الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عبد، وفى أى صورة ظهر حين عبد، وإن التفريق والكثرة، كالأعضاء فى الصورة المحسوسة.
ثم قال فى قوم هود: إنهم حصلوا فى عين القرب، فزال البعد، فزال به حرّ جهنم فى حقهم، ففازوا بنعيم القرب من جهة الاستحقاق، فما أعطاهم هذا الذوقى اللذيذ من جهة المنة، وإنما استحقته حقائقهم من أعمالهم التى كانوا عليها، وكانوا على صراط مستقيم.
ثم أنكر فيه حكم الوعيد فى حق من حقت عليه كلمة العذاب من سائر العبيد.
فهل يكفر من يصدقه فى ذلك، أو يرضى به منه، أو لا؟ وهل يأثم سامعه إذا كان بالغا عاقلا، ولم ينكره بلسانه أو بقلبه، أم لا؟ .
أفتونا بالوضوح والبيان، كما أخذ الله على العلماء الميثاق بذلك، فقد أضر الإهمال بالجهال.
ذكر جواب من ذكرنا من الأئمة عن هذا السؤال:
جواب ابن تيمية:
«الحمد لله رب العالمين. هذه الكلمات المذكورة المنكرة، كل كلمة منها من الكفر الذى لا نزاع فيه بين أهل الملل، من المسلمين واليهود والنصارى، فضلا عن كونه كفرا فى شريعة الإسلام، فإن قول القائل: إن آدم للحق بمنزلة إنسان العين من العين الذى يكون به النظر، يقتضى أن آدم جزء من الحق ـ تعالى وتقدس ـ وبعض، وأنه أفضل أجزائه وأبعاضه، وهذا هو حقيقة مذهب هؤلاء القوم، وهو معروف من أقوالهم، والكلمة الثانية توافق ذلك، وهو قوله: إن الحق المنزه هو الخلق المشبه.
وذكر ابن تيمية كلاما لابن العربى ـ ليس فى السؤال ـ فى هذا المعنى.
قال فيه ابن عربى: فهو عين ما ظهر، وعين ما بطن فى حال ظهوره، وما ثم من يراه غيره، وما ثم من يبطن عنه سواه، فهو ظاهر لنفسه باطن عنه، وهو المسمى أبو سعيد الخراز وغير ذلك من الأسماء المحدثات.
ثم قال ابن تيمية بعد ذكره كلاما آخر لابن عربى فى المعنى: فإن صاحب هذا الكتاب المذكور، الذى هو «فصوص الحكم» وأمثاله، مثل صاحبه الصدر القونوى التلمسانى، وابن سبعين، والششترى، وأتباعهم.
مذهبهم الذى هم عليه: أن الوجود واحد، ويسمون أهل وحدة الوجود، ويدعون التحقيق والعرفان، وهم يجعلون وجود الخالق، عين وجود المخلوقات.
فكل ما تتصف به المخلوقات من حسن وقبيح، ومدح وذم، إنما المتصف به عندهم عين الخالق.
ثم قال ابن تيمية: ويكفيك بكفرهم، أن من أخف أقوالهم: إن فرعون مات مؤمنا بريئا من الذنوب، كما قال ـ يعنى ابن عربى ـ وكان موسى قرة عين لفرعون، بالإيمان الذى أعطاه الله عند الغرق، فقبضه طاهرا مطهرا، ليس فيه شيء من الخبث، قبل أن كتب عليه شيء من الآثام، والإسلام يجب ما قبله.
وقد علم بالاضطرار، من دين أهل الملل: المسلمين واليهود والنصارى؛ أن فرعون من أكفر الخلق.
واستدل ابن تيمية على ذلك، بما تقوم به الحجة، ثم قال: فإذا جاءوا إلى أعظم عدو لله من الإنس والجن، أو من هو من أعظم أعدائه، فجعلوه مصيبا محقا فيما كفره به الله، علم أن ما قالوه أعظم من كفر اليهود والنصارى، فكيف بسائر مقالاتهم؟ .
