الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وعرض له قولنج تعلل به سنين كثيرة، ولم يغارفه حتى توفى فى آخر ليلة الاثنين الثامن لشهر ربيع الآخر، سنة ثلاث وعشرين وثمانمائة بمكة، بدار زبيدة، وصلى عليه عقيب طلوع الشمس بالمسجد الحرام، عند قبة الفراشين كأبيه، ودفن بالمعلاة على أبيه، بقبر أبى لكوط.
ولم يوجد ـ فيما بلغنى ـ لأبيه أثر فى القبر، وبين وفاتيهما سبعة عشر سنة ونحو خمسة أشهر، رحمها الله تعالى.
وعرض له قبيل موته إسهال كثير بالدم، ولعله مات بذلك، فيكون شهيدا باعتبار أنه مبطون، وقد دخل لأجل الرزق إلى القاهرة مرتين، ومرتين إلى اليمن، وأقام بالقاهرة فى القدمة الأولى أزيد من عامين، وفى الثانية: نحو عام ونصف، ودخل فيها الإسكندرية، وهو ابن عمتى، وابن ابن عم أبى، رحمه الله تعالى.
268 ـ محمد بن عبد الرحمن بن أبى الخير بن أبى عبد الله محمد بن عبد الرحمن، الحسنى الفاسى المكى المالكى، الشريف القاضى رضى الدين أبو حامد، شقيق أبى الخير، وأبى عبد الله:
ولد فى رجب سنة خمس وثمانين وسبعمائة، وقيل فى سادس رجب سنة أربع وثمانين بمكة.
وسمع بها ـ ظنا ـ على العفيف عبد الله بن محمد النشاورى، والشيخ جمال الدين إبراهيم الأميوطى.
وسمع ـ يقينا ـ على جماعة من شيوخنا بالحرمين، منهم: مسند الحجاز إبراهيم بن محمد بن صديق الرشام، والشيخ زين الدين أبو بكر بن الحسين المراغى، أشياء كثيرة من مروياتهما.
وأجاز له باستدعائى، واستدعاء غيرى، جماعة من شيوخنا الشاميين وغيرهم، وحفظ عدة من المختصرات فى فنون من العلم، وثقه بوالده، وشيخنا القاضى زين الدين خلف النحريرى المالكى، فى «مختصر» الشيخ الجليل وغيره، والشيخ أبى عبد الله الوانوغى، وقرأ عليه فى «مختصر» ابن الحاجب الأصلى، وحضر درسه فى فنون من العلم بمكة وغيرها.
268 ـ انظر ترجمته فى: (الضوء اللامع 8/ 41).
وأخذ العربية عن إمام الحنفية بمكة الشيخ شمس الدين الخوارزمى، المعروف بالمعيد، والشيخ شمس الدين محمد بن جامع البوصيرى، لما جاور بمكة، وكثرت عنايته بالفقه، فتبصر فيه وفى غيره.
وكتب بخطه ـ ولا بأس به ـ عدة كثيرة من المؤلفات، وبعضها مجلدات، وأذن له شيخنا القاضى زين الدين خلف فى التدريس، ورأيت خطه له بذلك.
وذكر لى صاحب الترجمة، أنه أذن له فى الإفتاء، وذلك فى سنة سبع وثمانمائة، بعد أن رحل من مكة إلى المدينة، وللأخذ عن شيخنا المذكور.
وجلس من بعد هذه السنة للتدريس فى موضع تدريس والده، وصار لا يترك ذلك إذا كان بمكة، إلا لشغل أو مرض، أو فى الأوقات التى يترك الناس فيها التدريس، كرمضان وأيام المراسم.
وكان يدرس بغير هذا الموضع، بزيادة باب إبراهيم، عند دار زبيدة، وكان كثير الجلوس هناك، وكان يفتى الناس كثيرا فى المدة المشار إليها، ومدة تصديه للتدريس والإفتاء، نحو خمس عشرة سنة، وكثير من فتاويه يقصد فيه المعارضة فيما رفع إلىّ من الأحكام، ويتم عليه فى ذلك أشياء كثيرة على غير السداد، وبينت له ذلك، وقف عليه مرات.
وكان قبل ذلك مائلا إلىّ فاستنبته فى العقود والفسوخ، ثم تكدر لبعض القضايا الواقعة عندى لبعض قرابته، فرغب عن ذلك، وتصدى للمعارضة بالفتوى وحب الولاية لمنصب قضاء المالكية الذى بيدى، ووليه فى حال غيبتى باليمن، بإعانة جماعة كان فى نفسهم منى شئ.
وكتب له بذلك توقيع مؤرخ بالرابع والعشرين من شوال سنة عشرة وثمانمائة، ووصل هذا التوقيع لمكة، وقرئ فى أوائل ذى الحجة منها، بمجلس أمير الحاج المصرى، ولبس لأجل ذلك خلعة وباشر الأحكام.
فلما رحل الحجاج المصريون عن مكة ليلة (1)، أتانى توقيع ـ بالولاية على عادتى ـ مؤرخ بسابع ذى القعدة منها فباشرت، وترك هو المباشرة، واستمر شديد الحرص على عوده للولاية، فلم يتم له ذلك حتى مات، مع عدم إجماله فى طلب ذلك، فلا حول
(1) على هامش نسخة التيمورية: «صوابه: ليلة الخامس عشر من ذى الحجة، لأنه كذا فى ترجمة المؤلف» .