الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بمكة، ودفن بالمعلاة على جد أبيه لأمة العفيف الدلاصى (5)، مقرئ الحرم، بعد أن تعلل مدة طويلة بالإسهال. فالله يتغمده برحمته.
وما ذكرناه من أن وفاته فى ليلة السادس عشر من شهر رمضان، موافق لرؤية أهل مكة لهذا الشهر.
وأما على رؤية أهل عدن وغيرهم له، فهى ليلة السابع عشر من شهر رمضان، والله أعلم بحقيقة ذلك.
وقد سمعت منه معجمه، وقرأت عليه كثيرا من مروياته، منها: صحيح مسلم، ومشيخة ابن البخارى، ومعجم ابن جميع وغير ذلك. وما سمعته أجمع من غيره، وأباح لى التدريس فى علم الحديث والإفادة فيه.
وكان يتفضل بكثير من الثناء، وذلك مما اكتسبناه من صفاته الحسنى.
وقد سمعنا منه ببلاد الفرع (6)، ونحن متوجهون فى خدمته لزيارة الحضرة النبوية. وما أطيب تلك الأوقات. ولله در القائل:
وتلك الليالى الماضيات خلاعة
…
فما غيرها بالله فى العمر يحسب
214 ـ محمد بن أبى بكر عبد الله بن خليل بن إبراهيم بن يحيى بن فارس بن أبى عبد الله العسقلانى المكى، شيخ الحرم ومفتيه، رضى الدين أبو عبد الله، المعروف بابن خليل الشافعى:
سمع من أبى الحسن على بن الجميزى: الثقفيات. وعلى ابن أبى الفضل المرسى: صحيح ابن حبان. وعلى محمد بن على الطبرى، وابن مسدى، وأبى اليمن بن عساكر وأكثر عنهما.
(5) نسبته إلى دلاص: بفتح أوله، وآخره صاد مهملة: كورة بصعيد مصر على غربى النيل أخذت من البر تشتمل على قرى وولاية واسعة، ودلاص مدينتها معدودة فى كورة البهنسا. انظر: معجم البلدان (دلاص).
(6)
الفرع: بضم أوله، وسكون ثانيه، وآخره عين مهملة، هو جمع إما للفرع مثل سقف وسقف وهو المال الطائل المعدّ، وإما جمع الفارع مثل بازل وبزل وهو العالى من كل شيء الحسن. والفرع: قرية من نواحى المدينة عن يسار السقيا بينها وبين المدينة ثمانية برد على طريق مكة، وقيل أربع ليال، بها منبر ونخل ومياه كثيرة، وهى قرية غنّاء كبيرة، وهى لقريش الأنصار ومزينة، وبين الفرع والمريسيع ساعة من نهار، وهى كالكورة وفيها عدة قرى ومنابر ومساجد لرسول اللهصلى الله عليه وسلم. انظر: معجم البلدان (فرع).
سمع منه جماعة من الأئمة. منهم: نجم الدين بن عبد الحميد، ومات قبله. وأبو عبد الله بن رشيد خطيب سبتة (1)، وذكره فى رحلته. وذكر أنه لقيه بمنزله من الحرم الشريف، وسمع منه المسلسل بالأولية، قال: وتذاكرت مع رضى الدين فى مسائل فقهية وأصلية. وكان شديد العارضة، حديد النظر، متعرضا لإيراد الشبه.
وقد كانت جرت بينه وبين الشيخ الصالح الفقيه أبى محمد المرجانى، قبل قدومى، مذاكرة، كان عنها بعض تغير، إذا كان أبوه بعيدا عن طرق المناظرة.
كان فى رضى الدين فضل حد وفى المناظرة، ثم قال: ورضى الدين هذا، هو أحد العلماء العاملين الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر.
وله فى ذلك مع أمير مكة أبى نمى محمد بن أبى سعد، حكايات ونوادر تحكى وتذكر، وقد انتهى الأمر به ـ فيما بلغنى ـ إلى أن سجنه، فرأى أبو نمى فيما يرى النائم كأن الكعبة ـ شرفها الله تعالى ـ تطوف بالمحل الذى سجن فيه رضى الدين بن خليل، فوجه إليه وأطلقه واعتذر إليه. ورضى الدين هذا، هو الذى تدور عليه الفتيا أيام الموسم. انتهى.
