الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأخذ الفقه عن العلامة عماد الدين إسماعيل بن خليفة الجبائى بدمشق، وأذن له فى الإفتاء والتدريس. وكان فاضلا فى فنون، وله خط حسن.
وتوفى فى يوم الثلاثاء فى نصف صفر سنة تسع وسبعين بمكة. ودفن بالمعلاة، ولم يكمل الأربعين.
28 ـ محمد بن أحمد بن الوجيه عبد الرحمن بن عبد المعطى بن مكى بن طراد الأنصارى، الخزرجى، المكى، المعروف بالوجيه. وهى شهرة جده:
سمع على الشيخ خليل المالكى وغيره بمكة.
وتوفى بها فى أوائل شعبان سنة ست وثمانمائة، ودفن بالمعلاة عن أربع وثمانين سنة؛ لأنه ولد فى سنة اثنتين وعشرين وسبعمائة، على ما أخبرت به عنه، وكان يدعى بآخره سنا أعلا من هذا. والله أعلم.
29 ـ محمد بن أحمد بن عبد العزيز بن القاسم بن عبد الرحمن بن القاسم بن عبد الله، الهاشمى، العقيلى:
قاضى مكة، وخطيبها، وعالمها، كمال الدين أبو الفضل، النويرى، الشافعى. ولد ليلة الأحد مستهل شعبان سنة اثنين وعشرين وسبعمائة بمكة.
وسمع بها من جده لأمه القاضى نجم الدين الطبرى: بعض السيرة لابن إسحاق، تهذيب ابن هشام.
وأجاز له ومنه القاضى زين الدين الطبرى، وعيسى الحجى، وغيرهما: جامع الترمذى، وعلى الحجى: صحيح البخارى، فى سنة ثلاث وثلاثين.
وبالمدينة من الزبير الأسوانى: الشفا للقاضى عياض، وغير ذلك على غيرهم بالحرمين. كما سيأتى فى ترجمة أخيه القاضى نور الدين النويرى.
ثم رحل فى طلب العلم. فسمع بدمشق من مسندها أحمد بن على الجزرى: جزء آدم بن أبى إياس، وعلى الحافظ أبى الحجاج المزى: مجلسا من أماليه، فيه حديث «الأعمال بالنيات» (1). ومقطوعان له أحدهما: فى ثواب عيادة المريض. والآخر: فى
29 ـ انظر ترجمته فى: (شذرات الذهب 8/ 502).
(1)
أخرجه البخارى فى صحيحه حديث رقم (1) من طريق: حدثنا الحميدى عبد الله بن الزبير، قال: حدثنا سفيان، قال: حدثنا يحيى بن سعيد الأنصارى، قال: أخبرنى محمد بن ـ
مذاكرة العلم. وحدث عنه بصحيح البخارى سماعا، خلا فوتا شملته الإجازة، وعلى القاضى شمس الدين محمد بن أبى بكر النقيب: الأربعين الحديثية، لشيخه شيخ الإسلام محيى الدين النواوى عنه.
وتفقه عليه، وعلى قاضى دمشق العلامة تقى الدين على بن الكافى السبكى. وأخذ العلم أيضا عن التاج المراكشى بدمشق. وبمكة عن: الشيخ جمال الدين بن هشام، أخذ عنه العربية.
والشيخ ولى الدين المعروف بالمنفلوطى، أخذ عنه فنونا من العلم، وانتفع به فى ذلك كثيرا، وبالتاج المراكشى.
وحصل من العلم على أوفر نصيب، رقى به أعلا الذروة، واشتهر ذكره، وبعد صيته، وصار المنظور إليه ببلده، بل بالحجاز كله، ودرس، وأفتى، وناظر، وحدث.
وناب فى الحكم عن خاله القاضى شهاب الدين الطبرى. ثم ولى قضاء مكة بعد صرف القاضى تقى الدين الحرازى، فى أثناء سنة ثلاث وستين وسبعمائة. وباشر ذلك من استقبال رمضان هذه السنة، واستمر على ذلك حتى مات.
وولى مع ذلك خطابة الحرم ونظره. وكان يعبر عن نظره فيما مضى بمشيخة الحرم وحسبة مكة، وتدريس الثلاثة مدارس التى لملوك اليمن بمكة، وهى المنصورية، والمجاهدية، والأفضلية. وهو أول من درس بالأفضلية، وكان يسكن بها، وإليه نظر هذه المدارس.
