الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
للقطب القسطلانى، وابنه أبى المعالى، فى استدعاء مؤرخ بشهر ربيع الأول سنة ست وثلاثين وستمائة، وتاريخ خطه يوم السبت سلخ الحجة، سنة سبع وثلاثين وستمائة. ولم أدر متى مات، غير أنه يستفاد حياته فى هذا التاريخ.
ومولده ـ على ما وجدت بخطه ـ ليلة خامس رمضان سنة إحدى وثمانين وخمسمائة.
303 ـ محمد بن عطيفة بن أبى نمى محمد بن أبى سعد حسن بن على بن قتادة ابن إدريس بن مطاعن بن عبد الكريم الحسنى المكى:
أمير مكة، وليها بعد أن عزل ابنا عمه: عجلان، وثقبة، ابنا رميثة بن أبى نمى، شريكا لابن عمه سند بن رميثة. ويقال: إن ولاية مكة عرضت عليه بمفرده، فأبى إلا أن يليها شريكا لبعض أولاد رميثة، فولى معه سند بن رميثة.
وبلغنى أنه لما وصل الخبر بولايتهما إلى مكة، أشار عجلان إلى ثقبة، بأن يعطى كل منهما أربعمائة بعير، لبنى حسن، ليساعدوهما على بقاء ولايتهما.
ومنع ابن عطيفة ومن معه، فلم يوافق على ذلك ثقبة، واحتج بعجزه عن الإبل المطلوبة منه، ولما بينه وبين سند من كثرة الألفة، ومعاضدة سند له.
وكان صاحب مصر، الملك الناصر حسن، لما ولى مكة سندا، وابن عطيفة، جهز من مصر مع ابن عطيفة عسكرا فيه أربعة من الأمراء، وهم: جركتمر الماردينى حاجب الحجاب بالقاهرة، وهو مقدم العسكر، وقطلوبغا المنصورى، وعلم دار، وابن أصلم (1).
وذكر ابن محفوظ: أن هذا العسكر، كان نحوا من مائتى مملوك، ومعهم تسعون فرسا، وأنهم وصلوا إلى مكة فى الثامن من جمادى الآخرة، سنة تسعين وسبعمائة. انتهى.
وذكر لى بعض الناس، أن هذا العسكر وصل إلى مكة فى رجب من السنة المذكورة، والله أعلم بالصواب فى ذلك.
ولما وصل هذا العسكر إلى مكة، وصل إليهم سند بن رميثة، فأعطوه تقليده وخلع عليه، وعلى ابن عطيفة، ودعى لهما على زمزم، وانصلح بالعسكر حال مكة، وارتفع منها الجور وانتشر العدل بها، وأسقط المكس من المأكولات، وجلبت الأقوات،
303 ـ (1) هو الأمير محمد بن أصلم الناصرى.
فرخصت فيها الأسعار إلى الغاية، وانقمع أهل الفساد، بحيث لم يتجاسر أحد منهم على حمل السلاح بمكة؛ لأن مقدّم العسكر أمر بذلك.
واستمر هذا الحال بمكة ـ على ما ذكرناه ـ إلى انقضاء الحج من سنة إحدى وستين وسبعمائة، ثم تغير ذلك لفتنة عظيمة وقعت بين بنى حسن من أهل مكة، والعسكر الذى بها، وهذا العسكر غير العسكر الذى قدم إلى مكة مع ابن عطيفة، ومقدم هذا العسكر أميران، أمير يقال له: قندس، قدم من القاهرة فى جماعة، وأمير يقال له ناصر الدين بن قراسنقر المنصورى، قدم من الشام فى جماعة، ليقيموا بمكة، عوض العسكر الذى قدم مع ابن عطيفة، وكان قدوم العسكر الذى مع قندس، وابن قراسنقر إلى مكة فى الموسم من سنة إحدى وستين وسبعمائة.
وسبب الفتنة بين هذا العسكر، وأهل مكة، أن بعض العسكر رام النزول بدار المضيف عند الصفا، فمنعه من ذلك بعض الأشراف، من ذوى علىّ، فتضاربوا، وبلغ ذلك بنى حسن والترك، فثارت الفتنة بينهم.
وقيل إن سبب الفتنة: أن بعض الترك نزل بدار المضيف، فطالبه بعض الأشراف بالكراء، فضرب بعض الترك الشريف، فقتل الشريف التركى، فثار جماعة من الترك على الشريف، فصاح الشريف، فاجتمع إليه بعض الشرفاء واقتتلوا، وبلغ ذلك الترك وبنى حسن، فقصد الأشراف أجيادا.
