متفقٌ عليه (2)، ويُستثنى منها: السمكُ، والجرادُ.
(وَ) لا (السَّرْجِينَ النَّجِسَ)؛ لأنَّه كالميتةِ، وظاهِرُه: أنه يصحُّ بيعُ الطاهِرِ منه، قاله في المبدعِ (3).
(وَ) لا (الأَدْهَانَ النَّجِسَةَ، وَلَا المُتَنَجِّسَةَ)؛ لقولِه عليه السلام: «إِنَّ اللهَ إِذَا حَرَّمَ شَيْئاً حَرَّمَ ثَمَنَهُ» (4)، وللأمرِ بإراقتِه، (وَيَجُوزُ الاسْتِصْبَاحُ بِهَا)، أي: بالمتنجسةِ على وجهٍ لا تتعدَّى نجاستُه، كالانتفاعِ بجلدِ الميتةِ المدبوغِ، (فِي غَيْرِ مَسْجِدٍ)؛ لأنَّه يؤدِّي إلى تنجيسِه، ولا يجوزُ الاستصباحُ بنَجِسِ العينِ.
ولا يجوزُ بيعُ سُمٍّ قاتلٍ.
(وَ) الشرطُ الرابعُ: (أَنْ يَكُونَ) العقدُ (مِنْ مَالِكٍ) للمعقودِ عليه،
(1) التنقيح المشبع (ص 213)، منتهى الإرادات (1/ 244).
(2)
رواه البخاري (2236)، ومسلم (1581) من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما.
(3)
(4/ 14).
(4)
رواه أحمد (2678)، وأبو داود (3488)، وابن حبان (4938)، من طريق خالد الحذاء، عن بركة أبي الوليد، عن ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعاً. وصححه ابن حبان، وقال ابن الملقن:(إسناده صحيح). ينظر: تحفة المحتاج 2/ 204.
(أَوْ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ)؛ كالوكيلِ والوليِّ؛ لقولِه عليه السلام لحكيمِ بنِ حزامٍ: «لَا تَبِعْ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ» رواه ابنُ ماجه، والترمذي وصحَّحه (1)،
وخُصَّ منه المأذونُ لقيامِه مَقامَ المالكِ.
(فَإِن بَاعَ مِلْكَ غَيْرِهِ) بغيرِ إذنِهِ؛ لم يصحَّ، ولو مع حضورِه وسكوتِه، ولو أجازه المالكُ، ما لم يَحكُمْ به مَن يَراه.
(أَوِ اشْتَرَى بِعَيْنِ مَالِهِ)، أي: مالِ غيرِه (بِلَا إِذْنِهِ؛ لَمْ يَصِحَّ) ولو أجيزَ؛ لفواتِ شرطِه.
(وَإِنِ اشْتَرَى لَهُ)، أي: لغيرِه (فِي ذِمَّتِهِ بِلَا إِذْنِهِ وَلَمْ يُسَمِّهِ فِي
(1) رواه الترمذي (1232)، وابن ماجه (2187)، ورواه أحمد (15311)، وأبو داود (3503)، والنسائي (4613)، من طريق يوسف بن ماهك، عن حكيم بن حزام رضي الله عنه مرفوعاً. وصححه ابن حزم، وابن دقيق العيد، وابن الملقن، والألباني، وحسنه الترمذي.
وأعلَّه عبد الحق وابن التركماني: بأن يوسف بن ماهك إنما يرويه عن عبد الله بن عصمة، عن حكيم، كما في رواية الدستوائي وغيره، ويؤيده أن الإمام أحمد عَدَّ رواية يوسف بن ماهك عن حكيم مرسلة، وقال:(بينهما عبد الله بن عصمة)، وأقر ذلك ابن عبد الهادي، قالوا: وابن عصمة ضعيف. وجوابه: أن عبدالله بن عصمة حَسَن الحديث، قال العراقي:(لا أعلم أحداً من أئمة الجرح والتعديل تكلَّم فيه، بل ذكره ابن حبان في الثقات)، وقال ابن حجر:(وهو جرح مردود، فقد روى عنه ثلاثة، واحتج به النسائي)، ولذا قال البيهقي:(هذا إسناد حسن متصل). ينظر: المحلى 7/ 474، السنن الكبرى للبيهقي 5/ 511، الجوهر النقي 5/ 313، بيان الوهم 2/ 319، الاقتراح ص 99، البدر المنير 6/ 448، نصب الراية 4/ 33، التلخيص الحبير 3/ 11، الإرواء 5/ 132.