وولى تدريس درس بشير الحمدار مشافهة منه. ودرس الحديث لوزير بغداد، ودرس
ـ إبراهيم التيمى أنه سمع علقمة بن وقاص الليثى يقول: سمعت عمر بن الخطاب رضى الله عنه المنبر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها، أو إلى امرأة ينكحها، فهجرته إلى ما هاجر إليه» .
وأخرجه مسلم فى صحيحه حديث رقم (4880) باختلاف فى اللفظ، من طريق: حدثنا عبد الله بن مسلمة بن قعنب، حدثنا مالك، عن يحيى بن سعيد، عن محمد بن إبراهيم، عن علقمة ابن وقاص، عن عمر بن الخطاب، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنما الأعمال بالنية، وإنما لامرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها، فهجرته إلى ما هاجر إليه» .
وأخرجه ابن ماجة فى سننه باب النية حديث رقم (4315). وأخرجه الترمذى فى سننه حديث رقم (1652).
الفقه للملك الأشرف شعبان، صاحب مصر. ولم تجتمع هذه الوظائف لأحد قبله من قضاة مكة، وبعضها لم يكن إلا فى زمنه.
واستمر على ولايته لجميع ذلك إلى أن مات، إلا أنه صرف عن المدارس قبيل وفاته، ولم يصل الخبر بذلك إلا بعد مماته.
وكان السبب الأعظم فى عزله عن المدارس: أنه منع القاضى زكى الدين الخروبى تاجر الخواص السلطانية بالديار المصرية؛ إذ كان مجاورا بمكة فى سنة خمس وثمانين وسبعمائة من تحصيب المسجد الحرام، وقال له: لا يكون هذا إلا من مال السلطان، يعنى: صاحب مصر.
وعارضه أيضا فى غير ذلك من مراده بمكة، فشق ذلك على الخروبى كثيرا وأحب إيذاء المذكور، وما وجد إلى ذلك سبيلا إلا من جهة المدارس بمكة، وأمرها لصاحب اليمن. وكان إذ ذاك الملك الأشرف إسماعيل بن الأفضل عباس بن مجاهد على بن المؤيد داود بن المظفر يوسف بن المنصور عمر بن على بن رسول.
وكان للخروبى عند الأشرف مكانة لقيامه بمصالحه فى التجارة وغيرها بمصر. ولما عرف الأشرف رغبته فى ذلك، عزل المذكور عن ذلك.
وكان قبل ذلك وشى إليه بعض الناس بهذا القاضى. فما قبل فيه قول الواشى، وكتب إليه بخطه يقول له: أنت على نظرك وتدارسك، لا يقبل فيك نقل ناقل، كيف والقول فيه مكذوب.
هذا معنى ما بلغنى من كتابة الأشرف إلى القاضى.
وكان يصل إليه من الأشرف صلة طائلة فى موسم كل سنة، بسبب خطبته له بمكة، وقيامه بالهدى عنه بمنى، وهدية يهديها القاضى إليه.
وبلغنى: أنه وصل إليه من الأشرف بسبب ذلك فى بعض السنن سبعة وعشرون ألف درهم. وما ظفر بذلك من صاحب اليمن قاض بعده. وغاية ما ظفر به بعضهم نحو ثلث ذلك وأقل.
ثم انقطع ذلك مع ما كان يصل لأمير مكة والمؤذنين، وما جرت به العادة من مدة خمس سنين متوالية، أولها: سنة أربع عشرة وثمانمائة، لتغير صاحب اليمن الملك الناصر أحمد بن الأشرف على صاحب مكة.
وكان أميرا بمكة فى عصر عجلان وابنه أحمد يراعيانه كثيرا، لتحققهما أن له عند المصريين قدرا خطيرا وكان يراعيهما فيما ليس فيه ملامة؛ لأنهما سألاه فى الخطبة بمكة لصاحب العراق شيخ أويسى لما وصلهما منه هدية سنية، ففعل ذلك وقتا، ثم ترك ذلك حتى الآن.
وكان يقول ولاة الحكم بمكة: أمر أهل الحرم إلىّ، فلا يعرضوا لهم بحكومة، ويكفهم عن ذلك كثيرا. فعز أهل الحرم عند الدولة بذلك.
