الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وكان ينال من غرمائه كثيرا بالقول والفعل، وربما حبس بعضهم بغير مؤامرة الحكام، بسبب إدلاله عليهم بإحسانه إليهم، والله يغفر له.
توفى فى ليلة الجمعة الثالث من جمادى الآخرة سنة ثلاث وثمانين وسبعمائة بمكة. ودفن بالمعلاة.
* * *
من اسمه محمد بن الحسن
142 ـ محمد بن الحسن بن محمد بن سعد بن الخشاب المخزومى، أبو العباس، الصوفى:
ذكره الخطيب فى تاريخ بغداد، وقال: صاحب حكايات عن محمد بن جعفر عن أبى جعفر محمد بن عبد الله الفرغانى، وأبى بكر الشبلى.
ورى عنه: أبو عبد الرحمن السلمى، وأبو عبد الله الحاكم، وذكر: أنه نزل بنيسابور، وخرج إلى مكة، فحج وجاور. وتوفى بمكة سنة إحدى وستين وثلاثمائة.
143 ـ محمد بن الحسن بن عبد الله بن على بن محمد بن عبد الملك الأموى، قاضى الحرمين، أبو الحسن بن أبى الشوارب:
ولد سنة اثنتين وتسعين ومائتين. وقلده المطيع قضاء الشرقية، والحرمين، واليمن ومصر، وغير ذلك، فى رجب سنة أربع وثلاثين.
ثم صرف عن ذلك فى رجب سنة خمس وثلاثين؛ لأنه كان ينسب إلى الاسترشاء فى الأحكام.
وتوفى فى رمضان سنة تسع وأربعين وثلاثمائة. ذكره الخطيب فى تاريخه، ومنه لخصت هذه الترجمة.
144 ـ محمد بن حسن بن على بن قتادة بن إدريس بن مطاعن الحسنى. الشريف أبو نمى، ويقال: أبو مهدى بن أبى سعد، صاحب مكة وابن صاحبها، يلقب نجم الدين:
ولى إمرة مكة نحو خمسين سنة، إلا أوقاتا يسيرة زالت ولايته عنها فيها ـ يأتى ذكرها.
144 ـ انظر ترجمته فى: (الجداول المرضية 114، خلاصة الكلام 26، شذرات الذهب 6/ 2، النجوم الزاهرة 8/ 199، الدرر الكامنة 3/ 422، البداية والنهاية 14/ 21، الأعلام 6/ 86).
وذكر صاحب «بهجة الزمن» فى مدة ولايته لمكة، ما ذكرناه فى مدة ولايته لها، بزيادة فى ذلك لأنه قال: واستمرت إمرته على مكة ونواحيها ما ينيف على خمسين سنة. انتهى.
وما ذكره من أن ولاية أبى نمى على مكة ونواحيها ينيف على خمسين سنة، فيه نظر؛ لأنه لم يل إلا بعد أبيه، وبين وفاتيهما تسع وأربعون سنة وأشهر.
وغايتها خمسين على الخلاف فى تاريخ شهر موت والده أبى سعد، إلا أن يكون أبو نمى ولى إمرة مكة نيابة عن أبيه، ويضاف ذلك إلى ولايته بعده، فلا إشكال. والله أعلم.
واستقل أبو نمى بإمرة مكة فى أكثر المدة المشار إليها، وشارك عنه إدريس بن قتادة فى بعضها.
وولايته المشتركة سبع عشرة سنة أو نحوها، وولايته المستقلة إحدى وثلاثون سنة أو نحوها.
وقال الذهبى فى ذيل سير النبلاء له فى ترجمة أبى نمى ـ هذا ـ: وكانت ولايته نحوا من أربعين سنة بعد عمه ـ الذى قتله ـ انتهى.
وفيما ذكره الذهبى نظر؛ لأن عمه المشار إليه هو إدريس بن قتادة، وكانت وفاته فى سنة تسع وستين وستمائة، على ما وجدت بخط الميورقى، وذكر ذلك غير واحد من المؤرخين.
ومقتضى ما ذكرناه من تاريخ وفاة إدريس بن قتادة: أن تكون ولاية أبى نمى بعده إحدى وثلاثين سنة وأشهرا، إلا أن أبا نمى لم يعش بعد عمه إدريس إلا المدة التى أشرنا إليها كما سيأتى فى تاريخ وفاة أبى نمى.
