الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(بَابُ الشُّفْعَةِ)
بإسكانِ الفاءِ، مِن الشَّفعِ، وهو الزوجُ؛ لأنَّ الشفيعَ بالشُّفعةِ يَضُم المبيعَ إلى ملكِهِ الذي كان مُنفرداً.
(وَهِيَ اسْتِحْقَاقُ) الشَّريكِ (انْتِزَاعَ حِصَّةِ شَرِيكِهِ مِمَّنِ انْتَقَلَتْ إِلَيْهِ بِعِوَضٍ مَالِيٍّ)؛ كالبيعِ والصُّلحِ والهبةِ بمعناه، فيَأخُذُ الشفيعُ نَصيبَ البائعِ (بِثَمَنِهِ الَّذِي اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ العَقْدُ)؛ لما روى أحمدُ والبخاري عن جابرٍ:«أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَضَى بِالشُّفْعَةِ فِي كُلِّ مَا لَمْ يُقْسَمْ، فَإِذَا وَقَعَتِ الحُدُودُ وَصُرِّفَتِ الطُّرُقُ فَلَا شُفْعَةَ» (1).
(فَإِنِ انْتَقَلَ) نصيبُ الشَّريكِ (بَغَيْرِ عِوَضٍ)؛ كالإرثِ، والهبةِ بغيرِ ثوابٍ، والوصيةِ، (أَوْ كَانَ عِوَضُهُ) غيرَ ماليٍّ؛ بأن جُعِل (صَدَاقاً، أَوْ خُلْعاً، أَوْ صُلْحاً عَنْ دَمِ عَمْدٍ؛ فَلَا شُفْعَةَ)؛ لأنَّه مملوكٌ بغيرِ مالٍ، أشبه الإرثِ، ولأنَّ الخبرَ وَرَد في البيعِ، وهذه ليست في معناه.
(وَيَحْرُمُ التَّحَيُّلُ لإِسْقَاطِهَا)، قال الإمامُ: (لا يجوزُ شيءٌ مِن
(1) رواه أحمد (14157)، والبخاري (2214).
الحيلِ في إبطالِها، ولا إبطالِ حقِّ مسلمٍ) (1)، واستدل الأصحابُ: بما روى أبو هريرةَ عن النبي صلى الله عليه وسلم: «لَا تَرْتَكِبُوا مَا ارْتَكَبَتْ اليَهُودُ، فَتَسْتَحِلُّوا مَحَارِمَ اللهِ بِأَدْنَى الحِيَلِ» (2).
(وَتَثْبُتُ) الشفعةُ (لِشَرِيكٍ (3) فِي أَرْضٍ تَجِبُ قِسْمَتُهَا)، فلا شفعةَ في مَنقولٍ؛ كسيفٍ ونحوِهِ؛ لأنَّه لا نصَّ فيه، ولا هو في معنى المنصوصِ، ولا فيما لا تجبُ قِسمتُهُ؛ كحمَّامٍ ودورٍ صغيرةٍ ونحوها؛ لقولِه صلى الله عليه وسلم:«لَا شُفْعَةَ فِي فِنَاءٍ وَلَا طَرِيقٍ وَلَا مَنْقَبَةٍ» رواه أبو عبيدٍ في الغَريبِ (4)،
والمَنقَبَةُ: طريقٌ ضيِّقٌ بين دارَيْن، لا يُمكِنُ أن يَسلُكَهُ أحدٌ.
(1) كما في رواية إسماعيل بن سعيد الشالنجي. ينظر: طبقات الحنابلة 1/ 104.
(2)
رواه ابن بطة في إبطال الحيل (ص 46)، من طريق يزيد بن هارون، حدثنا محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً. وحسن إسناده ابن تيمية وابن القيم، وقال ابن كثير:(وهذا إسناد جيد، فإن أحمد بن محمد بن سلم هذا ذكره الخطيب في تاريخه ووثقه، وباقي رجاله مشهورون ثقات، ويصحح الترمذي بمثل هذا الإسناد كثيراً). ينظر: مجموع الفتاوى 29/ 29، تهذيب السنن 2/ 145، تفسير ابن كثير 1/ 293.