وقد اتفق سلف الأمة وأئمتها، على أن الخالق تعالى بائن من مخلوقاته، ليس فى ذاته شيء من مخلوقاته، ولا فى مخلوقاته شيء من ذاته، والسلف والأئمة كفروا الجهمية لما قالوا: إنه حال فى كل مكان، فكان مما أنكروه عليهم، أنه كيف يكون فى البطون والحشوش والأخلية، تعالى عن ذلك علوا كبيرا. فكيف من جعله نفس وجود البطون والحشوش والأخلية والنجاسات والأقذار؟ .
ثم قال ابن تيمية: وأين المشبهة المجسمة من هؤلاء؟ فإن أولئك غاية كفرهم أن جعلوه مثل المخلوقات، لكن يقولون: هو قديم، وهى محدثة، وهؤلاء جعلوه عين المحدثات، وجعلوه نفس المصنوعات، ووصفوه بجميع النقائص والآفات، التى يوصف بها كل فاجر وكافر، وكل شيطان وكل سبع، وكل حية من الحيات. فتعالى الله عن إفكهم وضلالهم، ثم قال: وهؤلاء يقولون: إن النصارى إنما كفروا لتخصيصهم، حيث قالوا: إن الله هو المسيح.
فكل ما قالته النصارى فى المسيح، يقولونه فى الله سبحانه وتعالى، ومعلوم شتم النصارى لله وكفرهم به، وكفر النصارى جزء من كفر هؤلاء. ولما قرأوا هذا الكتاب المذكور، على أفضل متأخريهم، قال له قائل: إن هذا الكتاب يخالف القرآن، فقال:
القرآن كله شرك، وإنما التوحيد فى كلامنا هذا، يعنى أن القرآن يفرق بين الرب والعبد، وحقيقة التوحيد عندهم: أن الرب هو العبد. فقال له قائل: فأى فرق بين زوجتى وبنتى؟ قال: لا فرق، لكن هؤلاء المحجوبون. قالوا: حرام. فقلنا: حرام عليكم. وهؤلاء إذا قيل مقالتهم: إنها كفر، لم يفهم هذا اللفظ حالها، فإن الكفر جنس تحته أنواع متفاوتة، بل كفر كل كافر جزء من كفرهم، ولهذا قيل لرئيسهم: أنت نصيرى. قال: نصير جزء منى.
ثم قال ابن تيمية: وقد علم المسلمون واليهود والنصارى بالاضطرار من دين المسلمين، أن من قال عن أحد من البشر: إنه جزء من الله، فإنه كافر فى جميع الملل؛ إذ النصارى لم تقل هذا، وإن كان قولهم من أعظم الكفر، لم يقل أحد إن عين المخلوقات هى أجزاء الخالق، ولا إن الخالق هو المخلوق، ولا إن الحق المنزه هو الخلق المشبه، وكذلك قوله: إن المشركين لو تركوا عبادة الأصنام، لجهلوا من الخلق المشبه، وكذلك قوله: إن المشركين لو تركوا عبادة الأصنام، لجهلوا من الحق بقدر ما تركوا منها، هو من الكفر المعلوم بالاضطرار بين جميع الملل، فإن أهل الملل، متفقون على أن الرسل جميعهم نهوا عن عبادة الأصنام، وكفروا من يفعل ذلك، وأن المؤمن لا يكون مؤمنا حتى يتبرأ من عبادة الأصنام، وكل معبود سوى الله. كما قال تعالى (قَدْ كانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْراهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآؤُا مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ كَفَرْنا بِكُمْ وَبَدا بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ الْعَداوَةُ وَالْبَغْضاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللهِ وَحْدَهُ) [الممتحنة: 4] واستدل على ذلك بآيات أخر.