وقد وجدت ما يوهم الاختلاف فى ابتداء ولايته؛ لأن ابن محفوظ ذكر ـ فيما وجدت بخطه ـ أن فى شوال سنة اثنتين وخمسين، جاء الشريفان أبو نمى وإدريس، وأخذا مكة من غانم بن راجح بن قتادة بالقتال، ولم يقتل بينهم إلا ثلاثة أنفس، منهم عالى شيخ المبارك.
وأقاما بها إلى الخامس والعشرين من ذى القعدة، فجاء ابن برطاس المبارز بن على من اليمن، فأخذها منهم، وتقاتلوا بالسرجة من قوز المكاسة. وكان معهما جماز بن شيحة صاحب المدينة.
وحج بالناس تلك السنة ابن برطاس، ولم يزل مقيما بمكة إلى آخر السنة. انتهى.
ووجدت بخط الميورقى: وولى أبو نمى بعد قتل أبيه أبى سعد فى المحرم سنة ثلاث وخمسين وستمائة. انتهى.
وهذا وإن أوهم الخلاف فى تاريخ ابتداء ولاية أبى نمى بمكة، فليس خلافا فى الحقيقة، لإمكان الجمع بين ما ذكره ابن محفوظ فى ابتداء ولايته، وبين ما ذكره الميورقى فى ابتدائها.
وذلك: أن يحمل كلام الميورقى على أنه أراد ولاية أبى نمى بمكة بعد خروج ابن برطاس منها.
ويحمل ما ذكره ابن محفوظ على: ولاية أبى نمى التى بعد غانم بن راجح.
ويؤيد ذلك: أن الميورقى، وابن محفوظ، ذكر كل منهما ما يقتضى: أن أبا نمى ولى مكة بعد ابن برطاس فى سنة ثلاث وخمسين وستمائة؛ لأن الميورقى قال: ثم استحكم أبو نمى وعمه إدريس على مكة، فأخرج الشرفا الغز بسفك دماء خيل ابن برطاس الوالى لها من جهة اليمن، وامتلأ الناس رعبا، وسفكت الدماء بالحجر يوم السبت لأربع ليال بقين من المحرم سنة ثلاث وخمسين وستمائة. انتهى.
وذكر فى موضع آخر نحو ذلك باختصار بالمعنى. انتهى.
وقال ابن محفوظ ـ فيما وجدت بخطه ـ: سنة ثلاث وخمسين وستمائة جاء أبو نمى وإدريس ومعهما جماز بن شيحة صاحب المدينة، فدخلوا مكة، وأخذوها من ابن برطاس بعد القتال. انتهى.
وذكر بعض العصريين حرب بين ابن برطاس، وأبى نمى، وإدريس الحرب الأول والحرب الثانى. وذكر: أنه أسر فى الثانى، ثم خلص لافتدائه نفسه.
وسنوضح ذلك أكثر من هذا فى ترجمته.
وجرى بين أبى نمى وعمه إدريس بسبب مكة أمور، منها: أن أبا نمى فى سنة أربع وخمسين وستمائة: أخذ مكة من عمه إدريس، وكان شريكه فيها، لما راح إدريس إلى أخيه راجح بن قتادة، ثم جاء إدريس مع راجح بن قتادة، وأصلح راجح بين إدريس وأبى نمى.
ومنها: أن أبا نمى ـ فى سنة سبع وستين ـ: أخرج عمه إدريس من مكة، وانفرد بالإمرة، وخطب لصاحب مصر الملك الظاهر بيبرس الصالحى البندقدارى.
وكتب إليه أبو نمى ـ يذكر له ـ: أنه لما شاهد من عمه إدريس ميلا إلى صاحب اليمن، وتحاملا على دولته، أخرجه من مكة، وانفرد بالإمرة، وخطب له، وسأل مرسومه إلى أمراء المدينة: ألا يتخذوا عمه عليه.
فاشترط عليه صاحب مصر: تسبيل بيت الله للعاكف والباد، وأن لا يؤخذ عنه حق، ولا يمنع زائر فى ليل أو نهار، وأن لا يتعرض إلى تاجر ولا حاج بظلم، وأن تكون الخطبة والسكة له، ولأبى نمى على ذلك عشرون ألف درهم فى كل سنة.
فلما ورد جواب أبى نمى إلى صاحب مصر بالتزام ذلك، كتب له تقليدا بالإمرة بمفرده.
