الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فأفتوا أن القول قول الشاهد. وأكد ذلك شهادة ابن الحرانى عليه: أنه مزور، وأنه ارتشى على إثباته للزور.
فعزل أستاذ الدار ـ يومئذ ـ بمحضر من الجمع، وأمر برفع طيلسانه وانفصل الجمع ووكل به أياما، ثم أفرج عنه.
وحضر الشاهد الآخر، وهو أحمد بن علىّ بن كردى، فأنكر شهادته كما أنكرها ابن المهتدى.
وعزل ابن الحرانى المذكور أيضا، وشاهدان كان خطهما على ظهر السجل بمعارضة بأصله، ولزم العباسى بيته إلى أن مات. انتهى.
128 ـ محمد بن جعفر بن محمد بن عبد الله بن أبى هاشم بن محمد بن الحسين ابن محمد بن موسى بن عبد الله بن موسى بن عبد الله بن الحسن بن الحسن ابن علىّ ابن أبى طالب الحسنى، المكى، أبو هاشم، أمير مكة:
ذكر صاحب المرآة فى أخبار سنة خمس وخمسين وأربعمائة: أن محمد بن هلال الصابى نقل عمن ورد من الحج أنهم: ذكروا دخول الصليحى صاحب اليمن إلى مكة، واستيلاؤه عليها، وما فعله من الجميل فيها، وأن الأشراف الحسنيين راسلوه.
وكانوا قد نهدوا (1) عن مكة، فسألوه: أن يرتب منهم من يختاره، فرتب فى الإمارة: محمد بن أبى هاشم، وكان صهر شكر ـ يعنى ابن أبى الفتوح ـ على ابنته، وأمرّه على الجماعة، وأصلح بين العشائر، واستخدم له العساكر، وأعطاه مالا وخمسين فرسا وسلاحا.
ولما رحل الصليحى إلى اليمن متخوفا من الأشراف لموت سبعمائة رجل من أصحابه، أقام نائبا عنه بمكة، محمد بن أبى هاشم. فقصده الحسينيون بنو سليمان، مع حمزة بن أبى وهاس، فلم يكن لأبى هاشم بهم طاقة، وحاربهم وخرج من مكة، فتبعوه فرجع وضرب واحدا منهم ضربة، فقطع درعه وفرسه وجسده، ووصل إلى الأرض. فدهشوا ورجعوا عنه.
وكان تحت فرس تسمى دنانير، لا يكل ولا يمل، وليس له فى الدنيا شيبه. فمضى إلى وادى الينبع، وقطع الطريق عن مكة، والقافلة.
128 ـ (1) نهدوا: أى نهضوا، ونهد القوم لعدوّهم، إذا صمدوا له وشرعوا فى قتاله. انظر: النهاية فى غريب الحديث والأثر (نهد).
ونهب بنو سليمان مكة، ومنع الصليحى الحج من اليمن؛ فغلت الأسعار وزادت البلية. انتهى بلفظه إلا يسيرا فبالمعنى.
وذكر صاحب المرآة ما يقتضى: أن بنى أبى الطيب الحسنيين: ملكوا مكة بعد شكر.
وكان من خبره بعد ذلك: أنه عاد إلى الإمرة، وقطع خطبة المستنصر العبيدى صاحب مصر، وسبب ذلك: ذلة المصريين بالقحط المفرط، واشتغالهم بأنفسهم، حتى أكل بعضهم بعضا، وتشتتوا فى البلاد، وكاد الخراب أن يستولى على سائر الأقاليم حتى بيع الكلب بخمسة دنانير، والهر بثلاثة دنانير، وبلغ الأردب مائة دينار.
وأعاد الخطبة العباسية بعد قطعها من الحجاز من نحو مائة سنة، وخطب للخليفة القائم بأمر الله أبى جعفر عبد الله بن عبد القادر أحمد بن إسحاق بن المقتدر العباسى، وللسلطان ألب أرسلان السلجوقى.
وذكر بعضهم: أنه لما افتتح الخطبة العباسية، قال: الحمد لله الذى هدى بأهل بيته إلى الرأى المصيب، وعوض بنيه بلبسه الشباب بعد المشيب، وأمال قلوبنا إلى الطاعة، ومتابعة أهل الجماعة، وترك الأذان بحى على خير العمل، انتهى.
وكان فعله لذلك فى سنة اثنتين وستين وأربعمائة، على ما ذكر غير واحد، منهم ابن الأثير؛ لأنه قال ـ فى أخبار هذه السنة ـ: وفيها ورد رسول صاحب مكة محمد ابن أبى هاشم، ومعه ولده إلى السلطان ألب أرسلان يخبره بإقامة الخطبة للخليفة القائم، وللسلطان بمكة، وإسقاط خطبة العلوى صاحب مصر، وترك الأذان بحى على خير العمل، فأعطاه السلطان ثلاثين ألف دينار وخلعا نفيسة، وأجرى له كل سنة عشرة آلاف دينار. وقال: إذا فعل مهنا أمير المدينة كذلك أعطيناه عشرين ألف دينار، وفى كل سنة خمسة آلاف دينار. انتهى.
وذكر شيخنا ابن خلدون فى تاريخه: أن أبا الغنائم النقيب لما جاور بمكة سنة سبع وخمسين وأربعمائة استقال أميرها ابن أبى هاشم ـ هذا ـ حتى قطع خطبة المستنصر صاحب مصر، وخطب للقائم العباسى.
ثم قطع خطبته فى سنة ثمان وخمسين لما قطع المستنصر الميرة عن مكة. ثم أعاد خطبة القائم فى سنة تسع وخمسين ثم قطع خطبته، فأرسل إلى أمير مكة مالا وعاتبه على قطع خطبته. فخطب له فى أيام الموسم سنة اثنتين وستين، واعتذر إلى المستنصر. انتهى. وهذا لم أر من ذكره سواه.
