الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأقام على ذلك مدة، ثم عاد إلى بلده ودرس فيها بالمدرسة الإفرمية المعزية، وبالمدرسة المحدثة، وبجامعها العتيق. وانتصب للاقراء والتصنيف، فانتفع به كثيرون.
وصنف تصانيف كثيرة فى علوم متعددة، منها: كتاب جامع الأصول على أبواب الفقه، ثم ترك ذلك.
وجاور بمكة ـ شرفها الله تعالى ـ ولزم العبادة، وخشونة العيش، ومجاهدة النفس، ومجالسة أهل القلوب. إلى أن توفى بمنى ليلة الجمعة لإحدى عشرة ليلة خلت من ذى الحجة سنة ثلاث وستين وسبعمائة عن نحو سبعين سنة. ونقل إلى المعلاة وشهد جنازته خلق كثير. انتهى.
وذكره الشيخ زين الدين العراقى فى ذيله على ذيل والده على العبر للذهبى.
31 ـ محمد بن أحمد بن عثمان بن عجلان ـ بكسر العين ـ القيسى الأشبيلى:
ولد سنة ثمان وأربعين وستمائة فى صفر. وأجاز له ـ باستدعاء أبيه ـ مسند تونس أبو الحسين أحمد بن محمد بن السراج، وحدث عنه ببعض الروض الأنف للسهيلى عنه.
سمع ذلك منه بمصر الحافظ أبو الفتح بن سيد الناس اليعمرى بقراءته. وحكى عنه: أنه قيد جده عجلان ـ بكسر العين.
وذكر ابن سيد الناس أنه توفى سنة أربع وعشرين وسبعمائة بمكة بعد الحج.
وذكر القطب الحلبى فى تاريخه: أنه توفى بمكة فى آخر عام أربع وعشرين وسبعمائة أو فى أوائل عام خمسة وعشرين وسبعمائة.
ووجدت بخط المحدث جمال الدين إبراهيم بن القطب الحلبى، فى تاريخ أبيه فى ترجمة المذكور: أنه توفى وهو متوجه إلى الحج قريبا من عقبة أيلة (1)، فى سنة أربع وعشرين. ونقل ذلك عن أبى البركات الفاسى.
32 ـ محمد بن أحمد بن عثمان بن عمر التونسى، العلامة، المفنن، البارع، أبو عبد الله، المعروف بالوانوغى:
نزيل الحرمين الشريفين. ولد ـ فى غالب ظنى ـ سنة تسع وخمسين وسبعمائة بتونس، ونشأ بها.
31 ـ (1) أيلة: بالفتح: مدينة على ساحل بحر القلزم مما يلى الشام، وقيل: هى آخر الحجاز وأول الشام. انظر: معجم البلدان، (إيلة)، الروض المعطار 70، 71، رحلة الناصرى 201، 202.
32 ـ انظر ترجمته فى: (شذرات الذهب 9/ 203، بغية الوعاة 13، الضوء اللامع 7/ 3، الأعلام 5/ 331).
وسمع بها من مسندها ومقرئها أبى الحسن بن أبى العباس البطرنى فى خاتمة أصحاب الأستاذ أبى جعفر بن الزبير بالإجازة. وله من البطرنى إجازة بجميع ما يرويه.
وسمع من مفتى تونس وعالمها الشيخ أبى عبد الله محمد بن عرفة الورغمى، وأخذ عنه: التفسير والفقه فى التهذيب للبرادعى، وفى مختصرى ابن الجلاب وابن الحاجب، وفى تأليف شيخه ابن عرفة فى الفقه. سمع عليه أكثره، وأخذ عنه: المنطق والأصلين.
وأخذ عن القاضى ولى الدين عبد الرحمن بن خلدون، المنطق والأصلين وعلوم الحساب والهندسة.
وأخذ عن الشيخ أبى العباس: القضاء، والنحو فى عدة كتب، وأخذه عن غيره. وله بالعلم أتم عناية.
وكان ذا معرفة بالتفسير، والأصلين، والمنطق، والعربية، والفرائض، والحساب، والجبر، والمقابلة وأما الفقه: فمعرفته به دون ما سبق.
وكان إذا رأى شيئا وعاه وقرره، وإن لم يسبق له به عناية. وكان يعينه على ذلك ما منحه من شدة الذكاء وسرعة الفهم. وكان حسن الإيراد للتدريس والفتوى، وعلى كثير من الكلام يقوى.
ويحفظ نكتا ظريفة وأشعارا لطيفة، وينشدها بصوت حسن. وفيه مروءة ولطف فى المعاشرة.