ومنها: أن إدريس بن قتادة بعد إخراج أبى نمى له من مكة: حشد وجمع، وتوجه إلى مكة المشرفة، ثم اصطلح مع أبى نمى، واتفقا على طاعة صاحب مصر. وكتب إليه إدريس يعرفه بذلك، فسلمت الأوقاف لنوابهما.
ذكر هاتين الحادثتين ابن عبد الظاهر كاتب الملك الظاهر بيبرس صاحب مصر فى السيرة التى جمعها للملك الظاهر.
ومنها: أنه فى سنة تسع وستين وستمائة: وقع بين أبى نمى وعمه خلف، فاستظهر إدريس على أبى نمى، وخرج أبو نمى هاربا من بين يدى عمه، ووصل ينبع (1)، واستنجد بصاحبها، وجمع، وحشد، وقصد مكة.
فالتقى هو وعمه إدريس وتحاربا، فطعن أبو نمى إدريس ألقاه عن جواده، ونزل إليه، وحز رأسه، واستبد بالإمرة.
ذكر هذه الحادثة بمعنى ما ذكرناه القطب اليونينى فى ذيل المرآة.
وذكر: أن فى آخر جمادى الأولى من السنة المذكورة: وصل النجابون إلى مصر من عند أبى نمى، وأخبروا بذلك.
(1) ينبع: بالفتح ثم السكون، والباء الموحدة مضمومة، وعين مهملة: هى عن يمين رضوى لمن كان منحدرا من المدينة إلى البحر على ليلة من رضوى من المدينة على سبع مراحل. انظر معجم البلدان 450/ 5، الروض المعطار 621، رحلة الناصرى 216.
ووجدت بخط الميورقى: ما يشهد لبعض هذه القضية بزيادة فائدة؛ لأنه ذكر: أن فى ربيع الأول سنة تسع وستين قتل ولد لأبى نمى وطرد أبوه، وبعد قتله بأربعين يوما قتل أبوه عمه إدريس. وجرى بين أبى نمى، وجماز بن شيحة صاحب المدينة أمور تتعلق بولاية مكة.
منها ـ على ما وجدت بخط الميورقى ـ أن عيسى بن الشيخ جرير، قال: أخرج الأمير جماز بن شيخة الحسنى أبا نمى من مكة ـ شرفها الله تعالى ـ فى آخر صفر سنة سبعين وستمائة.
وجاءت مواليه سنة سبعين وستمائة، وأبو نمى مطرود، وأكمل لقتل ولده سنة، ثم رجع أبو نمى إلى مكة فى ربيع وهزم جماز بن شيحة الحسنى، ثم جاء الحسينى لإخراج أبى نمى فى شعبان سنة ثلاث وسبعين.
فأعطاه أبو نمى ورجع، وخلى بينه وبين قتلة أبيه أبى سعد. انتهى.
ووجدت بخط ابن محفوظ: ما يشهد للقضية التى كانت بين أبى نمى، وجماز بن شيحة فى سنة سبعين بزيادة فائدة؛ لأنه ذكر: أن فى سنة سبعين وستمائة، وصل جماز ـ يعنى صاحب المدينة ـ وغانم بن إدريس، وأخذ مكة، وبعد أربعين يوما أخذها منهم أبو نمى. انتهى.
وفى هذا فائدة لا تفهم من كلام الميورقى، وهى: أن مدة إخراج أبى نمى من مكة أربعين يوما.
وفيه فائدة أخرى، وهى: أن غانم بن إدريس كان مع جماز فى هذه القضية، وغانم ابن إدريس، هو: غانم بن حسن بن قتادة.
ويدل لذلك: ما وقع فى الخبر الذى ذكره الميورقى من: أن جماز بن شيحة خلى بن أبى نمى وقتلة ابنه. انتهى.
وقتلة ابنه هم: أولاد حسن بن قتادة، ومنهم إدريس بن حسن، والد غانم بن إدريس المحارب لأبى نمى.
ومنها: ـ على ما وجدت بخط المؤرخ شمس الدين محمد بن إبراهيم الجزرى الدمشقى ـ: أن فى التاسع عشر من شهر ربيع الآخر سنة خمس وسبعين كانت وقعة بين أبى نمى صاحب مكة، وبين جماز بن شيخة صاحب المدينة، وبين صاحب ينبع إدريس ابن حسن بن قتادة، فظهر عليهما أبو نمى، وأسر إدريس، وهرب جماز.