العَقْدِ؛ صَحَّ) العقدُ؛ لأنَّه مُتصرفٌ في ذمَّتِه، وهي قابلةٌ للتصرُّفِ، ويصيرُ ملْكاً لمن الشراءُ (لَهُ) مِن حينِ العقدِ (بِالإِجَازَةِ)؛ لأنَّه اشتُرِيَ لأجلِه، ونَزَّلَ المشتري نفسَه منزِلةَ الوكيلِ، فَمَلَكَه مَن اشتُرِيَ له، كما لو أذِن، (وَلَزِمَ) العقدُ (المُشْتَرِي بِعَدَمِهَا)، أي: عدمِ الإجازةِ؛ لأنَّه لم يأذَنْ فيه، فتعيَّنُ كونُه للمشتري (مِلْكاً)، كما لو لم يَنوِ غيرَه.
وإن سمَّى في العقدِ مَن اشترَى له؛ لم يَصحَّ.
وإن باع ما يَظنُّه لغيرِه فبانَ وارثاً أو وكيلاً؛ صحَّ.
(وَلَا يُبَاعُ غَيْرُ المَسَاكِنِ مِمَّا فُتِحَ عَنْوَةً، كَأَرْضِ الشَّامِ وَمِصْرَ وَالعِرَاقِ)، وهو قولُ عمرَ (1)، وعليٍّ (2)،
(1) رواه عبد الرزاق (19290)، وابن أبي شيبة (20796) من طريق هشام بن حسان، عن الحسن، قال: كتب عمر بن الخطاب: «ألا تشتروا من عقار أهل الذمة ولا من بلادهم شيئاً» ، وفيه انقطاع بين الحسن وعمر.
ورواه البيهقي (18400) من طريق قتادة، عن سفيان العقيلي، عن أبي عياض، عن عمر رضي الله عنه قال:«لا تشتروا رقيق أهل الذمة فإنهم أهل خراج يؤدي بعضهم عن بعض، وأرضيهم فلا تبتاعوها، ولا يقرن أحدكم بالصغار بعد إذ نجاه الله منه» ، وسفيان العقيلي قال فيه الألباني:(لم أر من وثَّقه، وقد ذكره ابن حبان في ثقاته، فهو صحيح على شرط ابن حبان)، وعلى هذا: فالأثر قوي مع الإسناد السابق. ينظر: الإرواء 5/ 98.
(2)
رواه ابن أبي شيبة (20803)، والبيهقي (18401) من طريق سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن علي رضي الله عنه: أنه كان يكره أن يشتري من أرض الخراج شيئاً، ويقول:«عليها خراج المسلمين» ، وقتادة لم يسمع من علي رضي الله عنه. ينظر: جامع التحصيل ص 255.
وابنِ عباسٍ (1)، وابنِ عمرَ رضي الله عنهم (2)؛ لأنَّ عمرَ رضي الله عنه وَقَفَها (3) على المسلمين.
وأما المساكِنُ فيَصحُّ بيعُها؛ لأنَّ الصحابةَ رضي الله عنهم اقتَطَعُوا الخُطَطَ في الكوفةِ والبصرةِ في زمنِ عمرَ، وبَنوها مَساكنَ، وتَبايَعوها مِن غيرِ نكيرٍ (4)،
ولو كانت آلتُها مِن أرضِ العَنْوَةِ، أو كانت موجودةً حالَ الفتحِ.
(1) رواه عبد الرزاق (10107)، عن الثوري، عن حبيب بن أبي ثابت، قال: سمعت ابن عباس، وأتاه رجل، فقال: آخذ الأرض، فأتقبلها أرض جزية فأعمرها وأؤدي خراجها؟ فنهاه، ثم جاءه آخر فنهاه، ثم جاءه آخر فنهاه، ثم قال:«لا تعمد إلى ما ولَّى الله هذا الكافر، فتخلعه من عنقه وتجعله في عنقك» ، ثم تلا:(قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر)، حتى (صاغرون). وإسناده صحيح.
(2)
رواه عبد الرزاق (10108) من طريق الثوري، عن كليب بن وائل قال: سألت ابن عمر قال: قلت: كيف ترى في شراء الأرض؟ قال: «حسن» ، قال: يأخذون مني من كل جريب قفيزاً ودرهماً، قال:«لا تجعل في عنقك صغاراً» ، ورواه ابن أبي شيبة (20800) من طريق آخر، وكلا الإسنادين صحيح.
(3)
وَقَف: بفتح الواو والقاف، بابه وعد، وأوقف لغة رديئة. ينظر: مختار الصحاح ص 344، تاج العروس 24/ 469.
(4)
روى الحاكم (4505) من طريق الشعبي: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كتب إلى سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه: «أن اتخذ للمسلمين دار هجرة ومنزل جهاد» ، فبعث سعد رجلاً من الأنصار يقال له: الحارث بن سلمة، فارتاد لهم موضع الكوفة اليوم، فنزلها سعد بالناس، فخط مسجدنا، وخط فيه الخطط.