وله تأليف على قواعد شيخ الإسلام عز الدين بن عبد السلام الشافعى. ذكر أنه زاد عليه فيما أصله فوائد كثيرة، ورد عليه كثيرا مما قاله، وأوقفنى على موضع من ذلك يتعلق بفضل مكة والمدينة، فرأيت فيه ما ينتقد فى مواضع منه، ولا أبعد أن يكون فيه كثير من هذا المعنى.
وله سؤالات فى فنون من العلم، تشهد بفضله، وهى عشرون سؤالا بعثها من المدينة يتعرف جواب علماء الديار المصرية عنها، فتصدى للجواب عنها مولانا وشيخنا قاضى القضاة شيخ الإسلام جلال الدين بن مولانا شيخ الإسلام سراج الدين البلقينى، أمتع الله بحياته، ورد عليه كثيرا مما قاله فيها. ووصل ذلك إلى المذكور. فذكر لى أنه رد ما ذكره شيخ الإسلام.
وله فتاوى كثيرة متفرقة لم يسدد فى كثير منها لمخالفته فى ذلك المنقول، ومقتضى القواعد.
وقد بينت أشياء من ذلك فى عدة من أجوبته، وما وقف إلا على بعض ذلك. وأجاب عنه بما لا يخلو من نظر، وثم عليه فى بعضها تناقض ظاهر لاختلاف جوابه فى الواقعة الواحدة. ويقال: إنه كان يقصد بذلك مراعاة خواطر السائلين. وهذا مما عيب عليه. وعيب عليه أيضا كثرة إطلاقه للسانه فى أعيان من العلماء. وقد سمعت منه أشياء من ذلك.
منها: أنه قال: إن شراح مختصر ابن الحاجب فى الفقه لم يفهموه.
وسمعت بعض الناس يذكر له كلاما للشيخ أبى محمد بن أبى حمزة فى الإعراض عن كتاب الزمخشرى فى التفسير والإقبال على تفسير ابن عطية وغيره من علماء السنة. فقال: هذا الكلام ما يسوى حبة.
وسألته عن كلام العراقى فى الأصول فلم يحمده. وسمعته كثيرا لا يثبت لشيخه ابن عرفة فى أكثر الفنون كثير معرفة.
وكان لتآليف ابن عرفة يعيب. وأكثر ظنى: أنه فى ذلك غير مصيب.
ووجدت بخط الوانوغى من الزلل فى حق العلماء أكثر مما سمعت منه. وذلك فى وريقات ذكر فيها اشتغاله بالعلوم لسؤال بعض الناس له عن ذلك. فمما فيها ـ بعد ذكره مختصر ابن الحاجب الفرعى ـ: ولم يوفق أحد من شراحه إلى شرحه كما ينبغى، بل كلها أفسده وأفسد مسائله.
وبادر إلى الاعتراض عليه وإلى تخطئته، ولم يقع على الغرض الذى قصده المصنف، ثم قال: وله اصطلاحات وعبارات شرحها الشراح مفرقة، وشرحها بعضهم مجموعة لم يصادفوا فيها المقرر، ولا أصابوا شاكلة الرمى.
وقد سمعت قراءة هذا الكتاب على الشيخ ابن عرفة مرارا. وكانت قراءته فيه هينة، وقراءته للمدونة أحسن، وكان مولعا بالرد عليه وعلى شارحه ابن عبد السلام. وسمعت على الشيخ ابن عرفة كتاب مسلم، سماع تفهم وبحث.
ولم يكن له اشتغال بعلم الحديث، فلم ينظر فيه نظر المحدث باصطلاح المعروف إنما يتكلم عليه ببعض ما ذكره صاحب الإكمال، وهو أحسن ما عليه. وبعده القرطبى على مختصره.
وأما شرح النووى: فقليل الفائدة مع الطول المسئم.
وسمعت ابن عرفة يقول: لقد أتعب الناس فى نسخه، فهلا كتب كراسة فقط بما زاد على القاضى من ضبط الأسماء المشكلة، وكفى الناس المؤنة. وفيه مواضع كنت أنبه عليها وقت القراءة.
ثم قرأت مختصر ابن الحاجب فى الأصول على أشياخ، وما رأيت منهم من شق له غبارا، وإنما يقرؤنه بالسلاطة وقوة الجأش.
ثم قال: وعلى كثرة شروحاته، فهو محتاج إلى الشرح؛ لأنهم فى مواضع لا يفصحون بشرحها، بل يتركونها كما هى بينهم عموم وخصوص فى تفسير المسائل.