وكانت الوقعة فى مر الظهران (2). وكانت عدة من مع أبى نمى مائتى فارس ومائة وثمانين راجلا، ومع إدريس وجماز مائتين وخمسة عشر فارسا، وستمائة راجل. انتهى.
ومنها: ـ على ما وجدت بخط ابن محفوظ ـ: أن فى سنة سبع وثمانين، جاء جماز ابن شيحة وأخذ مكة، وأقام بها إلى آخر السنة، وأخذها منه نواب أبى نمى. وقد اختصر ابن محفوظ هذه الواقعة.
وقد وجدتها أبسط من هذا فى وريقة وقعت لى ـ لا أعرف كاتبها ـ فيها: أن جماز بن شيحة أمير المدينة تزوج خزيمة بنت أبى نمى، وبنى بها فى ليلة السابع والعشرين من جمادى الآخرة سنة اثنتين وثمانين وستمائة، ثم حاربه جماز ـ المذكور ـ بعد ذلك، وطلب من السلطان الملك المنصور عسكرا، فسير عسكرا تقدمه أمير، يقال له: الجكاجكى. فتوجهوا إلى مكة وأخذوها، وأخرجوا أبا نمى منها.
وخطب لجماز، وضربت السكة باسمه. وذلك فى سنة سبع وثمانين، وبقيت فى يده مدة يسيرة.
ثم إن امرأة يقال لها: أم هجرس، من صبايا خزيمة، سقت الأمير جماز سمّا، فاضطرب له جسمه، وحصل من الجكاجكى مراسلة إلى أبى نمى فى الباطن، فعرف جماز أنه مغلوب، فرحل عن مكة.
ووصل إلى المدينة، وهو عليل من السم، فلم يزالوا يعالجونه حتى برئ. وأرسل الأمير جماز بالجكاجكى مقيدا إلى السلطان، فحبسه، ولم يزل فى يد أبى نمى إلى أن توفى.
قلت: الملك المنصور ـ المشار إليه ـ هو: قلاوون الصالحى. ولعل سبب إنجاده لجماز على أبى نمى: عدم وفاء أبى نمى باليمين التى حلفها للمنصور قلاوون.
ويبعد جدا أن يعين أحدا على أبى نمى مع وفاء أبى نمى باليمين المذكورة؛ لأن الملوك تقنع من نوابهم بالطاعة، وإظهار الحرمة، سيما نواب الحجاز.
وهذه نسختها على ما وجدت فى تاريخ شيخنا ناصر الدين بن الفرات العدل الحنفى، وهى: أخلصت يقينى، وأصفيت طويتى، وساويت بين باطنى وظاهرى فى
(2) مرّ الظّهران بفتح أوّله، وتشديد ثانيه، مضاف إلى الظهران، بالظاء المعجمة المفتوحة. وبين مر والبيت ستّة ميلا. انظر: معجم ما استعجم (مر الظهران).
طاعة مولانا السلطان الملك المنصور وولده السلطان الملك الصالح، وطاعة أولادهما ووارثى ملكهما، لا أضمر لهم سوءا ولا غدرا فى نفس، ولا مال، ولا سلطنة.
وأنى عدو لمن عاداهم، صديق لمن صادقهم، حرب لمن حاربهم، سلم لمن سالمهم.
وأننى لا يخرجنى عن طاعتهم طاعة أحد غيرهما، ولا ألتفت فى ذلك إلى جهة غير جهتهما، ولا أفعل أمرا مخالفا لما استقر من هذا الأمر، ولا أشرك فى تحكيمهما علىّ ولا على مكة المشرفة، وحرمها، وموقف حلها زيدا ولا عمرا.
وأننى ألتزم ما اشترطته لمولانا السلطان، وولده فى أمر الكسوة الشريفة المنصورية الواصلة من مصر المحروسة، وتعليقها على الكعبة المشرفة فى كل موسم وأن لا يتقدم علمه علم غيره.
وأننى أسبل زيارة البيت الحرام أيام موسم الحج وغيرها للزائرين، والطائفين، والبادين، والعاكفين اللائذين بحرمه، والحاجين الواقفين.
وأننى أجتهد فى حراسثهم من كل عاد بفعله، وقوله (29: 67 ويتخطف الناس من حوله).
