الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
47 ـ محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن عبد العزيز بن القاسم بن عبد الرحمن القرشى العقيلى، قاضى مكة، وخطيبها عز الدين أبو المفاخر بن قاضى الحرمين وخطيبهما محب الدين أبى البركات بن قاضى مكة كمال الدين أبى الفضل النويرى، المكى الشافعى:
ولد فى سحر ليلة الاثنين حادى عشر رمضان سنة خمس وسبعين وسبعمائة بطيبة. وبها نشأ. وكان أبوه بها قاضيا.
وأجاز له من دمشق المسندون: عمر بن الحسن بن أميلة المراغى المزى، وصلاح الدين محمد بن أحمد بن أبى عمر، وحسن بن أحمد بن هلال الطحان، وجماعة فى سنة ست وسبعين.
وسمع بالمدينة ـ فيما أظن ـ من شيختنا أم الحسن بنت الفقيه أحمد بن قاسم الحرازى.
وبمكة من شيخنا إبراهيم بن صديق: الصحيح وغيره.
وروى عنه الصحيح، وعنى بالفقه كثيرا. وكان فيه نبيها، وحفظ فيه التنبيه والحاوى أو أكثره، وكان يذاكر بالحاوى.
وتفقه مدة طويلة بشيخنا القاضى جمال الدين بن ظهيرة. وتفقه قليلا بشيخنا الشيخ برهان الدين الأنباسى، أحد أعيان الشافعية بالديار المصرية، لما قدم إلى مكة فى سنة إحدى وثمانمائة، قرأ عليه فى الحاوى، وأجازه بالتدريس والإفتاء. وناب لأبيه فى الخطابة فى سنة ست وتسعين وفيما بعدها.
وناب عنه فى الحكم فى سنة سبع وتسعين، وفى درس بشير.
وباشر جميع وظائف أبيه بأثر موته، لأن أباه استنجز له توقيعا من الملك الظاهر بأن يكون نائبا عنه فى حياته مستقلا بعد وفاته.
وأنهى خبر موت أبيه إلى السلطان الظاهر بمصر، فولاه السلطان قضاء مكة وخطابتها وحسبتها، ونظر المسجد الحرام والأوقاف والربط المشرفة فى أثناء شهر رمضان سنة تسع وتسعين.
وفى رجب منها: كانت وفاة أبيه، ووصل إليه العهد والتشريف بذلك فى الثانى
والعشرين من شوال من السنة المذكورة. واستمر مباشرا لذلك من هذا التاريخ إلى أوائل ذى الحجة سنة ست وثمانمائة.
وكان عزل عن ذلك بمصر أياما قليلة، وقت سفر الحاج من مصر، فى سنة ثلاث وثمانمائة، ثم عاد لولاية ذلك، ووصل له عهد بذلك كتب بعد سفر الحاج عن مصر.
وكان بعض الحجاج ذكر عزله بمكة، وأرجف بذلك أعداؤه فما راعهم إلا وصول العهد بولايته.
وكان عزله فى موسم سنة ست وثمانمائة بالتحامل عليه؛ لأن أمير الحاج المصرى طولون ذكر: أن السلطان فوض إليه أمر عزله وتولية من يصلح.
وكان قد وصل إليه عهد باستقراره على ولايته كتب بعد سفر الحاج من مصر، ولم يذكر ذلك لأمير الحاج، ولا للقائمين عليه لما اجتمعوا للكشف عن أمره، وقام من المجلس حنقا.
وغلب على ظنه أنهم لا يقدمون على ولاية غيره، فلم يصب ظنه، وأشاع عنه بعض أعدائه أنه عزل نفسه واستدعى شيخنا القاضى جمال الدين إلى مجلس أمير الحاج فشافهه بالولاية، وخلع عليه وولاه أيضا صاحب مكة. وباشر ما كان يباشره القاضى عز الدين من الوظائف.
وتوجه القاضى عز الدين بعد الحج إلى المدينة النبوية، وأقام بها إلى أن وصل عهد بولايته لوظائفه فى ربيع الأول أو الثانى من سنة سبع وثمانمائة. ووصل لشيخنا القاضى جمال الدين عهدا بالولاية لذلك.
ووصل كتاب السلطان: بأن يجتمع الناس ويستقر من يختارونه من الرجلين فتحامل بعض العوام كثيرا على القاضى عز الدين لعلمهم: أن أمير البلد لا يرغب فى ولايته. واستمر القاضى جمال الدين مباشرا إلى الموسم من هذه السنة.
وفى هذا الموسم: قرئ توقيع القاضى عز الدين بعوده للولاية، وقرئ فيه توقيعى بولايتى لقضاء المالكية بمكة، ولبسنا جميعا تشريفا بذلك.
والذى أعان على تنفيذ ولاية القاضى عز الدين بمكة فى هذا التاريخ أمير الركب المصرى كزل العجمى.
وكان أعداؤه عارضوا ولايته بكتاب وصل من الأمير السالمى مدير الدولة بمصر
يتضمن: أن القاضى جمال الدين متولى؛ لأن ولاية القاضى عز الدين كانت قد اشتهرت بمصر.