وروى ابن حبان في مشاهير علماء الأمصار (ص 66)، في ترجمة عتبة بن غزوان: أن سعد بن أبى وقاص بعثه إلى موضع البصرة اليوم، فأقام بها وبصر البصرة وبنى مسجدها بقصب واستوطنها، واختط الصحابة بها الخطط.
وكأرضِ العنوةِ في ذلك ما جَلَوْا عنه فزعاً مِنَّا، وما صُولحوا على أنَّه لنا ونُقرُّه معهم بالخراجِ، بخلافِ ما صُولحوا على أنَّه لهم؛ كالحِيرةِ (1)، وأُلَّيسَ (2)، وبَانِقْياءَ (3)، وأرضِ بني صَلُوبَا (4) مِن أراضي (5) العراقِ، فيصحُّ بيعُها كالتي أَسْلم أهلُها عليها كالمدينةِ.
(بَلْ) يصحُّ أن (تُؤَجَّرَ) الأرضُ (6) العَنوةُ ونحوُها؛ لأنَّها مُؤجَّرةٌ في أيدي أربابِها بالخراجِ المضروبِ عليها في كلِّ عامٍ، وإجارةُ المُؤجَّرةِ (7) جائزةٌ.
(1) قال في المطلع (ص 273): (الحِيرَةُ: مدينة بقرب الكوفة، بكسر الحاء، والنسبة إليها: حِيرِيٌّ، وحَارِيٌّ على غير قياس).
(2)
قال في المطلع (ص 273): (أُلَّيْسُ: بضم الهمزة، وتشديد اللام، بعدها ياء ساكنة، وبعدها سين مهملة، على وزن: خُبَّيْز، بَلَدٌ بالجزيرة)، وفي مراصد الاطلاع على أسماء الأمكنة والبقاع للقطيعي (1/ 113):(مصغَّر بوزن فُلَيس، والسين مهملة: الموضع الذي فيه الوقعة بين المسلمين والفرس فى أوَّل أرض العراق، من ناحية البادية، وقيل: ألَّيس قرية من قرى الأنبار، وهي بتشديد اللام).
(3)
قال في المطلع (ص 274): (بَانِقْيَا: بزيادة الألف بين الباء والنون، وكسر النون بعدها قاف وياءٌ مثناةٌ تحت: أرض بالنجف، دون الكوفة).
(4)
قال في المطلع (ص 274): (أرض بني صَلُوبا: بفتح الصاد المهملة، وضم اللام، وبالباء الموحدة، بعد الواو مقصوراً).
(5)
في (ق): أرض.
(6)
في (أ) و (ب) و (ع) و (ق): أرض.
(7)
في (ق): المؤجر.
ولا يجوزُ بيعُ رِبَاع مكةَ (1) والحرمِ (2)، ولا إجارتُها؛ لما روى سعيدُ بنُ منصورٍ عن مجاهدٍ مرفوعاً:«مَكَّةُ حَرَامٌ بَيْعُهَا، حَرَامٌ إِجَارَتُهَا» (3)،
وعن عمرو بنِ شعيبٍ عن أبيه عن جدِّه مرفوعاً: «مَكَّةُ لَا تُبَاعُ رِبَاعُهَا، وَلَا تُكْرَى بُيُوتُهَا» رواه الأثرمُ (4)، فإن سَكَن
(1) قال في المطلع (ص 274): (رِبَاع مكَّة: بكسر الراء، جمع رَبْع: وهو المنزل، ودار الإقامة، وربع القوم: محلتهم).
(2)
قول: (والحرم) غير موجودة في (أ) و (ع).
(3)
لم نقف عليه في سنن سعيد المطبوعة، ورواه ابن أبي شيبة (14679)، وأبو عبيد في الأموال (161)، من طريق أبو معاوية، عن الأعمش، عن مجاهد، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن مكة حرام، حرَّمها الله، لا يحل بيع رباعها ولا أجور بيوتها» ، وهذا مرسل، ومع إرساله فهو من رواية الأعمش عن مجاهد، قال أبو حاتم:(الأعمش قليل السماع من مجاهد، وعامة ما يروي عن مجاهد مدلَّس). ينظر: علل الحديث 5/ 471.
ورواه ابن عدي (1/ 466)، والطحاوي (5664)، من طريق إسماعيل بن إبراهيم بن مهاجر، قال: سمعت أبي يذكر عن مجاهد، عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما مرفوعاً. وإسماعيل ضعيف، وقد رواه عند الدارقطني (3018)، والبيهقي (11183)، من طريق أبيه، عن عبد الله بن باباه، عن عبد الله بن عمرو مرفوعاً. قال الدارقطني:(إسماعيل بن إبراهيم بن مهاجر ضعيف ، ولم يروه غيره)، وقال البيهقي:(إسماعيل بن إبراهيم بن مهاجر ضعيف، وأبوه غير قوي، واختلف عليه، فروي عنه هكذا، وروي عنه عن أبيه، عن مجاهد، عن عبد الله بن عمرو مرفوعاً ببعض معناه).
