الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المصرى الشافعى، وقاضى القضاة تقى الدين السبكى وغيرهما. وكان فقيها فاضلا، وعلى ذهنه فوائد.
كانت له دنيا فتركها، وآثر الإقامة بمكة على طريقة حميدة، حتى توفى بها. وكان عنده زهد وتخيل من الناس، وانحراف عنهم، وملك دنيا طائلة، ثم ذهبت منه، وانقطع بمكة نحو خمسة عشر سنة قبل موته. ثم مات فى النصف الثانى من ربيع الأول سنة خمس وثمانمائة. ودفن بالمعلاة.
372 ـ محمد بن قلاوون الصالحى:
الملك الناصر بن الملك المنصور، صاحب الديار المصرية والشامية والحجازية، وغير ذلك من البلاد الإسلامية، ذكرناه فى هذا الكتاب، لأنه عمر أماكن بالمسجد الحرام والحجر والمقام وزمزم، وسقاية العباس، وعمل للكعبة بابا حلاه بخمسة وثلاثين ألف درهم وثلاثمائة درهم. وأجرى إلى مكة عينا من جهة جبل ثقبة (1) فى مجرى عين بازان، وعمل مطهرة بالمسعى، مقابلة لباب بنى شيبة.
ولى السلطنة ثلاث مرات، الأولى: نحو سنة. والثانية: نحو عشر سنين. والثالثة: نحو اثنتين وثلاثين سنة. وصورة الحال فى ذلك: أنه بويع بالسلطنة بعد قتل أخيه الأشرف خليل، فى المحرم سنة ثلاث وتسعين وستمائة، وهو ابن تسع سنين، واستمر إلى أن خلع فى المحرم سنة أربع وتسعين.
وولى عوضه نائبه الملك العادل كتبغا المنصورى، مملوك أبيه، وبعث الناصر المذكور إلى الكرك، ليتعلم هناك القرآن والخط. فلبث هناك إلى أن قتل المنصور حسام الدين لاجين (2) المنصورى، الذى انتزع الملك من كتبغا، ولما قتل لاجين، بويع الناصر المذكور
372 ـ انظر ترجمته فى: (السلوك للمقريزى القسمان الأول والثانى من الجزء الثانى، ابن الوردى 2/ 330، فوات الوفيات 2/ 263، ابن إياس 1/ 129، الدرر الكامنة 4/ 144، وليم مولير 65، 95، النجوم الزاهرة 8/ 41، 115، 9/ 3).
(1)
ثقبة: بالتحريك: جبل بين حراء وثبير بمكة وتحته مزارع. انظر: معجم البلدان (ثقبة).
(2)
لاجين (المنصور) حسام الدين بن عبد الله المنصورى: من ملوك البحرية بمصر والشام، وهو الحادى عشر من ملوك الترك، ويسمى «لروك» الحسامى. كان مملوكا للمنصور قلاوون، وإليه نسبته. وتقدم إلى أن ولى نيابة السلطنة فى أيام العادل «كتبغا» ثم خلع العادل وولى السلطنة سنة 695 هـوتلقب بالملك بالمنصور. قتله بعض مماليك الأشرف خليل فى قصره. كانت مدته سنتان وأحد عشر شهرا. انظر ترجمته فى:(مورد اللطافة 49، ابن إياس 1/ 136، النجوم الزاهرة 8/ 85، الأعلام 5/ 238).
بالسلطنة، وخطب له بالديار المصرية، وهو إذ ذاك بالكرك، فى ربيع الآخر سنة ثمان وتسعين، ثم أحضر إليها، واستمر سلطانا إلى أن أظهر التخلى عن الملك، لما تم عليه من كثرة الحجر من نائبه سلار، وأستاداره بيبرس الجاشنكير، حتى قيل إنه منع من خروف مشوى اشتهاه.
وكان تخليه عن الملك، فى آخر سنة ثمان وسبعمائة، بعد أن صار بالكرك، وكان توجه إليها مظهرا لقصد الحج منها، ولما عرف الأمراء بمصر بإعراضه، تسلطن عوضه بيبرس الجاشنكير، وتلقب بالمظفر، وناب له سلار، واستوسق (3) له الأمر، وأقام الناصر إلى أثناء سنة تسع وسبعمائة، ثم توجه منها إلى دمشق، راجيا للملك، وحرك عزمه على ذلك، جماعة من المماليك هربوا إليه من مصر، وراسل الناصر الأفرم نائب دمشق؛ ليكون معه فتوقف. وقال ما معناه: كيف يكون هذا وقد أمرنا بالطاعة لغيره ـ يعنى المظفر ـ لأن الناصر كان كتب من الكرك لما تخلى عن الملك إلى نواب البلاد، يأمرهم بالطاعة لمن يتسلطن عوضه، ثم إن الأفرم خذل وفرّ إلى الشقيف؛ ووصل إلى الناصر، قراسنقر المنصورى وغيره من نواب البلاد الشامية، وسار بمن انضم إليه إلى الديار المصرية، فوصلها سالما، وجلس على سرير الملك بها، فى يوم عيد الفطر من سنة تسع وسبعمائة، وكان المظفر بيبرس قد توجّه من مصر لقصد الناصر؛ فبان عن المظفر جماعة من أمرائه، وقصدوا الناصر، فخذل المظفر.