وتوصل أعداؤه بكتاب السالمى إلى معارضته بعد الموسم فى الخطابة، وأمر الحرم والحكم، فتم لهم ذلك فيما عدا الحكم لأن القاضى عز الدين لم يوافق على اجتنابه.
وتوقف شيخنا القاضى جمال الدين عن مباشرة ذلك كله.
فلما كانت ليلة الثانى من ربيع الثانى وصل إلى القاضى جمال الدين عهد وتشريف بولايته للوظائف المذكورة، فباشر ذلك إلى النصف الثانى من شعبان سنة عشر وثمانمائة.
وفى آخر الشهر المذكور: وصل عهد للقاضى عز الدين وتشريف بولايته للوظائف المذكورة.
وباشر ذلك فى أوائل رمضان من هذه السنة إلى آخر رجب سنة اثنتى عشرة وثمانمائة.
وفى أثناء العشر الأوسط من شعبان قبيل نصفه من هذه السنة وصل توقيع وخلعة للقاضى جمال الدين بولايته للوظائف المذكورة، فباشر ذلك إلى العشرين من ربيع الثانى سنة ثلاث عشرة وثمانمائة.
وفى هذا التاريخ، وصل للقاضى عز الدين توقيع وخلعة بولايته للوظائف المذكورة، وقرئ توقيعه بذلك، وكانت قراءته يوم الجمعة، فخطب بالناس.
وكان القاضى جمال الدين قد عمر المنبر ليخطب فى يوم الجمعة المذكور، فخطب عليه غيره. فتعجب الناس من هذا الإتقان.
واستمر القاضى عز الدين مباشرا للوظائف المذكورة إلى أوائل ذى الحجة سنة ثلاث عشرة.
وفى هذا التاريخ: وصل للقاضى جمال الدين عهد بولايته للوظائف المذكورة، كتب بدمشق، ووصل مع بعض الحجاج منها.
واستمر القاضى جمال الدين مباشرا لذلك إلى الرابع عشر من شوال سنة ست عشرة وثمانمائة.
وفى هذا التاريخ: وصل للقاضى عز الدين عهد بولايته للخطابة، ونظر الحرم والحسبة بمكة، فقرئ عهده بذلك، ولبس التشريف بحضرة القاضى جمال الدين.
فلما كان الموسم من هذه السنة: وصل إلى القاضى جمال الدين عهد بالخطابة دون النظر والحسبة، وباشرها مع القضاء وما معه إلى أثناء ربيع الآخر سنة سبع عشرة وثمانمائة، ثم وصل إلى القاضى عز الدين توقيع بالخطابة، ونظر الحرم والحسبة فى هذا التاريخ، وباشر ذلك القاضى عز الدين.
ثم سعى للقاضى جمال الدين فى الخطابة، فوليها واتفق أن ولايته لها كانت بعد وفاته؛ لأنه توفى فى سابع عشر رمضان من هذه السنة.
ولما وصل خبر وفاته إلى القاهرة، قرر القاضى عز الدين فى الخطابة مع نظر الحرم والحسبة.
وكان أمير الحاج المصرى فى سنة سبع عشرة أبقاه على الخطابة، وما زال مباشرا لها ولنظر الحرم والحسبة من ربيع الآخر سنة سبع عشرة، وإلى أن عرض له من المرض ما منعه من المباشرة فى ذى القعدة سنة تسع عشرة، فباشر ذلك نوابه.
وقدر أنه صرف عن الخطابة والحسبة فى عاشر ذى الحجة سنة تسع عشرة وثمانمائة بأبى البركات بن أبى السعود بن ظهيرة.
وما وصل الخبر بولايته لذلك إلا بعد موته بنحو خمسة وعشرين يوما: لأن أبا البركات مات فى الثانى والعشرين من ذى الحجة سنة تسع عشرة وثمانمائة، فباشر نائب القاضى عز الدين الخطابة والحسبة مع نظر الحرم إلى أن توفى القاضى عز الدين.
ومما وليه القاضى عز الدين، تدريس المدرسة الأفضلية بمكة، ودرس بشير وغير ذلك.
وكان صارما فى الأحكام، وله بها معرفة، وقل أن يستكبر شيئا، وفيه احتمال كثير للأذى، ومروعة كثيرة.
وكان جيد الحفظ للقرآن، سريع التلاوة، مديما لها غالبا ليلا ونهارا. وصح لى أنه سمع يتلو ليلا قبيل موته بنحو عشرة أيام.
وكان وهنه فى هذه المدة شديدا. وكان ابتداء مرضه الذى مات به الفالج، ثم أمورا أخر يرجى له بها كثرة الثواب.
وتوفى ليلة الأحد الحادى والعشرين من شهر ربيع الأول سنة عشرين وثمانمائة بمكة. وصلى عليه عقب صلاة الصبح عند باب الكعبة. ودفن بالمعلاة على جده القاضى أبى الفضل. وكثر عليه البكاء والأسف، ممن لم يعرفه، وممن له عرف. وهو ابن خالى وأخى من الرضاع، تغمده الله برحمته.