الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر جواب الشيخ نور الدين البكرى الشافعى
«الحمد لله رب العالمين، من رأى النبى صلى الله عليه وسلم فى المنام فقد رآه حقا، وإذا كان قد أتى شخص من المصنفين بتصنيف ابتدع فيه وألحد فى الحقائق الشرعية، وظهر فيه أن مفسدته أكثر من مصلحته، تحقق بذلك كذبه فيما أخبر به فى رؤياه النبى صلى الله عليه وسلم، أنه أمره بذلك الكتاب، وأذن له فيه؛ فإن النبى صلى الله عليه وسلم لا يقول إلا الحق فى اليقظة والمنام.
وأحسن أحوال من قال إنه رآه فى مثل تلك الحال، وأنه أمره أو أذن له فى مثل هذا المصنف، أن يكون قد سمع من النبى صلى الله عليه وسلم كلاما فهمه على خلاف المراد، أو وقع له غلط بطريق آخر. هذا فيمن ادعى ذلك فى تصنيف ظاهره الغلط والفساد.
وأما تصنيف تذكر فيه هذه الأقوال المتقدمة فى الاستفتاء، ويكون المراد بها ظاهرها، فصاحبها ألعن وأقبح من أن يتأول له ذلك، بل هو كاذب فاجر، كافر فى القول والاعتقاد، ظاهرا وباطنا، وإن كان قائلها لم يرد ظاهرها، فهو كافر بقوله، ضال بجهله، ولا يعذر فى تأويله لتلك الألفاظ، إلا أن يكون جاهلا بالأحكام جهلا تاما عاما، ولم يعذر فى جهله بمعصيته لعدم مراجعته العلماء. والتصانيف على الوجه الواجب من المعرفة فى حق من يخوض من أمر الرسل ومتبعيهم، أعنى معرفة الأدب فى التعبيرات، على أن فى هذه الألفاظ ما يتعذر أو يتعسر تأويلها كلها كذلك». انتهى باختصار.
ذكر جواب الشيخ شرف الدين عيسى الزواوى المالكى
«الحمد لله وحده. أما هذا التصنيف الذى هو ضد لما أنزله عزوجل فى كتبه المنزلة، وضد أقوال الأنبياء المرسلة، فهو افتراء على الله، وافتراء على رسوله صلى الله عليه وسلم. ثم قال: وما تضمنه هذا التصنيف، من الهذيان والكفر والبهتان، فكله تلبيس وضلال وتحريف وتبديل، ومن صدق بذلك أو اعتقد صحته، كان كافرا ملحدا صادا عن سبيل الله تعالى، مخالفا لملة رسول اللهصلى الله عليه وسلم، ملحدا فى آيات الله، مبدلا لكلمات الله، فإن أظهر ذلك وناظر عليه، كان كافرا يستتاب، فإن تاب وإلا قتل وعجل الله بروحه إلى الهاوية والنار الحامية. وإن أخفى ذلك وأسره، كان زنديقا، فيقتل متى ظهر عليه، ولا تقبل توبته إن تاب، لأن حقيقة توبته لا تعرف. ثم قال: فيقتل مثل هؤلاء، ويراح المسلمون من شرهم، وإفشاء الفساد فى دينهم. وهؤلاء قوم يسمون الباطنية، لم يزالوا من قديم الزمان ضلالا فى الأمة، معروفين بالخروج من الملة، يقتلون متى ظهر عليهم،
وينفون من الأرض، متى اتهموا بذلك، ولم يثبت عليهم، وعادتهم التصلح والتدين، وادعاء التحقيق وهم على أسوأ طريق.
فالحذر كل الحذر منهم، فإنهم أعداء الله وشر من اليهود والنصارى، لأنهم قوم لا دين لهم يتبعونه، ولا رب يعبدونه، وواجب على كل من ظهر على أحد منهم، أن ينهى أمره إلى ولاة المسلمين، ليحكموا فيه بحكم الله.
ثم قال: فمن لم يقدر على ذلك غيّر بلسانه، وبين للناس بطلان مذهبهم وشر طويتهم، ونبه عليهم بقوله مهما قدر، وحذر منهم مهما استطاع.
ومن عجز عن ذلك: غيّر بقلبه وهو أضعف المراتب. ويجب على ولى الأمر، إذا سمع بمثل هذا التصنيف، البحث عنه، وجمع نسخه حيث وجدها وإحراقها، وأدب من اتهم بهذا المذهب أو نسب إليه أو عرف به، على قدر قوة التهمة عليه، إذا لم يثبت عليه، حتى يعرفه الناس ويحذروه، والله ولى الهداية بمنه وفضله». كتبه عيسى الزواوى المالكى. انتهى باختصار.
وهذا السؤال، أظنه كان فى آخر العشر الأول من القرن الثامن، أو أول سنة من العشر الثانى منه.