وممن سمع عليه أيضا. الشيخان: علاء الدين العطار، وعلم الدين البرزالى، وذكره فى معجمه، فقال: كان شيخا جليل القدر، عالما متدينا، له معرفة بالفقه على مذهب الشافعى، وعليه مدار القتوى بمكة معتمدا فيها؛ وإن كان الشيخ محب الدين الطبرى شيخ الجماعة قوالا بالحق، آمرا بالمعروف، ناه عن المنكر، له فى القلوب الجلالة، ويتوسل به فى الحوائج، ناسكا صالحا، دائم الصيام والطواف، قاضيا لحوائج الناس، من قصده مشى معه متواضعا. وكان يعرف «التنبيه» مسألة مسألة، ويحفظ «المفصل» ، ويعرف طرفا من العربية. انتهى.
وذكره الذهبى فى تاريخ الإسلام، وقال: كان فقيها عالما، مفتيا، ذا فضل ومعارف وعبادة وصلاح، وحسن أخلاق.
وقد سمع منه ابن العطار، والبرزالى، وجماعة. وأجاز لى مروياته وترجمه: شيخ الحرم.
214 ـ انظر ترجمته فى: (التحفة اللطيفة 2/ 492).
(1)
سبتة: بلفظ الفعلة الواحدة من الإسبات، أعنى التزام اليهود بفريضة السبت المشهور، بفتح أوّله. وضبطه الحازمى بكسر أوّله: وهى بلدة مشهورة من قواعد بلاد المغرب ومرساها أجود مرسى على البحر، وهى على برّ البربر تقابل جزيرة الأندلس على طرف الزقاق الذى هو أقرب ما بين البّر والجزيرة. معجم البلدان (سبته).
وذكر لى شيخنا القاضى جمال الدين بن ظهيرة: أنه وجد للفقيه جمال الدين بن خشيش الآتى ذكره كتابا ألفه سماه «المقتضب» قرأه عليه الرضى بن خليل وكتب له بخطه بسبب قراءته له عليه ألقابا منها: مفتى الحرمين، وذلك فى سنة أربع وستين وستمائة.
قلت: هذه مزية للرضى، ومع ذلك فما سلم من الأذى. فقد وجدت بخط أبى العباس الميورقى: خرق الشرفاء هيبة الرضى محمد بن أبى بكر بن خليل فى شوال سنة خمس وسبعين، ولم يزد على ذلك، ولم يذكر سبب ذلك. ولعل سبب هذه القضية إنكاره المنكر، كما ذكر ابن رشيد فيما سبق.
ووجدت ذلك بخط أبى عبد الله بن قطرال فى تعاليقه، فى أثناء ترجمة الرضى بن خليل هذا؛ لأنه قال: أخبرنى ثقة، أنه سجن مرة على تغيير منكر قام به. فرأى صاحب مكة أبو نمى الكعبة المشرفة تطوف بالسجن الذى كان فيه، فأخرجه واستعطفه وسأل المغفرة. انتهى. وهذه منقبة عظيمة.
وللرضى بن خليل هذا نظم، فمنه ما أنشدناه الشيخ أبو اليمن محمد بن أحمد بن الرضى إبراهيم الطبرى بقراءتى عليه الحرم الشريف، أن أباه وعثمان بن الصفى أنشداه إجازة عنه. ونقلت من خطه هذه الأبيات:
إن الحليفة للمدينة محرم
…
ويلملم يمن وشام جحفة
عرق عراق ثم نجد قرنها
…
هذى المواقيت الشريفة جمة
فحليفة عشر وجحفة أربع
…
ومراحل التالى اثنتان ريحة
ومنه بهذا الإسناد، وأنشد ذلك له ابن الجزرى فى تاريخه:
يا نازحين ودمع العين ينزحه
…
من بعد بعدهم عودوا ولى عود
ترى لييلات سلع هل تعود بكم
…
وذاوى الحب هل ينشق له عود
أفنى جميعى هواكم لا عدمتكم
…
سوى أنين ووجد فهو موجود
وحق حبكم لا خنت عهدكم
…
فعللونى بوصل أو به جودوا
لله وقت قضيناه على دعة
…
والشمل مجتمع والبين مطرود
ومنه به:
أيها النازح المقيم بقلبى
…
فى أمان أنى حللت ورحب
جمع الله بيننا عن قريب
…
فهو أقصى مناى منك وحبى