وأننى أو منهم فى شربهم، وأعذب لهم مناهل شربهم.
وأننى ـ والله ـ أستمر بتفرد الخطبة والسكة بالاسم الشريف المنصورى، وأفعل فى الخدمة فعل المخلص الولى.
وأننى ـ والله ـ أمتثل مراسيمه امتثال النائب للمستنيب، وأكون لداعى أمره أول سامع مجيب.
وأننى ألتزم بشروط هذه اليمين من أولها إلى آخرها، لا أنقضها. انتهى.
وكان حلف أبى نمى لهذه اليمين فى سنة إحدى وثمانين وستمائة، على ما ذكره شيخنا العدل ناصر الدين بن الفرات.
وقد رأيت ما يدل على أن أبا نمى لم يف ببعض هذه اليمين؛ لأنى وجدت بخط ابن محفوظ: أن فى آخر يوم من ربيع الأول سنة إحدى وتسعين وستمائة، خطب للملك المظفر صاحب اليمن، وقطعت خطبة خليل بن المنصور بعد أن خطب له فى أولها.
وهذا إنما يصدر عن أبى نمى، ولعل أبا نمى تأول أن الأشرف خليل بن المنصور
قلاوون لم يدخل فى يمينه المنصور وابنه الصالح، لكون الأشرف لم يسم فيها فإن كان تأول ذلك، فهو تأويل غير مستقيم لدخوله فى قوله فى اليمين: وطاعة أولادهما.
وأظن أن الحامل لأبى نمى على تقديم صاحب اليمن على صاحب مصر: كون صلته أعظم من صلة صاحب مصر؛ لأن العاقل لا يفعل أمرا يلحقه فيه ضرر إلا لنفع أكبر. وكانت صلة صاحب اليمن لأبى نمى عظيمة، على ما وجدت فى مقدارها؛ لأن بعض الناس ذكرها، وذكر شيئا من حال صاحب اليمن بمكة، وحال أبى نمى معه. وذلك مما يحسن ذكره هنا. ونص ذلك:
وقد كان الملك المؤيد لما تسلطن: جهز تلك السنة علمه المنصور، ومحمل الحج السعيد، صحبة القائد ابن زاكى، فتلقاه الشريف أبو نمى صاحب مكة بالإجلال والإكرم، وخفقت ذوائب العلم المنصور على جبل التعريف بعرفة، وأعلن مؤذنه على قبة زمزم بمناقب السلطان على رءوس الأشهاد.
وسمع تلك الأوصاف من ضمه ذلك المقام الشريف، وحلف للسلطان الملك المؤيد الأيمان الغليظة، وكتب على قميصه، ما يقتضى ما جرت به العادة.
ووصل إلى الشريف ـ المذكور ـ ما اقتضته المواهب السلطانية مما كان قرره الخليفة: من العين، والغلة، والكساوى، والطيب من المسك، والعود، والصندل، والعنبر، والثياب الملونة، والخلع النفيسة.
وكان مبلغ العين: ثمانون ألف درهم، ومبلغ الغلة: أربعمائة مد. انتهى من كتاب «العقود اللؤلؤية فى أخبار الدولة الرسولية» لبعض مؤرخى اليمن فى عصرنا.
والذى يصل لصاحب مكة من صاحب اليمن: نحو ربع ذلك أو أقل، ومبلغ الطعام المذكور بكيل مكة: ألف غرارة ومائتا غرارة مكية. وذلك فى عصرنا.
والخليفة ـ المشار إليه ـ هو الملك المظفر، والد الملك المؤيد.
ووجدت بخط ابن محفوظ أيضا: أن أمير الركب فى سنة اثنتين وتسعين وستمائة: استحلف أبا نمى على الرواح إلى مصر، فأعطاه ألف دينار. فعزم فى سنة ثلاث وتسعين، ثم رجع من ينبع لما بلغه موت الأشرف. انتهى.
ووقع من أبى نمى فى حق الملك الظاهر بيبرس صاحب مصر ما أوجب انحرافه منه غير مرة.
منها: أن أبا نمى وعمه إدريس: أخرجا نائبا كان للملك الظاهر، يقال له: مروان، نائب أمير جاندار فى سنة ثمان وستين وستمائة. وكتب إليه الملك الظاهر غير مرة بالرضا عما ارتكبه أبو نمى مما لا ينبغى فعله.