ورواه ابن أبي شيبة (14680) من طريق شريك، عن إبراهيم بن المهاجر، عن مجاهد من قوله، وفيه ضعف؛ لضعف شريك بن عبد الله القاضي.
(4)
لم نقف عليه من رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، وتقدم المروي عن عبد الله بن عمرو مرفوعاً في التخريج السابق.
بأجرةٍ لم يَأثمْ بدفعِها، جَزَم به في المغني وغيرُه.
(وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ نَقْعِ البِئْرِ)، وماءِ العيونِ؛ لأنَّ ماءها لا يُمْلَكُ؛ لحديثِ:«المُسْلِمُونَ شُرَكَاءُ فِي ثَلَاثٍ: فِي المَاءِ وَالكَلَإِ وَالنَّارِ» رواه أبو داودَ وابنُ ماجه (1)،
بل ربُّ الأرضِ أحقُّ به مِن غيرِه؛ لأنَّه في ملكِه، (وَلَا) يصحُّ بيعُ (ما يَنْبُتُ فِي أَرْضِهِ مِنْ كَلَأٍ أَوْ (2) شَوْكٍ)؛ لما
(1) رواه أبو داود (3477)، ورواه أحمد (23082)، من طريق أبي خداش، عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم مرفوعاً. قال ابن حجر:(رجاله ثقات)، وصححه الألباني.
وأعلَّه ابن حزم وعبد الحق وابن القطان بجهالة أبي خداش، وجوابه: قال ابن حجر: (ذكره بن حبان في الثقات، وقد تقدم أن أبا داود قال: شيوخ حريز كلهم ثقات).
ورواه ابن ماجه (2472) من طريق عبد الله بن خراش، عن العوام بن حوشب، عن مجاهد، عن ابن عباس مرفوعاً، وزاد فيه:«وثمنه حرام» ، قال البخاري:(عبد الله بن خداش عن العوام بن حوشب منكر الحديث)، وقال ابن حجر:(وفيه عبد الله بن خراش متروك)، فالزيادة ضعيفة.
ورواه ابن ماجه (2473) من طريق أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة مرفوعاً بلفظ:«ثلاث لا يُمنعن: الماء والكلأ والنار» ، وصحح إسناده ابن حجر والألباني، وقال ابن الملقن:(وهذا إسناد على شرط الشيخين، قال الضياء في أحكامه: إسناد جيد)، وكذا جوَّد إسناده ابن كثير. ينظر: المحلى 7/ 558، بيان الوهم 5/ 521، تفسير ابن كثير 7/ 543، البدر المنير 7/ 76، الدراية 2/ 246، التلخيص الحبير 3/ 153، تهذيب التهذيب 2/ 171، الإرواء 6/ 7.
(2)
في (أ) و (ب): و.
تقدَّم، وكذا معادِنُ جاريةٌ؛ كنفطٍ وملحٍ، وكذا لو عشَّش في أرضِه طيرٌ؛ لأنَّه لم (1) يَملِكْه به، فلم يَجزْ بيعُه، (وَيَمْلِكُهُ آخِذُهُ)؛ لأنَّه مِن المباحِ، لكن لا يجوزُ دُخولُ ملكِ غيرِه بغيرِ إذنِه، وحرُم مَنْعُ مستأذِنٍ بلا ضررٍ.
(وَ) الشرطُ الخامسُ: (أَنْ يَكُونَ) المعقودُ عليه (مَقْدُوراً عَلَى تَسْلِيمِهِ)؛ لأنَّ ما لا يُقْدَرُ على تسليمِه شبيهٌ بالمعدومِ، فلم يصحَّ بيعُه.
(فَلَا يَصِحُّ بَيْعُ آبِقٍ)، عُلِمَ خبرُه أوْ لَا؛ لما روى (2) أحمدُ عن أبي سعيدٍ:«أَنَّ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ شِرَاءِ العَبْدِ وَهُوَ آبِقٌ» (3).
(وَ) لا بيعُ (شَارِدٍ، وَ) لا (طَيْرٍ فِي هَوَاءٍ)، ولو أَلِفَ الرجوعَ، إلا أن يكونَ بمغلَقٍ، ولو طال زَمَنُ أَخْذِه.
(وَ) لا (4) بيعُ (سَمَكٍ فِي مَاءٍ)؛ لأنَّه غررٌ، ما لم يَكُن مَرئيًّا
(1) سقطت من (ع).
(2)
في (أ) و (ع): رواه.