وقد تكلمنا على كثير من مسائله المشكلة المهملة عند الشراح.
وقد ألف الناس بعده فلم يبلغوا شأوه. ألف البيضاوى: كتاب المنهاج، سلك فيه طريقة الإمام الرازى على عادته.
وألف ابن الساعاتى، وتبع فى ذلك طريقة الآمدى، وقصد حل كثير من أسئلة ابن الحاجب والرد عليه فى كثير من الأدلة بزعمه، فلم يصادف الغرض.
وأصعب الطرق فى الأصول طريقة الحنفية. قرأت فيه كتاب ابن الساعاتى وأقرأته، وللتفتازانى على كتاب التوضيح لصدر الشريعة كتاب جليل.
وإنما أتوا فى طريقهم من النظر فى الألفاظ مجردة عن اعتبار ما سيقت له، ومن عدم مساعدة الطبع والذوق، وليحترز الناظر فى البرهان من زلة ذكرها فى أول كتابه يقول: إنه اجتمع يوما مع ابن سينا، فتكلم معه فى تعليق العلم القديم بالجزئيات، فأورد عليه شبهة عجز عن حلها. فألزمه إنكار ذلك فأنكره، وكتبه هناك. ولعلها دست عليه فى كتابه. وقد اختصره ابن المنير فأبدع.
وكذلك يحترز الناظر فى شراح ابن الحاجب، وفى كتب المتأخرين فى علم أصول الدين من زلة أطبقوا عليها لسبب مخالطتهم لكتب الفلاسفة. ومن ذلك كان يقول بعض الأشياخ فيهم: أفراخ الفلاسفة. وقد أوضحت فساد قولهم وزللهم فيما كتبت على المختصر.
ثم قال بعد ذكره: قرأته فى علم أصول الدين والمدخل لقراءة هذا العلم عند أشياخنا: كتاب الإرشاد، وليس فيه شفاء العليل.
ثم قال ـ بعد ذكره لعلم البيان، وما قرأ فيه ـ: وكان الشيخ أبو حيان على جلالته فى علم العربية ينبو عنه طبعه.
ثم قال ـ بعد ذكره لتلخيص المفتاح ـ: وعليه شروحات كثيرة، منها شرح السبكى وهو اسم شرح بلا مسمى. وفيما كتب المذكور بخطه غير هذا من هذا المعنى. وفيه أسطر مسودة لا يعرف ما فيها.
وأخبرنى المكتوب إليه ذلك: أن فى المواضع المسودة كلاما نال فيه كثيرا من شيخه ابن عرفة. وكل ما رأينا من السواد هو عند ذكره ابن عرفة.
وذكر لى الشيخ خليل بن هارون الجزائرى نزيل مكة، وهو المكتوب إليه على ما ذكر لى: أنه الذى سود ذلك؛ لأنه لم يستطع أن يرى ذما فى ابن عرفة لجلالة قدره.
وليس كل ما نقلناه من خط الوانوغى فى كتبه مجتمعا على ما ذكرناه وإنما أكثره مفرق بخطه، ومراده بالبرهان: البرهان إمام الحرمين، وبالإرشاد: الإرشاد له.
ووجدت بخطه على سؤال ذكر لى فيه: أن الشيخ الإمام تقى الدين السبكى يرى أن من يقدمه الأب على ابنه عند غيبة الجد أولى من الحاكم ما نصه بعد رده لكلام السبكى: والحاصل: أن فهم الشيخ مخالف للقواعد، وإطلاقات الأئمة، وتأويل على المذهب، أو مذهب على خلاف القواعد المجمع عليها، فلا يعتمده الحاكم، ولا يراعى ما وافقه من الحكم. والله أعلم. انتهى.
فانظر إلى ما فى هذا اللفظ من عدم تحسين الخطاب فى حق الإمام السبكى وإلى ما فيه من التكرار بلا فائدة، أو عدم استقامة قوله، فإنه قال: والحاصل أن فهم الشيخ مخالف للقواعد.
ثم قال: أو مذهب على خلاف القواعد المجمع عليها. فإن أراد بقوله: القواعد فى الموضعين: قواعد الشافعية، كان أحد اللفظين تكرار بلا فائدة، وإن أراد بذلك: قواعد الشافعية وغيرهم لم يكن ذلك مستقيما؛ لأن مذهب مالك لا ولاية للجد على ابن ابنه، وسبب تجريه بالولاية عليه لوصيه إن كان وإلا فللحاكم، على الزلل فى حق العلماء، فإنه كان كثير العجب بنفسه؛ بحيث يرى أنه لو لقى مالكا وغيره من الأئمة لحاجهم.