وكان السيد أحمد بن عجلان يتردد إليه كثيرا لما يعرض له من الحوائج عنده، فيجتمعان بأسفل الأفضلية، وربما أمر القاضى باطلاعه إليه إلى مجلسه بوسط الأفضلية، فيفعل ذلك السيد أحمد بن عجلان بمشقة عظيمة لثقله باللحم. وأثر ذلك فى نفسه شيئا مع تأثيره من معارضة القاضى له فى بعض مقاصده، وحمله ما فى نفسه من الأثر على أن مكن بعض الناس من الإساءة بالقول على القاضى بحضرتهما وحضرة ملأ من الناس، فعرف القاضى أن ذلك أمر صنع بليل، وأنه عليه كثير الميل. فألزم نفسه الصبر، ليفوز بما فيه من الأجر، وكان على الأداء صبورا، وعند الناس مشكورا، ولم يكن يطمع بوظيفة القضاء فيما مضى.
وبلغنى أنه قال للنجاب حين جاءه مبشرا بذلك: المراد غيرى ـ يعنى الحرازى ـ لأنه ظن أن الذى مع النجاب استمرار الحرازى. فما كان إلا له، وصدق بذلك ما بشره به خطيب دمشق جمال الدين محمود بن جملة؛ لأنه كان قال له فى حياة خاله: بينا أنا بين الركنين خطر لى أنك تكون قاضيا بمكة، فاستبعد ذلك لضعف حاله فلما مات خاله جاءه كتاب المذكور من دمشق يقول له فيه: بلغنا موت القاضى شهاب الدين الطبرى، وصلينا عليه صلاة الغائب، وما كان لك سوف يصلك على ضعفك وإن كرهت، أو قال: وإن عجزت.
هذا معنى ما بلغنى من كتابه.
وأول ما سعى له فى الخطابة بمكة، وكتب له محضرا ليقف عليه من له الكلام فى الولاية فيعرف أهليته لذلك، وكتب فيه جماعة من جلة علماء الديار المصرية ـ إذ ذاك ـ وهم: الشيخ شهاب الدين أحمد بن النقيب صاحب مختصر الكفاية، والشيخ جمال الدين عبد الرحيم الأسنوى صاحب المهمات وغيرها، والشيخ بهاء الدين بن الشيخ تقى الدين السبكى، وهو المحرك لهذه القضية.
ولما سعى له فى الخطابة عند من له الكلام، قال: إن كان يصلح لجميع الوظائف فيولاها، فعرف بأهليته لذلك، فأشار بولايته لجميع ذلك، فتم ذلك.
وكان ذا يد طولى فى فنون من العلوم مع الذكاء المفرط والفصاحة والإجادة فى التدريس والإفتاء والخطبة، ووفور العقل والجلالة عند الخاصة والعامة. ومع ذلك فهو كثير التواضع مع الفقراء وأهل الخير، مكرما لهم. وحصل له بذلك خير كثير ولأولاده.
وكان كثير المروءة والمكارم؛ لأنه كان يخدم الأعيان الواردين إلى مكة بما يليق بجلالهم، وربما هادى بعضهم إلى بلده. وكان يديم البر لجماعة من أقاربه وغيرهم من أهل الخير.
وكان يقوم بكلفة كثير ممن يسافر معه إلى الطائف وإن كثروا، وتكرر ذلك منه مرات.
وقام أيضا عمن سافر معه إلى المدينة النبوية بكثير من الكلف، وآخر قدماته إليها فى موسم سنة ثمانين وسبعمائة، وجاور بها إلى أثناء السنة التى بعدها وخطب فى بعض هذه المدة بالحرم النبوى، وأم الناس به نيابة عن ولده خال قاضى الحرمين محب الدين النويرى.
وكان إذ ذاك قاضى المدينة وخطيبها وإمامها، وقل أن اتفق ذلك لغيرهما، ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء. وتيسر لكل منهما ما لم يتيسر للآخر. فما تيسر للأب سعة الرزق عليه بأخرة، بحيث أنه مات ولا دين عليه، وهذه نعمة عظيمة، سيما ببلاد الحجاز، فقل أن اتفق ذلك فيه لرئيس، وخلف تركة غير طائلة، وهو جدى لأمى.
