الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومولده ـ فيما نقلته من خطه ـ فى سحر يوم الاثنين حادى عشر الحجة سنة خمس وخمسين وستمائة بمراكش. نقلت تاريخ وفاته وسببها، من خط جدى أبى عبد الله الفاسى.
327 ـ محمد بن على بن أبى عبد الله محمد بن محمد بن عبد الرحمن الحسنى، الفاسى، المكى، يلقب بالمحب وبالجمال:
سمع من إبراهيم بن النحاس الدمشقى، والحافظ العلائى بمكة. وعلى غير واحد من شيوخهما، منهم: عثمان بن الصفى، والشيخ خليل المالكى، وتفقه عليه وتميز ـ على ما ذكر لى شيخنا الشريف عبد الرحمن الفاسى ـ وذكر أنه كان كريما، ذا مكارم وإحسان إلى الفقراء، مع التفقد لأحوالهم.
وباشر فى الحرم نيابة عن أبيه، حتى توفى فى شوال سنة ثلاث وستين وسبعمائة بمكة، عن أربع وعشرين سنة. وسبب موته ـ على ما قيل ـ: إنه شرب شيئا وضع له فى ماء وهو لا يشعر.
328 ـ محمد بن على بن الزين محمد بن محمد بن محمد بن أحمد بن على القسطلانى المكى:
سمع من الجمال المطرى، والزين الطبرى وغيرهما، واشتغل بالعلم كثيرا، وحصل، وصحب جدى القاضى أبا الفضل النويرى كثيرا، وانتفع به فى ذلك، وكتب بخطه أشياء كثيرة، وكان فقيها نبيها، جيدا صالحا خيرا، حسن الثناء، كثير البر بأبيه.
توفى ـ على ما وجدت بخط شيخنا ابن سكر ـ فى أوائل رمضان، سنة سبع وخمسين وسبعمائة بمكة.
329 ـ محمد بن على بن محمد المكى، المعروف بالبادى:
سمع بالمدينة من قاضيها بدر الدين بن الخشاب: بعض صحيح البخارى، ودخل بلاد الهند، وديار مصر، وبها مات، قبل سنة تسعين ـ بتقديم التاء على السين ـ وسبعمائة، أو بعدها بيسير.
330 ـ محمد بن على بن أبى منصور الأصبهانى، الوزير جمال الدين أبو جعفر، المعروف بالجواد، لجوده:
ذكرناه فى هذا الكتاب، لما صنع من المآثر الحسنة بمكة، كما سبق فى المقدمة.
329 ـ انظر ترجمته فى: (مرآة الزمان 8/ 153، وفيات الأعيان 2/ 72).
وقد ذكره صاحب مرآة الزمان فقال بعد نسبه: وزير الموصل، وكانت الموصل فى أيامه ملجأ لكل ملهوف، ومفزعا لكل مكروب، ولم يكن فى زمانه من يضاهيه ولا يقاربه فى الجود والنوال، والإحسان والإفضال.
وكان كثير الصلات، عزيز البر والصدقات، بنى مسجد الخيف بمنى، وغرم عليه أموالا كثيرة، وجدد الحجر إلى جانب الكعبة، وزخرف البيت بالذهب، وبنى أبواب الحرم، وشيدها ورفع أعتابها صيانة للحرم، وبنى المسجد الذى على جبل عرفة، والدرج التى يطلع فيها إليه.
وكان الناس يعانون فى صعود شدة، وأجرى الماء إلى عرفات، وعمل البرك والمصانع، وأجرى الماء فى قنوات، وكان يعطى أهل مكة فى كل سنة مالا عظيما، ليجروا الماء إلى عرفات.
وبنى على مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم سورا، وكانت الأعراب تنهبها وتغير عليها.
فكان الخطيب يقول على المنبر: اللهم صن حرم من صان حرم نبيك صلى الله عليه وسلم، وهو محمد ابن على الأصبهانى.
وكانت صدقته وصلاته فى المشرق والمغرب، يبعث بها إلى خراسان والعراق والبصرة والكوفة وبغداد والشام ومصر والحجاز واليمن، فيعم الفقهاء والعلماء والزهاد وأرباب البيوت وغيرهم. وما خيب من قصده.
وكان له فى كل يوم خارج عن أرباب البيوت: مائة دينار، يتصدق بها على باب بنى شيبة، ولأجل هذا الخرج العظيم، كان ينسب إلى عمل الكيمياء، وحوشى من ذلك وبنى الجسور والقناظر، والربط، والجسر الذى بناه على دجلة عند جزيرة ابن عمر، بالحجر المنحوت والرصاص، وأوثقه بالحديد بين البنيان.
وبنى الرباط بالموصل وسنجار (1) ونصيبين. وكان إذا قل ما بيده باع بسط داره وثيابه، ويتصدق بها. وكان يبعث إلى عمر الملا بالأموال فيتصدق بها. وكان قد وقع بالموصل قحط، فكان يقول: هذه أيام المواساة.
330 ـ (1) سنجار: هى برية الثرثار، ومدينتها الحضر، وهى كلها من الجزيرة، وفى سنجار فوهة نهر الخابور، ويمر حتى يصب فى الفرات. انظر: معجم البلدان (سنجار)، الروض المعطار 326، معجم ما استعجم 3/ 760، آثار البلاد 393.