وكان المستنصر العبيدى صاحب مصر، أرسل رسولين فى سنة ست وستين وأربعمائة إلى ابن أبى هاشم أمير مكة ـ هذا ـ: ففتحا عليه خطبته للخليفة العباسى، والسلطان ألب أرسلان، وبذلا له مالا على قطع الخطبة لهما.
فلم يلتفت إليهما، وأقصاهما؛ لأنه كان وصل له ولأصحابه صحبة السلار من المال ما ملأ عينه وقلبه.
وأخذ السلار من الحاج الذين اتبعوه دنانير فدفعها إليه وإلى العبيد، فلما لم يصل فى سنة سبع وستين من جهة الخليفة العباسى ما كان يصل لأمير مكة قطع خطبة المهتدى العباسى. وصادف مع ذلك: أن المستنصر أرسل إليه بهدايا وتحف ليخطب له، وقال له: إنما كانت أيمانك وعهودك للقائم وللسلطان ألب أرسلان، وقد ماتا. فخطب للمستنصر، ثم قطع خطبته فى سنة ثمان وستين.
وخطب للمهتدى عبد الله بن محمد الذخيرة بن القائم الخليفة العباسى. وصار يخطب تارة لبنى العباس، وتارة لبنى عبيد.
وما ذكره من خبر ابن أبى هاشم ورسولى المستنصر وما وصل إليه مع السلار، وما جمع له السلار: ذكر صاحب المرآة ما يوافقه. وما ذكرناه من خطبة ابن أبى هاشم فى سنة سبع وستين للمستنصر، وقطع خطبته فى سنة ثمان وستين؛ ذكر ابن الأثير ما يوافقه.
وذكر: أن قطع خطبته فى سنة ثمان وستين كان فى ذى الحجة منها، وقال ـ لما ذكر خطبة ابن أبى هاشم للمستنصر فى سنة سبع وستين، وقطع خطبة المهتدى: وكانت مدة الخطابة العباسية بمكة أربعا وستين وخمسة أشهر ـ يعنى من حين إعادتها إلى حين قطعها فى سنة سبع وستين.
وذكر ما يوافق ما ذكرناه من إهداء المستنصر لابن أبى هاشم فى هذه السنة. ثم هرب ابن أبى هاشم من مكة فى سنة أربع وثمانين وأربعمائة إلى بغداد، لما استولى عليها التركمان الذين أرسلهم السلطان ملك شاه بن ألب أرسلان السلجوقى للاستيلاء على الحجاز واليمن، وإقامة الدعوة له هناك.
وكان توجههم إلى اليمن فى سنة خمس وثمانين، وملكوا عدن واستولوا على كثير من البلاد وعاثوا فيها، وأساءوا السيرة.
وأصاب مقدمهم جدرى فمات، فحملوه إلى بغداد ودفنوه بها.
وما ذكرناه من خبر التركمان ومقدمهم، ذكره بعض من عاصرناه فى تاريخه، وأكثر ظنى أنه شيخنا ابن خلدون. والله أعلم.
وما ذكرناه من هرب ابن أبى هاشم منهم ذكره ابن الأثير؛ لأنه قال ـ فى أخبار سنة أربع وثمانين وأربعمائة ـ: فيها وصل ابن أبى هاشم أمير مكة مستغيثا من التركمان. انتهى.
وذكر ابن الأثير فى كامله: أن محمد بن أبى هاشم ـ هذا ـ فى سنة ست وثمانين وأربعمائة، سير عسكرا لينهبوا الحاج، فلحقوهم بالقرب من مكة، فنهبوا كثيرا من أموالهم وجمالهم، فعادوا إليها وأخبروه وسألوه أن يعيد إليهم ما أخذ منهم، وشكوا إليه بعد ديارهم، فأعاد بعض ما أخذه منهم، فلما أيسوا منه ساروا من مكة عائدين على أقبح صفة.
فلما بعدوا عنها ظهر عليهم جموع من العرب فى عدة جهات، فصانعوهم على مال أخذوه من الحاج بعد أن قتل منهم جماعة وافرة، وهلك كثير بالضعف والانقطاع، وعاد السالم منهم على أقبح صورة. انتهى.
وهؤلاء الحجاج من حجاج الشام على ما ذكر ابن الأثير.
وذكر صاحب المرآة: أن ابن أبى هاشم ـ هذا ـ: كان فى سنة اثنتين وستين وأربعمائة: أخذ قناديل الكعبة وستورها وصفائح الباب، وصادر أهل مكة حتى هربوا منه. انتهى.
وذكر ابن الأثير: أنه توفى فى سنة سبع وثمانين وأربعمائة، وقد جاوز سبعين سنة، قال: ولم يكن له ما يمدح به.
وذكر الذهبى وفاته وسنه: بمعنى ما ذكره ابن الأثير، وقال: كان ظالما قليل الخير. انتهى.
وذكر شيخنا ابن خلدون: أن ابن أبى هاشم ـ هذا ـ: جمع أنجادا (2) من الترك،
(2) النّجدة: الشّجاعة. ورجل نجد ونجد: أى شديد البأس، وقيل: أنجاد: جمع الجمع، كأنه جمع نجدا على نجاد، أو نجود، ثم نجد، قاله أبو موسى. ولا حاجة إلى ذلك، لأن أفعالا فى فعل وفعل مطّرد، نحو عضد وأعضاد، وكتف وأكتاف. انظر: النهاية فى غريب الحديث والأثر (نجد).