ثم قال: فمن قال: إن عباد الأصنام، لو تركوهم لجهلوا من الحق بقدر ما تركوا منها، أكفر من اليهود والنصارى، ومن لم يكفرهم، فهو أكفر من اليهود والنصارى، فإن اليهود والنصارى يكفرون عباد الأصنام، فكيف من يجعل تارك عبادة الأصنام جاهلا من الحق، بقدر ما ترك منها، مع قوله: فإن العالم يعلم من عبد، وفى أى صورة ظهر حين عبد، فإن التفريق والكثرة كالأعضاء فى الصورة المحسوسة، وكالقوة المعنوية فى الصورة الروحانية، فما عبد غير الله فى كل معبود، بل هو أعظم كفرا من كفر عباد الأصنام، فإن أولئك اتخذوهم شفعاء ووسائط، كما قالوا:(ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللهِ زُلْفى)[الزمر: 3].
وقال تعالى: (أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ شُفَعاءَ قُلْ أَوَلَوْ كانُوا لا يَمْلِكُونَ شَيْئاً وَلا يَعْقِلُونَ)[الزمر: 43] وكانوا مقرين بأن الله خالق السماوات والأرض، وخالق
الأصنام، كما قال تعالى:(وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللهُ)[الزمر: 38]. واستدل على ذلك بغير هذه الآية.
ثم قال: وهؤلاء أعظم كفرا من جهة أن هؤلاء جعلوا عابد الأصنام عابدا لله لا عابدا لغيره، وأن الأصنام من الله تعالى، بمنزلة أعضاء الإنسان من الإنسان، ومنزلة قوى النفس من النفس، وعباد الأصنام اعترفوا بأنها غيره، وأنها مخلوقة.
ومن جهة، أن عباد الأصنام من العرب كانوا مقرين بأن للسماوات والأرض وسائر المخلوقات مغاير للسماوات والأرض وسائر المخلوقات. بل المخلوق هو الخالق. ولهذا جعل أهل قوم عاد وغيرهم من الكفار على صراط مستقيم، وجعلهم فى القرب. وجعل أهل النار يتنعمون فى النار، كما يتنعم أهل الجنة فى الجنة.
وقد علم بالاضطرار من دين الإسلام، أن قوم عاد وثمود وفرعون وقومه، وسائر من قص الله تعالى قصته من أعداء الله تعالى، وأنهم معذبون فى الآخرة، وأن الله لعنهم وغضب عليهم، فمن أثنى عليهم وجعلهم من المقربين ومن أهل النعيم، فهو أكفر من اليهود والنصارى.
وهذه الفتوى لا تحتمل بسط كلام هؤلاء وبيان كفرهم وإلحادهم، فإنهم من جنس القرامطة الباطنية الإسماعيلية، الذين كانوا أكفر من اليهود والنصارى، وأن قولهم يتضمن الكفر بجميع الكتب والرسل، كما قال الشيخ إبراهيم الجعبرى، لما اجتمع بابن عربى صاحب هذا الكتاب قال: رأيته شيخا نحسا يكذب بكل كتاب أنزله الله تعالى، وبكل نبى أرسله.
وقال الفقيه أبو محمد بن عبد السلام، لما قدم القاهرة، وسألوه عن ابن عربى، فقال: هو شيخ سوء مقبوح، يقول بقدم العالم، ولا يحرم فرجا. فقوله بقدم العالم؛ لأن هذا قوله. وهو كفر معروف. فكفره الفقيه أبو محمد بذلك. ولم يكن بعد، ظهر من قوله: إن العالم هو الله، وإن العالم صورة الله وهوية الله، فإن هذا أعظم من كفر القائلين بقدم العالم الذين يثبتون واجب الوجود. ويقولون: إنه صدر عنه الوجود الممكن.
وقال عنه من عاينه من الشيوخ: إنه كان كذابا مفتريا. وفى كتبه مثل «الفتوحات المكية» وأمثالها، من الأكاذيب ما لا يخفى على لبيب. ثم قال: لم أصف عشر ما يذكرونه من الكفر، ولكن هؤلاء التبس أمرهم على من لا يعرف حالهم، ما التبس أمر القرامطة الباطنية، لما ادعو أنهم فاطميون.