(3)
في (ق): للشريك.
(4)
أورده أبو عبيد القاسم بن سلام في غريب الحديث (3/ 121) بدون إسناد، ورواه عبد الرزاق (14427)، ثنا ابن أبي سبرة، عن محمد بن عمارة، عن محمد بن أبي بكر، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«لا شفعة في ماء، ولا طريق، ولا فحل» ، يعني النخل. وأعله ابن عبد الهادي بالانقطاع، وذلك أن محمد بن أبي بكر ولد عام حجة الوداع، فروايته مرسلة.
وقد رواه صالح بن الإمام أحمد في مسائله (1612)، وعبد الرزاق (14426)، من طرق عن عثمان رضي الله عنه موقوفاً، قال:«لا شفعة في بئر ولا فحل» ، قال أحمد:(ما أصحه من حديث)، وصوب الدارقطني الموقوف. ينظر: علل الدارقطني 3/ 14، تنقيح التحقيق 4/ 178، تهذيب التهذيب 9/ 80.
(وَيَتْبَعُهَا)، أي: الأرضَ (الغِرَاسُ، وَالبِنَاءُ)، فَتَثبُتُ الشفعةُ فيهما تَبعاً للأرضِ إذا بيعَا معها، لا إن أُبِيعا مفردين (1)، (لَا الثَّمَرَةُ وَالزَّرْعُ) إذا بِيعا مع الأرضِ، فلا يُؤخذانِ بالشفعةِ؛ لأنَّ ذلك لا يَدخُلُ في البيعِ، فلا يَدخُلُ في الشفعةِ؛ كقماشِ الدارِ.
(فَلَا شُفْعَةَ لِجَارٍ)؛ لحديثِ جابرٍ السابقِ.
(وَهِيَ)، أي: الشفعةُ (عَلَى الفَوْرِ وَقْتَ عِلْمِهِ، فَإِنْ لَمْ يَطْلُبْهَا إِذاً بِلَا عُذْرٍ؛ بَطَلَتْ)؛ لقولِهِ صلى الله عليه وسلم: «الشُّفْعَةُ لِمَنْ وَاثَبَهَا» (2)، وفي روايةٍ:«الشُّفْعَةُ كَحَلِّ العِقَالِ» رواه ابنُ ماجه (3).
(1) في (ق): منفردين.
(2)
قال ابن حجر: (لم أجده، وإنما ذكره عبد الرزاق من قول شريح)، وجزم ابن حزم بأنه مكذوب، وقال الزيلعي:(غريب).
وأثر شريح: رواه عبد الرزاق (14406) من طريق الحسن بن عمارة، عن رجل، عن شريح قال:«إنما الشفعة لمن واثبها» . ينظر: المحلى 8/ 16، الدراية 2/ 203، نصب الراية 4/ 176.
(3)
رواه ابن ماجه (2500)، والبزار (5405) من طريق محمد بن عبد الرحمن بن البيلماني، عن أبيه، عن ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعاً. قال البزار:(وأحاديث محمد بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن ابن عمر كثيرة، وهي كثيرة المناكير)، وجزم ابن حزم بأنه مكذوب، وقال ابن حبان:(لا أصل له)، وقال أبو زرعة:(حديث منكر)، وقال ابن حجر:(إسناده ضعيف جداً)، وضعفه البيهقي، وابن الملقن، والألباني. ينظر: علل الحديث 4/ 297، المجروحين لابن حبان 2/ 266، المحلى 8/ 16، السنن الكبرى 6/ 178، البدر المنير 7/ 12، التلخيص الحبير 3/ 137، الإرواء 5/ 379.
فإن لم يَعلَمْ بالبيعِ؛ فهو على شُفعتِهِ ولو مَضى سُنون، وكذا لو أخَّرَ لعذرٍ؛ بأن عَلِم ليلاً فأخَّرَهُ إلى الصباحِ، أو لحاجةِ أكلٍ أو شربٍ أو طهارةٍ، أو إغلاقِ بابٍ، أو خروجٍ مِن حمَّامٍ، أو ليأتيَ بالصلاةِ وسُنَنِها.