(3)
رواه أحمد (11377)، وابن ماجه (2196) من طريق جهضم بن عبد الله، عن محمد بن إبراهيم الباهلي، عن محمد بن زيد العبدي، عن شهر بن حوشب، عن أبي سعيد الخدري به. قال ابن حزم:(جهضم، ومحمد بن إبراهيم، ومحمد بن زيد العبدى مجهولون ، وشهر متروك)، وقال أبو حاتم:(محمد بن إبراهيم شيخ مجهول)، وضعفه عبد الحق، وابن القطان، وابن حجر، والألباني. ينظر: علل الحديث 3/ 587، المحلى 7/ 288، بيان الوهم 2/ 447، بلوغ المرام ص 211، الإرواء 5/ 132.
(4)
في (ب): ولا يصح.
بمَحُوزٍ يَسهلُ أخذُه منه؛ لأنَّه معلومٌ يُمكِنُ تسليمُه.
(وَلَا) يصحُّ بيعُ (مَغْصُوبٍ مِن غَيْرِ غَاصِبِهِ وقَادِرٍ (1) عَلَى أخْذِهِ) مِن غاصبِه؛ لأنَّه لا يَقدرُ على تسليمِه.
فإن باعه مِن غاصبِه، أو قادِرٍ على أخذِه؛ صحَّ؛ لعدمِ الغَررِ، فإن عَجَز بعدُ فله الفسخُ.
(وَ) الشرطُ السادسُ: (أَنْ يَكُونَ) المبيعُ (مَعْلُوماً) عندَ المتعاقِدَيْن؛ لأنَّ جهالةَ المبيعِ غرَرٌ.
ومعرفةُ المبيعِ: إما (بِرُؤيَةٍ) له أو لبعضِه الدَّالِ عليه، مقارِنةٍ أو متقدِمةٍ بزمنٍ لا يَتغيرُ فيه المبيعُ ظاهِراً، ويُلحقُ بذلك: ما عُرف بلمسِه أو شمِّه أو ذوقِه، (أَوْ صِفَةٍ) تَكفي في السَّلَمِ، فتقومُ مَقامَ الرؤيةِ في بيعِ ما يجوزُ السَّلَمُ فيه خاصةً.
ولا يَصحُّ بيعُ الأُنموذجِ؛ بأن يُرِيَه صاعاً مثلاً، ويَبيعَه الصُّبْرةَ على أنَّها مِن جنسِه.
ويصحُّ بيعُ الأعمى وشراؤه بالوصفِ، واللمسِ، والشمِّ، والذَّوقِ فيما يُعرفُ به؛ كتوكيلِه.
(فَإِنِ اشْتَرَى مَا لَمْ يَرَهُ) بلا وصفٍ، (أَوْ رَآهُ وَجَهِلَهُ)؛ بأن لم يَعلمْ ما هو، (أَوْ وُصِفَ لَهُ بِمَا لَا يَكْفِي سَلَماً؛ لَمْ يَصِحَّ) البيعُ؛
(1) في (ح): أو قادر.
لعدمِ العِلْمِ بالمبيعِ.
(وَلَا يُبَاعُ حَمْلٌ فِي بَطْنٍ، وَلَبَنٌ فِي ضَرْعٍ مُنْفَرِدَيْنِ)؛ للجهالةِ، فإن باع ذاتَ لبنٍ أو حملٍ، دَخَلا تبعاً.
(وَلَا) يُباعُ (مِسْكٌ فِي فَأْرَتِهِ)، أي: الوعاءِ الذي يكونُ فيه؛ للجهالةِ.
(وَلَا نَوَى فِي تَمْرِهِ)؛ للجهالةِ.
(وَ) لا (صُوفٌ عَلَى ظَهْرٍ)؛ لنهيه عليه السلام عنه في حديثِ ابنِ عباسٍ (1)،
ولأنَّه مُتَّصلٌ بالحيوانِ، فلم يَجزْ إفرادُه بالعقدِ؛ كأعضائِه.
(وَ) لا بيعُ (فُجْلٍ وَنَحْوِهِ) مما المقصودُ منه مُسْتَتِرٌ بالأرضِ (قَبْلَ قَلْعِهِ)؛ للجهالةِ.
(1) رواه الطبراني (11935)، والدارقطني (2835)، والبيهقي (10857)، من طريق عمر بن فروخ، ثنا حبيب بن الزبير، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال:«نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تباع ثمرة حتى تطعم، ولا صوف على ظهر، ولا لبن في ضرع» . قال البيهقي: (تفرد برفعه عمر بن فروخ، وليس بالقوي)، وأجاب ابن الملقن وابن حجر عن ذلك، قال ابن الملقن:(وثقه ابن معين وأبو حاتم، ورضيه أبو داود).
وأُعل أيضاً بالوقف، فقد رواه البيهقي (10858) من طريق سفيان، عن أبي إسحاق، عن عكرمة، عن ابن عباس موقوفاً. قال البيهقي:(هذا هو المحفوظ موقوف)، وقوَّى ابن حجر إسناده.