ووجدوا فى ذهابهم إلى أجياد (2)، خيلا على باب الصفا (3)، للأمير ابن قراسنقر، ليسقى عليها بعد طوافه، فإنه كان ذلك اليوم، ذهب للعمرة من التنعيم، فركبها الأشراف، وبلغ ابن قراسنقر الخبر، وهو يطوف، فقطع طوافه، وتقدم للمدرسة المجاهدية ليحفظها، فإنه كان نازلا بها، وتحصن هو وبعض الترك فى المسجد الحرام، وأغلقوا أبوابه، وهدموا الظلة التى على رأس أجياد الصغير، ليروا من يقصدهم من بنى حسن، ويمنعوه من الوصول إليهم بالنشاب وغيره، وعملوا فى الطريق عند المجاهدية أخشابا كثيرة، لتحول بينهم وبين من يقصدهم من الفرسان، من أجياد الكبير، هذا ما كان من خبر الترك.
(2) أجياد بفتح أوله، وإسكان ثانيه، وبالياء أخت الواو، والدال المهملة، كأنه جمع جيد: موضع من بطحاء مكة، من منازل قريش البطاح. انظر: معجم البلدان، ومعجم ما استعجم (أجياد).
(3)
باب الصفا: وهو باب الأندلس، وهو موجود بتاهرت وهى مدينة مشهورة من مدن الغرب الأوسط على طريق المسيلة من تلمسان. انظر: الروض المعطار 126.
وأما ما كان من خبر بنى حسن، فإنهم لما توجهوا لأجياد، استولوا على اصطبل ابن قراسنقر، وقصدوا الأمير قندس، وكان نازلا ببيت الزباع بأجياد، فقاتلوه من خارجه حتى غلبوه، ودخلوا عليه الدار، فقتلوا جماعة من أصحابه، وهرب هو من جانب منها، فاستجار ببعض الشرائف، فأجارته.
ونهب منزله بنو حسن، وقصد طائفة منهم الترك الذين بالمسجد، فقتلوا من سراة بنى حسن: مغامس بن رميثة، أخا سند، وغيره.
وكان من أمر الترك بعد ذلك، أنهم خرجوا من مكة، بعد أن استجاروا ببعض بنى حسن على أنفسهم وأهلهم وأموالهم، ولم يخرجوا من مكة إلا بما خف من أموالهم، وخرج بعدهم من مكة ابن عطيفة، قاصدا مصر خائفا يترقب، بسبب ما كان بين ذوى عطيفة والقواد العمرة من القتل، وكان تخلى فى وقت الفتنة عن نصرة الترك، بإشارة بعض بنى حسن عليه بذلك، وقوى عزمه على ذلك، قتل الترك لمغامس بن رميثة.
ووجدت بخط بعض أصحابنا فيما نقله من خط ابن محفوظ: أن ابن عطيفة أراد أن يتعصب للترك، فتهدده لذلك بعض بنى حسن بالقتل، وأنه وسندا، قعدا فى البلاد بعد سفر الترك، وفى كون ابن عطيفة أقام بمكة بعد سفر الترك منها نظر، لأن المعروف عند الناس أنه سافر بعد الفتنة إلى مصر، اللهم إلا أن يكون مراد ابن محفوظ، أنه أقام بمكة أياما يسيرة بعد سفر الترك، ثم سافر من مكة، فلا منافاة حينئذ. والله أعلم.
ولما وصل ابن عطيفة مصر، لم يكن له بها وجه؛ لأن العسكر لم يحمده. وكذا أهل مكة، لتقصيره فى نصره كل من الفريقين، ولم يزل بمصر مقيما، حتى مات فى أثناء سنة ثلاث وستين وسبعمائة أو بعدها بقليل.
وكانت مدة ولايته سنة ونصفا، تزيد أياما أو تنقص أياما، للاختلاف فى تاريخ قدومه إلى مكة، مع العسكر الذى جهز معه إلى مكة، حين ولايته لها.
ولشيخنا ـ بالإجازة ـ الأديب يحيى بن يوسف المكى، المعروف بالنشو، مدايح فى ابن عطيفة هذا، منها ما أنشدناه ـ إجازة ـ من قصيدة له يمدحه بها سنة تسع وثلاثين وسبعمائة أولها (3):
تذيب فؤادى بالغرام وتجحد
…
وترضى بإتلافى وما لى منجد
أمالك نفسى وهى نفس أبية
…
وما عنده من رحمة لى توجد
أتنقض عهدى والعهود وفية
…
ألست على العهد الذى أنت تعهد