وبلغنى عنه أنه كان يقول: لى أن أفتى بالشيء وضده، ولا أسأل عن ذلك، ونحى فى ذلك إلى نيله لرتبة الاجتهاد.
ولم يكن لأهل عصره بكثير فضل معترفا، ولا كان فى البحث منصفا لحرصه على ترويج حجته، وإعلاء رتبته.
وكان يسارع إلى دعوى اتفاق أهل مذهبه ولدعوى الإجماع، ولا يخلو فى ذلك من نزاع، ولو أعرض عن جميع هذه الأمور، وعن إدخال نفسه فيما بين الناس من الشرور، وعما ينسب إليه من اتباع الهوى فى الفتن؛ لكان الثناء عليه أكثر وأجمل، ولعل لخدمته للعلم يعفى عنه كل زلل.
وقد درس بالحرمين، وأفتى فيهما كثيرا. وكنت أتعرف رأيه فى كثير من مسائل الفقه، لما فى كثير منها من الغموض. وكان يستحسن تقريرى للسؤال عنها، وما أشير إليه من أثناء السؤال من الجواب عنه.
وقد سوغ لى الإفتاء والتدريس فى المذهب، ورواية ما له من مروى ومصنف. وكتب لى خطه بذلك، وصورة ما كتبه:
بسم الله الرحمن الرحيم، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم، يقول كاتبه العبد الفقير إلى ربه، محمد بن أحمد الوانوغى: إنه لما منّ الله سبحانه علىّ بالتردد إلى مكة المشرفة حاجا ومعتمرا ومجاورا، وطلبت الاجتماع بعلمائها وفضلائها وصلحائها وحكامها، كان ممن اجتمعت به وذاكرته وباحثته مرارا عديدة فى مسائل كثيرة من مسائل الفقه وغوامضه، وما يتعلق بها.
وتكررت أسئلته عن ذلك كله، وباحثته فيها مرة بعد أخرى، السيد الفقيه الفاضل، الأعدل، الأكمل، الجامع للصفات الكاملة الحسنى، الأصيل، القاضى تقى الدين محمد ابن الشيخ الحسيب، الأصيل شهاب الدين أحمد بن على الفاسى، نفع الله بفوائده وعلومه الجليلة.
وقد ورد علينا بالمدينة المشرفة، وحضر معنا درس الفقه والأصول، وأبدى فيه من فوائده ومباحثه الجليلة ما يليق بعلمه وفضله على طريقة أهل الفنون والمباحثة، فرأيته بذلك كله أهلا للتدريس، والفتوى، والحكم، وإفادة الطالبين مع ما جبل عليه من حسن الفهم، وحسن الإيراد، وسعة التأنى فى البحث والمراجعة فيه، فأوجب ذلك كله الإذن له فى التدريس، والفتوى، وإفادة الطلبة وحثه على الاشتغال بذلك كله، والملازمة له؛ لينتفع به الناس عموما وأهل بلده خصوصا، فإنى لم أر فى فقهاء المالكية بالحجاز كله من يقاربه فى جميع ما ذكر ـ نفع الله به ـ ولا فى اتصافه فى العلم، ولا فى الفهم عن الأئمة ـ زاده الله وإيانا فقها وعلما ـ فليتجرد ـ أعزه الله تعالى ـ لذلك، ويأخذ فيه بالحزم، والعزم لمسيس الحاجة فى ذلك، وافتقار الناس إليه زمانا ومكانا. والله سبحانه يسدده، ويوفقه للخير، والفهم، والجد فى العلم بمنه وكرمه.
وقد أجزت له مع ذلك أن يروى عنى جميع ما يصح لى روايته من مروى ومصنف بشرطه.
قال: وكتبه العبد المسمى أوله: محمد بن أحمد الوانوغى المالكى، نزيل الحرمين الشريفين بتاريخ ثانى عشر من ذى الحجة الحرام سنة ثلاث عشرة وثمانمائة. انتهى.
وكان حوى كتبا كثيرة ودنيا فيها سعة، بالنسبة إلى مثله فأذهبها بتسليفها لمن لا يتيسر منه كثير خلاص لفقره مع معرفته بحاله، ولكن يحمله على ذلك ما يلتزم له به المتسلف من الربح الكثير، وما حصل له من ذلك إلا اليسير.
واتفق له فى طلب ذلك ما لا يليق بأهل العلم من كثرة التردد للباعة للمطالبة وإعراض بعضهم عنه فى حال طلبه واتفق ذلك له بالحرمين.