ورواه أبو داود في المراسيل (183)، عن عكرمة مرسلاً. ورجَّحه ابن حجر. ينظر: البدر المنير 6/ 462، بلوغ المرام ص 212.
(وَلَا بَيْعُ (1) المُلَامَسَةِ)؛ بأن يقولَ: بِعتُك ثوبي هذا على أنَّك متى لمستَه فهو عليك بِكذا، أو يقولَ: أيُّ ثوبٍ لمستَه فهو لك بِكذا، (وَ) لا بيعُ (المُنَابَذَةِ)؛ كأن يقولَ: أيُّ ثوبٍ نبذتَه إليَّ - أي: طرحتَه - فهو عليكَ بِكذا؛ لقولِ أبي هريرةَ: «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ المُلَامَسَةِ وَالمُنَابَذَةِ» متفقٌ عليه (2)، وكذا بيعُ الحصاةِ؛ كـ: ارْمِهَا فعَلَى أيِّ ثوبٍ وَقَعَت فلَكَ بكذا، ونحوِه.
(وَلَا) بيعُ (عَبْدٍ) غيرِ معيَّنٍ (مِنْ عَبِيْدِهِ وَنَحْوِهِ)؛ كشاةٍ مِن قطيعٍ، وشجرةٍ مِن بستانٍ؛ للجهالةِ، ولو تَساوت القيمُ.
(وَلَا) يَصحُّ (اسْتِثْنَاؤُهُ إِلَّا مُعَيَّناً) فلا يَصحُّ: بِعتُك هؤلاءِ العبيدِ إلا واحداً؛ للجهالةِ، ويصحُّ: إلا هذا ونحوُه؛ «لأَنَّهُ عليه السلام نَهَى عَنْ الثُّنْيَا إِلَّا أَنْ تُعْلَمَ» ، قال الترمذي:(حديثٌ صحيحٌ (3)(4).
(1) في (أ) و (ب) و (ع) و (ق): ولا يصح بيع.
(2)
رواه البخاري (2146)، ومسلم (1511).
(3)
في (ق): حسن صحيح.
(4)
رواه أبو داود (3405) والترمذي (1290)، والنسائي (3880)، وابن حبان (4971)، وأبو عوانة (5099)، من طريق يونس بن عبيد، عن عطاء، عن جابر. وصححه الترمذي، وأبو عوانة، وابن حبان، وابن الملقن، والألباني.
وأعلَّه البخاري فيما نقله عنه الترمذي، بقوله:(لا أعرف ليونس بن عبيد سماعاً من عطاء بن أبي رباح).
ورواه مسلم (1536) من طريق أبي الزبير وسعيد بن ميناء، عن جابر بن عبد الله، قال:«نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المحاقلة، والمزابنة، والمعاومة، والمخابرة، وعن الثنيا» . ينظر: العلل الكبير ص 193، البدر المنير 6/ 458، التعليقات الحسان 7/ 288.
(وَإِنْ اسْتَثْنَى) بائعٌ (مِن حَيْوانٍ يُؤْكَلُ رَأسَهُ وَجِلْدَهُ وَأطْرَافَهُ؛ صَحَّ)؛ لفعلِه عليه السلام في خروجِه مِن مكةَ إلى المدينةِ، رواه أبو الخطابِ (1).
فإن امتنع المشتري مِن ذَبْحِه لم يُجْبَرْ بلا شرطٍ، ولَزِمَته قيمتُه على التقريبِ.
وللمشتري الفسخُ بعيبٍ يَخْتَصُّ هذا المستثنى.
(وَعَكْسُهُ)، أي: عكسُ استثناءِ الأطرافِ في الحكمِ (2)(الشَّحْمُ، وَاللَّحْمُ (3) ونحوُه مما لا يَصحُّ إفرادُه بالبيعِ فيَبطُلُ (4) باستثنائِه، وكذا لو استثنى مِنه رطلاً مِن لحمٍ ونحوِه (5).
(1) لم نقف عليه في المطبوع من كتب أبي الخطاب الكلوذاني، وقد رواه أبو داود في المراسيل (179) من طريق موسى بن شيبة الحضرمي، عن يونس بن يزيد، عن عمارة بن غزية الأنصاري، عن عروة بن الزبير: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين خرج هو وأبو بكر من مكة مهاجرين إلى المدينة مرَّا براعي غنم، فاشتريا منه شاةً، وشرط أن سَلَبَها له. وأعلَّه عبد الحق وابن القطان بالإرسال، وأعلَّه ابن القطان أيضاً بقوله:(ولا يعرف لموسى بن شيبة هذا حال). ينظر: بيان الوهم 3/ 66. والسلب: إهابها وأكرعها وبطنها. ينظر: القاموس المحيط ص 98.