منها: فى سنة خمس وسبعين وستمائة؛ لأنى وجدت بخط الميورقى: أهان الله ولاة مكة بكتاب من والى مصر يزجرهم فيه عن الجور فى آخر سنة خمس وسبعين وستمائة.
قلت: ووالى مصر فى هذا التاريخ هو الظاهر بيبرس، ووالى مكة فى هذا التاريخ هو أبو نمى.
ووجدت فى تاريخ شيخنا ابن خلدون: أنه كان بين أبى نمى، وبين الملك الظاهر بيبرس صاحب مصر منافرة، فكتب إليه الظاهر كتابا منه: من بيبرس سلطان مصر إلى الشريف الحسيب النسيب أبى نمى محمد بن أبى سعد.
أما بعد: فإن الحسنة فى نفسها حسنة، وهى من بيت النبوة أحسن، والسيئة فى نفسها سيئة، وهى من بيت النبوة أوحش.
وقد بلغنا عنك أيها السيد: أنك آويت المجرم، واستحللت دم المحرم، ومن يهن الله فما له من مكرم، فإن لم تقف عند حدك وإلا أغمدنا فيك سيف جدك، والسلام. فكتب إليه نمى:
من محمد بن أبى سعد إلى بيبرس سلطان مصر.
أما بعد: فإن المملوك معترف بذنبه تائب إلى ربه، فإن تأخذ، فيدك الأقوى، وإن تعفو، فهو أقرب للتقوى، والسلام. انتهى.
وبعض الناس يذكر فى كتاب بيبرس إلى أبى نمى غير ما سبق. وذكر: أنه كتب إليه يقول له: إنه بلغنا عنك أيها السيد: أنك أبدلت حرم الله بعد الأمن بالخيفة، وفعلت ما يحمر الوجه، ويسود الصحيفة. انتهى.
ولعل ذلك كتب مع الألفاظ السابق ذكرها، فحفظ بعضهم الأول فقط، وحفظ بعضهم الثانى فقد، وظن ظان أنهما كتابان وهما واحد. والله أعلم.
ووقع فى زمن أبى نمى فتن بعضها بينه وبين أمير الحاج، وبعضها بين الحجاج وأهل مكة ذكرناها فى تأليفنا:«شفاء الغرام ومختصراته» ونشير هنا لشيء منها باختصار.
فمنها: أن أبا نمى صدّ الحاج عن دخول مكة، لوحشة بينه وبين أمير الحاج، فنقب الحجاج السور، وأحرقوا باب المعلاة، ودخلوا مكة هجما بعد فرار أبى نمى منها.
وذلك فى موسم سنة ثلاث وثمانين وستمائة.
ومنها: أن فى سنة تسع وثمانين: حصل بين أهل مكة والحجاج فتنة فى المسجد الحرام، قتل فيها من الفريقين فوق أربعين نفرا ـ فيما قيل ـ ونهبت الأموال.
ولو أراد أبو نمى نهب الجميع لفعل إلا أنه تثبت.
وقد أثنى على أبى نمى غير واحد من العلماء مع ذكرهم لشيء من أخباره.
منهم: الحافظ الذهبى؛ لأنه قال فى «ذيل سير النبلاء» فى ترجمة أبى نمى: شيخ ضخم، أسمر، عاقل، سايس، فارس، شجاع، محتشم، تملك مدة طويلة، وله عدة أولاد، وفيه مكارم وسؤدد.
وذكره لى أبو عبد الله الدباهى، فأثنى، وقال: لولا المذهب لصلح للخلافة، كان زيديا كأهل بيته، انتهى.
وقال القاضى: تاج الدين عبد الباقى اليمانى فى كتابه «بهجة الزمن فى تاريخ اليمن» بعد أن ذكر وفاة أبى نمى: وكان أميرا، كبيرا، زعيما، ذا بخت، وحظ فى الإمرة، يرغب إلى الأدب وسماعه، وله الإجازات السنية للشعراء الوافدين عليه بإطلاق الخيل الأصايد فى مقابلة القصائد. انتهى.