ذكر وفاته: لما سارت الركبان بجوده، وعم بمعروفه أهل الدنيا، حسده أقوام، فكذبوا عليه عند قطب الدين، وقالوا: إنه يأخذ أموالك فيتصدق بها، وما كان قطب الدين يقدر على قبضه، لما كان بينه وبين زين الدين من المصافاة، فوضع من أغرى بينه وبين زين الدين، فتغير عليه، فقبض عليه قطب الدين، واعتقله فى قلعة الموصل فقال ابن المعلم الشاعر (2):
إن يعزلوك لمعروف سمحت به
…
على ذوى الأرض ذات العرض والطول
فأنت يا واحد الدنيا وسيدها
…
بذلك الجود فيها غير معزول
ثم ندم زين الدين، على موافقته لقطب الدين على قبضه؛ لأن خواص قطب الدين، الذين كانت أيديهم مقبوضة عن التصرف، لما قبض جمال الدين، انبسطوا فى الأمر والنهى على خلاف غرض زين الدين. وأقام فى الحبس سنة، ثم توفى.
وحكى أبو القاسم الصوفى ـ وكان صاحبه ـ قال: قال لى جمال الدين: كنت أخشى أن أنقل من الدست إلى القبر، فلو جاء الموت الآن ما كرهته، ثم قال لى: يا أبا القاسم، إذا جاء طائر أبيض إلى الدار فعرفنى. فقلت فى نفسى: قد اختلط الرجل.
فلما كان من الغد، سقط طائر أبيض لم أر مثله، فعرفته، فاستبشر وقال: جاء الحق.
ثم قال: بينى وبين أسد الدين شيركوه عهد: من مات منا قبل صاحبه حمله إلى المدينة، وعملا قبرين ـ فاذهب إلى أسد الدين وذكره. وأقبل على ذكر الله وتشهد حتى مات. وطار الطائر، ودفن فى تابوت بالموصل وذلك فى رمضان.
ومضى أبو القاسم إلى أسد الدين، فأخبره، فقال: صدق. وأعطاه مالا صالحا يحمله به، ويقرئ بين يدى تابوته عند النزول وعند الرحيل، وأن ينادى بالصلاة عليه فى كل بلد.
فخرجوا بتابوته على هذه الهيئة، فقدموا به بغداد، ونزلوا به الشونيزية، ولم يبق ببغداد أحد إلا خرج، وخصوصا من كان له إليه إحسان. فصلوا عليه وبكوا وترحموا.
ثم خرجوا به إلى الحلة والكوفة، وزاروا به المشهدين. فقام بعض العلويين بالكوفة على تل عال. فلما مر بجنازته رفع صوته وقال:
سرى نعشه فوق الرقاب وطال ما
…
سرى بره فى العالمين ونائله (3)
(2) انظر: (مرآة الزمان حوادث سنة 559).
(3)
فى وفيات الأعيان (5/ 146):
سرى نعشه فوق الرقاب وطالما
…
سرى جوده فوق الركاب ونائله
يمر على الوادى فتثنى رماله
…
عليه وبالنادى فتبكى أرامله
فلم ير باكيا أكثر من ذلك اليوم. ثم ساروا به مع الحاج، فلما وصلوا إلى وادى المحرم، ألقى على تابوته شقة كأنه محرم، ثم أتوا به عرفات، وخرج أهل مكة باكين وصعدوا به إلى الجبل.
ثم نزلوا به إلى منى، واشتروا جمالا ونحروها عنه، ثم دخلوا به مكة، وطافوا به حول البيت، واشتغل الناس به عن البيت، من كثرة البكاء والصراخ، وخرج النساء المجاورات، التى كان يصل إليهن بره، بين يدى تابوته يبكين ويصرخن، وكان يوما عظيما، وساروا به إلى المدينة، فخرج أهلها وفعلوا كما فعل أهل مكة، ودخلوا به إلى الروضة، فصلوا عليه وحملوه إلى رباطه، فدفنوه به، وبين رباطه وبين مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، أذرع، عرض الطريق.
وكان فصيحا، ولما حبس قال:
أين اليمين وأين ما عاهدتنى
…
ما كان أسرع فى الهوى ما خنتنى
وتركتنى حيران صبا مدنفا
…
أرعى النجوم وأنت ترقد هاهنى
فلأرفعن إلى إلهى قصة
…
بلسان مظلوم وأنت ظلمتنى
ولأدعون عليك فى غسق الدجى
…
فعساك تبلى بالذى أبليتنى
ولم يحمل إلى مكة ميت قبله، سوى الحرة ملكة عدن، وابن رزيك أخو الصالح طلائع، والخادم أرهست صاحب عمان، انتهى.
قلت: وما ذكره صاحب المرآة، من أنه لم يحمل إلى مكة ميت قبل الجواد سوى من ذكرهم ـ وهم بلا ريب ـ لأنه حمل إلى مكة قبل الجواد هذا، الوزير أبو الفضل جعفر ابن الفضل بن الفرات، المعروف بابن حنزابة.
ومن العجب أن صاحب المرآة ذكر ذلك، وذكر أنه فعل له ما فعل بالجواد، من الطواف بالبيت، وإحضاره عرفة، والذهاب به إلى المدينة، ودفنه فى تربة هناك. وذلك فى سنة إحدى وتسعين وثملاثمائة. وفيها مات فى شهر ربيع الأول بمصر. وذكر أنه كان يبعث فى كل سنة لأهل الحرمين مالا وكسوة وطعاما.
ووهم أيضا الذهبى فى قوله فى ترجمة الجواد: إنه دفن بالبقيع؛ لأنه إنما دفن برباطه، كما ذكر صاحب المرآة وغيره.
قال الذهبى: ولقد حكى ابن الأثير فى ترجمة الجواد: مآثر ومحاسن لم يسمع بمثلها فى الأعمار.