(2)
في (أ) و (ب) و (ع)(ق): في الحكم استثناء.
(3)
في (أ) و (ب) و (ع): والحمل.
(4)
في (ق): فيبطل البيع.
(5)
في (أ) و (ب) و (ع) و (ق): أو نحوه.
(وَيَصِحُّ بَيْعُ مَا مَأْكُولُهُ فِي جَوفِهِ؛ كَرُمَّانٍ، وَبَطِّيخٍ)، وبيضٍ؛ لدعاءِ الحاجةِ لذلك، ولكونِه مصلحةً؛ لفسادِه بإزالتِه.
(وَ) يَصحُّ بَيْعُ (البَاقِلَاءِ وَنَحْوِهِ)، كالحِمِّصِ والجوزِ واللوزِ (فِي قِشْرِهِ)، يعني: ولو تَعدَّد قِشْرُه؛ لأنَّه مفردٌ مضافٌ فيَعُمُّ، وعبارةُ الأصحابِ: فِي قِشْرَيْهِ (1)؛ لأنَّه مستورٌ بحائلٍ مِن أصلِ الخِلْقَةِ؛ أشبه الرمانَ.
(وَ) يصحُّ بيعُ (الحَبِّ المُشْتَدِّ فِي سُنْبُلِهِ)؛ لأنَّه عليه السلام جَعَل الاشتدادَ غايةً للبيعِ، وما بعدَ الغايةِ يُخالفُ ما قبلَها، فَوَجَب زوالُ المنعِ.
(وَ) الشرطُ السابعُ: (أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ مَعْلُوماً) للمتعاقِدَيْن أيضاً كما تقدَّم (2)؛ لأنَّه أحدُ العِوضين فاشتُرِطَ العلمُ به كالمبيعِ.
(فَإِنْ بَاعَهُ بِرَقْمِهِ)، أي: ثمنِه المكتوبِ عليه وهما يجهلانِه أو أحدُهُما؛ لم يَصحَّ؛ للجهالةِ.
(أَوْ) باعه (بِأَلْفِ دِرِهَمٍ ذَهَباً وَفِضَّةً)؛ لم يَصحَّ؛ لأنَّ مِقْدارَ كلِّ جنسٍ (3) منهما مجهولٌ.
(1) المقنع (ص 154)، منتهى الإرادات (1/ 247).
(2)
انظر صفحة ....
(3)
في (ب): جنس كل.
(أَوْ) باعه (بِمَا يَنْقَطِعُ بِهِ السِّعْرُ)، أي: بما يقِفُ عليه مِن غيرِ زيادةٍ؛ لم يصحَّ؛ للجهالةِ.
(أَوْ) باعه (بِمَا بَاعَ) به (زَيْدٌ وَجَهِلَاهُ، أَوْ) جَهِله (أحَدُهُمَا؛ لَمْ يَصِحَّ) البيعُ؛ للجهلِ بالثمنِ.
وكذا لو باعه كما يبيعُ الناسُ، أو بدينارٍ أو درهَمٍ مطلقٍ وثَمَّ نقودٌ متساوِيةٌ رواجاً، وإن لم يَكُن إلا واحدٌ، أو غَلَبَ؛ صحَّ وصُرِفَ إليه.
ويَكفي عِلْمُ الثَّمنِ بالمشاهدةِ؛ كصُبْرةٍ مِن دراهمَ أو فلوسٍ، ووَزْنِ صَنْجَةٍ (1) وملءِ كَيلٍ مجهولَين.
(وَإِنْ بَاعَ (2) ثَوْباً أَوْ صُبْرَةً)؛ هي الكُومةُ المجموعةُ مِن الطعامِ، (أَوْ) باع (قَطِيعاً: كُلَّ ذِرَاعٍ) مِن الثوبِ بِكذا، (أَوْ) كلَّ (قَفِيزٍ) مِن الصُّبْرةِ بِكذا، (أَوْ) كلَّ (شَاةٍ) مِن القطيعِ (بِدِرْهَمٍ؛ صَحَّ) البيعُ، ولو لم يَعْلَمَا قَدْرَ الثوبِ والصبرةِ (3) والقطيعِ؛ لأنَّ المبيعَ معلومٌ بالمشاهدةِ، والثمنَ معلومٌ لإشارتِه إلى ما يُعرفُ مَبلغُه بجهةٍ لا تتعلَّقُ بالمتعاقِدَيْن، وهي الكَيْلُ والعَدُّ والذَّرعُ.
(1) قال في الصحاح (1/ 326): (صنجة: الميزان، معرب، قال ابن السكيت: ولا تقل سنجة).
(2)
في (ق): باعه.
(3)
في (ق): الصبرة والثوب.