وللأديب موفق الدين على بن محمد الحندودى فى أبى نمى ـ هذا ـ من قصيدة يمدحه بها، أولها:
أقاتلتى بغير دم ظلامه
…
أما قود لديك ولا غرامه
بخلت علىّ منك بدرّ ثغر
…
تقبله الأراكة والبشامه
ولو أن الفريق أطاع أمرى
…
لما اختار الرحيل على الإقامة
وكم بالطعن يوم مضاحكات
…
عدمنا من قلوب مستهامه
وبين أكلّة الحادين شمس
…
قرعت لبينها سنى ندامه
ومنها:
لقد جربت هذا الدهر حتى
…
عرفت به السماح من الملامه
يريد إقامتى فيهم قويم
…
وما لى بين أظهرهم إقامه
خداع ثمامة بن أثال فيهم
…
معاينة وكذب أبى ثمامه
منها فى المدح:
وفى الحرم الشريف خضم جود
…
كأن البحر أنحله النظامه
أما والحجر والحجرات منى
…
وبيت الله ثالثه قسامه
لئن نزلت بسوح أبى نمى
…
لقد نزلت على كعب بن مامه
بأبلج أين منه البدر نورا
…
وحسنا فى الجمال وفى الوسامه
وذو كرم وزنت الناس طرا
…
بخنصره فما وزنوا قلامه
منها:
أبا المهدى كم لك من إياد
…
كشفت بها عن الصادى أوامه
وكم لك من وقائع ذكرتنا
…
بوقعة خالد يوم اليمامه
عمرت تهامة بالعدل حتى
…
تمنت نجد لو كانت تهامه
حقيق أن يسال بك المصلى
…
ويدعو فى الأذان وفى الإقامه
وأن تعطى القضيب وأى حق
…
لغيرك فى القضيب وفى الإمامه
وفى مدحه الأديب عبد الواحد القيروانى ـ الآتى ذكره ـ بأشعار حسنة، أجاد فيها عنه.
ونظم كثيرا، على ما نقله الصلاح الصفدى، عن أبى حيان.
ووقفت له فى بعض المجاميع على قصيدة جيدة يمدحه بها، أولها:
خليلى هيا فانظر ذلك اليرقا
…
تبدى لنا يهفو على طرف البرقا
فمن مبلغ عنى بلادى وأهلها
…
ولم تأل لى عنهم غوادى النوى سحقا
بأنى لم أنفك للخرق قاطعا
…
إلى أن وصلت السيد الملك الخرقا
وأن صروف الدهر عنى تماسكت
…
لأنى قد استمسكت بالعروة الوثقا
ندا لأبى المهدى هديت لنيله
…
وأحرزت ما قد جل منه وما دقا
وطلقت أمرا لهم حين لقيته
…
وقابلت فى ساحته وجهه الطلقا
هو ابن أبى سعد الزكى ولاده
…
ولم يزك فرعا غير من قد زكا عرقا
من القوم يستشفى بمسح أكفهم
…
لداء ومنها أو بها الغيث يستسقا
لهم كرم سهل المنال وإنما لهم
…
شرف وعر المسالك والمرقا
وسيأتى غزلها فى ترجمته.
ومدحه قاضى مكة نجم الدين الطبرى بقصيدتين. إحداهما نونية بليغة ـ على ما بلغنى ـ ولم أقف عليها. والأخرى عينية. سيأتى ذكرها فى ترجمة القاضى نجم الدين الطبرى، أولها:
أمفرقا جمع الخزاين إذ عدا
…
كرما لمفترق المحامد يجمع
وبلغنى: أنه لما مات أبو نمى، امتنع الشيخ عفيف الدين الدلاصى من الصلاة عليه: فرأى فى المنام السيدة فاطمة بنت النبى صلى الله عليه وسلم رضى الله عنها، وهى بالمسجد الحرام يسلمون عليها، فجاء ليسلم، فأعرضت عنه ـ ثلاث مرات ـ ثم إنه تحامل عليها، وسألها عن سبب إعراضها عنه، فقالت له: يموت ولدى ولا تصلى عليه؟ فقال لها ـ ما معناه ـ: أنه ظالم. انتهى بالمعنى.
وذكر اليافعى فى تاريخه نقلا عن حميضة بن أبى نمى أنه قال: إن لأبيه خمس خصال: العز، والعلم، والكرم، والشجاعة، والشعر. انتهى.
ومن شعر أبى نمى على ما ذكر بيبرس الدوادار فى تاريخه. وذكر: أنه كتب به إلى الملك المنصورى لما تسلطن بعد الملك العادل كتبغا (3) المنصورى فى سنة ست وتسعين وستمائة.