وأول قدومه إليها سنة ثمانمائة فحج فيها وعاد إلى مصر، ثم عاد قبيل رمضان من التى بعدها إلى مكة، فجاور وحج فيها.
وسار إلى المدينة، وتوصل منها إلى مصر بعد الحاج بمدة، فى أثناء سنة اثنتين وثمانمائة، وحج فيها، ومضى إلى المدينة واستوطنها. وصار يتردد إلى مكة فى كثير من السنين.
ثم قدم مكة بأهله فى سنة خمس عشرة، فجاور بها نحو أربعة أشهر قبل الموسم وقبل فيها ما يقبله الحجازيون من الفتوح لضيق حاله.
ومضى بعد الحج إلى المدينة وترك أهله بمكة، وصار يتردد إلى المدينة لما يعرض له فيها من الحوائج.
وأدركه الأجل بمكة ـ بعد علة طويلة بالإسهال والاستسقاء ـ فى سحر يوم الجمعة تاسع عشر من شهر ربيع الآخر سنة تسع عشرة وثمانمائة. وصلى عليه بالحرم الشريف عند باب الكعبة، وذهب به إلى المعلاة من باب بنى شيبة.
ودفن بها قريبا من قبر الشيخ أبى الحسن الشولى فى ضحى اليوم المذكور. سامحه الله تعالى. ووجدت بخطه تنبيهات تتعلق بكتب فى المذهب وغيره.
منها: وفى ابتداء قراءتى لعلم النحو ابتدأت قراءة الفقه على الشيخ أبى عبد الله بن عرفة، فقرأت عليه كتاب ابن الجلاب فى أول العام، وكان يكره منا مطالعة شيء من مشروحاته كما كان يكره مطالعة شيء من مشروحات الرسالة عدا شرح القاضى عبد الوهاب.
ويحكى عن الشيخ ابن عبد السلام وغيره من الأشياخ: أنهم لا يعتمدون على شيء من مشروحات الكتابين، ولا على ما ينقلونه، ويقولون: إنه لو لم يثبت عندهم: أن أحدا منهم فى طبقة من يعتمد عليه فى الفهم والنقل. انتهى.
وفى هذا نظر بالنسبة إلى بعض شراح الكتابين، فإن الشيخ شهاب الدين أحمد بن إدريس القرافى، ممن شرح ابن الجلاب، والشيخ تاج الدين عمر بن على الفاكهانى: ممن شرح الرسالة، وهما بالفضل مشهوران، لا سيما القرافى. ولعل شرحاهما لم يبلغا المغرب فى زمن من قال ذلك، وليس على الرسالة أحسن من شرح الفاكهانى وكثرة فوائده، وقل أن لا يعزوها. والله أعلم.
ومنها: وكان الشيخ ابن عبد السلام يقول: من لا يختم المدونة فى كل سنة لا تحل له الفتوى منها.
ومنها: وكان الشيخ ابن عبد السلام يقول: ينبغى للطالب أن يحترز فى نظر كتاب ابن عطية أكثر من كتاب الزمخشرى، فإن الزمخشرى عدو ظاهر، ينفر الناس من قبول كلامه ببادئ الرأى، فلا يسكن إليه إلا بعد العلم بحاله.
وأما ابن عطية: فالنفس سريعة القبول بكلامه ببادئ الرأى، وفيه كثير من تفاسير المعتزلة ينقلها، ويظن أن ليس فيها شيء وتحتها السم القاتل. انتهى.
ووجدت بخطه فى سؤال يسأل فيه عما نقله ابن عبد الرفيع عن الشيخين أبى عمران الفاسى، وأبى بكر بن عبد الرحمن من انفساخ الإجازة بالبيع الواقع بعدها فى المستأجر ـ بفتح الجيم ـ وعما فى الجواهر لابن شاس من عدم الفسخ فى ذلك ما نصه:
وأما صاحب الجواهر، فالظاهر أن ما لا يقف على نص فيه ويجده منصوصا للشافعية ولا يظهر له مخالفته للمذهب ينقله نصا فى المذهب.
والظاهر: أن أمره فى هذه المسألة كذلك؛ لأنه لو وقف على النص فلا يتركه. وأشياخنا ينقلون عن أشياخهم: أنه ينقل عن الشافعية كثيرا، وأنه لا يبلغ رتبة من يعتمد على فهمه فى المذهب وإن عزاه، ويصرحون بمنع الفتيا والحكم منه، وما لا يعزوه أشد فى ذلك، والله أعلم. انتهى.