توفى يوم الثلاثاء ثالث عشر شهر رجب سنة ست وثمانين وسبعمائة، وهو متوجه من الطائف إلى مكة، فنقل إليها، ودفن بالمعلاة بعد الصلاة عليه بالحرم الشريف.
وكان يخيل له: أنه يموت فى مرضه هذا؛ لأن منجما بالشام أخبره بنيله رياسة بلده فنال ما سبق، وبمبلغ سنه. فذكر قوله لما ابتدأ به المرض، وحسب عمره فإذا هو موافق لقول المنجم، فتم عليه الفناء المتحتم.
أخبرنى جدى لأمى قاضى القضاة كمال الدين أبو الفضل النويرى إذنا، وأخوه القاضى نور الدين على بن أحمد سماعا غير مرة: أن المعظم عيسى بن المغيث عمر بن العادل أبى بكر بن الكامل محمد بن العادل أبى بكر بن أيوب أخبرهما سماعا بالحرم
الشريف، قال: أخبرتنا السيدة مؤنسة خاتون بنت الملك العادل أبى بكر بن أيوب سماعا، قالت: أخبرتنا أم هانى عفيفة بنت أبى بكر أحمد بن أبى عبد الرحمن بن أبى بكر محمد الأصبهانية إجازة من أصبهان قالت: أخبرتنا أم إبراهيم فاطمة بنت أحمد بن القاسم الجوزدانية، قراءة عليها وأنا أسمع، قالت: أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن ربذة التاجر، قال: أخبرنا أبو القاسم سليمان بن أحمد بن أيوب بن مطير الطبرانى الحافظ، قال: حدثنا أبو مسلم الكشى قال: حدثنا أبو عاصم الضحاك بن مخلد عن أيمن ابن نايل عن قدامة بن عبد الله رضى الله عنه، قال:«رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يرمى جمرة العقبة على ناقة صهباء لا ضرب ولا طرد ولا جلد ولا إليك إليك» .
وبه إلى مؤنسة قالت: وأخبرنا أبو الحسن المؤيد بن محمد بن على الطوسى النيسابورى فى كتابه إلينا من نيسابور، قال: أخبرنا فقيه الحرم الشريف أبو عبد الله محمد بن الفضل بن أحمد بن محمد الصاعدى الفراوى، قراءة عليه وأنا أسمع بنيسابور.
وبه إلى مؤنسة قالت: وأخبرنا أبو روح عبد العزيز بن محمد بن أبى الفضل الهروى البزاز فى كتابه إلينا من هراة. قال: أخبرنا أبو القاسم تميم أبى سعيد الجرجانى، قراءة عليه وأنا أسمع بهراة.
وبه إلى مؤنسة، قالت: وأخبرتنا أم المؤيد زينب بنت أبى القاسم عبد الرحيم بن الحسن الشعرى الجرجانى فى كتابها إلينا من نيسابور، قالت: أخبرنا أبو محمد إسماعيل ابن أبى القاسم بن أبى بكر بن عبد الرحمن بن القارئ، قراءة عليه وأنا أسمع بنيسابور، قالوا: أخبرنا أبو حفص عمر بن أحمد بن مسرور الزاهد، قال: أخبرنا أبو عمرو إسماعيل بن مجيد بن أحمد السلمى، قال: حدثنا أبو مسلم الكجى، قال: حدثنا أبو عاصم عن أيمن بن نايل عن قدامة بن عبد الله رضى الله عنه، قال:«رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم على ناقة صهباء يرمى الجمرة ولا ضرب ولا طرد ولا جلد ولا إليك إليك» .
(2) أخرجه أحمد فى المسند حديث رقم (15044) باختلاف فى اللفظ، من طريق عبد الله: حدثنى أبى، ثنا موسى بن طارق أبو قرة الزبيدى من أهل الحصيب وإلى جانبها رمع وهى قرية أبى موسى الأشعرى، قال أبى: كان أبو قرة قاضيا لهم باليمن، قال: ثنا أيمن بن نايل أبو عمران، قال: سمعت رجلا من أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم يقال له: قدامة ـ يعنى ابن عبد الله ـ يقول: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم رمى جمرة العقبة يوم النحر، قال أبو قرة: وزادنى سفيان الثورى فى حديث أيمن هذا على ناقة صهباء بلا زجر ولا طرد ولا إليك إليك.
وأخرجه الدارمى فى سننه حديث رقم (1902).