أما وتعادى المقريات الشوارب
…
بفرسانها فى ضيق ضنك المقانب
وبالجحفل الجرار أفرط جمعه
…
كأسراب كدرى فى سوار قوارب
وبالزرد الموصوف ضمت عصوبه
…
على كل ماضى العزم خيف المحارب
وبالبيض والبيض الرقاق ألية
…
لبتر عداتى حلفه غير كاذب
لقد نصر الإسلام بالملك الذى
…
ترعرع من شيم الملوك السناجب
حسام الهدى والدين منصوره الذى
…
رقا فى سماء المجد أعلى المراتب
ملوك جهات الأرض يعفو لعزه
…
فمرهوبها من سيفه أى راهب
تفرد بالملك العظيم فلم تزل
…
له خضعا صيد الملوك الأغالب
(3) كتبغا بن عبد الله المنصورى، زين الدين، الملقب بالملك العادل: من ملوك المماليك البحرية فى مصر والشام، أصله من سبى التتار من عسكر «هولاكو» أخذه الملك المنصور «قلاوون» فى وقعة حمص الأولى سنة 659 هـوجعله من مماليكه، وتسلطن كتبغا سنة 694 هـوتلقب بالملك العادل، وانتقل إلى مملكة حماة سنة 699 هـواستمر إلى أن توفى بها ثم نقلت جثته إلى دمشق. وكان شجاعا دينا. انظر ترجمته فى:(ابن إياس 1/ 133، النجوم الزاهرة 8/ 55، الأعلام 5/ 219).
مضى كتبغا خوف الحمام وقد أتت
…
إليه أسود الخيل من كل جانب
وأحييته بالعفو منك وزدته
…
لباس أمان من عقاب العواقب
وأحرزت ملك الأرض بالسيف عنوة
…
وعبدت من فى شرقها والمغارب
توليت هذا الأمر فى خير طالع
…
لأسعد نجم فى السعادة ثاقب
وكان لأبى نمى هذا من الأولاد الذكور: أحد وعشرون ذكرا، واثنى عشر أثنى. على ما ذكر الشهاب أحمد بن عبد الوهاب النويرى فى تاريخه.
وذكر: أنه مات عن هذا العدد، وعن أربع زوجات لم يسم أحدا من الأولاد. والذى عرفت اسمه من أولاد أبى نمى: حسان، وحمزة، وحميضة، وراجح، ورميثة، وزيد، وزيد آخر، وسيف، وشميلة الشاعر، وعبد الله، له ذرية بالعراق، وعبد الكريم، وعاطف، وعطاف، وعطيفة، ومقبل، ولبيدة، ومنصور، ومهدى، ونمى، وأبو دعيج، وأبو سعد، وأبو سويد، وأبو الغيث. وآخرهم وفاة: سيف. وهى تدل على: أنهم ثلاثة وعشرون ذكرا.
وأظن: أن نمى ليس ولدا لأبى نمى، وإنما كنى به لمعنى آخر، فظن ظان: أنه كنى بذلك؛ لأن له ولدا يسمى: نميا. والله أعلم.
وما ذكرناه فى عددهم يوهم خلاف ما ذكره النويرى فى عددهم، ويمكن التوفيق: بأن يكون الزائد على ما ذكره النويرى: مات قبل أبى نمى والله أعلم.
أخبرنى بمجموع ما ذكرته من أسماء أولاد أبى نمى غير واحد من أشياخنا وغيرهم. وليس كل منهم أخبرنى بهذه الأسماء، وإنما كل منهم ذكر لى بعضها، فتحصل لى من مجموع ما قالوه هذه الأسماء.
وذكر النويرى: أنه توفى فى رابع صفر سنة إحدى وسبعمائة.
وذكر وفاته فى هذا التاريخ قاضى مكة نجم الدين الطبرى، بزيادة فوائد تتعلق بأبى نمى هذا. ولنذكر كلامه بنصه لذلك.
قال ـ فى كتاب كتبه إلى بعض أهل اليمن بخطه، يخبر فيه بوفاة أبى نمى، وغير ذلك ـ:
أن أبا نمى حم فى ليلة الأحد العشرين من المحرم، وكان معه خرّاج فى مقاعده، وفى مواضع من بدنه، فلم يزل مريضا حتى مات فى يوم الأحد رابع صفر وغسل بالحديد،