(وَإِن بَاعَ مِنَ الصُّبْرَةِ كُلَّ قَفِيزٍ بِدِرْهَمٍ)؛ لم يَصحَّ؛ لأن (مِنْ) للتبعيضِ، و (كُلَّ) للعددِ فيكونُ مجهولاً، بخلافِ ما سَبَق؛ لأنَّ المبيعَ الكلُّ لا البعضُ، فانتفت الجهالةُ.
وكذا لو باعه مِن الثوبِ كلَّ ذراعٍ بكذا، أو مِن القطيعِ كلَّ شاةٍ بكذا؛ لم يصحَّ؛ لما ذُكِر.
(أَوْ) باعه (بِمَائَةِ دِرْهَمٍ إِلَّا دِينَاراً)؛ لم يصحَّ، (وَعَكْسُهُ) بأنْ باع بدينارٍ أو دنانيرَ إلا دِرهَماً؛ لم يصحَّ؛ لأنَّ قيمةَ المستثنى مجهولةٌ، فيَلزمُ الجهلُ بالثمنِ؛ إذْ استثناءُ المجهولِ مِن المعلومِ يُصَيِّرُه مجهولاً.
(أَوْ بَاعَ مَعلُوماً وَمَجْهُولاً يَتَعَذَّرُ عِلْمُهُ)؛ كهذه الفرسِ وما في بطنِ أخرى، (وَلَمْ يَقُلْ كُلٌّ مِنْهُمَا بِكَذَا؛ لَمْ يَصِحَّ) البيعُ؛ لأنَّ الثمنَ يوزَّعُ على المبيعِ بالقيمةِ، والمجهولُ لا يُمكِنُ تَقْوِيمُه، فلا طريقَ إلى معرفةِ ثمنِ المعلومِ، وكذا لو باعه بمائةٍ ورطلِ خمرٍ.
وإن قال: كلٌّ منهما بِكذا؛ صحَّ في المعلومِ بثمنِه؛ للعلمِ به.
(فَإِنْ لَمْ يَتَعذَّرْ) عِلْمُ مجهولٍ أُبِيع مع معلومٍ؛ (صَحَّ فِي المَعْلوِمِ بِقِسْطِهِ) مِن الثمنِ؛ لعدمِ الجهالةِ، وهذه هي إحدى (1) مسائلِ تفريقِ الصَّفقةِ الثلاثِ.
والثانيةُ أُشِير إليها بقولِه: (وَلَوَ بَاعَ مُشَاعاً بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ؛ كَعَبْدٍ)
(1) في (أ) و (ع): وهذه أحد. وفي (ب): وهذه إحدى.
مشتركٍ بينهما، (أَوْ مَا يَنْقَسِمُ عَلَيْهِ الثَّمَنُ بِالأَجْزَاءِ)؛ كقَفِيزَيْنِ متساوِيَيْنِ لهما؛ (صَحَّ) البيعُ (فِي نَصِيْبِهِ بِقِسْطِهِ) مِن الثمنِ؛ لفقدِ الجهالةِ في الثَّمنِ لانقسامِه على الأجزاءِ، ولم يصحَّ في نصيبِ شريكِه؛ لعَدَم إذنِه.
والثالثةُ ذكرها بقولِه: (وَإِنْ بَاعَ عَبْدَهُ وَعَبْدَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إِذْنِه، أَوْ) باع (عَبْداً وَحُرًّا، أَوْ) باع (خَلًّا وَخَمْراً صَفْقَةً وَاحِدَةً) بثمنٍ واحدٍ؛ (صَحَّ) البيعُ (فِي عَبْدِهِ) بقِسْطِه، (وَفِي الَخلِّ بِقِسْطِهِ) مِن الثمنِ؛ لأنَّ كلَّ واحدٍ مِنهما له حكمٌ يخصُّه، فإذا اجتمعَا بَقِيا على حُكمِهما، ويُقَدَّرُ خمرٌ خلًّا، وحرٌّ عبداً؛ ليَتقسَّطَ الثمنُ.
(وَلِمُشْتَرٍ الخِيَارُ إنْ جَهِلَ الحَالَ) بينَ إمساكِ ما يصحُّ فيه البيعُ بِقسطِه مِن الثمنِ، وبينَ ردِّ البيعِ؛ لتبعيضِ الصفقةِ عليه.
وإن باع عبدَه وعبدَ غيرِه بإذنِه، أو باع عبدَيْهِ لاثنين، أو اشترى عبدَيْنِ مِن اثنين أو وكيلِهما بثمنٍ واحدٍ؛ صحَّ، وقُسِّطَ الثمنُ على قِيمَتَيْهِما (1).
وكبيعٍ إجارةٌ، ورهنٌ، وصلحٌ ونحوُها.
(1) في (ق): قيمتهما.