وجرى نحو من هذا السؤال، فى آخر القرن الثامن، فى دولة الملك الظاهر برقوق (3) صاحب الديار المصرية والشامية. وأجاب عليه جماعة من العلماء المعتبرين من أرباب المذاهب، بأن الكلام المسئول عنه كفر، إلى غير ذلك مما تضمنه جوابهم، وأسماء جميعهم لا تحضرنى الآن، ولكن منهم مولانا شيخ الإسلام سراج الدين أبو حفص عمر بن رسلان بن نصير البلقينى الشافعى، أحد المجتهدين فى مذهبه، ومن طبق ذكره الأرض علما.
(3) برقوق بن أنص ـ أو أنس ـ العثمانى، أبو سعيد، سيف الدين، الملك الظاهر: أول من ملك مصر فى الشراكسة جلبه إليها أحد تجار الرقيق واسمه عثمان فباعه فيها منسوبا إليه ثم أعتق وذهب إلى الشام فخدم نائب السلطنة وعاد إلى مصر فكان أمير عشرة وتقدم فى دولة المنصور القلاوونى (على بن شعبان) فولى أتابكية العساكر، وانتزع السلطنة من آخر بنى قلاوون الصالح أمير حاج سنة 784 هـوتلقب بالملك الظاهر وانقادت إليه مصر والشام، وقام بأعمال من الإصلاح، وبنى المدرسة البرقوقية ببين القصرين بمصر. انظر ترجمته فى:(ابن إياس 1/ 258، 290، وليم موير 111، الضوء اللامع 3/ 10، سوبر نهيم فى دائرة المعارف الإسلامية 3/ 558، الأعلام 2/ 48).
وقد سمعت صاحبنا الحافظ الحجة القاضى شهاب الدين أبا الفضل أحمد بن على بن حجر العسقلانى الشافعى، وهو الآن المشار إليه بالتقدم فى علم الحديث، أمتع الله بحياته، يقول: إنه ذكر لمولانا شيخ الإسلام سراج الدين البلقينى، شيئا من كلام ابن عربى المشكل، وسأله عن ابن عربى. فقال له شيخنا البلقينى: هو كافر.
وقد سئل عنه وعن شيء من كلامه، شيخنا العلامة أبو عبد الله محمد بن عرفة الورغمى التونسى المالكى، عالم أفريقية بالمغرب. فقال ما معناه: من نسب إليه هذا الكلام، لا يشك مسلم منصف فى فسقه وضلاله وزندقته. وهذا مما أرويه عن شيخنا ابن عرفة إجازة.
وسئل عنه شيخنا الإمام البارع، قاضى الجماعة بالديار المصرية، أبو زيد عبد الرحمن ابن محمد، المعروف بابن خلدون الحضرمى المالكى، فذكر فى جوابه أشياء من حال ابن عربى وأشباهه، ونذكر شيئا من ذلك لما فيه من الفوائد.
أنبأنى القاضى أبو زيد عبد الرحمن بن خلدون الأصولى قال: أعلم أرشدنا الله وإياك للصواب، وكفانا شر البدع والضلال، أن طريق المتصوفة منحصرة فى طريقين:
الطريقة الأولى: وهى طريقة السنة، طريقة سلفهم الجارية على الكتاب والسنة، والاقتداء بالسلف الصالح من الصحابة والتابعين.
ثم قال: والطريقة الثانية: وهى مشوبة بالبدع، وهى طريقة قوم من المتأخرين، يجعلون الطريقة الأولى وسيلة إلى كشف حجاب الحس لأنها من نتائجها.
ثم قال: ومن هؤلاء المتصوفة: ابن عربى، وابن سبعين، وابن برجان، وأتباعهم، ممن سلك سبيلهم ودان بنحلتهم، ولهم تواليف كثيرة يتداولونها، مشحونة من صريح الكفر، ومستهجن البدع، وتأويل الظواهر لذلك على أبعد الوجوه وأقبحها، مما يستغرب الناظر فيها من نسبتها إلى الملة أو عدها فى الشريعة.
ثم قال: وليس ثناء أحد على هؤلاء، حجة للقول بفضله، ولو بلغ المثنى ما عسى أن يبلغ من الفضل؛ لأن الكتاب والسنة، أبلغ فضلا وشهادة من كل أحد. ثم قال: وأما حكم هذه الكتب المتضمنة لتلك العقائد المضلة، وما يوجد من نسخها بأيدى الناس، مثل: الفصوص، والفتوحات لابن عربى، والبد لابن سبعين، وخلع النعلين لابن قسى، وعين اليقين لابن برجان، وما أجدر الكثير من شعر ابن الفارض، والعفيف التلمسانى وأمثالها، أن تلحق بهذه الكتب، وكذا شرح ابن الفرغانى للقصيدة التائية من نظم ابن الفارض.