ورجع إلى مصر، بعد أن تفرق عنه عسكره، ثم أرسل إلى الناصر يطلب منه الأمان، وأن ينعم عليه بمكان يأوى إليه فى غلمانه، فأجابه إلى ذلك، وعين له مكانا، ثم تغير عن ذلك الناصر بعد قليل، واستدعى المظفر إليه فقتله، وأباد الناصر جماعة من أعدائه. وقيل: إنه قبض ـ لما عاد إلى مصر ـ على السماط اثنين وثلاثين أميرا، وتمهد له الأمر حتى مات، وهادته الملوك، وفعل أفعالا جميلة.
منها: جامع أنشأه على شاطئ النيل بمصر، يعرف الآن بالجامع الجديد، ومدرسة بالقاهرة، بين القصرين، وتعرف بالناصرية، وقرّر بها دروسا فى المذاهب الأربعة، والقراءات، والتفسير، والعربية، وطلبة وتصادير وغير ذلك، وخانقاه للصوفية بسرياقوس، وغير ذلك، وحج ثلاث مرات، الأولى: فى سنة اثنتى عشرة، والثانية: فى سنة تسع عشرة، والثالثة: فى سنة اثنتين وثلاثين وسبعمائة، وجهزّ إلى مكة العساكر غير مرة، لتمهيد أمرها، ولتأييد من يوليه إمرتها من أولاد أبى نمىّ، واتفق له من نفوذ
(3) وسقه: جمعه وحمله. أى: اجتمع له أمور الحكم. انظر القاموس المحيط (مادة: وسق).
الأمر بمكة والحجاز، ما لم يتفق لأحد من مملوك الترك بمصر، وأنجد الملك المجاهد صاحب اليمن بعسكر، أيام حرب المجاهد، والظاهر بن المنصور أيوب بن المظفر.
ومن محاسنه: أنه كان معظما لمنصب الشرع، وقد صحّ لى عن قاضى القضاة عز الدين بن جماعة أنه قال: كان الملك الناصر ـ يعنى المذكور ـ يدعونى فى دار العدل بحضرة الأمراء، ويذكر لى سرا ما ليس فى السرّية كبير فائدة، وظهر لى أن الذى يحمله على ذلك، تعظيم منصب الشرع عند الحاضرين.
ومما اتفق له ولم يتفق لملك من بعده، أنه أجاز الصفى الحلى على قصيدة مدحه بها بمائة ألف درهم، وعدد أبياتها مائة بيت.
وولى السلطنة من أولاده لصلبه ثمانية، وهم: المنصور أبو بكر، ثم الأشرف كجك، ثم الناصر أحمد صاحب الكرك، ثم الصالح إسماعيل، ثم الكامل شعبان، ثم المظفر حاجى، ثم الناصر حسن، ثم الصالح صالح، ولم يتفق ذلك لملك سواه ولا لخليفة. وأكثر ما يعرف فى ذلك أربعة لرجل واحد، وهم: الوليد، وسليمان، ويزيد وهشام، أولاد عبد الملك بن مروان، وثلاثة، وهم: الأمين، والمأمون، والمعتصم، أولاد الرشيد العباسى، والراضى، والمتقى، والمطيع، بنو المقتدر.
ويقال: إن جيش مصر، كان فى أيام الناصر المذكور، أربعة وعشرون ألف مقاتل. ولم يتفق ذلك بعده. وسببه: أن الناصر كان يرى تكثير المقاتلة، فلا يعطى كلا منهم إلا قدر كفايته أو أزيد بقليل، ولم ير ذلك الولاة بعده، وأعطوا لكل من يحبونه أضعاف ما كان يعطيه الناصر.
ووجدت بخط الحافظ شهاب الدين أحمد بن أيبك الدمياطى فى وفياته، ترجمة للملك الناصر هذا، ذكر فيها من حاله قليلا مما ذكرناه، ثم قال: وكان من المعرفة لسياسة الملك على أمر عظيم، لا يكاد أحد يعرف ما فى باطنه. وكان كثير التحيل، يقرب من يقرب ممن يختاره من مماليكه إلى منزلة لم يبلغها أحد، ثم يسلبه تلك النعمة فى ساعة واحدة، ويهلكه غير محتفل به. انتهى.
وقال ابن شاكر فى ترجمته: وكان راتبه من اللحم لمطبخه ولمماليكه وغيرهم: ستة وثلاثين ألف رطل مصرى، وبالغ فى شراء الخيل، حتى اشترى بيت الكرمدى بمائتى ألف. وبالغ فى شراء المماليك، حتى اشترى بخمسة وثلاثين ألف درهم. انتهى. يعنى: الواحد من المماليك.