وإن عَلِم وهو غائِبٌ؛ أشْهَدَ على الطَّلِبِ بها إن قَدِر.
(وَإِنْ قَالَ) الشفيعُ (لِلمُشْتَرِي: بِعْنِي) ما اشتَرَيْتَ، (أَوْ صَالِحْنِي)؛ سَقَطَت؛ لفواتِ الفورِ.
(أَوْ كَذَّبَ العَدْلَ) المخبِرَ له بالبيعِ؛ سَقَطَت؛ لتَراخيه عن الأخذِ بلا عذرٍ، فإن كذَّب فاسِقاً لم تَسقُطْ؛ لأنَّه لم يَعلَمْ الحالَ على وَجهِهِ.
(أَوْ طَلَبَ) الشفيعُ (أَخْذَ البَعْضِ)، أي: بعض الحصَّةِ المبيعةِ؛ (سَقَطَتْ) شُفعتُهُ؛ لأنَّ فيه إضراراً بالمشتري بتبعيضِ الصَّفقةِ عليه، والضَّررُ لا يُزالُ بمثلِهِ.
ولا تَسقُطُ الشُّفعةُ إن عَمِلَ الشفيعُ دلَّالاً بينهما، أو تَوكَّل
لأحدِهِما، أو أسقَطَها قبلَ البيعِ.
(وَالشُّفْعَةُ لِـ) شَريكينِ (اثْنَيْنِ بِقَدْرِ حَقَّيْهِمَا)؛ لأنَّها حقٌّ يُستفادُ بسببِ الملكِ، فكانت على قدرِ الأملاكِ، فدارٌ بين ثلاثةٍ: نصفٌ، وثُلثٌ، وسُدسٌ، فباع ربُّ الثُّلثِ، فالمسألةُ مِن ستةٍ، والثُّلثُ يُقسَمُ على أربعةٍ: لصاحبِ النِّصفِ ثلاثةٌ، ولصاحبِ السُّدسِ واحِدٌ.
(فَإِنْ عَفَا أَحَدُهُمَا)، أي: أحدُ الشَّفيعين؛ (أَخَذَ الآخَرُ الكُلَّ أَوْ تَرَكَ) الكلَّ؛ لأنَّ في أخذِ البعضِ إضراراً بالمشتري، ولو وَهَبها لشريكِهِ أو غيرِهِ؛ لم يصحَّ.
وإن كان أحدُهُما غائِباً فليس للحاضِرِ أن يَأخُذَ إلا الكُلَّ أو يَترُكَ، فإن أَخَذ الكلَّ ثم حَضَر الغائِبُ؛ قاسَمَهُ.
(وَإِنِ اشْتَرَى اثْنَانِ حَقَّ وَاحِدٍ)؛ فللشفيعِ أخذُ حقِّ أحدِهِما؛ لأنَّ العقدَ مع اثنين بمنزِلَةِ عَقدين.
(أَوْ عَكْسُهُ)؛ بأن اشترى واحِدٌ حقَّ اثنين صَفقةً؛ فللشفيعِ أخذُ أحَدِهِما؛ لأنَّ تعدُّدَ البائِعِ كتعدُّدِ المشتري.
(أَوْ اشْتَرَى وَاحِدٌ شِقْصَيْنِ) - بكسرِ الشينِ، أي: حِصَّتين- (مِنْ أَرْضَيْنِ صَفْقَةً وَاحِدَةً؛ فَلِلشَّفِيعِ أَخْذُ أَحَدِهِمَا)؛ لأنَّ الضَّررَ قد يَلحَقُهُ بأرضٍ دونَ أرضٍ.
(وَإِنْ بَاعَ شِقْصاً وَسَيْفاً) في عقدٍ واحدٍ؛ فللشفيعِ أخذُ الشِّقصِ